هروب المستثمرين من مصر: أسباب ودلالات

بشهادات عالمية عدة، وقرائن دامغة، ليست خافية على المراقب لاقتصاد مصر وحركتها الاجتماعية والاقتصادية…لم تعد مصر واجهة استثمارية سواء لمستثمرين أجانب أو حتى محليين، بل أصبحت طاردة للجميع حتى رجال الأعمال المقربين من نظام عبدالفتاح السيسي، قرروا أيضًا الخروج من مصر بحيل «غير معتادة» رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد والتي تتطلب استمرارهم للبناء عليهم.

وذلك على الرغم من دأب السيسي، ووزراء حكومته على التأكيد على أن مصر ترحب بمشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، والإعلان عن تسهيلات هائلة للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب لحثهم على الدخول والتوسع في السوق المصرية.

إلا أن رسائل وقرارات نظام السيسي، لم يكن لها صدى نهائيًا لدى أصحاب رؤوس الأموال بل إنها قوبلت بقرارات وتحركات سلبية، فأعلن وزير المالية المصري، محمد معيط، خروج 90% من الاستثمارات الأجنبية من البلاد، علاوة على إعلان رجال أعمال مصريين وقف استثماراتهم، أو مغادرة السوق المصري.

الظاهرة المتزايدة بنصر، يمكن قراءتها في ضوء قرار ناصيف ساويرس ومن قبله نجيب ساويرس ومستثمرون آخرون..

أولا:ساويرس يصدم المصريين ذاهبا إلى الإمارات:

وفي خطوة  ليست مفاجئة، قرر الملياردير الأغنى في مصر ناصف ساويرس نقل مكتب الاستثمار العائلي الخاص به، والمعروف بـ”مجموعة NNS” والذي يمثل امبراطوريته المالية والاستثمارية، إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، فيما وصفت شبكة “بلومبرج” العملية بأنها استمرار لـ”هجرة المليارديرات” إلى الإمارات.

وقالت الشركة ، في 4 ديسمبر الجاري ، إن مجموعة “NNS” تهدف من هناك إلى بناء حصص كبيرة في عدد كبير من الشركات، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية.

وقال ناصف ساويرس، في بيان: يسعدني أن أعلن عن التزامنا طويل الأمد تجاه الإمارات وسوق أبوظبي العالمي على وجه الخصوص.. أهمية الإمارات بالنسبة للنظام المالي العالمي تجعل NNS تعتقد أن نقل أنشطتها الرئيسية للإمارات سيساهم في مواصلة تطوير ونمو محفظتها وأنشطتها الأساسية.

..وإلى السعودية:

وسبق ذلك،  إعلان رئيس شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، سميح ساويرس، عدم الدخول في استثمارات جديدة في مصر بسبب الأوضاع والقرارات الاقتصادية الحالية، وصعوبة دراسة ربحية المشروع إثر أزمة صرف العملة.

وأضاف ساويرس، أنه بدأ بالفعل التفاوض بشأن تنفيذ العديد من المشاريع في المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن المملكة تشهد حاليًا ثورة على جميع المقاييس، وأن فرص الاستثمار بها سواعدة في ظل ما تقدمه من تسهيلات.

…وإلى البرتغال:

وكذلك  استحوذ رجل الأعمال ناصف ساويرس، على 46% من أسهم الشركة الرياضية التابعة لأحد الأندية البرتغالية.

وأعلن نادي فيتوريا جيماريش البرتغالي، عبر موقعه الرسمي، عن استحواذ ساويرس على نسبة كبيرة من أسهم الشركة الرياضية التابعة للنادي، مشيرًا إلى أن الصفقة تمت مقابل 5.5 مليون يورو.

ويعد ساويرس أغنى رجل في مصر، حيث تبلغ ثروته الصافية حوالي 7.6 مليار دولار، وفقا لمؤشر “بلومبرج” للمليارديرات.

وتتنوع استثمارات ناصف ساويرس، حيث استثمر في شركة Adidas AG الألمانية لصناعة السلع الرياضية وكذلك في نادي كرة القدم الإنجليزي أستون فيلا، وفقاً لما ذكرته “بلومبرج”.

ويأتي قرار ناصيف ساويرس، ضمن سلسلة متواصلة من هجرة المستثمرين والأموال إلى خارج مصر…

ثانيا:قلق وترقب بالأسواق بعد قرار ناصيف ساويرس:

وقد أثار القرار مخاوف جمة في الوسط الاقتصادي والاوساط المالية فى مصر، إذ يعد “ساويرس” من أكبر الكيانات الاقتصادية بمصر..وأمام الاضطراب الكبير الذي حدث بالسوق المصري، وخشية من بطش السلطات بأموال  آل ساويرس، حاول نجيب ساويرس الشقيق الأصغر لناصيف تلطيف الأجواء، بتصريحات اعلامية لقناة العربية”، بأن شقيقه نقل مكتبه فقط من لندن إلى دبي، وأن أعماله ومشاريعه قائمة بالقاهرة، مشيرا إلى أن ناصيف  يقيم خارج مصر منذ نحو 10 سنوات…

وفي وقت سابق رد رجل الأعمال، سميح ساويرس رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم القابضة للتنمية، على أنباء خروج استثمارات العائلة من مصر وأكد إن كل مشروعات آل ساويرس في مصر مستمرة دون توقف.

إلا أن  سميح ساويرس عاد وأكد في بيان له ضرورة إنهاء تعدد أسعار الصرف لضمان استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مشددا على خطورة تأثير سعر صرف الدولار سلبا على الاستثمار فى مصر..وذلك في إشارة إلى فوضى أسعار  صرف العملات الأجنبية بمصر، حيث تربط الحكومة سعر الدولار بالبنوك عند نحو 31 جنيه للدولار، فيما يصل سعره في السوق الموازية إلى أكثر من 52 جنيها للدولار، بل يسعر كل أصحاب سلعة ومهنة الدولار بسعر معين،  يختلف عن الآخر، كما بين أصحاب شركات السيارات والذهب والأغذية والمستوردين…الخ.

ثالثا:  ساويرس ليس أول الهاربين:

ومع إعلان ناصيف ساويرس نقل مكتبه إلى أبوظبي، تثور الكثير من التساؤلات ، حول وهنا تُطرح تساؤلات حول ما هي الأسباب التي تؤدي إلى هروب الاستثمارات من مصر إلى خارجها؟ وإلى متى ستظل البيئة الاقتصادية في مصر طاردة للاستثمار؟، وهل ما يحدث هروب أم بحث عن استثمارات جديدة؟

وعلى مدار سنوات، وتحديدًا منذ تحرير سعر العملة الوطنية، اتجه الكثير من كبار رجال الأعمال المصريين والشركات الكبرى إلى الاستثمار خارج مصر وبالأحرى في دول الخليج، وهو ما يعني هروب رؤوس الأموال المصرية، وأيضًا يؤكد نظرية أن رأس المال «جبان»، أي أنه عندما لا تتوافر البيئة الاقتصادية المناسبة يهرب بعيدًا…ومن نماذج الهروب الواضحة بمصر:

1-انتقال “بلتون” القابضة للأردن:

ومؤخرا، كشفت “«بلومبيرج” أن مؤسسة «بلتون المالية القابضة» والتي تعد إحدى المؤسسات المالية الكبرى في مصر تدرس دخول سوق التمويل الاستهلاكي في الأردن  من خلال شركتها التابعة لها “سفن”..

