القوى الإسلامية السودانية .. موقعها وموقفها من الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع

اندلعت الاشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، صباح يوم 15 إبريل، في الوقت الذي كان من المقرر له أن يشهد جلوس قيادة الجانبين لتقريب وجهات النظر، وتمهيداً للاتفاق بخصوص دمج قوات الدعم السريع بمؤسسة الجيش. وقوع الاشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع هو الانقلاب الثاني على العملية الانتقالية، بعد الانقلاب الأول الذي قاده الرجلان معاً ضد الحكومة التي كان يقودها مدنيون.

على خلفية هذه الأزمة انقسم الشارع السوداني بين مؤيد لأحد طرفي الصراع، ومن وقف على الحياد بين الجانبين. وإن كان هناك جدل أساسي أثير بشأن موقع الإخوان المسلمين في السودان من الصراع الدائر بين حميدتي والبرهان، وهو ما نتناوله في هذه السطور؛ أن نقف على موقف الإخوان المسلمين وموقعهم من الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، ومحددات هذا الموقف.

موقف الإخوان المسلمين من الصراع:

تحظى الحركات الإسلامية، على تعدد مشاربها بين طرق صوفية ذات حضور قديم وثقل كبير، وحركات إسلامية سياسية انبثقت عن الخطاب الإصلاحي في السودان المتأثر بالتيار الإصلاحي ممثلاً في محمد عبده ثم في جماعة الإخوان المسلمين المصرية[1]، وقوى إسلامية أخرى ذات توجه سلفي بتنويعاته المختلفة، بحضور واسع الانتشار في المجتمع السوداني. هذا الحضور الاجتماعي ترجم إلى حضور سياسي كذلك خاصة خلال حكم عمر البشير، فهو من جهة ينتسب لعائلة معروفة بولائها للطريقة الختمية، ومن جهة أخرى تحالف مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي وينضوي تحتها الإخوان المسلمين وقوى صوفية وإسلاميين مستقلين[2].

ذلك الحضور الاجتماعي والسياسي يعني أن الإسلاميين موجودين تقريبا في كثير من القوى الاجتماعية والقبلية –حيث تحظى قوى الإسلام السياسي ببناء شبكات علاقات قوية في دارفور، وكذلك في شرق السودان، مع القوى القبلية هناك[3]– وكذلك في القوى السياسية وأيضاً من خلال الميلشيات العسكرية.

بالتالي هذا الانتشار يصعب معه تقسيم المشهد السياسي في السودان بين تيار مدني علماني وتيار إسلامي، بل يصعب كذلك توزيع الإسلاميين بشكل صارم بين إخوان وسلفيين وصوفية. حتى أن هذا المشهد انعكس على الإخوان المسلمين أنفسهم، إذ لم ينضووا تحت تنظيم واحد ممثل لهم منذ بداية نشأتهم، بل ترحلوا بين تنظيمات وأحزاب عدة؛ خاصة خلال فترة وجود حسن الترابي على رأسهم؛ فهو ذات نزعة تجديدية، كما تتسم مواقفه بالمرونة، بل وحتى بالبرجماتية وفق كثيرين.

ما يمكن استنتاجه من ذلك هو أن الإسلاميين منتشرين في الجسد الاجتماعي والسياسي السوداني، يتمتعون بحضور قبلي مميز، كما يتمتعون بتواجد قوي في مؤسسات وأجهزة الدولة. لذلك عادة ما يتم تقسيم المشهد بين مؤيدي الرئيس المعزول –الكيزان- أو الدولة العميقة إن جاز استخدام التسمية، وبين القوى المحسوبة على الثورة والمشاركة فيها. وإن كان هذا التقسيم أصابه بعض الغموض مع تنامي حدة الاستقطاب الإسلامي العلماني مع مرور الوقت.  

وقد حرص إسلاميو حزب المؤتمر، والإسلاميين القريبين منهم، في الفترة الأولى التي تلت الثورة في السودان، على البقاء في حالة سكون تام في انتظار ما ستسفر عنه التحولات الجارية. خاصة مع العداء الشديد لهم هناك باعتبارهم القوى الحاكمة من خلال البشير. لكن بدأ هذا الموقف يتغير مع الانقسامات التي حدثت خلال المرحلة الانتقالية.

فيما يتعلق بالصراع بين المؤسسة العسكرية برئاسة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، فقد سارعت جماعة الإخوان المسلمين، في إعلان دعمها الكامل للمؤسسة العسكرية، واصفة ما حدث بأنه تمرد من جانب قوات الدعم السريع على الدولة، تمرد خطط له “بمكر وخبث ودهاء من جهات خارجية وإقليمية وعملاء الداخل لتمزيق وحدة البلاد، وتفكيك جيشها وتحويل السودان إلى دولة فاشلة”.

