قرار محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل: الإيجابيات والسلبيات

تقدمت حكومة جمهورية جنوب أفريقيا، في 29 ديسمبر 2023، بدعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، تتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب أحكام “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” على أساس المادتين 36/1 و41 من النظام الأساسي للمحكمة، التي تأسست عام 1945، وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وتضمنت مذكرة الدعوى طلبًا للبت في التدابير المؤقتة (كإجراء فرعي مستعجل)، عملًا بأحكام المادة 41 من ذلك النظام. وبناءً على ذلك، أعلنت المحكمة في 3 يناير 2024 أنها ستعقد جلستين لسماع المحاجة الشفهية لفريقي الادعاء والدفاع يومي 11 و12 يناير 2024. وفي 12 يناير 2024، أعلنت اختتام جلسات الاستماع لطرفي الدعوى، وأشارت إلى أن قرارها بشأن ما قدم إليها من طلبات مستعجلة سيصدر في وقت تعلن عنه لاحقًا[1].

ثم أصدرت المحكمة، في 26 يناير 2024، قرارها بفرض التدابير المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تلزمها بوقف جميع الأعمال والأنشطة والتصريحات التحريضية التي تؤدي إلى ارتكاب صور جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبالأخص قتل المواطنين وإصابتهم بأضرار جسدية ونفسية وفرض ظروف معيشية صعبة بقصد تدمير شعب غزة كليًا أو جزئيًا وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات، مع ضمان عدم ارتكاب الجيش الإسرائيلي جميع الأعمال السابقة، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وضرورة اتخاذ تدابير فورية وفعالة لتوفير الخدمات الأساسية ودخول المساعدات الإنسانية[2]. وقد تباينت ردود الفعل بشأن القرار بين محتفل يرى فيه انتصارًا رمزيًا للعدالة الدولية وإرغامًا لأنف إسرائيل في المحافل الدولية، ومن أصيب بخيبة أمل بشأن قرار لم يشر إلي وقف العدوان الإسرائيلي المستمر علي قطاع غزة، ولم يضمن للناجين عودة آمنة لديارهم التي نزحوا عنها قصرًا[3].

أولًا: ماهية محكمة العدل الدولية وجريمة الإبادة الجماعية:

1- محكمة العدل الدولية: هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة. يقع مقرها في “قصر السلام” في مدينة لاهاي في هولندا، وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الستة التابعة للأمم المتحدة ( الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، محكمة العدل الدولية، الأمانة العامة، مجلس الوصاية) الذي لا يقع مقره في مدينة نيويورك. تم تأُسيسها في العام 1945 وبدأت أعمالها في العام التالي فحلت، بذلك، محل “المحكمة الدائمة للعدالة الدولية” (التي تأسست في العام 1920). وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين “محكمة العدل الدولية” و”المحكمة الجنائية الدولية”، فهما هيئتان مختلفتان لكلًا منهما اختصاصات مختلفة؛ حيث تحاكم الأولى (العدل) الحكومات/ الدول بينما تحاكم الثانية (الجنائية – في لاهاي، أيضًا) الأفراد.

يتمثل الاختصاصان المركزيان لمحكمة العدل الدولية في: الأول؛ الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول (وهذه مشروطة بموافقة الدولة المدعى عليها)، ويمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتلك التي قبلت اختصاص محكمة العدل الدولية تقديم القضايا. والثاني؛ إصدار فتاوى قضائية، بصفة استشارية، حسب طلب الهيئة العامة للأمم المتحدة أو منظمات مختلفة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة. وهي توفر وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية. وتعالج فقط القضايا التي تتقدم بها الدول وتستند قراراتها على مبادئ القانون الدولي ولا تقبل الاستئناف.

تتألف المحكمة من 15 قاضيًا يخدم كل منهم مدة 9 سنوات، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مع مراعاة التنوع الجغرافي. يُنتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات. ويجب أن يمثل القضاة كل الحضارات والأنظمة القانونية الرئيسة في العالم. ولا يسمح بوجود قاضيين يحملان الجنسية نفسها. وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يُعاد انتخاب قاض بديل يحمل جنسية المتوفي فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته. يمكن عزل القاضي عن كرسيه فقط بموجب تصويت سري يجريه أعضاء المحكمة. يجوز للقضاة أن يقدموا حكمًا مشتركاً أو أحكامًا مستقلة حسب آراء كل منهم. وتؤخذ القرارات وتقدم الاستشارات وفق نظام الأغلبية. وفي حال تساوي الأصوات، يعتبر صوت رئيس المحكمة مرجحًا. تتكون هيئة المحكمة حاليًا من 15 قاضيًا من الدول التالية: الولايات المتحدة (رئيسة المحكمة)، فرنسا، اليابان، ألمانيا، أستراليا، سلوفاكيا، البرازيل، جمايكا، الهند، أوغندا، الصين، الصومال، روسيا، لبنان والمغرب.

يمكن تعيين قاض خاص من قبل كل طرف في القضايا الخلافية (بين دولتين) وبذلك يصل عدد القضاة في هذه القضية إلى 17. في الدعوى الحالية، عينت جنوب أفريقيا ديكجانج موسينيكي النائب السابق لرئيس المحكمة العليا في البلاد قاضيًا عنها، وعينت إسرائيل أهارون باراك الرئيس السابق للمحكمة الإسرائيلية العليا قاضيًا عنها[4].

2- جريمة الإبادة الجماعية: “الإبادة الجماعية” مصطلح صاغه، في أربعينيات القرن العشرين، المحامي اليهودي رفائيل ليمكين، الذي هرب من بولندا (مولده الأصلي) إلى الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك في إثر الفظائع التي ارتكبت خلال المحاولات التي جرت لإبادة طوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي. وقد صنفت هذه كجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع في 8 ديسمبر 1948 ووضعت موضع التنفيذ العام 1951 وأُطلق عليها اسم “اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية” أو “اتفاقية الإبادة الجماعية – منع ومعاقبة جميع أشكال جرائم الإبادة الجماعية، في أوقات الحرب والسلم على حد سواء”. تتكون الاتفاقية من 19 مادة.

وبموجب المادة الثانية من هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه:

(أ) قتل أعضاء من الجماعة؛

)ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة؛

)ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي، كليًا أو جزئيًا؛

)د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛

)هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

ووفقًا للمادة الثالثة من الاتفاقية، يعاقب على الأفعال التالية:

)أ) الإبادة الجماعية؛

)ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية؛

)ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية؛

)د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية؛

)هـ) المشاركة في الإبادة الجماعية.

ووفقًا للمادة الرابعة، يُعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكامًا دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادًا. ووفقًا للمادة الخامسة، يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كل طبقًا لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة لإنزالها بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.

ووفقًا للمادة السادسة، تتم محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.

وحول دور “محكمة العدل الدولية”، تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه “تعرض على محكمة العدل الدولية، بناءًا على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة”.

وبحسب خبراء في القانون الدولي، فإن ادعاء الإبادة الجماعية هو أخطر ادعاء قانوني دولي يمكن توجيهه ضد دولة ما[5].

ثانيًا: دعوي جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل:

بعد 83 يومًا من الهجوم المتواصل من القوات الإسرائيلية، قدمت جنوب أفريقيا، في 29 ديسمبر 2023، طلبًا لإقامة دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فيما يتعلق بانتهاكات من جانب إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” (وهي الاتفاقية التي وقعت عليها إسرائيل وجنوب أفريقيا) فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة. حيث تجادل جنوب أفريقيا بأن “الأفعال والتقصيرات التي قامت بها إسرائيل والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا هي ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والقومية والإثنية الفلسطينية، والتي هي الجزء الموجود في قطاع غزة من الشعب الفلسطيني (الفلسطينيون في غزة)”[6].

وقد عرض فريق الادعاء الذي كلفته دولة جنوب إفريقيا حجج الاتهام، في 11 يناير 2024، أمام محكمة العدل الدولية حسب الترتيب الذي كانت نشرته في وثيقة أصدرتها من قبل، وتنقسم إلى سبعة محاور:

  1. مستوى القتل الذي جاوز 23 ألف شهيد، 70 بالمئة منهم نساء وأطفال.
  2. المعاملة غير الإنسانية والوحشية لأعداد كبيرة من المدنيين، منهم أطفال، الذين تعتقلهم إسرائيل، وتعصب عيونهم، وتنزع ثيابهم، وتبقيهم في البرد الشديد قبل أن تأخذهم لأماكن مجهولة.
  3. تنكر إسرائيل لتعهداتها بتوفير الأمن للسكان الذين تقصفهم في المناطق التي طلبت منهم اللجوء إليها.
  4. حرمان السكان من الأكل والماء والدواء، وهي السياسة التي دفعت السكان إلى حافة المجاعة.
  5. حرمان السكان من المأوى الملائم، واللباس، والنظافة، نتيجة هجوم إسرائيل على المنظومة الصحية، فلم يبق إلا 13 مستشفى صالحًا جزئيًا للعمل من بين 36، وقد هاجمت القوات الإسرائيلية مولدات المستشفيات الكهربائية، والألواح الشمسية، ومحطات الأكسجين، وخزانات الماء، وسيارات الإسعاف، والقوافل الطبية، والإسعافات الأولية.
  6. تدمير حياة الفلسطينيين في غزة، بتدمير مدنهم، ومساكنهم، ومجمعاتهم السكنية، وجامعاتهم وثقافتهم.
  7. أخيرًا وليس آخرًا، تصريحات القادة الإسرائيليين التي تكشف نيتهم في إبادة الفلسطينيين، ومن أهمها استشهاد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالقصة الواردة في التوراة عن إبادة الإسرائيليين للعماليق، وخطاب رئيس دولة إسرائيل، إسحاق هرتسوغ، الذي قال: إن “كل القوم هناك (غزة) مسؤولون”، وتصريح وزير الدفاع، يوآف غالانت، بأن إسرائيل تقاتل حيوانات بشرية، وأنه “سيفرض حصارًا كاملًا على سكان غزة، فلا ماء ولا كهرباء، ولا غذاء، ولا وقود”، وتصريح زير التراث، عميحاي إلياهو، الذي قال: إنه “يجب إلقاء قنبلة نووية على غزة”[7].

