انقلاب النيجر في إطار التداخُلات الدولية والإقليمية

لسنوات طويلة، ظلت النيجر واحة الاستقرار وآخر معاقله في منطقة الساحل التي تعصف بدولها اضطرابات وأزمات سياسية خانقة.

فقبل عامين، شهدت البلاد انتقالًا ديمقراطيًا ناجحًا للسلطة رغم محاولة انقلاب فاشلة حاولت إرباك المشهد الديمقراطي، وهو تطور على عكس ما حصل في دول الجوار، لاسيما مالي وبوركينا فاسو التي شهدت في السنوات الأخيرة أربع انقلابات.

بيد أن الأيام القليلة الماضية، حملت أخبارًا غير سارة لهذا المسار مع انقلاب قامت به قوات من الحرس الجمهوري التي أعلنت استيلائها على السلطة واعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم الذي رفض قبول ذلك.

تزامن هذا مع إعلان قائد الجيش في النيجر دعمه للانقلاب، وتنصيب قائد الحرس الرئاسي نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وسط حديث عن الفساد وسوء الإدارة وحماية أمن الوطن والمواطنين.

فكيف يُمكن قراءة انقلاب النيجر في إطار التداخُلات الدولية والإقليمية؟

هذا هو التساؤل الذي نسعى للإجابة عنه خلال هذا التقرير..

أولًا: الانقلاب والتداخُلات الدولية..

جاء الانقلاب كرد فعل لما تعيشه النيجر من واقع مُعقَّد سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، والذي يُمكن قراءته من خلال النقاط التالية..

1. صعود بازوم للحكم ومُقدمات الانقلاب: ينتمي بازوم إلى أقلية عرقية لا تعترف بمواطنتها الأغلبية، إذ ينتمي إلى العرب الذين لا يُمثِّلون سوى 1% من مجموع السكان، فضلًا عن حداثة وجودهم على أرض النيجر.

لكن انتماءه إلى الحزب الحاكم (حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية) أهَّله للترشح لأعلى منصب في البلاد، فضلًا عن كونه صاحب تجربة في عدد من الوزارات، حيث شغل وزارتي الخارجية والداخلية، إضافةً إلى منصب نائب الرئيس.

وبالرغم من ذلك؛ كان فوز بازوم في الجولة الثانية كان محل نزاع مع المعارضة، أولًا بسبب ضعف حاضنته الاجتماعية وتململ عدد من قادة الحزب الحاكم من صعوده، وثانيًا بسبب الشكوك في التزوير وصعوده على أكتاف عرقية الهوسا التي تُمثِّل ما يزيد على نصف سكان البلاد، وضعف تصويت سكان العاصمة له، ما واجه رفضًا منذ البداية داخل مفاصل الدولة العميقة وحاولت الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع قبل تنصيبه رئيسًا.

وهكذا لم يكن فوز بازوم مُرحبًّا به سواء من المجموعات العرقية التي تشعر بأحقيتها في الحكم أو من بعض أركان الجيش، وكانت الإشارات واضحة من المحاولات التي جرت لتغيير الحكم، حيث يبدو أن بازوم لم يلتزم الخارطة التي اتفق عليها مع سلفه، والتي سمح له بموجبها أن يكون في هذا الموقع.

ومن أبرز المؤشرات على ذلك: محاولة بازوم بناء مراكز نفوذ جديدة في الأجهزة الرئيسية للدولة بعيدًا عن النافذين في الحزب الحاكم، والخلافات مع سلفه وأركان الحزب حول الإقالات والتعيينات في الجيش والحرس الرئاسي، ونية الرئيس بازوم إقالة قائد الحرس الرئاسي وهو المخضرم الذي خدم طوال فترة الرئيس السابق، وإقالة عدد من الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو من عدد من المواقع الحيوية، ومحاولة إضعاف وإنهاء هيمنة الرئيس السابق إيسوفو على المؤسسات الحزبية والحكومية، ورغبة بازوم بالتخلص من صراعات الأجنحة من خلال تصفية الجناح المناوئ له، وإعلان بازوم رفع عدد الجيش وتجنيد أعداد جديدة ما ضاعف شكوك المناوئين من توسع نفوذه.

كل ذلك يعكس حجم الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة، ونفاد صبر العسكريين على التجربة الديمقراطية الوليدة.

