اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بالعلمين المصرية.. الدوافع وإمكانيات النجاح

استضافت مدينة العلمين المصرية، في 30 يوليو 2023، اجتماعًا للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بهدف إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد صفوفه، ومواجهة التوترات مع حكومة اليمين الإسرائيلية.

ويأتي الاجتماع تلبيةً لدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي وجهها، في 10 يوليو، للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع طارئ لمواجهة ما وصفها بـ “مخاطر السياسات الاحتلالية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأراضيهم” والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية.

كما دعا الرئيس عباس الفصائل لبحث مبادرة سياسية للعمل الفلسطيني الموحد مستقبلًا لمواجهة الممارسات الإسرائيلية[1].

وقد انعقد الاجتماع لمدة يومًا واحدًا، بمشاركة 12 فصيلًا، منها: حركة فتح، وحركة حماس، والجبهتان “الشعبية” و “الديمقراطية” لتحرير فلسطين، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وبمقاطعة كل من “الجهاد الإسلامي” و “منظمة الصاعقة” و”الجبهة الشعبية – القيادة العامة”.

وقد ترأس الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفدًا يضم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين ‏الشيخ، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زياد أبو عمرو، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة ‏اللواء ماجد فرج، ومستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية ‏مجدي الخالدي، والمشرف العام على الإعلام الرسمي أحمد عساف، إضافة إلى سفير دولة فلسطين لدى القاهرة‎.‎

كما شاركت حركة حماس في الاجتماع بوفد يرأسه رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري[2].

ويعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الأول من نوعه منذ الاجتماع السابق الذي عٌقد في 3 سبتمبر 2020 في رام الله والعاصمة اللبنانية بيروت عبر تقنية الفيديو كونفرانس، والذي شهد سلسلة من الاتفاقيات والتوافقات على خطط للعمل المشترك إلا أنها لم تطبق حتى الآن[3].

ويسعي هذا التقرير إلي الوقوف علي الأسباب التي دفعت الفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة، ومدي إمكانية أن يسفر هذا الاجتماع عن تقدم في ملفي المصالحة الفلسطينية والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.

أولًا: أسباب ودوافع انعقاد اجتماع الفصائل الفلسطينية بالعلمين:

يمكن الإشارة إلي أهم الأسباب والدوافع التي تقف خلف اجتماع الفصائل الفلسطينية بمدينة العلمين المصرية كما يلي:

1- مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية: فقد جاءت دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في 10 يوليو 2023، التي وجهها للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع طارئ لبحث المخاطر في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة، استخدمت فيها مروحيات وطائرات مسيرة وقوات برية بداعي ملاحقة مسلحين.

وأسفرت العملية التي اعتبرت الأكبر منذ أكثر من 20 عامًا، عن مقتل 12 فلسطينيًا وإصابة نحو 140 آخرين، إضافة إلى دمار هائل طال نحو 80 بالمئة من المباني والمنازل والبنية التحتية بالمخيم.​​​​​​​​​​​​​[4]

وبدون العودة إلي سرد تفصيلي للانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفلسطينيين منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، يمكن الإشارة إلي بعض هذه الانتهاكات التي تجلت مؤخرًا، والتي تمثلت أبرزها في إقرار الكنيست مشروع قانون بالقراءة الأولى يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين في هجمات فلسطينية بطلب تعويضات من أي جهة تمول وتدعم “الإرهابيين”، وهو مشروع يستهدف صراحة السلطة الفلسطينية. كما أشرف مدير وزارة شؤون القدس في حكومة الاحتلال على جلب أربعة عجول حمراء لحرقها على جبل الزيتون إيذانًا ببدء طقوس إقامة الهيكل الثالث، على أنقاض مسجد قبة الصخرة.

كذلك، فقد أدخل وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، تعديلًا يلغي إمكانية الإفراج الإداري المبكر عن الأسرى الفلسطينيين[5].