وفي هذه القضية، قدمت جنوب أفريقيا المطالب المحددة التالية:

  1. على إسرائيل أن تعلق فورًا عملياتها العسكرية في غزة.
    1. على إسرائيل أن تضمن عدم اتخاذ أي خطوات تعزيزًا لتلك العمليات العسكرية.
    1. على كل من جمهورية جنوب أفريقيا ودولة إسرائيل، وفقًا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها- فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني- أن تتخذا جميع التدابير المعقولة التي في حدود سلطاتهما من أجل منع الإبادة الجماعية.
    1. على دولة إسرائيل – وفقًا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية – أن تكف عن ارتكاب أي من الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص: (أ) قتل أعضاء من الجماعة. )ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. (ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا. (د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
    1. على إسرائيل، فيما يتعلق بالفلسطينيين، التوقف عن اتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة، كي تمنع: (أ) طردهم وتشريدهم قسرًا من منازلهم. (ب) الحرمان من: 1- الحصول على الغذاء والماء الكافيين؛ 2- الوصول إلى المساعدات الإنسانية بما في ذلك الوقود الكافي والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحي؛ 3- الإمدادات والمساعدة الطبية. (ج) تدمير الحياة الفلسطينية في غزة.
    1. على إسرائيل، أن تضمن عدم ارتكاب أي أفعال موصوفة في النقطتين (4) و(5) أو المشاركة في التحريض المباشر والعلني أو محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التآمر أو التواطؤ في ذلك.
    1. على إسرائيل أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بالادعاءات، وضمان الحفاظ عليها. وتحقيقًا لهذه الغاية، يتعين ألا تعمل إسرائيل على منع أو تقييد وصول بعثات تقصي الحقائق والتفويضات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة.
    1. يجب على إسرائيل أن تقدم تقريرًا إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر (بموجب التدابير المؤقتة) خلال أسبوع واحد، اعتبارًا من تاريخ صدوره، وبعد ذلك على فترات منتظمة وفقًا لما تأمر به المحكمة، حتى تصدر قرارها النهائي في القضية.
    1. على إسرائيل أن تمتنع عن أي إجراء وأن تضمن عدم اتخاذ أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو أن تجعل حله أكثر صعوبة[8].

تقود هذه الطلبات  في مجملها إلى الحصول على حكم قضائي القصد منه إدانة إسرائيل بمخالفة التزاماتها بموجب الاتفاقية. وإضافة إلى ذلك، طلبت المذكرة الحصول على قرار مستعجل بـ”التدابير المؤقتة” يهدف إلى وقف العنف المستمر نحو المدنيين نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي يحمل بين طياته شبهة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، مع التأكيد على اختصاص المحكمة والحقوق واجبة الحماية ومخاطر عدم إنصاف الضحايا.

بناءً عليه، تأخذ الدعوى القضائية مسارين، الأول هو المسار العادي للدعوى لاستصدار حكم قضائي بمخالفة إسرائيل الالتزامات الواقعة عليها بموجب الاتفاقية، وسيستغرق سنوات للبت فيه، كما حصل في المحكمة الخاصة بالجرائم التي ارتُكبت في البوسنة والهرسك والتي بدأت عام 1993، وانتهت بحكم إدانة قضائي في عام 2007. أما المسار الثاني فهو الإجراء المستعجل بالتدابير المؤقتة الساعي لوقف العدوان الحربي وأعمال الإبادة في قطاع غزة، والذي سيشكل وجهة نظر المحكمة ويحدد مسار عملها في المسار الأول لاحقًا. وهذا جوهر الملف الذي عُرض في المرافعة الشفهية للفريق القانوني لجنوب أفريقيا في 11 يناير 2024[9].

وقد أظهرت هذه المرافعة بوضوح مدي قوة وتميز الدعوي التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، وقد تمثلت أبرز هذه المزايا في:

1- تركيز الدعوي على طلب اتخاذ “التدابير المؤقتة”، والتي تتطلب من المحكمة إصدار حكم أولي في القضية، من أجل “منع مزيد من الضرر الشديد وغير القابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”. فالتدابير المؤقتة تحتاج إلى حد أدنى من الإثبات كي تقوم المحكمة بالحكم بها. ويعني انخفاض عبء الإثبات أن المحكمة لا يتعين عليها أن تثبت بشكل قاطع أن جميع الإجراءات المتضمنة في طلب جنوب أفريقيا تقع ضمن أحكام الاتفاقية، مما يسمح بعملية أكثر مرونة وسرعة عند طلب اتخاذ تدابير مؤقتة قبل الاستماع إلى القضية الكاملة المتعلقة بارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية. ويشير هذا إلى أن الغرض من الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا هو الضغط من أجل اتخاذ تدابير مؤقتة لوقف الهجمات المستمرة على الفلسطينيين، بدلًا من مناقشة قضية الإبادة الجماعية الكاملة الآن، وهو الأمر الذي سيحدث في وقت لاحق.

2- تكونت الوثيقة الشاملة التي قدمتها جنوب أفريقيا والمكونة من 84 صفحة بشكل أساسي من معلومات واقعية وأدلة تم جمعها من مصادر مختلفة. وتشمل هذه المعلومات تقارير المقررين الخاصين للأمم المتحدة، وإصدارات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتقارير الصحفيين الموجودين على الأرض في غزة، وتقارير المنظمات غير الحكومية ذات السمعة الموثوقة. وقد ركز الطلب بالتفصيل على عناصر الفعل الإجرامي (الأفعال المادية المتخذة ضمن ارتكاب الجريمة) وعلى عناصر القصد الجنائي (الركائز المعنوية للجريمة؛ أي النية لارتكاب الجريمة).

3- أن جنوب أفريقيا وضعت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في سياقها بالإشارة إلى السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين من خلال نظام الفصل العنصري الذي دام 75 عامًا، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 عامًا، وحصارها المستمر لغزة منذ 16 عامًا، وليس من خلال أحداث 7 أكتوبر بشكل ضيق. وبينما تدين الدعوي تلك الهجمات، فإنها تؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، كما تم توثيقه في الهجوم الإسرائيلي علي غزة[10].

وفي المقابل؛ دفع فريق الدفاع الإسرائيلي، في الجلسة المخصصة لسماع المحاجة الشفهية لفريق الدفاع الإسرائيلي في  12 يناير 2024 أمام محكمة العدل الدولية، بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في هذه القضية على أساس المادة 9 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، لأن ذلك يتطلب معارضة إيجابية من الطرف الآخر في القضية، والمقصود بها المخاصمة القائمة في دعوى قانونية قائمة بين خصمين أمام المحكمة يكون أحدهما متضررًا من ممارسة الطرف الآخر عليه بارتكاب فعل أو امتناع، وتكون مصلحته جبر الضرر اللاحق به. وهو مطلب غير متوفر، حيث أن جنوب أفريقيا ليست طرفًا في النزاع، وليست متضررة من الممارسات الإسرائيلية، كما أن الخطابات الإسرائيلية التي تستشهد بها جنوب أفريقيا غير موجهة إليها[11]. إضافة إلي أن المحكمة تنظر النزاعات بين الدول، والنزاع الحالي بين دولة (إسرائيل) وجماعة مسلحة (حماس)[12]. كما أن فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة لها صفة مراقب، وليست عضوًا في اتفاقية الإبادة الجماعية، وبالتالي لا تستطيع رفع القضية بنفسها لتكون خصمًا لإسرائيل في المحكمة[13].

وأشار فريق الدفاع الإسرائيلي إلى أن الدلائل المقدمة لا تكفي من أجل الحصول على قرار بالتدابير المؤقتة، لأنها تعتبر أداة معقدة، واستشهد بقضية محكمة العدل الدولية في البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود، والتي طلبت أن تكون الأدلة فيها قاطعة تمامًا، وتدل على ارتكابها على نحو واضح.

كما أنكر فريق الادعاء الإسرائيلي اعتبار إسرائيل سلطة احتلال من خلال الإشارة إلى أن لإسرائيل الحق في فلسطين، والذي يعود إلى وعد بلفور عام 1917، ومزاعم تاريخية حول دخول قبائل بني إسرائيل إلى أرض فلسطين قبل حوالى 3500 عام[14].

وفي محاولة تفنيد المركب النفسي (النية/ القصد)، ادعى الفريق الإسرائيلي بأن الاقتباسات التي تضمنتها لائحة الدعوى قد أخرجت من سياقها، ولا تعبر عن السياسات الرسمية لدولة إسرائيل، وأنها، في كل الأحوال، صدرت عن أشخاص ليسوا من بين متخذي القرارات في إسرائيل، وأن أعضاء المجلس الوزاري لشؤون الحرب، ورئيس هيئة أركان الجيش وقادته الكبار كانوا يحرصون كل الوقت على التأكيد على أن إسرائيل تحارب حماس ولا تقصد المس بالمدنيين الفلسطينيين.

وفي تفنيد المركب العملي (التنفيذ)، ادعى الفريق الإسرائيلي أن إسرائيل تحرص على أن جميع عملياتها العسكرية تجري بمرافقة واستشارة قانونيتين لصيقتين، وأنها تعمل وفقًا لقواعد وأحكام القانون الدولي، سواء في مجرد الخروج إلى الحرب الدفاعية عن النفس أو خلال العمليات القتالية ذاتها[15]. كما أكد فريق الدفاع علي أن إسرائيل تخوض حرب دفاع عن النفس مشروعة، ردًا على هجمات المقاومة في 7 أكتوبر 2023، وأن حماس هي المسؤولة عن سقوط العدد الكبير من الضحايا؛ لأنها تستعمل المدنيين دروعًا بشرية[16]. كما ادعي الفريق الإسرائيلي بأن مصر هي التي لا تدخل المعونات لأهالي غزة كون معبر رفح يخضع لسيطرتها التامة، وأن إسرائيل ليست ملزمة بموجب القانون الدولي أن تتيح الوصول إلى غزة من أراضيها[17].