أما الأسباب التي تتعلَّق بعموم البلاد فهي كثيرة، ليس أقلها الفقر المُدقع الذي تعيش فيه البلاد إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (189 من 189 دولة) وأكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، مع نسبة 50% من الأطفال في عمر التعليم غير مُقيدين بالمدارس.

كما تُؤثِّر الأبعاد الأمنية على المشهد السياسي في النيجر، حيث تقع البلاد في حزام المنطقة التي تنشط فيها الجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وأخواتها في تنظيم القاعدة، ومتفرعاتها في منطقة الساحل.[1]

2. إعلان الانقلاب وخطورته: الحرس الرئاسي هو الجهة التي نفَّذت الانقلاب وتلت البيان الأول، لكن بعد يوم واحد انحاز الجيش للحرس الرئاسي مؤيدًا للانقلاب، وتمَّ إعلان قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني رئيسًا للمجلس الانتقالي، بصفته “رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن”، أي المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.

لم يعترف الرئيس المعزول بالانقلاب ولم يُوقِّع على قرار التنازل، بينما أضرم مؤيدو الانقلاب النار في مقر الحزب الحاكم.

وأعلن الانقلابيون عن عدد من الإجراءات؛ هي: إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية، إذ تعتبر النيجر دولة مغلقة لا منافذ بحرية لها، وتعليق جميع أنشطة الأحزاب السياسية، وإقالة كافة الوزراء ونوابهم وتكليف المديرين العامين بالقيام بإدارة المؤسسات إلى حين ترتيبات لاحقة، والحفاظ على الاتفاقيات المُبرمة من قِبَل النظام السابق والتعهد بسلامة أعضاء النظام السابق.

وقد تعرُّض انقلاب الحرس الرئاسي في النيجر إلى سيل من الانتقادات والرفض، أولًا لكون الرئيس المعزول يُعتبر من أقوى حلفاء الدول الغربية، ثانيًا لكون النيجر أحد أهم دول الساحل الإفريقي.[2]

حيث تحتل النيجر المركز الرابع عالميًا في إنتاج اليورانيوم، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم، إذ تغطي 35% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة، وتساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء.

كما أن هناك قواعد عسكرية فرنسية في الأراضي النيجرية، إذ تملك باريس نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر، إلى جانب أنها تُعد قاعدة مركزية لقوات حلف “الناتو” في منطقة الساحل.

واستقرار النيجر وموقعها الجغرافي، يساعدان الجيش الفرنسي على مراقبة الحدود مع ليبيا، ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

كما توجد لواشنطن قاعدة طائرات مسيرة أسستها في وسط الصحراء في مدينة أجاديز في شمالي النيجر عام 2014، في إطار عمليات مكافحة إرهاب الجماعات المسلحة في غربي إفريقيا.

وبحسب تقرير للغارديان البريطانية فإن الولايات المتحدة أنفقت نحو 500 مليون دولار منذ عام 2012 لمساعدة النيجر على تعزيز أمنها.[3]

3. الانقلاب والمصالح الدولية: مع وقوع الانقلاب، طرح كثيرون تساؤلات حول تأثيره على المصالح الدولية خاصةً أن بازوم كان يُنظر إليه باعتباره شريكًا موثوقًا به للدول الغربية وهو الأمر الذي مكَّن النيجر من لعب دور إقليمي هام.

فمع انتهاء مهمة حفظ السلام الأممية في مالي (مينوسما) استجابةً لرغبة باماكو في 30 يونيو الماضي؛ ظلت النيجر القاعدة الوحيدة للقوات الغربية التي من المُفترض أن تمنع أي انهيار كامل للاستقرار في منطقة الساحل بعد أن زادت الجماعات المُتطرفة أنشطتها في المنطقة بأكملها ونفَّذت بشكل مُتكرِّر هجمات دموية في عدد من البلدان بما في ذلك في النيجر.[4]

وأثار الانقلاب أجراس الإنذار في الدول الغربية، التي تكافح لاحتواء التمرد الجهادي الذي اندلع في شمال مالي في عام 2012، وامتد إلى النيجر وبوركينا فاسو بعد ثلاث سنوات ويُهدِّد الآن حدود الدول الهشة على خليج غينيا.

