بدأ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 24 سبتمبر 2023، جولة إفريقية، استمرت ستة أيام وشملت جيبوتي وكينيا وأنجولا، وعكست الجولة مساعي الولايات المتحدة في تعزيز حضورها في القارة الإفريقية، في ظل التنافس الدولي الحاد في القارة، وهو ما أثار تساؤلات عدّة بشأن ما إذا كانت واشنطن تستعد لتأسيس استراتيجية جديدة لها في إفريقيا، خاصةً مع المتغيرات المتلاحقة التي تشهدها دول القارة خلال الآونة الأخيرة.
واكتسبت تلك الجولة أهمية خاصة، كونها أول جولة يقوم بها وزير دفاع أميركي أسود إلى القارة السمراء، كما أنها أول مرة يزور فيها وزير دفاع أميركي أنجولا، وهي المرة الأولى أيضًا التي يزور فيها رئيس البنتاغون كينيا منذ 1975.
فلماذا هذه الدول الثلاث تحديدًا؟
وما أهداف الجولة؟
وهل تتماشى مع الإستراتيجية الأميركية الجديدة صوب القارة التي أعلنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن قبل نحو عام؟
كيف يُمكن قراءة تلك الجولة؟
تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..
سياقات الجولة: تأتي جولة وزير الدفاع الأمريكي إلى القارة الإفريقية بالتزامن مع جملة من المتغيرات التي طرأت في السياقات المرتبطة بالمشهد الإفريقي.
أولها؛ قلق أمريكي من استمرار نفوذ مجموعة فاغنر في إفريقيا: ألمح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال زيارته إلى جيبوتي، إلى أن الولايات المتحدة لم تشهد أي انسحاب كبير لقوات فاغنر من مناطق انتشارها في القارة الإفريقية منذ وفاة زعيمها السابق، يفغيني بريغوجين، في أغسطس 2023، لافتًا إلى أن إفريقيا لا تزال تشهد حضورًا كبيرًا لعناصر فاغنر، وأن موسكو لم تعمد بعد إلى استيعاب كامل لعمليات المجموعة في كافة أنحاء القارة.
بل إن ثمّة تقارير غربية حذرت من وجود تطلعات راهنة لدى روسيا لتوسيع نطاق انتشار مجموعة فاغنر في القارة الإفريقية، والعمل على توظيف الأوضاع السياسية في بعض هذه الدول لتعزيز الانخراط فيها، خاصةً في النيجر.[1]
وثانيها؛ التحركات المُرتقبة لمجموعة البريكس في إفريقيا: ثمّة قلق أمريكي متنامٍ من التوجهات الراهنة لمجموعة البريكس في القارة الإفريقية، خاصةً وأن هناك بعض التقارير توقعت أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التحركات المتسقة لدول البريكس داخل إفريقيا، في محاولة لتعزيز نفوذها هناك، وفي هذا الإطار تحاول الولايات المتحدة توسيع نفوذها في القارة ومواكبة التنافس الدولي والإقليمي الراهن هناك، وهو ما قد تُعززه التحركات الأمريكية الأخيرة داخل القارة الإفريقية، ولاسيما الزيارة التي قام بها وفد أمريكي، برئاسة قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، الجنرال مايكل لانجلي، إلى ليبيا، في 20 سبتمبر 2023.
وثالثها؛ انزعاج واشنطن من سيطرة الصين على المعادن النادرة في إفريقيا: حيث هناك انزعاجًا أمريكيًا متزايدًا من التحركات الصينية في القارة الإفريقية، ولاسيما في ظل سيطرة بكين على المعادن الاستراتيجية في القارة، وخاصةً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي إطار الحرب التجارية الباردة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تشكل المعادن الأرضية النادرة أهمية خاصة فيها.
ورابعها؛ التحولات الجيوسياسية الراهنة في القارة الإفريقية: تشهد القارة الإفريقية جملة من التحولات الجيوسياسية المهمة، لعل أبرزها التصاعد الملحوظ في وتيرة الانقلابات العسكرية التي تشهدها دول القارة، ورغم تركز هذه الظاهرة حتى الآن في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، فإن احتمالية تمددها لا تزال قائمة، كما وتنطوي التحولات الجيوسياسية في إفريقيا أيضًا على التصاعد اللافت في وتيرة التهديدات الإرهابية في كثير من دول القارة.[2]
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة: تأتي جولة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى القارة الإفريقية بالتزامن مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في أغسطس 2023، عن استراتيجية جديدة تجاه إفريقيا، ومن ثمّ تُشكل هذه الزيارة ترسيخًا لملامح تلك الاستراتيجية.
