لا أحد ينكر أن للدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، مواقف مشرفة في مواجهة جهل الجنرال عبدالفتاح السيسي والتصدي له في عدد من القضايا التي أراد السيسي انتهاك نصوص الشرع فيها وأبرزها الموقف من أموال الوقف الخيري والأحوال الشخصية وأبرزها الطلاق الشفهي ومكانة السنة النبوية والتراث الإسلامي بخلاف الموقف من الإرهاب حيث يتبنى الأزهر موقفا متباينا عن السلطة في هذا الشأن ويؤكد أن الإرهاب صنيعة نظم غربية توظفه سياسيا من أجل تحقيق أجندة أهداف تعادي الإسلام والمسلمين بل وتعادي العالم كله.
فدعم ومساندة الشيخ والمشيخة وهيئة كبار العلماء والأزهر كله في مواقفه الرافضة لتوغل السلطة على حساب الإسلام ومحاولة تركيع الأزهر وتطويعه لخدمة أجندة السلطة بشكل كامل ومطلق في كل مواقفها وسياستها، هو من أوجب الواجبات على كل مسلم في ظل هذه الأوضاع التي تمر بها الأمة الإسلامية. لكن هذا الدعم الواجب وتلك المساندة الضرورية للأزهر ومشيخته لا يجب مطلقا أن تتحول إلى شيك على بياض لشيخ الأزهر؛ ولا يجب مطلقا أن تنسينا مواقفه المشينة حين تورط في مشهد الانقلاب وباركه وكان موقفه مرتبكا ومذبذبا حيال المذابح التي وقعت؛ فكان الأزهر يدين القتل ويؤيد القتلة في ذات الوقت! كما لا يجب مطلقا التسامح حيال محاولات تبييض صورة المشيخة في هذه المواقف التي خالف فيه الإسلام ونصوصه صراحة حين دعم انقلابا عسكريا على الإمام المنتخب بإرادة الشعب الحرة.
موقفان مختلفان
خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية تعرضت بعض مواقف الأزهر للنقد وبعضها للدعم والمساندة؛ الموقف الأول هو تجاهل السيسي للشيخ أحمد الطيب وتعمد التقليل من مقام ومكانة ورمزية شيخ الأزهر؛ حين استمع إلى شرح مفصل من مستشاره للشئون الدينية أسامة الأزهري بينما كان شيخ الأزهر في الصفوف الخلفية؛ الأمر الذي اعتبرته المشيخة وهيئة كبار العلماء تقليلاً من مقام شيخ الأزهر خلال احتفالية افتتاح المركز الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة، فجر أول أيام شهر رمضان الحالي (1444هـ)، إذ بدا الأمر وكأنه كان هناك تعمد إساءة لشيخ الأزهر خلال جولة السيسي بالمركز على النحو الذي جرى بالفعل.[[1]] وهو الموقف الذي استفز قطاعات واسعة من المسلمين والمصريين، واعتبروا ذلك دليلا على ما يكنه ويبديه السيسي من وافر الاحتقار للأزهر وشيخه.
الموقف الثاني كان للأسف ورطة للأزهر حين أصدر بيانا يوم الأربعاء 22 مارس 2023م حول قضية الطفل (شنودة) يدعم موقف الأسرة القبطية ويطالب برد الطفل إليها وعدم تغيير اسمه وديانته ما دام قد عثر عليه داخل إحدى الكنائس؛ وحسب نص ما ورد فقد تلقى مركز الأزهر العالمي للفتوى، سؤالا للاستفسار عن ديانة الطفل شنودة الذي عُثر عليه داخل إحدى الكنائس. وذكر المركز: هذه المسألة ذهب فيها العلماء إلى آراء متعددة، والذي يميل إليه الأزهر من بين هذه الآراء هو ما ذهب إليه فريق من السادة الحنفية، وهو أن الطفل اللقيط إذا وجد في كنيسة وكان الواجد غير مسلم فهو على دين من وجده.