كما حاول فريق الادعاء الإسرائيلي إقناع هيئة المحكمة بأن هذه الدعوى لها دوافع سياسية انتقامية من جانب جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؛ انتقامًا منها على عدم مقاطعتها نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا، والذي انتهى في العام 1994[18]. كما اتهم فريق الدفاع جنوب أفريقيا بأنها تستقبل وفودًا من حماس في أراضيها على الرغم من وصفها “منظمة إرهابية” في الكثير من دول العالم، وأنها الذراع القانونية لتلك الجماعة، وأنها تساعدها على أجندتها التي تقوم على إبادة دولة إسرائيل، وحرمان إسرائيل من الدفاع عن نفسها، وبالتالي؛ فإن قبول المحكمة للدعوى الجنوب أفريقية سيكون بمثابة “مكافأة للإرهاب”. وفى نهاية المرافعة طلب ممثل دولة إسرائيل من المحكمة رفض التدابير المؤقتة التي تطالب بها دولة جنوب إفريقيا، وكذا رفع القضية عن المحاكمة ورفض النظر فيها[19].

لقد قدم الفريق القانوني لإسرائيل مرافعة قانونية ضعيفة، فيها ثغرات عديدة، منها محاجته بعدم احتلال فلسطين، بما فيها قطاع غزة، والاستناد إلى وعد بلفور عام 1917، ومزاعم “الحق التاريخي” لليهود في فلسطين. وفي هذا الإطار، نجد أن محكمة العدل الدولية قد سبق لها تصدير رأي استشاري (فتوى) عام 2004 حول قضية الجدار العازل، أكدت فيها أن إسرائيل سلطة احتلال عسكري في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. كما أن المحاجة بمسألة انعدام المعارضة الإيجابية في حالة جنوب أفريقيا غير دقيق وغير منطقي، لأن الخصومة ليست قائمة على أساس طرفين متنازعين، إنما سبب وجودها هو مسألة حماية أحكام الاتفاقية من طرف كل الدول الموقعة عليها، وقد سبق للمحكمة ممارسة اختصاصها على هذا الأساس في سابقة قضائية جرى خلالها النظر في دعوى غامبيا ضد ميانمار بشأن الإبادة في حق الروهينغا، حيث لم يكن هناك صدام مباشر بين غامبيا وميانمار يدفع إلى المحاجة بالمعارضة الإيجابية.

وفوق ذلك، تعد الأدلة المقدمة من قبل جنوب أفريقيا أمام المحكمة أدلة قوية وموثوقة لإصدار قرار من هيئتها بخلاف الادعاءات الإسرائيلية، واستشهاد الفريق الإسرائيلي برد المحكمة حول عدم قطعية الأدلة في قضية البوسنة والهرسك التي تعود إلى عام 1992، حيث لم تكن عمليات التوثيق قوية وشاملة من أجل دفع المحكمة إلى إصدار حكم قضائي بالإدانة في جريمة الإبادة الجماعية التي تعتبر أم الجرائم، في حين أن التقارير الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية بشأن الحرب على قطاع غزة، ذات صدقية وتعتمد على التوثيق الحقيقي للأحداث الجارية. ودليل اعتماد هذه المصادر أمام المحاكم الدولية هو أعمال المحكمة الجنائية الدولية، وتضمينها هذه المصادر في تقاريرها وأعمالها. إضافة إلى ما سبق، فإن التوثيقات الصحافية المرئية التي بثتها الصحافة ورآها كل المهتمين على الهواء مباشرة في الدعوة إلى ارتكاب أفعال الإبادة، أو التوعد، أو التحريض بارتكابها، أو تصوير ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، تعكس حقيقة السلوك الإسرائيلي بارتكاب، أو نية ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية[20].

وتعليقًا على المزاعم الإسرائيلية بأن مصر هي المسئولة عن عدم دخول المساعدات لغزة، فقد نفى ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، هذه المزاعم وأكاذيب، مؤكدًا أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية[21]. وهو ما تجلى فعليًا في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم، الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، إذ يتم تفتيشها من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل السماح لها بدخول أراضي القطاع، مضيفًا أن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، مطالبًا الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها[22].

ومن المنتظر بعد جلسات الاستماع، أن تقوم المحكمة إما بالاستجابة لطلب دولة جنوب إفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة من أجل منع تفاقم النزاع وطلب وقف النزاع لحين نظر الدعوى، أو أن ترفض التدابير وترفض الدعوى برمتها[23]. وبناءً علي قوة الدعوي المقدمة من قبل جنوب أفريقيا وضعف حجج الدفاع الإسرائيلي؛ فقد توقع العديد من المراقبين أن تقوم محكمة العدل الدولية بإصدار قرار لصالح الدعوي التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. وقد زاد من ترجيح إمكانية صدور مثل هذا القرار، أن قضاة محكمة العدل، البالغ عددهم 15، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإذا استندنا إلى تصويت الجمعية في القضية الفلسطينية نجد أنه لصالح فلسطين غالبًا ويدين إسرائيل.

كما أن تاريخ المحكمة يشير إلى أنها ليست خاضعة بالكامل للولايات المتحدة وإسرائيل، فلقد أصدرت، في 2004، رأيًا استشاريًا بمخالفة جدار الفصل الذي أقامته إسرائيل للقانون الدولي، وكان في هيئة القضاة قاض أميركي هو توماس بورغنثال، وقد صوت منفردًا ضد القرار لكنه لم يستطع تغيير تصويت بقية الـ 14 قاضيًا. وقضت المحكمة أيضًا على الولايات المتحدة، في 1984، في القضية التي رفعتها نيكارغوا، واتهمت فيها الولايات المتحدة بالتدخل المسلح في شؤونها الداخلية، وقد كان في الهيئة قاض أميركي صوت ضد نيكارغوا. وقد أصدرت محكمة العدل، في 23 مارس 2023، حكمًا بانتهاك الولايات المتحدة القانون الدولي في استيلائها على 2 مليار دولار من أصول شركات إيرانية. وقد صوتت القاضية الأميركية بالمحكمة، جون دونغو، ضد الولايات المتحدة، وهي لا تزال عضوًا في هيئة المحكمة الحالية. وقد يكون هذا الحكم الأخير أفضل مؤشر على ضعف نفوذ الولايات المتحدة في المحكمة، ومدى قدرتها على توجيه الحكم الذي سيصدر في اتهام إسرائيل بإبادة غزة[24].

وإن كان هناك تخوفات من تأثير الاعتبارات السياسية علي قرار قضاة المحكمة؛ وتتمثل  هذه الاعتبارات في:

  • على الرغم من أن الترشح لعضوية هيئة المحكمة غير مقتصر على الدول، إلا أن أغلب الترشيحات تأتي من الدول، وهو ما ينطوي على احتمال التواطؤ بين الدولة ومرشحها.
  • أن الجهتان اللتان توافقان على انضمام القاضي إلى هيئة المحكمة هما مجلس الأمن والجمعية العامة في اجتماع متزامن، ولكن كل منها على حدة، ولعل هذا الأمر يعطي الدولة مجالًا لممارسة علاقاتها مع الدول الأخرى للتصويت لصالح مرشحها، وهو ما يعني استمرار حاجة القاضي المترشح لمساندة دولته له.
  • لما كان قانون المحكمة يتيح للمرشح الفائز أن يترشح لمرة أخرى بعد سنوات العضوية التسع، فإن ذلك يجعله أقرب لعدم تجاهل سياسات حكومة بلاده نظرًا لحاجته لمساندتها في الجمعية العامة ومجلس الأمن مرة أخرى.
  • مدى تأثير التوجهات السياسية للدولة على توجهات القاضي التابع لها، ويكفي أن نعطي مثالاً على ذلك في موضوع الجدار الذي بنته إسرائيل في الأراضي المحتلة للفصل بين المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد وافقت المحكمة بأغلبية 14 ضد واحد هو القاضي الأمريكي، وهو ما يشي بأن موقف بلاده كان له الاعتبار الأهم في تصويته، لا سيما أن هذا القاضي الأمريكي كان موظفًا في وزارة الخارجية الأمريكية.
  • تبين من دراسة أكاديمية بالقياس الكمي حول مدى التحيز في تصويت القضاة على القضايا المطروحة أمام المحكمة ما يلي:
  • أن القضاة يراعون عند التصويت مواقف الدول التي تعينهم أو ينتمون لها بنسبة تقارب 90%، بينما صوت القضاة بنسبة 10% ضد توجهات دولهم.
  • إذا كانت دولة القاضي غير منخرطة في النزاع، فإن القضاة يميلون غالبًا إلى الدول التي تتماثل مع دولهم الأصلية في مجال النظام السياسي أو مستوى الدخل أو التشابه الثقافي في اللغة والدين خصوصًا.
  • أن القضاة يتأثرون بشكل عام في تصويتهم بالتحالفات الإقليمية والعسكرية مع دولتهم، لكن هذا التحيز أضعف من التحيز في المؤشرات الأخرى[25].

ثالثًا: إيجابيات قرار محكمة العدل الدولية في دعوي جنوب إفريقيا:

أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها في الدعوي التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، في 26 يناير 2024، بدعم 15 من أصل 17 قاضيًا. وأبرز ما تضمنه القرار ما يلي:

1- أنه وفقًا للمادة 9 من اتفاقية منع الإبادة، فإن أي صراعات بين الدول التي وقعت على الاتفاقية تعنى محكمة العدل الدولية بالنظر فيها، وبما أن جنوب أفريقيا وإسرائيل هما طرفان في الاتفاقية، فإن المحكمة تشير للمادة 9 من الاتفاقية، وبالتالي لديها الحق في النظر في توافر الشروط من أجل إصدار تدابير مؤقتة. وبناءً على ذلك، المحكمة لا تقبل طلب إسرائيل بإلغاء القضية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بدعوي انتهاكها لاتفاقية منع الإبادة الجماعية في قطاع غزة[26].