وفي السنوات الأخيرة أصبحت روسيا تنافس فرنسا على منطقة نفوذها التقليدية، ففي عام 2019 استضافت موسكو أول قمة روسية إفريقية في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وحضرها ممثلون عن جميع دول القارة السمراء، البالغ عددها 54 دولة.

وتسعى موسكو لتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول غرب إفريقيا، وتسعى أيضًا لتعزيز وجودها العسكري عبر مجموعة فاغنر الروسية.

وفي دول الساحل الثلاثة، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تدخل الجيش الساخط ضد الرؤساء المنتخبين مع ارتفاع حصيلة ضحايا هجمات الحركات الجهادية.

وترافقت عمليات الاستيلاء على السلطة بخطاب قومي ومظاهرات مناهضة لفرنسا ومؤيدة لروسيا.

ومنذ إطاحة الجنرال عبد الرحمن تشياني بالرئيس محمد بازوم في النيجر، ظهرت ألوان العلم الروسي فجأة في الشوارع. واتهم متظاهرون من مواطني النيجر فرنسا بنهب ثروات بلادهم.[5]

4. المواقف الدولية من الانقلاب: أثار الانقلاب مخاوف من أن تتحوَّل النيجر، التي كانت مستعمرة فرنسية سابقًا، إلى منطقة نفوذ تدور في فلك روسيا كما حدث في بوركينا فاسو ومالي بعد حدوث انقلابين فيهما.

وفي العاصمة النيجرية نيامي، تظاهر مئات من أنصار الانقلاب أمام السفارة الفرنسية بعد أن أوقفت فرنسا المساعدات، وهتف بعضهم “تعيش روسيا” و “يعيش بوتين” و”تسقط فرنسا”، كما أشعلوا النيران في جدران مجمع السفارة الفرنسية.

وقال مكتب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في بيان، إن فرنسا لن تتسامح مع أي هجوم على مصالحها في النيجر وسترد “بطريقة فورية وصارمة”.

وعلَّقت فرنسا جميع المساعدات التنموية والدعم المالي للنيجر.[6]

وتوالت تصريحات ومواقف المجتمع الدولي مباشرةً بعد الانقلاب؛ فمثلًا سارعت الولايات المتحدة إلى التنديد بالانقلاب والتأكيد على ضرورة احترام الشرعية الدستورية وعلى أن يظل محمد بازوم رئيسًا للنيجر بصفته منتخبًا من قبل النيجيريين أنفسهم.

ووصل الأمر إلى أن أوقف الاتحاد الأوروبي كل التعاون العسكري مع النيجر مُطالبًا بالإفراج الفوري عن الرئيس بازوم.

وكان قد هدَّد سابقًا من أنه سيوقف أيضًا كل المساعدات المالية الممنوحة لهذا البلد، الذي يعيش على وقع العمليات الجهادية.

وقد شدَّد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على أن الانقلاب العسكري يُعرِّض للخطر “مساعدات بمئات ملايين الدولارات” لنيامي، لافتًا إلى أن واشنطن “ستواصل العمل لضمان الاستعادة الكاملة للنظام الدستوري والحكم الديموقراطي في النيجر”.[7]

وعقب الانقلاب، أعربت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ووزيرة التنمية سفينيا شولتز عن دعمهما لرئيس النيجر محمد بازوم حيث شدَّدتا على ضرورة العودة إلى النظام الدستوري.[8]

ومن جانبه، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إنه يجب استبعاد أي تدخل عسكري غربي في النيجر، لأنه سيُعَد استعمارًا جديدًا. وقال تاياني إنه يجب العمل لضمان أن تسود الدبلوماسية في النيجر واستعادة الديمقراطية.[9]

وقالت الأمم المتحدة إن الانقلاب في النيجر لم يؤثر على شحنات المساعدات الإنسانية التي ترسلها لهذه الدولة.

ودعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه إلى “الإفراج الفوري” عن الرئيس بازوم، و”إعادة النظام الدستوري” في النيجر، وفق ما جاء في بيان.[10]

وجاء رد الفعل الروسي على عكس ذلك؛ حيث رحَّب زعيم شركة المرتزقة الروسية فاغنر، يفغيني بريغوجين بالانقلاب الذي وصفه بأنه انتصار.

