تفاجأت السلطة الفلسطينية في رام الله بعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، التي أعقبها عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة، واقتحامات متواصلة لمختلف مناطق الضفة الغربية. ظهر موقف السلطة مرتبكًا ومترددًا وعاجزًا وضعيفًا في التفاعل مع تطورات المواجهة، وفي القيام بدور عملي للتصدي للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع[1]. حيث لم تتحرك السلطة في الإطار العام العالمي، وخاصة الدبلوماسي، ولم تقدم أي مبادرات وطروحات ورؤى لتحريك الرأي العام تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، ولم تقم حتي بتحركات فعلية للتخفيف من حجم الكارثة الإنسانية عبر تقديم المساعدات الإنسانية بالشكل المطلوب.وإن كان ذلك لم يمنع من ظهور بعض المواقف الإيجابية من جانب السلطة الفلسطينية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة.ما جعل المواقف الفلسطينية تتباين ما بين المستنكر للموقف الرسمي الفلسطيني، لا سيما على صعيد الشارع والمجتمع، وما بين من رأى فيه موقفًا لا يرقى للمستوى المطلوب من قيادة رسمية، وآخر رأى فيه نوعًا من الواقعية[2]. ما أثار التساؤلات حول أبعاد موقف السلطة الفلسطينية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة، والمحددات المؤثرة في هذا الموقف.
أولًا: أبعاد موقف السلطة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي علي غزة:
يمكن القول أن الموقف العام للسلطة الفلسطينية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة واقتحام مناطق الضفة الغربية كان سلبيًا لدرجة بعيدة، ولكن ذلك لم يمنع من وجود بعض المظاهر الإيجابية في هذا الموقف.
1- المواقف الإيجابية للسلطة الفلسطينية: اتسمت بعض المواقف السياسية والدبلوماسية الرسمية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة بالإيجابية، حيث تمثلت في التالي:
أ- لم يقم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإدانة عملية “طوفان الأقصى”، رغم الضغوط الكبيرة التي مورست عليه. كما ترأس عباس اجتماعًا للقيادة الفلسطينية في اليوم الأول للعدوان على غزة، في 7 أكتوبر 2023، أكد فيه على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال، مطالبًا بتوفير ممرات آمنة للمدنيين في قطاع غزة، ولوصول المساعدات الإنسانية، مع التأكيد على رفض تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من غزة والضفة والقدس[3].
كما أجرى الرئيس عباس اتصالات هاتفية منذ بدء الحرب على غزة مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أكد فيها أن الفلسطينيين لا يتحملون مسؤولية ما جرى من أحداث، ورد ذلك إلى ممارسات المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي والاعتداء على المقدسات، مشددًا على ضرورة وقف العدوان على غزة. كما غادر عباس الأردن على خلفية قصف مستشفى المعمداني في السابع عشر من أكتوبر، دون لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة رباعية تجمع الأردن ومصر والسلطة والولايات المتحدة في العاصمة عمان، معتبرًا ما جرى جريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني بأكمله.
وأشار السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط في ذات السياق إلى أن اللقاء الذي جمع ما بين الرئيس عباس ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في رام الله بتاريخ 5/11/2023 كان متوترًا للغاية، وأن الرئيس طالب بوقف فوري للحرب على غزة، وأن ما يجري ليست حربًا ضد حماس، بل هي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة أيضًا، وأن الحديث عن هدن إنسانية لساعات ومن ثم متابعة قتل الأطفال والنساء أمر ليس إلا جرائم ضد الإنسانية[4].
كذلك فقد رفض الرئيس عباس الشروط الأمريكية والإسرائيلية بوقف صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى في قطاع غزة؛ والتوقف عن المقاومة الشعبية[5]. وفي هذا السياق؛ وخلافًا لطريقة التعامل قبل معركة “طوفان الأقصى”، فقد خففت السلطة الفلسطينية من قبضتها في التعامل مع مظاهرات الضفة الغربية المساندة لقطاع غزة، حيث يتم رفع رايات حماس بحرية منذ “طوفان الأقصي” في المسيرات، علمًا أن ذلك كان ممنوعًا من قبل[6].
ب- شهدت الساحة الفلسطينية تحركات متعددة في إطار التصدي للرواية الأمريكية والصهيونية حول ما جرى من أحداث في السابع من أكتوبر، حيث برزت في هذا الإطار جهود عدد من السفراء الفلسطينيين، كان أبرزها لقاءات السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط، والتي فتحت الباب أمام إحداث اختراق فعلي في الرواية الإسرائيلية التي سادت في الأيام الأولى للعدوان، وكاد العالم أن يقتنع بها، حيث رفضت الدبلوماسية الفلسطينية إدانة حركة حماس أو اتهامها بالإرهاب في كل المحافل الدولية أو اللقاءات الإعلامية، خاصة وأن وسائل الإعلام العالمية كانت معنية بتكرار السؤال ذاته مرات عدة، ولكن كان الرد هو تحميل الاحتلال المسؤولية المباشرة عما جرى من أحداث، دون إدانة حماس[7].
ج- تحاول الولايات المتحدة الأمريكية استدراج السلطة الفلسطينية للمشاركة في تصورات لشكل الحل النهائي في قطاع غزة، بعد انتهاء العملية العسكرية التي تشنها بنفسها وإسرائيل على القطاع، في صورة تبدو وكأنها توزيع للدم الفلسطيني على أطراف عربية وفلسطينية، ولذا جاء في لقاءات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع الرئيس عباس طرحًا لعودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على قطاع غزة وإدارة شؤونه، ولكن الأمر قوبل بالرفض، وهذا ما جرى التصريح به على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، الذي قال خلال مقابلة له مع صحيفة “الغارديان”: “هذا أشبه بالعودة لحكم غزة على متن طائرة إف 16 أو دبابة إسرائيلية، ولا يمكن قبول هذا الأمر لأي فلسطيني”، وأوضح أن موافقة الرئيس عباس كانت مرهونة بالتوصل إلى حل سياسي شامل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتشاور مع الكل الفلسطيني بالخصوص[8].
2- المواقف السلبية للسلطة الفلسطينية: في المقابل، اتسمت الكثير من المواقف السياسية والدبلوماسية الرسمية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة بالسلبية، حيث تمثلت في التالي:
أ- الموقف من هجوم حماس علي المستوطنات الإسرائيلية: رغم أن الرئيس عباس لم يقم بإدانة عملية “طوفان الأقصى”، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك بموقف يبدو أنه تم تحت الضغط الدولي بصيغة توافقية، حيث خرج عباس بتصريح من المملكة الأردنية، في 12 أكتوبر 2023، بعد لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قال فيه إنه يدين “قتل المدنيين من الجانبين”، بل ودعا عباس حماس بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها[9].
كما مررت السلطة قرار اجتماع جامعة الدول العربية الذي عقد في أعقاب السابع من أكتوبر، والذي أدان “استهداف المدنيين من الجانبين”، على الرغم من تحفظ عدد من البلدان العربية (لبنان والجزائر وسوريا) التي رفضت وضع عنف الجلاد والضحية على قدم المساواة[10].
وعندما قام عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في مقابلة على قناة “الميادين”، بتقديم التحايا لحركة حماس، وقال إنه يدعم المقاومة وما قامت به في طوفان الأقصى، صدر قرار من جهات عليا نُشر في وكالة “وفا” الرسمية جاء فيه أن ما جاء على لسان زكي لا يعكس الموقف الرسمي، وأن هذه التصريحات لا تمثل إلا صاحبها، ولا تعبر عن موقف حركة فتح أو سياسة منظمة التحرير الفلسطينية[11].
واستجابة بشكل جزئي للضغوط الأميركية والإسرائيلية والأوروبية التي طالبت بإدانة “طوفان الأقصى” الذي شنته حركة حماس، قال عباس، في اتصال هاتفي مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في 15 أكتوبر 2023، بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني[12]. وقد أثار هذا التصريح عاصفة انتقادات شعبية، باعتباره جاء في وقت غير مناسب، بينما يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة إلى مجازر يومية على يد إسرائيل، وأنه يكرر ما تقوله إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الشأن، ثم إن المسألة بحاجة إلى انتخابات كي يتحدد من يمثل الشعب الفلسطيني، خصوصًا أن الفلسطينيين لم يجروا أي انتخابات رئاسية منذ عام 2005 عندما انتخب عباس رئيسًا، ولم تجر أي انتخابات تشريعية منذ انتخاب حماس بأغلبية كبيرة في المجلس التشريعي عام 2006[13]؛ وليتم تعديل البيان لاحقًا بشطب كلمة حماس، واستبداله بأن الفصائل لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد[14]. وهذا التصريح يمكن وصفه بأنه لا يرقى إلى إدانة ما قامت به حماس، ولكنه رفع الغطاء عنها، وهذا يعني أن السلطة تصرفت بوصفها طرفًا محايدًا ينتظر نتيجة الحرب، وكل ما يهمها التأكيد علي أن المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد[15].