وأضاف: هذا ما نص عليه السادة الحنفية في كتبهم: “وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة كان ذميًّا ” وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة “. وذكر المركز مصدر الفتوى [الهداية في شرح بداية المبتدي 2/ 415].[[2]] واتضح لاحقا أن الطفل لأبوين مسلمين وأمه كان مسيحية وأسلمت وتزوجت مسلما ثم جرى التفريق بينهما في ظروف غامضة، والأم الحقيقية حاليا محتجزة في أحد الأديرة تحت إشراف الكنيسة، والأب لا يعرف عنه شيئا، حسب تصريحات امرأة قبطية على صلة قرابة بالأم الحقيقية؛ لكن النيابة وجهات التحقيق تجاهلت كل ذلك وتم رد الطفل للأسرة القبطية التي ترعاه دون أي تحقيق بشأن الأم الحقيقية التي تفتن في دينها مسجونة بأحد الأديرة؛ ولم يطالب الأزهر مطلقا بالتحقيق في هذه التصريحات ولم يطالب حتى برد الطفل إلى أمه الحقيقية![[3]]
المدح المطلق مذموم
سبب تأكيدي على هذا المعنى ما كتبه الباحث الأزهري الشيخ عصام تليمة في مقاله الأخيرة المنشور بالجزيرة مباشر بعنوان (شيخ الأزهر أحمد الطيب.. الشخص والمكانة)، والمنشور بتاريخ الجمعة 7 إبريل 2023م؛ فالمقال يمتلئ بالمدح للشيخ أحمد الطيب والثناء على مواقفه منذ أن تولى منصب المشيخة في سنة 2010م خلفا للدكتور سيد طنطاوي الذي لم يكن يحظ باحترام الكثيرين بسبب مواقفه شديدة الانحياز للسلطة وتأكيده باستمرار أنه مجرد موظف في الحكومة؛ الأمر الذي قزم مكانته ومكانة المشيخة بشكل عام رغم مكانتها ورمزيتها الكبيرة.
يعزو تليمة في مقاله أسباب قوة وصلابة شيخ الأزهر إلى ثلاثة مكونات أساسية أسهمت في تكوين شخصيته الدينية:
- أولها التكوين الصعيدي الصوفي الدارس للفلسفة والعقيدة، والمطلع على الفكر الغربي، إضافة إلى ما تمتع به منذ صغره من رعاية أبوية، من أسرة تعنى بالعلم والتصوف، وحب لقاء الناس على ذكر الله وخدمتهم.
- العامل الثاني هو هيبة المنصب والمقام؛ فقد تلبس المنصب بالطيب، المنصب من حيث قيمته ومقامه، وليس من حيث زخرفته وأبهته، واعتبر المقال الطيب على خطى الشيخين عبدالحليم محمود الذي رفض إملاءات السلطة في قانون الأحوال الشخصية الذي عرف باسم “قانون جيهان السادات”. والشيخ جاد الحق رحمه الله حين عبر عن الأمة دون أن يصطدم بالسلطة حين دعم المسلمين في البوسنة والهرسك، وضد مؤتمر السكان، ومسلسل العائلة وهو مسلسل هوجمت فيه بعض الثوابت، فعقب ورفض، واضطرهم إلى التعديل في حلقات المسلسل.
- العامل الثالث، هو صلابة شيخ الأزهر في مواجهة التحديات منذ عشر سنوات؛ ومواجهة الضغوط التي ترمي إلى تطويع الشيخ من جانب السلطة رغم أن الطيب ليس صداميا حسب المقال؛ وطوال حياته يعرف عنه أنه لا يحب إغضاب المؤسسات الأمنية والسلطة في مصر، ولا يسعى لصدام معها، لكن في الآونة الأخيرة جرى التحريش ضد المشيخة والشيخ من إعلاميين أطلقهم النظام على الأزهر شيخا ومؤسسة، مما جعله يشعر بتحد كبير، يراد به كسر هيبة المؤسسة والقائم على أمرها. وحسب المقال فإن الهجوم المتكرر على شيخ الأزهر والضغوط من جانب السلطة إنما تستهدف إجبار الطيب على الاستقالة، والشيخ يعلم يقينا أن استقالته معناها مغادرة آخر حصن للأزهر متماسك حتى الآن، فلا هو بالصدامي مع السلطة، ولا هو متماه معها، بل يعمل في القضايا التي تتعلق بالأمة والإسلام بما يمليه عليه ضميره الأزهري، وما تمليه عليه أعراف وتقاليد هذه المؤسسة العريقة، وهو ما يبدو من بيانات المشيخة المتعلقة بالشأن العام المصري، أو العربي، أو العالمي، وفي القلب منه: قضية فلسطين..