ناهيك عن “التعديلات القضائية” داخل إسرائيل بحيث يصبح القضاء تابعًا للسياسة، ما يعني أن مسألة إعلان ضم المنطقة «جيم» أصبحت مسألة وقت، من دون أن يكون للمحكمة العليا رأي مخالف، على فرض أنها ستخالف أصلًا هذا القرار. إذًا التوجه الإسرائيلي المقبل قائم على أساس الاستيلاء على كل الأرض الفلسطينية وإغلاق ملف الحل السياسي وعدم إعطاء أي نوع من الحقوق للفلسطينيين[6]، وهو ما يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهة هذه الممارسات الإسرائيلية.

ويدور الحديث في هذا السياق عن أن اجتماع الفصائل بالعلمين سيناقش كل الاتفاقيات الفلسطينية – الإسرائيلية السابقة مثل اتفاقية أوسلو وكل ملحقاتها، وإلي أي مدي سيتم الالتزام بها في ظل تخلي الاحتلال عنها.

وإمكانية تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي فيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال، فلعدة مرات على مدار سنوات، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، تعليق الاعتراف بإسرائيل وإنهاء التزامات السلطة الفلسطينية بكافة الاتفاقيات معها لحين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية، إلا أنها لم تنفذ.

كذلك، سيتم طرح ملف دعم المقاومة الشعبية والمسلحة في مواجهة الاحتلال، ومدي تحقق ذلك في إطار القيادة الموحدة[7].

2- تفعيل المصالحة الفلسطينية: فقد أكد الاجتماع على الدور الحيوي لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وأهمية أن ينضوي تحت لوائها جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني لتحقيق هدف بناء الدولة المستقلة والموحدة.

وكانت قضية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني محل تباحث من المجتمعين، في ظل تعذر إجرائها دون السماح بمشاركة أبناء القدس الشرقية المحتلة فيها ترشحًا وتصويتًا، وفق كلمة الرئيس الفلسطيني، الذي طالب بتشديد الضغوط على إسرائيل لعدم إعاقة العملية الانتخابية هناك.

بينما شدد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية على أهمية إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير وتشكيل المجلس الوطني على أسس ديمقراطية، وإعادة توحيد المؤسسات في الضفة والقطاع بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية[8].

وفي هذا السياق؛ فقد كشفت تقارير إعلامية عن عدة اقتراحات لإحداث اختراقات في هذه الملفات المتعلقة بالمصالحة الوطنية.

حيث أشارت إلي أن وفد “حماس”، خلال اللقاء الاخير في أنقرة التركية، في 26 يوليو 2023، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعا إلى إجراء انتخابات وفق تفاهمات إسطنبول 2020؛ أي تشكيل قائمة مشتركة تتمتع بأغلبية فتحاوية، والتوافق على الرئيس محمود عباس مرشحًا توافقيًا للانتخابات الرئاسية، ولكن الرئيس لم يكترث بالاقتراح[9].

وفيما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة، فقد أكدت مصادر مقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس  لـ”وكالة الأناضول”، إن “رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قدم استقالته للرئيس الفلسطيني”، وهو ما لم يتم تأكيده رسميًا حتى الساعة.

وإن “عباس أجل قبول استقالة اشتية لما بعد لقاء القاهرة، وذلك لإعطاء فرصة للفصائل الفلسطينية من أجل الذهاب نحو تشكيل حكومة وحدة فلسطينية متوافق عليها من قبل الجميع تضم أكاديميين وتكنوقراط، وتتألف من عدة فصائل بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، بهدف إنهاء الانقسام وتوحيد عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة” [10].

3- إعادة إنعاش السلطة: فقد جاءت الدعوة لعقد الاجتماع من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيثأن الرئيس والقيادة الرسمية يتعرضان في هذه المرحلة لضغوط داخلية وخارجية كبيرة، لدرجة أصبح الحديث عن انهيار السلطة وإفلاسها المالي وعن ضرورة حلها ليس من الأوساط الشعبية أو المعارضين، وإنما يتردد على لسان قادة السلطة ومناصريها أيضًا، يضاف إلى ذلك صدور دعوات في إسرائيل ومن داخل الحكومة لحل السلطة لأنها عاجزة عن ضبط المقاومة الفلسطينية واستفحال ظاهرة الكتائب المقاتلة في مناطق الشمال الفلسطيني، ودعوات أخرى من داخل الحكومة الإسرائيلية أيضًا بضرورة التزام السلطة بشروط إسرائيلية، إذا التزمت بها السلطة تتحول إلي سلطة وكيلة حصرًا للاحتلال.