2- ضرورة أن تتخذ إسرائيل كل ما بوسعها لمنع جميع الأعمال التي تتضمنها المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة. ويشمل ذلك الأعمال المتعلقة بقتل أعضاء من جماعة أو إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم، أو إخضاع الجماعة- عمدًا- لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليًا أو جزئيًا. وشملت التدابير المؤقتة التي أصدرتها المحكمة أيضًا اتخاذ إسرائيل ما يلزم لمنع فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. وأن تتخذ إجراءات لمنع ومعاقبة المشاركة في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالفلسطينيين.

كما قالت المحكمة إن على إسرائيل اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة للفلسطينيين في قطاع غزة. وعلى إسرائيل أيضًا أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بالادعاءات في نطاق المادة الثانية والثالثة من الاتفاقية. كما طلبت المحكمة من إسرائيل أن تقدم تقريرًا لها بشأن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال شهر من تاريخ صدور هذا الأمر[27].

ويعبر هذا القرار عن مجموعة من الدلالات والأبعاد، تتمثل في:

1- البعد القيمي والدعائي: يكتسب هذا القرار بعدًا رمزيًا ومعنويًا كبيرًا؛ فالقرار يعني وضع إسرائيل كدولة في قفص الاتهام، وهذا أمر كاد أن يكون من المستحيلات، لكنه تبين أنه ممكن، وليس ضربًا من الخيال[28]، إذ لأول مرة في تاريخها – ومنذ أعمال القتل المنهجي من عام 1948- تكون إسرائيل عرضة للمساءلة أمام القانون الدولي[29].

ومن جانب ثان؛ ينزع هذا القرار عن إسرائيل غطاء الشرعية، على المدى القريب، فتفقد الحق في الاستناد إلى مبرر حق الدفاع عن النفس لتسويغ الحرب على غزة[30]. كما أن القرار يعني تمكين المساعدات الإنسانية من الدخول إلى القطاع، فقد اتهمت جنوب إفريقيا إسرائيل بمنع دخول المعونة الغذائية والطبية وغير ذلك من احتياجات فلسطينيي غزة الأساسية. ودفع ممثل الدفاع الإسرائيلي بعدم إخلال محدودية دخول المساعدات من الجانب الحدودي الإسرائيلي بالقانون الدولي، مشيرًا إلى دور مصر كدولة سيادية لها حدود مع القطاع تمكنها من إدخال ما تريد إدخاله من مساعدات. استجابت المحكمة لطلب جنوب إفريقيا، وأمرت إسرائيل بتمكين دخول المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية بشكل فوري وفعال، واستعانت بتقارير أممية حول كارثية الوضع في غزة، وبذلك رفضت الرواية الإسرائيلية[31].

ومن جانب ثالث؛ وهو الأهم؛ على المدى البعيد، فإن استعمال إسرائيل الهولوكست (أعمال المحرقة والإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على يد ألمانيا النازية) لتبرير قيامها وتصرفاتها ومهاجمة كل من يعترضون سياساتها، متهمة إياهم بمعادة السامية، لن يصمد في مواجهة الإدانة الرسمية بالشروع في الإبادة، فتفقد إسرائيل شرعية الضحية التي أكسبتها تعاطف الرأي العام الغربي، وحصنتها من الانتقادات[32].

وما يزيد من القوة الدعائية لهذا القرار؛ أن التهمة لم توجه بشكل عرضي من قبل فصيل إسلامي أو سياسي غربي معاد للسامية، بل من قبل أعلى محكمة في المجتمع الدولي، وقدمت بعبارات رصينة ومدروسة مستشهدة بالأدلة ذات الصلة التي لا يكمن رفضها بسهولة[33]. وبرغم أن أغلبية قضاة محكمة العدل الدولية جاءوا من دول صديقة وحليفة لدولة “إسرائيل”[34]؛ إذ من بين السبعة عشر قاضيًا لم يعترض على التدابير الخمسة، بالإضافة إلى السادس الذي يلزم إسرائيل بتقديم تقرير يوضح التزامها بتلك التدابير في غضون شهر، سوى القاضية الأوغندية بالإضافة إلى القاضي الذي يمثل إسرائيل؛ بوصفها الدولة المدعى عليها – بالمناسبة هو وافق على منع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية للفلسطينيين، في حين لم توافق القاضية الأوغندية، إلا أنه وبالمناسبة أيضًا كثير من السفراء الأوغنديين علقوا على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يبدو أنه تعليق ممنهج: بأن السيدة لا تمثل إلا نفسها، وأن موقف أوغندا الداعم لحقوق الفلسطينيين يؤكده نمط تصويتها في الأمم المتحدة[35].

كما أن دعوى فلسطين لدى محكمة العدل الدولية رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا، وهي دولة لا ترتبط مع الشعب الفلسطيني بعلاقات من حيث الدين أو اللغة أو العرق أو الجغرافيا وليست طرفًا في النزاع، ومن ثم هي دولة محايدة. علاوة على ذلك، يحمل اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وهي نفسها دولة عانت من التمييز العنصري والجرائم ضد الإنسانية لسنوات طويلة حتى تغلبت على نظام الفصل العنصري بوسائل سلمية وديمقراطية، دلالة وقيمة خاصة[36].

2- البعد السياسي والدبلوماسي: تشير المحكمة إلى أن أوامرها المتعلقة بالتدابير المؤقتة بموجب المادة 41 من النظام الأساسي، لها أثر ملزم، وتنشئ بالتالي التزامات قانونية دولية على أي طرف توجه إليه التدابير المؤقتة. لكن المحكمة ليس لديها القوة التنفيذية لأحكامها الملزمة. وبناءً على نص المادة 41، تقوم المحكمة بإبلاغ مجلس الأمن بقرار أمر التدابير المؤقتة، ولمجلس الأمن السلطة التقديرية في اختيار الإجراءات المناسبة لتنفيذ التدابير المؤقتة. على أنه قد يلجأ صاحب المصلحة في تنفيذها إلى مجلس الأمن للمطالبة بإصدار قرار يضمن تنفيذها.

يعني ما سبق أنه في حال امتناع إسرائيل عن تنفيذ القرار – وهو المتوقع منها؛ إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “إن محكمة العدل الدولية لن تردع إسرائيل عن مواصلة حربها في قطاع غزة حتى تحقيق النصر الكامل”[37]– فلجنوب أفريقيا الحق في مطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار لتنفيذ التدابير المؤقتة. وهنا من المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض، ولكن أيضًا قد تمتنع عن التصويت لأن مشروع القرار يكون مبنيًا على حكم قضائي، لا على اعتبارات سياسية. عندها يمكن أن يصدر القرار عن مجلس الأمن بإلزام إسرائيل بتنفيذه دون سبيل واضح لذلك، مع وجود احتمال أيضًا بعدم التزامها بالقرار (أسوة بقرارات سابقة عن مجلس الأمن لم تلتزم بها)[38].

في حال استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للحيلولة دون إصدار مجلس الأمن لقرار يلزم إسرائيل بتنفيذ قرار المحكمة، يمكن أن تتوجه جنوب إفريقيا إلى الجمعية العامة لإصدار قرارات بالخصوص، وهي التي تعد تعبيرًا جمعيًا عن إرادة المجتمع الدولي كونها تمثل عموم دول العالم، ورغم أن قراراتها ليست ذات طبيعة إلزامية بشكل عام يمكن أن تتجاوز جنوب إفريقيا هذا بالدعوة لتفعيل قرار الاتحاد من أجل السلام 1950 الذي يعطي للجمعية العامة سلطة اتخاذ قرارات ملزمة في حال فشل مجلس الأمن في أداء مهامه بحفظ السلم والأمن الدوليين[39].

وعلى الأرجح أن هذا القرار سيحصل على أغلبية ساحقة من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما حدث بخصوص القرارين السابقين لوقف إطلاق النار[40]؛ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر 2023، الذي دعا إلى هدنة إنسانية فورية في غزة، وقرار الجمعية العامة الثاني في 12 ديسمبر 2023، الذي طالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الى غزة، وقد تجاوز فيه التأييد لفلسطين 150 دولة[41].

وقد لا يقتصر مضمون قرار الجمعية العامة هذه المرة على مجرد وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، بل قد يلزم إسرائيل بتنفيذ ما ورد في التدابير المؤقتة مع تصعيد إجرائي “عقابي” يتمثل بمنع توريد الأسلحة، وقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، وقد يصل الأمر إلى حد تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة أو التهديد بذلك، وخصوصًا أن محكمة العدل الدولية أكدت أن منع الإبادة والمعاقبة عليها، هي مسؤولية كل الدول.

وسيترجم تراخي الدول في اتخاذ إجراءات فعلية لمنع الأفعال التي قد ترقى إلى جريمة إبادة، إلى ما يصل إلى اشتراك أو تحريض ستُساءل عليه في المستقبل القريب[42]، وهو ما يخلق حالة من الحرج لداعمي إسرائيل من الأنظمة الغربية أمام شعوبهم والعالم، ويبرر لروسيا رفضها الالتزام بقرار المحكمة الصادر في مارس 2022، بتعليق غزوها المستمر لأوكرانيا، ردًا على طلب أوكرانيا اتخاذ تدابير مؤقتة في قضيتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، وهو الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى فرض عقوبات على روسيا[43].

ولعل ذلك؛ ما دفع حكومة ألمانيا قبل صدور قرار المحكمة للإعلان بأنها ستحترم قرار محكمة العدل الدولية بخصوص إسرائيل بغض النظر عن محتواه، كما أكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان عن التزامها باحترام القوانين الدولية ودعمها لمحكمة العدل الدولية[44].

ومن جانب ثان؛ فإن مطالبة المحكمة لإسرائيل بضرورة اتخاذ “إجراءات فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية اللازمة بشكل عاجل لمعالجة الظروف المعيشية غير المواتية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”. هذا النص يفتح الباب أمام صر – إذا أرادت- أن تفتح معبر رفح على مصراعيه استنادًا إلى أن ذلك تطبيق لقرارات المحكمة الدولية سواء وافقت إسرائيل أم لم توافق، فقرار المحكمة يمثل سندًا قانونيًا لمصر[45].

