في ظل استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والأعلي للدولة الليبيين حول التوافق على قاعدة دستورية تقود البلاد لانتخابات رئاسية وبرلمانية، وهي الخلافات التي تركزت بصورة رئيسية علي شروط الترشح للرئاسة؛ في ظل تمسك المجلس الأعلي للدولة بإقرار قاعدة دستورية تقضي بإقصاء العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات، فيما يصر مجلس النواب على عكس ذلك؛ من أجل السماح لحليفه خليفة حفتر بالترشح للانتخابات، في ظل تمسكه بمنصبه العسكري وجنسيته الأمريكية[1].
فقد عقدت اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة (6+6) عدة اجتماعات داخل ليبيا، ثم انتقلت للانعقاد في مدينة بوزنيقة المغربية خلال الفترة من 22 مايو إلي 6 يونيو 2023؛ من أجل التوصل إلي اتفاق نهائي بخصوص القوانين الانتخابية في ليبيا التي ستؤطر الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة[2].
وقد أعلن وزير خارجية المغرب “ناصر بوريطة” في ختام أعمال اللجنة، في 6 يونيو الحالي، أن “المشاورات الخاصة باللجنة قد حققت توافقات مهمة نحو تنظيم الانتخابات في ليبيا”.
الأمر ذاته أعلنه رئيس وفد مجلس النواب الليبي “جلال الشويهدي” خلال مؤتمر صحفي للجنة، حيث قال: “تم التوافق بين وفدي اللجنة على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية”، وهو ما أكده أيضًا رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة “عمر بوليفة” بأنه “تم الاتفاق على القوانين، ولم يبق إلا الإصدار الرسمي للقانونين من قبل مجلس النواب لتفعيلهما رسميًا”.
وقد أثار هذا الإعلان ردود فعل متباينة؛ إذ رأى البعض أن ما أنجز في المغرب يمكن أن يقود إلى انفراجة في المشهد الليبي المتعثر؛ لكون مخرجات اللجنة ملزمة ونهائية.
فيما رأى آخرون أن مخرجات بوزنيقة ما هي إلا بداية لتعقيد جديد في الأزمة الليبية، ولن تسفر عن شيء سوى مزيد من التأزم والخلاف؛ وذلك في ظل وجود رفض بين عدد من القوى الفاعلة لمخرجات بوزنيقة وما اتفق عليه[3].
أولًا: التوافقات التي خرجت بها اجتماعات بوزنيقة:
أقرت اجتماعات بوزنيقة التي عقدتها اللجنة المشتركة 6+6 قانونًا يتكون من 89 مادة للانتخابات الرئاسية، وقانونًا للانتخابات التشريعية من 94 مادة. وفيما يتعلق بالملامح العامة لما اتُفق عليه -وفقًا للمسودة المسربة- سواء فيما يتعلق بانتخاب الرئيس أو أعضاء مجلسي النواب والشيوخ فقد جاءت على النحو التالي:
1- ترشح مشروط لمقعد الرئيس: وضع القانون مجموعة من الشروط فيما يتعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية بوصفها إحدى القضايا التي حالت دون إجراء الانتخابات خلال السنوات الماضية؛ إذ أتاح القانون لمزدوج الجنسية الترشح للانتخابات، وفي حال دخوله جولة الإعادة فسيكون مطالبًا بتقديم ما يفيد عدم حملة جنسية دولة أخرى، أو طلب مختوم من سفارة الدولة المانحة للجنسية يفيد بتقدم المرشح بطلب للتنازل عن الجنسية.
وفيما يرتبط بترشح العسكريين، نصت المسودة أن يصبح المرشح – مدنيًا كان أو عسكريًا – مستقيلًا من منصبة بمجرد قبول ترشحه للانتخابات. ولم يحدد القانون وضع المرشحين المستقيلين في حال عدم الفوز في الانتخابات؛ إذ ضمن القانون السابق للعسكريين عودتهم لمناصبهم في حال خسارة الانتخابات.
وترك القانون كذلك الباب مفتوحًا أمام ترشح “سيف الإسلام القذافي”، حيث نص “أنه يجب ألا يكون المرشح للرئاسة محكومًا عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة”، ولن تحول هذه المادة دون ترشح “سيف القذافي” خاصة بعدما تم تبرئته بعد الطعن على الحكم الذي كان يتهمه بالمشاركة في قمع المحتجين 2011.
