استهل وزير الخارجية المصري سامح شكري جولته لسوريا وتركيا، في 27 فبراير 2023، بزيارة لدمشق، التقي خلالها بالرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد. وبعد ساعات، وصل شكري إلى مدينة أضنة (جنوبي تركيا)، والتقي بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو.
وتأتي جولة شكري في سياق التعاطي المصري مع كارثة الزلزال في تركيا وسوريا يوم 6 فبراير؛ حيث تحركت مصر على المستوى الدبلوماسي بالاتصال بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيريه السوري فيصل المقداد والتركي مولود تشاووش أوغلو في نفس اليوم لتنسيق التحرك الإنساني والإغاثي بما يحتاجه البلدان للتعامل مع تداعيات الكارثة، ثم جاء اتصال الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيريه السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان في اليوم التالي لنقل التعازي والتأكيد على دعم مصر المتواصل بكل ما يحتاجه البلدان من مساعدات إنسانية وإغاثية، والتي وصلت إلى 1500 طن إلى سوريا، و6 شحنات إلى تركيا[1].
ولكن يبدو أن هذه الزيارة تحمل ما هو أبعد من الدعم الإنساني وتتخطاه لتحقيق أهداف سياسية، خاصة وأن زيارة شكري لتركيا وسوريا تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، كما كان من الممكن أن تكتفي القاهرة بإرسال المساعدات دون القيام بهذه الزيارة. ما يوحي بأن الزيارة تأتي في سياق استكمال مسار طويل لاستعادة علاقات القاهرة وأنقرة من جانب، والقاهرة والنظام السوري من جانب آخر، بعد أن مرت بعدة منعطفات خلال العقد الماضي[2].
وعلي ضوء ذلك، تسعى هذه الورقة إلى قراءة إمكانية نجاح زيارة شكري في كسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربيًا، ومسار تطبيع العلاقات المصرية التركية.
أولًا: إمكانية نجاح الزيارة في كسر عزلة رئيس النظام السوري عربيًا:
يمكن الإشارة إلي مجموعة من الأسباب التي قد تدفع في اتجاه نجاح زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري في تطبيع العلاقات المصرية- السورية، وكسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربيًا، تتمثل أبرزها في:
1- إن العلاقات بين نظامي السيسي والأسد مستقرة إلى حد كبير منذ تولي الأول للسلطة، فمنذ الوهلة الأولى أعلن دعمه للجيش السوري ونظام الأسد بشكل كبير في مواجهة المعارضة التي دومًا ما كانت توصف في الخطاب الرسمي والإعلامي المصري بـ”الجماعات الإرهابية”.
وخلال السنوات الثمانية الماضية كانت هناك قنوات اتصال بين القاهرة ودمشق، لعل أبرزها اللقاء الذي تم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2021، الذي جمع وزير الخارجية المصري مع نظيره في النظام السوري فيصل المقداد.
وخلافًا لذلك كان نظام السيسي أحد أبرز الأنظمة التي دعمت الأسد لوجستيًا وعسكريًا، حيث سمحت بوصول الأسلحة الإيرانية إليه عبر قناة السويس دون اعتراض البواخر الإيرانية المحمّلة بها[3]، بجانب التعاون الاستخباراتي والتنسيق الأمني، وهو ما كشفت عنه الزيارة التي قام بها رئيس مكتب “الأمن الوطني” التابع للنظام، اللواء علي مملوك، إلى القاهرة، في عام 2018 بدعوة من رئيس جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل[4].
بخلاف تأييد القاهرة للدعم الروسي للنظام السوري، ولوزير الخارجية المصري تصريح شهير في هذا الأمر حين قال: “دخول روسيا بإمكاناتها وقدراتها في هذه الحرب، بتقديراتنا، سيحد من تأثير الإرهاب في سوريا، والقضاء عليه”.
ورغم تلك القنوات المفتوحة بين القاهرة ودمشق، فإن السيسي لم يهاتف الأسد مباشرة – ناهيك عن لقائه – إلا غداة زلزال 6 فبراير الحالي[5].
كما أن زيارة شكري لدمشق هي الزيارة الأولي منذ عام 2011 عندما علقت الدول العربية عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.
وهو ما يؤشر علي وجود حالة من الزخم في العلاقات بين البلدين، وقد تكون الزيارات الدبلوماسية والتي جاءت بدوافع إنسانية مقدمة لزيارات قد تتم في المستقبل بدوافع سياسية.
2- حالة الانفتاح العربي المتزامن والمتصاعد علي النظام السوري، فقد تزامنت زيارة شكري إلى دمشق مع تحركات على المستوي العربي في التعاطي مع كارثة الزلزال، مثل طائرات وشحنات المساعدات العربية التي حطت في الأراضي السورية بالتنسيق مع الحكومة السورية، ومنها طائرات المساعدات السعودية التي هبطت في مطار حلب للمرة الأولى، علاوة على التحركات الدبلوماسية مثل زيارة الأسد إلى سلطنة عمان في 20 فبراير، وزيارة كلُا من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق في 12 و15 فبراير على الترتيب، وصولًا إلى زيارة الوفد البرلماني العربي الذي تشكل من رؤساء برلمانات مصر والعراق والإمارات والأردن وفلسطين وليبيا وسلطنة عمان ولبنان إلى دمشق في 26 فبراير[6].
وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، تلقى الأسد اتصالًا هاتفيًا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. وبعد أيام من الزلزال، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد قراره رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا، وهي خطوة ربما تمهد لإعادة العلاقات بشكل كامل مع نظام الأسد. فيما نقل وفد وزاري لبناني مكلف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأسد استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال مساعدات ترد إلى سوريا من أي دولة أو جهة. وهذا أول وفد وزاري رسمي لبناني يزور دمشق منذ اندلاع النزاع 2011، بينما توجه إليها في السابق وزراء لبنانيون بمبادرات شخصية، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة في بيروت قد اتبعت سياسة “النأي بالنفس” عن النزاع في سوريا[7].