ومن جانب ثالث؛ فمن المتوقع أن يتسبب هذا القرار في توسيع التصدعات داخل إسرائيل، فيزداد الضغط على القوى السياسية اليمينية التي جاهرت بإبادة غزة، واعتبرتها القوى السياسية الأكثر انفتاحًا على الخارج تهديدًا مزدوجًا لإسرائيل، فداخليًا اعتبرتها تهديدًا للديمقراطية، وخارجيًا باتت خطرًا يهدد بعزل إسرائيل عن بقية دول العالم ويجعلها عبئًا على حلفائها التقليديين. يضع هذا التطور نتنياهو أمام خيارين يتنافسان في السوء، فإما أن يتخلى عن هؤلاء المتطرفين، لتحسين سمعة إسرائيل في الخارج، وليحسن علاقاته مع الولايات المتحدة، لكنه يخسر دعمهم لبقائه في السلطة، ومن ثمة الإفلات من المحاكمة على الفساد ودخول السجن، أو يتمسك بهم للبقاء في السلطة للإفلات من المحكمة والسجن، لكنه يخاطر بوضع إسرائيل في عزلة دولية متزايدة، وهي وضعية لا تستطيع إسرائيل تحملها لأن أكثر من 40 بالمئة من سكانها حائزون على جنسية مزدوجة، ولا تستطيع إسرائيل أن تستغنى عن المساعدات الغربية عسكريًا واقتصاديًا. ومن المرجح أن تكون الكلمة الفصل للمؤسسة العسكرية التي تحصل على أسلحتها من الولايات المتحدة، فتتصدى للأجنحة التي تهدد الدعم الأميركي، وتعمل على إزاحتها من صناعة القرار، حتى تجبر الكسور التي أصابت علاقة بلادهم بالولايات المتحدة الأميركية[46].

3- البعد القانوني والحقوقي: يعني القرار الاعتداد بالكيان المستقل والمميز للشعب الفلسطيني وإضفاء الحماية الدولية عليه والتأكيد على استفادته من اتفاقية منع الإبادة الجماعية. ففي فتوى الجدار العازل، 2004، أكدت محكمة العدل الدولية عدم مشروعية تصرفات إسرائيل داخل الضفة الغربية لحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير وحقوقه وحرياته الأساسية. وبهذا القرار، تؤكد المحكمة أن هذا الشعب “يمثل مجموعة إثنية عرقية مميزة يقع جزء كبير منها في قطاع غزة ويتوجب أن يستفيد من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بحظر كل صور الجرائم التي تستهدفه كليًا أو جزئيًا وتحرمه مقومات الحياة والاستمرارية”. إن هذه السطور التي وردت في الفقرة الخامسة والأربعين من قرار المحكمة ترد بشكل واضح على ادعاء إسرائيل بعدم تمتع غزة بالحماية الدولية، كما تصفع رؤية واشنطن التي حاولت مرارًا حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في التقاضي الدولي على سند من عدم تمتع دولته المستقلة بعضوية كاملة في الأمم المتحدة[47].

ومن ناحية ثانية؛ فإن صدور قرار محكمة العدل الذي يقبل النظر في قضية الإبادة ويعتبر أن هناك أساسًا معقولًا لوقوع جريمة إبادة جماعية محتملة في قطاع غزة يشكل المزيد من الضغط على مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحرك في الملف الفلسطيني القابع على مكتبه منذ ما قبل توليه لمنصبه 2021. فبعد السابع من أكتوبر تعرض مكتب المدعي العام لضغوطات عدة للتحرك في الملف الفلسطيني  ورغم ذلك قاوم المدعي العام تلك الضغوط ولم يتحرك حتى اللحظة تحركًا جديًا في الملف رغم أن عددًا من الدول الأعضاء في المحكمة أحالت إليه قضية الانتهاكات المرتكبة في قطاع غزة ومنها المكسيك وتشيلي وجنوب إفريقيا وبنغلادش وجيبوتي وجزر القمر.

وتعد محكمة الجنايات الدولية الجسم الأمثل لنظر قضايا الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ذلك أن لها ولاية عامة على الجرائم التي تقع ضمن اختصاصها الموضوعي أيًا كانت درجتها سواء جرائم حرب أم جرائم ضد الإنسانية أم جرائم عدوان أم جرائم إبادة، أضف إلى ذلك أن المحكمة تملك صلاحية محاكمة الأفراد المسؤولين عن الأفعال الجرمية وإحقاق العدالة بإيقاع عقوبات فردية عليهم.

ومن ناحية ثالثة؛ فإن هذا القرار يوفر الإطار الأعم لعمل المحاكم الوطنية للدول تحت مبدأ الاختصاص العالمي الذي يتيح لها سلطة نظر انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 بموجب المادة 146 من الاتفاقية الرابعة المعنية بحماية المدنيين في أوقات النزاع المسلح بصرف النظر عن مكان وقوع الجريمة وشخوصها[48]. وقد بُنيت عليها الشكوى التي تحركت ضد الرئيس الإسرائيلي في سويسرا بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة[49]. كما يتيح القرار الفرص للمحاكم المحلية التي تنظر قضايا مشابهة وفقًا لقوانينها الداخلية مثل المحكمة الفيدرالية الأمريكية التي تنظر حاليًا قضية رفعتها مراكز حقوقية أمريكية وفلسطينية على إدارة بايدن تتهمها بالمساهمة في جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة في مخالفة للقانون الأمريكي الذي يحظر إدارة البيت الأبيض من الانخراط في جرائم إبادة جماعية بأي شكل[50].

ومن ناحية رابعة؛ يقوي هذا القرار أساس عمل حركة المقاطعة “بي دي إس” والتحركات المماثلة على مستوى المجتمع المدني الذي سيضغط باتجاه محاصرة ومقاطعة المؤسسات والأفراد الإسرائيليين، خاصة بعدما صاروا رسميًا في قفص الاتهام أمام المحكمة العالمية التي تملك الكلمة العليا في القانون الذي من المفترض أنه يحكم المجتمع الدولي[51].

وفي ضوء هذه الأبعاد الهامة التي عكسها القرار لصالح القضية الفلسطينية، فقد جاء الترحيب بالقرار من قبل حركة حماس، والسلطة الفلسطينية[52]، وجنوب أفريقيا[53]. كما لاقي القرار ترحيب عربي ودولي واسع، شمل كل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، والسعودية وقطر والكويت وعمان والعراق ومصر والأردن والجزائر وتونس، وإسبانيا وتركيا وباكستان[54].

رابعًا: سلبيات قرار محكمة العدل الدولية في دعوي جنوب إفريقيا:

علي الرغم من الأبعاد الهامة التي عكسها القرار لصالح القضية الفلسطينية، لكن هذا القرار كان عليه مآخذ كثيرة، أبرزها:

1- أن هذا القرار استجاب لجزء من التدابير الاحترازية التي طالبت بها جنوب أفريقيا، وأن أهم بند طالبت به جمهورية جنوب أفريقيا وهو “وقف الأعمال العدائية أو العسكرية أو وقف إطلاق النار” لم تقره المحكمة. وقد صرحت وزيرة خارجية جمهورية جنوب أفريقيا، ناليدى باندور، عقب صدور القرار، بأن على الشعب الفلسطيني ألا يفقد الأمل، وأنه كان من المفترض أن يتم وقف إطلاق النار على غزة، وأن جميع الأوامر التي خرجت لن تنجح دون وقف إطلاق النار على قطاع غزة، هذا التصريح إشارة إلى سقوط البند المركزي وهو وقف العدوان على غزة[55].

وبينما يعتبر البعض أن اللغة المستخدمة تحمل التزامًا غير مباشر بوقف الأعمال العدائية في القطاع، ذلك أن طلب اتخاذ إجراءات تحول دون قتل أفراد في الجماعة وعدم الانخراط فيما يمكن أن يتسبب في معاناة جسدية وعقلية ومعيشية للمدنيين، يعني أن على إسرائيل وقف أعمالها العسكرية فورًا، إلا أن اللغة المستخدمة لا تعني وقف العملية العسكرية بقدر ما تعني اتخاذ إجراءات ممكنة لتقليل الخسائر بين المدنيين والحيلولة دون التدمير الواسع لكل مناحي الحياة، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتفسير والتأويل والمراوغة، وبمعنى آخر لاستمرار العدوان الإسرائيلي علي غزة.

كما لم يلمح القرار من قريب أو بعيد إلى إعادة النازحين الغزيين إلى بيوتهم، أو بتعويض المتضررين من الضحايا الفلسطينيين، أو تقديم ضمانات تتعلق بإعادة الإعمار، وذلك خلافًا للطلبات التي وردت في قضية جنوب إفريقيا[56].

وفي حين أن القرار لم يأمر إسرائيل بوقف العمليات العسكرية في غزة (فورًا)، ولم يذكر ضرورة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ومنهم أطفال قصر، ومختطفون بالآلاف في القطاع، فإنه أمر حماس وباقي المجموعات الفلسطينية بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين فورًا دون قيد أو شرط[57]. ومن الواضح أن هذا الطلب يمثل مكسبًا إسرائيليًا، وقد تتكئ عليه إسرائيل للتذرع بأن عدم الاستجابة له من قبل المقاومة يبرر لها اتخاذ إجراءات يتم تفسيرها بأنها لتنفيذ قرار المحكمة في هذا الخصوص[58].

2- أن التدابير التي أشار إليها القرار أوامر لم تأتي بصيغة الالتزام الفوري بل تم إعطاء فترة محددة؛ بأن تقدم إسرائيل خلال شهر تقرير عن مدى قيامها بالإجراءات التي خرجت والتي أشارت إليها محكمة العدل الدولية على اسرائيل.