2- حتمية الجولة الرئاسية الثانية: بصورة مغايرة لكافة الأعراف والقوانين الانتخابية المعمول بها في كافة النظم الانتخابية، تجاهل القانون الانتخابي الأغلبية المطلقة التي تسمح للمرشح الحاصل على 50%+1 من أصوات الناخبين بالفوز بمقعد الرئيس، وذلك بعدما نصت مسودة القانون على ضرورة خوض المرشحين لجولة إعادة بغض النظر عن نسبة الأصوات التي حصل عليها أي من المرشحين.
وعليه استبعد القانون حسم الانتخابات من جولتها الأولى، حيث سيخوص المرشحان الحاصلان على أعلى الأصوات جولة انتخابية ثانية يفوز فيها من يحصل على أعلى الأصوات.
3- اقتران الانتخابات التشريعية والرئاسية: اقترنت الانتخابات الرئاسية بالبرلمانية؛ إذ نص القانون على ضرورة أن تجرى انتخابات مجلس الأمة بغرفتيه مع الجولة الثانية من انتخابات رئيس البلاد.
واشترط القانون في حال إذا ما تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية تحت أي ظرف من الظروف، فإن انتخابات مجلس الأمة تصبح والعدم سواء. الأمر الذي من شأنه أن يطيح بالدعوات التي تدعو إلى إجراء الانتخابات البرلمانية كونها أقل تعقيدًا من الانتخابات الرئاسية، كمقدمة لبناء الثقة، على أن يتولى البرلمان المنتخب إعداد القاعدة الدستورية ومن ثم إجراء الاستفتاء عليها قبل خوض الانتخابات الرئاسية[4].
4- زيادة عدد مقاعد مجلس النواب: فقد تم الاتفاق على إجراء تعديل على عدد مقاعد مجلس النواب، إذ كان من المقرر أن تكون 200 مقعد، لكن توافق الأعضاء على زيادتها إلى 300، إضافة إلى 90 مقعدًا في مجلس الشورى[5]. كما تم الاتفاق علي أن تجرى الانتخابات البرلمانية على أساس 60% بنظام القوائم الحزبية، و40% على أساس النظام الفردي[6].
5- تأجيل الانتخابات للعام المقبل: وفقًا لنصوص مسودة القانون المسربة، فلن تجرى الانتخابات الليبية خلال العام الجاري، وهو الأمر الذي يصطدم بطموحات عدد كبير من الليبيين وكذلك المبعوث الأممي في ليبيا “عبد الله باتيلي” الذي كان يراهن على إجراء الانتخابات خلال عام 2023، حيث قال في وقت سابق أنه “يمكن إجراء الانتخابات في نهاية العام 2023، إذا جرى وضع القوانين الانتخابية بنهاية يونيو المقبل”.
فقد نصت المسودة على إجراء الانتخابات خلال 240 يومًا من إصدار القوانين الانتخابية، وعليه فإذا ما صدق مجلس النواب على القوانين الانتخابية، ومن ثم دخولها حيز النفاذ، فلن يكون عامل الوقت كافيًا لإجراء تلك الانتخابات هذا العام، الذي لم يتبقي على نهايته سوى نحو 7 أشهر[7].
ثانيًا: التحديات التي تحول دون تنفيذ مخرجات بوزنيقة:
على الرغم من توقيع لجنة (6+6) على قوانين الانتخابات، والتي تحمل طابع الإلزام ولا تحتاج حتى لمصادقة مجلسي النواب والدولة عليهما، إلا أن الانطباع العام السائد أن هذه القوانين غير قابلة للتطبيق على الأرض، وهو ما أظهرته ردود الأفعال عليها، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:
1- عدم رضا الأطراف الليبية علي مخرجات بوزنيقة: فقد كشفت ردود الأفعال من قبل الأطراف الليبية عن حالة رفض واسعة تجاه اجتماعات اللجنة المشتركة (6+6) ومخرجاتها. هذا الوضع عبر عنه بصورة كبيرة غياب رئيسي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، عقيلة صالح وخالد المشري، عن الجلسة الختامية لاجتماعات اللجنة، ومغادرتهما للدولة دون التوقيع بالأحرف الأولى على ما أُنجز من تفاهمات.
