9/12/2023
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، تركزت الأنظار على الموقف المصري من بين المواقف العربية الأخرى؛ نظرًا إلى ثقل مصر الإقليمي، وكونها الدولة العربية الوحيدة التي تجمعها حدود مشتركة مع غزة، وتتأثر مباشرة بما يجري فيها. ومع تصاعد العدوان، وانتشار مشاهد القتل والتدمير، تطور الموقف الرسمي المصري إلى تصعيد لغة الخطاب وتعبئة الإعلام والشارع ضد العدوان. ولم تشهد مصر مثل هذه المواقف منذ عقود طويلة، مع استثناء الفترة الوجيزة التي قضاها الرئيس محمد مرسي في الحكم (2012-2013)[1]. ورغم ذلك، فإن أغلب التحليلات والقراءات تري أن هذا الموقف الرسمي المصري، خاصة علي مستوي الأفعال والممارسات علي أرض الواقع، لم يكن علي مستوي الحدث، وأنه موقف متخاذل بل ومتواطئ مع الاحتلال في حصاره وعدوانه علي القطاع. وعليه تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي حقيقة الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي الحالي علي قطاع غزة، وتوضيح أبعاد هذا الموقف.
أولًا: الأبعاد الأمنية:
يمكن الإشارة إلي مجموعة من الأبعاد الأمنية (وهي الأبعاد الأهم من بين باقي الأبعاد) للموقف المصري تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة، والتي تتمثل بصورة رئيسية في:
1- منع تهجير الفلسطينيين من غزة إلي سيناء: تدفع إسرائيل الفلسطينيين في قطاع غزة إلى الخروج إلي سيناء عبر الحدود البالغ طولها 13 كيلومترًا مع مصر، بداية من البحر المتوسط وحتى معبر كرم أبو سالم. في محاولة لتكرار ما فعلته بعد عام 1948 مع سكان فلسطين ودفعهم للخروج إلى الأردن وسوريا ولبنان، على نحو كان من المفترض أن يكون مؤقتًا، ولكنه تحول إلى إقامة دائمة أفرزت أزمة اللاجئين الفلسطينيين[2].
فبعد أيام قليلة من القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، أخذت دعوات تفريغ القطاع من السكان طابعًا رسميًا، حيث طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من 1.1 مليون شخص في شمال غزة إخلاء منازلهم على الفور، في خطوة تشير إلى وجود مخطط لتهجير أهالي القطاع الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون شخص تحت حصار منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007.
لاحقًا، أصبحت الدعوات صريحة على لسان المسؤولين الإسرائيليين، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، ريتشارد هيشت، قوله إنه ينصح الفلسطينيين الفارين من غاراته الجوية بالتوجه إلى الأراضي المصرية في سيناء، مؤكدًا أن “معبر رفح مفتوح، وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”، في وقت تكثف قوات الاحتلال استعداداتها لاجتياح بري للقطاع، لكن بعد ساعات عدل جيش الاحتلال التوصية، وأكد إغلاق المعبر، وأنه لا نية لتوجيه سكان غزة بالخروج عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية مع مصر. وأكدت السفيرة الإسرائيلية في القاهرة، أميرة أورون، أن “إسرائيل ليس لديها أي نوايا متعلقة بسيناء، ولم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك”، وأضافت: “إسرائيل ملتزمة بمعاهدة السلام مع مصر التي حددت فيها، جليًا، الحدود بين البلدين”، وزادت: “سيناء أرض مصرية حارب فيها الجيش المصري الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية”[3].
لكن هذا النفي لم يمنع الجدل حول حقيقة الموقف الإسرائيلي من تهجير الفلسطينيين في غزة إلي سيناء، خاصة بعدما نشرت مجلة “كالكاليست” التابعة لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في 24 أكتوبر، تقريًرا مسربًا يكشف دفع وزارة الاستخبارات الإسرائيلية الحكومة الإسرائيلية للبدء في تطبيق خطة التهجير القسري للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، وبالتحديد من رفح المصرية حتى مدينة العريش واعتبارها منطقة آمنة تتبع الإدارة المصرية، في مقابل احتلال إسرائيل لمساحة قطاع غزة. ومن هنا تؤيد الوثيقة الاستخباراتية الإسرائيلية المسربة خطة الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة؛ لهدفين، الأول، تمهيدًا لاحتلال القطاع، والثاني، الضغط على مصر لاستقبال الفلسطينيين ونقل سكان غزة إلى الأراضي المصرية.
ويقوم مشروع إنشاء دولة “غزة الكبرى” على ثلاث مراحل، وهي: (1) إنشاء مدن خيام في سيناء جنوب غرب قطاع غزة. (2) إنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان. (3) بناء مدن في شمال سيناء. تمهد هذه المراحل إلى نقل تبعية غزة إلى الإدارة المصرية، وتحمل الاقتصاد المصري تنمية القطاع الجديد بحدوده الجديدة، عبر إعادة إنشاء البنية التحتية وخطوط الطاقة وسبل معيشة الفلسطينيين المهجرين قسريًا. وفي الوقت نفسه، تقام منطقة عازلة بعرض عدة كيلومترات داخل مصر جنوب الحدود مع إسرائيل، حتى لا يتمكن السكان المهجرون من العودة[4].
وكانت وزيرة الاستخبارات في حكومة الاحتلال طالبت المجتمع الدولي بإعادة توطين أهل غزة في دولة أخرى. وقالت “جيلا غمليئيل” في مقال نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، في 19 نوفمبر 2023، أنه: “إيجب على المجتمع الدولي دعم إعادة التوطين الطوعي” للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة المحاصر في بلدان أخرى”. واعتبرت الوزيرة أن أحد الخيارات أمام غزة بعد الحرب “تشجيع التوطين الطوعي للفلسطينيين خارج قطاع غزة لأسباب إنسانية”[5].
هذا بالإضافة إلى دعوة وزير الطاقة الإسرائيلي، المقرر أن يصبح وزيرًا للخارجية اعتبارًا من يناير 2024، يسرائيل كاتس، خلال لقائه بصحيفة “بيلد” الألمانية، في 23 أكتوبر 2023، إلى “إدخال سكان القطاع إلى سيناء وتسكينهم”[6]. وسبق أن دعت بعض الدوائر الإسرائيلية والأمريكية، مع تصاعد الحديث عن الغزو البري لقطاع غزة، لتوفير ما تسمية “ممرات إنسانية آمنة” إلى سيناء لتجنيب المدنيين الفلسطينيين آثار الحرب[7].
وهناك توجه عام داخل المراكز البحثية الإسرائيلية المحسوبة على التيار اليميني المتطرف لتنفيذ فكرة تهجير سكان غزة إلي مصر. علي سبيل المثال؛ نشر معهد “ميشغاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية دراسة تحت عنوان”: “خطة توطين وتأهيل نهائي لجميع سكان غزة في مصر.. الجوانب الاقتصادية”، والتي استندت إلى استغلال أزمة مصر الاقتصادية، من أجل الضغط عليها وتهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء، كمرحلة أولى مقابل “امتيازات مادية ضخمة”، قبل أن يتم نقلهم إلى المدن الجديدة. وتعتمد الخطة الإسرائيلية على تقديم حوافز مالية فورية لمصر تصل إلى 20 أو 30 مليار دولار. وأشارت الدراسة إلى أنه في عام 2017، تحدثت تقارير أن هناك حوالي 10 ملايين وحدة سكنية خالية في مصر، ما يعني أنها قادرة علي استيعاب إجمالي عدد سكان غزة الذي يصل إلي 2.2 مليون، ويمثلون أقل من 2% من إجمالي سكان مصر، والذي يضم بالفعل اليوم حوالي 9 ملايين لاجئ من عدة جنسيات عربية أخرى.
وأشارت الدراسة إلى أنه “بالنسبة للدول الأوروبية، وبشكل رئيسي دول أوروبا الغربية مثل فرنسا وألمانيا، فإن نقل جميع سكان غزة إلى مصر وإعادة تأهيلها مع الحد بشكل كبير من خطر الهجرة غير الشرعية إلى أراضيهم يمثل ميزة كبيرة”. وزادت: “من المتوقع أيضًا أن تستفيد السعودية بشكل كبير من هذه الخطوة، لأن إخلاء قطاع غزة يعني القضاء على حليف مهم لإيران (حماس والجهاد الإسلامي)، ومساهمة كبيرة في الاستقرار بالمنطقة، وبالتالي السماح بتعزيز السلام مع إسرائيل، دون التدخل المستمر للرأي العام المحلي بسبب جولات القتال المتكررة التي لا نهاية لها[8].
وتشير الأبحاث والدراسات الإسرائيلية طوال عشر سنوات سابقة بضرورة تحمل مصر مسؤولية الفلسطينيين في غزة، إما بنقل غزة إلى الإدارة المصرية على غرار ما قبل يونيو 67 أو بنقل الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. ففي السنوات من 2011 إلى 2015 كانت الإشارات الإسرائيلية تبين أن هناك رغبة لدى الحكومة الإسرائيلية بنقل إدارة غزة إلى مصر عن طريق مد خطوط الكهرباء إلى غزة والتعامل بالعملة المصرية، وربط التنمية في سيناء بإعادة الإعمار في قطاع غزة، والذي يشمل استضافة العمال الفلسطينيين في المصانع المصرية على أراضي سيناء. ولكن بدأ الحديث في الإعلام والمراكز البحثية الإسرائيلية منذ عام 2016 إلى الآن عن نقل الفلسطينيين في قطاع غزة كلاجئين في مصر وبالتحديد في سيناء. ويترافق ذلك مع طرح دراسات إسرائيلية عن الأحوال الاقتصادية في مصر التي ستحتاج إلى مخصصات تمويلية تساعدها على تطبيق خطة التوطين[9].
يذكر هنا، أن المخطط الإسرائيلي لتهجير سكان غزة إلي سيناء ليس وليد اللحظة بل تم وضعه منذ عام 2000 على يد رئيس قسم التخطيط في جيش الاحتلال ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق “جيورا آيلاند”، حيث كانت خطته تنص على توسيع رقعة قطاع غزة الفلسطيني من خلال اقتطاع جزء من سيناء وضمها للقطاع. ووفقًا لخطة “جيورا”، فمن المفترض أن تتنازل مصر عن مناطق من سيناء لقطاع غزة، وتكون مساحة تلك المناطق المتنازل عنها 720 كيلومترًا، وحددها بأن تكون مستطيلًا ضلعه الأول يمتد على طول 24 كيلومترًا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربًا حتى العريش، وبعرض 20 كيلومترًا داخل سيناء. كما تضم الأراضي أيضًا شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوبًا، ويمتد على طول الحدود بين الأراضي المحتلة ومصر، الأمر الذي يعني زيادة مساحة قطاع غزة إلى ثلاثة أضعاف، وذلك لتكون هناك فرصة لبناء مدن جديدة للفلسطينيين في سيناء مع إقامة ميناء بحرى ومطار دولى[10]. وذلك مقابل مساحة من الأراضي الإسرائيلية جنوب غرب النقب “منطقة وادي فيران” تقل قليلًا عن 720 كم[11].
وتحظى فكرة تهجير سكان غزة إلي مصر بدعم أميركي عبر عنه بوضوح صراحة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في 10 أكتوبر 2023، قائلًا إن “واشنطن تجري محادثات مع إسرائيل ومصر بشأن توفير ممر آمن للمدنيين في غزة”[12]. وشدد عليها المتحدث باسم البيت الابيض جون كيربي، في 16 أكتوبر 2023، قائلًا “على المصريين أن يستعدوا لفتح معبر رفح والسماح بتدفق حركة المرور البشري من خلاله”[13]. في حين تتردد أخبار عن تقديم مجموعة من الإغراءات للقاهرة تشمل إعفاءها من قدر كبير من ديونها الخارجية أو تقديم قروض جديدة أكبر من صندوق النقد الدولي تخفف من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة[14].
وفي سياق الدعم الأمريكي لتهجير سكان غزة إلي مصر؛ كشفت وثيقة نشرها البيت الأبيض خاصة بطلب قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن للحصول على اعتمادات مالية إضافية من الكونجرس، تحديدًا إلى مجلس النواب، في 20 أكتوبر 2023 طلبًا للموافقة على “اعتمادات مالية إضافية” بقيمة 106 مليارات دولار لأغراض حماية الأمن القومي الأمريكي ومساعدة الحليفتين أوكرانيا وإسرائيل. ورد في نص الوثيقة تحت بند “الهجرة ومساعدة اللاجئين”، أن البيت الأبيض طلب الحصول على مبلغ إضافي يبلغ قدره 3 مليار و495 مليون دولار، لتلبية الاحتياجات الإنسانية في أوكرانيا ومساعدة اللاجئين منها، وكذلك مساعدة اللاجئين استجابة للوضع في إسرائيل وفي المناطق المتأثرة بالوضع في إسرائيل، ودعم المدنيين النازحين والمتأثرين بالصراع، بمن في ذلك اللاجئون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، وتلبية الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة[15].
وكانت هناك تقارير تتحدث عن وجود ضغوط من مجلسي الكونغرس لتوفر مصر بديلًا آمنًا لمئات الآلاف من سكان غزة في شمال سيناء. وقاد النواب دان جولدمان (ديمقراطي من نيويورك) وبليك مور (جمهوري من يوتا) وروبرت أديرهولت (جمهوري من آلاباما) وبراد شنايدر (ديمقراطي من إلينوي) 103 مشرعين آخرين، بعثوا برسالة إلى معتز زهران، السفير المصري لدى الولايات المتحدة، يحثون فيها القاهرة على إنشاء مناطق آمنة للمدنيين في سيناء، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية عبر مصر[16].
كما كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم”، في 29 نوفمبر 2023، عن مبادرة قُدمت إلى الكونغرس الأمريكي، وحظيت بمباركة كبار أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تربط بين تقديم المساعدات الأمريكية للدول العربية، بالاستعداد لقبول اللاجئين من غزة. وتقترح الخطة أن يتم تخصيص مليار دولار من المساعدات الخارجية لمصر مقابل استقبالها لمليون فلسطيني من غزة، فيما يتم تخصيص مليار دولار للعراق واليمن مقابل استقبال كل دولة لـ 250 ألف، وتخصيص حوالي 150 مليون دولار لتركيا مقابل استقبالها لنصف مليون فلسطيني. وتستدعي الخطة تجارب سابقة في النزوح من الحرب، “فوفقًا لقاعدة بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا على سبيل المثال، فر أكثر من 6 ملايين أوكراني من البلاد. واستقبلت بولندا ما يقرب من 1.2 مليون أوكراني، واستقبلت ألمانيا ما يقرب من مليون لاجئ”. وأضافت الخطة: “منذ عام 2011 والحرب الأهلية السورية المستمرة، فر 6.7 مليون سوري من سوريا في جميع أنحاء البلدان المحيطة، وتم نقل 3.2 مليون لاجئ سوري إلى تركيا، و789 ألفًا إلى لبنان، و653 ألفًا إلى الأردن، و150 ألفًا إلى مصر، فيما استقبلت بلدان أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا مئات الآلاف”[17].
