تزايدت التصريحات الإسرائيلية مؤخرًا بالاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية برية في مدينة رفح الفلسطينية الملاصقة للحدود المصرية، وترافق معها تحريض إعلامي لتبرير السيطرة على محور فيلادلفيا، ما أثار استياء مصر، وحذرت من تداعيات هذه العملية علي العلاقات المصرية- الإسرائيلية، خاصة وأن القاهرة تري في هذه العملية تمهيدًا لتنفيذ سيناريو التهجير للفلسطينيين من غزة إلي سيناء. وهو ما أثار التساؤلات حول أسباب إصرار إسرائيل علي تنفيذ هذه العملية رغم ما قد ينتج عنها من أزمة دبلوماسية مع القاهرة، وما هي طبيعة الموقف المصري من هذه العملية؟ وما هي الخيارات التي تملكها القاهرة للجم إسرائيل وتوقيفها عن شن تلك العملية؟ وهل يمكن أن تلجأ إلي هذه الخيارات بالفعل؟ وما هي سيناريوهات تنفيذ إسرائيل لهذه العملية؟
أولًا: الإصرار الإسرائيلي علي شن عملية عسكرية في مدينة رفح:
علي الرغم من وجود معوقات كثيرة أمام إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، والتي تتمثل أبرزها في:
1- وقوع كارثة إنسانية: ستكون لتوسعة الاحتلال لعمليته البرية نحو مدينة رفح نتائج كارثية على النازحين في رفح، إذ بلغ عدد سكان محافظة رفح قبل بدء العدوان قرابة 260 ألف نسمة، يتوزعون على مساحة 64 كم، أي بنسبة كثافة سكانية تفوق 4 آلاف نسمة لكل كم مربع، ومع بدء التوغل البري بدأ عشرات الآلاف بالتدفق إلى رفح، ليبلغ عدد النازحين إليها مع عدد سكانها الأصلي أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، فيما يستمر الآلاف بالنزوح إليها من خانيونس ووسط قطاع غزة يوميًا، أي أن كثافة السكان حاليًا فيها بلغت قرابة 24 ألف نسمة لكل كم مربع، والنسبة في ازدياد دائم، مع استمرار العدوان وتوسيع الاحتلال لعملياته البرية، وإجبار الناس على النزوح وترك مناطقهم ومنع عودة أهالي شمال القطاع إلى مناطقهم. هذه الأعداد المهولة من النازحين تقول أنه لا يوجد في رفح حاليًا شبر فارغ من السكان الذين يقيمون في خيام هشة جدًا لا تقي من البرد أو المطر، ولا تشكل أي ملاذ لساكنيها في حال تقدمت الدبابات الإسرائيلية نحوهم.
وبالتالي فإن توسيع الاحتلال لعمليته البرية نحو رفح في ظل هذه الظروف سيكون كارثيًا، وسيؤدي إلى استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين بأضعاف ما شهدته كل أيام العدوان السابقة، إذ كما هو معروف، لا يتقدم الاحتلال مترًا واحدًا بدون تمهيد ناري عنيف جدًا، وعندما يتقدم نحو المناطق السكانية فإنه يتعمد استهداف المدنيين بشكل مباشر، إذ قال المحلل العسكري لـ”القناة 14″ العبرية، “نوعم أمير” إنه التقى بضباط من جيش الاحتلال بالقطاع في ديسمبر 2023 وأكدوا له بوضوح أن: “كل من يمشي على رجلين، وهو ليس جنديًا في جيش الاحتلال، فهو ميت”، حسب تصريحه، وهذا ما يعني أن قوات الاحتلال لا تميز بين مدني ومقاوم، وأنها لن تتورع عن ارتكاب عشرات المجازر في حال تقدمها نحو رفح.
في هذه الحالة لن يكون أمام النازحين مكان آخر لينزحوا إليه هربًا من المجازر الصهيونية، وذلك لأن الاحتلال ما زال يمنع عودة النازحين إلى مناطقهم في شمال القطاع ووسطه، ويعمل باستمرار على دفع المزيد من السكان على النزوح نحو رفح، ومن ناحية أخرى، فمصر قد أعلنت منذ اليوم الأول أنها لن تفتح أبوابها أمام هجرة جماعية للفلسطينيين، لما يعنيه ذلك من تكرار النكبة وتصفية القضية الفلسطينية، ما يعني أن النازحين في رفح سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يظلوا في أماكنهم لتفتك بهم آلة القتل والتدمير الصهيونية، أو أن يتدافعوا نحو الحدود المصرية متسلقين الجدر العازلة ومقتحمين المعبر للنجاة بأرواحهم، وفي ذلك تتخوف مصر من حدوث سيناريو التدفق نحو حدودها واختراقها، وهو الأمر الذي عارضته منذ بداية العدوان[1].