3- تلعب الإمارات علي وجه التحديد، بجانب مصر والأردن، الدور الأبرز في مساعي إعادة النظام السوري إلي الجامعة العربية، والذي يتماشى مع رغبة الجزائر والعراق وسلطنة عمان ولبنان والذين في الأصل لم يقطعوا علاقاتهم مع النظام السوري منذ بداية الثورة. فيما تتمثل الدول الرافضة لتعويم النظام السوري عربيًا في السعودية وقطر والكويت.
وفي هذا السياق، وقبل زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في 12 فبراير، فقد استقبلت الإمارات في 18 من مارس 2022 بشار الأسد وكانت الزيارة الأولى من نوعها لدولة عربية منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كما قام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في وقت سابق بزيارتين لدمشق الأولى في 11 نوفمبر2021 والزيارة الثانية في تاريخ 4 يناير 2023.
وكجزء من عملية التعويم تدعم الإمارات النظام السوري في عدد من المجالات، ففي وقت سابق كشف تقرير في عام 2020 لموقع XXI الفرنسي أن الإمارات تدرب ضباط المخابرات العسكرية السورية وتقدم المساعدة لنظام بشار الأسد في المجالات اللوجستية والتقنية والعلمية، كما قدم الضباط الإماراتيون الدعم لهيئة الأركان العامة للجيش السوري، حيث سُمح لخمسة طيارين سوريين بالتدريب في أكاديمية خليفة بن زايد العسكرية، كما تقدم الإمارات مساعدات لبناء المرافق العامة ضمن مناطق سيطرة النظام، فضلاً عن تمويل إعادة إعمار المباني العامة ومحطات الطاقة ومحطات تنقية المياه داخل العاصمة دمشق.
وتبرر الإمارات هدفها في تعويم نظام الأسد بهدف تغيير سلوك النظام فيما يتعلق بنشاط الميليشيات الإيرانية جنوبي سوريا، عن طريق إغرائه باستعادة شرعيته العربية والدولية[8]. كما تسعى الإمارات من خلال دعم الأسد إلي المحافظة على الوضع الراهن في المنطقة العربية، بمعنى العودة إلى ما قبل عام 2011، ومحاربة الأحزاب والجماعات الإسلامية[9].
4- تغير الموقف السعودي الذي يعتبر العائق الرئيسي أمام إمكانية عودة سوريا للجامعة العربية. ويمكن تلمس هذا التغير في تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، في 18 فبراير، بأن “إجماعًا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين”[10].
وفي هذا السياق؛ فقد أشارت بعض التقارير الإعلامية إلي أن السعودية تسعي إلي بلورة مبادرة حول سوريا تتضمن إحياء المفاوضات المباشرة بين المعارضة السورية والنظام لكتابة دستور جديد، والتمهيد لانتخابات برلمانية ورئاسية، قبل تطبيع العلاقات مع الأسد. وبحسب موقع تلفزيون سوريا، فإن استقبال سلطنة عمان لبشار الأسد مرتبط بالجهود السعودية، حيث تم نقل رسائل مهمة للأسد والاستماع إلى وجهة نظره في المبادرة[11].
يأتي ذلك، بعدما قدمت الرياض، فى كارثة الزلزال، مساعداتها لسوريا عبر مسارين: الأول، مساعدات تصل تركيا ومن خلالها يتم إدخالها للشمال السورى المنكوب. والثانى، تمثل فى جسر جوى من الطيران المدنى السعودى نقل مواد الإغاثة الإنسانية والمساعدات الطبية إلى داخل المناطق التى يسيطر عليها النظام فى حلب واللاذقية. ما أعتبره البعض إضافة إلى نتائج التقارب بين الرياض ودمشق مؤخراً، وأبرزها زيارة مدير الاستخبارات السورية للرياض فى عام 2022. مشاركة الرياض فى جهود الإغاثة بشمال سوريا -وفقاً لمحللين- ربما تسرع من خطوات التقارب بينها وبين دمشق خلال الفترة المقبلة، لا سيما وأن التداعيات الكارثية للزلزال تبدو آثارها ممتدة على مدار سنوات قادمة ستحتاج فيها المناطق المنكوبة للكثير من المساعدات الإنسانية[12].
4- تصاعد أصوات في أوروبا تدعو للتنسيق مع النظام السوري وتخفيف العزلة الدولية عنه لاحتواء الأزمة داخل الأراضي السورية، حيث تتخوف بعض الدول الأوروبية وخاصة إيطاليا واليونان، من موجات هجرة غير شرعية جديدة مصدرها الأراضي السورية.
وفي هذا السياق؛ فقد رعت دول أوروبية مثل إيطاليا خلال الفترة الماضية بعض اللقاءات لشخصيات سورية عن طريق مراكز أبحاث ممولة من الفاتيكان.
وتمحور النقاش حول أهمية رفع العقوبات عن سوريا، تجنباً للمزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية، وانهيار مؤسسات الدولة بالكامل. وبالتالي من المحتمل أن هذه الأصوات أعطت دوافع لبعض الدول العربية للانفتاح بشكل أكبر علي الأسد[13].
5- تأكيد بعض المحللين بأن التقارب بين دمشق وعدد من الأنظمة العربية خلال العامين الماضيين لقى استحسان الولايات المتحدة باعتباره يوفر لدمشق دعماً عربياً إقليمياً يوازن الدعم الإقليمى الذى توفره لها إيران والدعم الدولى الذى تمثله روسيا.