حيث نُقل عنه قوله على منصة تلغرام، مرتبطة بفاغنر، أن “ما حدث في النيجر ليس سوى صراع الشعب النيجيري مع مستعمريه”، ولم يتم التحقُّق من تصريحاته بشكل مستقل.

قالت الخارجية الروسية إن التهديد باستخدام القوة في النيجر ضد منفذي الانقلاب “لن يسهم في تسوية الصراع”، داعيةً إلى تنظيم “حوار وطني” لضمان سيادة القانون.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، خلال إحاطة إعلامية، “نرى أهمية قصوى في الحيلولة دون تدهور الوضع في النيجر، ونعتقد أنه من المُلح تنظيم حوار وطني لاستعادة السلم الأهلي وضمان سيادة القانون والنظام”.[11]

ومن هذا يتضح أن كلًا من فرنسا والولايات المتحدة تخشيان من استثمار هذه الخطوة من جانب روسيا، التي تسعى لتعميق نفوذها في القارة الإفريقية، إضافةً إلى الخوف من تدفُّق الهجرة غير الشرعية إلى الغرب في حال نجاح هذا الانقلاب.

كما تخشى فرنسا أن تكون النيجر الدولة الثالثة التي تخسرها لمصلحة روسيا في غربي إفريقيا، بعد خسارة مالي وبوركينا فاسو.

ثانيًا: الانقلاب والتداخُلات الإقليمية..

وكما أن الوضع الدولي مُعقَّد بالنسبة للنيجر؛ فإن الوضع الإقليمي أيضًا يضج بالتغيُّرات التي تجعل منه أكثر تشابُكًا مع الوضع في النيجر، وينعكس بطبيعة الحال على استقرار المنطقة ككل، مما شكَّل مواقف دول الجوار الإفريقي والعربي من الانقلاب؛ كالتالي..

1. المواقف الإفريقية من الانقلاب: طالب الاتحاد الإفريقي جيش النيجر بـ “العودة إلى ثكناته وإعادة السلطة الدستورية” خلال 15 يوم.

وأعلن مجلس السلم والأمن بالاتحاد في بيان أنه يطالب العسكريين بـ “العودة الفورية وغير المشروطة إلى ثكناتهم وإعادة السلطة الدستورية، خلال مهلة أقصاها 15 يوم”.[12]

هدَّد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، باتخاذ إجراءات عسكرية ضد المجلس العسكري في النيجر، بعد أن استولى على السلطة في انقلاب.

وأجرى قادة من إيكواس، محادثات حول الأزمة في العاصمة النيجيرية أبوجا، لمناقشة الانقلاب الذي جاء بعد انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين.

وجاء في بيان تلا القمة، أن إيكواس “لا تتسامح مُطلقًا” مع الانقلابات.

وأضاف البيان، أن الكتلة الإقليمية ستتخذ “جميع التدابير الضرورية لاستعادة النظام الدستوري” إذا لم يتم تلبية مطالبها في غضون أسبوع.

“وقد تشمل مثل هذه التدابير استخدام القوة”، وفقًا للبيان. وحضر الاجتماع المُمثِّل الخاص ورئيس مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل، وقال إن إيكواس اتخذَّت إجراءات حازمة، لأن الأحداث في النيجر مُثيرة للقلق.

كما أعلن قادة إيكواس، أيضًا فرض منطقة حظر جوي فوري على النيجر، على جميع الرحلات التجارية، وإغلاق جميع الحدود البرية مع البلاد، وفرض عقوبات مالية على المجلس العسكري.

وأعلنت تشاد، أن رئيسها محمد إدريس ديبي إتنو، ذهب إلى نيامي، ليطلب من المجلس العسكري التنحي عن السلطة.

وهو أول زعيم يزور النيجر منذ الانقلاب، والتقى بنائب رئيس المجلس العسكري الحاكم، الجنرال ساليفو مودي.[13]

وحذّرت السلطات في بوركينا فاسو ومالي، في بيان مشترك، من أن أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمثابة “إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي”.

وجاء في البيان المشترك الذي تلاه وزير الإدارة الإقليمية واللامركزية في مالي، الكولونيل عبد الله مايغا، على شاشة التلفزيون الرسمي، أن “أي تدخل عسكري ضد النيجر سيؤدي إلى انسحاب بوركينا فاسو ومالي من مجموعة إيكواس، وإلى تبنِّي تدابير للدفاع المشروع دعمًا للقوات المسلحة والشعب في النيجر”.