يُذكر أن «بلتون» تأسست كشركة مساهمة مصرية في مايو 2006، وأُدرجَت أسهمها في البورصة المصرية في أبريل 2008، ورفع رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة حصته بها، ولديها سيولة وفيرة قدرت بنحو 10 مليارات جنيه، ستنفق منها 1.1 مليار جنيه على شراء مبنى إداري جديد لها في القاهرة الجديدة بالتقسيط.

وكانت «بلتون» استحوذت على شركة «كاش» للتمويل متناهي الصغر بنحو 120 مليون جنيه، وعلى حصة تبلغ 20% من شركة «أريكا» الناشئة المتخصصة بصناعة وبيع مفروشات المنازل ومستلزمات الديكور.

وتتبع «بلتون» أيضا 18 شركة متخصصة في نشاطات الاستثمار، وإدارة الأصول، والأوراق المالية، وتغطية الاكتتابات،  وأظهرت القوائم المالية المستقلة لشركة «بلتون» تكبدها خسائر بقيمة 71.37 مليون جنيه خلال الثلاث أشهر الأولي من العام الحالي، مقابل صافي خسائر بقيمة 18.93 مليون جنيه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

وذلك على خلفية عدم الاستقرار الاقتصادي بمصر، وتفاقم أزمة العملة وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية بالسوق المصري..

2-هروب”شركة  فاليو ” إلى الأردن:

وكذلك  أعلنت «فاليو» التابعة لمجموعة «إي إف جي القابضة»، أكبر مؤسسة في سوق التمويل الاستهلاكي في مصر، عن سعيها للدخول إلى السوق الأردنية قبل نهاية العام الجاري.

3- رجل الأعمال محمد  منصور ينسحب للخارج:

وكانت عدة تقارير غربية وأمريكية ، قد  كشفت عن توصل رجل الأعمال المصري، وصاحب توكيل شيفرولية مصر، محمد منصور، لاتفاق لشراء نادي في الدوري الأمريكي انطلاقًا من عام 2025، بقيمة نصف مليار دولار.

وأضافت التقارير، أن منصور كسر بذلك الرقم القياسي للمبلغ المدفوع للحصول على حقوق إنشاء نادٍ واشراكه في الدوري الأمريكي، مشيرةً إلى أن أعلى مبلغ للإنشاء مسبقًا بالدوري كان لنادي شارلوت في عام 2019، والذي بلغ 325 مليون دولار أمريكي.

4-هروب أبناء فريد خميس:

وكان الهروب الفج لـ ياسمين وفريدة خميس، ورثة رجل الأعمال المصري الراحل، محمد فريد خميس، فكشف إفصاح صادر عن البورصة المصرية أن ياسمين وفريدة نقلا حصتها البالغة 24.61% في شركة النساجون الشرقيون إلى شركة إنجليزية تحمل اسم FYK LIMITED بقيمة 52.62 مليون دولار.

بيان شركة النساجون الشرقيون، في شهر يناير الماضي، أشار لاحقًا إلى أن فريدة وياسمين هما المالكين للشركة الإنجليزية الجديدة، والموجودة في مدينة مانشستر بنسبة 100%، تنهال الانتقادات عليهم من اقتصاديين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى تخليهم عن البلاد في أزمتها.

5-هروب نجيب ساويرس:

ونجيب ساويرس، أحد أبرز رجال الأعمال الساخطين على النظام المصري وفتح المجال للشركات العسكرية لابتلاع السوق المصري، وهو ما  أثار جدلا في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، بعد انتقاده تدخل الجيش في الحياة الاقتصادية والبيئة الاستثمارية في مصر، ودعا إلى خروجه من ذلك المجال، ما أثار عاصفة هجوم ضده من مؤيدي نظام عبدالفتاح السيسي.

وكان نجيب ساويرس قد انتقد سياسات السيسي عدة مرات، أخرها وصفه الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنها غير حقيقية..

وسبق نجيب ساويرس الكثير من رجال الأعمال  في الخروج منذ نحو عقد تقريبًا، بإعلانه أولًا تحويل نصف ثروته إلى ذهب، قبل أن يتخلى أو يخفض استثماراته في مصر، ليرجع الجميع الأسباب إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والاستثمارية في البلاد.

وبنى ساويرس  واحدة من أغنى العائلات في مصر، ثروته من الاستثمار في مجال الاتصالات حيث كان يملك شبكات الهواتف الجوالة في دول مثل بنغلاديش والعراق وباكستان. وحصل على رخصة الاتصالات العاملة الوحيدة في كوريا الشمالية.

6-انتقال شركة بيراميدز للإطارات للسعودية:

كما  بدأت شركة «بيراميدز» للإطارات، مؤخرا،  في إنشاء أول مجمع صناعي لصناعة إطارات النقل والملاكي على مساحة 350 ألف متر في السعودية مطلع شهر مايو 20023 ، عقب تلقيها عروضا بحوافز استثمارية كبرى، بعد عدم الاستجابة لمطالب وشكاوى مستثمريها بشأن عدم وجود حوافز تمكنها من الاستمرار في السوق المصرية وتوسيع استثماراتها.

7-هروب الأموال الساخنة:

كما تعد مصر من أكثر الدول التي تدفع أعلى سعر فائدة في العالم للاقتراض ورغم ذلك فإن ما تسمى بالأموال الأجنبية الساخنة تهرب خارج مصر.

وحسب تقرير صادر عن “مشروع حلول للسياسات البديلة” التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة فإن مصر تدفع أعلى سعر فائدة في العالم للاقتراض واستبقاء الأموال الساخنة بسبب الاعتماد المتنامي على الديون قصيرة الأجل – التي ازدادت نسبتها إلى إجمالي الدَّين الخارجي من 7% في 2013 إلى أكثر من 17% في 2021 – وسط واقع اقتصادي هش.

وما يعزز من هشاشة الوضع وفق ذات التقرير اعتماد مصر المتزايد على الديون قصيرة الأجل، عبر شراء الأجانب الأوراق المالية الحكومية في صورة سندات بأسعار فائدة مرتفعة، وهي بطبيعتها أموال سريعة الحركة شديدة التأثر بالأوضاع العالمية، ولذا تسمى بالأموال الساخنة – والتي خرج منها حوالي 22 مليار دولار من مصر بشكل مفاجئ في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية – والتي مع رفع أسعار الفائدة الأمريكية في 2022، شكَّلتا ضغطًا كبيرًا على الموارد الدولارية المحدودة.

وسجلت عقود مقايضة مخاطر التخلف عن السداد في مصر، التي يتم استخدامها للتأمين ضد مخاطر عدم السداد أكبر نسبة صعود على مستوى العالم في مارس 2023، بعد الإكوادور، مُظهرةً تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في السندات المصرية.

وتوسعت مصر  خلال السنوات العشر الأخيرة في الاقتراض الخارجي بزيادة بلغت نحو 277%، وتحتل حاليًّا مرتبة ثاني أكبر عميل لصندوق النقد بعد الأرجنتين، الدولة الاكثر اقتراضًا من الصندوق.