وعلي الرغم من النفي الأمريكي المتكرر لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلي سيناء، وهي التصريحات التي جاءت علي لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن[18]، والمتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي[19]، إلا أن هذه التصريحات لم تنف الأمر بشكل قاطع ونهائي، حيث ربطت هذا الرفض في حالة كان التهجير “بشكل قسري” و”بشكل دائم”، ما يعني أنها ترحب به في حالة كان “بشكل طوعي” وبشكل مؤقت”. ناهيك عن أن هذه الأحاديث الأمريكية عن رفض التهجير تتناقض مع الممارسات الفعلية التي تؤكد علي عكس ذلك؛ فواشنطن لا تمارس أي ضغوط حقيقية لوقف هذا التهجير سواء، بالضغط علي إسرائيل لوقف إطلاق النار، أو وقف استهداف المدنيين، أو حتي إدخال المساعدات الإنسانية، بل إنها تدعم إسرائيل بشكل مطلق وبدون قيود في عدوانها علي غزة.
يذكر هنا، أن مخطط تهجير سكان غزة إلي سيناء كان قد طرح في “صفقة القرن” في أيام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2017، والذي كان لديه خطة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تم وضعها تحت إشراف مستشاره وصهره جاريد كوشنر. وضمت الخطة في بنودها السياسية توسيع قطاع غزة ليمتد إلى سيناء أو في أسوأ الأحوال تنفيذ عمليات نزوح جماعية من القطاع الفلسطيني للأراضي المصرية. ومع نفي الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت هذه البنود في الخطة، إلا أن جيلا غمليئيل، وزيرة شئون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية السابقة ووزيرة المخابرات الإسرائيلية الحالية، قالت في تصريحات خلال 2017، إنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية سوى في شبه جزيرة سيناء المصرية[20]. كما أدعي وزير الاتصالات السابق من حزب الليكود أيوب قرا – قبيل لقاء بين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بواشنطن في فبراير 2017- أن الزعيمين سيعتمدان خطة لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء، وليس في الضفة الغربية، وهذا من شأنه أن “يوفر حلًا إقليميًا”[21].
ولا يتوقف دعم مخطط تهجير سكان غزة إلي مصر علي الولايات المتحدة الأمريكية فقط، حيث أن هناك دعم أوروبي وخليجي لهذا المخطط. وفي هذا السياق؛ قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلًا عن مسئولين أمريكيين، أن دول الخليج (الإمارات بالأساس)، التي قاومت تقديم الأموال للقاهرة، طرحت فكرة منح مصر مساعدات مالية مقابل قبول اللاجئين الفلسطينيين. كما قال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إنه إذا سمحت القاهرة بدخول بعض الفلسطينيين، فإن زيادة المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد للفلسطينيين ثلاث مرات، والتي أعلن عنها، في 13 أكتوبر 2023، ستذهب جزئيًا إلى مصر، مشيرين إلى أنه قد يتم تقديم مساعدات إضافية[22].
وخلال قمة السلام المنعقدة في القاهرة، في 21 أكتوبر، فقد بذل الاتحاد الأوروبي جهود مكثفة لإبرام اتفاقية دعم اقتصادي واسعة النطاق مع مصر تشمل توفير الدعم المالي للمشاريع التي تهدف إلى خلق فرص العمل ومساعدة تحول الطاقة في البلاد، للمساعدة في دعم اقتصادها وتجنب الهجرة الجماعية بشكل غير مباشر إلى أوروبا. وذلك بعد تزايد قلق الاتحاد بشأن احتمال تصاعد الحرب في غزة إلى صراع إقليمي واندلاع أزمة لاجئين جديدة[23].
في المقابل، تتوالى التصريحات المصرية -على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري- الرافضة لمخطط التهجير، حيث ترأس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، 15 أكتوبر 2023، اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي شهد استعراض تطورات الأوضاع الإقليمية، خاصة ما يتعلق بتطورات التصعيد العسكري في قطاع غزة. وقال المستشار أحمد فهمي، المُتحدث باسم الرئاسة المصرية، إن الاجتماع صدر عنه القرارات الآتية:
- مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين.
- تكثيف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية من أجل إيصال المساعدات المطلوبة.
- التشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار.
- إبراز استعداد مصر للقيام بأي جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام.
- تأكيد أن أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته.
- توجيه مصر الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية[24].
كما صرح الرئيس المصري، التي قالها ارتجالًا خلال قراءته كلمته المكتوبة مسبقًا، خلال مؤتمر صحفي عقده في 18 أكتوبر، عقب لقائه بالمستشار الألماني، أولاف شولتس. بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة حاليًا تستهدف دفع السكان المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر، بصورة تجعل إقامة الدولة الفلسطينية فكرة غير قابلة للتنفيذ، كما أنها تحول سيناء لقاعدة لانطلاق عمليات ضد إسرائيل تتحمل مصر تبعاتها. وبينما أعاد الرئيس التأكيد على رفض الحصار الإسرائيلي المطبق على قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات إليه، أشار إلى أن الهدف النهائي لهذا الحصار هو نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وهو ما ترفضه مصر باعتباره تصفية للقضية الفلسطينية، مضيفًا أنه إن كانت هناك نية للتهجير، يمكن أن تنقل إسرائيل المدنيين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى صحراء النقب حتى تنتهي من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة، ثم تعيدهم إن شاءت. ولوح السيسي بدعوة ملايين المصريين للتظاهر للتعبير عن رفض فكرة تهجير الفلسطينيين “إذا استدعى الأمر”، مؤكدًا أنه “سينزل الملايين من المصريين للتعبير عن رفضهم للأمر”[25].
وخلال “قمة القاهرة للسلام” المنعقدة في 21 أكتوبر، بحضور 31 دولة و3 منظمات دولية، فقد ذكر بيان الرئاسة المصرية علي أن “مصر لن تقبل أبدًا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة، ولن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي”. وأكد البيان على “الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، وإعطاء أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة”، محذرًا من “مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم”. ودعا البيان: “لإطلاق عملية سلام حقيقية وجادة تُفضي خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”[26].
كما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال اجتماع الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية علي المستوي الوزاري بشأن فلسطين، في القاهرة في 11 أكتوبر 2023، علي رفض مصر التام “لأي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بالوسائل العسكرية أو التهجير علي حساب دول المنطقة”. ومع بروز دعوات في إسرائيل إلي تهجير أهالي قطاع غزة إلي سيناء، أصدرت وزارة الخارجية بيانًا في 13 أكتوبر، حذرت فيه من مطالبة الجيش الإسرائيلي سكان قطاع غزة وممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتوجه جنوبًا، ورأت فيه “مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني”. وأعتبر مندوب مصر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أسامة عبد الخالق، في 18 أكتوبر، أن ما يدور في غزة “خطة ممنهجة لقتل وتهجير الشعب الفلسطيني” و”تصفية قضيته”. وحدد مطالب أربعة هي: الوقف الفوري وغير المشروط للنار، وضمان حماية المدنيين وإمدادهم بالمساعدات، وإطلاق سراح كافة الأسرى والرهائن والمعتقلين، ووقف خطاب الكراهية والشيطنة والتحريض وتبرير الجرائم ضد الشعب الفلسطيني”[27].
وفي أحاديث لقناة “القاهرة الإخبارية” المحلية (خاصة مقربة من السلطات)، استنكر مسؤولون رفيعو المستوى، دون الكشف عن هويتهم، “دعوات النزوح الجماعي” من “بعض الأطراف”، التي تهدف إلى “تفريغ غزة من سكانها وتصفية القضية الفلسطينية”. كما وجه الأزهر الشريف في مصر، عبر بيان، تحية لـ”صمود” الفلسطينيين، محذرًا إياهم من مغادرة أرضهم، ومشددًا على أن ذلك سيكون “زول لقضيتهم إلى الأبد”[28].
وفي هذا السياق؛ فقد رفضت مصر طلبًا أمريكيًا بفتح ممرات للفلسطينيين في قطاع غزة نحو الأراضي المصرية في سيناء، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤول مصري كبير، لم تذكر اسمه[29].
ويعود الرفض المصري لفكرة تهجير سكان غزة إلي سيناء إلي رؤيتها بأن هذا الأمر يمثل خطرًا استراتيجيًا يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتحويل لملف غزة من كونه أزمة إسرائيلية ليصبح أزمة مصرية، إذ سيشرع سكان غزة لا محالة بإعادة تنظيم صفوفهم، وسينخرطون في أعمال مقاومة مجددًا انطلاقًا من سيناء. وهذا الأمر سيدفع إسرائيل للرد وتنفيذ هجمات مضادة مثلما كان يحدث في خمسينات القرن العشرين، وأدى آنذاك إلى مقتل مئات الجنود المصريين في عدة هجمات شنتها إسرائيل انتقامًا من هجمات الفدائيين بقطاع غزة الذي كان يخضع للإدارة المصرية، ومن ثم ستجد مصر نفسها بين خيارين إما مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عسكريًا، أو التصدي لمجموعات المقاومة الفلسطينية نيابة عن إسرائيل، وكلا الخيارين لا تحبذهما القاهرة[30].
كما أن القوة السياسية المهيمنة في غزة هي “حماس”، وهي السليل الفلسطيني المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تعد الخصم اللدود للنظام المصري حاليًا، وحتى هي الخصم الأبرز للأنظمة العسكرية التي تحكم البلاد منذ الخمسينيات من القرن الماضي. ومن ثم فإن الترحيب بمجموعة كبيرة من الموالين لحماس من غزة إلى شبه جزيرة سيناء هو آخر ما يدور في ذهن القاهرة. وعلى أية حال، من الناحية السياسية، فإن قيام النظام في القاهرة بفتح أبوابه أمام تهجير سكان غزة سيكون في الأساس تأييدًا لما يمكن أن يسمى التطهير العرقي، وإيذانًا بانتهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها[31].
ناهيك عن العبء الاقتصادي المتوقع؛ حيث أن مصر ستكون ملزمة بشكل إنساني على الأقل بتوفير المتطلبات الأساسية لمئات الألأف من الفلسطينيين المتواجدين في سيناء، من بنية أساسية كالمستشفيات والمدارس، وكل ذلك سيشكل عبئًا على مصر التي تعاني أصلًا من أزمة اقتصادية كبيرة [32].
ورغم هذه التصريحات المصرية الرافضة للتهجير، إلا أن أغلب التقارير والتحليلات تشكك في مصداقيتها، وتري أن هناك إمكانية حقيقية لقبول مصر بفكرة التهجير. فقد سبق وأن أشارت تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية في عام 2014 إلي أن السيسي عرض خلال لقائه مع نظيره الفلسطيني محمود عباس منح قطعة من سيناء على مساحة 1600 كيلومتر مربع متاخمة لغزة لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما سيزيد مساحة غزة إلى خمسة أضعاف مساحتها الحالية، وذكرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أن عباس سيتخلى في المقابل عن مطلب إقامة دولة على حدود 1967، ومن شأن ذلك أن يحقق رؤية إسرائيل المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تسميها “غزة الكبرى”[33].
ومما يزيد من احتمالية قبول مصر لفكرة التهجير، هو قيام النظام المصري بتفريغ مدينتي رفح والشيخ زويد المحاذيتان لقطاع غزة من السكان، فرفح المصرية باتت فارغة تمامًا من السكان وكذلك أجزاء واسعة من مدينة الشيخ زويد، جراء الحرب على تنظيم “ولاية سيناء” بين عامي 2014 و2022، وربما ترى إسرائيل في المساحة التي أخلتها مصر وترفض عودة سكانها إليها، لضرورات أمنية واقتصادية، فرصة سانحة لتفريغ قطاع غزة من ساكنيه، تنفيذًا لمخططات قديمة لديها بخلق امتداد جغرافي للقطاع في الأراضي المصرية الخالية[34]. كما تقوم القوات المسلحة المصرية حاليًا بعملية تطويق للمنطقة العازلة الواقعة في رفح المصرية بسلك شائك على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود مع القطاع[35].
ناهيك عن أن إسرائيل – وبدعم غربي – تطرح العديد من الإغراءات علي مصر للموافقة علي تهجير سكان غزة إلي سيناء من قبيل شطب جزء كبير من الديون المستحقة عليها، أو أي إغراءات اقتصادية أخرى. وربما ترى الإدارة المصرية في هذا تكرارًا لنموذج حرب الخليج 1991، عندما وافق الرئيس الراحل حسني مبارك على التدخل العسكري بجانب أمريكا ضد العراق لتحرير الكويت مقابل إسقاط 10 مليارات دولار من الديون المستحقة علي مصر، وهو ما كان يمثل ربع ديونها الخارجية في ذلك الوقت[36]. بجانب التعهد بأن يكون هناك تمويل دولي من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وغيرها من منظمات الأمم المتحدة للفلسطينيين الموجودين داخل سيناء[37].
يذكر في هذا السياق أن النظام المصري سبق أن تنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” المصرية للسعودية مقابل مساعدات مالية، ثم قام ببيع الأصول الحكومية والشركات الناجحة للدول الخليجية (السعودية والإمارات وقطر)، بجانب موضوع الهجرة غير الشرعية الذي يستغله السيسي لجلب القروض والمساعدات الأوروبية[38].