ويري البعض أن إسرائيل ستنفذ هذا القرار بطريقة التوائية من خلال ترسيخ هدنة إنسانية والتي تم تسريبها قبل عدة أيام، أي أن إسرائيل ستستمر بحربها على القطاع وقد يكون بين الفينة والأخرى هدنة إنسانية ضمن مرحلية الهدن[59]. كما قد تلتزم إسرائيل جزئيًا وظاهريًا بالقرار فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية ومن ثم تتحايل على جوهره، فتوفر للمحكمة التقرير المطلوب بعد شهر من الآن وتراوغ فيه بالإجراءات التي اتخذتها لحماية المدنيين وتقليل معاناتهم وإدخال المساعدات وتكيف انتهاكاتها بمبادئ الضرورة العسكرية والظروف الميدانية، ما يفتح المجال مرة أخرى للتداول والتباحث بشأن التزام إسرائيل بالقرار بشكل كاف[60]. كذلك؛ من الأرجح أن يلجأ الإسرائيليون إلى الألاعيب القانونية/السياسية المعروفة بأن تستدعي محاكمها المحلية بعض مسؤوليها لمساءلتهم على تصريحاتهم التحريضية التي استندت إليها المحكمة الدولية. وتدفع بذلك أمامها مدعية أنها تقوم بتنفيذ التزاماتها الواردة في القرار[61].

كما ستسعي إسرائيل إلي ممارسة مزيد من الضغوطات لوقف استمرار المحاكمة عبر عدة أدوات؛ منها، تعليق تمويل الأونروا. وفي هذا السياق؛ فعقب قرار محكمة العدل الدولية، اتهمت إسرائيل عددًا من الموظفين في الأونروا بالضلوع في هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي. ولم تلبث أن ردت الولايات المتحدة عبر الإعلان أنها ستعلق تمويلها للأونروا، ليتبعها في ذلك عدد من الدول، من بينها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنمسا وفنلندا وإستونيا وكندا وأستراليا واليابان. رغم قيام الأونروا بطرد الموظفين المتورطين، وتعهدها بإجراء تحقيق شامل واتخاذ إجراءات قانونية إذا ثبتت هذه المشاركة. ويعتبر هذا القرار تفريغ عملي لقرار المحكمة من مضمونه والذي يطالب بقيام إسرائيل بمنع عرقلة دخول المساعدات إلي غزة، حيث أن الأونروا هي المسئولة عن إدخال وتوزيع المساعدات إلي القطاع[62]. جير بالذكر هنا، أن هذه الدول الغربية لم تقم بإجراء واحد ضد إسرائيل لقتلها الوحشي ما لا  يقل عن 150 من موظفي وكالة الغوث في أثناء تقديمهم الخدمات الإنسانية[63].

ومن هذه الضغوطات أيضًا؛ استمرار خصم أموال المقاصة التي تحول للسلطة الفلسطينية، ففي نوفمبر 2023، أعلنت إسرائيل عن تحويل أموال المقاصة “منقوصة” إلى الجانب الفلسطيني، بعد خصم مبلغ 270 مليون شيكل (73 مليون دولار)، تمثل مخصصات كانت تحول شهريًا إلى قطاع غزة. ورفضت السلطة الفلسطينية تسلم المبلغ منقوصًا، الأمر الذي أدخلها في أزمة مالية عميقة، دفعها إلى تعليق صرف أجور موظفيها العموميين[64].

ناهيك عن استمرار التصعيد العسكري في غزة، وربما يكون وقف هذا التصعيد مقابل وقف محاكمة إسرائيل دوليًا. وجدير بالذكر هنا، أن المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان وثق مواصلة جيش الاحتلال بالوتيرة ذاتها قتل المدنيين وتهجيرهم قسرًا وتجويعهم في غزة، وذلك بعد مرور ثلاثة أيام على صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في القطاع[65].

3- أن قبول المحكمة القضية شكلًا واعتبارها مختصة في مواصلة النظر فيها يعني أن المحكمة وجدت أساسًا معقولًا بإمكانية وقوع انتهاكات للاتفاقية بما يشكل أفعالًا قد ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية، لكن هذا لا يعني أن المحكمة ستحكم قطعًا بوقوع هذه الانتهاكات، فالمحكمة كانت قد قررت في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها البوسنة والهرسك ضد صربيا عام 1993 تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية للمسلمين فيها وبعد نظر القضية لـ14 عامًا، بأن صربيا لم ترتكب جريمة الإبادة ولم تشارك حتى في ارتكابها، بل كان جل ما فعلته أنها انتهكت المواد المتعلقة بأخذ التدابير والإجراءات التي تحول دون وقوع هذه الجريمة في الأراضي المعنية[66].

4- يأتي الامتعاض العام من قرار محكمة العدل الدولية من واقع قرارات سابقة مشابهة لذات المحكمة، فعام 2022، أصدرت المحكمة قرارًا طالب روسيا بتعليق فوري للعمليات العسكرية ضد أوكرانيا، ردًا على دعوى اتهمت فيها كييف موسكو بالتلاعب بمفهوم الإبادة الجماعية لتبرير عدوانها العسكري. بينما لم تر محكمة العدل الدولية أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتطلب وقف إطلاق نار بشكل فوري، لكنها رأت الحالة تستدعي في الحرب الروسية الأوكرانية، رغم أن أعداد القتلى وصل نحو 10 آلاف قتيل خلال عامين من الحرب، في وقت تسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحتى أخر يناير 2024، بأكثر من 26 ألف شهيد، فيما وصل عدد المصابين إلى أكثر من 64 ألف مصاب، و70% من الضحايا هم من النساء والأطفال[67].

ويتضح من هذه المقارنة؛ حقيقة توازن القوى السياسي المحيط بالحرب في غزة والذي جعل قرار المحكمة في جوهره عبارة عن توازن دقيق بين السياسة والقانون وليس قرارًا قانونيًا مهنيًا تمامًا. فقد حظي قرار المحكمة بشأن وقف فوري لإطلاق النار في حرب أوكرانيا بدعم سياسي مطلق من الولايات المتحدة المتحكمة في النظام الدولي القائم ومؤسساته السياسية والمالية والقانونية. وبالتالي ورغم الاعتراف بأن المحكمة ليست أداة سياسية مباشرة لواشنطن ويتمتع قضاتها بقدر نسبي من الاستقلال، إلا أنه من باب المثالية توقع أن قرارات المحكمة يتم استنباطها واستخراجها من نصوص الاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي بعيدًا عن واقع العلاقات الدولية وحقائق القوة السياسية التي تمثل السياق بكل نزاع يعرض على هذه المحكمة.

الحالة الأوكرانية يمكن وصفها بأنها حرب بالوكالة تخوضها كييف نيابة عن الولايات المتحدة ضد الطرف المشكو بحقه والمدعى عليه وهو روسيا. العكس تمامًا هو في دعوى جنوب أفريقيا/ غزة إذ أن المشكو في حقها والمدعى عليها وهي إسرائيل هي التي تقوم بحرب وكالة عن واشنطن لحماية مصالحها الهائلة في الشرق الأوسط، ومصدر التأثير السياسي وهي واشنطن تقاوم صدور قرار حاسم بوقف العمليات العسكرية لأنها تريد منح إسرائيل كل الوقت الذي تحتاجه لتحقيق ولو حتى صورة نصر تقوم بتسويقه إعلاميًا.

الولايات المتحدة التي تتحكم في السياق السياسي والبيئة السياسية التي تحيط بقرارات المحكمة الدولية وقرارات مؤسسات النظام الدولي كافة كانت بين عنصرين متناقضين تهدف إلي التوازن بينهما؛ الأول، هو الحفاظ على ما تبقى من مصداقية ما للنظام الدولي القائم بعد الحرب العالمية الثانية، وهو النظام الذي طورت واشنطن دينامياته وآليات العمل في مؤسساته السياسية والمالية والقانونية بحيث يكرس هيمنتها على نظام العلاقات الدولية. وكان قرار المحكمة بتجاهل جريمة الإبادة الجماعية لغزة التي تراها البشرية على مدار الساعة لقرابة الأربعة أشهر والمستمرة إلي الآن ليكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على هذا النظام الدولي خاصة بعد إصابة مجلس الأمن بالشلل التام. وهنا سمحت واشنطن بمساحة أو فرجة للمحكمة رفضت فيه طلب إسرائيل بإسقاط الدعوى وقالت إنها مختصة بنظر القضية واتخاذ تدابير فورية لحماية الفلسطينيين كمجموعة عرقية قد تكون معرضة لإبادة جماعية من جيش الاحتلال وهو ما مثل سابقة في وضع إسرائيل في قفص الاتهام.

الهدف الثاني المتعارض الذي كانت واشنطن تحاول الحفاظ عليه في نفس الوقت هو الحفاظ على كبريائها، وكبرياء إسرائيل السياسي وعدم خسارة ماء وجهيهما بالاضطرار إلى الاعتراف بالفشل في حربهما على المقاومة وما يعنيه من تراجع علني نحو قبول مطلب وقف الحرب، ولهذا لم يكن بوسع المحكمة المضي إلي النهاية مع المقدمات المنطقية التي ذكرتها في بداية حكمها فاكتفت بالتدابير المحدودة التي أصدرتها وكانت تحت سقف التوقعات العادلة للقضية والدعوى[68].

جدير بالذكر هنا، أن قرارات المحكمة تتشابه مع خطاب السياسة الأمريكية في الفترة الأخيرة التي دعت الاحتلال إلى تخفيض أعداد الضحايا المدنيين في قطاع غزة، واستخدام قنابل أصغر في عدوانه على غزة لتقليل عدد الشهداء، أي دعوة لاستمرار الحرب على غزة مع تقليل حجم الأضرار، وهو ما وصفه الفلسطينيون بأنه تحقيق لـ”إبادة جماعية بصورة محسنة”[69]. وقد انعكس ذلك علي تعليق الولايات المتحدة علي قرار محكمة العدل الدولية بالقول بأن هذا القرار يتفق مع رؤيتها بأن إسرائيل لها الحق في اتخاذ إجراء وفقًا للقانون الدولي لضمان عدم تكرار هجوم السابع من أكتوبر، وأن الاتهامات بوقوع إبادة جماعية ليست لها أساس حيث أن المحكمة لم تصدر قرارًا بشأن وقوع إبادة جماعية أو دعوة لوقف إطلاق النار في قرارها، بل دعت إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزون لدى حماس[70]. وانعكس أيضًا علي تعليق نتنياهو الذي أعتبر أن قرار المحكمة رفض حرمان إسرائيل من حقها في الدفاع عن نفسها[71].