وأظهرت بيانات حكومية تزايد الدَّين الخارجي المصري ووصوله إلى مستوًى تاريخي مسجلًا 162.9 مليار دولار نهاية ديسمبر 2022، مقابل 145.5 مليار دولار نهاية عام 2021، أي بزيادة نحو 17.4 مليار دولار وبنسبة 11.9% في عام واحد فقط.

ومع صعود الفائدة التي أقرها البنك  الفيدرالي الأمريكي  في  العام الماضي، تسارعت وتيرة هروب الاستثمارات والأموال الساخنة من مصر  تزيد عن 22 مليار دولار…

رابعا: أسباب ظاهرة هروب المستثمرين من مصر:

والظاهرة العديد من الأسباب، الاقتصادية والسياسية والإدارية ، ومنها:

-تعويم الجنيه والتضخم الاقتصادي:

ومع تصاعد العجز المالي بمصر وزيادة الديون وفوائدها ، وتعثر التمويل وشح الدولار،  لجأت الحكومة لنحو 4 مرات من التعويم للجنيه، ما بين المعلن والواقعي والمرتقب…

ووفق تقرير مؤسسة “فيتش ريتنجز” الصادر مؤخرا، فإن قدرة البنك المركزي المصري على استعادة سعر الصرف والمصداقية النقدية باتت “غير مؤكدة”، فيما أشارت إلى احتمالات تفاقم أزمات المصريين.

وقالت إن تعويم الجنيه المصري، دون إعادة بناء الثقة وتوفير السيولة الأجنبية في السوق الرسمية، قد يصاحبه تجاوز كبير لأسعار الفائدة والتضخم على حساب استقرار الاقتصاد الكلي والاجتماعي والمالية العامة، لافتة إلى أن التأخير سيؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.

إلى ذلك، يتزامن تخفيض ‏وكالة “فيتش” تصنيف مصر الائتماني من (B إلى –B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، مع رفع الحكومة المصرية سعر البنزين للمرة الثانية العام الجاري، وبنسبة 14.3 بالمئة، في زيادة هي الـ15 لسعر الوقود في 4 سنوات.، مع احتمالات زيادة جديدة في يناير 2024..

ويعاني المصريون من تفاقم مفرط في أسعار جميع السلع، ما يكشف عنه وصول معدلات التضخم إلى نسب تاريخية قياسية تعدت 40 % لكامل الجمهورية على أساس سنوي في سبتمبر الماضي.

وتظل الحكومة المصرية وفق مراقبين، عاجزة عن حل أزمة المصريين مع الغلاء، ومع أزمة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري، الذي تراجع مقابل العملات الأجنبية 3 مرات منذ الربع الأول من 2022، حيث يفقد الجنيه نحو نصف قيمته، فيما يبلغ سعر صرف الجنيه رسميا نحو 31 أمام الدولار، ما يقابله بالسوق الموازية نحو 46 جنيها.

وتفاقم تلك الأزمات، زيادة عدم الاستقرار والمخاطر الأمنية في مصر، إثر  قرب مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس، والتدفق المحتمل للاجئين…

“فيتش ريتنجز” التي كانت قد خفضت في مايو الماضي، تصنيف مصر الائتماني طويل الأجل إلى “B” من “+B”، بنظرة مستقبلية سلبية، يأتي خفضها الجديد بعد سلسلة تخفيضات دولية أخرى.

وخفضت وكالة “موديز انفستورز سرفيس” تصنيف إصدارات الحكومة المصرية طويلة الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية إلى “Caa1” من “B3″، في أيلول/ سبتمبر الماضي، فيما خفضت “ستاندرد أند بورز” العالمية تصنيفها الائتماني لديون مصر السيادية طويلة الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية إلى “-B” من “B”، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ويمثل تقليل تصنيف مصر يعكس حقيقة مهمة جدا وهي أنها لم تستطع التغلب على مشاكل سعر الصرف للعملات الأجنبية وخاصة الدولار، وأن الأمر في سبيله إلى التفاقم.

وأن هذا الأمر في الحقيقة ارتبطت ارتباطا شديدا بأن عوائد مصر من النقد الأجنبي والتي كانت قائمة على الاقتراض –في عهد السيسي- لم تعد كما كانت في السابق، والأمر الآن أصبح شديد السوء بالنسبة للحكومة المصرية..

2-أزمة  عجز في التمويل:

وتواجه مصر أزمة تمويل حادة منذ هروب نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد منذ مارس 2022، بجانب تراجع الدعم الخليجي لعبد الفتاح السيسي، الذي وضعت سياساته البلاد في أزمة ديون خارجية وصلت نحو 165 مليار دولار، فيما تضغط آجال الديون وفوائدها على الموازنة العامة للبلاد.

وكشفت مؤسسة “فيتش” عن ارتفاع كبير في استحقاقات الديون الخارجية المصرية، من 4.3 مليار دولار في السنة المالية 2023، إلى 8.8 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في  يونيو 2024، و9.2 مليار دولار في العام المالي 2025.

3-البيروقراطية الحكومية:

ووفق جلسة حوار نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية،  حول أزمة المطورين الصناعيين في مصر ، عقدت ضمن برنامج الحوار الوطني، في مايو الماضي، عن خطورة مستقبل الاستثمار، في ظل هيمنة البيروقراطية وجماعات الفساد الإداري، على سلطة تنفيذ القوانين، والقرارات التي تصدرها الدولة والحكومة، بما يحول دون تحويلها إلى أرض الواقع، تدفع إلى زيادة تكاليف المشروعات، وتعطيل تسليم الأراضي بالمناطق الصناعية.

وتتفرق جهات الرقابة على الاستثمارات، على نحو 20 جهة رقابية، تتولى الإشراف على المناطق الصناعية. ويدس البيروقراطيون أنوفهم في كتابة العقود، والتدقيق في دراسات جدوى مشروعات القطاع الخاص، الذي يتحمل بمفرده المخاطرة في إنشائها.

ويعيد البيروقراطيون صياغة القوانين وفق أهوائهم، وكأنهم يعيدون “اختراع العجلة” بما عطّل إقامة مشروعات صناعية حيوية في مناطق مختلفة بالدولة، ويحرمها من القدرة على منافسة دول مجاورة أصبحت جاذبة للمستثمرين المصريين الهاربين من  البيروقراطية المصرية،  التي تحدد للمستثمر ماذا يدفع لإتمام مشروعه، ونوعية ومواعيد الأرباح التي يحققها إذا التزم بما يطلبه الجهاز البيروقراطي بالدولة.

5-منافسة الحكومة المستثمرين:

ووفق نفس الدراسة، فإن الحكومة  المصرية ما زالت تنظر إلى المستثمر على أنه منافس لها، بما يدفعها إلى وضع قوانين تقيّد حركته، باعتبارها وصياً على ماله، تخشى تحقيقه نتائج لا تستطيع مؤسساتها القيام بها، فإذا وفرت له أرضاً ليقيم عليها مشروعات، تحرمه من توصيل المرافق، أو تتعارك الجهات الحكومية المسؤولة عن الأرض والمرافق لسنوات، ما يدفع إلى تباطؤ الأعمال أو إخراج المستثمر عن نشاطه، بينما تجري مضاربات على الأراضي وأسعارها.