وقد دعا البيان الصادر عن المراقب العام للجماعة في السودان، عادل على الله إبراهيم، “الشعب السوداني وقواه الوطنية لمساندة قواته المسلحة رمز السيادة في معركة لا تعرف الحياد”[4]. وهو نفس الموقف الذي أعلنه حزب المؤتمر الوطني (المنحل).

موقع الإخوان المسلمين من الصراع ومحدداته:

رأى كثيرون داخل الساحة السودانية وخارجها، أن هناك تحالف استراتيجي بين قادة الجيش السوداني وبين فلول نظام البشير، وأن هذه المعارك بين الجيش والدعم السريع ” دُبرت من طرف ضباط كبار من الإخوان في الجيش”[5]، حتى أن قائد قوات الدعم السريع نفسه صرح أكثر من مرة أنه الوحيد الذي يحمي عملية التحول الديمقراطي في السودان وأنه يحارب الإسلاميين المتطرفين المتترسين بالجيش، ويصف الصراع الذي يقوده الجيش ضد ميلشياته؛ بأنه يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة التي فقدوها.

جاء موقف قوى الحرية والتغيير من مسألة علاقة المؤسسة العسكرية بفلول النظام السابق قريبا من موقف حميدتي، فقد حمَّلت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مسؤولية ما حدث من اشتعال العنف بين الجيش وقوات الدعم إلى بقايا النظام السابق، متمثلًا في حزب المؤتمر الوطني المُنحل؛ إذ ترى قوى الحرية والتغيير أن من مصلحة النظام السابق وفلوله ومؤيديه، الوقيعة بين طرفيْ المُكوِّن العسكري؛ لما سينتج عنه من حالات فوضى وعدم استقرار في كافة أرجاء البلاد[6].

يبدو موقف الحرية والتغيير من هذه المسألة متفهماً في ظل حالة التوجس والترصد المتبادلة بين المؤسسة العسكرية وقوى الحرية والتغيير؛ فمن جهة فإن قوى الحرية والتغيير تنظير بعين الشك والتوجس للمؤسسة العسكرية، وتفضل وجود حالة توازن قوى بين الجيش وقوات الدعم مما يحول دون استئثار “البرهان” بالسلطة يفتح له المجال لإقصاء قوى الثورة من المشهد السياسي.

ومن جهة أخرى فإن فالمزاج العام بين العسكريين مرتاب من موقف تيار في قوى الحرية والتغيير “ظل ينادي بتفكيك المؤسسة باعتبارها موالية لنظام البشير”، ورموز هذا التيار هم من دفعوا باتجاه التقارب بين قوى الحرية والتغيير وقائد قوات الدعم السريع[7].

في المقابل ثمة فريق أخر ينفي وجود علاقة استراتيجية بين المؤسسة العسكرية في السودان وبين الإخوان؛ وأن هذه الادعاءات عن وجود علاقة بين إسلاميو الثورة المضادة وبين الجيش إنما هي فزاعة، كان يستخدمها الجيش نفسه في تخويف القوى السياسية المدنية، وهي نفس الفزاعة التي يستخدمها خصوم المؤسسة العسكرية في ابتزاز هذه الأخيرة[8].

بالتالي يستخدم قائد قوات الدعم السريع هذا الادعاء في إكساب تحركاته العسكرية ضد الجيش شرعية، وفي محاولة كسب تأييد جانب من الشارع ومن الخبة السياسية[9].

جدير بالذكر أن ثمة وقائع يمكن قراءتها باعتبارها مؤشر على وجود تحالف بين الجيش والإسلاميين، كذلك يمكن النظر إليها باعتبارها ليست دالة على ذلك إلا بكثير من التعنت؛ فمن جهة كونها مؤشر على وجود تحالف استراتيجي بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية، فإن قبيل انقلاب البرهان على شركائه في الحكم “تحالف قوى الحرية والتغيير”، “وحلّ مجلسي السيادة والوزراء وإقالة حكام الولايات وفرض حال الطوارئ، في أكتوبر 2021، بدأت المحكمة العليا إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين، حيث أعيد كل من فصلتهم لجنة إزالة التمكين إلى وظائفهم، كما أعيدت الممتلكات والعقارات والشركات والمصانع المصادرة، واعتبرت المحكمة قرارات اللجنة معيبة وتخالف القانون وأسس العدالة.