أكثر من ذلك، فقد قال محمود الهباش، مستشار الرئيس وأحد المقربين منه، في مقابلة مع موقع “تايمز أوف إسرائيل”، إن الرئيس عباس في كل لقاءاته واتصالاته التي بلغت العشرات، والتي أجراها منذ السابع من أكتوبر، أدان عمل حماس، ولكنه لم يفعل ذلك علنًا بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني[16].
ومؤخرًا؛ قال حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال مقابلة مع وكالة “رويترز”، في 16 ديسمبر 2023، أنه “لا يجوز للبعض الاعتقاد بأن طريقة حماس وأسلوبها في إدارة الصراع مع إسرائيل كانت الأمثل والأفضل”. وقال إن الحرب الطاحنة في غزة أظهرت أن أساليب العنف التي تتبعها حماس لا تجدي نفعًا، وعبر عن تأييده لفكرة المحادثات مع إسرائيل. وقال أن على جميع الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إجراء “تقييم وطني شامل لكل ما جرى”، وذلك بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية في غزة مباشرة.
وتعليقًا على تصريحات الشيخ، قال سامي أبو زهري، القيادي في حركة حماس، إن الشيخ يقف إلى جانب الإدارة المدنية الإسرائيلية، وإن هجومه على المقاومة الفلسطينية ليس مفاجئًا[17]. واعتبر القيادي في حركة حماس، أسامة حمدان، في كلمته اليومية من بيروت في 18 ديسمبر 2023، أن تصريحات الشيخ “لا تعبر عن مسؤولية وطنية”، وقال إن “من يحدد المسؤوليات الوطنية هو الشعب الفلسطيني لا غيره”. وتابع “يؤسفنا أن هناك من يراهن على التسوية مع إسرائيل”[18].
ب- الموقف من العدوان الإسرائيلي علي غزة: تتعامل السلطة مع العدوان الإسرائيلي علي غزة على أنها حرب مع حماس فقط ولا علاقة لذلك بالقضية الفلسطينية، ومن هنا تأتي المواقف متشابهة أو ربما متطابقة مع مواقف البلدان الأجنبية، حيث المطالبة تصريحًا فقط بالتهدئة ووقف إطلاق النار، مع ترديد بين الفينة والأخرى في أثناء لقاء مسؤولي القوى الدولية أكذوبة أن حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني وأن السلطة هي الممثل الوحيد في البلاد[19].
ومنذ شن قوات الاحتلال عملية “السيوف الحديدية” ردًا على طوفان الأقصى، التي كانت حرب إبادة وتطهيرًا عرقيًا وعقوبات جماعية واعتمدت المجازر ضد المدنيين بوصفها أسلوبًا رئيسيًا، لم يخرج الرئيس عباس مخاطبًا الشعب الفلسطيني سوى مرة واحدة عبر التلفزيون الرسمي، في ظل تساؤل شعبي حول الدور المنوط بالرئيس في ظروف استثنائية يمر بها الفلسطينيون، في المقابل يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يظهر بصورة شبه يومية، إضافة إلى المؤتمرات الصحفية اليومية لوزير الجيش والناطق باسم الجيش الإسرائيلي[20]. كما امتنع قادة السلطة عن إصدار أي تصريحات إلا ما ندر، تنفيذًا لتعليمات أفادت مصادر موثوقة أنها صدرت من الرئيس محمود عباس بعدم التعليق أو إجراء مقابلات حول ما يجري؛ لأن القيادة لا تريد أن تدفع ثمن شيء لا توافق عليه وليست طرفًا فيه[21]. فيما قال نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية ووزير الإعلام في السلطة، في مقابلته مع قناة “الحرة” “لا علاقة لنا بما يجري بين حماس وإسرائيل”[22].
وبالرغم من بروز مواقف جيدة لبعض السفراء الفلسطينيين مثل السفراء في لندن وكندا، ومندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، إلا أن نسبة ذلك قليلة إذا ما نظرنا إلى الصمت في أوساط دبلوماسية منتشرة في جميع أنحاء العالم. كما أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اجتمعت مرة واحدة فقط، وجاء اجتماعها متأخرًا، فضلًا عن عدم الدعوة لاجتماع الأمناء العاميين للفصائل، ما يعطي مؤشرًا أن الحدث ليس بالأهمية لاستنفار الجهود والتحرك السياسي والدبلوماسي لوقف العدوان[23].
كما لوحظ في القمة العربية الإسلامية واجتماعات مجلس الأمن والمنتديات الإقليمية والدولية أن الموقف الفلسطيني انتظاري، ولم يقدم على سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، أو وقف التنسيق الأمني معها، مع أنها تشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني بهدف تصفية القضية الفلسطينية، بزعم أنها تريد القضاء على حماس. كما أن مضمون الموقف الفلسطيني وحدته أقل من مواقف وحدة بعض المواقف العربية والأجنبية مثل الأردن وجنوب أفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية الذين قاموا بسحب سفرائهم من إسرائيل. أكثر من ذلك فإن أي من الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء لم يزورا معبر رفح، الذي زاره الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيسا وزراء إسبانيا وبلجيكا، وولي العهد الأردني، ولم تزره إلا وزيرة الصحة مؤخرًا. ناهيك عن أن المساعدات المرسلة من الضفة إلى القطاع عن طريق السلطة تقدر بقيمة مليوني شيكل فقط جمعتها وزارة الأوقاف، وهو مبلغ قليل جدًا[24].
وفي حين نعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حركة حماس بالإرهاب خلال زيارته إسرائيل، في 24 أكتوبر 2023، ودعا إلى توسيع نطاق التحالف الدولي الذي يحارب “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” لينضم للجيش الإسرائيلي في حربه المتواصلة على قطاع غزة، مؤكدًا ضرورة قتال حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “بلا رحمة”، ثم التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإنه لم يعقب على ما قاله في تلك التصريحات والأوصاف التي وصف بها المقاومة، بل أعرب عن ثقته بأن الرئيس الفرنسي سيبذل جهدًا من أجل وقف هذه الإبادة لشعبنا ووقف هذه الحرب، وإنهاء الاحتلال لأرضنا وشعبنا ومقدساتنا، والاعتراف بدولة فلسطين وتمكين شعبنا من حريته واستقلاله[25].
وما زاد الطين بلة أن قناة “سي أن أن” الأميركية نقلت عن مسؤول فلسطيني كبير لم تسمه أنه قال لها إنه يجب القضاء على حماس قبل أن تقضي علينا، ونقلت مصادر أن هذا الموقف نفسه قيل لأنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، في زيارته الأولى إلى المنطقة[26].
في هذا السياق، لا نستبعد أن يكون تأكيد السلطة لمنع عمليات تهجير السكان من قطاع غزة يعود للتخوف بصورة رئيسية من توجه جزء منهم إلي الضفة الغربية بما يحملوه من أفكار وروح ثورية قد تنقل المقاومة من القطاع إلي الضفة[27].
وخلافًا للعديد من الحالات السابقة التي لوحت السلطة خلالها بتجميد التنسيق الأمني مع الاحتلال، فإن الملفت للانتباه أن السلطة لم تصدر عنها أي إشارة بهذا الخصوص في مواجهة العدوان الحالي على القطاع[28]. ناهيك عن غياب السلطة وحركة فتح عن الشارع الفلسطيني، وابتعادها عن المشاركة في مسيرات غضب نصرة لغزة. بل ولعبت الأجهزة الأمنية الفلسطينية دورًا سلبيًا في اتجاهين: أولهما؛ عدم قيامها بواجبها تجاه شعبها وحمايته من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية، والثاني؛ إعاقتها ومنعها للمسيرات والتظاهرات نصرة لغزة، والاستمرار في ملاحقة مجموعات المقاومة، وشن عمليات الاعتقال في صفوف الناشطين الفلسطينيين[29].
فعندما انطلقت العديد من المسيرات المؤيدة لقطاع غزة في محافظات الضفة الغربية، خاصة في مدينتي نابلس وجنين، اللتين شكلتا حالة استعصاء للسلطة، قمعت الأجهزة الأمنية المظاهرات فيها بالقوة، كما شرعت باعتقال العديد من الناشطين في الضفة[30]. فعلي سبيل المثال؛ هاجمت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مسيرة تضامن مع غزة في مدينة رام الله، وقتلت المواطن محمود أبو لبن في 17 أكتوبر 2023، وأعلنت المؤسسة الأمنية في بيان تحملها “المسؤولية عن الحادث المؤسف”. ووفق توثيق منظمة “محامون لأجل العدالة” جرى اعتقال ما يزيد على 50 شخصًا في محافظة رام الله وحدها في 17 أكتوبر، وهو ذات اليوم الذي قصف فيه الاحتلال المستشفى المعمداني في غزة مخلفًا مئات الشهداء والجرحى. لم ينف الناطق باسم الأجهزة الأمنية، طلال الدويكات وجود اعتقالات، لكنه قال إن العدد لا يتجاوز 15[31].