هذه الكارثة الإنسانية ستشكل ضغطًا علي إسرائيل من جانبين: الأول؛ خاص بالقرار الأولي لمحكمة العدل الدولية الذي عنى أن إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية، وأنها تحت المراقبة والملاحظة، وأمرها باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها من أجل منع قواتها من ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في إطار قضية رفعتها جنوب أفريقيا، ولذلك، فقد سارعت جنوب إفريقيا بتقديم طلب عاجل لمحكمة العدل الدولية لاستخدام سلطتها الكاملة من أجل وقف العملية العسكرية التي تخطط إسرائيل لشنها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة[2]. والثاني، متعلق بإعلان “حماس” أن أي عملية عسكرية قد تشنها إسرائيل على مدينة رفح ستؤدي إلى نسف المفاوضات المتعلقة بتبادل الأسرى[3].
2- الرفض المصري للعملية: حيث ترفض مصر قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية في مدينة رفح، وموقف مصر هام بالنسبة لإسرائيل؛ نظرًا للحدود المشتركة، ومنها حركة دخول وخروج المقاتلين أو السلاح أو حتى المساعدات الإغاثية، وهناك أيضًا اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب وهي مهمة جدًا لإسرائيل وتحرص علي المحافظة عليها[4].
وفي هذا السياق، فقد هددت مصر بالانسحاب من معاهدة السلام 1979، في حالة قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية في رفح. وتحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في 11 فبراير 2024، عن مخاوف في إسرائيل من أن تؤدي عملية عسكرية في رفح وسط رفض مصري، إلى “إدخال القاهرة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح دون تفتيش إسرائيلي”، ورأت أن “التنسيق مع مصر، الذي يسمح لإسرائيل بإجراء فحص أمني لكل شاحنة تدخل القطاع عبر معبر رفح، يكاد يكون غير مسبوق، والإضرار به سيضر بأمن إسرائيل أكثر من مصر، ولذلك فإن الجيش منزعج ويحذر من احتمال نقل أسلحة إلى هناك دون تفتيش”. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل “تريد أن تتعامل في المستقبل القريب مع صفقة الرهائن، ومحور فيلادلفيا، ومصر هي همزة الوصل بين الهدفين”[5].
3- التحفظ الأمريكي علي العملية: يبدو أن هناك تحفظات أمريكية علي العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح؛ نظرًا لما سينتج عن هذه العملية من سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، خاصة وأن واشنطن أصبحت تتلمس الحرج أمام الرأي العام العالمي، وخصوصًا بعد قرار محكمة العدل الدولية[6]. كما ترى واشنطن أن هدف القضاء على حركة حماس بحاجة إلى وقت طويل، وبالتالي يمكن استئناف الحرب بعد صفقة تبادل الأسرى، أما حياة الأسرى الإسرائيليين فليست مضمونة إذا استمرت الحرب، فقد مات أكثر من ثلاثين أسيرًا إسرائيليًا على يد القوات الإسرائيلية. كذلك تخشي واشنطن من تأثير هذه العملية علي السلام المصري الإسرائيلي الذي يعتبر أهم إنجاز حققته الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات السنين، وتعطيه إدارة بايدن أهمية كبيرة؛ لأنها كانت تعمل قبل 7 أكتوبر، ولا تزال بعده، من أجل دمج إسرائيل في المنطقة عبر تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، ضمن مخطط أكبر لمحاصرة المشروع الصيني “الحزام والطريق” عبر الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي[7]. ناهيك عن خشية واشنطن من أن تؤدي الكارثة الإنسانية في رفح مع اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدينة إلي انخراط أوسع من قبل “محور المقاومة” في لبنان والعراق وسوريا واليمن[8].
وفي ضوء ذلك؛ قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، أن واشنطن “لن تدعم عملية عسكرية واسعة النطاق لما تنطوي عليه من خطر وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين”. من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أنه في ما يتعلق برفح “المسؤولية تقع على إسرائيل (…) لبذل كل ما في وسعها لضمان حماية المدنيين”، مضيفًا أن أي “عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل يجب أن تضع المدنيين في الاعتبار أولًا وقبل كل شيء”[9]. فيما أبلغ الرئيس الأمريكي جود بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في اتصال هاتفي جرى بينهما في 11 فبراير 2024، بحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، أنه “لا ينبغي شن عملية عسكرية دون خطة موثوقة لضمان سلامة أكثر من مليون شخص في رفح”[10]. وقال بايدن، بعد اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إن “الولايات المتحدة تعمل على التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، من الممكن أن يحقق فترة هدوء فورية ومستدامة في غزة لمدة ستة أسابيع على الأقل، وخلال هذه الفترة يمكنهم العمل على وقف أكثر استدامة للقتال”[11].