كما أن هناك تراخيًا مصريًا ملحوظًا في محاولة تخفيف الأزمة الإنسانية الموجودة في غزة، والتماهي مع الاشتراطات التعسفية الإسرائيلية لقبول دخول المساعدات، وهو ما يفاقم من وطأة الحصار، ويجعل خيار النزوح إلى مصر خيارًا اضطراريًا قد يلجأ إليه سكان القطاع إذا استمر الحال على ما هو عليه[39]. وفي هذا السياق؛ تشير تقارير إعلامية نقلًا عن مصادرها إلى أن صناع القرار المصري أصبحوا أكثر ميلًا لقبول الحديث عن استيعاب أي نزوح فلسطيني محتمل. وأن أسباب هذا الميل تتعلق بمعطيات الأمر الواقع؛ إذا تحرك مئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه سيناء، بينما تدمر إسرائيل القطاع، وبالتالي لن يصبح أمام مصر سوى السماح لهم بالدخول. وبدأت مصر بالفعل الاستعداد اللوجيستي، وإعداد خطة جاهزة للتطبيق في حال صدور تعليمات بذلك من الرئاسة المصرية، تتضمن نصب خيام في مدينتي الشيخ زويد ورفح المصرية، مع فرض كردونات أمنية تمنع التسلل إليها، مع التشديد على عدم دخول فلسطينيين إلى مدينة العريش تحت أي ظرف. يعني هذا أنه في حالة عبور الفلسطينيين إلى مصر، لن يتبقى أمامهم سوى المنطقة العازلة في رفح[40].
وفي هذه الحالة، لم يعد السؤال حول ما إذا كانت مصر ستستقبل الفلسطينيين في حالة نزوحهم. الأسئلة الآن هي كيف، ومتى، وتحت أي شروط. أن أحد التقديرات يشير إلى احتمالية أن يصل العدد الإجمالي للفلسطينيين المحتمل نزوحهم خلال الحرب الإسرائيلية من القطاع إلى حوالي 300 ألف شخص. وبحسب التقديرات، قد يبدأ الأمر بعدة آلاف قد ترتفع لاحقًا إلى 50-60 ألفًا، لكن لا ينبغي السماح لأكثر من 100 ألف. كل هذا يخضع بالطبع لـ”حسابات دقيقة وحساسة”. هذه الحسابات لا تزال تقديرية، وترتبط بتطورات الوضع الميداني وحجم الدمار الذي تسببه إسرائيل خلال الفترة المقبلة. وعلى الرغم من أن مصر تأمل في ألا يطول بقاء الفلسطينيين في حال نزوحهم أكثر من بضعة أشهر، إلا أن احتمال تمكنهم من العودة إلى غزة سيكون ضئيلًا، وبالتالي لن يُسمح لهم بمغادرة المنطقة العازلة سوى للمغادرة إلى دولة أخرى، في حال عدم تمكنهم من العودة[41].
وللموازنة بين الاعتبارات السابقة التي تشير إلي إمكانية قبول مصر لمخطط تهجير سكان غزة إلي سيناء، والاعتبارات التي تعرقل هذا المخطط، فإن القاهرة قد لجأت إلي حل وسط يعتمد على التعامل مع الموقف في نطاقه الجغرافي. حيث عرض المسؤولين المصريين إمكانية إقامة مخيمات بمدينة رفح الفلسطينية، على بعد 3 كيلومترات داخل الأراضي الفلسطينية، بحيث تشرف مصر على تلك المخيمات، وتتولى تقديم الخدمات الإغاثية العاجلة للنازحين من شمال غزة. وسيكون من بين الوظائف الهامة لتلك المخيمات، فرز ومراجعة حالات المصابين وذوي الأمراض المزمنة التي تحتاج لتدخل عاجل، لنقلها إلى مستشفيات ميدانية مصرية ستقام في الجانب المصري، بخلاف الحالات الصعبة التي ستنقل إلى المستشفيات المصرية المتخصصة[42].
2- احتواء القصف الإسرائيلي للمواقع المصرية: فإلي جانب معبر رفح الذي تم استهدافه من قبل إسرائيل أربع مرات، فقد أعلن الجيش المصري في بيان له، إنه “خلال الاشتباكات القائمة فى قطاع غزة اليوم الأحد الموافق 22 / 10 / 2023 أصيب أحد أبراج المراقبة الحدودية المصرية (في منطقة كرم أبو سالم) بشظايا قذيفة من دبابة إسرائيلية عن طريق الخطأ مما نتج عنه إصابات طفيفة لبعض عناصر المراقبة الحدودية”. وأضاف الجيش المصري: “أبدى الجانب الإسرائيلى أسفه على الحادث غير المتعمد فور وقوعه وجارى التحقيق فى ملابسات الواقعة”[43].
كما سقطت طائرة مسيرة “درون” في مدينة طابا المصرية التابعة لمحافظة جنوب سيناء، في 27 أكتوبر 2023، ما أسفر عن إصابة 5 أشخاص بعد أن أصابت مبنى إسعاف طابا والسكن الإداري لمستشفى المدينة المركزي. في حين فتحت السلطات المصرية تحقيقًا بالواقعة للكشف عن ملابسات ما جرى، حيث أٌجريت اتصالات مصرية مع الجانب الإسرائيلي لمعرفة أسباب الحادث، على أن يتم إصدار بيان رسمي[44].
ويلاحظ من ردود الفعل المصرية أن هناك توجه رسمي لاحتواء هذه الأحداث، خاصة بعدما تم احتواء أحداث مماثلة من الجانب الإسرائيلي؛ والتي كان آخرها عملية إطلاق الرصاص التي قام بها أمين شرطة في محافظة الإسكندرية، في 8 أكتوبر 2023، ضد عدد من السياح الإسرائيليين، التي قُتل على إثرها ثلاثة سياح إسرائيليين[45]. وهي العملية التي تأتي عقب قيام المجند المصري محمد صلاح، في يونيو 2023، باختراق الحدود المصرية- الإسرائيلية وقتل ثلاثة مجندين إسرائيليين وإصابة أثنين آخرين، قبل أن يتم استشهاده[46].
3- إجهاض توسع الحراك الشعبي: مثلت كيفية التعاطي مع الشارع المصري الغاضب تجاه الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة الهم الأكبر أمام صانع القرار الذي كان أمام عدة أمور ضاغطة؛ أولها، عليه من حيث المبدأ ضغط من قبل مواطن معبئ، ضد كل ما هو صهيوني. ثانيًا، عليه أداة ضغط ترتبط بتعبئة اسبوعية قادرة على الحشد، وهي صلاة الجمعة، وهو جمع طبيعي وجاهز للتظاهر، وهو تظاهر على الأرجح، لن يقابل بأية مواجهة أمنية؛ بسبب مناخ الانتخابات المقررة في ديسمبر 2023، لكنه في ذات الوقت ضغط، قد يتراوح بين الحث على التفاعل الإيجابي مع الموقف، وبين الاتهام بالتخاذل أمام إسرائيل. وثالثًا، عليه ضغوط من قبل قوى مدنية، سيراها تسعى إلى المزايدة على مواقفه، ومن ثم، عليه دائمًا أن يقفز إلى الأمام؛ ليسبقها سعيًا؛ لتجنب مواقف غير محمودة منها في الشارع. رابعًا وأخيرًا، وربما هذا هو الأهم، أن تعامله الضعيف مع ما يحدث في غزة سيمثل انتصارًا لجماعة الإخوان المسلمين، العدو اللدود لنظام 30 يونيو[47]. ناهيك عن أن السيسي وجد في حرب غزة فرصة لترميم شعبيته المنهارة، على وقع القمع السياسي والأزمات الاقتصادية وغلاء المعيشة، والتي ظهرت في بحث المصريين عن بديل خلال الاستعداد لخوض انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في ديسمبر 2023، ما استدعى من السيسي خوض معركة جمع التوكيلات الشعبية بهدف منع أحمد الطنطاوي منافسه الحقيقي من خوض السباق.
في ضوء هذه العوامل، كان أبرز ما لوحظ على سلوك التفاعل بين نظام السيسي والشارع المصري؛ بشأن أثر حرب غزة، هو مظاهرات 20 أكتوبر 2023، التي دعا إليها الرئيس السيسي يوم 18 أكتوبر خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس، فيما بدا أنه محاولة جديدة لاستغلال حالة الغضب لدى المصريين تجاه مجازر الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني للحصول على تفويض شعبي جديد لدعم رؤيته الرافضة للتهجير، هذه المرة بدعوى حماية الأمن القومي. وطلب التفويض ليس جديدًا على السيسي، حيث استغله سابقًا لارتكاب مجازر بحق معارضيه السياسيين، وهو ما دفع البعض للتحذير من خطورة التفويض الجديد.
ويبدو أن الجهات المعنية التقطت الخيط بسرعة، وبدأت بالفعل أجهزة الدولة والأحزاب الموالية للنظام بالحشد لمظاهرات عنوانها العريض “نصرة غزة وتفويض الرئيس السيسي”، لوقف مخطط إسرائيل لتهجير سكان غزة إلى سيناء، واتخاذ ما يراه مناسبًا من إجراءات لحماية الأمن القومي المصري وضمان عدم تصفية القضية الفلسطينية.
في سبيل ذلك، رفع نظام السيسي قبضته الأمنية مؤقتًا عن الشوارع والميادين للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمن، ليسمح للمواطنين بالتظاهر بأعداد كبيرة (تم حصر أماكن التظاهرات في الأماكن البعيدة عن مقر السفارات الإسرائيلية والغربية) للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في غزة، بهدف استغلال المظاهرات في مواجهة الضغوط، وتحسين موقفه التفاوضي أمام دعوات القبول بتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء.
وكانت رؤية النظام محصورة في البحث فقط عن “اللقطة”، وهي الكلمة التي وردت على لسان مدير أمن الإسكندرية اللواء خالد البروي، خلال تفاوضه مع طلاب الجامعة بإنهاء مظاهرة داعمة لفلسطين، قائلًا: “خلاص أخدنا اللقطة”، وهو ما رفضه المتظاهرون المدفوعون بشعور من الألم والغضب تجاه انتهاكات العدوان الإسرائيلي.
وفوجئ النظام بردود فعل المصريين الغاضبة، وتعالت هتافات المتظاهرين الرافضة لرؤية السيسي التي طرحها من أجل حل الأزمة، مؤكدين على تظاهرهم من أجل القضية الفلسطينية وليس تفويضًا لأحد، ورددوا شعارات تفند مزاعم وسائل الإعلام الموالية للنظام التي روجت للمظاهرات باعتبارها تلبية لدعوة السيسي وتفويضه في إدارة ملف غزة، وهو ما دحضته تلك الهتافات: “المظاهرة بجد مش تفويض لحد” و”تفويض إيه يا عم.. فلسطين أهم” و”لا النقب ولا سينا فلسطين كاملة لينا”، و”يا فلسطين يا فلسطين إحنا كمان محتلين”.
التظاهرات التي دعا إليها السيسي وتجاوبت معها أحزاب محسوبة على نظامه قلبت الطاولة على النظام بعد دخولها ميدان التحرير عنوة، وارتفاع هتافات المشاركين فيها بمبادئ ثورة 25 يناير: “عيش حرية عدالة اجتماعية”، ووجد فيها المحتجون فرصة للتعبير بعد سنوات من خفض سقف الحريات إلى أدنى مستوى.
وبعد فشله في إظهارها كجمعة تفويض شعبي، انقلب النظام على مظاهرات دعم غزة وفلسطين، وشن حملة اعتقالات ضد المشاركين فيها بعد اقتحام ميدان التحرير أيقونة ثورة يناير، ورفض الالتزام بالتعليمات الأمنية، وترديد هتافات الثورة، ما أدى إلى تصاعد مخاوف الأجهزة الأمنية من أي انفلات أمني وفقدان السيطرة على المتظاهرين بعد كسرهم حاجز الخوف[48].
وبجانب هذه المظاهرات التي خرجت عن الخط المرسوم لها، فقد أشهر المصريون سلاح المقاطعة الفورية والنهائية في وجه الشركات الداعمة لقوات الاحتلال، أو المرتبطة بكيانات تدعم دولها العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، كنوع من أنواع الضغط للقاعدة الاستهلاكية العريضة على مثل هذه الشركات التي لم يشفع لبعضها التبرؤ من دعم إسرائيل لاحقًا.
فمع إعلان واشنطن ودول غربية وشركاتها العاملة في مصر دعمها غير المشروط لإسرائيل، اتسعت دائرة دعوات المقاطعة التي رافقت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعقبت ذلك إعلانات أخرى من علامات تجارية كبرى عن دعمها لجهود المشاركين في العدوان على غزة، أبرزها سلسلة المطاعم الشهيرة بابا جونز، إضافة إلى برغر كينغ ودومينز بيتزا وستارباكس، وغيرها العديد من الشركات الشهيرة التي يُنظر إليها باعتبارها سلاحًا اقتصاديًا فعالًا في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
ورغم القيود التي فرضتها شركات مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ مصريون متعاطفون مع غزة حملة مقاطعة واسعة استهدفت البضائع الإسرائيلية والأجنبية، وتداولوا عددًا من العلامات التجارية الداعمة للاحتلال بهدف نشر الوعي بين المستهلكين، ودعوا إلى مقاطعتها شعبيًا. وأبرز هذه العلامات مطاعم الوجبات السريعة ماكدونالدز، التي لم تكتف بدعم جيش الاحتلال سرًا أو عبر إعلان على استحياء، إنما نشرت صورًا لوجباتها التي تبرعت بها لجنود الاحتلال، وهم يتناولونها في مواقعهم العسكرية، حيث أعلنت التبرع بآلاف الوجبات المجانية يوميًا لجنود الاحتلال لمعاونتهم على مواصلة الحرب ضد الفلسطينيين. بعد نشر هذه الصور، ركز صناع محتوى مصريون على دعوات لمقاطعة ماكدونالدز، وهو ما أجبر كثيرًا من فروع المطعم في دول عربية مختلفة على إصدار بيانات تتبرأ من فعل ماكدونالدز إسرائيل الذي اضطر لحذف الصور، محاولين إخلاء مسؤوليتهم من ذلك، لكن هذا قوبل برفض جديد من المتابعين الذين تداولوا صورًا لفروع ماكدونالدز فارغة تمامًا بعد دعوات المقاطعة.
ورغم تراجع ماكدونالدز مصر وإعلانه تقديم تبرعات للقضية الفلسطينية، وتوفير آلاف فرص العمل للمصريين وحرصه على إطلاق مبادرات تنموية رائدة لخدمة المجتمع المصري، تواصلت حملات المقاطعة التي كبدته خسائر بملايين الدولارات في عدد من الدول العربية، وبادرت بعض المطاعم المصرية والمحال التجارية بإعلانها استقبال العاملين المستقيلين من العمل.
لم تكن دعوات المقاطعة هذه المرة كسابقاتها التي اقتصرت على المنتجات الإسرائيلية والشركات متعددة الجنسيات الداعمة للاحتلال، بل امتدت الحملات لتشمل المنتجات الواردة من “الطرف الثالث”، وهي الدول التي عمقت التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال، لا سيما الإمارات.