إذًا، السلطة بحاجة إلى ضمان بقائها، وهذا هو الهدف المركزي من الاجتماع، وهي تريد تجديد شرعيتها الفلسطينية وتقوية نفسها عبر التلويح بالوحدة الفلسطينية في وجه الحكومة الإسرائيلية وشروطها لتقوية السلطة، كما تريد تقديم أوراق اعتماد جديدة للمجتمع الدولي والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، وتحديدًا الإدارة الأميركية المهتمة ببقاء السلطة واستقرارها ودعمها.

وربما تسعي السلطة إلي الوصول إلي تفاهمات مع حركة حماس والجهاد لتخفيف نشاط المقاومة في الضفة الغربية؛ لأنها تخشى على نفسها من الانهيار إذا استمرت الاعتداءات والاقتحامات والاغتيالات الإسرائيلية، بما في ذلك في المدن الفلسطينية المفترض أنها تحت سيطرة السلطة، وحالة المقاومة الخارجة على السلطة، خصوصًا في مخيم جنين[11].

كذلك، فإن السلطة قد تسعي إلي حل أزمتها المالية من خلال غاز غزة ونفطها، الذي شُرع في خطوات على طريق استخراجه بتوقيع اتفاقات بمشاركة مصر والسلطة وإسرائيل، ولا بد من أن تكتمل الموافقات بأن تكون هناك حصة لحماس. وهناك أيضًا المشاريع الكبيرة المنتظرة في سيناء لحل أزمة قطاع غزة المتفاقمة، وما يرافقها من استخدام مطار وميناء العريش، والأمر بات جاهزًا للتنفيذ بانتظار القرار السياسي في الوقت المناسب.

في ضوء ذلك، هناك هامش واحتمال للاتفاق في اجتماع القاهرة أو بعد ذلك على نوع من إدارة الانقسام، يمكن أن يأخذ أو لا يأخذ شكل تشكيل حكومة تبقي الانقسام على حاله، ولكن تدير بعض الأمور والمصالح المشتركة، خصوصًا النفط والغاز. وهو ما قد تقبل به إسرائيل مقابل هدنة طويلة الأمد[12].

وبعد استعراض دوافع اجتماع الفصائل الفلسطينية في مصر، لم يتبقي إلا أن نشير إلي أن بعض التحليلات – وإن كان الباحث لا يتفق معها – أكدت علي أن هناك جدية هذه المرة من جانب الرئيس الفلسطيني في انهاء الانقسام والسعي نحو الوحدة، وأن هذه الجدية نابعة من كون الرئيس عباس هو بنفسه من قرأ البيان الختامي، وربما يكون لأول مرة أن يقرأ الرئيس بيان الاجتماع بدلًا من غيره.

كما أن الوضع الراهن الذي تشهده القضية الفلسطينية من محاولات تصفية وإعلان رئيس حكومة الاحتلال، بأنه على الفلسطينيين عدم التفكير بإقامة دولة مستقلة لهم، وأن الضفة الغربية هي أرض إسرائيلية، وأن الاستيطان سيتواصل وبوتيرة عالية، إلى جانب جرائم الاحتلال التي يرتكبها يوميًا في الضفة وخاصة في مخيمات جنين ونابلس وطولكرم وغيرها، كل ذلك دفع الرئيس عباس لعقد هذا الاجتماع وحضوره شخصيًا، الأمر الذي يدلل على الجدية في مواجهة الصلف الإسرائيلي من خلال استعادة الوحدة الوطنية.

كذلك، يمكن اعتبار البيان الختامي ودعوة الرئيس الفورية لتشكيل لجنة من الفصائل لمتابعة الحوار والمناقشات والمواضيع التي جرى طرحها في الاجتماع خطوة أولى نحو تحقيق المصالحة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني[13].