وقد تحدثت تقارير عن أن واشنطن طلبت من نتنياهو إنهاء العملية العسكرية في رفح (التي تمثل المرحلة الأخيرة للعدوان الإسرائيلي علي غزة) قبل شهر رمضان، والذي من المتوقع أن يبدأ في 10 مارس 2024، لأن استمرار الحرب في رمضان تفاديًا لردات فعل شعبية وانفلات أمني في الضفة الغربية تحديدًا و/أو بعض الدول العربية والإسلامية[12].
وعليه يمكن القول أن واشنطن تضع ثلاثة شروط أمام إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية في رفح تتمثل في: الأول ضمان حماية الفلسطينيين المدنيين في رفح حتي لو كان ذلك عبر إجلائهم بالتنسيق مع الجانب المصري، والثاني إنهاء العملية قبل شهر رمضان، والثالث مشاركة الحكومة الإسرائيلية بشكل جدي في المفاوضات (الخاصة بتبادل الأسري وإدخال المساعدات وهدنة إنسانية) التي تقودها الولايات المتحدة، وتبذل جهودًا لإنجاحها[13]. مع التأكيد علي إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لن تعاقب إسرائيل إذا ما أقدمت على شن حملة عسكرية في مدينة رفح دون الالتزام بهذه الشروط[14].
4- الخلاف الإسرائيلي حول استمرار الحرب: فهناك خلافات داخل إسرائيل بين تيارين: الأول، يعطي الأولوية لاستمرار الحرب، والثاني، يفضل التوصل إلى صفقة تبادل للإفراج عن الأسري لدي حماس، ويمكن بعد ذلك استئناف الحرب.
وفي هذا السياق، قال زعيم المعارضة يائير لبيد في تعليقه علي اجتماع القاهرة المنعقد في 13 فبراير 2024 لبحث التهدئة في قطاع غزة وتبادل الأسرى، أنه “من غير المعقول أن تبذل الجهات الأجنبية جهودًا أكبر من الإسرائيليين لاستعادة الأسرى”، مضيفًا أنه “لا يمكن للحكومة أن تذهب إلى مفاوضات القاهرة فقط للاستماع، وترفض لأسباب سياسية تقديم موقفها”. في المقابل، انتقد حزب الليكود – الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو- تصريحات لبيد ونقلت “هيئة البث” عن مسؤول بالحزب اليميني قوله إنه “لا يمكن استمرار تصرف لبيد بشكل غير مسؤول والإضرار بمفاوضات لا يعرف تفاصيلها”.
ونقلت “القناة 13” العبرية، في 13 فبراير، عن مسؤول إسرائيلي قوله إن مشاركة وفدهم في محادثات القاهرة كانت “مجاملة”، تلبية لطلب الرئيس الأميركي جو بايدن. كما أوردت القناة نفسها أن خلافات كبيرة سبقت توجه الوفد الإسرائيلي إلى العاصمة المصرية، ترجع إلى أن رئيس الموساد ومسؤول ملف المحتجزين الجنرال احتياط نيتسان ألون طرحا فكرة تقديم مقترحات جديدة، وهو ما عارضه نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس الأركان، وفقًا للقناة.
وكذلك نقل التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان” أن نتنياهو رفض مقترحًا لتبادل الأسرى مع حركة حماس أعده قادة الموساد والشاباك. وفي هذا الصدد أيضًا، قالت “الإذاعة الإسرائيلية” إن نتنياهو أوفد سكرتيره الشخصي مع الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة “للتأكد من تقيد رئيس الموساد بتفويضه”. وحسب الصحافة الإسرائيلية، فإن مسؤول تنسيق ملف الأسرى والمفقودين اللواء نيتسان ألون لم يسافر إلى القاهرة، وهو ما يعكس الخلافات داخل القيادة الإسرائيلية حول الطريقة التي كان ينبغي أن تجري بها هذه المناقشات، مع رفض نتنياهو طرح اقتراح مضاد على الطاولة بعد أن حددت “حماس” شروطها للموافقة علي “اتفاق باريس”، بحجة أن حماس يجب أن تتراجع أولًا عن بعض شروطها
من جانبهم، طالب أهالي الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة -في تصريحات نقلتها القناة 12 الإسرائيلية- رئيسي الشاباك والموساد بعدم العودة من القاهرة من دون إبرام صفقة تضمن عودة جميع الرهائن الأحياء والأموات، على حد تعبيرهم[15].
ولكن رغم هذه المعوقات أمام إسرائيل لشن عملية برية في مدينة رفح، إلا أن هناك إصرارًا إسرائيليًا على شن هذه العملية. حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 9 فبراير 2024، أن نتنياهو “أمر الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بتقديم خطة مزدوجة إلى الحكومة لإجلاء السكان وتدمير كتائب حماس تمهيدًا لشن عملية برية في رفح”. فيما قالت “هيئة البث الإسرائيلية” (رسمية) إن الحكومة أبلغت عددًا من دول المنطقة والولايات المتحدة أنها تستعد لنشاط عسكري جنوب القطاع. وبحسب “القناة 13” العبرية، طلب نتنياهو، في 10 فبراير، من رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، إعادة تعبئة جنود الاحتياط استعدادًا للعملية[16].