ولجنة إزالة التمكين هي لجنة أنشئت عقب تولي عبد الله حمدوك لرئاسة الحكومة، برئاسة عضو مجلس السيادة ياسر العطا، وضمت أعضاء من قيادات تحالف الحرية والتغيير، وأصدرت “قرارات بفصل آلاف الموظفين من الخدمة المدنية والسفراء والدبلوماسيين والمستشارين القانونيين والقضاة، باعتبارهم من الإسلاميين والموالين لهم”، كما صادرت اللجنة ممتلكات وعقارات وأموال وشركات ومصانع عشرات من قيادات النظام السابق وقدّرتها حينها بملياري دولار”، “ترافق ذلك مع إحالة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مئات ضباط الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة للتقاعد”[10].

أما من جهة كونها وقائع محايدة وليست دالة على وجود هذا التحالف؛ فلأن رئيس هذه اللجنة، وقبل قرار المحكمة العليا بإبطال قراراتها، كان قد استقال من رئاستها؛ محتجاً بأن لجنة إزالة التمكين تمارس الانتقام والتشفي وتمارس أعمالها بمعزل عن العدالة والنزاهة[11]، وهو ما يعني أن قرارات المحكمة العليا قد تكون التزاماً بالقانون ومعايير العدالة وليست جزءاً من صفقة سياسية متخلية بين البرهان والإسلاميين.

الخاتمة:

في النهاية، وبعيداً عن مدى صحة أو خطأ افتراض وجود علاقة تحالف بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين، فإن مراقبين يفترضون –عن حق- أن الإسلاميين سيستفيدون في حال خروج “حميدتي” من السلطة؛ كونه متحالفاً مع القوى السياسية المناهضة لفلول النظام السابق والإسلاميين المتحالفين معه.

نشير ختاماً إلى أن الصدام بين البرهان و حميدتي كان متوقعاً في ظل الصعود السريع للأخير، وعلاقاته الواسعة مع قوى إقليمية ودولية، والتمدد والنمو الواضحان في قوات الدعم السريع، كما كان متوقعاً كذلك في ظل حالة التوجس والتشكك المتبادل بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة.

ونشير كذلك إلى أن الصراع الحالي بين الجيش والدعم السريع لا يخوضه الجيش بغرض مساعدة النظام السابق في استعادة السلطة، ولا يخوضه الدعم السريع إيماناً بضرورة التحول الديمقراطي وأهمية تسليم السلطة للقوى المدنية، إنما هي معركة على السلطة بين الجنرالين؛ فالصراع على السلطة هو الذي وحد جهودهم في الانقلاب على الحكومة المدنية بقيادة حمدوك، في نهاية أكتوبر 2021، والصراع على السلطة هو الذي أوصلهم لهذا الصدام بين القوتين.


[1] بشير موسى نافع، الإسلاميون، قطر: مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون، طـ 2 (2013)، ص: 195-210.

[2] المرجع السابق.

[3] محمد عبد الكريم، الإسلام السياسي في السودان: خريطة الانتشار ومستقبل الخيارات، 29 يوليو 2021، شوهد في: 2 مايو 2023، الرابط: https://tinyurl.com/2lyrmntn

[4] عربي 21، إخوان السودان يعلنون دعمهم للجيش.. حذروا من خطط خبيثة لتمزيق البلاد، 4 مايو 2023، في: https://tinyurl.com/2zjtvxhx

[5] محمد جميل أحمد، هل أشعل الإخوان الحرب في السودان؟، اندبندنت عربية، 3 مايو 2023، في: https://tinyurl.com/2po69jm9

[6] حسناء تمام، أكرم السيد، “نظرة داخلية”: حالة المشهد السوداني ومواقف القوى المدنية من الصراع، مركز شاف للدراسات، في 27 أبريل 2023، شوهد في: 3 مايو 2023، الرابط: https://tinyurl.com/2gjaajzm

[7] النور أحمد النور، الإسلاميون وخصومهم.. حسابات الربح والخسارة في صراع البرهان و حميدتي، في 19 أبريل 2023، شوهد في: 3 مايو 2023، الرابط: https://tinyurl.com/2ksl47bn

[8] أشرف عبد العزيز، بعد ظهور زعيمه.. هل عاد “الإسلام السياسي” إلى واجهة السودان؟، 26 يوليو 2022، شوهد في: 2 مايو 2023، الرابط: https://tinyurl.com/2zns8rxa

[9] القدس العربي، لوموند: لهذا يبذل أنصار عمر البشير  قصارى جهدهم كي تستمر الحرب في السودان، 3 مايو 2023، في: https://tinyurl.com/2ps8xq7k

[10] النور أحمد النور، الإسلاميون وخصومهم.. حسابات الربح والخسارة في صراع البرهان و حميدتي، مرجع سابق.

[11] المرجع السابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022