ثانيًا: إمكانيات نجاح اجتماع الفصائل الفلسطينية بالعلمين:

لا يبدو أن لقاء الفصائل الفلسطينية بالعلمين يمكن أن يحقق أي نوع من الاختراق في جدار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية؛ لأن الأسباب والعراقيل التي حالت دون نجاح الحوارات والاتفاقات السابقة لا تزال قائمة، بل ازدادت تجذرًا كما يلاحظ أي مراقب. ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه العراقيل كما يلى:

1- اختلاف رؤية الفصائل حول كيفية تحقيق المصالحة: حيث تتمسك حركة فتح والسلطة الفلسطينية لتحقيق المصالحة مع باقي الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد بالأساس) بعدة شروط، تتمثل في: أولًا؛ انطواء كل الفصائل تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني (حماس والجهاد خارجها)، والالتزام بالتزاماتها، ومن بينها الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، والالتزام بخيار التسوية وحل الدولتين وثانيًا؛ الالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية كسبيل نضال وحيد، بمعنى عدم استخدام السلاح في مقاومة المحتل الإسرائيلي، وثالثًا؛ يجب أن لا يكون إلا سلاح واحد ووحيد في الأراضي الفلسطينية، وهو سلاح السلطة فقط، بمعنى تخلي المقاومة عن سلاحها وتسليمه للسلطة.

بالمقابل، فإن الفصائل الأخرى وعلى رأسها حماس والجهاد تتمسك بالمقاومة بكافة أشكالها بما فيها الكفاح المسلح، وضرورة إلغاء أو تجميد اتفاقيات منظمة التحرير مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني، وعدم الاعتراف بالقرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وفي ضمنها الاعتراف بإسرائيل، وعدم القبول بتسليم سلاح المقاومة سواء في غزة أو الضفة، مهما كانت الظروف والتفاهمات والاتفاقيات[14].

في ضوء ذلك، فمن غير المتوقع أن يتم اتخاذ خطوات فعلية علي طريق الوحدة الفلسطينية، حيث أن التفاهم بين الفصائل قد يعني إجراء انتخابات قد تؤدي إلى إعادة ترتيب لشكل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ما يعني أن حركة فتح قد تخسر فيها وهو ما لا تريده أيًا من الدول الغربية والعربية ممن يهدفون إلى تثبيت الوضع الحالي من دعم للسلطة الفلسطينية وتهدئة المقاومة في غزة[15].

ومن جانب آخر، فأن تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة حركتي حماس والجهاد يعني قبول هاتين الحركتين الانضواء تحت خيمة أوسلو، لأن الرئيس الفلسطيني عباس لن يقبل مشاركتهما إلا على أرضية ما يسميه، الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة بين الطرفين، وهذا بكل بساطة يشكل انتحارًا سياسيًا للفصيلين.

أما إذا قبل عباس تشكيل حكومة وحدة وطنية، من دون أن يشير إلى الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، فهذا يعني خروجه من مربع أوسلو والاقتراب إلى فصائل المقاومة والتحلل من الالتزامات الدولية ووقف التنسيق الأمني الذي وصفه يومًا بأنه “مقدس”.

وهذا سيثير غضب إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا ويتهمونه بتشكيل حكومة تضم حركات مصنفة بأنها “إرهابية” وبالتالي سيفقد كل دعم وتأييد وتمويل من هذه الدول. إذن ستعود الفصائل من القاهرة إلى المربع الأول كما عادت من قبل؛ فإما حكومة وحدة وطنية تحت خيمة أوسلو أو لا يوجد اتفاق[16].

2- التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال: حيث يصعب فهم كيف يمكن الحديث عن هدف كبير بوزن (وضع خطة استراتيجية لمواجهة ومقاومة الاحتلال) وهناك طرف أساسي (السلطة) يشارك في هذا الاجتماع يقوم بالتعاون الأمني مع الاحتلال، ويقوم دوره ووجوده على ملاحقة المقاومة وإضعافها[17].

ولقد كان هذا السبب الرئيسي خلف إعلان كل من حركة “الجهاد الإسلامي”، واثنتين من منظمات “التحرير الفلسطينية” هما “طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة)”، و”الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة”، في 29 يوليو، عدم مشاركتها في اجتماع الأمناء العامين للفصائل في مصر بسبب رفض السلطة الفلسطينية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية[18]. وتنفي السلطة وجود أي اعتقالات سياسية، وتشير إلي أن جميع الاعتقالات تمت بسبب التعدي على القانون العام وخصوصًا مراكز الشرطة[19].