كما قامت السلطة بتحويل الجامعات والمدارس إلى نظام التعليم الإلكتروني، وهي خطوات يمكن قراءتها تعطيلًا لإمكانية استجابة وتعاطي الضفة مع ما يحدث في غزة، عبر إلزام الناس وحضها على المكوث في بيوتها، مما ينفس من حالة الغضب التي كان بالإمكان استثمارها في سياقات جماعية ووطنية[32].
وبذلك تحولت السلطة تحت ولاية أبو مازن من كيان سياسي يفترض أن يدافع عن القضية الفلسطينية ويحمي الشعب الفلسطيني من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، إلى قطاع أمني لحراسة الأمن الإسرائيلي، مهمته الاساسية أن يكون شرطيًا يحمي الضفة من أن تنفجر في وجه الإسرائيليين[33]. تلك المهمة الجديدة للسلطة التي أجادت أداءها بشكل كامل، كان لها تقديرها لدى الكيان المحتل، كما جاء على لسان وزير دفاع جيش الاحتلال يؤاف غالانت الذي أكد علي أهمية تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية لضمان الاستقرار والهدوء بالضفة الغربية تجنبًا لتشتيت قواته عن المعركة في غزة[34]. كما كانت تلك المهمة موضع إشادة من قبل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي أشاد بالقيادة الفلسطينية لقيامها بضبط الضفة الغربية المحتلة، مع أن المطلوب منها كما قال أكثر لمنع عمليات “الإرهاب” الفلسطيني في الضفة[35].
كذلك فقد ثارت العديد من التساؤلات حول تقاعس السلطة الفلسطينية عن القيام بواجباتها بإحالة ملف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية إلى محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948، رغم استعداد العديد من الدول بتقديم الدعم والمساعدة للسلطة في حال إقدامها علي هذه الخطوة[36].
يُذكر أن السلطة الفلسطينية أسهمت، بالإضافة إلى إسرائيل ومصر، في حصار غزة بعد سيطرة حركة حماس عليها في 2007، فأعلنت في 2017 عن فرض عقوبات على القطاع، إذ جرى إحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد القسري، وما تبقى منهم حسم من راتبه 50%، وقطعت رواتب الأسرى المحررين، وحرمت 76 ألف أسرة تُصنف بأنها تحت خط الفقر من مخصصاتهما للشؤون الاجتماعية، كما توقفت السلطة عن دفع مستحقات الكهرباء، وعن دفع فاتورة المياه، وخفضت نسبة القطاع من تحويلاتهم الطبية إلى 80%[37].
ج- الموقف من ترتيبات اليوم التالي للحرب: أبدي الرئيس عباس ورئيس الوزراء محمد أشتية وغيرهما من القيادة الرسمية بأن السلطة مستعدة لتأهيل نفسها، وإجراء الإصلاحات اللازمة، وإجراء الانتخابات، والعودة إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب، ضمن تصور سياسي يقوم على حل الدولتين[38]. وفي هذا السياق، فقد أبدي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 5 نوفمبر 2023، عن استعداده لإدارة غزة بعد الحرب، وإن كان ربط ذلك بـ”حل سياسي شامل” قائلًا إن “قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وسنتحمل مسؤولياتنا كاملة في إطار حل سياسي شامل على كل من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة”[39]. وفي مقابلة مع وكالة “رويترز”، قال عباس إن السلطة الفلسطينية لا تزال حاضرة في غزة كمؤسسة، ولا تزال تدفع رواتب ونفقات شهرية تقدر بنحو 140 مليون دولار للموظفين والمتقاعدين والأسر المحتاجة. وأضاف أن “السلطة الفلسطينية لا يزال لديها 3 وزراء موجودون في غزة، وأكد الحاجة إلى إعادة تأهيل السلطة وبحاجة إلى دعم دولي كبير” للعودة إلى القطاع. كما أبدي عباس استعداده لإحياء السلطة والقيام بإصلاحات فيها وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الأراضي الفلسطينية[40].
كما نقلت وكالة “بلومبرغ”، في 7 ديسمبر 2023، عن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، قوله إن السلطة الفلسطينية تعمل مع مسؤولين أميركيين على خطة لإدارة قطاع غزة. وقال اشتية إن التصور الأفضل أن تصبح حماس، التي تدير القطاع حاليًا، شريكًا أصغر لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يساعد على تأسيس دولة مستقلة جديدة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وأضاف اشتية أنه سيكون هناك مجال للمحادثات إذا كانت حماس مستعدة للتوصل لاتفاق وقبول المنهج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين يجب ألا يكونوا منقسمين. كما لفت إلى أن هدف إسرائيل المتمثل في القضاء الكامل على حماس غير واقعي[41].
فيما قال حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (وأحد أبرز المرشحين لخلافة عباس علي رأس السلطة)، خلال مقابلة مع وكالة “رويترز”، في 16 ديسمبر 2023، عقب لقاء جمعه والرئيس عباس مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في رام الله في 15 ديسمبر 2023، إن “السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وستكون مستعدة لتولي إدارة غزة بعد انتهاء الحرب”، غير أنه أقر بضرورة إعادة تقييم السلطة الفلسطينية لدورها. وقال الشيخ إنه “يتعين أن تكون هناك حكومة واحدة تدير الوطن الفلسطيني”. وأضاف “أنه على الرغم من تقديم دعم بالأقوال، مرحب به، لدولة فلسطينية في الاجتماعات، فإن واشنطن لم تقترح آليات ملموسة أو مبادرات سياسية”. وكرر دعوة عباس لعقد مؤتمر دولي للسلام لرسم طريق جديد. وأضاف “أن اتفاقات أوسلو للسلام مع إسرائيل عام 1993 كانت ناجحة جزئيًا؛ لأنها منحت الفلسطينيين هوية”، وقال إن “المداهمات العسكرية الإسرائيلية وتوسيع المستوطنات أدى إلى إضعاف السلطة الفلسطينية”[42].
ولا تكاد تغيب عبارات “تقوية السلطة الفلسطينية وإصلاحها لإدارة غزة بعد الحرب” عن تصريحات المسؤولين الأميركيين بمختلف المستويات منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر[43]. وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قالا إنه بعد الحرب القائمة، يجب توحيد غزة مع الضفة الغربية، في ظل سلطة فلسطينية “معاد تنشيطها”. وأثار بلينكن هذه القضية خلال زياراته المتكررة للمنطقة منذ اندلاع الحرب في رحلات شملت، إسرائيل والأراضي الفلسطينية وعدد من العواصم العربية الرئيسية[44]. وفي هذا السياق؛ قال بلينكن، إنه يتعين أن تلعب السلطة الفلسطينية دورًا مركزيًا فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة، مضيفًا إن أكثر حل منطقي أن تتولى “سلطة فلسطينية فعالة ومنشطة” إدارة القطاع في نهاية المطاف، لكنه اعترف بأن دولًا أخرى ووكالات دولية من المرجح أن تلعب دورًا في الأمن والحكم في هذه الأثناء”[45]. وفى مقال بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 18 نوفمبر 2023، قال بايدن أنه ينبغي إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت هيكل حكم واحد، وفي نهاية المطاف في ظل سلطة فلسطينية متجددة[46].
ومؤخرًا؛ التقى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان في مدينة رام الله مع عباس، في 15 ديسمبر 2023، وناقش معه كيفية مشاركة السلطة الفلسطينية في حكم غزة بعد الحرب. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، في إفادة صحفية، إن سوليفان وعباس “تحدثا بالتأكيد عن غزة ما بعد الصراع وقضايا الحكم وعن سلطة فلسطينية متجددة تتوفر على شرطي المسؤولية والمساءلة في كيفية إدارة مستقبل الشعب الفلسطيني.. لقد ناقشا الخطوات اللازمة حتى تصبح السلطة الفلسطينية أكثر مصداقية وعُرضة للمساءلة”.
وكشف مسؤولون أمريكيون، بحسب باراك رفيد في تقرير بموقع “أكسيوس” الأمريكي، عن أن إدارة الرئيس جو بايدن “تريد من عباس إجراء إصلاحات واسعة النطاق، بينها ضخ أشخاص أصغر سنًا في قيادة السلطة الفلسطينية، تتمتع بقدرات عالية وبمصداقية بين الفلسطينيين في الضفة وغزة، وتحظى باحترام وثقة المجتمع الدولي”. كما ناقشت الإدارة الأمريكية مع السلطة الفلسطينية “إعادة تنشيط بعض أفراد قواتها الأمنية الذين يعيشون في غزة وكانوا في الخدمة الفعلية قبل سيطرة حماس على القطاع”. وتابع رفيد أن “السلطة الفلسطينية تواصلت في الأيام القليلة الماضية مع بعض أولئك الذين ما زالوا في سن مؤهلة للخدمة الأمنية لمعرفة ما إذا كانوا مهتمين بالعودة إلى الخدمة”. ومنذ 2007، يتلقى أفراد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في غزة، والبالغ عددهم نحو 18 ألف عنصر، رواتب على الرغم من عدم انخراطهم في أي أعمال فعلية، كما قال رفيد[47].