ولم تكن حملات المقاطعة هذه على هوى غير الراغبين في توسيع قاعدتها الجماهيرية، وقابلها البعض بمحاولات لكبحها بحجة تجنب الركود، والمحسوبون على النظام في مقدمتهم، ومن بينهم الإعلامي عمرو أديب الذي قلل من جدوى حملة مقاطعة ماكدونالدز، واعتبرها “غير مؤثرة”، وقال إنها شركة مصرية يعمل بها مئات المصريين، مضيفًا أن القضية الفلسطينية لم تستفد شيئًا من إغلاق فروع المطعم، وأن الضرر يقع على مالك المطاعم والعاملين فيها، وهو ما أثار استياءً شعبيًا وصل حد الانتقادات اللاذعة[49].
الأمر ذاته في خناقة الممثل محمد سلام، والذي اعتذر علنًا، بسبب حرب الإبادة في غزة، عن المشاركة في عرض مسرحي خلال “موسم الرياض”، المهرجان الترفيهي السعودي الذي أثار جدلًا كبيرًا بسبب عدم حساسية توقيته. أثار اعتذار سلام تعاطفًا كبيرًا، لكنه تسبب كذلك في حذف منصة “شاهد”، منصة البث السعودية، مسلسلًا شارك فيه، وشائعات عن اشتراطها طرد الممثل من المواسم اللاحقة من المسلسل للسماح بإعادة عرضه. ردًا على هذا، انطلقت حملة لمقاطعة المنصة[50]. وعقب اتهام الفنان بيومي فؤاد الذي شارك في المسرحية للفنان سلام من فوق مسرح الرياض بـ”الابتزاز والمزايدة”، انتشرت دعوات لمقاطعة مطعم مملوك له[51].
وتمثل المقاطعة السلاح الأخير للاحتجاج في عالم اليوم لدى المجتمعات المقهورة، فما يملكه الفرد الغاضب غير القادر على التأثير الإيجابي بالفعل السياسي، هو ألا يذهب لشراء منتج من علامة تجارية لا تعجبه سياساتها، فيكون غضبه قد فُرغ جزئيًا، دون الاحتكاك المباشر مع أنماط السلطة، التي لا تملك بدورها إجباره على الشراء. بالرغم من وداعة المقاطعة ووظيفتها المهمة في تفريغ الاحتقان دون ضرر، فإنّه بدا في الآونة الأخيرة أن أصواتًا مقربة من السلطة منزعجة من هذا الاختيار، كما لو أنّها تريد تجريد المواطن كليًا من هذه الوسيلة الناعمة.
بالاستعانة بأحد المفاهيم النفسية ذات الفاعلية التفسيرية، فإن النظام المصري الحالي منذ لحظة تشكله تاريخيًا في 3 يوليو 2013، وعلى نحو مطرد، يبدو أنّه قد نشأ كذات سياسية تعاني القلق العام، القلق من كل شيء لا يشرف عليه كليًا من البداية إلى النهاية حتى لو كان بسيطًا، فبدلًا من أن تكون “حالة الاستثناء” استثنائية، باتت هي الأصل. في شهر رمضان المنصرم، منعت قوات الأمن في اللحظات الأخيرة تدشين الأهالي في حي المطرية مائدة إفطار شعبية كبيرة تنظّم سنويًا دون مبررات واضحة، فيما فسره مراقبون بأنه خوف من الاعتياد على القدرة على تشبيك العلاقات حتى لو كان احتفاليًا كليًا دون رمزيات سياسية. كذلك اعتادت قوات الأمن منذ نهاية 2019 التضييق، لا على حضور الجماهير في المدرجات وحسب، وإنما على مشاهدة المواطنين للمباريات المهمة على المقاهي الكبرى، التي إما تغلق أبوابها أو تفتح سرًا أو تمتلئ بالمخبرين.
وعليه يبدو أن بعض دوائر النظام تنظر إلى المقاطعة بعين الريبة، باعتبار أنّها تحتاج إلى تشبيك، ولو في العالم الافتراضي، كما تتضمن بشكل غير مباشر حمولة سياسية داعمة لطرف لا يتفق معه النظام، أي حركة حماس في غزة، ومن ثم، فإن هناك حاجة إلى رصد وتتبع خيوط هذه الدعوات على الأقل، إن لم يكن التشنيع عليها وتخوينها.
إلى جانب تلافي إغضاب الحلفاء الغربيين والإقليميين، حيث أن صدى المقاطعة قد يكون مسموعًا ومؤثرًا، ليس على مستوى الخسائر الاقتصادية وحسب، بل على مستوى اختبار فاعلية القوة الناعمة والدبلوماسية، فالكيانات السياسية بما في ذلك إسرائيل تنظر إلى المقاطعة كنوع من عدم الاعتراف الذي يقابله التطبيع، فالمطلوب هو الاعتراف والتطبيع، وما عدا ذلك نوع من الحرب غير التقليدية. كما يبدو أيضًا أن هناك قلقًا من امتداد أثر المقاطعة إلى المنتجات الثقافية الإقليمية، فقد قامت الدنيا ولم تقعد لرفض فنان مصري المشاركة في مسرحية في موسم الرياض الترفيهي أثناء العدوان.
كما إن النظام المصري يخشى أن يمتد صدى المقاطعة داخليًا إلى الاستحقاق الانتخابي المرتقب نهاية العام: الانتخابات الرئاسية. فقد فقدت الانتخابات رونقها وجديتها باستبعاد أحمد الطنطاوي، بل والمضي قدمًا في طريق محاكمته، مع الاكتفاء بشخصيات ديكورية لا وزن لها، مما يستدعي في الوجدان الشعبي سيناريوهات الاستحقاقين السابقين الذين انتهيا بفوز كاسح للسيسي. يتغذى النظام المصري على “اللقطة”، ويدعو السيسي المواطنين صراحة في هذه المواسم -حتى معارضيه- للنزول، بغرض تقديم مشهد جيد أمام العالم عن الوضع السياسي في البلاد، على حد قوله[52].
وفي ضوء هذه الأبعاد الأمنية الثلاثة، يلاحظ أن السيسي وجه انتقادات نادرة إلى إسرائيل، واعتبر أن ممارساتها تجاوزت مرحلة “الدفاع عن النفس” لتشكل “عقابًا جماعيًا” لأهالي غزة[53]. وإن كانت حالة الغضب المصري الرسمي لم تتجاوز حد هذه التصريحات، ولم تنتقل إلي الشروع في ممارسات فعلية من قبيل؛ فتح معبر رفح، أو سحب السفير المصري في تل أبيب أو طرد السفير الصهيوني من القاهرة، أو وقف الاتصالات السياسية والأمنية، أو وقف اتفاقيات الكويز واتفاقيات الغاز وغيرها من الاتفاقيات الاقتصادية، أو حتي نصب شبكة دفاع جوي قرب الحدود لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية (سواء مقصودة أو خاطئة)[54].
ثانيًا: الأبعاد السياسية:
تتمثل أبرز الأبعاد السياسية للموقف المصري تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة في:
1- القيام بدور الوساطة والتهدئة: يٌنظر إلى مصر على أنها المحاور الرئيسي خلال الصراع الدائر، والدولة الأقدر علي لعب دور الوساطة والتهدئة باعتبارها الدولة الوحيدة التي تحافظ على اتصالات قوية مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة. كما أنه سبق لها أن توسطت في وقف إطلاق النار في مايو 2021، والذي أنهى اندلاع أعمال عنف استمرت 11 يومًا بين إسرائيل وحماس[55].
وعادة ما تحاول مصر استغلال دورها في الوساطة لتحقيق بعض المكاسب؛ حيث كانت الوساطة المصرية لوقف حالة التصعيد بين حماس وإسرائيل في مايو 2021 (سيف القدس) سببًا مباشرًا في تحسين العلاقة بين السيسي والرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أجري أول اتصال هاتفي بالسيسي لبحث وقف التصعيد، وذلك بعدما وصف بايدن السيسي بـ”ديكتاتور ترامب المفضل”، وصعد من انتقاداته لأوضاع حقوق الإنسان في مصر.
ويمثل العدوان الحالي على غزة فرصة ذهبية أخرى لنظام السيسي لشراء الصمت الأمريكي على أوضاع حقوق الإنسان، بعد أن قررت الولايات المتحدة في 15 سبتمبر الماضي، حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر بسبب عدم إطلاق سراح عدد كاف من المعتقلين السياسيين. وتقدم واشنطن مساعدات عسكرية لمصر تبلغ قيمتها نحو 1.3 مليار دولار سنويًا، وذلك بعد توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، ويرتبط جزء صغير من هذه المساعدات – نحو 320 مليون دولار – بسجل القاهرة في الديمقراطية وحقوق الإنسان[56].
ويبدو أن نظام السيسي سينجح في تحقيق هذا الهدف (صمت واشنطن عن انتهاكات حقوق الإنسان)، خاصة وأن الدور الذي يقوم به نظام السيسي خلال الحرب تعتبره واشنطن مهمًا لأمن إسرائيل، ولذا تتغاضى عن سجله الحقوقي. حيث أن واشنطن تعتبر المعارضين المصريين المعتقلين بأنهم مجرد “ضرر جانبي” يمكن تجاهله حال تحقيق نظام السيسي أدواره الوظيفية المطلوبة لأمن إسرائيل، ومنها الفتح المؤقت لمعبر رفح من أجل إخراج المواطنين الأمريكيين والغربيين من القطاع[57].
ومن خلال جهودها للتهدئة أيضًا، ستسعى مصر بالتأكيد للحصول على مقابل لحل أزمتها الاقتصادية، ويمكن للولايات المتحدة أن تساعدها ماليًا، في الغالب من خلال نفوذها على المؤسسات المالية الدولية، التي تدين لها القاهرة بعشرات مليارات الدولارات[58].
لكن هذه المرة، يبدو أن الدور المصري في ملف الوساطة بين حماس وإسرائيل ضعيف، حيث ظهر هدف الوقف “الفوري للتصعيد الحالي”، و”الوقف الفوري والدائم للنار في غزة” بصفة محدودة في بيانات السيسي في مباحثاته مع ضيوف عرب وأجانب، لكنه غاب عن أحاديثه الارتجالية، وعوضًا عن ذلك ترددت علي لسانه عبارات مختلفة، مثل “احتواء التصعيد”، و”تهدئة الأمور”، وتخفيف “حالة الاقتتال”. ورغم حرص السيسي علي أن يكون له “دور إيجابي في تخفيف حدة الأزمة من خلال إطلاق سراح الأسرى والرهائن الموجودين في القطاع”، لكنه تجاهل مسألة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال[59].
ومن جانب آخر، عندما استضافت القاهرة “قمة للسلام”، في 21 أكتوبر، بناءً على دعوة وجهتها مصر لعدد من الدول لبحث الحرب في غزة ومحاولة التوصل إلى قرار بوقف إطلاق النار، وإجبار دولة الاحتلال على إدخال المساعدات لسكان القطاع دون شروط مسبقة. ومنذ الوهلة الأولى لانطلاق فعاليات القمة، حتى قبيل انعقادها، بدا عليها الفشل المبكر وذلك لعدة مؤشرات:
- غياب الجدية والتعاطي العربي والإسلامي معها، حيث غاب العديد من قادة بعض الدول العربية والإسلامية ذات الثقل الكبير كالسعودية وتركيا، واكتفيا بإرسال وزيرا الخارجية دون حضور ولي العهد أو الرئيس التركي كما هو متعارف عليه في مثل تلك الملفات الساخنة.
- دعوة ممثلي الدول الغربية المعروف دعمها الكامل لدولة الاحتلال في مواجهة غزة والمقاومة، كألمانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة بجانب المفوضية الأوروبية، فهم بدعمهم العسكري والسياسي والإعلامي تحولوا إلى خصوم في القضية وليسوا وسطاء للتحاور معهم، ثم ماذا كان ينتظر العرب منهم غير ما أعلنوه قبيل وفي أثناء وبعد القمة؟.
- غياب الزخم الدولي، فرغم ما تمثله تلك الأزمة من خطورة قد تزج بمنطقة الشرق الأوسط في أتون حرب شعواء، وتفرض حالة من اللا استقرار في المنطقة، وتضع مصالح الدول الكبرى في مرمى الاستهداف، فإن قادة قوى كبرى كالصين وروسيا غابت عن المشاركة في القمة، لأسباب وتفاهمات وحسابات سياسية خاصة، فضلًا عن عدم مشاركة رؤساء أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بجانب عدم بلورة موقف عربي موحد ضاغط على تلك القوى.
- عدم اكتراث دولة الاحتلال بالقمة، وصمت حلفائها إزاء ذلك، فبينما كان القادة العرب يلقون كلماتهم التي تطالب بوقف إطلاق النار، كانت طائرات الاحتلال تقصف غزة، وفي الوقت الذي يناشد فيه الزعماء بإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود وتوفير المظلة الآمنة لذلك، كانت صواريخ الاحتلال على بعد أمتار قليلة من معبر رفح الحدودي.
وبلغت قمة الفشل في عدم القدرة على إصدار بيان ختامي للقمة، يحمل أبرز البنود والمحاور التي تم التناقش بشأنها، في ظل إصرار ممنهج من الدول الغربية على تبني السردية الإسرائيلية إزاء الوضع الحالي، تلك السردية التي تشيطن المقاومة الفلسطينية وتقدم دولة الاحتلال في صورة الضحية. وفي السياق حاول ممثلو المجموعة الغربية فرض رأيهم على جميع الحضور (ممثلي 35 دولة وهيئة) وذلك بمطالبة الدول العربية بأن يتضمن البيان الختامي للقمة إدانة واضحة ومباشرة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتحميلها مسؤولية التصعيد، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن، واعتبار ما تقوم به دولة الاحتلال حق مشروع للدفاع عن النفس، وهو ما لم توافق عليه الدول العربية المشاركة، ومن ثم لم يصدر البيان[60].
وفي مقابل تراجع الدور المصري، فإن قطر هي من تقوم بلعب الدور الرئيسي في خفض التصعيد الحالي بين إسرائيل وحماس، وفي تحقيق أي تفاهم فيما يتعلق بملف الرهائن الذين أسرتهم حماس خلال عملياتها[61]، حيث نجحت الوساطة القطرية في إطلاق سراح أمريكيتين كانتا محتجزتين عند حماس[62]، وصولًا للهدنة التي تمت في 24 نوفمبر 2023. فيما لم يتعد الدور المصري عن تنفيذ ما تم التوصل إليه في الوساطة التي تقوم بها قطر، وتقديم التسهيلات اللوجستية عبر معبر رفح سواء لدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة أو لخروج الأجانب المحتجزين لدي حماس من القطاع[63].