وعلي الرغم من أنه من الناحية الدستورية والقانونية يعد توقيع رئيسي مجلس النواب والأعلي للدولة شكليًا باعتبار أن عمل اللجنة “نهائي وملزم” وفقًا للمادة 15 في التعديل الدستوري الثالث عشر، فقد رجح مراقبون غياب صالح والمشري عن الجلسة، التي حضرها عدد من سفراء الدول العربية، دليلًا على وجود قضايا خلافية تقتضي وقتاً إضافياً للتعامل معها.
وسرعان ما ثبتت صحة هذه الترجيحات مع تغريدة المشري، التي كتب فيها “على الرغم من أن التعديل الـ13 (للإعلان الدستوري) يعتبر عمل اللجنة نهائيًا وملزمًا، إلا أننا نأمل زيادة التفاهم حول بعض النقاط من خلال اللجنة نفسها في لقاءات قادمة”، وبذلك، فإن المشري يقر ضمنيًا بوجود نقاط خلافية لم تحسمها لجنة (6+6)[8].
وقد أشارت عدة وسائل إعلامية إلي تمسك المشري بشرط إجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية حتي لو حصل أحد المرشحين علي 50%+1 في الجولة الأولي.
وفي السياق، فقد طالب رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح كذلك، بإعادة التشاور من جديد للخروج بقوانين انتخابية “توافقية” خلال جلسة لمجلس النواب في 20 يونيو الحالي[9].
وقد تركزت مطالب عقيلة صالح علي إجراء تعديل يخص إلغاء كل ما يتعلق بجنسية المرشح الأجنبية، وأن يسمح لمزدوج الجنسية بالترشح للانتخابات في الجولتين دون اشتراط تخليه عن جنسيته الأجنبية[10]، وأن يكون شرط التنازل عن الجنسية الثانية ضمن شروط الفوز بالرئاسة وليس الترشح لها[11].
ويدلل موقف رئيسي المجلسين الرافض لمخرجات بوزنيقة علي أن توافقهما في السابق كان اضطراريًا على خلفية تلويح المبعوث الأممي خلال جلسة إحاطة في مجلس الأمن في فبراير الماضي (2023) بإمكانية تشكيل لجنة لإعداد القوانين الانتخابية حال استمرار حالة الانسداد وعدم قدرة الفرقاء الليبيين على إنجاز تلك المهمة. كما يدلل علي وجود اتفاق ضمني بينهما علي استمرار هذا الخلاف؛ في ظل رغبة الطرفين في إطالة أمد البقاء في المشهد السياسي؛ إذ إن أية ترتيبات سياسية من شأنها أن تنتج قوانين تقود لانتخابات ينتج عنها سلطة ومجالس جديدة تتجاوز الفاعلين الحاليين[12].
ولم يتوقف رفض مخرجات بوزنيقة عند مستوي رئيسي مجلسي النواب والأعلي للدولة، ولكنه انسحب أيضًا إلي أعضاء المجلسين. البداية كانت مع كتلة الستين عضوًا بمجلس النواب الذين احتجوا، في بيان صادر في 3 يونيو الحالي، على تعديل لجنة 6+6 في عدد مقاعد مجلس النواب وتقرير عدد مقاعد مجلس الشيوخ، وأن ذلك اختصاص لواضعي الدستور وليس من مهام لجنة وضع قوانين الانتخابات حسب رأيهم. كما رفضت كتلة الخمسين عضوًا من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، في بيان صادر في 3 يونيو الجاري، الاعتراف بمخرجات اللجنة كليًا، وينطلق هؤلاء في موقفهم من رفضهم للمسار الذي أنتج التعديل الدستوري الثالث عشر ولجنة 6+6، لهذا لم يتطرقوا إلى مضامين القوانين التي أعلنت عنها اللجنة لأنها في نظرهم غير شرعية[13].