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن مسئولين مطلعين على المحادثات التي تمت خلال اجتماع عباس وبلينكن في أواخر نوفمبر 2023، إن مقترحات واشنطن السرية تشمل تنازل عباس عن بعض سلطاته، كما تتضمن تعيين نائب لعباس، وإعطاء صلاحيات تنفيذية أوسع لرئيس الوزراء، وإدخال شخصيات جديدة في صفوف القيادة. ونقلت الوكالة عن أحد المطلعين قوله بأن “عباس عبر في أحاديث خاصة عن قبوله بعض المقترحات الأمريكية لإصلاح السلطة الفلسطينية”. وأشارت إلي أن “المسئولين الأمريكيين لم يطرحوا أي أسماء على عباس، لكن بعض الشخصيات في واشنطن وإسرائيل يفضلون حسين الشيخ، الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تضم فصائل بعيدة عن تيار الإسلام السياسي، ليصبح نائبًا محتملًا وخليفة في المستقبل لعباس”[48].
وقد أفادت صحيفة “التايمز” اللندنية، في 7 ديسمبر 2023، بأن بريطانيا أرسلت فريقًا عسكريًا للضفة الغربية لمساعدة السلطة الفلسطينية على تولي إدارة قطاع غزة. ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، قوله إنه يجب أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية في غزة بعد الحرب. وأضاف شابس أن لندن تعمل مع واشنطن لتحسين قدرات السلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أنه ناقش الأمر مع نظيره الأميركي لويد أوستن. وقال إن السلطة مستعدة لإجراء أول انتخابات وطنية لها منذ عام 2006 كجزء من اتفاق سلام طويل الأمد أوسع نطاقًا، وأضاف “نحن مستعدون لأجندة سياسية إصلاحية من خلال انتخابات عامة حرة وديمقراطية”. وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تبدأ حكم غزة بمجرد انتهاء الصراع الحالي، ويمكن أن تجري انتخابات بعد “فترة انتقالية” من عام إلى عامين[49].
جدير بالإشارة هنا، أن القبول المبدئي من قبل السلطة الفلسطينية بالحديث مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بترتيبات ما بعد الحرب، يأتي في وقت اعتبرت فيه تلك الإدارة نفسها جزءًا من كابينت الحرب الإسرائيلي، ما يشكل أحد الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها القيادة السياسية للسلطة، ولربما كان الأولى تقديم اشتراطات تتضمن وقف الحرب ووقف الاعتداءات في الضفة قبل البدء في أي لقاء. كما أن الإدارة الأمريكية، وإن اشترط الرئيس أبو مازن أن يكون الحل النهائي لما بعد الحرب ضمن صفقة سياسية شاملة، فأنها لم تقدم أية رؤية حول الحل، باستثناء ما تبحثه في شكل الحل مع إسرائيل، وتبحث من خلاله عن تحقيق نصر لإسرائيل على حساب الموقف الفلسطيني. ناهيك عن أن المراهنة على أن السلطة بإمكانها أن تكون جزءًا من حل سياسي في غزة ضمن صفقة شاملة ليس أمرًا سيئًا، ولكنه في ذات السياق يعتبر معقدًا من ناحية افتراض استراتيجي بعدم قبول إسرائيل ذلك باعتباره توحيدًا ما بين الضفة وغزة، وهذا أمر بديهي بالنسبة للإسرائيليين، فيما من الممكن التوجه للحديث مع حماس مباشرة، بوسيط أو دون وسيط لبحث كيفية الخروج من الأزمة بانتصار فلسطيني جماعي[50].
ورغم ذلك، فإن إسرائيل منقسمة بشأن إمكانية إدارة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، فالوسط واليسار الإسرائيلي مثل عضو مجلس الحرب بيني غانتس وزعيم المعارضة يائير لابيد، يوافقان علي عودة السلطة الفلسطينية ومنحها زمام قيادة قطاع غزة[51]، ولكن بعد إعادة تأهيلها وتقويتها حتى تتجاوز العجز والضعف الذي تعاني منه، وأدى إلى خسارتها غزة، وضعف سيطرتها على مناطق عدة في الضفة الغربية، والتعامل مع قطاع غزة كما تتعامل سلطات الاحتلال مع المناطق المصنفة (ب) في الضفة؛ حيث تحتفظ بالأمن بينما تحتفظ السلطة الفلسطينية بالصلاحيات الإدارية والمدنية. وهذا الموقف بشأن الموافقة المحتملة على عودة السلطة إلى قطاع غزة يتوافق مع موقف الإدارة الأميركية وأوروبا والمجتمع الدولي[52]. هذا الاتجاه يدعمه أيضًا المستوى الأمني ومعه الجيش الإسرائيلي، إذ سبق أن أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى أنه يتعين على إسرائيل، بعد انتهاء القتال في غزة، أن تنهي مشاركتها في المسئولية عن الحياة في القطاع[53].
ويري هذا التيار الإسرائيلي أنهم لن يجدوا بديلًا عن “اعتدال” السلطة ورؤيتها. كما أن السلطة تحظى باعتراف دولي وعربي، وبالتالي ليس من السهولة تجاوزها[54]. ناهيك عن المهمة الاستراتيجية التي تقدمها السلطة للإسرائيليين والمتمثلة في الحفاظ علي حالة الهدوء في الضفة الغربية، والعمل كضابط للمقاومة، وحاجز في وجه صعود حماس في الضفة[55].
في المقابل، فإن اليمين الإسرائيلي بزعامة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يرفض عودة السلطة لحكم قطاع غزة؛ بدعوي أن عودة السلطة لحكم القطاع سيعني إقامة دولة فلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وهو ما يمثل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل[56]. أكثر من ذلك، فإن تصريحات نتنياهو حاولت المساواة بين السلطة الفلسطينية، ومن ورائها حركة فتح، مع حركة حماس من حيث المبدأ، للتعامل مع السلطة بصفتها عدوًا يجب القضاء عليه. كما كشفت عن رغبته في إعادة الوضع إلى ما قبل اتفاقات أوسلو، مع العمل على مشروع ترانسفير، ليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزة، بل وفي الضفة الغربية أيضًا[57].
في هذا السياق؛ أكد نتنياهو، وفق تصريحات سربتها وسائل إعلام إسرائيلية عنه أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في 12 ديسمبر 2023، أن “إسرائيل مستعدة لمحاربة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وأن إسرائيل جاهزة لسيناريو تقلب فيه فوهات البنادق، وتوجهها نحو قوات السلطة”. وشدد على أن “قطاع غزة سيبقى تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية بعد الحرب، وأنه سيقيم إدارة مدنية في القطاع لا تشكل أي خطر على إسرائيل”. وقال، إنه “الوحيد القادر على إبقاء القطاع تحت السلطة الأمنية الإسرائيلية، وسيمنع إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية”. وجدد تأكيده أنه “لن يسمح للسلطة الفلسطينية بالعودة للحكم في قطاع غزة بأي حال من الأحوال”. وفي ذات الجلسة هاجم نتنياهو اتفاق أوسلو للسلام مع الفلسطينيين ووصفه بالكارثة، وأضاف: “اتفاقيات أوسلو هي الخطأ الأساسي، لقد جاء بالأشخاص الأكثر معاداة للصهيونية والأكثر معاداة لليهود إلى هنا”[58].
ثم أكد نتنياهو علي الأمر نفسه، في المؤتمر الصحافي، في 16 ديسمبر 2023، قائلًا: “أنه بعد أن رأينا الدولة الفلسطينية المصغرة في غزة، فإن الجميع يفهم ما كان سيحدث لنا لو استسلمنا للضغوط الدولية وسمحنا بإقامة دولة كهذه في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وحول القدس وعلي مشارف تل أبيب”. وأشار إلي أنه كان له الفضل بإعاقة إقامة دولة فلسطينية على مدار سنوات حكمه، وأنه لن يسمح لدولة إسرائيل بالعودة إلى خطأ اتفاقيات أوسلو المشؤومة، التي أعادت الفلسطينيين إلى قلب دولة إسرائيل. وأكد بأن فتح وحماس متفقتان على تدمير إسرائيل، لكنهما مختلفتان على الأسلوب، مضيفًا بأن الفرق بين حماس والسلطة الفلسطينية أن حماس تريد تدميرنا هنا والآن، والسلطة تريد أن تفعل ذلك على مراحل، وليس أدل على الأمر برأيه سوى أن القيادة الفلسطينية في رام الله ترفض حتى الآن إدانة هجوم حركة حماس. بل ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله إن السلطة الفلسطينية لا تحارب الإرهاب بل تدعم الإرهاب، لا تربي من أجل السلام، بل تربي على القضاء على إسرائيل. وأكد بأنه لن يقبل بعودة هذه السلطة إلى غزة، وأضاف بأنه لا يريد استبدال حماستان (يقصد وصف حكم حماس بالإرهابي) بفتحستان (يقصد وصف حكم فتح بالإرهابي)، ولا نريد الاستعاضة عن خان يونس (أي صعود المقاومة تحت حكم حماس) بمخيم جنين (أي صعود المقاومة تحت حكم فتح)[59].