كما حذَّر البلدان من “عواقب كارثية لتدخل عسكري في النيجر من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة بأسرها”.

وأعلنت السلطات الغينية، المُنبثقة بدورها عن انقلاب، “عدم موافقتها على العقوبات التي فرضتها إيكواس بما في ذلك التدخل العسكري”.

ولفتت إلى أنها “قرَّرت عدم تطبيق هذه العقوبات التي تعتبرها غير مشروعة وغير إنسانية”.

وحضّت كوناكري “إيكواس” على “إعادة النظر في موقفها”.

وبدا التناغم بين غينيا ومالي وبوركينا فاسو في شأن النيجر منطلقًا من تشارك هذه الدول تنفيذها انقلابات عسكرية بحجج عدة.[14]

2. المواقف العربية من الانقلاب: شكَّلت محاولة الانقلاب العسكري في النيجر، صدمة للدول الإفريقية وبالأخص العربية منها ذات الجوار القريب، لما لهذه الخطوة من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة.

فالانقلاب العسكري الذي قاده الحرس الرئاسي على الرئيس محمد بازوم، وحظي بدعم قيادة الجيش في اليوم التالي، من شأنه أن يُعقِّد الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد ويزيدها عزلة، بسبب رفض المجتمع الدولي لهذا الانقلاب.

وجاءت المواقف العربية من الانقلاب لتعكس مصالح كلًا من تلك الدول وتتفاوت في قوتها وفقًا لمدى تأثُّر تلك الدول بالانقلاب العسكري في النيجر؛ كالتالي..

أ. دول عربية- إفريقية مجاورة: وهي الأكثر تأثُّرًا بالأحداث؛ فمن شأن دخول النيجر في فوضى سياسية وأمنية أن يكون له تداعيات عصيبة على الدول العربية المجاورة لها على غرار الجزائر وليبيا، وأيضًا موريتانيا والسودان؛ حيث..

بالنسبة للجزائر؛ للنيجر أهمية استراتيجية بالنسبة للجزائر، خاصةً فيما يتعلق بالتنسيق في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، فالبلدان عضوان في مجموعة الميدان التي تضم أيضًا كلًا من موريتانيا ومالي.

إذ يتدفق عبر النيجر آلاف المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الجزائر عبر الحدود المشتركة. وقَّع البلدان في 2021، على اتفاق التعاون الأمني، لتنسيق عمليات محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والمنظمة.

كما أن النيجر تُمثِّل ممرًا مهمًا للجزائر نحو قلب إفريقيا، ضمن استراتيجيتها لتعزيز صادراتها إلى القارة السمراء، وبالأخص مشاريع الطريق العابر للصحراء والذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر النيجر، بالموازاة مع خط للألياف البصرية، وأنبوب لنقل غاز نيجيريا إلى أوروبا مرورًا بالبلدين.

كما أن مجمع سوناطراك الجزائري وقَّع في فبراير 2022، مع وزارة الطاقة في النيجر، على اتفاق لتقاسم الإنتاج في حقل “كفرا” النفطي شمالي البلاد، الذي اكتشفته في 2018، والذي تُقدَّر احتياطاته بنحو 400 مليون برميل.

فكل هذه الاتفاقيات والمصالح الاستراتيجية أصبحت مُهدَّدة بعد الانقلاب على الرئيس بازوم، الذي من شأنه إدخال البلاد في مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار على غرار ما يجري في ليبيا ومالي.[15]

أما ليبيا؛ فتُعد أكثر الدول العربية تأثُّرًا بالانقلاب في النيجر، فالرئيس محمد بازوم، ينحدر من قبيلة أولاد سليمان الليبية، التي يمتد انتشارها من بلدة هراوة على البحر الأبيض المتوسط (قريبة من مدينة سرت الليبية) إلى غاية النيجر وتشاد جنوبًا.

ولم يخفِ رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، قلقه مما يجري في جارة بلاده الجنوبية، ودعا إلى “وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتُشكِّل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة، والمجتمع الدولي ككل”.

فليبيا عانت سابقًا من مشاركة مجموعات مسلحة من النيجر في القتال لصالح هذا الطرف أو ذاك.