من جهته، فقد أكد حزب “العدالة والبناء”، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في بيان له، علي رفضه مخرجات لجنة “6+6″؛ وقد ركز في أسباب رفضه علي التشكيك في التعديل الدستوري الثالث عشر المطعون فيه دستوريًا أمام القضاء. بجانب عدم معالجة اللجنة معايير الترشح للانتخابات الرئاسية التي هي أساس الخلاف بين الأطراف الليبية، ورحلت المشكلة إلى الجولة الثانية من الانتخابات، مما يزيد من تعقيد المشهد الذي قد يصل إلى صراع مسلح[14].
كما أكدت مصادر عسكرية لـ”الجزيرة نت” أن عددًا من القيادات العسكرية عن مدينتي طرابلس والزاوية أبدوا رفضهم لمخرجات لجنة (6+6) اعتراضًا منهم على تشكيل أي حكومة جديدة تمهد لمراحل انتقالية أخرى وتطيل أمد الأزمة[15].
أضف إلي ذلك، فقد طالبت المفوضية العليا للانتخابات، في 12 يونيو الحالي، علي لسان رئيس مجلس إدارتها عماد السايح، بإجراء تعديلات علي قوانين الانتخابات التي أصدرتها لجنة (6+6) قبل إصدارها من مجلس النواب، منها؛ ما يتعلق بعدم قدرة المفوضية على إجراء الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية بغرفتيها؛ مجلس النواب ومجلس الشيوخ، في وقت واحد تلافيًا للتزوير وخروجها عن سيطرة لجان الاقتراع.
وتصدرت ملاحظات المفوضية قضية مزدوجي الجنسية المترشحين لانتخابات رئيس الدولة، مشيرة للتضارب بين الفقرة الثانية من المادة 15، التي تنص على أن يكون المترشح “لا يحمل جنسية أي دولة أخرى”، وبين المادة 17 من “شروط وإجراءات الترشح” التي تسمح لمزدوج الجنسية دخول الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية[16].
ناهيك بالطبع عن رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، لمخرجات بوزنيقة، فقد أكد الدبيبة، في 17 يونيو الحالي أثناء كلمة له خلال انعقاد أول جلسة لبرلمان الشباب الليبي الذي شكله الدبيبة منتصف العام الماضي، ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية في المرحلة الحالية، معتبراً أنها “هي الخطوة” التي ستؤدي إلى الانتخابات الرئاسية.
ويأتي رفض الدبيبة لهذه المخرجات؛ نظرًا للمادة 85 من القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 والتي تنص على أن “تجري الانتخابات العامة في ظل حكومة جديدة تضمن نزاهة العملية الانتخابية، ولا يحق لرئيسها وأعضائها الترشح للانتخابات الرئاسية”[17].
وهو ما يرفضه الدبيبة الذي يصر علي عدم تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب، أي أنه يصر علي أن تكون حكومته الحالية هي المشرفة علي الانتخابات. بجانب حرصه علي أن تسمح هذه القوانين له بالترشح للانتخابات الرئاسية مثلما تسمح لحفتر وسيف القذافي.
2- تحفظ الموقف الدولي علي مخرجات بوزنيقة: فما صدر عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا[18] يؤكد أنها لم تدعم مخرجات لجنة 6+6، بل دعت إلى مشاورات تعالج هذه المخرجات. وفي إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، في 19 يونيو الجاري، فقد أكد المبعوث الأممي عبدالله باتيلي “أن جهود لجنة 6+6 تمثل خطوة إلى الأمام، لكنها ما زالت غير كافية لمعالجة الوضع بأكمله”.
وحدد باتيلي أربعة بنود في مخرجات لجنة 6+6 تتمحور المشكلة الأساسية فيها على معيار أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية، وإجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية حتى لو تجاوزت نسبة أصوات المرشح 50%، والبند الذي ينص على أنه إذا لم يتم التوصل إلى نتيجة حاسمة في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى فإن الانتخابات البرلمانية لن تنظم، وإنشاء حكومة انتقالية جديدة قبل الانتخابات”، مؤكدًا أنها نقاط خلافية و”تحتاج إلى اتفاق سياسي بين الأطراف الرئيسية في ليبيا”.
وبناءً على هذه البنود الأربعة أكد باتيلي أنه “سيتعذر تطبيق قوانين لجنة 6+6″، مطالبًا المجتمع الدولي بـ”الضغط على الأطراف المعنية من أجل الوصول إلى انتخابات”، مشدداً على أن “الانتخابات الناجحة لا تتطلب إدارة قانونية فقط، وإنما إطارًا سياسياً يضمن شراكة كافة الأطراف”[19].