وبناءً علي ما سبق؛ يمكن القول أنه رغم حالة الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية حول إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع؛ إلا أنهم يتفقون علي ضرورة التزام السلطة الجديدة في غزة بثلاثة شروط:
الشرط الأول؛ أن يكون قطاع غزة منزوع السلاح، خلال المؤتمرات الصحافية الدورية التي يظهر بها نتنياهو، طلب منه الصحافيون في أكثر من مرة أن يكف عن القول “ماذا لا يريد في قطاع غزة” وينتقل إلى الحديث بشكل أكثر وضوحًا إلى “ماذا يريد في قطاع غزة”. الإجابة شبه الوحيدة التي قدمها نتنياهو في هذا المقام هي أنه يريد قطاع غزة “منزوع السلاح”[60].
الشرط الثاني؛ تخلي السلطة الجديدة عن السيادة الأمنية لصالح إسرائيل بحيث تكون للأخيرة “حرية مطلقة” بالعمل العسكري في كل قطاع غزة، كما يحدث في الضفة الغربية.
الشرط الثالث؛ ألا تشكل السلطة الجديدة تهديدًا أمنيًا أو سياسيًا لإسرائيل؛ التهديد المقصود لا يشمل فقط الجانب الأمني- العسكري (مثل وجود بنية للمقاومة المسلحة كما كان الوضع عليه قبل 7 أكتوبر)، وإنما أيضًا عدم وجود تحريض سياسي ضد إسرائيل (مثلًا، وجود مناهج تعليم تحريضية، أو تشريعات لاحتضان أهالي الأسرى والشهداء كما هو معمول به حاليًا في الضفة الغربية، أو ملاحقتها دوليًا).
أي أن السلطة التي يجب أن تتعامل معها إسرائيل في اليوم التالي للحرب يجب أن تضع على رأس مهماتها إحداث تغيير كامل في المناهج التعليمية التي تعرض الرواية التاريخية الفلسطينية (لإنتاج “الفلسطيني الجديد” الذي لا يعارض حق إسرائيل بالوجود، ويكون أكثر تسامحًا معها)، كما يجب ألا تكون مفاهيم حق العودة وتقرير المصير والإعجاب بالكفاح المسلح جزءًا من ثقافة أو روح السلطة الجديدة. وتحقيقًا لهذه الغاية، يجب تفكيك جميع التشكيلات التي تديم قضية اللاجئين الفلسطينيين، مثل تفكيك المخيمات واستبدالها بأحياء سكنية جديدة وإنهاء خدمات وكالة الأونروا. حيث أن استمرار وجود هاتين المؤسستين (المخيم والأونروا) تديمان بشكل ممنهج وعي اللاجئين بأنهم لا يزالون لاجئين.
وكما يجب أن تتوقف السلطة الجديدة فورًا عن دفع المرتبات لـ “الإرهابيين” الفلسطينيين سواء الأسرى أو عائلات الشهداء؛ ما يعني رغبة إسرائيل في وجود آليات تضمن حقها بالإشراف على أي تشريع فلسطيني في المستقبل، والمصادقة عليه، أو رفضه. مع التأكيد علي ضرورة الانفكاك المدني لهذه السلطة عن دولة إسرائيل؛ أي التقليل من التبعية الإدارية لسكان القطاع على إسرائيل في تقديم الخدمات العامة من كهرباء، وطاقة ومياه وأسواق عمل.
كما لا يجب أن تشكل السلطة الجديدة لاعبًا سياسيًا مستعدًا لتحدي إسرائيل في الهيئات الدولية مثل اللجوء إلى المحاكم الدولية (محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية)، أو أن تشرف على حملات لنزع الشرعية عنها في محافل دولية مختلفة[61].
وفي ضوء هذه الشروط؛ يمكن القول أن هناك محاولة إسرائيلية – بدعم أمريكي – لتقديم رؤية جديدة لإدارة الحالة السياسية الفلسطينية والواقع الفلسطيني، على غرار ما قام به رئيس الوزراء الأسبق “أرئيل شارون” عقب عملية السور الواقي عام 2002، والتي قام خلالها بتدمير البنية المؤسسية للسلطة الفلسطينية في الضفة، وإزاحة الرئيس الراحل ياسر عرفات عن مشهد التأثير السياسي، بهدف صعود تيار سياسي فلسطيني يمكن أن يقبل بأطروحات مقابل تنازل أكبر[62].
ثانيًا: المحددات المؤثرة علي موقف السلطة من العدوان الإسرائيلي علي غزة:
تتمثل أهم العوامل والمحددات المؤثرة في تحديد موقف السلطة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومن اقتحام مناطق الضفة الغربية في:
1- العقيدة الأمنية للسلطة الفلسطينية: فخلال مؤتمر مدريد للسلام في نوفمبر 1991، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح، بقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الذي يحمل في طياته اعترافًا ضمنيًا بإسرائيل بعد أن ظلت لسنوات تعارضه وتعتبره تفريطًا في الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
وأسفر المؤتمر عن سلسلة مفاوضات امتدت حتى عام 1993، بتوقيع اتفاق أوسلو بين المنظمة والاحتلال الإسرائيلي، واعترفت فيه بحل الدولتين: دولة إسرائيل داخل الأراضي المحتلة عام 48، والدولة الفلسطينية على حدود 67، وفي بنود الاتفاق، أدانت المنظمة “استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشي مع هذا التغيير، كما سوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين”.
واستكمالًا لاتفاقية أوسلو، وقعت السلطة الفلسطينية (والتي أُنشئت في عام 1994 بموجب اتفاقات أوسلو للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات) وإسرائيل اتفاق طابا أو ما يعرف باسم “اتفاقية أوسلو 2” عام 1995، وفيها بدأت تتبلور فكرة التنسيق الأمني بين الطرفين، والتي نصت من ضمن بنودها على أنه “باستثناء سلاح وعتاد وأجهزة الشرطة الفلسطينية في الملحق الأول وتلك الخاصة بالقوات العسكرية الإسرائيلية، لا يمكن لأي منظمة أو مجموعة أو أفراد في الضفة الغربية وقطاع غزة أن يصنع أو يبيع أو يحوز أو يملك أو يورد أو يحضر سلاح أو عتاد ومتفجرات أو ملح البارود أو أي أجهزة مرتبطة بذلك”[63]. ومن بين ما تنص عليه اتفاقية أوسلو أيضًا أن تكون “الشرطة الفلسطينية مسؤولة عن معالجة قضايا النظام العام والتي يتورط بها الفلسطينيون فقط”، وأن “يأخذ الطرفان (الفلسطيني والإسرائيلي) الإجراءات الضرورية لمنع أعمال “الإرهاب، والجريمة، والأعمال العدوانية الموجهة ضد الطرف الآخر، أو ضد أفراد واقعين تحت سلطة الطرف الآخر”[64].
وبعد أوسلو، جاءت “خريطة الطريق سنة 2002” التي اقترحتها اللجنة الرباعية بشأن الشرق الأوسط المؤلفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة؛ لإعادة طرح “بناء الدولة الفلسطينية على حدود 67″؛ وذلك عقب انتفاضة عام 2000 والتي شارك بها عناصر من أمن السلطة الفلسطينية. وتنفذ خريطة الطريق المقترحة على ثلاثة مراحل، وتبدأ المرحلة الأولى منها من يناير عام 2002، وحتى مايو 2003 وتهدف لإنهاء “الإرهاب والعنف”، وبناء المؤسسات الفلسطينية. ويكون عنوان المرحلة الثانية التي تستمر من يونيو 2003- ديسمبر 2003، إنشاء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، على أساس الدستور الجديد، وتنتهي بالمرحلة الثالثة 2004- 2005 باتفاق الحل الدائم ونهاية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. المهم هنا، أنه من ضمن ما تلتزم به السلطة الفلسطينية، خلال المرحلة الأولى والمتعلق بالشق الأمني:
- تصدر القيادة الفلسطينية بيانًا “لا يقبل التأويل يعيد تأكيد حق إسرائيل بالعيش بسلام وأمن يدعو لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقف النشاطات العسكرية وجميع أشكال العنف ضد الإسرائيليين في أي مكان، وتوقف كافة المؤسسات الفلسطينية الرسمية التحريض ضد إسرائيل”.
- يعلن الفلسطينيون وقفًا لا يقبل التأويل للعنف والإرهاب ويقومون بجهود ملموسة على الأرض لاعتقال وعرقلة وتوقيف الأشخاص والجماعات التي تشن وتخطط لهجمات عنيفة ضد الإسرائيليين في أي مكان.