ويمثل غياب “الجهاد” ضربة كبيرة لفرص نجاح الاجتماع بالنظر إلى حقيقة أن الحركة أصبحت قطبًا ثالثًا يكاد يقترب من إلغاء معادلة ثنائية فتح/ حماس المسيطرة على المشهد الفلسطيني منذ عقدين من الزمن.

حركة الجهاد من الناحية العسكرية أصبحت القوة الفلسطينية الثالثة بعد الحركتين الكبيرتين، أما من الناحية السياسية والجماهيرية فربما تكون الحركة الأولى حاليًا عند عموم الشعب الفلسطيني لتصدرها لعمليات المواجهة مع الاحتلال ومستوطنيه في السنوات الخمس الأخيرة[20].

ويدل مقاطعة “الجهاد” على تأكيد الشرخ بين الفصائل، والذي له علاقة بالخلاف الأكبر الذي تجلى بخوض الجهاد لثلاث معارك من دون “حماس” (2019 و2022 و2023)؛ ما يعكس خلافًا حول استراتيجية المقاومة، فهناك من يوافق (حماس) على معادلة هدنة مقابل تسهيلات وتخفيف الحصار، وهذا ضمن تفاهمات تدل عليها المنحة القطرية، والسماح لنحو 20 ألف عامل غزي بالعمل في إسرائيل، وزيادة التبادل التجاري بين مصر والقطاع ليصل إلى 43% من حجم التبادل الكلي، فضلًا عن محاولات لتطوير التفاهمات إلى هدنة طويلة مقابل رفع الحصار وتنفيذ مشاريع كبيرة، وهناك ما لا يوافق علي أي من هذه التفاهمات (الجهاد) ويرفع شعار المواجهة المفتوحة مع الاحتلال[21].

3- التجارب التاريخية السلبية للمصالحة الفلسطينية: فقد مرت أربعة عشر عامًا على وقوع الانقسام الفلسطيني بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بأغلبية ساحقة، وُقّعت خلالها أكثر من عشر اتفاقيات للمصالحة الفلسطينية في عدد من العواصم العربية لأجل طي صفحة الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، لكن جميع هذه الاتفاقيات لم تجد طريقًا حقيقيًا إلى التنفيذ العملي على أرض الواقع.

في تسلسل تاريخي سريع لكل الاتفاقيات التي وُقّعت على مدار السنوات التي مضت، كان اتفاق فبراير 2007 الذي جرى برعاية سعودية فاتحة الاتفاقات، تلته لقاءات دمشق واليمن، ثم اتفاقي القاهرة عام 2009 وعام 2011، ثم اتفاق قطر في إبريل عام 2014، وصولًا إلى اتفاق الشاطئ في فبراير 2016، ثم العودة مرة أخرى إلى الدوحة في عام 2017، ثم إعلان إسطنبول بتاريخ 24  سبتمبر2020 الذي أسس لاجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بين رام الله وبيروت في الثالث من سبتمبر في العام ذاته، ولم تصمد مخرجاته كثيرًا بعد إعلان السلطة الفلسطينية عودتها إلى التنسيق الأمني مع “إسرائيل” بنحو مفاجئ، ما أدى إلى نسف الاتفاق مع حركة حماس وجمود العلاقة بين الحركتين.

في التاسع من فبراير 2021 توصلت حركتا حماس وفتح مجددًا، برعاية مصرية، إلى اتفاق مصالحة جديد يتضمن آليات لإجراء الانتخابات كمدخل لتحقيق المصالحة، وصدرت مراسيم رئاسية حددت مواعيد إجرائها، إلا أن قطار المصالحة والانتخابات توقف مرة أخرى بعد صدور مرسوم رئاسي مفاجئ بتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، لأسباب أهمها وجود انقسامات كبيرة داخل حركة فتح، والتي اتضحت أكثر بعد تشكيل ثلاث قوائم انتخابية متصارعة تعكس حقيقة الانقسام العميق داخل الحركة، تمثلت في تكتل الرئيس محمود عباس، وتكتل القيادي الأسير مروان البرغوثي، وتكتل القيادي محمد دحلان، وهو ما أضعف موقف حركة فتح الداخلي أمام قائمة انتخابية موحدة وقوية لحركة حماس.