ويمكن إرجاع موقف البعثة الأممية المتحفظ علي مخرجات بوزنيقة إلي استمرار وجود الخلافات بين الأطراف الليبية حول قوانين الانتخابات، وصعوبة الوصول إلي توافق حول هذه الخلافات قبل نهاية يونيو الحالي (موعد انتهاء المهلة المحددة من قبل المبعوث الأممي عبدالله باتيلي لمجلسي النواب والأعلي للدولة للتوصل إلي توافق بشأن قوانين الانتخابات). بجانب صعوبة إجراء الانتخابات خلال العام الحالي (2023) وهو ما كانت تحرص البعثة الأممية علي تحقيقه.
فضلًا عن ربط اللجنة بين إجراء الانتخابات واختيار حكومة جديدة بديلة عن حكومة “عبدالحميد الدبيبة”، وهو ما ترفضه البعثة التي تؤكد علي ضرورة التركيز علي ملف الانتخابات فقط دون التطرق لملف تغيير السلطة التنفيذية. ناهيك عن إدراك البعثة الأممية أن لجنة 6+6 لا تمثل مختلف الأطياف السياسية والأمنية الفاعلة على الأرض، والتي بدون موافقتها يصعب إجراء الانتخابات، حتى ولو دخلت قوانينها حيز النفاذ.
ومن جانب آخر، فأن المواقف الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تشير إلي معارضة هذه المخرجات. فقد حث رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا خوسيه ساباديل، الأطراف الليبية على “الامتناع عن تكتيكات المماطلة، الهادفة إلى إطالة أمد الأزمة”[20]. من ناحية أخرى، فقد خاطب المبعوث الأمريكي لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند” أطرافًا ليبية في رسالة مبطنة أوضح فيها أنهم “سيحصلون على الشرعية من خلال الانتخابات فقط”، وحذر من جهود “استغلال الانقسامات الداخلية، وإحباط جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات”[21].
ويبدو أن وجه الاعتراض الأمريكي والأوروبي يرجع إلي أن القوانين فتحت الباب للجميع للترشح، بما فيهم “سيف الإسلام القذافي”، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين؛ بسبب مشاركة الغرب في الإطاحة بحكم عائلته ومقتل أبيه وإخوته، كما أنه سيكون حليفًا قويًا لروسيا[22].
ختامًا؛ يبدو من عمل لجنة (6+6) ومخرجاتها أنها جاءت، في المقام الأول، لمعالجة إشكالات تهدد بحل مجلسي النواب والأعلي للدولة بعد الضغوط الداخلية والخارجية التي حملتهما مسؤولية الإخفاق في الذهاب إلى الانتخابات منذ ديسمبر 2021، وذلك في محاولة منهما لرفع الحرج عنهما محليًا ودوليًا، وإبعاد شبهة أنهما مجلسان معرقلان لأي تقدم حقيقي نحو حل الأزمة في ليبيا، فهذان المجلسان اللذان استمرا في السلطة قرابة عشر سنوات يحرصان في أي تحرك مشترك أو منفرد على البحث عن تموقعات جديدة تضمن لهما استمرار الحفاظ على مصالحهما ومكتسباتهما، وكذلك تبادل الأدوار في الاتفاق على استمرار الخلاف وتدوير الأزمة بينهما، لضمان البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة[23].
وفي ضوء ذلك؛ فمن المتوقع أن يقوم المبعوث الأممي عبدالله باتيلي بدفع المجلسين إلى الاستدراك على الخلاف حول القوانين الجديدة من خلال وضع إطار زمني نهائي للتوافق على القوانين، وفي حال استمرار الإخفاق والفشل في التوافق، فقد يلجأ باتيلي إلي البديل المتمثل في تشكيل “اللجنة رفيعة المستوى” التي أعلن عنها في إحاطته أمام مجلس الأمن في فبراير الماضي، والتي قال أنها ستمثل كل الطيف السياسي والاجتماعي الليبي للتوافق على الأطر القانونية والدستورية للانتخابات لإجرائها خلال العام الجاري (2023).