- تبدأ أجهزة السلطة الفلسطينية المعاد بناؤها عمليات مستمرة ومحددة وفاعلة تهدف إلى مواجهة كل هؤلاء الذين لهم علاقة بالإرهاب وتقويض القدرات والبنى التحتية الإرهابية، وهذا يشمل بدء جمع الأسلحة غير المشروعة وتعزيز السلطة الأمنية بعيدًا عن الارتباط بالفساد والإرهاب.
- يتم استئناف التنسيق الأمني بشكل سريع بين أجهزة الأمن الفلسطينية المعاد بناؤها وتدريبها ونظراؤها في جيش الدفاع الإسرائيلي وعقد اجتماعات دورية على مستوى رفيع بمشاركة مسؤولون أمنيين أميركيين.
كلف الرئيس محمود عباس رئيس الوزراء سلام فياض، بعد يوم واحد من حصول الحسم العسكري بين حماس وفتح عام 2007، بتشكيل “حكومة طوارئ”، وبدأ بإصدار سلسلة مراسيم كان منها المرسوم الذي صدر في 26 يونيو 2007، الذي أعلن بموجبه حل كافة ما أسماها “المليشيات المسلحة”، أي فصائل المقاومة. وعام 2007، أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا يقضي بحل “كتائب شهداء الأقصى” (الجناح العسكري لحركة فتح)، وعفت إسرائيل بموجب اتفاقية مع رئيس الوزراء آنذاك سلام فياض عن 180 مقاتلًا من كتائب شهداء الأقصى مقابل تسليم السلاح والحصول على وظائف في الأجهزة الأمنية.
من أجل تعزيز بيئة التعاون الأمني، عمدت الولايات المتحدة لأول مرة إلى لعب دور فاعل في تنظيم ومأسسة التعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، ففي مارس 2005 شكلت الولايات المتحدة مجلسًا لتنسيق التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل، بقيادة الجنرال الأميركي كيث دايتون، الذي تولى شخصيًا مهمة الإشراف على إعداد وتدريب أجهزة السلطة الأمنية، لتحسين قدرتها على إحباط العمليات المسلحة للمقاومة. وحرص على أن تسهم دورات التدريب التي أشرف عليها في فرض عقيدة أمنية جديدة على المؤسسة الأمنية في السلطة، بحيث يفضي تشرب منتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تلك العقيدة إلى “صناعة الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في إحباط العمل المقاوم ضد الاحتلال مصلحة وطنية له.
ومطلع فبراير 2023، نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت، كانت للضغط على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لقبول “خطة أمنية تعيد سيطرة السلطة على مدينتي نابلس وجنين، وتدريب قوة فلسطينية خاصة لمواجهة المسلحين (أي المقاومين) في الضفة الغربية المحتلة”[65].
وفي ضوء ذلك، وعلي خلفية تقسيم اتفاقية أوسلو، التي كان يفترض أنها مرحلية لـ5 سنوات وتمهد لإنشاء الدولة الفلسطينية، أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام “أ” و”ب” و”ج”. وتشكل المنطقة “أ” نحو 17.5% من مساحة الضفة وهي مراكز المدن وتخضع مدنيًا وأمنيًا للسلطة الفلسطينية، بينما تشكل المنطقة “ب” نحو 18.5% من أراضي الضفة، وهي ضواحي المدن وامتدادها الريفي، وتدير شؤونها المدنية السلطة وتخضع أمنيًا للاحتلال. ويسكن في “أ” و”ب” نحو 92% من الفلسطينيين، حيث تعد مناطق مكتظة، بينما أبقت اتفاقية أوسلو أكثر من 60% من أراضي الضفة تحت سيطرة إسرائيل مدنيًا وأمنيًا في المناطق المصنفة “ج” على أن تُسلم تدريجيًا لإدارة السلطة الفلسطينية. هذه المنطقة المصنفة “ج” هي التي تشهد عمليات هدم وتهجير واستيطان واعتداءات المستوطنين، وقليل منها في مناطق “ب” حيث لا وجود للمراكز الأمنية الفلسطينية، إضافة إلى أن نوعية التسليح لأجهزة الأمن خفيفة مقارنة مع تسليح جيش الاحتلال والمستوطنين، ناهيك عن قيام الاحتلال باختراق المنطقة (أ) لممارسة “المهمات الأمنية” والاعتقالات كلما شاء[66].
2- التنافس السياسي مع حماس: في ضوء ما سبق؛ ومنذ اتفاقية أوسلو، اتبعت السلطة الفلسطينية، استراتيجية بسيطة تقوم على السعي إلى حل الدولتين بالتفاوض السياسي استنادًا إلى اتفاق أوسلو، واعتماد المقاومة المدنية في مواجهة الاستيطان الإسرائيلي، والدبلوماسية المكثفة في الميدان الدولي، والاتكاء على الأمم المتحدة ومؤسساتها في مواجهة كل عدوان[67]. وتمسك السلطة (وحركة فتح) لتحقيق أي تقارب أو مصالحة مع باقي الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد بالأساس) بعدة شروط، تتمثل في: أولًا؛ انطواء كل الفصائل تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني (حماس والجهاد خارجها)، والالتزام بالتزاماتها، ومن بينها الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، والالتزام بخيار التسوية وحل الدولتين وثانيًا؛ الالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية كسبيل نضال وحيد، بمعنى عدم استخدام السلاح في مقاومة المحتل الإسرائيلي، وثالثًا؛ يجب أن لا يكون إلا سلاح واحد ووحيد في الأراضي الفلسطينية، وهو سلاح السلطة فقط، بمعنى تخلي المقاومة عن سلاحها وتسليمه للسلطة.
بالمقابل، فإن الفصائل الأخرى وعلى رأسها حماس والجهاد تتمسك بالمقاومة بكافة أشكالها بما فيها الكفاح المسلح، وضرورة إلغاء أو تجميد اتفاقيات منظمة التحرير مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني، وعدم الاعتراف بالقرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وفي ضمنها الاعتراف بإسرائيل، وعدم القبول بتسليم سلاح المقاومة سواء في غزة أو الضفة، مهما كانت الظروف والتفاهمات والاتفاقيات[68].
وعليه يمكن القول أن هناك حالة انقسام عميقة بين حركتي حماس وفتح (التي تشكل السلطة)، وهذا الانقسام ليس وليد لحظة فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية 2006، بل هو تعبير عن وجود برنامجين على الساحة الفلسطينية، برنامج يحمل مشروع المقاومة سبيلاً لتحرير فلسطين، وآخر ينتهج التسوية والمفاوضات سبيلاً أوحد، وأن ما جرى عام 2007 يمثل اتساع فجوة الخلاف بين البرنامجين[69].
وفي ضوء ذلك؛ تقدر أوساط نافذة في السلطة الفلسطينية بأن المواجهة الحالية بين حماس وقوات الاحتلال تشكل فرصة مهمة لحسم التنافس مع خصمها السياسي الأبرز، وللعودة إلى حكم قطاع غزة.
3- التهديدات الإسرائيلية: حيث تخشي السلطة علي وجودها في ظل تهديدات الحكومة الإسرائيلية اليمينية بتقويض السلطة، وتحجيم دورها ومعاقبتها بتهمة تمويل الإرهاب، وعدم إدانة هجوم حماس في السابع من أكتوبر. وقد لوح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستعداد الجيش الإسرائيلي لاحتمال خوض المواجهة مع الأجهزة الأمنية للسلطة، ووصف اتفاق أوسلو الذي أسس لقيامها بالخطأ التاريخي.
كما تخشي السلطة من معاقبتها اقتصاديًا في حال تبنت مواقف تستفز الجانب الإسرائيلي الذي قرر اقتطاع نحو 156 مليون دولار من أموال المقاصة الشهرية، بحجة أن هذا المبلغ يشمل رواتب ومخصصات موظفين ومصاريف لقطاع غزة. وقد صدرت مؤشرات خلال الأيام الماضية إلى أن الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة تدرس إمكانية الإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة لديها وتحويلها للسلطة، وأنها تدرس كذلك إعادة السماح لعمال من الضفة بالعمل في الداخل الفلسطيني المحتل وفق شروط أمنية جديدة، خاصة بعد موقف السلطة الضعيف من العدوان الإسرائيلي علي غزة.
4- الرغبة العربية والدولية في القضاء علي حماس: حيث أن مواقف السلطة تتوافق مع مواقف الأطراف الغربية (أمريكا وأوروبا) والعربية (مثل السعودية والإمارات ومصر والأردن)، والتي ترغب هي الأخرى بإنهاء حكم حماس في قطاع غزة، وترغب بإضعافها وبتعزيز دور السلطة في الضفة والقطاع، وبوقف تصاعد أنشطة المقاومة في الضفة الغربية التي تهدد نفوذ السلطة[70].