ومن أبرز حالات التقارب التى رحبت بها واشنطن بين عدد من الدول العربية ودمشق هو مشروع نقل الغاز المصرى إلى لبنان عبر سوريا برعاية الأردن، خاصة وأن الأخير أعاد خلال العام الماضى فتح المعابر الحدودية بينه وبين سوريا أمام حركة التجارة البينية. ولم تطبق الولايات المتحدة أية عقوبات على الدول المشاركة فى هذا المشروع باعتباره يمثل خرقاً لقانون قيصر المفروض على دمشق منذ عام 2019، فيما فُسر وقتها أن الولايات المتحدة “ربما” تترك باب التقارب مع النظام السورى “موارباً”.
وفي هذا السياق، فقد حدث نوع من الانفتاح الأمريكي علي نظام الأسد من خلال التعاطى الأمريكى مع كارثة الزلزال، فبالرغم من العقوبات التى تفرضها على دمشق ممثلة فى قانون قيصر، فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إعفاء المعاملات الخاصة بجهود الإغاثة الإنسانية فى سوريا من العقوبات لمدة 6 شهور فى محاولة من واشنطن لدرء شبهة تعطيل جهود الإغاثة الإنسانية بفعل العقوبات التى تفرضها على النظام فى دمشق[14].
وفي المقابل، فهناك مجموعة من الأسباب التي تحول دون إمكانية نجاح القاهرة في تعويم نظام الأسد عربيًا، تتمثل أبرزها في:
1- فعلي الرغم من أن أغلب التحليلات تؤكد علي أن زيارة شكري وباقي الزيارات العربية عقب كارثة الزلزال هدفها الأساسي إعادة تعويم نظام الأسد وليس تقديم الدعم الإنساني، حيث أنها كانت تتوجه إلي دمشق وتتم مع رئيس النظام بشار الأسد، ولم تتوجه للمناطق في شمال غربي سوريا وهي المناطق التي ضربها الزلزال وحلت بها الكارثة[15]. كذلك فقد كان من الممكن تقديم المساعدات الإنسانية دون القيام بهذه الزيارات.
إلا أنه بالنظر إلي تصريحات الأسد وشكري، علي هامش زيارة الأخير لدمشق، يمكن القول أن هناك اختلاف بينهما حول قراءة هدف الزيارة ودلالاتها. ففي حين يعتبرها الأسد تمهيدًا لإنهاء القطيعة المصرية والعربية، حيث شدد الأسد على حرص سوريا على علاقاتها مع مصر، واعتبر أن العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية بشكل ثنائي هو الأساس لتحسين الوضع العربي بشكل عام. ففي المقابل، فقد حرص شكري علي التأكيد، في رده على سؤال بشأن إمكانية إعادة مصر علاقاتها مع سوريا لسابق عهدها وما إذا كانت مصر ستدعم إلغاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، إن “هدف الزيارة إنساني في المقام الأول”، وأضاف أن مصر تتطلع لزيادة الدعم المُقدم بعد الزلزال “بتنسيق كامل مع الحكومة السورية” بعدما قدمت القاهرة بالفعل نحو 1500 طن من المساعدات[16]. ما يوحي بأن هناك تحفظات مصرية وعربية علي تطبيع العلاقات مع سوريا وإعادتها للجامعة العربية.
2- لا تزال هناك بعض الدول العربية الرافضة لتعويم الأسد مثل قطر والكويت. ومؤخرًا، فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في إحاطة أسبوعية، في 28 فبراير، إن “الأسباب التي دعت لتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة”. وأضاف: “إذا لم يكن هناك حل سياسي حقيقي، فلن يكون هناك تغيير في الموقف القطري من هذه المسألة”.
وقد أعلنت قطر مرارا رفضها التطبيع مع نظام الأسد، داعية إلى حل الأزمة السورية من خلال التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يطالب جميع الأطراف بالتوقف عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية، وإجراء انتخابات تحت إشراف أممي لإجراء تحول سياسي[17].
أضف إلي ذلك، فبرغم حالة التقارب السعودي مع نظام الأسد، إلا أن مستوى هذا التقارب لن يصل إلى حد التطبيع الكامل للعلاقات مع النظام السورى على الأقل فى المدى القريب، نظراً لارتباطه بعامل إقليمى مهم يتمثل فى درجة التعاون الاستراتيجى القوية بين النظام السورى وبين إيران.
فبالرغم من المباحثات التى جرت بين مسئولين سعوديين وإيرانيين برعاية العراق فى بغداد خلال العام الماضى، إلا أنها لم تسفر عن حلحلة كاملة لحالة الجمود فى العلاقات بين البلدين، نتيجة تعدد ملفات الاشتباك الإقليمى بين الرياض وطهران وأبرزها؛ ملف اليمن، والبرنامج النووى الإيرانى.
هذا إلى جانب أن التقارب العربى مع النظام فى دمشق لم يسفر حتى اللحظة عن مؤشرات تقول بأنه قد يؤدى إلى تقليص دور إيران فى سوريا.
فثمة من يرى أن التقارب العربى مع دمشق ربما يوازن دور إيران فى سوريا، لكنه لن يمكنها من “الفكاك” الكامل من النفوذ الإيرانى، بل إن هذا التقارب ترحب به إيران لأنه فى النهاية يعزز من مكانة حليفها النظام السورى، ويساعده على تجاوز الآثار الاقتصادية الناتجة عن سنوات الصراع المسلح مع المعارضة.