ويبدو أن الدور المصري سيشهد مزيد من التراجع في ملف الوساطة في السنوات المقبلة، بعدما تسبب الموقف المصري من العدوان الحالي في انعدام ثقة المقاومة (وعلي رأسها حماس) في الوسيط المصري. خاصة بعد إدانة الرئيس السيسي لعملية “طوفان الأقصي” في 7 أكتوبر، حيث أكد السيسي خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في 15 أكتوبر 2023، في القصر الرئاسي في القاهرة: “ما حدث من تسعة أيام (عملية طوفان الأقصي)، كثير وصعب، لا أحد يختلف على هذا، ونحن ندينه”[64].
هذا بجانب، تصريحات السيسي، خلال المؤتمر الصحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتز، في 18 أكتوبر في القاهرة، التي قال فيها “إذا كان هناك فكرة للتهجير توجد صحراء النقب في إسرائيل، من الممكن نقل الفلسطينيين إليها حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة في القطاع مثل الجهاد الإسلامي وحماس، ثم تعيدهم بعد ذلك إذا شاءت”. تضمنت تصريحات السيسي أربعة محاور رئيسية تتطابق مع المزاج الإسرائيلي وتعتبر بشكل واضح إقرارًا بسردية وتفسير حكومة الاحتلال للمشهد الحالي، سواء داخل فلسطين بصفة عامة أم قطاع غزة على وجه التحديد:
الأول: قبول فكرة التهجير من حيث المبدأ، دون أي اعتبارات لحق الشعب الفلسطيني في البقاء في أرضهم وداخل منازلهم، الأمر فقط يتعلق بعدم التهجير إلى سيناء، لكن من الممكن أن يكون ذلك في أي مكان آخر، ولتكن صحراء النقب على حد قوله.
الثاني: إقرار الرواية الإسرائيلية بشأن تصفية المقاومة، وبدلًا من الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الزود عن أرضه وعرضه وتاريخه، يقدم الرئيس المصري روشته الناجعة لأجل ذلك بأن يتم إخراج سكان غزة خارج القطاع، ثم تستفرد حكومة الاحتلال بالفصائل الفلسطينية التي سماها السيسي، حماس والجهاد وغيرها، ثم تقضي عليها وتصفيها بشكل كامل، وبعد ذلك يعود الفلسطينيون المهجرون إلى القطاع، وهذا أيضًا مرهون برغبة إسرائيل إذا شاءت.
الثالث: اعتبار أن ما تقوم به دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني حق مشروع للدفاع عن النفس والأمن القومي، وهو إقرار بالسردية الإسرائيلية دون تسمية ذلك انتهاك يجب مقاومته وتغول على حقوق الشعب الفلسطيني يتطلب التصدي له دبلوماسيًا وعسكريًا.
الرابع: التطابق مع الخطاب الإسرائيلي بوصف ما تقوم به المقاومة أنه “إرهاب” وليس دفاعًا عن الأرض والعرض، حين قال “وتتحول سيناء إلى قاعدة للانطلاق بعمليات إرهابية ضد إسرائيل” في إشارة إلى فصائل المقاومة حين تستهدف الداخل الإسرائيلي من سيناء حال تم تهجير الفلسطينيين إلى هناك.
وإذا كانت هذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها السيسي عن دعمه لدولة الاحتلال، إذ تعتبر العلاقات بينهما في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر العلاقات حميمية في المنطقة، ويعتبره الإعلام الإسرائيلي الكنز الاستراتيجي لدولتهم المزعومة، لكن الحديث عن تصفية المقاومة بهذا الشكل المباشر والواضح، وتقديم روشتة لحكومة نتنياهو لتنفيذ مخططها في القطاع والتفكير بعقلية واحدة لوأد الفصائل الفلسطينية المسلحة، كان المستجد الصادم الذي أربك كل الحسابات[65].
أكثر من ذلك، فقد تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن إنشاء دولة فلسطينية “منزوعة السلاح” كخيار عملي لتطبيق فكرة “حل الدولتين”، مع وجود “قوات من (الناتو) أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية لتحقيق الأمن لكلا الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية”، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيسي وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، وبلجيكا ألكسندر دي كرو، في 24 نوفمبر 2023.
فكرة إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح هي مقترح إسرائيلي في المقام الأول، ففي خطابه الذي ألقاه في أكتوبر 2001 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون إن الدولة الفلسطينية التي قد يوافق على قيامها يجب أن تلبي ما أسماه احتياجات إسرائيل الأمنية وتكون منزوعة السلاح ويراقب الجيش الإسرائيلي حدودها. وترسخت تلك الفكرة في عقليات من خلفوه في رئاسة حكومة الاحتلال وبين صقور الكنيست، ففي نوفمبر 2009 أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه على استعداد لقبول دولة فلسطينية منزوعة السلاح، شريطة أن تعترف بالكيان المحتل كدولة قومية للشعب اليهودي وألا يُسمح لها بامتلاك أي قوة عسكرية وعتاد تسليحي.
ورغم ذلك، فقد خرجت وزارة الخارجية الإسرائيلية لتعلن في 25 نوفمبر 2023 ردًا على مقترح الرئيس المصري، بأن سياسة حكومتها “لا توافق على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح”. وبرر المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، هذا الموقف بأن مقترح نتنياهو عام 2009 أصبح قديمًا، مضيفًا “لقد تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين”، وتابع في تصريحات لـ”الحرة” “الآن أذكركم أن قطاع غزة كان يفترض أن يكون (منزوع السلاح) لكن الحقيقة أن حماس هربت الأسلحة للقطاع”، مضيفًا “لذلك فالوضع ليس نفسه”.
قبل خمس سنوات تقريبًا وتحديدًا في أغسطس 2018 وخلال زيارة وفد أكاديمي إسرائيلي لمكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن في رام الله، طُرحت مسألة شروط ومواصفات الدولة الفلسطينية ضمن الحديث عن خيار حل الدولتين وسبل إنهاء الصراع. حينها أبلغ أبو مازن الوفد الإسرائيلي موافقته الضمنية على إنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، لكنها منزوعة السلاح، بلا جيش، ولا قوة عسكرية نظامية، كل ما تحتاجه فقط عناصر شرطية بتسليح خفيف لفرض الأمن الداخلي، مبررًا هذا الموقف بأن بناء المدارس والمستشفيات وتخصيص الأموال للمؤسسات الاجتماعية أفضل من الطائرات الحربية والدبابات، حسبما نقلت تقارير إعلامية عبرية لم تنفها السلطة الفلسطينية.
وكانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة في حكومة نتنياهو الثالثة، تسيبي ليفني، قد أكدت قبل ذلك أن عباس دعم فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في مفاوضات السلام التي عقدتها معه بين عامي 2013 و2014، بوساطة أمريكية، وأنه وافق على وجود قوات دولية من حلف الناتو على حدود الدولة الفلسطينية، لكن نتنياهو رفض هذا الأمر، مشترطًا أن تكون القوات الموجودة إسرائيلية وليست دولية، وهو ما أفشل المفاوضات آنذاك، بحسب ليفني.
ورفضت حماس في ذلك الوقت هذا الطرح شكلًا ومضمونًا، حيث وصف الناطق الرسمي باسم الحركة وقتها، سامي أبو زهري، تصريحات أبو مازن بأنها شخصية لا تعبر ولا تمثل الشعب الفلسطيني، فيما دعمت حركة فتح هذا الموقف، لافتة إلى أن الهدف هو إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو، “وليس الخوض في سباق تسلح مع أحد”.
إحياء مسألة الدولة منزوعة السلاح مرة أخرى في هذا التوقيت الاستثنائي إنما يهدف في المقام الأول إلى “القضاء على المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وتسليم غزة لسلطة محمود عباس”. ويبدو أن مسألة “تصفية المقاومة” تحولت إلى استراتيجية – وربما هدف – لدى بعض الأنظمة العربية، التي بدلًا من مناقشة الوضع في غزة وإنقاذ سكانها من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال، كثفت جلساتها النقاشية لبحث غزة ما بعد الحرب، وشكل وهوية السلطة في القطاع، والتأكيد على ضرورة ألا تكون حماس وبقية فصائل المقاومة في المشهد السياسي مستقبلًا، وهو التصور الذي لاقى استحسانًا – كالعادة – من أبو مازن وسلطته[66].
وعليه فمن المتوقع أن تتحول العلاقة بين النظام المصري وحماس من مرحلة الفتور (المرحلة الحالية)، والتي تتجلي أبرز مظاهرها في احتضان القاهرة مكتبًا لحماس، ولقاء وتواصل المسئولين المصريين بقادتها، لكن على خلاف حكومات عربية وإسلامية أخرى تلتقي قادة حماس على مستويات رؤساء الدول، فإن النظام المصري يبقى هذا التواصل في الإطار الأمني وليس السياسي، أي مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل في الحد الأعلى[67]. وتعود هذه العلاقة مرة أخري إلي حالة العداء، وهي الحالة التي غلبت علي العلاقة بين الطرفين خلال السنوات الماضية بعد وصول السيسي للحكم في عام 2014. وتعود حالة العداء تلك لاعتبارات كثيرة، أهمها؛ رفض النظام المصري “حكومة إسلاميين” على حدود مصر، لما له من تأثير سلبي على الأوضاع السياسية الداخلية في مصر، وعلاقة حماس التنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين، ومنها أيضًا أنها تتبنى خطًا سياسيًا مختلفًا بشأن التعامل مع الأزمة الفلسطينية مع الخط الذي يتبناه النظام المصري[68].
2- إجهاض أي إمكانية لعودة حركات الإسلام السياسي: لا يزال الهاجس الأكبر لدي النظام المصري يتمثل في إمكانية عودة تيارات الإسلام السياسي ليس داخل مصر فقط بل في المنطقة كلها، خاصة إذا تمكنت المقاومة من تحقيق وتثبيت ما حققته من انتصارات استراتيجية ضد الاحتلال الإسرائيل.
ففي حالة صمود المقاومة، ونجاحها في امتصاص الهجوم الإسرائيلي، ومن ثم فشل إسرائيل في تحقيق أي هدف استراتيجي أو سياسي يمكنه أن يغطي على هزيمتها العسكرية والاستخباراتية التي حدثت في السابع من أكتوبر، فسوف يعد هذا إنجازًا تاريخيًا للمقاومة، وسيزيد من رصيد حماس، ومن جماهيريتها، وهذه -بلا شك- مسألة لن يرحب بها صانع القرار المصري، باعتبار أنها قد تعطي نفسًا جديدًا لحركات الإسلام السياسي في مصر والإقليم، بل وقد تؤثر شعوريًا على المواطنين، وتجرئ القوى المعارضة في مصر[69].
وقد لخص الدبلوماسي الأمريكي السابق دينيس روس في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية موقف المستبدين العرب من حماس بالقول: “إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس”، مضيفًا: “خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة”، ونقل عنهم أنه “إذا اعتبرت حماس منتصرة، فإن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حماس، ويعطي نفوذًا وزخمًا لإيران والمتعاونين معها”. وشرح بأن أولئك الزعماء العرب الذين تحدثوا إليه صرحوا له بموقفهم “على انفراد” بينما مواقفهم العلنية على خلاف ذلك، لأنهم يدركون أنه مع استمرار انتقام إسرائيل وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سوف يغضبون[70].
وأصبح التساؤل الآن ليس حول إمكانية عودة تيارات الإسلام السياسي (الذي أصبح مرجحًا بصورة كبيرة)، وانتقل بدلًا من ذلك إلي التساؤل عن أي صيغة من الإسلام السياسي يمكن أن تنجم عن هذه الأحداث والتطورات، هل هي الإخوانية (بوصف حماس امتدادًا لمدرسة الإخوان المسلمين)، أم هي الصيغة الجهادية، وهل هو منهج “القاعدة” أم “داعش” أم خليط جديد؟، أم هي الصيغة الروحانية – الصوفية من الإسلام الذي يسعى إلى التركيز على الشأن الفردي والروحي والابتعاد بدرجة كبيرة عن الشأن السياسي؟ . على الطرف الآخر، ثمة سؤال لا يقل أهمية على صعيد السياسات الإقليمية، لا يقل أهمية عن الأسئلة السابقة، يتمثل في ما يطلق عليه السياسات الخارجية للحركات الإسلامية، بمعنى ما هو مصير تحالفات الإسلاميين في المنطقة بعد العدوان الإسرائيلي، هل سيتعزز محور الممانعة وبالتالي التحالف بين حركة حماس والجهاد الإسلامي وإيران وحزب الله والقوى الشيعية التي باتت تشكل قوى فاعلة ومؤثرة و”أنصاف دول” في المنطقة، وهل تعود الحاضنة التركية للإسلام السياسي التي تصاعدت إقليميًا بعد الربيع العربي بعد تراجعها مؤخرًا في ظل التصالح مع دول الثورات المضادة؟، أم أن الانشطار السني – الشيعي سيتعزز بعد هذا العدوان، في حال لم يكن هنالك تدخل مباشر وفاعل وكامل لحزب الله لدعم حماس والجهاد الإسلامي في غزة؟.
ما زال الجواب علي هذه التساؤلات مرتبطًا بالتطورات الميدانية والدلالات والمعاني الرمزية والسياسية، التي يمكن أن يتم تجيير المعركة العسكرية نحوها؛ فإذا كانت سردية حماس قوية، فإن ذلك سينعش الحركات الإسلامية، وإذا كانت النتيجة معاكسة فذلك سيعزز الاتجاهات الراديكالية، سواء على صعيد موجة جديدة من الراديكالية مثل “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وربما أيضًا يعزز ذلك من اتجاه فئات من الشباب والمجتمع نحو التصوف والروحانية هروبًا من حالة اليأس والإحباط والغضب والاحتقان الذي يملأ الصدور بعد هذه المجازر الكارثية. أيًا كانت النتائج العسكرية المقبلة، فنحن أمام موجة جديدة من الإسلام السياسي في المنطقة، بالتأكيد ذات طابع شبابي، سوف تكون غالبًا مرتبطة بغلبة لون من ألوان الإسلام السياسي، أو مزيجًا من هذه الألوان معًا[71].