ثالثًا: مستقبل السلطة الفلسطينية عقب العدوان الإسرائيلي علي غزة:
يمكن الإشارة إلي سيناريوهين رئيسين حول مستقبل السلطة الفلسطينية علي خلفية موقفها من العدوان الإسرائيلي علي غزة:
السيناريو الأول؛ قائم على افتراض ازدياد أهمية وحاجة السلطة بالنسبة للنظام الدولي، خاصة بعد تهميشها مؤخرًا بعد الحديث عن “صفقة القرن”، وصعود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل. ويبدو أن هذا السيناريو يكشف عن أهمية الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية في ضبط الشارع الفلسطيني والسيطرة عليه، والقيام بالمهمات القمعية بالنيابة عن الاحتلال. ولعل المقترحات الدولية (الأمريكية بالأساس) التي تنادي بضرورة عودة السلطة لحكم قطاع غزة أبرز دليل علي ذلك.في المقابل، تحتاج السلطة إلى بعض الدعم الاقتصادي والسياسي لضمان استمرار شيء من المشروعية لديها في الشارع الفلسطيني، وهو ما يعقد طريقة تحقق هذا السيناريو، لا سيما مع استمرار الاستيطان الذي يبدو أن إسرائيل لن تتراجع عنه مهما كلفها الأمر.
أما السيناريو الثاني؛ فيقوم على أن هذه الأحداث ستعجل من انهيار السلطة وتفككها؛ فالسلطة تشهد مأزقًا سياسيًا واضحًا، وعجزًا مؤسساتيًا يكمن في تجمع السلطات كلها في يد محمود عباس، مع عجزه عن ضمان توريثها بطريقة سلمية، لا سيما وأن الاستقطابات داخل السلطة وحركة فتح أصبحت على أشدها. ويأتي هذا كله، وسط غضب المجتمع الفلسطيني تجاه السلطة، ورؤيته للمقاومة في غزة بوصفها نموذجًا قادرًا على تحقيق الكرامة وإعادة أجندة التحرير[71]، الأمر الذي ظهر في نتائج الاستطلاع الذي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” بالتعاون مع مؤسسة “كونراد أديناور” في رام الله، والذي أظهر ارتفاع نسب دعم حماس في الضفة الغربية ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب.
فوفقًا للاستطلاع الذي أُعلنت نتائجه، في 13 ديسمبر 2023، فإن ما يقرب من 70% من الفلسطينيين طالبوا بحل السلطة الفلسطينية، كما رأى 90% أن الرئيس عباس يجب أن يستقيل. كما يرى أكثر من 60% من الفلسطينيين أن “المقاومة هي الطريق الأمثل لإنهاء الاحتلال”، وقال 72% ممن شملهم الاستطلاع إنهم يؤيدون “طوفان الأقصى”. وعارض 64% من المستطلعة آراؤهم مشاركة السلطة الفلسطينية في لقاءات مع الولايات المتحدة ودول عربية أخرى لبحث مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، وقال 60% منهم إنهم يفضلون بقاء حكم حماس في قطاع غزة بعد الحرب[72].
كما ظهرت مظاهر تصاعد شعبية حماس في الضفة في الهتافات التي رددتها حشود كبيرة في الضفة الغربية تجمعت للترحيب بالأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة تبادل الأسرى التي نُفذت بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية. فخلال هذه الاحتفالات حمل العديد من المشاركين أعلام حماس الخضراء ورددوا شعارات مؤيدة لحماس أثناء احتضانهم للأسرى الفلسطينيين المحررين مثل “بالروح بالدم نفديك يا حماس” و”حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف”[73].
خلاصة السيناريوهين السابقين، أن مكانة السلطة الفلسطينية لدي المجتمع الدولي ستزداد عقب العدوان الإسرائيلي علي غزة، ولكن ذلك لا يعني أنه سيستجيب لمطالب السلطة الفلسطينية المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية، بل علي العكس سيتم الضغط علي السلطة لتقديم مزيد من التنازلات مقابل وعود – لن تتحقق – بإقامة دولة فلسطينية، وهو ما سيضاعف من تآكل شرعية السلطة في نظر الفلسطينيين، الذين يرون أنها أصبحت خادمًا للاحتلال وعبئًا عليهم.
الخلاصات والاستنتاجات:
1- بشكل عام، تماهى موقف السلطة من العدوان الإسرائيلي علي غزة مع الموقف الرسمي العربي، الذي تغلب عليه النظرة السلبية للمقاومة العسكرية الفلسطينية، وللتيارات الإسلامية الحركية الإصلاحية؛ والذي يرغب في حلول سلطة رام الله مكان حماس في إدارة قطاع غزة.
2- بالرغم من الموقف الظاهر من قبل السلطة في معارضة العدوان على القطاع، وتقديم نفسها كممثل للشعب الفلسطيني، وكمعبر عن معاناته وتطلعاته؛ إلا أن السلوك الميداني على الأرض في الضفة الغربية، خصوصًا من خلال متابعة التنسيق الأمني مع العدو، ومنع الحركات الشعبية وقطع الطريق على أي تصعيد للانتفاضة والعصيان المدني والمقاومة المسلحة، أوجد بيئة مريحة للاحتلال، وحيد عمليًا أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية عن الفعل النضالي المقاوم.
3- كما بدا وكأن قيادة السلطة تفضل سياسة الترقب، بانتظار ما سيسفر عنه العدوان على غزة، مع تعامل عدد من قياداتها وكأن هزيمة المقاومة وسيطرة الاحتلال هي مسألة وقت. وبالتالي، فالسلطة هي المرشحة لاستلام إدارة غزة، غير أنها ترفض أن يظهر ذلك، وكأنه يأتي على ظهر دبابة إسرائيلية، مما سيتسبب في مزيد من تدهور شعبيتها المتدهورة أصلًا؛ وفقدان مصداقيتها. وستفضل وجود مرحلة انتقالية قبل استلامها مقاليد الأمور، وأن يكون ذلك ما أمكن ضمن حالة توافق وطني، وضمن رؤية أشمل للتقدم الجاد في مسار التسوية.
4- وبالتالي، فمن غير المرجح خلال الأيام القادمة أن يطرأ تغير جوهري على موقف السلطة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بانتظار انجلاء نتائج العدوان الإسرائيلي علي غزة[74].
5- في المقابل؛ تؤكد المؤشرات الميدانية للعدوان الإسرائيلي علي غزة استحالة القضاء علي حركة حماس (كما كانت ترغب السلطة)، وحتي لو خرجت حماس من الحرب منهكة القوى كأقصي ما يمكن تحقيقه في هذه الحرب، لكنها ستكون رابحة سياسيًا على المستوى الشعبي والوطني، مقياسًا بخسارة السلطة لنفس المستوى بسبب موقفها الضعيف من العدوان الإسرائيلي.
6- أكثر من ذلك؛ فمن ضمن الارتدادات الممكن توقعها والتي تؤثر مباشرة على السلطة الفلسطينية؛ أن أي حلول على مستوى التفاوض في صفقة أسرى قادمة تبرمها حماس ستغير من التركيبة البنائية لحركة فتح، نظرًا لأن القائمة ستتضمن حتمًا عناصر قيادية فاعلة من فتح، وهو أمر قد يجعل السلطة الفلسطينية عرضة للتأثر ومطالبة بالإصلاح من الداخل للانسجام أكثر مع مشروع المقاومة، لاسيما بعد فشل مشروع التسوية[75].
[1] “إضاءات سياسية (4): تعامُلُ السلطةِ الفلسطينية في رام الله مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 18/12/2023، الرابط: https://cutt.us/0osU1
[2] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 10/11/2023، الرابط: https://cutt.us/SOdYe
[3] “عباس يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه”، سكاي نيوز عربية، 7/10/2023، الرابط: https://cutt.us/pTwZc
[4] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.
[5] “في الحاجة إلى السلطة الفلسطينية بعد الحرب…”، العربي الجديد، 22/12/2023، الرابط: https://cutt.us/QhEou
[6] “الضفة الغربية وصراع المسارات.. لماذا تغيب عن مشهد “طوفان الأقصى”؟”، الجزيرة نت، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/6NVVP
[7] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.