ومن ثم تظل عملية الانفتاح السعودى على دمشق فى ظل الظروف الراهنة محصورة فى الأبعاد الإنسانية فقط، خاصة بعد الزيارة التى قام بها قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى إسماعيل قاآنى لمدينة حلب السورية فى اليوم الثالث لوقوع الزلزال تحت مسمى الإشراف على فريق الإغاثة الإيرانى، فبهذه الزيارة تعمدت إيران توصيل رسائل سياسية لعدة أطراف إقليمية وتحديداً السعودية وتركيا تقول بأنها دائماً رقم مهم فى معادلة النفوذ الإقليمى فى سوريا حتى داخل المناطق التى تشكل “اشتباكاً إقليمياً” كمنطقة حلب!![18].
3- أن القوى المؤثرة في الساحة السورية ليست عربية، وإنما إقليمية مثل تركيا وإيران، إضافة إلى روسيا، وهذه القوى لن تسمح لأي مبادرة عربية بالنجاح إذا ما كانت خلافًا لمصالحها[19].
كما أنه لا حل سياسياً في سوريا (وهو المطلب الذي تتمسك به الدول العربية من أجل تعويم الأسد)، فالقرار ليس سوريًا خالصًا، إنما لديه شريكان هما روسيا وإيران، ولن يقبل أي طرف منهما بإشراك المعارضة في الحكم، خاصة أن هذه الأطراف تنظر للمعارضة السورية السلمية أو الفصائل المسلحة منها، إما كإرهابيين أو عملاء للغرب[20].
4- من الصعوبة القول بأن كارثة الزلزال من شأنها أن تعيد دمج النظام السورى فى المجتمع الدولى؛ فالولايات المتحدة وإن كانت قد “علقت” العمل بعقوبات قانون قيصر لمدة 6 شهور، فالدافع الرئيسى لذلك هو المساهمة فى تسهيل عملية تقديم المساعدات الإنسانية، بدليل أنها لم تتعامل مباشرة مع النظام السورى وحكومته فى هذا الشأن، ولكنها فضلت تقديم مساعداتها للمناطق الخاضعة للنظام عبر آليات المنظمات الدولية العاملة فى هذا المجال، وتحديداً التابعة للأمم المتحدة.
هذا بخلاف أن عقوبات قانون قيصر لا تخضع له المساعدات الإنسانية فى الأساس، كما أكدت واشنطن، حيث يحتوى على نقاط محددة تستثنى المساعدات الإنسانية، أما المجالات التى تشملها العقوبات هى هى المنتجات النفطية والنظام المالى والمعدات العسكرية[21].
أضف إلي ذلك، فقد أقر مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، قبل أيام، بالأغلبية الساحقة (414 عضواً في مقابل صوتين من أصل 435 نائباً هم عدد أعضاء المجلس)، مشروع قانون، تم طرحه في 17 فبراير، يهدف لمراقبة آلية إيصال المساعدات للمتضررين من زلزال 6 فبراير الماضي في سورية وتركيا، ومنع النظام السوري من استغلالها والوقوف بوجه بشار الأسد. ويحتاج مشروع القانون للمرور من غرفة الشيوخ في الكونغرس قبل مصادقة الرئيس جو بايدن عليه ليكون فاعلاً. ويغلب التفاؤل على مرور القانون من غرفة الشيوخ بسبب التوافق الكبير بين الحزبين عليه.
وفي أول تعليق لكبير النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ، قال جيم ريتش إن “موجة الانفتاح الأخيرة على الأسد لن تفيد شركاءنا العرب، ولن يكون من شأنها إلا فتح الباب لعقوبات أميركية محتملة”، مضيفاً: “لن تمحو فاجعة الزلزال جرائم الأسد بحق الشعب السوري. يجب منع إعادة تأهيل النظام أو إعادته للجامعة العربية”.
ونشر موقع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي كلمة رئيس اللجنة الجمهوري مايك ماكول، الذي أبدى “قلقه العميق” من الانفتاح الدبلوماسي على الأسد، وقال: “الأسد مجرم حرب، والتطبيع معه هو جريمة شنيعة أخلاقياً وخطأ استراتيجي”. ودعا إلى تفعيل “قانون قيصر” لمنع أي مشروع لإمداد الطاقة إلى لبنان، يستفيد منه نظام الأسد. ويقصد ماكول النقاشات الجارية في واشنطن بشأن تسهيل حصول بيروت على الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر الأراضي السورية[22].
خلاصة القول؛ أن الانفتاح المصري علي سوريا يأتي في سياق الانفتاح العربي المتزايد عليها، فبعد تعليق جامعة الدول العربية عضوية سوريا عام 2011، بعد الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 والقسوة البالغة التي تصدى بها نظام الأسد للانتفاضة الشعبية، الأمر الذي أدى إلى مصرع عشرات الآلاف وتهجير ملايين السوريين والكشف عن جرائم وانتهاكات مروعة بحق المدنيين[23].
وبعد عقد ونيف من الحرب، يسود اعتقاد متزايد في المنطقة العربية بأن عودة الانفتاح على الأسد لا مفر منه في ضوء التحولات التي طرأت على مسار الصراع وبأنها ستساعد في إعادة الدور العربي إلى سوريا وتهميش أدوار قوى إقليمية منافسة كإيران على وجه الخصوص.
وبينما كان التوجه العربي الجديد في سوريا محصوراً في السابق ببعض الدول التي تطمح للعب دور قيادي في الحالة الإقليمية كالإمارات، فإنه اكتسب زخماً أكبر من حيث اندفاعته واتساع رقعته بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا. يتمثل التغير الأبرز في موقف المملكة العربية السعودية التي أحدثت تحولاً في سياستها السورية وتخلت عن معارضة الانفتاح على الأسد وبدأت تتحدث عن الحاجة العربية إلى الحوار مع دمشق لمعالجة المسائل الإنسانية للصراع والمساعدة في عودة اللاجئين السوريين[24].