تحفظ لا بد منه
يمكن أن نتفق في كثير من هذه المضامين مع كاتب المقال؛ لكن ذلك لا يعني مطلقا أن نمحو مواقف الطيب المشينة كما فعل كاتب المقال! يقول تليمة: «ثم جاء انقلاب الثالث من يوليو، ثم أحداث فض رابعة وما تلاها، وأيضا كان موقف المشيخة موقفا صلبا وصحيحا، وعتب عليه الرافضون للانقلاب بيانه يوم الانقلاب، والحقيقة أن الناس لم تنتبه للبيان، ولا لكلماته، ولا لأسبابه وخلفياته، فبعد كلمة وزير الدفاع أصبح كل من خلفه محسوبا عليه، دون النظر لأي تدقيق في الكلمات، ولا في معانيها، ومع ذلك كان بيان اثنين من أقرب العلماء له واضحا في رفض الانقلاب، الدكتور حسن الشافعي، والدكتور محمد عمارة، وجاء بيانه يوم فض رابعة واضحا جليا في الرفض والإدانة لإراقة الدماء. وفيما تلا ذلك من أحداث كانت كلمة المشيخة قوية معبرة بحق عن الأزهر، وما يليق به وبتاريخه، وهذا ما جعل الناس يتساءلون، وكثيرا ما يوجه إليّ السؤال: ماذا حدث للرجل؟ والحقيقة أن طبيعة الرجل كما هي، فهناك عدة عوامل لا يدقق فيها كثيرون في شخصية الرجل وتكوينه، وطبيعة المنصب الذي يليه، تشرح لماذا نحن أمام شخصية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بتلك المواقف».[[4]]
تكييف موقف الطيب من الانقلاب
وحسب دراسة سابقة نشرها موقع “الشارع السياسي” بعنوان: (الغطاء الديني لجريمة الانقلاب.. دور مشيخة الأزهر)، فدور مشيخة الأزهر في الانقلاب تتجاوز حدود المشاركة الفجائية كما يروج الطيب ومقربوه لتصل إلى حد التورط في الجريمة. فمشاركة الطيب بوصفه شيخا للأزهر هو بحد ذاته مباركة من أكبر مؤسسة إسلامية في العالم لهذه الجريمة الكبرى، وتمثل قمة التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية من أجل إضفاء شيء من الشرعية على إجراء يناقض نصوص الإسلام القاطعة ومبادئه وأحكامه التي نهت مطلقا عن الخروج على الإمام الشرعي.
ويبدو أن المخططين للانقلاب كانوا حريصين على أن تخرج اللقطة على هذا النحو وأن الشرعية الدينية كانت جزءا مهما من الخطة والتي يمثل حضور شيخ الأزهر بمكانته ورمزيته رسالة مهمة حين تصدير مشهد الانقلاب للعالم. نعم كان وجود تواضروس بطريرك الكنيسة القبطية مهما للغاية من زاوية أخرى، لكنه لا يصل في رمزيته إلى قيمة ومكانة شيخ الأزهر في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه نحو 95% من عدد سكانه.
منطلقات سياسية لا شرعية
في كلمته القصيرة في مشهد الانقلاب التي امتدحها تليمة[[5]] كانت منطلقات الطيب سياسية لا شرعية، وتتنافى مع نصوص الإسلام القطعية، وتمثل انحيازا سافرا للبغاة الخارجين على ولي الأمر الشرعي الذي أمر الله تعالى بطاعته {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی شَیۡءࣲ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا}.