كما بيّنت المناقشات وجود تكامل في الرؤي بين القادة الحكوميين ، والمستثمرين، حول ضرورة أن تتوقف الحكومة عن ممارسة دور المشغل للمناطق الصناعية، وأن تصبح مجرد منسق يعمل على استقطاب الفرص الاستثمارية، وتوفير الأراضي بأقل تكلفة، على أن يتولى القطاع الخاص التنفيذ والتشغيل والصيانة، بينما تتمسك بدخولها في كتابة عقود مناطق التطوير الصناعي، كطرف ثالث بين المطور والمستثمر، بما يقتحمها في كتابة عقود نمطية، تبدل القوانين والإجراءات السهلة للعقود الخاصة، ويدفع باستمرار وجود الجهات الرقابية، لتمرير كل ورقة..

وتقف الحكومة عاجزة، عن إتمام مخططات التطوير الصناعي منذ سنوات، وجعلها في مرتبة متدنية عمن حولها بالسعودية والإمارات التي اقتحمت الجيل الثالث لإدارة المخططات الصناعية، عبر الأنظمة الرقمية التي تحول دون تدخل صغار الموظفين، وخضوع كل المعلومات والمستندات للرقابة المباشرة، بما يمنع الفساد، ويضمن سرعة تنفيذ الأعمال، بينما تقف في لحظة تاريخية فارقة تعاني من ندرة الاستثمار وشح الدولار، وتغيير جذري في مخططات سلاسل التوريد، تسعى إلى ضم مصر في منظومتها، في فرصة يعتبرها مستثمرون تاريخية لن تتكرر، تهدد بانهيار اقتصادي إذا لم تتمكن الحكومة من استثمارها على الوجه الأمثل.

6-انعدام الثقة بين المستثمرين والحكومة:

كما تغيب الثقة، بين الحكومة والمستثمرين، الذين يطالبون بتوحيد جهات التعامل على أراضي المطورين الصناعيين، وشفافية المعلومات، وعدم المغالاة في سعر الأراضي، ووضوح التشريعات ودمجها، ورؤى استراتيجية واضحة لعقود لا تقل عن 20 عاماً، ومنح القطاع الخاص سلطة اعتماد توصيل المرافق والخدمات، وحل المشاكل التي تسمح بدخول صغار الموظفين في توجيه الأعمال والتلاعب بالمستثمرين.

وفي ضوء تلك الأجواء والأوضاع، فأن ّ انعقاد المجلس الأعلى للاستثمار بقيادة السيسي في مايو الماضي،  والقرارات التي اتخذتها الحكومة، مؤخرا ، بشأن دفع معدلات الاستثمار، لن يكون لها قيمة على أرض الواقع، إلا إذا خلصت النوايا، في التغيير وحل أزمة الدولار وكبح التضخم وتراجع قيمة الجنيه، وإلغاء التضارب بين الجهات الحكومية، والقضاء على المدفوعات السرية للموظفين، وعدم التدخل في حرية القطاع الخاص بالمخاطرة في استثمارات يتولى تمويلها بنفسه، ومعاملة المطورين الصناعية أسوة بالمستثمرين الأجانب، في ظل إطار مؤسسي لا تبحث فيه كل جهة حكومية عما تجنيه من أموال خاصة بها، بل في ظل العائد الذي سيجنيها الاقتصاد الكلي للدولة. وكشفت دراسة مركز الدراسات الاقتصادية عن وجود تحديات أمام المطور الصناعي، منها تعدد جهات الولاية على الأراضي الصناعية، وغياب مخطط استراتيجي قومي للأراضي، وغياب فلسفة طرح الأراضي للمطور، وعدم وضوح الإطار القانوني الذي يعمل من خلاله، وغياب المرجعية التي يجري على أساسها تعديل قواعد الطرح، وازدواجية الدور الذي تقوم به جهات الولاية.

فيما  زيادة الاستثمار والتصدير هما طوق النجاة لخروج مصر من الأزمة الحالية بشكل مستدام، وأنّ المطور الصناعي هو الوسيلة الأسرع والأكثر كفاءة اقتصادياً للمساهمة في الهدفين، بما يتطلب إصلاح الخلل في العلاقة بين الحكومة وطرفي المنظومة “المطور والمستثمر” الذي يحد من الاستثمار الصناعي.

ويبني المستثمرون أمال عريضة على الحكومة لحل أزمات الاستثمار بمصر، تعتمد على  أربعة محاور؛ تتمثل في حل المشاكل الإجرائية التي يعاني منها المطور والمستثمرين بصفة عامة، وضمان عدم مزاحمة الحكومة للمطور الصناعي، واقتصار دخولها بشكل تنفيذي بالمناطق التي يصعب على المطور العمل فيها، ووجود رؤية واضحة للحكومة عن أهمية دور المطور الصناعي، وتسهيل حصوله على الأراضي لتحقيق زيادات سريعة في الاستثمار، وتوفير المعلومات عن مجالات الاستثمار لمساعدة المطور في الترويج.

7-تراجع تصنيفات الاقتصاد المصري عالميا:

ولعله من أبرز أسباب هروب الاستثمارات من مصر، هو إعلان  عدة مؤسسات تراجع التصنيف العالمي لمصر في المجالات الاقتصادية المختلفة، وكذا تراجع جودة معاملاتها الاقتصادية.

ومن ذلك،  مؤسسة «موديز» للتصنيفات الائتمانية، إذ أعلنت مؤخرا، عن خفض التصنيف الائتماني لمصر من (بى 3) إلى (سي أيه 1)، نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر وتعثر مصر في سداد ديونها.

ووفق تقديرات اقتصادية، فإن التصنيف (سى) يعد كارثة حقيقية فهو يعنى أن الاقتصاد المصري ليست لديه جدارة ائتمانية،  أي أنه غير قابل أن يقوم أحد بإقراضه وإذا وافق سيكون بفائدة أعلى، في الوقت الذي يوجد لدى مصر أزمة في الميزان التجاري، بخلاف وجود أزمة دولارية، ناهيك عن القروض المتوسطة قصيرة الأجل بالدولار، إذ أصبحت مصر تسدد القروض التي حان أجلها بقروض أخرى وهذا ما يزيد الأزمة وتفاقمها، ويدخلها في الدائرة «الجهنمية»..

كما أن خفض  التصنيف الائتماني لمصر من (بى 3) إلى (سى إيه 1)، فإن كل ما هو استثمارات داخل مصر سيبحث عن دول أخرى أقرب في المنطقة ليستثمر فيها، وهذا دليل واضح على أن المؤسسات المالية تدرس الأوضاع وتتغير من وقت لآخر، وما يحدث الآن في مصر يُنذر بسحب استثمارات كثيرة من مصر، ويزيد من أزمة الموارد الدولارية وهذا بدوره سيؤدى إلى انخفاض الناتج القومي…

وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى “بي” (B-) هبوطا من “بي -” (B)، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي، وفقا لوكالة “رويترز”. وعدّلت وكالة التصنيف الائتماني أيضا نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”. وأفادت الوكالة أن خفض التصنيف “يعكس زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر، واستقرار الاقتصاد الكلي ومسار الديون الحكومية المرتفعة بالفعل”. وأضافت أن قرب مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس والتدفق المحتمل للاجئين، يزيد من المخاطر الأمنية خاصة في منطقة سيناء. وتابعت الوكالة أن الحرب بين إسرائيل وحماس “تشكل مخاطر سلبية كبيرة على السياحة في مصر”.