ولا شك أن هذه التحركات الواسعة اللاحقة لكارثة الزلزال ستسرع في وتيرة تطبيع علاقات سوريا السياسية مع جيرانها وتزيد من قرب خطوة عودة البلاد إلى جامعة الدول العربية، على الرغم من استمرار عدم ترحيب دول مثل قطر والكويت.
لكن في كل الأحوال، ستبقى العلاقات الاقتصادية العربية مع سوريا بعيدة المنال؛ حيث لا توجد مؤشرات تذكر على أن الولايات المتحدة مستعدة قريبًا لإنهاء نظام عقوبات “قانون قيصر” الصارم على دمشق المرتبط بالتوصل لحل سياسي أولًا، وإن علقته لمدة 6 أشهر فقط فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، وقد تساعد العلاقات الدبلوماسية المتزايدة الدول العربية على إقناع الحكومة السورية باتخاذ خطوات سياسية تخفف من تلك العقوبات، أو على الأقل هكذا تراهن بعض الدول العربية، لكن ليس من المرجح أن تنجح الدول العربية في فك الارتباط بين سوريا وإيران قريبًا[25].
حيث لا يزال النظام السوري يعتمد بشكل أساسي على إيران من حيث الحاجة لدورها العسكري وبدرجة أقل الدعم الاقتصادي الذي تُقدمه طهران لدمشق. كما أن الأسد يميل إلى إحداث موازنة في مصالحه بين إيران والدول العربية. إضافة إلى ذلك، فإن الشراكة المتنامية بين روسيا وإيران في أعقاب الحرب الروسية علي أوكرانيا، تُضعف الرهان العربي على دور روسي في تحجيم التأثير الإيراني.
وأخيرًا، فأن هذا الانفتاح العربي علي سوريا لن يساعد في دفع السلام المنشود في سوريا؛ لأنه سيزيد من فائض الثقة لدى الأسد وحلفائه بقدرتهم على إعادة تطبيع النظام عربياً دون الحاجة إلى إحداث تغيير سياسي حقيقي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري.
ومن جانب آخر، فإن تنامي الانفتاح العربي على الأسد يعزز الهوة في السياستين العربية والغربية في سوريا ويضعف الفرص المتبقية للعالم لممارسة ضغط على النظام للقبول بتسوية سياسية[26].
ثانيًا: إمكانية نجاح الزيارة في تطبيع العلاقات المصرية- التركية:
يمكن الإشارة إلي مجموعة من العوامل التي قد تساهم في نجاح زيارة وزير الخارجية المصري إلي تركيا في دفع بين الدولتين نحو مزيد من التحسن، تتمثل أبرزها في:
1- تأتي زيارة شكري في سياق دخول مصر وتركيا عملية لتطبيع العلاقات بينهما، عبر سلسلة من الاتصالات السياسية التي تم الإعلان عنها من جانب تركيا في مارس 2021، تم تتويجها في أبريل من نفس العام بمحادثة هاتفية بين وزيري خارجية كلا البلدين، ثم انعقاد الجولة الأولى من المباحثات الاستكشافية بين الجانبين في شهر مايو من نفس العام بالعاصمة المصرية، وهي الجولة التي حقق فيها كلا الطرفين تقدمًا كبيرًا في بحث آفاق توسيع وتحسين العلاقات بينهما، من ثم انعقدت الجولة الثانية من المباحثات بعد ذلك بثلاثة أشهر في العاصمة التركية، لكن لم تحرز هذه الجولة نفس النجاحات التي حققتها الجولة السابقة.
مسار تطبيع العلاقات هذا تعرض لبعض التباطؤ خلال عام 2022، ورأت القاهرة على لسان وزير خارجيتها سامح شكري في أكتوبر 2022 أن السبب في هذا يعزى إلى عدم وجود تغيير واضح في الممارسات الإقليمية لتركيا، خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، لكن شهدت العلاقات بين الجانبين دفعة مهمة للأمام، عبر اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في نوفمبر الماضي بالعاصمة القطرية الدوحة[27].
2- وفي هذا الإطار، تمثل زيارة سامح شكري إلى أنقرة خطوة متقدمة للغاية في مسار العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا منذ 2013؛ لكونها تعد الزيارة الأولى لوزير خارجية مصر إلى تركيا منذ عام 2013، بالإضافة إلى ما شهدته الزيارة من تصريحات متبادلة بين وزيري خارجية البلدين تؤكد علي وجود جهود لتحسين وتطوير العلاقات بينهما. فقد أكد شكري في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي جاويش أوغلو علي أن “زيارتنا هي رسالة صداقة وتضامن”، ومؤكدًا أن “اتصالات مرتقبة ستحصل بين الرئيسين المصري والتركي”.
وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية المصرية عن وجود نية مشتركة مع تركيا لوضع إطار محدد يعيد العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي[28].
فيما قال أوغلو للصحفيين: “تبادلنا خلال محادثاتنا اليوم وجهات النظر حول الزيارات المتبادلة في الفترة المقبلة. التقى نائبا وزيري الخارجية مرتين من قبل، وسيكون من المفيد أن يجتمعا مرة أخرى. وبعد محادثاتنا يمكن أن يجتمع الرئيسان في تركيا أو مصر”.
وأوضح أنهما ناقشا “الخطوات التي سنتخذها لتحسين وتطوير العلاقات بين تركيا ومصر بما يصب في مصلحة الطرفين، ويخدم تحقيق السلام والتنمية والاستقرار في منطقتنا”[29].
وبالتالي، فإن زيارة شكري لأنقرة ربما تكون مقدمة لعودة تبادل السفراء بين الدولتين رغم الخلافات بينهما إزاء بعض الملفات الإقليمية، خاصة في ظل حالة التقارب الدبلوماسي الأخيرة المتمثلة في لقاء السيسي وأردوغان في قطر في نوفمبر 2022، وزيارة شكري الأخيرة إلي تركيا.