لكن شيخ الأزهر حاول إلباس موقفه لباسا شرعيا زائفا، وأن يكيف المشهد على هواه تكييفا فقهيا متعسفا يبرر به سلوكه المناقض للنصوص القطعية في القرآن والسنة التي تأمره بطاعة ولي الأمر الذي أجمعت عليه الأمة وفق الآليات الدستورية المتفق عليها.[[6]]
- أولا، ادعى شيخ الأزهر أن مشاركته حقن للدماء وحماية للشعب، وأن الجميع أمام خيارين: إما الانحياز إلى إرادة الشعب وتنفيذ مطالبه كاملة بإسقاط محمد مرسى ونظام الإخوان المسلمين، وهو ما يؤدى لحقن دماء جميع المصريين، أو عدم تنفيذ هذه الرغبات وما يتبعه من وقوع أعمال عنف واستمرار حالة الانقسام الحاد بين جميع فئات وطوائف الشعب المصرى، إلا أنه استقر فى النهاية على ضرورة الانحياز لإرادة الشعب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يحتكم فيها الشعب إلى صندوق انتخاب يضمن نزاهته كل من قضاة مصر ورجال القوات المسلحة وقوات الشرطة.
- ثانيا، برر الطيب موقفه المتصادم مع النصوص القطعية في القرآن والسنة بأنه «أخف الضررين»، قائلا: «قررت أن أنحاز لإرادة الشعب المصري وأختار أخف الضررين، الذى يعد واجبا شرعيا تفرضه علينا الشريعة الإسلامية الغراء، وهذا الانحياز حماية لمقدرات هذا الشعب العظيم»، مضيفًا: «لن يستطيع أحد كسر إرادة الشعب المصري الذى أثبت للجميع أنه قادر على اختيار الطريق الصحيح وتصحيح مسار ثورته».
- ثالثا، في تصريحات لاحقة، في اليوم التالي للانقلاب، حذر الطيب المصريين كافة من العنف السياسى والبطش بالخصوم فى الرؤى أو المواقف السياسية، أو استباحة دمائهم، قائلا: «الدم المصرى أزكى من أن يُراق لأجل أهداف أو خطوات سياسية مهما كانت». وأضاف «الطيب»: مَن تتلوَّث يده بدم أخيه فليس أمامه إلا نار جهنَّم خالدًا فيها، كما قال الله سبحانه وهو أصدق القائلين: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»، مستطرداً: «على كلِّ مَن تُسوِّل له نفسُه أن يُشارك فى إراقة الدِّماء أيًّا كان موقعه أن يتذكَّر قول الرسول، صلَّى الله عليه وسلَّم: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه». مؤكدا أن مصر أقوى من أي فصيل سياسي (يغمز في الإخوان وأنصار الرئيس الشرعي)، وأنها ستظل دائما يدا واحدة، وأن المسلمين والمسيحيين سيظلون نسيجا واحدا لأنها لم تعرف أبدا على مدى التاريخ الحروب والنزاعات الأهلية والطائفية، وإنما كانت دائمًا بلد الأمن والأمان مصداقاً لقول المولى عز وجل: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».
خلاصة موقف الطيب من خلال كلمته في مشهد الانقلاب أو تصريحاته اللاحقة أنه اختار «أخف الضررين» حقنا لدماء المسلمين، لينتهي إلى أن مشاركته في مشهد 03 يوليو تعتبر من هذا الجانب «واجبا شرعيا تفرضه علينا الشريعة الإسلامية الغراء»! لكن اللافت في موقف الطيب هو ادعاؤه أن من يطالبون بعزل مرسي هم المصريون كافة دون النظر مطلقا إلى حالة الانقسام الكبرى في الشارع ودون حتى اعتبار للملايين المؤيدين للرئيس، ودون حتى اعتبار للموقف الشرعي الذي يأمره بطاعة الرئيس المنتخب لا طاعة الخارجين عليه. الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الطيب كان قد حسم موقفه من الانقلاب على مرسي مبكرا وأنه فقط كان يحتاج إلى إلباس هذا الموقف لباسا شرعيا حتى لو استند إلى تكييف فقهي غير دقيق للمسألة واستدل بقاعدة أخف الضررين دون النظر مطلقا إلى النصوص القطعية في القرآن والسنة التي تنهى عن الخروج على الحاكم الشرعي.