وكانت مصر تأمل في توسيع قطاع السياحة لديها سنويا بنسبة 30 في المئة، لكنها تشهد إلغاءات بنحو 10 في المئة من إجمالي الحجوزات. وفي أكتوبر الماضي، خفضت وكالة التصنيف العالمية “ستاندرد آند بورز” التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر  من “بي” (B) إلى “بي -” (B-)، مشيرة إلى تزايد ضغوط التمويل على البلاد. وعكس هذا التخفيض التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد.

وخلال أكتوبر الماضي أيضا، خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، التصنيف الائتماني لمصر من “بي 3” (B 3) إلى “سي إيه إيه 1” (Caa1) وأرجع هذا إلى تدهور قدرة البلد على تحمل الديون. ووفقا لـ”فورين بوليسي”، فإن مصر هي ثاني أكبر مدينة لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.

وارتفع حجم الدين الخارجي لمصر إلى 164.7 مليار دولار بنهاية العام المالي 2022-2023، تتضمن ديوناً قصيرة الأجل بنحو 28.15 مليار دولار، وودائع وقروضاً وتسهيلات بقيمة 9.4 مليارات دولار، تتطلب سداد 83.7 مليار دولار منها خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وأصبح الاقتصاد المصري، بحسب المجلة، يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل، لكنها (مصر) كانت بطيئة في تنفيذ الإصلاحات المالية الضرورية. وارتفع معدل التضخم إلى ما يقرب من 40%، في سبتمبر الماضي، وهو مستوى قياسي، قبل أن ينخفض نقطتين مئويتين، في أكتوبر الماضي.

وطالب صندوق النقد الدولي السلطات المصرية بتعويم العملة، التي تم تخفيض قيمتها 3 مرات منذ مارس عام 2022، مما أدى إلى خسارة 50 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، ورفع تكاليف الغذاء على السكان. ومع ذلك، لم يقم صندوق النقد الدولي بعد بإجراء مراجعة مقررات البرنامج من شأنها أن تطلق حوالي 700 مليون دولار من شرائح القروض المتأخرة، وتؤدي إلى انخفاض رابع متوقع في قيمة الجنيه المصري.

8-ضبابية المشهد الاقتصادي المصري:

كما من أبرز أسباب هروب المستثمرين من مصر، ونقل استثماراتهم إلى مناطق آمنة  اقتصاديا، كما يراها الخبير الاقتصادي أحمد خُزيِّم، رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، أن  هناك مجموعة من المؤسسات المالية والشركات يهمها الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، وتبحث عن البيئة الآمنة التي تستطيع أن تستثمر فيها أموالها، وتقوم هذه الشركات بتخصيص رقم أو رصيد معين لكل منطقة لتستثمر فيها..

وأيضا فأن ضبابية البيئة الاقتصادية بالإضافة إلى التأخير في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين صندوق النقد الدولي ومصر ، من إصلاح اقتصادي وإتاحة فرص المنافسة للقطاع الخاص وتقليص دور الجيش والدولة بالاقتصاد وغيرها من إصلاحات، ـ إلى جانب ثبات سعر الصرف الرسمي مع عدم توفير الدولار للمستثمرين، ما يلجئه للسوق الموازية حيث يتوافر عند أسعار قياسية تتجاوز الـ50 جنيها،   كل ذلك يؤدى إلى هروب الاستثمارات عكس ما يقال إلى المناطق الآمنة بما يحقق لكل شركة أو مؤسسة مالية عوائد أكثر..

ولعل  البيئة الضبابية وغير المستقرة اقتصاديًا، والبيئة التي فيها سعر الصرف غير واضح المعالم وأكثر من سعر صرف سواء في البنوك أو السوق الموازية بالطبع ستكون طاردة للاستثمارات وليست جاذبة لها..

فيما يفاقم الأزمة أن هذا يحدث في الوقت الذي تحاول فيه الدول المجاورة أن تقدم محفزات لتستقبل هذه الاستثمارات من الدول الأخرى.

كما أن تضاعف قيمة الدَيْن وعجز الموازنة وبالتالي لن تكون مصر قادرة على السداد، هذا الأمر سيؤدى إلى أن السندات و الأسهم المصرية في الخارج على المدى القصير والبعيد سيتم تخفيضها وستُباع بأقل من ثمنها…

8-محفزات استثمارية كبيرة لدى الدول المجاورة:

وإلى جانب الاضطراب الاقتصادي والضبابية وازمات العملة والتصنيف الائتماني،  بمصر، تقدم العديد من دول الجوار الكثير من محفزات الاستثمار ، في السوق السعودية  ، مثلا/ أصبحت تتمتع بالفرص الاستثمارية الجاذبة في مجال الإسكان والتطوير خاصة في مدينة الرياض التي تشهد مشروعات إعادة إعمار ونهضة عمرانية غير مسبوقة.

وخلال الأشهر الماضية وقعت «تطوير مصر» على هامش مشاركتها في معرض مقيم بفرنسا على مذكرة تفاهم لتسهيل دخولها السوق السعودية بناء على مبادرة من وزيرا الإسكان والاستثمار السعوديين بهدف توفير منتج عقاري يمثل قيمة مضافة وذلك من خلال الاستفادة من الشركات المصرية..

وأيضا وقّعت شركة «ماونتن فيو» للتنمية والاستثمار العقاري، اتفاقية تعاون مع مجموعة عمر قاسم العيسائي الاستثمارية لتكوين شركة مشتركة في مجال التشييد والبناء والتطوير العقاري، وذلك لتطوير المشاريع العمرانية المتكاملة والمنتجعات السياحية في المملكة، كما أبرمت اتفاقية شراكة مع سيسبان القابضة لتطوير مشروعات تجارية بالسوق السعودية.

وهناك ما يزيد عن 5 شركات مقاولات مصرية أسست شركات تابعة لها بالسوق السعودي وهى «سياك القابضة، الرواد للهندسة الحديثة، كونكريت بلس، كونتراك للتنمية العمرانية، ريدكون للتعمير…

وفي يونيو الماضي أعلن الملياردير سميح ساويرس عن ضخ نحو 500 مليون دولار كمرحلة أولى لإنشاء مدينة جديدة في السعودية على غرار مدينة الجونة، موضحا أنه سيتوجه إلى التوسع في استثماراتها في السعودية خلال الفترة المقبلة، والاستفادة من الطفرة الإنشائية والتسهيلات التي تمنحها المملكة.