ثالثًا: الأبعاد الاقتصادية:
ينتج عن العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة عدة تداعيات اقتصادية سلبية علي مصر، تتمثل أبرزها في:
1- التجارة مع فلسطين وإسرائيل: توقفت صادرات مصر إلى قطاع غزة بصورة مباشرة، وتم عرقلت هذه الصادرات نحو الضفة الغربية.وكانت الصادرات المصرية نحو فلسطين قد ارتفعت بنسبة 28.4% وبلغت 451.5 مليون دولار خلال عام 2022، مقابل 351.5 مليون دولار خلال 2021، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
وبشأن العلاقة مع الاحتلال، تشير بيانات لوزارة التجارة الإسرائيلية إلى خطة لرفع التبادل التجاري مع مصر – باستثناء السياحة وصادرات الغاز الطبيعي – إلى 700 مليون دولار في أفق 2025، مقابل 300 مليون دولار في العام 2022. وبموجب الخطة – التي نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تفاصيل عنها – من المقرر أن تطور القاهرة وتل أبيب معبر (نيتسانا) بينهما، كما أنه من المقرر أن يزيد الاحتلال مستورداته من المواد الغذائية والأسماك الطازجة ومواد البناء من مصر مقابل تصدير التقنيات الزراعية.
كما زادت صادرات مصر إلى الولايات المتحدة – وفق اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (كويز) التي تقتضي تعاونًا صناعيًا مع إسرائيل – إلى 1.5 مليار دولار في 2022، مقابل 1.2 مليار دولار في السنة التي قبلها، وفق بيانات الغرفة التجارية الأميركية في مصر. وشكلت منتجات “الكويز” (اتفاقية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة تخص تصدير منتجات المناطق الصناعية المؤهلة) 53% من إجمالي صادرات مصر إلى الولايات المتحدة في عام 2022 و55% من الصادرات غير النفطية إليها.
لكن وبالنظر إلى حالة الحرب الحالية، وتوقف حركة المصانع، بالإضافة إلى استدعاء العاملين إلى الجيش وفق التعبئة الأخيرة، من المتوقع على نطاق واسع أن تتأثر كل من الصادرات المصرية والإسرائيلية سلبًا، وفق مراقبين[72].
2- صادرات الغاز: مع اشتعال القتال، قررت السلطات الإسرائيلية إغلاق حقل غاز “تمارا” الذي يمد مصر بالغاز، كما أصدرت شركة “شيفرون”، في 10 أكتوبر، تعليمات بوقف تشغيل خط أنابيب “غاز شرق المتوسط” بين إسرائيل ومصر، واستخدام خط أنابيب “الغاز العربي” الذي يمر عبر الأردن بدلًا منه، وهو ما أثر على كمية الغاز الإسرائيلي الواردة إلى مصر، إذ انخفضت بنسبة 20%، وهو ما يؤثر سلبًا على القاهرة التي عانت مؤخرًا أزمة في توفير الغاز والمازوت لمحطات الكهرباء ما تسبب في مد فترة قطع التيار الكهربائي من ساعة إلى نحو الساعتين رغم وعود حكومية بانتهاء الأزمة نهاية سبتمبر الماضي، فضلًا عن حاجة القاهرة للإيرادات بالعملة الأجنبية التي تحصل عليها من إسالة وتصدير الغاز[73].
جدير بالذكر هنا، أنه خلال فترة انقطاع تصدير الغاز الإسرائيلي لم نسمع تصريحًا واحدًا من مسؤول مصري عن مقاضاة دولة الاحتلال على وقف التصدير المفاجئ، والضرر الاقتصادي والمعيشي الكبير الناتج عنه، علمًا أن إسرائيل أقامت دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية بسبب توقف صادرات الغاز المصري لتل أبيب عقب ثورة يناير 2011[74].
وكانت مصر وقعت اتفاقًا مع إسرائيل منتصف يونيو 2022، لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، وإعادة تصديره مسالًا إلى أوروبا، لمدة 3 سنوات، ويجدد الاتفاق تلقائيًا لمدة سنتين إضافيتين[75]. وفي 24 أغسطس 2023، عقدت مصر مع الكيان الإسرائيلي المحتل اتفاقية جديدة لاستيراد مزيد من الغاز الطبيعي، من حقل “تمارا” بالبحر المتوسط، بنحو 3.5 مليارات متر مكعب سنويًا لمدة 11 عامًا تقريبًا، بإجمالي 38.7 مليار متر مكعب. وهي الاتفاقية التي تأتي بعد 5 أعوام ونصف من اتفاقية فبراير 2018، بين شركة “دولفينوس” المصرية للطاقة ومجموعة “دليك” الإسرائيلية للطاقة لتصدير الغاز الطبيعي لمصر بقيمة 15 مليار دولار لبيع 7.2 بلايين متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، مدة 15 عامًا.
في مقابل هذه التأثيرات السلبية، فإن هذه الحرب قد تصب في صالح مصر من خلال وقف تنفيذ المشاريع الموازية والضارة بالمصالح المصرية. ويأتي علي رأسها اتفاق إسرائيل وقبرص واليونان في مجال الغاز. وفي سبتمبر الماضي، وفي غياب مثير لمصر الشريك التجاري والاقتصادي والاستراتيجي والأمني لإسرائيل واليونان وقبرص، وقعت الدول الثلاث اتفاقية شراكة بمجال الطاقة الأهم عالميًا لتصدير الغاز من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أوروبا، وللربط بين شبكات الطاقة الخاصة بهم، وسط حديث عن مقترح إنشاء خط أنابيب للغاز يربط بين إسرائيل وأوروبا. وفي يناير 2020، اتفقت تل أبيب ونيقوسيا وأثينا على مشروع “إيست-ميد”، بمد خط أنابيب من إسرائيل إلى جزيرة كريت اليونانية وصولًا لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا ينقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا.
وإلي جانب ذلك، فإن الموانئ الإسرائيلية تعد حلقة هي الأهم في مشروع “ممر بايدن” الذي أُعلن عنه في قمة العشرين الماضية، في 9 سبتمبر الماضي، وإلى جانب الهند وأمريكا توجد الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل. ذلك المشروع يربط الهند وأوروبا، عبر خطوط السكك الحديدية والنقل البحري تمر بالشرق الأوسط، حيث ستأتي البضائع من الشرق إلى ميناء حيفا بفلسطين المحتلة، ومن حيفا ستبحر لأوروبا، ما يضع إسرائيل على خريطة النقل والتجارة العالمية كبديل عن قناة السويس المصرية، لكن بعد “طوفان الأقصى”، تظل تلك الاتفاقية رهن التهديد الأمني من المقاومة الفلسطينية[76].
3- حركة السياحة: على صعيد السياحة، تلقت مصر ضربة مضاعفة بعد أن قتل شرطي مصري في اليوم التالي لبدء عملية “طوفان الأقصى” سائحين إسرائيليين، وأصاب آخر، في منطقة أثرية في محافظة الإسكندرية شمالي البلاد، ما دفع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى استدعاء الإسرائيليين الموجودين في سيناء على الفور. وقدر عضو غرفة الشركات السياحية المصرية، هاني بيتر في تصريح لـ”لجزيرة نت” نسبة الإشغالات الفندقية في طابا وشرم الشيخ في جنوب سيناء المصرية بنحو 5% فقط بعد اشتداد وطأة الحرب على غزة، بعد أن وصلت إلى 100% تقريبًا قبيل حادث الإسكندرية.
لكن الضربة الأكبر التي تلقتها السياحة المصرية جاءت من تهاوي عدد الزوار المسيحيين الذين تمر مناسكهم بالضرورة بالقدس المحتلة قبل قدومهم إلى مصر، ويقدر بيتر عددهم بنحو مليونين في السنة. ويمثل إشغال الإسرائيليين في فنادق طابا وجنوب سيناء ما بين 35% إلى 45%، أما النسبة الباقية ففي العادة تكون من نصيب الزوار المسيحيين، الذين يختمون مناسكهم في كنيسة القديسة كاترين في سيناء ويعودون إلى بلدانهم من القاهرة في ما يسمى برنامج “البلدان الثلاثة”، وفق بيتر.
واتسع نطاق تأثر السياحة إلى فنادق في القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، إذ يقدر بيتر عدد المجموعات التي ألغت حجوزاتها بنحو 500 مجموعة تتكون كل منها من 35 شخصًا.
وبلغ عدد السياح الإسرائيليين الذين دخلوا إلى سيناء عبر معبر طابا البري 566 ألف سائح في السنة الماضية (2022) وفق بيانات صادرة عن صفحة “إسرائيل بالعربية” الموثّقة على منصة “إكس”، تويتر سابقًا. كما استقل الطائرة 169 ألف سائح من مطار بن غوريون، منهم 124 ألف سائح إلى شرم الشيخ و45 ألفًا إلى القاهرة. وكانت 3 شركات طيران إسرائيلية أطلقت في أبريل من السنة الماضية 3 رحلات أسبوعية مباشرة إلى شرم الشيخ، قبل أن تطلق شركة طيران القاهرة رحلات مباشرة بين تل أبيب وشرم الشيخ في الشهر التالي[77].
4- الملاحة في قناة السويس: تواجه الملاحة في قناة السويس تهديدات أمنية، لاسيما بعد انتقال جماعة الحوثي في اليمن من مرحلة التهديد باستهداف السفن الإسرائيلية العابرة للبحر الأحمر، وتلك التي تمر قبالة السواحل اليمنية إلى مرحلة الفعل والتنفيذ.
وبالفعل استولت، في 19 نوفمبر 2023، على السفينة “غالكسي ليدر” الإسرائيلية وعليها آلاف السيارات. وهددت الجماعة بالاستيلاء على المزيد من السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية عقابًا على جرائم جيش الاحتلال في قطاع غزة واستهداف المدنيين الفلسطينيين. وصعد الحوثيون من عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث أطلقوا صاروخين باليستيين على المدمرة “يو إس إس ميسون” الأميركية، بعد اعتقال المدمرة 5 أشخاص حاولوا اختطاف سفينة مملوكة لإسرائيلي هو “إيال عوفر” في خليج عدن. وأعلنت شركة الشحن البحري الإسرائيلية “زيم”، تحويل سفنها عن قناة السويس، بدعوى زيادة المخاطر والأوضاع الأمنية في بحر العرب والبحر الأحمر.
كل تلك التطورات وغيرها يمكن أن تؤثر سلبًا على الملاحة البحرية والتجارة الدولية المارة عبر قناة السويس، وهي واحدة من أهمم الممرات الملاحية في العالم، حيث ينتقل من خلالها 10% من التجارة الدولية، وتعد واحدة من أبرز موارد النقد الأجنبي في مصر. حتى الآن لا تزال التجارة العالمية شبه مستقرة في البحر الأحمر رغم تهديدات الحوثي، وبالتالي فإن الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها القناة المصرية لا تزال محدودة ومتواضعة. لكن في حال زيادة المخاطر واتساع رقعة استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية أو التي ترفع العلم الإسرائيلي، وتصاعد المواجهة سواء بين القوات الأميركية في المنطقة والحوثي، أو بين قوات الاحتلال والجماعة اليمنية، فإن المخاطر ستزيد على قناة السويس.
ترتفع تلك المخاطر في حال تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية رغم زيادة المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يدفع دول الخليج إلى استخدام ممر رأس الرجاء الصالح بدلًا عن قناة السويس في عبور شاحنات النفط والغاز الكبرى بهدف خفض التكلفة، وهو ما حدث في مرات سابقة منها فترة تهاوي أسعار النفط في العام 2020[78].
رابعًا: الأبعاد الإنسانية:
استقبل مطار العريش الدولي أطنان من المساعدات الإنسانية القادمة من عدة دول تتضمن مستلزمات طبية، ومواد غذائية، ومواد إعاشة، وأجهزة أشعة طبية؛ تمهيدًا لدخولها إلى غزة عبر معبر رفح المصري، الذي يشكل المنفذ الوحيد لدخول هذه المساعدات[79]. حيث تحيط بقطاع غزة سبعة معابر لا يدخل القطاع ولا يخرج منه شيء دون المرور بأحدها، وتخضع ستة منها لسيطرة إسرائيل والمعبر الوحيد الخارج عن سيطرة الاحتلال هو معبر رفح، المخصص لانتقال الأفراد والبضائع. ويقع معبر رفح تحت إشراف مصر والسلطة الفلسطينية برقابة أوروبية، ولكن الرقابة الأوروبية انتهت بعد سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، بسبب غياب قوات السلطة الفلسطينية، ورفض الأوروبيين التعامل مع الموظفين المحسوبين على حماس.
وتعتبر القاهرة في أغلب الأوقات أن المعبر في ظل غياب وجود السلطة والرقابة الأوروبية لا يتوافر فيه الشروط الواردة في الاتفاق بشأن المعبر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأوروبيين ومصر، وبالتالي، كثيرًا ما اعتبرت نفسها في حل من تشغيله بشكل طبيعي، ولذا تعددت على مدار السنوات الماضية عمليات فتح وإغلاق المعبر، وفقًا لمسار العلاقات بين مصر وحماس، وكان ينظر له كوسيلة ضغط في يد القاهرة على حماس، ولكن مصر كانت عادة تفتح المعبر للحالات الإنسانية أثناء الحروب بين إسرائيل وغزة، بما في ذلك دخول المساعدات الإنسانية[80].
ولكن في ظل العدوان الإسرائيلي الحالي، اتخذت القاهرة قرارًا بإيقاف العمل في معبر رفح إلى أجل غير مسمى، وخاصة بعد أن قصفت إسرائيل الجانب الفلسطيني من المعبر أربع مرات، وأبلغت السلطات المصرية بأنها ستقصف قوافل المساعدات في حال قررت القاهرة إدخالها. ورغم انتشار صور عديدة لقافلة مساعدات متوجهة من مصر نحو المعبر وكذلك وصول أكثر من طائرة تحمل مساعدات لمطار العريش، فإن وزير الخارجية المصري قد صرح يوم 15 أكتوبر قائلًا: “إن القاهرة لم تحصل على (إذن) لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح”، وأضاف: “نقوم بالتنسيق مع الأمم المتحدة ووكالة الأونروا لتقديم طلب الإذن بمرور هذه الإمدادات عبر معبر رفح”[81].