أولها؛ تركيز واشنطن على شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وهو ما يتسق مع الاهتمام الأمريكي اللافت بالملف الليبي خلال الأشهر الأخيرة، لعرقلة المساعي الروسية للحصول على قاعدة عسكرية بحرية في ليبيا، فضلًا عن الحديث عن استراتيجية أمريكية جديدة تتعلق بمنطقة الساحل والصحراء، تستهدف التكيف مع التحولات الجيوسياسية الراهنة في هذه المنطقة، والتعامل مع السلطات الانقلابية الجديدة في دول هذه المنطقة، بما يضمن مصالح واشنطن، ويقوض من نفوذ روسيا ومجموعة فاغنر هناك.
وثانيها؛ إعادة التفكير في منهج “الأمن أولًا”، والدفع نحو استبداله بمقاربة جديدة تعتمد على حوار شامل حول الاستثمارات والنمو الاقتصادي والمناخ والأمن.
وثالثها؛ تجاوز البيروقراطية التقليدية، والتي كانت تُعزى بدرجة كبيرة لعدم اعتبار إفريقيا، ولاسيما منطقة الساحل، أولوية بالنسبة لواشنطن خلال الفترات الماضية.
لكن يبدو أن الولايات المتحدة تعمل حاليًا على تجاوز هذه البيروقراطية، من خلال التركيز على القارة الإفريقية كإحدى أولويات الأجندة الأمريكية، وهو ما قد يسفر عن مزيد من الفاعلية في التحركات الأمريكية داخل إفريقيا.
ورابعها؛ العمل على تقليل اعتماد إفريقيا على التسليح الروسي، والاتجاه بدلًا منه إلى السلاح الأمريكي والغربي، وفي هذا الإطار يمكن أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من صفقات التسليح الأمريكية مع الدول الإفريقية، مع تقليل القيود السابقة على هذه الصفقات.
وخامسها؛ إعادة هيكلة الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، بما يضمن تحقيق التوازن والاستخدام المناسب للقوة ضد التهديدات الأمنية الحقيقية، مع تقليل استخدام القوة ضد المجموعات الإرهابية المحلية، والتي لا تشكل قوة عالمية قادرة على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها.
وسادسها؛ التركيز على سلاسل التوريد الإفريقية، خاصةً في ظل التحركات الراهنة لخصوم واشنطن داخل القارة، والتي تشكل مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة.
وسابعها؛ توسيع التجارة مع إفريقيا، وفي هذا الإطار كانت واشنطن قد وقعت، في ديسمبر 2022، مذّكرة تفاهم مع الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وامكيلي ميني، لتعزيز التعاون المشترك في التجارة والاستثمار، وإلزام الجانبين بعقد اجتماع سنوي مشترك، ويمكن أن يتم عقد هذا الاجتماع خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للقارة الإفريقية، حيث يمكن أن يتم عقد هذا الاجتماع في كينيا، حيث يتوقع أن يتم توقيع اتفاق للشراكة التجارية والاستثمارية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكينيا خلال هذه الزيارة.[3]
ملامح الجولة: تُعد هذه الزيارة هي الأولى للويد أوستن إلى القارة الإفريقية منذ توليه منصبه الحالي كوزير للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما عكس مؤشرات مهمة تتعلق بأولوية القارة الإفريقية على أجندة الإدارة الأمريكية الحالية في المرحلة المقبلة، وفي هذا الإطار برزت عدة ملامح للجولة الإفريقية الأولى لأوستن:
أولها؛ زيارة للقاعدة الأمريكية في جيبوتي: بدأ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، جولته الإفريقية من جيبوتي، والتي تستضيف أهم قاعدة أمريكية في إفريقيا، قاعدة القيادة الأمريكية الإفريقية “أفريكوم”، وهي القاعدة التي تنطلق منها الهجمات التي تشنها القوات الأمريكية على حركة الشباب الصومالية، وقد التقى أوستن خلال زيارته إلى جيبوتي بالرئيس، عمر جيله، ووزير دفاعه.