كما تكشف هذه المقارنة (القرار ضد إسرائيل بالقرار ضد روسيا) عن انحياز عميق في القانون الدولي ومؤسساته تجاه الدولة السيادية، والدولة الليبرالية الحديثة بشكل خاص، انحياز يفترض حسن نيتها وأن عنفها لا يتسم بالبربرية (إلا إن ثبت العكس). ففي الحالة الروسية، تستطيع المحكمة أن تصور لنفسها أن الدافع القانوني وراء إلزامها الدولة الروسية بوقف جميع أعمالها العسكرية هو منطق قانوني مؤداه تورط روسيا في جريمة العدوان على سيادة دولة أخرى، أي أنه ليس لروسيا الحق في استخدام القوة من الأساس طبقًا للنظام القانوني المتعلق بـ”الحق في استخدام القوة”. وبالتالي فإن أي عمل عسكري روسي هو بالأساس يعد جزءًا من عدوان غير قانوني. فمهما التزمت روسيا بالقانون الخاص بـ”كيفية قيام الأطراف المتحاربة بتنفيذ عملياتهم العسكرية”، ولم تلحق أضرارًا عمدية بالمدنيين، فإننا لا نزال نعلم أن مجرد إطلاق طلقة روسية في الإقليم الأوكراني هو بحد ذاته جزء من جريمة عدوان محتملة. كما أنه مهما التزمت روسيا بالقانون فإنه “لا مفر من أن أي عملية عسكرية” ستنتج أضرارًا، كما أشارت المحكمة. لذلك تستطيع المحكمة أن تأمر روسيا بوقف جميع الأعمال العسكرية.

أما في حالة إسرائيل، وحال أن أمرت المحكمة بوقف جميع الأعمال العسكرية، فإن ذلك يعني الإقرار بأن أي أعمال عسكرية إسرائيلية في غزة هي، بذاتها، بطبيعتها تعد جزءًا من جريمة إبادة جماعية محتملة. هناك بالفعل أدلة كافية على هذا، بل وأدلة تاريخية مل الفلسطينيون تقديمها للعالم على مدار عقود. إلا أن إقرار مثل هذا الأمر سيصطدم بانحيازات عميقة في بنى القانون الدولي تعطي الدولة السيادية دائمًا ميزات واستحقاقات للقيام بالعنف المسلح على نطاقات هائلة، والاستفادة دائمًا من الحق في افتراض حسن النية، ومن ثم الانتظار والتروي حتى نعرف، وذلك مهما كان حجم الضرر.

بالطبع لا تستفيد الجماعات غير النظامية من هذه الميزة. فإن العنف غير النظامي بطبعه وفي ذاته شر مطلق، ويشكل هذا المنطق العامود الفقري لخطاب “الحرب على الإرهاب”. ففي حالة عمليات الجماعات الفلسطينية المسلحة في صباح السابع من أكتوبر، اكتمل تكييف قانوني بتشكيلها جرائم دولية بحلول ظهيرة اليوم ذاته. حتى إن محكمة العدل ذاتها اضطرت لأسباب سياسية بحتة، بأن تقر بجرائم السابع من أكتوبر في تأطيرها للأمر الصادر ضد إسرائيل، برغم أن الأمر الصادر ذاته لا يتناول في موضوعه أحداث السابع من أكتوبر ومسؤولية الجماعات الفلسطينية بأي حال. وفي إطارها السياسي هذا، اعتمدت المحكمة أعداد ضحايا السابع من أكتوبر المنسوبة للجماعات الفلسطينية كما هي واعتبرتها جزءًا من جرائم دولية وبشعة. لا تستحق الحركات الفلسطينية تلك إذن أن تستفيد من الحصول على تحقيقات مستقلة. أما الدولة، فدائمًا تستطيع التبرير وطلب المزيد من الوقت والمعلومات لتفسير ما تراه أعيننا.

برغم هذا، فقد شكل القرار الصادر ضد روسيا توسعًا غير مسبوق في تفسير النصوص القانونية. لتبرر سلطتها في إصدار أمر تدابير مؤقتة، اعتبرت المحكمة أن هناك “ضرر لن يمكن إصلاحه من استمرار عمليات روسيا العسكرية وما تنطوي عليه من جريمة العدوان” إذ أنه “لا مفر من أن أي عملية عسكرية” ستنتج أضرارًا. تلك لغة غير مسبوق استخدامها، إذ نرى للمرة الأولى محكمة دولية تقر بأن الحرب التي تشنها الدول هي أيضًا – كما الإرهاب – في ذاتها شر مطلق. بالتأكيد ليست محض صدفة أن تكون المرة الأولى التي تقر فيها محكمة دولية بالعنف المتأصل في فكرة “الحرب” ذاتها و”العدوان” ذاته، دون الحاجة إلى النظر في مسائل احترام القانون الدولي الإنساني من عدمه، هي في وصفها لسلوك دولة وصمت بأنها “غير ديمقراطية”، و”غير ليبرالية”.

إذًا تتعاظم استحقاقات وميزات الدولة السيادية إذا كانت دولة ديمقراطية ليبرالية حديثة. لذلك نرى الخطاب الدبلوماسي الإسرائيلي، بل ودفاع تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية، مرتكزًا على فكرة أنها دولة ديمقراطية ليبرالية حديثة، ذات مؤسسات مستقلة وأخلاقيات عسكرية متحضرة. لا يهم تاريخ إسرائيل وجيشها ومؤسساتها القضائية، ولا تهم الممارسات على الأرض والصور والأرقام، فإسرائيل دولة ديمقراطية. لذلك، يرفض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مجرد فكرة رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية باعتبارها “محض سخافة؛ لأن إسرائيل دولة ديمقراطية حديثة”.

إن النتيجة الأساسية لهذا الوضع هي أن العنف الذي تقوم به الجيوش الحديثة التابعة للدول السيادية والسردية الرسمية له دائمًا، تتمثل بالحق في افتراض حسن النية وفي الاستماع بصبر شديد، قد يستمر سنين وعقود. وهي انحيازات غير مكتوبة في القانون بالضرورة، بل إنها من بقايا العلاقة التاريخية بين القانون الدولي والمشروع الاستعماري الأوروبي منذ القرن السادس عشر. لذلك فإن أكثر ما تستطيع محكمة العدل القيام به، دون الإخلال بانحيازاتها الإمبريالية والباقية منذ عصور الاستعمار، هو أن تأمر بوقف الأعمال المنطوية على الجريمة، لا اعتبار أي أعمال عسكرية إسرائيلية، بذاتها، إجرامية[72].

وإن كان البعض يجادل بأن مقارنة قرار المحكمة ضد إسرائيل بالقرار الصادر ضد روسيا في غير محله؛ وأن المقاربة الأقرب هي مقارنته مع القرار الذي صدر في دعوى غامبيا ضد ميانمار. حيث اكتفت المحكمة في هذه الدعوي بإصدار أمر التدابير المؤقتة في 2020، ليطلب من ميانمار منع ارتكاب جرائم الإبادة المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة، ولم يطلب منها وقف العمليات العسكرية. فحكومة ميانمار استخدمت القوة العسكرية في نزاع داخلي ضد مجموعات مسلحة من أقلية الروهينغا، وهنا ليس للمحكمة الحق في دعوة أطراف نزاع داخلي إلى وقف العمليات العسكرية، ولكن بإمكانها أن تطلب من الدولة أن تراعي أحكام القانون الدولي الإنساني والتزاماتها الدولية المتعلقة بمنع الإبادة الجماعية. فالمحكمة لا تستطيع أن تخاطب مجموعات مسلحة لأن ذلك يخرج عن نطاق صلاحياتها، فهي تخاطب فقط الدول. لذلك فهي لا تستطيع، من وجهة نظر قانونية، أن تأمر دولة بأن توقف العمليات العسكرية من جانب واحد، بينما الجانب الآخر يستمر في القتال[73].

الخلاصات والاستنتاجات:

1- يعتبر قرار محكمة العدل الدولية تاريخيًا ومهمًا لمجموعة من الاعتبارات؛ فقد اعترف القرار صراحة بأن خطر الإبادة الجماعية قائم، وأن الفلسطينيين في غزة تنطبق عليهم شروط الحماية كمجموعة عرقية، وهذا يؤسس ربما لإدانة إسرائيل في القرارات اللاحقة التي ستتخذها المحكمة نفسها بشأن طبيعة الإجراءات العسكرية التي اتخذتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة. كذلك، رغم أن القرار لا يدعو صراحة إلى وقف إطلاق النار، إلا أن تنفيذه صعب من دون وقف إطلاق نار على نطاق واسع، وليس كليًا، فهو يقيد، إلى درجة كبيرة، الإجراءات الإسرائيلية، ويربك استراتيجيتها العسكرية. كما أن القرار يمثل انهيارًا فعليًا لـ”الرواية الأخلاقية” و”خطاب الضحية” التي تبتز بها إسرائيل العالم منذ عقود. فضلًا عن أن القرار يمثل ضغوطات إضافية علي الدول الداعمة لإسرائيل، حيث ستصبح هذه الدول شريكة في الإبادة الجماعية على أساس قانوني إذا استمرت بدعمها المفضوح واللامحدود[74].

2- تتوزع كل تلك الإيجابيات المهمة على المديين، المتوسط والطويل، وإن كان أهمها غير مضمون، خلاصتها بعد سنوات، وفيما إن كانت إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية أم غيرها. كما أن هذه الايجابيات ليست ذات أثر مباشر وفوري على المدى القصير المتعلق بوقف إطلاق النار، وهو المهم والمطلوب.