وفي ظل الرفض الإسرائيلي لدخول المساعدات إلي قطاع غزة عبر معبر رفح، فقد رفضت السلطات المصرية، السماح للمواطنين الأمريكيين (هناك حوالي ما بين 500 و600 أمريكي في غزة) وغيرهم من الرعايا الأجانب بدخول الأراضي المصرية عبر معبر رفح، وأصرت على أن المعبر الحدودي يجب أن يسهل أيضًا دخول المساعدات الإنسانية لغزة، بحسب ما ذكرت قناة “القاهرة نيوز”، الإخبارية المصرية المحلية[82]. وأكد وزير الخارجية سامح شكري، في 16 أكتوبر 2023، علي أن “الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ للآسف حتى الآن موقفًا يؤتي بإمكانية فتح المعبر من ناحية غزة؛ للسماح بدخول المساعدات أو خروج المواطنين من دول ثالثة”. وأضاف: “أننا على أتم استعداد وكل الأجهزة المصرية على المعبر على أهبة الاستعداد لإدخال المساعدات وخروج مواطني دول ثالثة، وأيضًا عمل المعبر بالوتيرة الطبيعية له لإدخال الاحتياجات الطبية للإخوة الفلسطينيين”. وأعرب شكري عن “الأمل في إنفراجة في هذا الصدد”. وقال إن “مصر تسعى منذ بداية اندلاع الأزمة في غزة أن يكون معبر رفح عاملًا، ويتيح دخول المساعدات الإنسانية التي تم تجميع عدد كبير منها بالعريش”. وأكد أن “مصر تعمل بالتنسيق الكامل مع منظمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر لإدخال المساعدات التي تزداد الحاجة إليها؛ لرفع المعاناة عن المدنيين والشعب الفلسطيني في غزة”[83].
وبالفعل، فُتح معبر رفح، وبدأ بالفعل دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، قادمة من الجانب المصري للمعبر. ودخلت أول قافلة مساعدات إنسانية إلى غزة منذ بداية الحرب، في 21 أكتوبر، وتتضمن 20 شاحنة محملة بأدوية ومستلزمات طبية وكمية محدودة من المواد الغذائية، على أن تتولى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) توزيعها. وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن المساعدات الإغاثية التي وصلت القطاع عبر معبر رفح البري تشكل فقط 3 بالمئة مما كان يدخل قبل الحرب. حيث كان يدخل القطاع قبل بداية العدوان الإسرائيلي نحو 600 شاحنة تقريبًا. كما أكدت علي أن “استثناء إدخال الوقود ضمن المساعدات الإنسانية سيبقي الخطر قائمًا على حياة المرضى والجرحى واستمرار الخدمات المنقذة للحياة”[84].
إضافة إلي ذلك، فقد شهدت قوافل المساعدات الإنسانية المقدمة إلى قطاع غزة، تغيرًا في طريقة دخولها من الجانب المصري إلى القطاع، إذ أجبرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مصر، على إدخال المساعدات من خارج معبر رفح، عبر الطريق الالتفافي الخاص بالقوات العسكرية المصرية المجاور للمعبر. ويؤدي هذا المسار إلى الطريق الدولي الفاصل بين مصر وقطاع غزة في اتجاه معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي، وذلك بهدف السماح لقوات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته بتفتيش الشاحنات والمساعدات المقدمة إلى غزة[85].
وفي ضوء ذلك، فقد تم توجيه الانتقادات للسيسي لعدم قدرته علي إدخال المساعدات عبر معبر رفح الذي يقع تحت السيادة المصرية، إلا بعد موافقة أمريكية وإسرائيلية، وهو ما يمس بسيادة مصر وهيبتها[86]. كما توجيه الانتقادات لتقاعس النظام المصري عن مجرد استقبال الأعداد المطلوبة من مصابي القطاع، وهم بالآلاف، والاكتفاء بأعداد رمزية، لإكمال إطباق الحصار من الجهتين، إرسالًا واستقبالًا[87]. ووصلت الانتقادات إلي حد اتهام القاهرة بالتورط في الخطة الإسرائيلية الأمريكية لإحكام الحصار علي القطاع[88].
وقارنت العديد من التقارير بين الموقف الرسمي المصري في التعامل مع العدوان الحالي، ومع استخدام المعبر لإدخال المساعدات بما حدث إبان العدوان الإسرائيلي في 2012. حين قرر الرئيس الراحل محمد مرسي (رحمه الله) فتح المعبر لدخول المساعدات بقرار أحادي لم يستأذن فيه السلطات الإسرائيلية، أو حتى الأمم المتحدة، بل إنه أرسل رئيس وزرائه هشام قنديل، ووفدًا رفيعًا إلى غزة أثناء العدوان، بعد أن أطلق صيحته الشهيرة “لن نترك غزة وحدها”، وهو ما دفع الولايات المتحدة للمسارعة بممارسة أكبر قدر من الضغوط على السلطات الإسرائيلية لوقف العدوان فورًا[89].
كما تم المقارنة بين موقف السيسي وموقف الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث قام نظام السيسي بتدمير الإنفاق التي كانت تمتد علي حدود مصر وغزة، والتي كانت تسمح بمرور حوالي 30% من البضائع التي تدخل غزة، كما شيد جدران خرسانية بطول الحدود، واستخدم أحواض مياه لإغراق الإنفاق ومنع حفرها مرة ثانية، قبل أن يصدر قانونًا يغلظ عقوبة حفر الأنفاق الحدودية. وذلك علي عكس نظام مبارك الذي رفض إغلاق هذه الإنفاق مفضلًا استخدامها كورقة ضغط في تعامله مع الاحتلال وكذلك حركة حماس[90].
ختامًا؛ مستقبل الدور المصري في قطاع غزة عقب العدوان الإسرائيلي الحالي؛ أصدر “معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” في جامعة تل أبيب تقريرًا مفصلًا بعنوان “إسرائيل ومصر في اليوم التالي للحرب: كيف يمكن سد الفجوات؟” يتناول العلاقات بين الجانبين خلال الحرب وتوصيات بشأن تعزيز هذه العلاقة في “اليوم التالي للحرب”.
يؤكد التقرير أن تحليل مواقف مصر خلال الحرب الدائرة على قطاع غزة يشير إلى أنها لا توافق على معظم الأفكار المطروحة في إسرائيل في ما يتعلق بشكل الحكم الإداري والأمني المستقبلي في قطاع غزة، بما في ذلك طروحات حكم برعاية قوات دولية كالناتو أو الأمم المتحدة؛ حكم برعاية القوى العربية؛ تشكيل حكومة تكنوقراط؛ أو عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة بدون موافقة الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس. كما أن مصر غير راغبة وليست مستعدة – في ظل الظروف الحالية – لتولي مهمة حفظ الأمن في القطاع بعد الحرب، أو المراقبة الأمنية أو الانضمام لقوات دولية متعددة الجنسيات تقوم بهذه المهمة. وتذهب مصر أبعد من ذلك؛ إذ أنها لا تؤيد بقاء إسرائيل في نهاية الحرب في القطاع وكذلك تصور هزيمة حماس ونقل مسؤولية قطاع غزة لقوى إقليمية ودولية لمدة غير محددة، بالإضافة إلى أنها لا توافق على تواجد إسرائيلي في المنطقة بعد الحرب بأي شكل يتراوح بين الاحتلال الكامل إلى إنشاء حزام أمني أو منطقة عازلة داخل حدود القطاع رغم رفضها لاستخدام القطاع كقاعدة “إرهابية” من قبل حماس.
يشير التقرير إلى أن جملة من العوامل تقف خلف الموقف المصري المعارض تتمثل في التالي؛ من ناحية هناك الشكوك المصرية في قدرة إسرائيل على إلحاق هزيمة ساحقة بحماس لا تستطيع أن تتعافى منها بشكل يخلق واقعًا مستقرًا وآمنًا في قطاع غزة وعلى طول الحدود المصرية؛ من ناحية ثانية التخوف من أن يتحول أي وجود إسرائيلي أو أجنبي مؤقت ولفترة غير محددة زمنيًا إلى وجود دائم؛ من ناحية ثالثة هناك اعتقاد لدى مصر بأن إخراج قطاع غزة من القضية الفلسطينية والفصل بين حل الأزمة فيه وحل القضية الفلسطينية بشكل شامل لن يكون عادلًا بعين الفلسطينيين وبالتالي لن يحظى بأي دعم فلسطيني واسع ويخلق استقرارًا طويل الأمد؛ من ناحية رابعة ثمة التخوف المصري من أن تعمل حماس على تقويض شرعية أي حكومة أو إدارة فلسطينية بديلة يتم استبعادها منها.
يشير التقرير إلى أنه في مقابل الرؤى والتصورات الإسرائيلية لمستقبل القطاع، تعمل مصر على صياغة خطة فلسطينية- عربية- إقليمية مضادة، من شأنها إحباط مساعي إسرائيل لفصل “قضية غزة” عن الحل الجذري للقضية الفلسطينية. وتتضمن الخطة المصرية لليوم التالي للحرب خطوطًا عامة، وهي على النحو التالي بحسب التقرير:
- تشكيل حكومة فلسطينية موحدة ومتفق عليها بشكل فوري في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون تابعة للسلطة الفلسطينية، هذا الأمر لن يقضي على حماس بشكل كامل، ولكنه سيقلص من سلطاتها بصورة كبيرة، كما أنه سيحظى بدعم الدول العربية.
- تقديم مساعدات مادية خارجية للسلطة الفلسطينية من أجل إعادة إعمار غزة وتحقيق الإجماع الفلسطيني حولها، بما يسمح لها بتولي الحكم في قطاع غزة والحفاظ عليه بشكل فعال.
- استئناف عملية السلام، مع خلق أفق سياسي ملموس ومحدد زمنيًا لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ومبدأ حل الدولتين.
- السعي لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح بضمان قوى خارجية مثل قوات حلف شمال الأطلسي أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو قوات أميركية.
علاوة على ذلك، يؤكد التقرير أن مصر ما زالت مهتمة في هذه المرحلة بلعب دور مماثل لدورها السابق للحرب: الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين؛ الوساطة بين حماس وفتح؛ المشاركة في عملية إعادة الإعمار؛ والإشراف على المعابر على الحدود بين غزة وسيناء في أبعادها الإنسانية والاقتصادية والأمنية.
بحسب التقرير، فإن هناك العديد من المصالح المشتركة بين إسرائيل ومصر على الرغم من الخلافات والتباينات حول “اليوم التالي للحرب”، وهي على النحو التالي: إضعاف حماس وتجريد القطاع من قدراته العسكرية؛ إقامة حكومة مستقرة في قطاع غزة ومنع الفوضى التي قد تحوله لقاعدة تصدير “الإرهاب” ضد إسرائيل ومصر؛ تثبيت مصر كوسيط أساسي ولاعب مركزي في استقرار الواقع المستقبلي في القطاع؛ كبح قوة محور المقاومة “الراديكالي” في الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، يؤكد التقرير أن هناك مصلحة مشتركة بين مصر وإسرائيل في الاستفادة من الظروف التي خلقتها الحرب الحالية لتحسين الوضع الاقتصادي في مصر وتعزيز الاستقرار، وهذا الأمر لا بد من التركيز عليه نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر (فقدان الجنيه نصف قيمته أمام الدولار؛ معدل التضخم حطم الأرقام القياسية؛ حجم الديون غير المسبوق؛ وأكثر من نصف سكان مصر باتوا قريبين من خط الفقر أو تحت خط الفقر)، بالإضافة إلى أزمة الديون التي تعد مركزية في أزمة الاقتصاد المصري.
ومن أجل تحقيق ذلك لا بد لإسرائيل من أن تتحرك في اتجاهات مختلفة:
أولًا: إقناع مصر بأن إسرائيل مصممة على “القضاء على حركة حماس” والحيلولة دون أن تكون معيقًا لأي استقرار في “الواقع البديل” مستقبلًا في القطاع، وأن إسرائيل تمتلك القدرة لتحقيق ذلك؛
ثانيًا: من الأفضل لإسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار الموقف المصري بأن تصبح السلطة الفلسطينية هي الهيئة الحاكمة في قطاع غزة بعد الحرب، وحتى وإن لم يكن دخولها إلى القطاع فوريًا وغير مشروطًا فلا بد من وضع إطار عام يشمل جدولًا زمنيًا لضمان عودتها بشكل مسبق مع تقديم ضمانات بأن الترتيبات المؤقتة لن تتحول إلى دائمة؛
ثالثًا: يتعين على إسرائيل أن تسعى جاهدة لخلق أفق سياسي لاستئناف عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية عندما تسمح الظروف بذلك؛
رابعًا: يتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يخرج بصوته وينفي “المؤامرة المنسوبة لإسرائيل” بأنها تنوي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وإزالة هذه الفكرة من جدول الأعمال.
في المقابل، يؤكد التقرير على أن المطلوب من مصر أن تأخذ “مصالح إسرائيل” بعين الاعتبار خلال استئناف عملية تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على النحو التالي:
أولًا: تشجيع السلطة الفلسطينية على الموافقة على تجريد القطاع من السلاح واتخاذ خطوات تجاه إسرائيل من أجل تعزيز الثقة، مثل “وقف التحريض في وسائل الإعلام”، “إصلاح المناهج الدراسية”، و”وقف دفع الأموال لعائلات الأسرى والشهداء”، وهذه الخطوات ستكون متسقة مع رؤية إدارة جو بايدن لخلق “سلطة فلسطينية متجددة”؛
ثانيًا: إذا كانت مصر تعارض حرية عمل عسكري لإسرائيل في قطاع غزة، فعليها أن تقدم حلولًا بديلة تراعي “المخاوف الأمنية الإسرائيلية”، وأن تساهم في تنفيذ هذه الحلول، بما في ذلك موافقة مصر على قيادة قوات عربية مؤقتة في غزة؛ تعزيز الجهود لوقف عمليات التهريب عبر الحدود مع غزة وضمان تنفيذ الملحق العسكري لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. ويؤكد التقرير أن مصر يمكنها القيام بذلك بالتعاون مع القوى العربية والدولية الفاعلة من أجل ضمان حصولها على دور بناء في “اليوم التالي للحرب” بما يضمن حصولها على حوافز اقتصادية وتعزيز الاستثمارات الأجنبية وتسهيلات حول الديون وغيرها، والهدف من ذلك ليس إبعادها عن مواقفها بقدر ما هو تعزيز لتوسيع تدخلها الأمني والاقتصادي في القطاع بما يضمن احتياجات إسرائيل الاستراتيجية، بدعم دول الخليج والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تسعى إلى الحد من ارتفاع لهيب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتحقيق الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية والأمن في الشرق الأوسط. ويؤكد التقرير أن خطة التحفيز لمصر قد تستلهم من الأفكار الواردة في “صفقة القرن” التي طرحتها إدارة ترامب في العام 2020، ولا بد من أن تشمل هذه الخطة بند الإعفاء من الديون الخارجية كما حصل في أعقاب حرب الخليج تقديرًا لدعمها للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة[91].