9-عسكرة الاقتصاد والتضييق على القطاع الخاص:

ووفق دراسة لمركز  كارنيغي للدراسات، فإن انخراط القوّات المسلّحة المصرية في الاقتصاد،  أدّى إلى ظهور نموذج جديد من رأسمالية الدولة المصرية. فقد سعت الدولة، مدفوعة بالاشتراكية العربية في ستينيات القرن الماضي، والخصخصة في التسعينيات، في عهد عبد الفتاح السيسي، إلى تطويع القطاع الخاص إلى استراتيجيتها الاستثمارية الرأسمالية فيما تستمر في إعلان التزامها الرسمي باقتصاد السوق الحر. تدّعي المؤسسة العسكرية أنها توظف 5 ملايين شخص، لكن جميعهم تقريبًا يعملون في الواقع لدى مقاولين فرعيين من القطاع الخاص يقومون على مشاريع مُموّلة من القطاع العام تُديرها هيئات عسكرية. قد يساعد نهج السيسي في توليد النمو الاقتصادي وتحسين كفاءة المالية العامة، لكنه يعزز أيضًا قبضة الدولة المصرية بدلًا من توطيد اقتصاد السوق الحر.

ويعتبر هذا النهج متهور وقصير النظر. إن تدخل الحكومة في العديد من القطاعات الاقتصادية واسع الانتشار لدرجة أنه يحدد الناتج فعليًا، على الرغم من أن هذه القطاعات هي رسميًا في أيدي صانعي القرار من القطاع الخاص. إنّ القيمة الصافية للشركات العسكرية والإنتاج العسكري من السلع والخدمات أقل بكثير مما يصفها كثيرون، لكنها أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وما زاد الطين بلّة، هو أن نهج السيسي لا يعكس استراتيجية مُتكاملة، بل تصميمًا على توليد رأس المال باستخدام السُلطة المركّزة للدولة والمؤسسة العسكرية كرأس حربة لها.

ويتمثل الخطر الرئيس لهذا النهج في إخضاع القطاع الخاص. إن الدولة هي المُستثمر الوحيد في البُنية التحتية العامة ومصدر حصة كبيرة من إجمالي أعمال القطاع الخاص، خاصة بالنسبة للشركات الكبيرة والمتوسطة. فقد أدّى الارتفاع الضخم في الإنفاق العام على الإسكان والبُنية التحتية منذ أواخر عام 2013 إلى تضخيم مركزية الروابط السياسية والمحسوبية، كما أدى ضعف إنفاذ العقود والمخاوف بشأن الامتيازات الضريبية للقوّات المسلّحة إلى ثني الشركات الأجنبية عن الاستثمار في مصر. وتسعى إدارة السيسي وراء استثمارات القطاع الخاص، ولكن بحسب شروطها هي فقط، فهذه الإدارة ترى أن توليد الدخل وتوفير السلع فئات مجتمعية مختارة هو ذات أهمية سياسية كبرى.

وحاولت إدارة السيسي أيضًا تحويل جزء من عبء نهجها إلى مستثمري القطاع الخاص. فقد خفضت الحكومة بشكل كبير الإنفاق على دعم الطاقة والغذاء وأجور القطاع العام، ووافق مجلس النواب على بيع الشركات المملوكة للدولة التي تتعرض إلى خسائر تزيد على نصف رأس مالها. وارتفعت نسبة الدَين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 90.3% بحلول يونيو 2019 ، ووصل حجم الديون الخارجية نحو 16 مليار جولار خت مارس 2023.

 ثم أدّت المخاوف بشأن جدوى مشاريع البنية التحتية التي تقودها الدولة إلى انسحاب شركات إماراتية كبرى، وتعليق قرض صيني بقيمة 3 مليارات دولار،فشل المحادثات بشأن استثمار صيني بقيمة 20 مليار دولار. فاضطرت المؤسسة العسكرية والرئاسة إلى إقناع وحتى إكراه بعض المستثمرين العقاريين الأكثر شهرة في البلاد من القطاع الخاص على الاستملاك في العاصمة الجديدة التي تبلغ تكلفتها 58 مليار دولار.

وإزاء توسع العسكرية الاقتصادية،  بات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر “بطيء” ومتراجع نتيجة لهذا النموذج الجديد من رأسمالية الدولة المصرية.

لا شيء يفعله السيسي يغيّر واقع ما وصفه تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2019 بشأن مصر بأنه “مشاكل مُزمنة من ضعف الحوكمة والبحث عن الريع ومخاطر الفساد والحضور المكثف للدولة في الاقتصاد.” …ولعل تلك الحالة هي ما تدفع الكثير من المليونيرات وأصحاب الأعمال والمستثمرين للهروب من السوق المصرية، في ظل عسكرة لا تتوقف، يقدرها البعض بأنها تتجاوز 60% من حجم الاقتصاد المصري، وقبل عامين من الآن خرج المتحدث العسكري المصري  ليؤكد أن الجيش لمصري وشركاته العسكرية يعملون في نحو 2598 مشروعا على مستوى الدولة المصرية!!!

وخلال الفترة الأخيرة، ولأكثر من مرة، قال الملياردير نجيب ساويرس أن الدولة يجب أن  تكون “جهة تنظيمية وليست مالكة” للنشاط الاقتصادي، معتبرا أن المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص “غير عادلة منذ البداية”، وذلك وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.. مشيرا إلى أن “الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك”.. وفي عهد السيسي، حقق اقتصاد الجيش نموا ملحوظا إذ تسند له العديد من المشاريع. وبناء على ذلك يقيم شراكات مع مجموعات القطاع الخاص لمشاركته التنفيذ، من بينها “أوراسكوم للإنشاء” المملوكة لعائلة ساويرس. وقال السيسي في أحد المؤتمرات العامة عام 2016 إن اقتصاد الجيش يمثل نحو 2% من الاقتصاد الوطني. وأضاف “نود أن يصل إلى 50%”.

وفي مصر لا يتم نشر أي أرقام رسمية حول الوضع المالي للجيش. وبحسب نجيب ساويرس فإنه “لا تزال هناك منافسة من الحكومة، لذا فإن المستثمرين الأجانب خائفون بعض الشيء. أنا نفسي لا أخوض عروضا عندما أرى شركات حكومية”، إذ إن “ساحة اللعب لا تعود متكافئة”. “يجب أن تكون الدولة جهة تنظيمية وليست مالكة ” للنشاط الاقتصادي”  وقال ساويرس لوكالة فرانس برس إن “الشركات المملوكة من طرف الدولة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو رسوما جمركية، عكس الشركات الخاصة وهذا ما يجعل الفرص غير متكافئة بين القطاعين”. وأكد ساويرس أنه لا يستطيع منافسة هذه الشركات، لأن المنافسة من البداية غير عادلة، حسب وصفه، مطالبا بأن تكون الدولة منظمًا وليست ملكا للنشاط الاقتصادي.