برر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إفشال مسار الانتخابات بذريعة عدم موافقة “إسرائيل” على إجرائها في مدينة القدس، فيما أصرت حركة حماس على ضرورة إجرائها في موعدها وفي مدينة القدس، وجعل الانتخابات معركة هوية ومواجهة شعبية مع “إسرائيل” داخل باحات المسجد الأقصى ومدينة القدس، وهو ما رفضته حركة فتح، الأمر الذي أعاد الأوضاع الداخلية الفلسطينية إلى نقطة الصفر مرة أخرى[22].

وكانت الفصائل الفلسطينية قد وقعت في أكتوبر 2022 على “وثيقة إعلان الجزائر” للمصالحة الفلسطينية في ختام مؤتمر دعمه ورعاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تحت شعار: “لم الشمل لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى يومنا هذا[23].

وبعد استعراض العراقيل التي تحول دون نجاح لقاء الفصائل بالعلمين، يجب الإشارة إلي أن هذه التحديات قد انعكست بصورة كبيرة علي الأجواء المحيطة بالاجتماع، فبينما كانت خيبة أمل اجتماعات فلسطينية سابقة تعود إلى تنصل الحركات الفلسطينية من تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينها بعد تحضيرات طويلة لها فإن اجتماع هذه المرة يجري في ظل لا مبالاة سياسية، إذ لم يرشح عنه أنه سبقه إعداد جاد، وليس هناك حديث لا عن ورقة حوار أو عن جدول أعمال تم إرساله للمشاركين قبل الاجتماع[24].

كما أن الاجتماع كان ليوم واحد، وهذا أمر جديد؛ إذ كانت الاجتماعات السابقة تستمر على الأقل يومين وأحيانًا وصلت إلى تسعة وعشرة أيام[25]. كذلك، فكما هو معروف أن الرئيس محمود عباس هو صاحب الدعوة، أما مصر فقد رحبت بأن تكون مقر الاجتماع ورعايته فقط، وهذا يختلف عن السابق حين كانت المبادرة للاجتماع مصرية، وتقوم القاهرة بتوجيه الدعوات والتحضير للاجتماع لضمان نجاحه، خصوصًا من خلال الحث على التوصل إلى اتفاق ثنائي فتحاوي حمساوي يجري دائمًا تسويقه على المشاركين الآخرين من الفصائل الأخرى[26].

وحتى نتعرف إلى مغزى ذلك، نشير إلى أن كل اللقاءات التي رعتها مصر عقدت في مبنى المخابرات المصرية، وكان وفد منها هو الذي يدير الجلسات، ومعظمها خرج باتفاقات عبرت عن نفسها ببيانات مشتركة نفذت جزئيًا وبعد ذلك انهارت، من إعلان القاهرة في مارس 2005، مرورًا باتفاق مايو 2011، واتفاق القاهرة (اتفاق التمكين) أكتوبر 2017 [27].

ختامًا؛ متي سينتهي الانقسام الفلسطيني وتحدث المصالحة؟؛ الاجابة على هذا السؤال الكبير قد تكون صعبة، لكنها ليست مستحيلة، محورها هو تصدع موقف لصالح موقف، والأقرب هو تصدع موقف أو تراجع موقف السلطة الفلسطينية لصالح متطلبات موقف الفصائل الأخرى مجتمعة، والتي تتناغم بشكل كبير مع موقف أكثرية الشعب الفلسطيني، والتي تنتجها استطلاعات الرأي المختلفة والمحايدة من حين الى آخر، وهذا التصدع ليس بعيدًا عما يجري في المنطقة والعالم من تغيرات في مجملها تغيرات تؤشر إلى تراجع النفوذ الأمريكي الداعم الأول لإسرائيل، وتقدم ونمو قوى دولية كاسرة للقطبية الواحدة مثل روسيا والصين، والأهم تعزيز مكانة وصعود محور المقاومة في المنطقة التي حققها في كل من إيران ولبنان وسوريا واليمن، وما قد يحدث بين هذا المحور، مجتمعًا أو فرادى من صدام متوقع بينه وبين إسرائيل المصابة بالانقسام والتشرذم، سواء كان على الحدود الشمالية أو مع سوريا أو مع إيران، وما ستنتجه هذه المواجهات المتوقعة من أذى كبير لإسرائيل كما يتوقعه مراقبوها وخبراؤها وكبار باحثيها[28].