فبسبب الوضع الاقتصادي في النيجر، يسهل على أطراف الصراع في ليبيا تجنيد مرتزقة للقتال في صفوفهم، أو على الأقل حماية حقول النفط والمراكز الحيوية في المناطق النائية خاصة بالجنوب.

هذا بالإضافة إلى ملف الهجرة غير النظامية وتجارة البشر النشطة في ليبيا منذ سقوط القذافي، والتي ستتفاقم حال دخول النيجر في حالة عدم استقرار أو انجرافها نحو الفوضى، والأخطر من ذلك أن تدهور الوضع في النيجر سيسمح للتنظيمات الإرهابية للنشاط على محور نيجيريا النيجر ليبيا وصولًا إلى العراق وسوريا.

ناهيك عن تجميد خطط ومشاريع لنقل غاز نيجيريا عبر البلدين، وربط كلٌّ من تشاد والنيجر وليبيا بخط للسكك الحديدية.[16]

وفي موريتانيا؛ وعلى الرغم من كونه ليس لها حدود مباشرة مع النيجر، وتفصل بينهما مالي، إلا أنها معنية بشكل مباشر بالانقلاب الواقع على الرئيس بازوم، بحكم أن البلدان عضوان في مجموعة دول الساحل الخمس، التي شكَّلتها فرنسا لتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة.

فمن بين دول الساحل الخمسة، لم تبق سوى موريتانيا التي تتبع نظامًا ديمقراطيًا دستوريًا، ولا يقودها نظام عسكري أو انقلابي.

وعندما يكون محيطها مُشكلًا من أنظمة انقلابية فهذا يُمكنه أن يُشجِّع بعض المغامرين من ضباطها لقيادة انقلاب على النظام الدستوري أسوةً بمالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وغينيا. فالأنظمة المُنتخبة في دول الساحل تتساقط الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو، وهذا ما يثير قلق موريتانيا وأيضًا الجزائر وليبيا.

لذلك كان من الطبيعي أن تدين الخارجية الموريتانية، في بيان، المحاولة الانقلابية وقالت إنها “تراقب بقلق كبير تطورات الأوضاع في النجير وترفض التغييرات غير الدستورية للحكومات”، داعيةً إلى “تضافر الجهود من أجل المحافظة على أمن واستقرار جمهورية النجير ومؤسساتها الدستورية”.

وفي السودان؛ على غرار موريتانيا لا تربط السودان أي حدود مع النيجر، لكن بينهما بحر مفتوح من الرمال وقبائل مترابطة عرقيًا، أو مذهبيًا (الطريقة التيجانية).

وفي الوقت الذي يشتعل فيه قتال عنيف في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، فإن أي انهيار للاستقرار في النيجر سيُغذي الحرب في السودان، والعكس صحيح. حيث اتهم رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس، في مقابلة صحفية، قوات الدعم السريع بضم مقاتلين من مرتزقة أفارقة.

والنيجر بالذات تعج بالمرتزقة والباحثين عن الذهب والمجد، وشاركوا بشكلٍ بارز في الحرب بليبيا، إلى جانب مجموعات مسلحة محسوبة على قوات الدعم السريع السودانية.

وقبيلة المحاميد التي ينحدر منها كثير من المقاتلين التابعين لقوات الدعم السريع لها امتداد في جنوب النيجر في ولاية ديفا، التي هاجروا إليها في بداية الثمانينات. وفي ولاية أغاديز شمالي النيجر، ينتشر المنقبون السودانيون عن الذهب، وينشط المهربون على محور دارفور النيجر، خاصةً في ظل تقارير عن تهريب قوات الدعم السريع لسيارات مسروقة إلى دول الساحل بما فيها النيجر.

وهذا التداخل القبلي والمذهبي والأمني يجعل من إمكانية تجنيد قوات الدعم السريع لمرتزقة من النيجر مسألة غير مُستبعدة، خاصةً إذا انفلتت الأوضاع الأمنية في الأخيرة أكثر.[17]

ب. دول الخليج ومصر: توالت الإدانات الخليجية والعربية والدولية الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس النيجر محمد بازوم، لاسيما بعد إعلان الجيش تأييد قوات الحرس الرئاسي التي حاصرت الرئيس داخل مكتبه بالقصر الرئاسي وأعلنت عزله من منصبه.