3- يعود جزء من الابتهاج بقرار المحكمة إلى انخفاض سقف التوقعات؛ بأن الدول الغربية (التي تسيطر علي النظام الدولي ومؤسساته ومنها محكمة العدل الدولية) لن تعطي القضية الفلسطينية أكثر من هذا، وعليه فما حصلت عليه جيدًا وفقًا لمعايير التجربة التاريخية مع هذه الدول، وليس وفق معايير عدلية وقضائية. وهكذا يأتي تقييم قرارات المحكمة من منظور غير موضوعي أساسًا.

4- توفر قرارات المحكمة قدرًا كبيرًا من الجعجعة القانونية التي سوف تنشغل فيها كل الأطراف، إزاء التفاصيل، والمتابعات، وفي طبيعة التقارير المقدمة، وكذا التفسيرات والتأويلات والمطالبات، وغير ذلك. هذه جعجعة تملأ فراغات العجز عن الفعل المطلوب، وهو وقف المجزرة. سبقت ذلك جعجعة سياسية انطلقت منذ الاسبوعين الأولين لحرب الإبادة كان محورها ضرورة وجود حل سياسي، والعودة الى تفعيل حل الدولتين. فجأة، أصبح حل الدولتين على ألسنة الأميركيين والغربيين. وفرت تلك الجعجعة الفارغة الوقت اللازم لإسرائيل لاستكمال حربها. ندخل الآن مرحلة أخرى من جعجعة قانونية وثرثرات مطولة توفر المزيد من الوقت لإسرائيل لمواصلة العدوان علي غزة[75].


[1] “دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية: التحديات والسيناريوهات”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 18/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2a3jfw3p

[2] “”سابقة تاريخية” ومسار للمحاسبة.. 6 أسباب تُغضب إسرائيل من محكمة العدل”، عروبة22، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/vjcac98z

[3] “قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، نون بوست، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/25k42exe

[4] “أمام “محكمة العدل الدولية”: إسرائيل في قفص الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 15/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3umsdmna

[5]  المرجع السابق.

[6] “قضية الإبادة الجماعية في غزة: ملخص شامل لمعركة جنوب أفريقيا القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية || ملخص القضية والأسئلة الشائعة”، القانون من أجل فلسطين، 10/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/33an3vpw

[7] “إبادة غزة: نحو نزع الحصانة عن إسرائيل”، مركز الجزيرة للدراسات، 15/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2p8y6mwd

[8] “محكمة العدل الدولية تبت في التدابير التي طلبتها جنوب أفريقيا بشأن ممارسات إسرائيل في غزة”، أخبار الأمم المتحدة، 24/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yckpj4mm

[9] “دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية: التحديات والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[10] “قضية الإبادة الجماعية في غزة: ملخص شامل لمعركة جنوب أفريقيا القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية || ملخص القضية والأسئلة الشائعة”، مرجع سابق.

[11] “دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية: التحديات والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[12] “إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية .. جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية”، مجلة السياسة الدولية، 15/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yrrm6bm4

[13] ” في منطوق قرارها.. لماذا لم تطلب العدل الدولية “وقف إطلاق النار” بغزة؟”، الحرة، 28/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2ec83tct

[14] “دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية: التحديات والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[15] “أمام “محكمة العدل الدولية”: إسرائيل في قفص الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”، مرجع سابق.

[16] “إبادة غزة: نحو نزع الحصانة عن إسرائيل”، مرجع سابق.

[17] “إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية .. جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية”، مرجع سابق.

[18] “أمام “محكمة العدل الدولية”: إسرائيل في قفص الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”، مرجع سابق.

[19] “إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية .. جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية”، مرجع سابق.

[20] “دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية: التحديات والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[21] “مصر تنفى المزاعم الإسرائيلية فى محكمة العدل الدولية بشأن منع دخول المساعدات الإنسانية لغزة.. رئيس هيئة الاستعلامات يرصد كذب ادعاءات إسرائيل..ويؤكد: إلقاء دولة الاحتلال الاتهامات على مصر محاولة للهروب من إدانتها”، اليوم السابع، 12/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ye23efm5  

[22] “قراءة في أبعاد محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية”، القاهرة الإخبارية، 15/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5hxzr7de

[23] “إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية .. جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية”، مرجع سابق.

[24] “إبادة غزة: نحو نزع الحصانة عن إسرائيل”، مرجع سابق.

[25] “ورقة علمية: قرار محكمة العدل الدولية بين الحياد القانوني والضغط السياسي في معركة طوفان الأقصى”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yck4zwrk  

[26] ” جلسة قرار محكمة العدل الدولية.. التدابير المؤقتة المتخذة ضد إسرائيل”، المرصد المصري، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2s38ef6x

[27] “محكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل بمنع ارتكاب أعمال تتضمنها اتفاقية منع الإبادة الجماعية”، أخبار الأمم المتحدة، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/msm57s38

[28] “قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى”، الأخبار، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/czp72vsd

[29] “قرار محكمة العدل الدولية: جريء لكنّه ناقص”، الميادين نت، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2a6bm5ux

[30] “إبادة غزة: نحو نزع الحصانة عن إسرائيل”، مرجع سابق.

[31] “قرار «العدل الدولية» في حرب غزة: ما لها وما عليها” مدي مصر، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yjcw6rmt

[32] “إبادة غزة: نحو نزع الحصانة عن إسرائيل”، مرجع سابق.

[33] “إندبندنت: قرار العدل الدولية يمثل كارثة لإسرائيل”، الجزيرة نت، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/mrxrambv

[34] “نصر بطعم الهزيمة وهزيمة بطعم النصر.”، وكالة وطن للأنباء، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/574cnnpt

[35] “.. بل حكمت المحكمة!”، عروبة22، 28/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yyffzskh

[36] ” ماذا سيحدث إذا لم تُنفِّذ إسرائيل قرارات محكمة العدل الدولية؟”، عربي بوست، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ynp9wd7u  

[37] ” نتنياهو: “العدل الدولية” لن تمنع إسرائيل من القتال في غزة”، سكاي نيوز عربية، 13/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/t83a7nek

[38] “قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى”، مرجع سابق.

[39] “قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، مرجع سابق.

[40] “قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى”، مرجع سابق.

[41] ” ما حدود المراهنة على محكمة العدل الدولية؟”، القدس العربي، 22/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4tz5vfav

[42] “قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى”، مرجع سابق.

[43] “دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية: التحديات والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[44] “قرار محكمة لاهاي و8 حقائق تؤكد هزيمة الكيان الصهيوني”، وكالة مهر للأنباء، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bdzztkhw

[45] “ورقة علمية: قرار محكمة العدل الدولية بين الحياد القانوني والضغط السياسي في معركة طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[46] “إبادة غزة: نحو نزع الحصانة عن إسرائيل”، مرجع سابق.

[47] “”سابقة تاريخية” ومسار للمحاسبة.. 6 أسباب تُغضب إسرائيل من محكمة العدل”، مرجع سابق.

[48] “قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، مرجع سابق.

[49] “شكوى جنائية ضد الرئيس الإسرائيلي.. في سويسرا”، العربية نت، 19/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yzfx6cnb

[50] “دعوى بأميركا تتهم إدارة بايدن بالمشاركة في الإبادة الجماعية بغزة”، الجزيرة نت، 25/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ms5kna9w   

[51] “قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، مرجع سابق.

[52] ” حماس ترحب بقرار العدل الدولية وتدعو لإلزام إسرئيل بتنفيذه”، الجزيرة نت، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4u4vb6w4

[53] ” كيف علقت جنوب إفريقيا على قرار محكمة العدل الدولية بشأن إسرائيل وغزة؟”، سي إن إن عربية، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5n87szkt

[54] ” ترحيب عربي ودولي واسع بقرار محكمة العدل الدولية”، وفا، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/fxt3a2eu

[55] “نصر بطعم الهزيمة وهزيمة بطعم النصر.”، مرجع سابق.

[56] “قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، مرجع سابق.

[57] “قرار محكمة العدل الدولية: جريء لكنّه ناقص”، مرجع سابق.

[58] “ورقة علمية: قرار محكمة العدل الدولية بين الحياد القانوني والضغط السياسي في معركة طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[59] “نصر بطعم الهزيمة وهزيمة بطعم النصر.”، مرجع سابق.

[60] قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، مرجع سابق.

[61] “.. بل حكمت المحكمة!”، عروبة22، 28/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yyffzskh

[62] ” مقررة أممية تنتقد وقف تمويل الأونروا وتعده “عصيانا” لقرار العدل الدولية”، الجزيرة نت، 29/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4wjxk5mn

[63] إسرائيل تفقد حصانتها أمام القانون الدولي”، العربي الجديد، 30/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ycku4xez

[64] ” أموال المقاصة الفلسطينية.. ورقة ابتزاز إسرائيلية من مخرجات اتفاق أوسلو”، الأناضول، 21/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/7hvnuzkp  

[65] ” مرصد حقوقي: ماذا فعل الاحتلال في غزة بعد قرار “العدل الدولية”؟”، الجزيرة نت، 29/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5fuyns68

[66] “قرار محكمة العدل.. نقاط قوته وإشكالياته والسيناريوهات التالية”، مرجع سابق.

[67] “قرار العدل الدولية.. إبادة بشروط محسنة؟”، نون بوست، 27/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yc6r7u43

[68] “قرار المحكمة الدولية”، أصوات أونلاين، 28/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2p3j4nhx  

[69] “قرار العدل الدولية.. إبادة بشروط محسنة؟”، مرجع سابق.

[70] ” “يتفق مع رؤيتنا”.. واشنطن تعلق على قرار محكمة العدل”، سكاي نيوز عربية، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bdeftun5

[71] ” أول تعليق لنتانياهو على قرار محكمة العدل الدولية”، الحرة، 26/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bde4kmpy

[72] “قرار «العدل الدولية» في حرب غزة: ما لها وما عليها”، مرجع سابق.

[73] “قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى”، مرجع سابق.

[74] “قرار “العدل الدولية” تاريخي ولكن ليس بامتياز”، العربي الجديد، 28/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5cwnzn7z

[75] ” نعومة “العدل الدولية” تُشرعن استمرار الحرب”، العربي الجديد، 29/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2yub4fvb

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022