[8] “الغارديان: رئيس الوزراء الفلسطيني يستبعد تولي السلطة إدارة غزة..”لن نعود على متن طائرة أو دبابة إسرائيلية””، القدس العربي، 30/10/2023، الرابط: https://cutt.us/62FNn
[9] “عباس: نرفض ممارسات قتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين”، العربية نت، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/DgqEf
[10] “السلطة وطوفان الأقصى”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، 12/12/2023، الرابط: https://cutt.us/HPM4c
[11] “عباس زكي يشيد بـ”القسام” والمقاومة…ومصدر مسؤول في “فتح”: “لا يمثل إلا نفسه””، وكالة قدس برس للأنباء، 15/10/2023، الرابط: https://cutt.us/ybDk9
[12] “عباس: سياسات وأفعال “حماس” لا تمثل الشعب الفلسطيني”، سكاي نيوز عربية، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/lqzbr
[13] “طوفان الأقصى: حال الضفة الغربية والقدس”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/mzVjf
[14] “وكالة الأنباء الفلسطينية تزيل إشارة عباس بشأن عدم تمثيل أفعال حماس للفلسطينيين”، صحيفة العرب، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eysn6
[15] “السلطة وطوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[16] “مستشار لعباس: الرئيس أدان حماس بكل مكالمة واجتماع عقده مع قادة العالم”، الجزيرة نت، 8/12/2023، الرابط: https://cutt.us/dmPta
[17] “حسين الشيخ: السلطة مستعدة لإدارة غزة بعد الحرب”، الجزيرة نت، 17/12/2023، الرابط: https://cutt.us/QVhEx
[18] “حماس: منفتحون على أي مبادرة لوقف الحرب”، العربية نت، 18/12/2023، الرابط: https://cutt.us/M7OkD
[19] “القضية لم تعد حماس.. متى ينتفض فلسطينيو الضفة والداخل لدعم غزة؟”، نون بوست، 7/12/2023، الرابط: https://cutt.us/1e0fZ
[20] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.
[21] “السلطة وطوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[22] “الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية لـ”الحرة”: مستعدون لتولي مسؤولياتنا في غزة “، الحرة، 22/11/2023، الرابط: https://cutt.us/ybnjn
[23] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.
[24] “السلطة وطوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[25] “طوفان الأقصى: حال الضفة الغربية والقدس في ظل العدوان على فلسطين”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/f6LfR
[26] “السلطة وطوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[27] “”سيناريوهات” للمستقبل.. ما أثر “طوفان الأقصى” في السلطة الفلسطينية؟”، الجزيرة نت، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/bCZXs
[28] “إضاءات سياسية (4): تعامُلُ السلطةِ الفلسطينية في رام الله مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مرجع سابق.
[29] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.
[30] “”سيناريوهات” للمستقبل.. ما أثر “طوفان الأقصى” في السلطة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.
[31] ” هكذا تفاعلت الضفة الغربية مع العدوان الإسرائيلي على غزة”، الجزيرة نت، 31/10/2023، الرابط: https://cutt.us/OaJEo
[32] “”سيناريوهات” للمستقبل.. ما أثر “طوفان الأقصى” في السلطة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.
[33] “القضية لم تعد حماس.. متى ينتفض فلسطينيو الضفة والداخل لدعم غزة؟”، مرجع سابق.
[34] “وزير الدفاع الإسرائيلي يدعو لتحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 2/11/2023، الرابط: https://cutt.us/8nU9f
[35] “السلطة وطوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[36] ” منظمة حقوقية: سلطة عباس تتقاعس عن إحالة جرائم الإبادة إلى العدل الدولية”، عربي21، 4/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Jrh5S
[37] “”سيناريوهات” للمستقبل.. ما أثر “طوفان الأقصى” في السلطة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.
[38] “السلطة وطوفان الأقصى”، مرجع سابق.
[39] “عباس أمام بلينكن: عودة السلطة إلى إدارة غزة مربوط بـ”حل سياسي شامل””، تي أر تي عربي، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/km5J4
[40] “عباس يطالب بمؤتمر دولي للسلام ويبدي استعداده لإصلاح السلطة”، الجزيرة نت، 8/12/2023، الرابط: https://cutt.us/gczAr
[41] “مستقبل غزة.. اشتية يطرح “التصور الأفضل” ونتانياهو يرد”، الحرة، 8/12/2023، الرابط: https://cutt.us/F9keX
[42] “حسين الشيخ: السلطة مستعدة لإدارة غزة.. وأسلوب حماس ليس الأمثل”، مرجع سابق.
[43] “السلطة مستعدة لإدارة غزة بعد الحرب.. فهل تستطيع؟”، الجزيرة نت، 15/12/2023، الرابط: https://cutt.us/7TsV8
[44] “مستقبل غزة.. اشتية يطرح “التصور الأفضل” ونتانياهو يرد”، الحرة، 8/12/2023، الرابط: https://cutt.us/F9keX
[45] “بلينكن: يجب أن يكون للسلطة الفلسطينية دور مركزي بمستقبل غزة”، سكاي نيوز عربية، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/X8mga
[46] “بايدن: ينبغي أن تحكم السلطة الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية المطاف”، القدس العربي، 18/11/2023، الرابط: https://cutt.us/pcUr1
[47] “أكسيوس: بايدن يقترح على عباس تفعيل قوة أمن محلية لإدارة غزة”، الخليج الجديد (مترجم)، 18/12/2023، الرابط: https://cutt.us/virMy
[48] “واشنطن تحث عباس على إجراء إصلاحات في السلطة لإدارة غزة بعد الحرب”، الخليج الجديد، 19/12/2023، الرابط: https://cutt.us/YhAJe
[49] ” التايمز: فريق عسكري بريطاني يجهز السلطة الفلسطينية لإدارة غزة”، الجزيرة نت، 7/12/2023، الرابط: https://cutt.us/z4X8J
[50] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.
[51] “مستقبل غزة.. اشتية يطرح “التصور الأفضل” ونتانياهو يرد”، مرجع سابق.
[52] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/43PvQ
[53] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 19/11/2023، الرابط: https://cutt.us/LNPx6
[54] ” هل تسعى إسرائيل لتقويض السلطة الفلسطينية؟ خبراء يجيبون للجزيرة نت”، الجزيرة نت، 5/12/2023، الرابط: https://cutt.us/oGVuP
[55] “لماذا لم تُفتح حتى الآن جبهة في الضفة الغربية؟”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/xaxro
[56] “مستقبل غزة.. اشتية يطرح “التصور الأفضل” ونتانياهو يرد”، مرجع سابق.
[57] “نتنياهو ورفع مستوى اللهيب في الضفّة الغربية”، العربي الجديد، 25/12/2023، الرابط: https://cutt.us/x2yuD
[58] “نتنياهو: مستعد لمحاربة السلطة بالضفة وغزة ستبقى تحت سيطرة إسرائيلية”، الجزيرة نت، 12/12/2023، الرابط: https://cutt.us/Cc1Ut
[59] ” نتنياهو: فخور بمنع قيام دولة فلسطين.. وغزة ستصبح تحت سيطرتنا الأمنية”، الشرق، 17/12/2023، الرابط: https://cutt.us/sm0zd
[60] “قراءة في تصريحات بنيامين نتنياهو منذ 7 أكتوبر: هل حان الوقت لإلغاء اتفاق أوسلو أم تعديله؟”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 18/12/2023، الرابط: https://cutt.us/3NCXV
[61] “عودة إلى نقاشات “قطاع غزة في اليوم التالي للحرب”: الرؤى الإسرائيلية لشكل “السلطة الجديدة””، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 10/12/2023، الرابط: https://cutt.us/JqlD5
[62] “هل يبحث “نتنياهو” عن انتصار في الضفة يغطي على فشله في غزة ويغير به الواقع السياسي الفلسطيني؟”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 19/12/2023، الرابط: https://cutt.us/c5jdl
[63] “لا التحام أو اشتباك: كيف تشكلت العقيدة الأمنية للسلطة الفلسطينية؟”، نون بوست، 22/12/2023، الرابط: https://cutt.us/zFwWO
[64] “لماذا لا يتصدى الأمن الفلسطيني لاعتداءات المستوطنين بالضفة؟”، الجزيرة نت، 25/12/2023، الرابط: https://cutt.us/7cbLm
[65] “لا التحام أو اشتباك: كيف تشكلت العقيدة الأمنية للسلطة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.
[66] “لماذا لا يتصدى الأمن الفلسطيني لاعتداءات المستوطنين بالضفة؟”، مرجع سابق.
[67] “في الحاجة إلى السلطة الفلسطينية بعد الحرب…”، العربي الجديد، 22/12/2023، الرابط: https://cutt.us/QhEou
[68] “كيف سننجو من الانقسام؟”، رأي اليوم، 1/8/2023، الرابط: https://cutt.us/Urebj
[69] “معجزة الـ 2022.. كوة في جدار المصالحة الفلسطينية؟”، الميادين، 21/12/2021، الرابط: https://cutt.us/WqrPD
[70] “إضاءات سياسية (4): تعامُلُ السلطةِ الفلسطينية في رام الله مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مرجع سابق.
[71] “”سيناريوهات” للمستقبل.. ما أثر “طوفان الأقصى” في السلطة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.
[72] “استطلاع للرأي يظهر تزايدا لشعبية حماس ورفضا لعباس”، الجزيرة نت، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/eLXC2
[73] “فتحاويون يهتفون للضيف ويهاجمون عباس.. كيف أدى طوفان الأقصى لصعود كبير لشعبية حماس بالضفة؟”، عربي بوست، 28/11/2023، الرابط: https://cutt.us/oGap4
[74] “إضاءات سياسية (4): تعامُلُ السلطةِ الفلسطينية في رام الله مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مرجع سابق.
[75] “مواقف السلطة الفلسطينية في الحرب على غزة.. قراءة في الدلالات والتبعات المستقبلية”، مرجع سابق.