حيث: السعودية؛ أعلنت السعودية، في بيان، عن رفضها التام لكافة الأحداث الانقلابية التي تحدث داخل النيجر ومحاولات إطاحة الرئيس محمد بازوم، ووصفت هذا الانقلاب هو محاولات “غير شرعية”.

وطالبت الرياض بسرعة الإفراج عن رئيس النيجر المحاصر داخل قصر الرئاسة، لتمكين استعادته مرة أخرى في منصبه وبلاده واختصاصاته الدستورية، موضحةً أن هذا سيساعد على حفظ صحته وسلامته.

وأشارت السعودية، إلى أن مطالب المملكة تأتي لصالح شعب النيجر وسيادتها، لتجنُّب دق ناقوس الخطر في البلاد بجانب الانفلات الأمني الذي يؤدي إلى خسائر ممتلكات وبشرية بشكل مبالغ فيه، بالإضافة لخسارة المكتسبات الوطنية.

الإمارات؛ بدورها، أدانت الإمارات الانقلاب في النيجر، داعيةً للحفاظ على الاستقرار بالبلاد، وقالت، في بيان لخارجيتها، إنها “تدين محاولة الانقلاب في جمهورية النيجر، وتدعو إلى ضرورة المحافظة على الاستقرار والأمن في البلاد”.

وأشارت إلى أنها “تتابع بقلق تطوّرات الوضع في النيجر”، مُشدِّدة على “دعمها سيادة ووحدة أراضيها، ضمن إطار المؤسسات والقانون والدستور، بما يُحقِّق آمال وتطلعات شعب النيجر”.

قطر؛ من جانبها، قالت قطر إنها تتابع بقلق بالغ التطورات الحالية في جمهورية النيجر، داعيةً الأطراف كافة إلى تجنُّب التصعيد، وتغليب صوت الحكمة، وانتهاج الحوار لتجاوز الأزمة في البلاد.

وأكَّدت وزارة الخارجية، في بيان لها، حرص دولة قطر على استتباب الأمن والاستقرار في النيجر، كما أعربت عن أملها في الحفاظ على المؤسسات الدستورية، وسيادة حكم القانون، بما يُحقِّق تطلعات شعب النيجر في التنمية والازدهار.

مصر؛ أكَّدت مصر، حرصها على “استقرار النيجر والحفاظ على النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد”.

وقال بيان للخارجية المصرية إنها “تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع في النيجر، وتؤكِّد حرصها على سلامة واستقرار جمهورية النيجر الشقيقة والحفاظ على النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد”.

وشدَّد البيان على “تضامن مصر الكامل مع شعب النيجر الشقيق”، ودعا إلى “تغليب المصلحة العليا للوطن والحفاظ علي سلامة المواطنين”.[18]

الخُلاصة؛ مما سبق نجد أنه لم يحدث أن كان الموقف الإقليمي أولًا والدولي ثانيًا بهذه الحدّة بما يتعلق بانقلاب عسكري في دولة إفريقية، إذ تتصاعد المخاوف إثر انقلاب النيجر في 26 يوليو الماضي، متخذةً بُعدًا أكثر خطورة مع تزايد الاصطفافات الإفريقية بين مؤيد للانقلاب ورافض له، وذلك على وقع التلويح بتدخل عسكري لإعادة السلطة إلى الرئيس المُطاح به محمد بازوم، وتحذير دول مجاورة من مغبة حصول هذا التدخل، لدرجة اعتباره “إعلان حرب” عليها.

وترجع تلك الحدَّة في التعامل مع هذا الانقلاب تحديدًا، ورفضه حتى من أنظمة انقلابية -كمصر مثلًا- لكون تعاون الأنظمة العسكرية في بوركينا فاسو وغينيا ومالي والنيجر من شأنه أن يسمح لخلق مساحة جغرافية واسعة، تمتد من الوسط الإفريقي في عمق الصحراء على حدود النيجر مع تشاد وصولًا إلى المحيط الأطلسي.