كما شهدت زيارة أوستن لجيبوتي اجتماعًا عقده وزير الدفاع الأمريكي مع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، الذي قام بزيارة إلى جيبوتي بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي، وقد ارتكزت هذه المباحثات على مستقبل الأوضاع الأمنية في مقديشو.[4]
وبدا أن اللقاء الذي جمع أوستن بالرئيس الصومالي سيتمخض عنه مزيد من الدعم الأمريكي للحرب الراهنة التي تقودها مقديشو ضد حركة الشباب.[5]
وثانيها؛ اتفاقية دفاعية مع كينيا: في أعقاب زيارة أوستن إلى جيبوتي، وصل وزير الدفاع الأمريكي إلى كينيا، وهي موطن لقاعدة “خليج ماندا” البحرية الأمريكية، وقد شهدت هذه الزيارة توقيع اتفاقية دفاعية بين البلدين مدتها خمس سنوات لتعزيز التعاون بين البلدين ضد التهديدات الإرهابية المشتركة، بالإضافة لذلك تعهد أوستن بحصول نيروبي على دعم أمريكي بحوالي 100 مليون دولار، لدعم عمليات الانتشار الأمنية لكينيا، حيث تستعد الأخيرة لقيادة قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات في هايتي التي تعيش عنفًا غير مسبوق من العصابات منذ اغتيال الرئيس الهايتي جوفينيل مويز في يوليو 2021، لمكافحة عنف العصابات هناك.[6]
وثالثها؛ زيارة نادرة لأنجولا: اختتم وزير الدفاع الأمريكي جولته الإفريقية من أنجولا، في أول زيارة لوزير دفاع أمريكي إلى لواندا، حيث عمد أوستن إلى انتقاد التغلغل الروسي المتزايد في القارة الإفريقية، كما وجه انتقادات حادة للمجالس العسكرية الحاكمة في الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما النيجر والجابون ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما عكس مؤشرات مهمة تتعلق بتوجهات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه منطقة الساحل وغرب إفريقيا.[7]
قراءة في تفاصيل الجولة: جيبوتي: لا تقتصر أهمية جيبوتي على موقعها الاستراتيجي فحسب؛ بل هي مهمة من زاوية التنافس الدولي المحموم في القارة الإفريقية، فهي إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة في القارة، ويوجد فيها أكبر قاعدة عسكرية فرنسية، وكذلك قاعدة لومونييه الأميركية الوحيدة في القارة، كما يوجد فيها أول قاعدة صينية تقوم بكين بتدشينها خارج الحدود، ناهيك عن قواعد أخرى يابانية وألمانية أقل حجما.
جيبوتي -إذن- محط أنظار جميع الدول الكبرى التقليدية والصاعدة. لذا، فإن أوستن ركز خلال زيارته على قلق بلاده من الوجود الصيني قرب قاعدة ليمونييه، وضرورة إيجاد جيبوتي آلية تفاهم مشترك لتأمين قوات بلاده من أية احتكاكات قد تحدث مع الصينيين الموجودين على مسافة قريبة من القاعدة الأميركية.[8]
الصومال: يأتي لقاء أوستن مع حسن شيخ محمود، عقب طلب الحكومة الصومالية تعليق سحب الدفعة الثانية من قوات “أتميس” لإعطاء فرصة للقوات الحكومية للتعافي وإعادة تنظيم صفوفها بعد هزائمها أمام مقاتلي حركة الشباب المجاهدين. ويسعى حسن شيخ محمود بشدة لضمان توفير دعم دولي من أجل قواته التي لا يمكنها الصمود ولا التحرك ضد مقاتلي حركة الشباب، بدون دعم دولي، والحصول على المزيد من الدعم الأمني والعسكري، إضافةً إلى رفع الحظر عن الأسلحة المفروض على البلاد منذ ثلاثة عقود أو رفعه بشكل كامل بناءً على مطالب مقديشو.[9]
كينيا: تُعد إحدى ركائز الولايات المتحدة في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي بمعناه الواسع، لاسيما في مواجهة التنظيمات المسلحة “التقليدية” مثل تنظيم القاعدة، و”الحديثة” مثل حركة الشباب، وكذلك مواجهة عمليات القرصنة البحرية، حيث يوجد فيها قاعدة تدريب عسكرية صغيرة في خليج ماندا بالقرب من الحدود الصومالية تضم 600 جندي أميركي من القوات الجوية والمارينز، مهمتهم تدريب القوات الشريكة لواشنطن في المنطقة لمكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، مما جعل الوجود الأميركي محل استهداف لهذه الجماعات.