[1] “هل يوحد اجتماع الفصائل في القاهرة الرؤى الفلسطينية لمواجهة السياسات الاسرائيلية؟”، بي بي سي عربي، 29/7/2023، الرابط: https://cutt.us/V1bDt

[2] “مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.. استمرار الجهود المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني”، المرصد المصري، 30/7/2023، الرابط: https://cutt.us/plwnl

[3] “اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية: تباينات ورهانات ضعيفة”، العربي الجديد، 30/7/2023، الرابط: https://cutt.us/Nlncl

[4] “ماذا ستطرح الفصائل على طاولة “الحوار” في القاهرة؟ (تقرير)”، الأناضول، 25/7/2023، الرابط: https://cutt.us/tf5zE

[5] “مجددا: لماذا لا يتصالح الفلسطينيون؟”، القدس العربي، 30/7/2023، الرابط: https://cutt.us/hGaiD

[6] “حول لقاء الأمناء العامين… كم مرة يلدغ المؤمن من الجحر نفسه؟”، القدس العربي، 27/7/2023، الرابط: https://cutt.us/6V80v

[7] ” ماذا ستطرح الفصائل على طاولة “الحوار” في القاهرة؟ (تقرير)”، مرجع سابق.

[8] “نتائج واقعية.. ما مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية؟”، القاهرة الإخبارية، 30/7/2023، الرابط: https://cutt.us/GrwQJ

[9] “اجتماع العلمين: قراءة في الدروس والدلالات ‎”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات، 1/8/2023، الرابط: https://cutt.us/ujhAD

[10] ” ماذا ستطرح الفصائل على طاولة “الحوار” في القاهرة؟ (تقرير)”، مرجع سابق.

[11] “اجتماع القاهرة: المكتوب يقرأ من عنوانه‎”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات، 25/7/2023، الرابط: https://cutt.us/RFICh 

[12]  المرجع السابق.

[13] “بيان ختامي واجتماع جدي ولكن العبرة في التنفيذ”، القدس، 31/7/2023، الرابط: https://alquds.com/ar/posts/81554

[14] “عصري فياض: كيف سننجو من الانقسام؟”، رأي اليوم، 1/8/2023، الرابط: https://cutt.us/Urebj

[15] “الاجتماع الفلسطيني في العلمين بعيون مصرية”، العربي الجديد، 1/8/2023، الرابط: https://cutt.us/NrhJM

[16] “حول لقاء الأمناء العامين… كم مرة يلدغ المؤمن من الجحر نفسه؟”، مرجع سابق.

[17] “ما غاب عن اجتماع الأمناء العامين”، فلسطين أونلاين، 1/8/2023، الرابط: https://cutt.us/kS50x   

[18] “3 فصائل فلسطينية تعلن عدم مشاركتها في اجتماع القاهرة”، الخليج الجديد، 29/7/2023، الرابط: https://cutt.us/bmIZp

[19] “اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية: تباينات ورهانات ضعيفة”، مرجع سابق.

[20] “فشل الحوار الوطني الفلسطيني ليس قدرًا!”، أصوات أونلاين، 30/7/2023، الرابط: https://cutt.us/DKlzz

[21] “اجتماع العلمين: قراءة في الدروس والدلالات ‎”، مرجع سابق.

[22] “معجزة الـ 2022.. كوة في جدار المصالحة الفلسطينية؟”، الميادين نت، 21/12/2021، الرابط: https://cutt.us/YlOQs

[23] “هل يوحد اجتماع الفصائل في القاهرة الرؤى الفلسطينية لمواجهة السياسات الاسرائيلية؟”، مرجع سابق.

[24] “فشل الحوار الوطني الفلسطيني ليس قدرًا!”، أصوات أونلاين، 30/7/2023، الرابط: https://cutt.us/DKlzz

[25] “اجتماع القاهرة: المكتوب يقرأ من عنوانه‎”، مرجع سابق. 

[26] “اجتماع القاهرة: المكتوب يقرأ من عنوانه‎”، مرجع سابق. 

[27] “اجتماع العلمين: قراءة في الدروس والدلالات ‎”، مرجع سابق.

[28] “عصري فياض: كيف سننجو من الانقسام؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022