خاصة وأن زيارة شكري تمت داخل تركيا، في ظل ما كان يبدو أنه تحفظًا بين كبار مسئولي البلدين علي الزيارات المتبادلة، وهو ما يمكن تلمسه في لقاء السيسي وأردوغان في “قطر”، ولقاء وزيري خارجية الدولتين علي هامش اجتماعات “الأمم المتحدة”.
3- قد تساهم زيارة شكري إلى أنقرة في تعميق التعاون الاقتصادي بين الجانبين والذي عكسه تصريح وزير الخارجية التركي، أثناء لقائه شكري، بشأن إمكانية التعاون مع مصر في إعادة الإعمار ما بعد الزلزال. وفي هذا السياق، فقد التقي رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، في أول لقاء من نوعه منذ 10 أعوام، بمجموعة من المستثمرين الأتراك، في 15 فبراير، الذين تعهدوا بضخ استثمارات جديدة بقيمة 500 مليون دولار في مصر[30].
وتجدر الإشارة إلى أن مصر بصدد خصخصة العديد من الشركات التي تديرها الدولة، ويمكن أن تلعب تركيا دوراً في هذه العملية إلى جانب الاستثمارات الضخمة من قبل دول الخليج.
4- قد تفتح زيارة شكري إلى أنقرة الباب إلى المزيد من الانخراط بين القاهرة وأنقرة في مسار تهدئة التوترات والتوصل إلى حلول بشأن الملفات الخلافية وخاصة في ليبيا وشرق المتوسط.
وفي هذا السياق، فقد توقع مراقبون بإمكانية أن تسهم التطورات الحالية التي تمر بها كلًا من مصر وتركيا في حدوث تقارب بينهما فيما يتعلق بالملف الليبي.
حيث ستنشغل الحكومة التركية بجهود الإنقاذ والإغاثة بصورة أكبر من التركيز على سياستها في ليبيا، بالإضافة إلى إمكانية تقليص الاستثمارات الاقتصادية التركية في ليبيا مع بدء شركات البنية التحتية بالتركيز على إعادة الإعمار بعد الزلزال.
ومن جهتها، قد يكون لدى مصر حالياً حافزاً أكبر للمساعدة في تحقيق الاستقرار في ليبيا نظراً لأزمتها الاقتصادية المتزايدة في الداخل، والتي شملت تخفيضاً شديداً في قيمة العملة، وارتفاع التضخم، ونقص السلع الأساسية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ما إذا كانت القاهرة لا تزال تفضل الإبقاء على الوضع السياسي الراهن في شرق ليبيا أو حصد المنافع الاقتصادية الناتجة عن قيام حكومة ليبية مستقرة، لا سيما على شكل مئات الآلاف من فرص العمل للعمال المصريين، كما كان عليه الحال قبل ثورة 2011. ووفقاً لبعض التقارير، عرضت ليبيا أيضاً تثبيت الجنيه المصري من خلال توفير الودائع في البنك المركزي المصري[31].
وفي المقابل، يقلل البعض من أهمية زيارة شكري لتركيا، حيث أنها لم ترق إلى مستوى اعتبارها زيارة سياسية رسمية، كونها جرت في ظروف استثنائية وإلى مناطق الزلزال وليس العاصمة أنقرة، ولم تشمل مناقشات ملفات سياسية حقيقية، باستثناء التأكيد على عمق العلاقات بين شعبي البلدين والرغبة في تطوير العلاقات.
كما أن مسار تطبيع العلاقات لن تحدده الزيارات الإنسانية أو الرسائل السياسية وإنما مدى قدرة الجانبين على حل الملفات الأمنية والسياسية العالقة، وخاصة فيما يتعلق بملفات الإخوان المسلمين وخلافات شرق المتوسط والأهم ملف ليبيا الذي لا زال يعتبر العقبة الأهم في مسار تحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة[32]. ويمكن توضيح هذه العقبات بشئ من التفصيل كما يلي:
1- ملف شرق المتوسط: حيث يعتبر ملف شرق المتوسط وتقاطعاته المختلفة هو العقدة الرئيسية التي تعوق تقدم العلاقات بشكل متسارع، ووصولها إلى نقطة التطبيع الكامل. ففي أعقاب اللقاء الذي جمع السيسي بأردوغان في الدوحة، أكد الرئيس التركي – في تصريحات للصحفيين في طريق عودته – أن “طلب أنقرة الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط”. وذلك في ظل الصراع بين تركيا واليونان المتحالفة مع مصر، على مناطق النفوذ والمياه الاقتصادية في شرق المتوسط.
فمع سنوات الخلاف الأولى بين القاهرة وأنقرة، حددت مصر وجهتها ووقفت إلى جانب اليونان في خلافها مع تركيا حول موارد الغاز في البحر المتوسط. وفي صيف عام 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية تم بموجبها تحديد المنطقة الاقتصادية لكلا البلدين في شرقي المتوسط، وانتقدت تركيا الاتفاقية وقالت إنها “اتفاقية قراصنة”.
ثمة إشكالية أخرى مرتبطة بهذا الملف، تقف في مواجهة أي تطورات حقيقية بالنسبة إلى ارتدادات ما يجري بين مصر وتركيا، مرجعها استمرار الرؤية التركية بعدم الاعتراف بقبرص، التي تمثل ضلعًا ثالثًا لتحالف يضم مصر واليونان، واستمرار انقسام شبه الجزيرة القبرصية إلى قبرص التركية وقبرص اليونانية، وعدم وجود ما يلوح في الأفق من فرص لتوحيد الجزيرة، الأمر الذي يعني أن أنقرة ستظل تناور في عدم رؤية قبرص وهي طرف رئيس في منتدى غاز شرق المتوسط وضلع مركزي.