وقد اكتسبت زيارة أوستن إلى كينيا -التي لم يزرها وزير دفاع أميركي منذ ما يقارب 5 عقود- أهمية خاصة من 3 زوايا أساسية؛ هي: تعزيز التعاون المشترك في مجال مكافحة أنشطة حركة الشباب في الصومال وفي المنطقة عمومًا، وقطع الطريق على الصين بعدما تردد في فبراير الماضي بأن نيروبي قد تلجأ إلى بكين لإقامة مدرج طويل بقيمة 50 مليون دولار لاستقبال الطائرات النفاثة في مطار قاعدة ماندا، والدور الذي ستلعبه كينيا عبر القوات الدولية المزمع انتشارها في هاييتي لمواجهة حرب العصابات والفوضى هناك لا سيما بعد قيام واشنطن بإدراج هاييتي كأول دولة في قائمة الدول التي ستعمل فيها على إيقاف الصراع وتعزيز الاستقرار ضمن إستراتيجيتها للسنوات العشر القادمة لتقليل عمليات نزوح اللاجئين في هذه الدولة صوب واشنطن.
أنجولا: يبدو من الزيارة أن إدارة بايدن حريصة على سحب أنجولا ذات التوجهات الماركسية السابقة من أي نفوذ روسي أو حتى صيني من خلال سحبها من مبادرة الحزام والطريق، وتأتي أهمية أنجولا من كونها ثالث أكبر منتج للنفط في إفريقيا.[10]
قراءة في مُخرجات الجولة:
في الأخير يُمكن من تتبع مسار الجولة ومخرجاتها ملاحظة أمرين:
أولهما؛ الزيارة تتماشى مع الإستراتيجية الأميركية الجديدة صوب القارة، التي أعلنها بلينكن العام الماضي، والتي ركز فيها على ضرورة مواجهة كل من الأنشطة الصينية “الضارة” في إفريقيا، وكذلك المعلومات “المضللة” الروسية، والتي دفعت العديد من دول القارة إلى تصديق الرواية الروسية في تبرير حربها على أوكرانيا، واتخاذ بعض هذه الدول موقف عدم الانحياز في الأمم المتحدة عند طرح الموضوع للنقاش. من هنا يمكن فهم أسباب تبني واشنطن مؤخرًا نفس النهج الصيني للاستثمار في مجال البنية التحتية في إفريقيا، على اعتبار أنه يسهم في زيادة شعبيتها لدى الشعوب الإفريقية عبر تقديم خدمات ملموسة لها بدل السياسات التقليدية السابقة القائمة على تقديم مساعدات أو قروض للحكومات، قد لا ترى طريقها صوب هذه الشعوب؛ بسبب انتشار الفساد بصورة كبيرة.
وثانيهما؛ المصلحة الأميركية من الرفض “الضمني” للانقلابات، عند إشارة أوستن لوجود “طغاة في عموم القارة يقوضون الانتخابات، ويمنعون الانتقال السلمي للسلطة”. هذا الرفض بهذه الصورة ربما يرجع إلى أن معيار المصلحة هو الحاكم لتعامل واشنطن مع قادة الانقلابات في القارة، إذ رفضت وصف ما حدث في النيجر بالانقلاب، وما قد يترتب على ذلك من ضرورة وقف المساعدات لقادته بموجب القوانين الأميركية إلى حين عودة الديمقراطية ممثلة في الرئيس بازوم، بل يتردد أن واشنطن كانت وراء تحريك الانقلابين ضده وضد فرنسا الداعمة له، بسبب رفض باريس السير في ركابها في مواجهة الصين، أو الاصطفاف معها في الحرب الروسية الأوكرانية.