وهو ما يتوقع أن يقابل برفض من قبل مجلسي النواب والأعلي للدولة بدعوي “رفض الإملاءات الخارجية” والتمسك بـ”الحل الليبي- الليبي”. ولتدور الأزمة الليبية في حلقة مفرغة من التناوب بين اللجان الساعية لحل الأزمة دون الوصول إلي حل حقيقي لها.
[1] “مفاوضات الحلّ الليبي: مساعي الإقصاء تصعّب الانتخابات”، الأخبار، 12/11/2022، الرابط:
[2] “هل تؤدي مخرجات “بوزنيقة” المغربية إلى انتخابات ليبية قريبة؟”، نون بوست، 7/6/2023، الرابط: https://cutt.us/Q5zr8
[3] “مخرجات بوزنيقة.. بداية الحل أم بداية التعقيد؟”، المرصد المصري، 10/6/2023، الرابط: https://cutt.us/iCOAf
[4] المرجع السابق.
[5] “شاهد : أبرز بنود التوافق على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا”، صحافة العرب، 7/6/2023، الرابط: https://cutt.us/eeqyj
[6] ” غياب صالح والمشري.. ما أسباب عدم التوقيع على اتفاق بوزنيقة بشأن الانتخابات الليبية؟”، الجزيرة نت، 7/6/2023، الرابط: https://cutt.us/eqZuj
[7] “مخرجات بوزنيقة.. بداية الحل أم بداية التعقيد؟”، مرجع سابق.
[8] “ليبيا.. هل يكفي اتفاق لجنة 6+6 للوصول إلى الانتخابات؟ (تحليل)”، الأناضول، 14/6/2023، الرابط: https://cutt.us/EK2II
[9] “التوافق على القوانين يبدو بعيد المنال.. ما البديل الممكن لإجراء انتخابات ليبيا 2023؟”، عربي بوست، 21/6/2023، الرابط: https://cutt.us/NqWRT
[10] “ليبيا.. هل يكفي اتفاق لجنة 6+6 للوصول إلى الانتخابات؟ (تحليل)”، مرجع سابق.
[11] “شاهد : أبرز بنود التوافق على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا”، مرجع سابق.
[12] ” غياب صالح والمشري.. ما أسباب عدم التوقيع على اتفاق بوزنيقة بشأن الانتخابات الليبية؟”، مرجع سابق.
[13] “مصير مخرجات لجنة 6+6 واتجاه الأزمة الراهنة”، عربي21، 10/6/2023، الرابط: https://cutt.us/MiItP
[14] “هل تؤدي مخرجات “بوزنيقة” المغربية إلى انتخابات ليبية قريبة؟”، مرجع سابق.
[15] ” غياب صالح والمشري.. ما أسباب عدم التوقيع على اتفاق بوزنيقة بشأن الانتخابات الليبية؟”، مرجع سابق.
[16] “ليبيا: مفوضية الانتخابات تدخل على خط الجدل حول اتفاق بوزنيقة”، العربي الجديد، 15/6/2023، الرابط: https://cutt.us/3tAnE
[17] “صراع ليبي جديد حول قوانين الانتخابات.. هل ينجح الدبيبة في تجاوزه؟”، العربي الجديد، 18/6/2023، الرابط: https://cutt.us/1rLrC
[18] “لجنة 6+6 وفرص نجاحات باتيلي”، المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، 14/6/2023، الرابط: https://cutt.us/QpuPD
[19] “إحاطة باتيلي في مجلس الأمن.. إقرار بالفشل أم تمهيد لجولة حوار ليبية جديدة؟”، العربي الجديد، 20/6/2023، الرابط: https://cutt.us/r1qn0
[20] “ليبيا.. هل يكفي اتفاق لجنة 6+6 للوصول إلى الانتخابات؟ (تحليل)”، مرجع سابق.
[21] “مخرجات بوزنيقة.. بداية الحل أم بداية التعقيد؟”، مرجع سابق.
[22] “مصير مخرجات لجنة 6+6 واتجاه الأزمة الراهنة”، مرجع سابق.
[23] “ليبيا ووهم الاستحقاق الانتخابي حلاً”، العربي الجديد، 18/6/2023، الرابط: https://cutt.us/qUQel