وبخلاف تقاطعات الأمر الواقع الجديد، فإن ثمة سبب قوي لدى القاهرة يجعلها غير متسرعة بشأن المغامرة بعلاقتها مع اليونان من أجل استعادة العلاقات مع تركيا. وهو السبب الذي يتمثل في تعويل القاهرة على أثينا في البحر المتوسط أكثر من تركيا. إذ أنها عضوًا في الاتحاد الأوروبي. فاليونان من شأنها أن توفر لمصر المدخل إلى السوق الأوروبية. ما يعني أن اليونان بالنسبة لمصر شريك أكثر جاذبية من تركيا في هذه المرحلة على الأقل.
2- الملف الليبي: ففي سبتمبر 2021، قال رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي إن العلاقات الدبلوماسية مع تركيا قد تُستأنف إذا تم حل القضايا العالقة بين البلدين، مضيفًا في مقابلة مع وكالة “بلومبرج” الأمريكية، أن القضية الرئيسية لمصر تظل في وجود تركيا في ليبيا[33].
وعلي خلفية، توقيع مذكرة تفاهم بين تركيا وحكومة عبدالحميد الدبيبة، في أكتوبر 2022، تسمح بالتنقيب المشترك بينهما عن الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي) قبالة سواحل ليبيا في البحر المتوسط وداخل أراضيها فقد أعلنت القاهرة، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري توقف الجلسات الاستكشافية بين بلاده وتركيا[34].
ويُعد الملف الليبي خطًا أحمر للسياسة المصرية، لا سيما أنها تشترك معها في أكثر من 1000 كم. في هذا السياق، تتزايد التخوفات الأمنية المصرية من دعم تركيا للجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا سواء عبر قواتها النظامية أو عبر الميليشيات المنقولة من سوريا، والتي تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري[35].
وهناك أيضًا الخلافات السياسية بين الجانبين، ففي حين تدعم أنقرة حكومة عبدالحميد الدبيبة، فإن القاهرة تدعم حكومة فتحي باشاغا، ناهيك عن الخلافات الاقتصادية المتمثلة في أي من الدولتين (مصر وتركيا) سيحصل علي نصيب الأسد من عملية إعادة الاعمار في ليبيا، والخلاف حول ترسيم الحدود البحرية ومشروعات التنقيب عن الطاقة[36].
وبالتالي، فإن التقارب المصري التركي على أرضية الملف الليبي، ليس بالأمر السهل. حيث يتطلب التوصل لحل وسط، يستتبعه تقديم تركيا لتنازلات كبيرة تلبي المطالب المصرية. وهي التنازلات التي لن تقدم عليها أنقرة إلا مقابل تنازلات مصرية أكبر بشأن ملف شرق المتوسط[37].
3- ملف الإخوان المسلمين: حيث تعتبر جماعة الإخوان، أهم الملفات المؤثرة في توتر العلاقات إلى حد القطيعة بين البلدين، حيث شكلت الجماعة محورًا مهمًا في التقارب المصري التركي بعد يناير 2011، بينما هي نفسها كانت وما زالت أول أسباب القطيعة بينهما، خاصة بعد يوليو 2013؛ إذ تمثل الجماعة للنظام التركي امتدادًا لأيديولوجية حزب العدالة والتنمية الحاكم، فضلًا عن اعتبار “أردوغان” تنظيم الإخوان لما له من انتشار واسع، أحد أهم أركان مشروعه لاستعادة مجد السلطنة العثمانية من خلال الترويج له ولتركيا في العالم العربي، وقد اصطدمت هذه الطموحات التركية بموقف رفض من بعض القوى العربية الفاعلة في المنطقة وبالأخص مصر؛ ما أسهم في تدهور العلاقات الثنائية بينهم.
في هذا السياق ورغم الخطوات التركية الفاعلة في الاستجابة للتخوفات المصرية بإيقاف وترحيل بعض من القيادات المتهمة في العديد من القضايا أمام القضاء المصري، إلا أنه لا زالت توفر للتنظيم وعناصره المطلوبة أمام القضاء المصري الملاذات الآمنة، وهو ما يتعارض مع السياسة المصرية التي تصنف التنظيم داخل مصر على أنه إرهابي. لذا من المتوقع أن يظل هذا الملف شائكًا بين الطرفين رغم ما قطعوا فيه من خطوات إيجابية.[38]
وبجانب هذه المعوقات الثلاثة، يمكن القول أن العلاقة بين مصر وتركيا محكومة بحالة التنافس الإقليمي بين البلدين. فاتساع نفوذ أي منهما حتمًا ينتقص من نفوذ الآخر، كونهما إلى جانب المملكة العربية السعودية وإيران القوى الأكبر في الإقليم، والتي يمتلك كل منها مقومات القيادة، وبالتالي ستظل العلاقات حبيسة هذا التصور[39].
وخلاصة القول؛ فأن زيارة شكري لتركيا هي مؤشر إضافي علي المسار الإيجابي والثابت لتحسين العلاقات المصرية- التركية علي المستوي الدبلوماسي والاقتصادي، ولكنها لا تعني إمكانية حل الخلافات السياسية بين الدولتين حول القضايا الاقليمية المتمثلة في ليبيا وشرق المتوسط، وهي الخلافات التي كانت العامل الرئيسي في إبطاء – وفي مرات عديدة إيقاف – المباحثات القائمة بين الدولتين لحل الخلافات العالقة.