لذا لا غرابة في استمرار الوجود الأميركي في نيامي، في الوقت الذي طالب فيه المجلس العسكري هناك برحيل القوات الفرنسية.[11]
ولكن رغم تلك الجهود الأمريكية؛ وبالرغم من محاولة واشنطن صياغة نمط جديد أو شراكة مع البلدان الإفريقية؛ يرى البعض في معرض التعليق على جولة أوستن، أن القصة ليست “أين ذهب؟”، ولكن “أين لم يذهب؟”، حيث زار أوستن بلدين من أغنى بلدان إفريقيا (كينيا وأنغولا)، في حين أن أزمة إفريقيا في بلدانها الفقيرة، وحديث أوستن حول الديمقراطية وحقوق الإنسان يليق بدول غنية ولكن لا يمكن أن يجد صدىً وقبولًا في النيجر ومالي وغيرها في ظل نسب الفقر المرتفعة.
وعلى الجانب الآخر؛ فإن روسيا تتمثل سياستها في التحالف مع طرف محلي وعسكري وتنمية قدراته للسيطرة على السلطة لكي يفتح لهم الطريق للنفوذ، وهو أسهل من الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن هنا ينشط الروس في اختراق القارة الإفريقية ويتقدمون فيها.[12]
الخُلاصة؛ تأتي جولة وزير الدفاع الأمريكي في إفريقيا مُعبرة إلى حدٍّ بعيد عن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية خلال تلك الفترة في إطار حربها على النفوذ مع كلٍّ من روسيا والصين لاسيما في إفريقيا، وكذا عن إستراتيجيتها الجديدة نحو القارة في هذا الإطار.
وتحاول إدارة بايدن استخدام أدوات ضغط متعددة لبناء العلاقات مع إفريقيا لا ترتكز على أساس عسكري فقط، وإنما مبادرات أخرى اقتصادية وإنسانية، وهو ما برز خلال تلك الجولة.
وبالرغم من وجود امتعاض إفريقي من الغرب، إلا أن واشنطن لازالت تسعى إلى تقوية العلاقات الإفريقية الأميركية بإقامة علاقات وثيقة مع عدد كبير من البلدان الإفريقية، إلا أن السؤال يظل قائمًا؛ هل تنجح تلك الجهود التي تتركز بدورها في نطاق الدول الإفريقية الغنية أو صاحبة الإمكانيات العالية في منافسة النفوذ الروسي والصيني اللذان ينتهجان طرقًا أقرب للمواطن الإفريقي سواء على المستويات السياسية أو الاقتصادية؟
[1] إيلي يوسف، “أوستن في جولته الإفريقية… «أمن» و«إرهاب» و«فاغنر»”، الشرق الوسط، 26/9/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/bOYrH
[2] “تنافس جيوسياسي: هل تُرسّخ جولة أوستن استراتيجية واشنطن الجديدة في إفريقيا؟”، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 4/10/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/VICDT
[3] “تنافس جيوسياسي: هل تُرسّخ جولة أوستن استراتيجية واشنطن الجديدة في إفريقيا؟”، مرجع سبق ذكره.
[4] “وزير الدفاع الأمريكي في جولة إفريقية”، وكالة شهادة الإخبارية، 8/10/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/GRlF9
[5] عنفار جاش، “وسط تنافس مع الصين وروسيا.. وزير الدفاع الأمريكي في إفريقيا لتعزيز تعاونها مع واشنطن”، القدس العربي، 22/9/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/QkUk9
[6] إيلي يوسف، مرجع سبق ذكره.
[7] “تنافس جيوسياسي: هل تُرسّخ جولة أوستن استراتيجية واشنطن الجديدة في إفريقيا؟”، مرجع سبق ذكره.
[8] د. بدر حسن شافعي، “أميركا بين مزاحمة التنين الصيني والدب الروسي في إفريقيا”، الجزيرة نت، 5/10/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/caQdM
[9] “وزير الدفاع الأمريكي في جولة إفريقية”، مرجع سبق ذكره.
[10] د. بدر حسن شافعي، مرجع سبق ذكره.
[11] د. بدر حسن شافعي، مرجع سبق ذكره.
[12] “مع زيادة نفوذ روسيا وتراجع فرنسا.. ما سر جولة وزير الدفاع الأميركي لإفريقيا؟”، الجزيرة نت، 29/9/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/7mcoA