10-مصادرة الأموال -تجربة جهينة:

ومنذ ولاية السيسي الأولى في العام 2014،  توسع النظام في مصادرة الأموال وتجميدها، واعتقال بعض رجال الأعمال، وفرض إتاوات مالية ضخمة، وتبرعات لعدد من صناديق السيسي التي استحدثها، لصندوق تحيا مصر، والصندوق السيادي، وحساب حياة كريمة…وغيرها من مشاريع السيسي، بل انتقل السيسي لالتهام الكثير من الشركات والأموال ، من بعض رجال الأعمال، تحت ماعم الارهاب، وغيرها، على الرغم من تبرع أصحاب تلك الشركات لصناديق السيسي، بل واعلانهم تأييد ودعم النظام، ولم يتورع السيسي عن المصادرة وتقنين الاستيلاء على الأموال وضمها لخزانة الدولة، ومدارس ومستشفيات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وشركة محلات التوحيد والنور، وشركة المستقبل ، وشركات كومبيوتر واستثمارات واسعة لرجال أعمال مستقلين، وجه إليهم السيسي اتهامات ملفقة، وسجن بعضهم، كصفوان ثابت ونجله، للضغط عليه للاستحواذ على جزء كبير من شركة جهينة، وأيضا رجال أعمال كثر…

وكانت عدة محاكم مصرية قد قضت  في العام 20021،  بنقل ممتلكات وأموال 89 مواطنا مصريا لخزانة الدولة، وذلك بالمخالفة للدستور،إذ تنص (المادة ٣٥) من الدستور المصري 2014، على أن “الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائي، ولا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما وفقا للقانون”.

وقضت الدائرة الأولى بمحكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة، ، بقبول دعوى نقل ممتلكات وأموال 89 من الإسلاميين معظمهم من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين لخزانة الدولة. وشمل الحكم ورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ومرشد الجماعة محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، وصفوت حجازي، ومحمد البلتاجي، ومحسن راضي، وأسعد الشيخة، ومفتي الجماعة عبدالرحمن البر، وأيمن هدهد، وآخرين.

وكان البرلمان المصري أقر في العام 2022 ، تعديلات قانون “مكافحة غسيل الأموال” الذي إطلاق يد السلطات الأمنية في مصادرة الأموال دون حكم قضائي بالمخالفة لمواد الدستور، وجعلها رهن تقارير “أمنية”. التعديلات تجاوزت قرينة البراءة بما يفتح الباب أمام السلطة من أجل مصادرة أموال الأبرياء بالمخالفة للدستور الذي حظر مصادرة الأموال بدون حكم قضائي.

وبررت الحكومة التعديل بأنه يهدف لسد ثغرة قانونية لا تسمح بمصادرة الأموال عندما يحصل المتهم على براءة بسبب خطأ في الإجراءات أو انتهاء مدة الطعن على المخالفة وانقضاء الدعوى الجنائية. ويمنح القانون رئيس الجمهورية سلطة تشكيل مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي، وتحديد نظام عمله واختصاصاته ونظام إدارة الوحدة دون التقيد بالنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام.

ويطعن قانونيون في التعديل، لعدم اشتراط صدور حكم بالإدانة في الجريمة الأصلية، وهو  مخالفة للدستور الذي يحظر مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي، وبأن العقوبة لا بد أن تكون شخصية ولا توقع إلا بحكم قضائي.

تلك التشريعات وغيرها تشير إلى حالة عارمة من الجباية والشره تكاد تصم السلوك العام لنظام السيسي، الذي يريد  تحرير دولة الجباية من أي قيد ويمنح سلطة الضبط حرية استحلال المال ويطلق يد السلطة في التغول على الملكيات العامة والخاصة،

وتبعث المصادرة برسائل سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب وتجعل بيئة الاستثمار غير آمنة..

-تجربة جهينة

وفي العام 2021، احتجزت السلطات   المصرية ، في ظروف ترقى إلى التعذيب بسبب رفضهم التنازل عن أملاكهم، كلا من صفوان ثابت، مؤسس شركة جهينة ورئيسها التنفيذي السابق، ثم القبض على ابنه سيف الدين بعد ذلك بشهرين، قد هز الشركة المشهورة في مصر، باتهامات ملفقة بالانتماء لجماعة إرهابية وتمويلها، وهي عبارة شائعة الاستخدام في الإشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وقالت منظمة العفو الدولية -في بيان- إن السلطات استخدمت مثل هذه الاتهامات -على نطاق واسع- في حملة أمنية على معارضين من مختلف الاتجاهات السياسية، وتستخدمها الآن لاستهداف رجال الأعمال. وأضافت أن السلطات لم تقدم أدلة على تهمة انتساب الاثنين للجماعة التي تحضرها السلطات. ومنعت السلطات صفوان ثابت من التصرف في ممتلكاته منذ عدة سنوات بسبب الصلات المزعومة بالإخوان.

وقالت المنظمة -استنادا إلى مصادر مطلعة على الشركة ووضع أسرة ثابت- إن مسؤولين أمنيين مصريين طلبوا من صفوان قبل القبض عليه وعلى ابنه تسليم جزء من شركة جهينة لكيان مملوك للحكومة، وتخلّي سيف الدين عن حق الأسرة في أسهمها.

وقال مدير البحث وأنشطة كسب التأييد بالمنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيليب لوثر، “بالإضافة إلى الحرمان من الحق في الطعن على قانونية احتجازهما، يتعرض صفوان وسيف ثابت للتعذيب بالحبس الانفرادي لفترة طويلة ولأجل غير مسمى”.

وفي مايو2020  ، حصلت رويترز على وثائق تظهر أن جهينة قدمت عدة شكاوى إلى السلطات بسبب تعليق ورفض تراخيص عشرات العربات مما يعرض الشركة للخسارة. ومع تلك الضغوط الأمنية، قدمت جهينة بعض التنازلات والتمويلات لاسترضاء النظام، الذي أطلق سراح آل ثابت، بضمانات مالية…وهو ما يمثل قمة البطش السلطوي لمستثمرين محليين، وهو ما قدم رسالة لغيرهم من المستثمرين…

خامسا : ضمانات و محفزات لجذب المستثمرين:

في أبريل 2019 أطلقت شركة ” ثروة العالم الجديد” -new world wealth – تقريرها السنوي عن الثروة في العالم،  وهي من كبريات الشركات المتخصصة في أبحاث الثروة، مقرها في جوهانسبرج جنوب أفريقيا. وبين تقرير الشركة  أن مصر هي ثالث أكبر اقتصاد في افريقيا ، كحجم ناتج محلي بعد نيجيريا وجنوب أفريقيا، وثاني أغنى دولة في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا من حيث حجم الثروة، وعلى مستوى المدن، تأتي  القاهرة كثالث أغنى مدينة بمجمل ثروة حوالي 140 مليار دولار بحسب تقرير الثروة في افريقيا 2018. ولكن مع ذلك مصر هي سادس دولة في أفريقيا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي.

إلا أن مصر تعتبر من أكبر دول العالم بحسب التقرير في هجرة المليونيرات…

وخلال  الفترة من 2008 – 2018، تراجع حجم الثروات الصافية للأغنياء في مصر بنسبة 10 % ، وذلك بشكل أساسي لخروج الأموال أو لهجرة أصحابها.

ووفق الدراسة، فإن أبرز محفزات وضمانات  جذب الاستثمارات لمصر، تتعلق بالعديد من الأمور:

-دعم الأمان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بما يشمله من مستويات خدمة صحية وتعليمية وطرق ومواصلات وسيادة القانون   في مصر..