[1] “الدبلوماسية الإنسانية.. ماذا تعني زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى دمشق وأنقرة؟”، المرصد المصري، 27/2/2023، الرابط:
[2] ” شكري في سوريا وتركيا.. زيارة تضامنية أم للتطبيع مع أنقرة وكسر عزلة الأسد؟”، الجزيرة نت، 28/2/2023، الرابط:
[3] ” الدوحة – أنقرة – دمشق.. هل تعيد القاهرة هندسة سياستها الخارجية؟”، نون بوست، 28/2/2023، الرابط:
[4] “”دبلوماسية الكوارث” تقرّب بين الأسد والقاهرة”، العربي الجديد، 28/2/2023، الرابط:
[5] ” الدوحة – أنقرة – دمشق.. هل تعيد القاهرة هندسة سياستها الخارجية؟”، مرجع سابق.
[6] “الدبلوماسية الإنسانية.. ماذا تعني زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى دمشق وأنقرة؟”، مرجع سابق.
[7] ” عواصم عربية منذ الزلزال.. إعادة إعمار متسارعة للعلاقات مع الأسد”، الخليج الجديد (مترجم)، 28/2/2023، الرابط:
[8] “ماذا وراء انفتاح العرب على نظام الأسد؟”، تليفزيون سوريا، 2/3/2023، الرابط:
[9] ” الدور والمصالح الإماراتية في تعويم نظام بشار الأسد”، تليفزيون سوريا، 2/3/2023، الرابط:
[10] “الدبلوماسية الإنسانية.. ماذا تعني زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى دمشق وأنقرة؟”، مرجع سابق.
[11] “ماذا وراء انفتاح العرب على نظام الأسد؟”، مرجع سابق.
[12] ” زلزل سوريا.. كسر عزلة النظام بين الفرص السياسية والمساومات الدولية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 18/2/2023، الرابط:
[13] “ماذا وراء انفتاح العرب على نظام الأسد؟”، مرجع سابق.
[14] ” زلزل سوريا.. كسر عزلة النظام بين الفرص السياسية والمساومات الدولية”، مرجع سابق.
[15] ” ما خيارات المعارضة السورية أمام الانفتاح العربي على الأسد؟”، عربي21، 2/3/2023، الرابط: https://bit.ly/3YfKVLI
[16] ” “دبلوماسية الزلزال”.. هل تعيد الدفء لعلاقات مصر مع تركيا وسوريا؟”، دويتش فيلة، 27/2/2023، الرابط: https://bit.ly/3IIyvGN
[17] ” قطر ترفض التطبيع مع نظام الأسد”، الخليج الجديد، 1/3/2023، الرابط: https://bit.ly/3KPvIhx
[18] ” زلزل سوريا.. كسر عزلة النظام بين الفرص السياسية والمساومات الدولية”، مرجع سابق.
[19] ” ماذا وراء انفتاح العرب على نظام الأسد؟”، مرجع سابق.
[20] ” خطوات عربية متسارعة تحاول إعادة النظام السوري إلى المنظومة الرسمية”، القدس العربي، 1/3/2023، الرابط: https://bit.ly/3Zy1u6C
[21] ” زلزل سوريا.. كسر عزلة النظام بين الفرص السياسية والمساومات الدولية”، مرجع سابق.
[22] ” مشروع قانون أميركي لمنع استغلال الأسد كارثة الزلزال: المساعدات والمساءلة”، العربي الجديد، 2/3/2023، الرابط: https://bit.ly/3IJeWxL
[23] “دبلوماسية الزلزال”.. هل تعيد الدفء لعلاقات مصر مع تركيا وسوريا؟”، مرجع سابق.
[24] “مخاطر إعادة التعويم العربي للأسد تفوق المكاسب”، مرجع سابق.
[25] “حدود الممكن في علاقات سوريا العربية وزيارة سامح شكري لدمشق”، أسباب، 1/3/2023، الرابط: https://bit.ly/3IIRocF
[26] “مخاطر إعادة التعويم العربي للأسد تفوق المكاسب”، مرجع سابق.
[27] ” الدبلوماسية النزيهة.. دلالات زيارة وزير الخارجية المصري إلى تركيا”، المرصد المصري، 27/2/2023، الرابط: https://bit.ly/3J1s2bg
[28] “زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق وأنقرة.. تضامن إنساني أم أكثر؟”، التليفزيون العربي، 28/2/2023، الرابط: https://bit.ly/3ELG2TQ
[29] “دبلوماسية الزلزال”.. هل تعيد الدفء لعلاقات مصر مع تركيا وسوريا؟”، مرجع سابق.
[30] “الدبلوماسية الإنسانية.. ماذا تعني زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى دمشق وأنقرة؟”، مرجع سابق.
[31] ” تغيير الديناميكيات المصرية التركية قد يخلق فرصاً لليبيا”، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، 21/2/2023، الرابط: https://bit.ly/3J1Anf4
[32] ” بين الدوافع الإنسانية والسياسية.. ما هو مستقبل العلاقات التركية المصرية عقب زيارة شكري؟”، القدس العربي، 1/3/2023، الرابط: https://bit.ly/3EPOaTw
[33] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مصر 360، 15/2/2023، الرابط: https://bit.ly/3J4qPA0
[34] “مصافحة السيسي وأردوغان: انفتاح على مرحلة جديدة في العلاقات”، العربي الجديد، 22/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3AEMRVg
[35] “مسارات متشابكة.. آفاق التقارب في العلاقات المصرية التركية بعد لقاء “السيسي” و”أردوغان””، القاهرة الإخبارية، 21/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3Vet1Iw
[36] “تركيا توقف إعلاميين من «الإخوان» في محاولة جديدة لتسريع التطبيع مع مصر”، الشرق الأوسط، 29/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Xpct2a
[37] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مرجع سابق.
[38] “مسارات متشابكة.. آفاق التقارب في العلاقات المصرية التركية بعد لقاء “السيسي” و”أردوغان””، مرجع سابق.
[39] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مرجع سابق.