كذلك كان موقف الطيب مشينا حين قام بجولة خليجية في إبريل 2013م، إلى كل من السعودية والإمارات، وهما الدولتان الضالعتان في مؤامرة الانقلاب تخطيطا وتحريضا وتمويلا ودعما ومساندة حتى اليوم؛ فقد ترأس الطيب وفد الأزهر إلى الرياض يوم الخميس 18 إبريل.[[7]]
وبعد عشرة أيام فقط (27 إبريل)، ترأس الطيب وفدا من كبار العلماء إلى أبو ظبي؛ برفقة وزير الثقافة محمد صابر أبو عرب؛ حيث التقى محمد بن زايد وكبار المسئولين بدولة الإمارات؛ بدعوى استلام الطيب جائزة الشيخ زايد للكتاب، لاختياره شخصية العام الثقافية على مستوى العالم الإسلامي.[[8]] وهي الجولة التي مثلت لغزا حينها في دلالتها توقيتها وأثارت كثيرا من علامات الاستفهام؛ وقد علق الكاتب الكبير فهمي هويدي على هذه الزيارات في مقاله «رحلات شيخ الأزهر للخليج»، والمنشور على “بوابة الشروق” بتاريخ 11 مايو 2013م؛ حيث اعتبر هذه الزيارات الخليجية للطيب تبعث على الحيرة والقلق بأكثر مما تبعث على الارتياح».
بعد الانقلاب اقر شيخ الأزهر في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف القومية والمستقلة، بمشيخة الأزهر، الأربعاء 31 ديسمبر 2014م، حيث كشف أنه تعمد عدم حضور خطابات مرسي بدعوى أنها كانت تشهد هجوما شديدا على المصريين وتتضمن إهانات بالغة لهم.[[9]] ثم أعلنها الطيب بكل سفور :«لو لم يساند الأزهر ثورة 30 يونيو لكان فى قائمة الخزى والعار».[[10]]
وبرهنت مواقف الطيب لاحقا أنه رضي القيام بدور أداة السلطة لتكريس وجودها وإضفاء مسحة دينية على سلوكها وجرائمها وتبرير سياستها وتسويق توجهاتها، كما يكشف رصد مواقف الطيب وتصريحاته أنه كان مذبذبا، في بعض الأحيان ، يجهر بالانحياز للقتلة ثم يستنكر لاحقا مذابحهم ثم يعود فيؤيدهم؛ فهو أسير لتكوينه النفسي وقربه من السلطة على مدار أكثر من عقدين من الزمان.
بل قامت المشيخة بدورها في الزود عن الانقلاب وتبرير جرائمه بفتاوى سياسية مدفوعة بحب المنصب والتشبث به؛ فقد انتقدت المشيخة فتوى العلامة القرضاوي التي وصف المشاركين في انقلاب 03 يوليو بالآثمين المذنبين، لكن بيان الأزهر في 09 يوليو 2013م، اعتبر المشاركة في مشهد الانقلاب موقفا وطنيا يعد التخلف عنه خيانة للواجب المفروض بحكم المسؤولية.[[11]] كما أصدر بيانا في 21 يوليو انتقد فيه قتل ثلاث متظاهرات في اعتداء على المتظاهرين السلميين بالمنصورة من جانب بلطجية الانقلاب واعتبره يتنافي مع مبادئ الدين والمروءة.[[12]]
وفي تصرف مناقض أصدر الأزهر الخميس 25 يوليو بيانا ــ بثه التلفزيون الرسمي ــ يدعو فيه المواطنين إلى الاستجابة لنداء الجنرال عبدالفتاح السيسي في جمعة التفويض 26 يوليو 2013 لمواجهة ما أسماه بالعنف والإرهاب المحتمل. واعتبر بيان شيخ الأزهر الاستجابة لدعوة السيسي وتفويضه بمواجهة العنف والإرهاب المحتمل إنقاذا لمصر ممن يتربص بها. وأن الهدف منها ـ حسب بيان الأزهر ــ هو دعم مؤسسات الانقلاب الجيش والشرطة وكافة مؤسسات الدولة التي انقلبت على الشرعية.
واعتبر البيان هذه الاستجابة من أجل القضاء على العنف والإرهاب والمخاطر التي تحدث الآن في البلاد. [[13]] وبذلك فقد شارك الأزهر في التفويض رغم أنه كان يحمل توجها صارخا نحو سفك المزيد من الدماء بحجة مواجهة العنف والإرهاب.