-احترام حقوق الملكية الفردية، بما يشمله من سيادة قانون ومنظومة قضائية محايدة وقوية، وهو غير متوافر بمصر، والتي تحل في ذيل ترتيب سيادة القوانين والملكية الفكرية والشفافية والأمان المجتمعي…

– حرية وحيادية الإعلام، والذي يمثل ضمانة لوجود مساحات إعلامية متساوية للجميع، والأهم وجود شفافية في نقل المعلومات بشكل متساوي للجميع بغض النظر عن النفوذ السياسي على الإعلام، وهو ما يغيب عن مصر في الفترة الأخيرة، هو ما يقلق أي مستثمر..

– نمو اقتصادي مستدام، وهو ما يتصادم مع توقعات التنمية والنمو بمصر، حيث تشير مؤشرات البنك الدولي والعديد من المنظمات العالمية، إلى عدم قدرة مصر على تحقيق ما تصبو إليه من نسبة نمو تتجاوز الـ3% خلال العام المالي الجاري، على إثر أزمات الديون وشح العملة…

– قدرة الحكومة على الاستقلالية وضمان عدم  التدخل في الاقتصاد كميسر أو منظم بين الفاعلين، وهو ما شدد عليه أكثر من مرة رجل الأعمال نجيب ساويرس…

حيث باتت الكثير  من الشركات مجبرة إنها إما تشتغل تحت مشاريع الجيش و بالأسعار التي يحددها، وإما التعطل عن العمل..

– سهولة الاستثمار وتأسيس الشركات، وهي ما زالت بعيدة المنال في مصر…

سادسا-دلالات  هروب الاستثمارات من مصر:

1-فشل خطط الحكومة للتخارج من الأنشطة الاقتصادية وعدم قناعة المستثمرين بالسياسات الجديدة:

الخروج المتتالي لرجال الأعمال المقربين كثيرًا من الأنظمة المصرية على مدى عقود والذين تمكنوا من تضخم ثرواتهم، تزامن مع إعلان الدولة -بعد التوصل لاتفاق على قرض جديد مع صندوق النقد نهاية 2022- بدء تنفيذ خطة التخارج من 62 قطاعًا لصالح القطاع الخاص، فضلًا عن طرح عشرات الشركات بينها شركات تابعة للقوات المسلحة للبيع.

الخطوات الحكومية لم تكن كافية لإقناع رجال الأعمال بالاستمرار واستغلال الفرص المتاحة حاليًا، بعد فشل الدولة في التوصل للعديد الاتفاقيات مع مؤسسات وهيئات خليجية للاستثمار في البلاد، والحصول على حصص في الشركات.

ومما يفاقم الأزمة أن المستثمرين العرب والمصريين عمومًا لا يشعرون بجدية الدولة في تنفيذ الخطط المعلن عنها، وهو ما يقود بلا شك لخروج المزيد من مليارات الدولارات والاستثمارات المحلية والأجنبية خلال الفترة القادمة.

2-تردي المناخ الاستثماري في البلاد وتحوله لمناخ غير جاذب نهائيًا:

وذلك في ظل عدم وضوح الأوضاع سواء بالنسبة لقرارات الحكومة نفسها، أو حتى التكهن بسعر الجنيه مقابل الدولار. علاوة على العيوب الموجودة في مصر مثل شح الدولار، وعدم توافر مستلزمات الإنتاج، والبيروقراطية، وانخفاض عوائد الاستثمار،  تقابلها مميزات في كافة الدول الخليجية الكبرى مثل السعودية والإمارات، فالأولى تمنح حوافز هائلة حالية لجذب الاستثمارات إليها.

كما أن حديث الحكومة عن «التخارج» غير حقيقي نهائيًا، وأن العروض التي تطرح سواء محليًا أو خارجيًا لا تعدو كونها حصة ضئيلة تهدف الدولة منها إلى استمرار سيطرتها على المؤسسة، وجنى بعض الدولارات التي تساعدها على الوفاء بالتزامها وتجاوز الأزمة الحالية.

3-مستقبل مريب للاستثمار:

وتعكس هجرة الأموال من مصر، بشكل كبير مستقبل الاقتصاد ، وتعطي هجرة الأموال ،  انطباعا سيئا للمستثمرين الأجانب، الذي يصعب عليه أن يأتي للعمل بمصر، فيما أبنائها من المستثمرين يتخرجون منها…

ولعل توافر  معدلات اللا مساواة العالية بمصر، تدفع نحو مزيد من الهجرة، بجانب تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، في حين أنه أقل الدول من حيث هجرة الأموال، هي الدول التي  تتوافر فيها مستويات معقولة من المساواة..ففي اليابان مثلا حيث معدلات اللامساواة منخفضة من حيث إنه الأشخاص الأغنى يمتلكون 24 % من الثروة، ومن ثم فهي أقل الدول الغنية في تصدير المليونيرات، كذلك في نيوزيلندا اللي فيها أغنى فئة من السكان يمتلكون 27 % من القراء، ومن ثم لا توجد بها هجرة أموال، بل تجذب لأموال..

وذلك على العكس في مصر مثلا، أغنى 10 % يمتلكون 73.3 % من الثروة بحسب تقرير بنك كريدي سويس سنة 2014، وعلى الرغم من ذلك فإن  الـ10 % يستحوذون على 30-35 % من الدخل السنوي ( الناتج المحلي).

ولعل أكثر ما يسبب هجرة الأموال من مصر، هو النظام الضريبي غير المستقر ، والمتزايد..بجانب غلاء أسعار الطاقة وأزمات المواصلات والاختناقات المرورية وعدم كفاءة التدريب والقدرات البشرية والتشغيلية…

………………..

مراجع:

الخليج الجديد، استراتيجية السيسي لتعزيز سلطته.. هكذا أضرت باقتصاد مصر، 17 ديسمبر 2023

عربي21، هل خالف السيسي الدستور بنقل أموال 89 من الإسلاميين للدولة؟، 18 يناير 2021

عربي21، تعديل تشريعي يثير الجدل بمصر.. هل يسهل مصادرة الأموال؟، 23 مايو 2022

الجزيرة، العفو الدولية: صراع على “جهينة” المصرية وراء القبض على مؤسسها ونجله، 27/9/2021

الجزيرة، ساويرس: الحكومة المصرية تنافس القطاع الخاص،  21/11/2021

فرانس برس ، نجيب ساويرس: المنافسة بين القطاع الخاص والحكومة “غير متكافئة”، 21 نوفمبر 2021

بي بي سي، بعد انتقاده لشركات الجيش.. الإعلام المصري يهاجم نجيب ساويرس ومشروعاته، 23 نوفمبر 2021

RT، لماذا تهرب “الأموال الساخنة” من مصر؟، 6 أبريل 2923

ذات مصر، بعد «سميح ومنصور» رجال أعمال النظام يهربون من الاستثمار في مصر، 17/05/2023

الحرية، هروب أم تهريب.. ما الذي حدث لرجال الأعمال في مصر؟، 6 نوفمبر 20023

العربي الجديد، مصر: هروب الاستثمارات مستمر بسبب البيروقراطية والتضخم وشح الدولار، 20 مايو 2023

بانكير، حقيقة هروب عائلة ساويرس خارج مصر؟.. وسر نقل مكتبة الأسرة إلى الإمارات، 7 ديسمبر 2023

الخليج الجديد، ناصف ساويرس أغنى رجل في مصر ينقل مجموعته الاستثمارية إلى أبوظبي،5 ديسمبر 2023

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022