[1] “الموقف المصري من العدوان على غزة: خطابان مختلفان وسياسة واحدة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/2igFF
[2] “ماذا وراء قصف معبر رفح؟ إسرائيل تدفع الفلسطينيين لدخول رفح المصرية الخالية من السكان”، مدي مصر، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/sCtAU
[3] “مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. القصة الكاملة لمخطط قديم جديد”، نون بوست، 19/10/2023، الرابط: https://cutt.us/AaBzP
[4] “خط “السيادة”.. أبعاد التهديد على مصر من الصراع بين إسرائيل وغزة”، المرصد المصري، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/O89ju
[5] “”لأسباب إنسانية”.. وزيرة إسرائيلية تدعو لـ”إعادة توطين” سكان غزة في الخارج بدعم مالي دولي”، تي أر تي عربي، 20/11/2023، الرابط: https://cutt.us/UqvxN
[6] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 19/11/2023، الرابط: https://cutt.us/LNPx6
[7] ” الخيارات “الإسرائيلية” المعقدة في قطاع غزة”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 20/11/2023، الرابط: https://cutt.us/gQajp
[8] ” مقابل امتيازات اقتصادية.. دراسة إسرائيلية تقدم خطة لتوطين فلسطينيي غزة في مصر”، الخليج الجديد (مترجم)، 23/10/2023، الرابط: https://cutt.us/nTteT
[9] “خط “السيادة”.. أبعاد التهديد على مصر من الصراع بين إسرائيل وغزة”، مرجع سابق.
[10] “التنازل عن 720 كيلومترًا ووافق عليها مرسي وكانت حلم «ترامب».. ما هي خطة «جيورا آيلاند» لتوطين سكان غزة في سيناء؟|القصة الكاملة”، صدي البلد، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/DlSIF
[11] جمال طه، “سبع نقاط “كاشفة” للمؤامرة علي غزة”، الصفحة الرسمية علي الفيسبوك، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/82p1z
[12] “أميركا تناقش مع إسرائيل ومصر توفير ممر آمن لمدنيي غزة”، سكاي نيوز عربية، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/R1edf
[13] ” أمريكا طالبت بفتح المعبر للنازحين ومصر أدارت الأزمة وحققت حلا أشمل| شاهد”، صدي البلد، 17/10/2023، الرابط: https://cutt.us/5zFc4
[14] “المنعطف الأكثر توترا.. أثر حرب غزة على علاقات مصر وإسرائيل”، الجزيرة نت، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/DDvLV
[15] “بايدن يطلب دعماً من الكونغرس لـ”تهجير الفلسطينيين”.. وثيقة تكشف اعتمادات مالية لدعم لاجئين من غزة”، عربي بوست، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/2T2Ew
[16] ” ماذا وراء غموض موقف بايدن من فكرة تهجير سكان غزة لسيناء؟”، الجزيرة نت، 28/10/2023، الرابط: https://cutt.us/CmrTM
[17] “اقتراح أمريكي جديد لتهجير أهالي غزة إلى 4 دول.. بينها مصر”، عربي21، 29/11/2023، الرابط: https://cutt.us/jGD06
[18] ” ماذا وراء غموض موقف بايدن من فكرة تهجير سكان غزة لسيناء؟”، مرجع سابق.
[19] “كيربي: واشنطن لا تؤيد إعادة احتلال إسرائيل لغزة”، الأناضول، 7/12/2023، الرابط: https://cutt.us/G1x3Y
[20] “التنازل عن 720 كيلومترًا ووافق عليها مرسي وكانت حلم «ترامب».. ما هي خطة «جيورا آيلاند» لتوطين سكان غزة في سيناء؟|القصة الكاملة”،مرجع سابق.
[21] “مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. القصة الكاملة لمخطط قديم جديد”، مرجع سابق.
[22] ” وول ستريت جورنال: مصر تتعرض لضغوط شديدة لاستقبال لاجئين من غزة.. ودول خليجية “أغرتها مالياً””، عربي بوست، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/yIJ4m
[23] “”فايننشال تايمز”: جهود أوروبية مكثفة لاتفاق هجرة مع مصر بسبب الحرب على غزّة”، العربي الجديد، 23/10/2023، الرابط: https://cutt.us/hAxci
[24] “الرئاسة المصرية: نرفض سياسة تهجير الفلسطينيين وأمننا القومي خط أحمر”، القاهرة الإخبارية، 15/10/2023، الرابط: https://cutt.us/3thkB
[25] “السيسي: نقل الفلسطينيين إلى سيناء سيحولها لقاعدة عمليات ضد إسرائيل.. ويمكن «نقلهم إلى صحراء النقب»”، مدي مصر، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Ghb6P
[26] “خلافات بين المشاركين في “قمة القاهرة” تحول دون إصدار بيان ختامي”، عربي21، 21/10/2023، الرابط: https://cutt.us/iEeqQ
[27] “الموقف المصري من العدوان على غزة: خطابان مختلفان وسياسة واحدة”، مرجع سابق.
[28] “سببان.. لهذا تخشى مصر أن تدفع إسرائيل سكان غزة إلى سيناء”، الخليج الجديد، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/qv0Io
[29] ” أسوشيتد برس: مصر رفضت طلبا أمريكيا بتهجير أهالي غزة نحو سيناء”، الخليج الجديد، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/E6EcM
[30] “المنعطف الأكثر توترا.. أثر حرب غزة على علاقات مصر وإسرائيل”، مرجع سابق.
[31] “فورين بوليسي: القاهرة بحاجة للمال وغزة بحاجة لمأوي.. هل يمكن إنجاز صفقة؟”، الخليج الجديد (مترجم)، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/8MzCY
[32] “معبر رفح البري… هل يكون قناة لتهجير سكان غزة؟”، العربي الجديد، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/y6KPl
[33] “مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. القصة الكاملة لمخطط قديم جديد”، مرجع سابق.
[34] “ماذا وراء قصف معبر رفح؟ إسرائيل تدفع الفلسطينيين لدخول رفح المصرية الخالية من السكان”، مرجع سابق.
[35] ” مصر تميل لقبول مشروط لأي نزوح فلسطيني تفرضه إسرائيل”، مدي مصر، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Ilf60
[36] ” طوفان غزة على باب مصر”، مدي مصر، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/nRaLw
[37] “معبر رفح البري… هل يكون قناة لتهجير سكان غزة؟”، مرجع سابق.
[38] ” بالمختصر | أهم حاجة الفلوس.. خطة السيسي للتنازل عن سيناء”، شبكة رصد، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/J4WNR
[39] “مأزق النظام المصري بعد معركة طوفان الأقصى”، عربي بوست، 9/11/2023، الرابط: https://cutt.us/qHIYc
[40] ” طوفان غزة على باب مصر”، مرجع سابق.
[41] ” مصر تميل لقبول مشروط لأي نزوح فلسطيني تفرضه إسرائيل”، مرجع سابق.
[42] “اقتراح مصري بالإشراف على مخيمات إيواء داخل رفح الفلسطينية”، العربي الجديد، 23/10/2023، الرابط: https://cutt.us/rgwhc
[43] ” الجيش الإسرائيلي: دبابة لنا فتحت النار على موقع مصري “عن طريق الخطأ”.. والجيش المصري يعلق”، سي إن إن عربية، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/KKYfB
[44] ” ثانية.. “درون” تضرب سيناء والقاهرة تفتح تحقيقاً”، العربية نت، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Ae3h4
[45] “فيديو لشرطي مصري يطلق النار على إسرائيليين.. ويقتل 3″، العربية نت، 8/10/2023، الرابط: https://cutt.us/tOoT7
[46] “الجيش المصري يعلن مقتل جندي اجتاز الحدود مع إسرائيل خلال مطاردة مهربي مخدرات”، سي إن إن عربية، 3/6/2023، الرابط: https://cutt.us/QoXJx
[47] “هل لغزة مكان في انتخابات الرئاسة المصرية؟”، مصر360، 15/10/2023، الرابط: https://cutt.us/15Uq4
[48] “مصر والعدوان على غزة.. تضامن شعبي واسع وتخاذل رسمي مخزٍ”، نون بوست، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/uFAEm
[49] المرجع السابق.
[50] “المقاطعة الشعبية.. المستهلك يحمل سلاحه”، مدي مصر، 30/11/2023، الرابط: https://cutt.us/mxVYV
[51] “غزة تُباد بكل معنى الكلمة.. متى يتحرك المصريون؟”، نون بوست، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/1Y3TY
[52] “لماذا تهاجم بعض أبواق السلطة المقاطعة؟”، منتدي العاصمة، 25/11/2023، الرابط: https://cutt.us/9JZ9L
[53] “أكسيوس: ضغوط من الكونجرس على مصر للتجاوب مع تهجير أهالي شمالي غزة”، الخليج الجديد (مترجم)، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/7TVM3
[54] “الظاهر والباطن في الموقف المصري تجاه المقاومة”، عربي21، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/rjsRH
[55] ” WP: بلينكن واجه مقاومة في محاولة إقناع مصر والسعودية لإدانة “حماس””، عربي21، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/5Qcl5
[56] “تواطؤ مع المعتدي.. كيف يستفيد السيسي من العدوان الإسرائيلي على غزة؟”، نون بوست، 28/10/2023، الرابط: https://cutt.us/pw0BN
[57] “المعارضون المصريون ضحية أخرى لحرب غزة.. تجاهل أمريكي لوضعهم لصالح إسرائيل”، الخليج الجديد (مترجم)، 3/11/2023، الرابط: https://cutt.us/9Pr0a
[58] “تواطؤ مع المعتدي.. كيف يستفيد السيسي من العدوان الإسرائيلي على غزة؟”، مرجع سابق.
[59] “الموقف المصري من العدوان على غزة: خطابان مختلفان وسياسة واحدة”، مرجع سابق.
[60] “فشل قمة القاهرة للسلام.. ماذا بعد أن ألقى العرب بآخر أوراقهم؟”، نون بوست، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/T5P81
[61] ” طوفان غزة على باب مصر”، مرجع سابق.
[62] “كيف نقرأ الدور المصري بعد طوفان الأقصى؟”، منتدي العاصمة، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/dbG1b
[63] “وقف إطلاق نار إنساني جنوب غزة.. صحيفة عبرية تكشف التفاصيل”، الخليج الجديد، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/rJX4A
[64] “في لقائه مع بلينكن: السيسي يعلن موقفه من هجوم حماس ويتحدث عن رد الفعل الإسرائيلي”، الحرة، 15/10/2023، الرابط: https://cutt.us/9jk1t
[65] ” تصفية المقاومة واستسلام غزة.. خدمات السيسي لـ”إسرائيل” لا تتوقف”، نون بوست، 19/10/2023، الرابط: https://cutt.us/hX4G1
[66] “دولة فلسطينية منزوعة السلاح.. حلحلة للقضية أم إنهاؤها رسميًا؟”، نون بوست، 26/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Zaetb
[67] “الظاهر والباطن في الموقف المصري تجاه المقاومة”، مرجع سابق.
[68] “مأزق النظام المصري بعد معركة طوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[69] المرجع السابق.
[70] “كراهية الأنظمة العربية لحركة “حماس””، عربي21، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Nq6hS
[71] ” أيُّ موجة إسلامٍ سياسي بعد الحرب؟”، العربي الجديد، 5/12/2023، الرابط: https://cutt.us/QRa1X
[72] “من التجارة إلى الغاز والسياحة.. حرب إسرائيل على غزة تطال اقتصاد مصر”، الجزيرة نت، 22/1/2023، الرابط: https://cutt.us/t3qnH
[73] “المنعطف الأكثر توترا.. أثر حرب غزة على علاقات مصر وإسرائيل”، الجزيرة نت، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/DDvLV
[74] ” غاز الاحتلال وأوراق الضغط على مصر والأردن”، العربي الجديد، 27/11/2023، الرابط: https://cutt.us/VOEXm
[75] “من التجارة إلى الغاز والسياحة.. حرب إسرائيل على غزة تطال اقتصاد مصر”، مرجع سابق.
[76] “هل يهدد “طوفان الأقصى” خططا واتفاقيات إسرائيلية كانت تستهدف مصر؟”، عربي21، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/W6JZG
[77] “من التجارة إلى الغاز والسياحة.. حرب إسرائيل على غزة تطال اقتصاد مصر”، مرجع سابق.
[78] “قناة السويس..مخاطر الحرب وتهديدات الحوثي”، الخليج الجديد، 5/12/2023، الرابط: https://cutt.us/fLwVK
[79] ” مصر تميل لقبول مشروط لأي نزوح فلسطيني تفرضه إسرائيل”، مرجع سابق.
[80] “هددت بقصف مساعدات القاهرة وتهجير الفلسطينيين.. لماذا يمثل إغلاق معبر رفح كارثة لمصر وغزة معاً؟”، عربي بوست، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/q7jC0
[81] “طوفان الأقصى: المواقف العربية الرسمية والشعبية”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/YJesU
[82] ” مصر تضع شرطا لخروج المواطنين الأمريكيين والأجانب من غزة عبر معبر رفح”، سي إن إن عربية، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/f8Jx6
[83] “مصر تعلن عدم موافقة إسرائيل على فتح معبر رفح من ناحية غزة”، القدس العربي، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/YN0Vf
[84] “”صحة غزة”: وصول 3 بالمئة مما كان يدخل قبل الحرب من المساعدات”، وكالة الأناضول، 21/10/2023، الرابط: https://cutt.us/EiR3H
[85] “مدعي عام الجنائية الدولية من معبر رفح: عرقلة إمدادات الإغاثة لسكان غزة قد تشكل جريمة”، العربي الجديد، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eKYXk
[86] ” إسرائيل: المساعدات التي تدخل غزة ستذهب إلى الجنوب… ولن يُسمح بدخول وقود”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 21/10/2023، الرابط: https://cutt.us/91XHJ
[87] ” من “سيف القدس” إلى “طوفان الأقصى”: مصر ترجع إلى الوراء”، منتدي العاصمة، 27/11/2023، الرابط: https://cutt.us/aNbPi
[88] ” الحياة والموت أمام معبر رفح!”، القدس العربي، 20/10/2023، الرابط: https://cutt.us/IjvOl
[89] ” وفي معبر رفح يُفتقد البدر”، عربي21، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Jxz4e
[90] “السيسي وأنفاق غزة”، شبكة رصد، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/UPnFL
[91] ” تقرير إسرائيلي: الحرب ضد غزة قد تؤدي إلى ضعضعة العلاقة الإسرائيلية- المصرية والمسّ باستقرارها”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 2/12/2023، الرابط: https://cutt.us/FEFWd