معنى ذلك أن الأزهر كان يستنكر سفك الدماء لكنه في ذات الوقت ينحاز بكل سفور للقتلة والمجرمين! بعد جمعة التفويض بيوم واحد فقط، أوغل السيسي في الدماء ودبر جريمة المنصة صباح السبت 27 يوليو، وهي الجريمة التي أوقعت نحو مائة قتيل وإصابة المئات. فأصدر الأزهر بيانا يدين إراقة الدماء البريئة الحرام! يشارك في التفويض ثم يستنكر سفك الدماء لاحقا ثم يواصل دعمه وانحيازه للقتلة. كان هذا خلاصة موقف مشيخة الأزهر مذبذب في ظاهره ينحاز للقتلة في جوهره.[[14]] فهل يستحق هذا الموقف الدفاع عنه؟!
[1] “توثيق الطلاق”… فصل جديد في أزمة الرئاسة وشيخ الأزهر/ العربي الجديد ــ الإثنين 27 مارس 2023
[2] واقعة الطفل شنودة.. الأزهر للفتوى: الطفل المعثور عليه داخل كنيسة يصبح على دين من وجدوه/ بوابة الشروق ــ الأربعاء 22 مارس 2023// بسام رمضان/الأزهر: إذا وجد طفل لقيط في كنيسة فهو على دين من وجده/ المصري اليوم ــ الأربعاء 22 مارس 2023م// عمر شرارة ومعتز حجاج/ عن أزمة «الطفل شنودة».. فتوى أزهرية: يُسجل على دين مَن وجده/ مدى مصر ــ الخميس 23 مارس 23م
[3] آمال فاروق تكشف أن أبوي الطفل شنودة مسلمان (https://www.youtube.com/watch?v=0QttOrwv7Ow) /// انظر أيضا: تفاصيل مفاجئة في قضية الطفل شنودة.. الكشف عن عائلته الحقيقية (شاهد)/ “عربي 21” ــ 24 مارس2023م
[4] د. عصام تليمة/ شيخ الأزهر أحمد الطيب.. الشخص والمكانة/ الجزيرة نت ــ 07 إبريل 2023م
[5] كلمة شيخ الأزهرفي مشهد الانقلاب (https://www.youtube.com/watch?v=dyolDqBaIeQ)
[6] مرجع سابق.. أحمد البحيري/ مصادر: شيخ الأزهر وصل اجتماع «عزل مرسي» بطائرة عسكرية/ المصري اليوم ــ الخميس 04 يوليو 2013م
[7] أحمد البحيري/«الطيب» يرأس وفد هيئة كبار العلماء إلى السعودية بعد دعوة خادم الحرمين/ المصري اليوم ــ الجمعة 19 إبريل 2013م
[8] يوسف العومي, هشام ياسين/ شيخ الأزهر ووزير الثقافة يغادران إلى الإمارات العربية المتحدة/ المصري اليوم ــ السبت 27 إبريل 2013م// معتز نادي/ المفتي يهنئ «الطيب» على «جائزة الشيخ زايد»: استطاع نشر وسطية الإسلام/ المصري اليوم ــ الإثنين 29 إبريل 2013م
[9] أشرف عبد الحميد/ الطيب: رفضت حضور خطابات مرسي لأنها كانت تهين الشعب/ العربية ــ 31 ديسمبر 2014م
[10] أحمد البحيري/شيخ الأزهر: عدم مساندة 30 يونيو «عار».. ونرفض التكفير/ المصري اليوم ــ الأربعاء 31 ديسمبر 2014م
[11] «الأزهر» ينتقد فتوى «القرضاوي» حول ثورة «30 يونيو»/ الشروق ــ الثلاثاء 9 يوليه 2013
[12] أحمد البحيري /الأزهر: قتل المتظاهرات في المنصورة يتنافي مع كل مبادئ الدين والمروءة/ المصري اليوم ـ الأحد 21 يوليو 2013م
[13] بالفيديو.. شيخ الأزهر يدعو الشعب إلى إنقاذ مصر «ممن يتربص بها»/ المصري اليوم ـ الجمعة 26 يوليو 2013م// شيخ الأزهر يحث المصريين على تلبية دعوة السيسي إلى التظاهر/الحرة ــ 25 يوليو 2013
[14] أحمد البحيري/«الطيب»: قلبي يتمزق من الدماء.. وأطالب الحكومة بالكشف عن حقيقة الحادث/ المصري اليوم ــ السبت 27 يوليو 2013م