وتؤثر هذه الكتلة من الدول على ليبيا والجزائر ونيجيريا وبنين وموريتانيا والسنغال وتوغو وغانا وساحل العاج وغينيا بيساو وسيراليون وليبيريا، تحديدًا بما يتعلَّق بحصول انقلابات عسكرية في بعض هذه الدول، وهو ما يخلق المزيد من الضغط في الملفات الاقتصادية والهجرة غير النظامية والحرب على المسلحين.

وهو ما يؤثر على العديد من الملفات المتداخلة مع المصالح المصرية والخليجية لاسيما في ملفي ليبيا والسودان.

ويُعد أبرز ما تتشارك فيه الأنظمة العسكرية في هذه الدول هو العداء لفرنسا، التي تتعرَّض لنكسات مُتلاحقة، لم يشفع لها وضع رئيسها إيمانويل ماكرون استراتيجية جديدة للتعامل مع إفريقيا عبر بناء علاقات متوازنة.

وكما هو الوضع بالنسبة لفرنسا؛ فإن الإطاحة ببازوم، الذي لم يحضر المؤتمرات التي عقدها الرئيس بوتين بشأن إفريقيا، من شأنها أن تخلق فرصة للمنافسين الاستراتيجيين لواشنطن في تعزيز نفوذهم، ولاسيما روسيا والصين، وسط مساعي فاغنر للتعاون مع دول غربي إفريقيا من خلال إيجاد قواسم مشتركة.

فموسكو تُشكِّل الملاذ الآمن ضد أي عقوبات مُحتملة من الغرب والمنظمات الإقليمية والقارية، مثلما حدث مع دولتي مالي وبوركينا فاسو، خلال العامين الماضيين.


[1] محمد صالح عمر، “انقلاب النيجر.. صراع النفوذ يغتال الديمقراطية الوليدة”، الجزيرة نت، 28/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/3lTfh

[2] محمد صالح عمر، مرجع سبق ذكره.

[3] “ما أسباب مواقف فرنسا والولايات المتحدة القوية برفض الانقلاب العسكري في النيجر؟”، مونت كارلو الدولية MCD، 29/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/IqGRh

[4] ديفيد إيل، “انقلاب النيجر.. خطر يهدد آخر معاقل الاستقرار في منطقة الساحل”، DW، 29/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/vvWuH

[5] “لماذا يزعج انقلاب النيجر فرنسا؟”، عربي BBC News، 2/8/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/oi1ze

[6] فاروق شوثيا، هارونا تانجازا، “زعماء إيكواس يلوحون بتدخل عسكري ضد قادة الانقلاب في النيجر”، عربي BBC News، 30/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/sD16x

[7] “ما أسباب مواقف فرنسا والولايات المتحدة القوية برفض الانقلاب العسكري في النيجر؟”، مرجع سبق ذكره.

[8] ديفيد إيل، مرجع سبق ذكره.

[9] “انقلاب النيجر.. إيكواس تؤكد تصميمها على استعادة الديمقراطية وروسيا تنتقد التهديد باستخدام القوة”، الجزيرة نت، 2/8/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/vCWHL

[10] “رئيس النيجر السابق يقود وساطة للحل.. بيان من قادة الانقلاب ردا على التحذيرات الغربية والإفريقية”، الجزيرة نت، 30/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/1CaaJ

[11] “انقلاب النيجر.. إيكواس تؤكد تصميمها على استعادة الديمقراطية وروسيا تنتقد التهديد باستخدام القوة”، مرجع سبق ذكره.

[12] “رئيس النيجر السابق يقود وساطة للحل.. بيان من قادة الانقلاب ردا على التحذيرات الغربية والإفريقية”، مرجع سبق ذكره.

[13] فاروق شوثيا، هارونا تانجازا، مرجع سبق ذكره.

[14] “انقلاب النيجر: اصطفافات تهدّد إفريقيا”، العربي الجديد، 2/8/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/902li

[15] “هل يهدد انقلاب النيجر مصالح الجزائر؟”، الحرة، 2/8/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/CujrA

[16] “4 دول عربية تحت طائلة تداعيات انقلاب النيجر (تحليل)”، وكالة الأناضول، 28/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/U9Jvd

[17] “4 دول عربية تحت طائلة تداعيات انقلاب النيجر (تحليل)”، مرجع سبق ذكره.

[18] “بعد تأييد الجيش له.. إدانات خليجية وعربية ودولية لانقلاب النيجر”، الخليج الجديد، 27/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/5BJFb

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022