ثم عاد نتنياهو، عندما حل ضيفًا على برنامج التوك شو الرئيسي لـ”شبكة إيه بي سي” (ABC News) في 11 فبراير 2023، وأكد أن “النصر في متناول اليد”، وأضاف “سنقضي على ما تبقى من كتائب حماس الإرهابية في رفح، المعقل الأخير، سنفعل ذلك”. ووعد نتنياهو بتوفير “ممر آمن للسكان المدنيين حتى يتمكنوا من المغادرة”، وعندما سُئل عن المكان الذي من المفترض أن يذهب إليه الفلسطينيون، قال نتنياهو إنهم “يعملون على وضع خطة مفصلة”. ورد نتنياهو علي من يدعون تجنب اقتحام رفح بالقول إن “أولئك الذين يقولون إنه لا ينبغي لنا تحت أي ظرف من الظروف دخول رفح، يقولون لنا اخسروا الحرب. أبقوا حماس هناك”[17]. فيما قالت “هيئة البث الإسرائيلية”، في 11 فبراير، أن الجيش قد صادق على خطة عملياتية لشن عملية برية عسكرية في منطقة رفح جنوب قطاع غزة[18].
وقد بدأت الطائرات الحربية الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة، تنفيذ عمليات استهداف جوي لعدد من المنازل الآمنة في رفح. وتشير الشهادات الميدانية التي يوردها الأهالي من المدينة، إلى أن حدة القصف الإسرائيلي تصاعدت، وأن المناطق الغربية والشرقية من رفح، تشهد عمليات قصف بالطائرات الحربية[19]، آخرها قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 12 فبراير، بشن سلسلة غارات عنيفة ومكثفة على مناطق متفرقة من مدينة رفح، ما أسفر عن استشهاد قرابة 100 شخص وإصابة المئات، فيما زعم الاحتلال تحرير أسيرين من المحتجزين لدى المقاومة خلال تلك العملية[20].
فيما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في تقرير لها في 12 فبراير، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية اقترحت إجلاء الأهالي الغزيين النازحين في مدينة رفح إلى “مدن خيام واسعة”، وذلك قبل “هجوم الاحتلال العسكري المزمع على المدينة الواقعة في جنوب قطاع غزة”. وتابع التقرير نفسه، أنه نقل “عن مسؤولين مصريين وصفهم لاقتراح إسرائيل للإخلاء، من خلال العمل على إقامة 15 مخيمًا”، مشيرًا إلى أن “كل مخيم سوف يحتوي على حوالي 25 ألف خيمة، في الجزء الجنوبي الغربي من المنطقة الساحلية المغلقة”. وأضافت الصحيفة بأن “مصر المتاخمة لمعبر رفح سوف تكون مسؤولة عن إقامة المخيمات والمستشفيات الميدانية”[21].
وفي السياق ذاته؛ كشفت صحيفة “الأخبار” عن وجود خطة متكاملة لتهجير مئات الآلاف من نازحي رفح إلى مناطق جديدة. وبحسب ما اطلعت عليه “الأخبار”، فإن الخطة تقوم على الآتي:
- إنجاز اتفاق سياسي – أمني بين إسرائيل وكل من مصر والأردن والإمارات العربية، على كيفية إنشاء وتمويل وإدارة المخيمات الجديدة، على أن تدفع الولايات المتحدة لمصر ما تتعهد مصر بإنفاقه.
- تحديد المكان الجديد لتجمع النازحين بالمناطق الغربية لقطاع غزة حصرًا، وضمن شريط ساحلي يمتد من منطقة المواصي (جنوب غرب القطاع) إلى منطقة الشيج عجلين (جنوب مدينة غزة شمالًا)، وقد ثبت العدو فكرة أنه لن يسمح بإقامة مخيمات في مناطق الشمال، لكنه وافق على إقامة نقطة جديدة في منطقة مفتوحة تقع في شمال غرب خان يونس.
- تم تحديد بين 12 و15 نقطة تجمع، يطلق عليها “قرى المخيمات”. سيكون أكبرها في بقعتين، واحدة في منطقة المواصي الجنوبية، وثانية في “حديقة شرم” القريبة من وسط القطاع، على أن يصار إلى حشر نحو مليون فلسطيني في هذه المخيمات.
- يتم عزل كامل شمال غزة، من منطقة الشيخ عجلين وكل المنطقة الواقعة شمال وادي غزة باتجاه الشرق، وعدم القيام بأي نشاط دعم إنساني هناك، بل دفع ما بقي من السكان (تقول إسرائيل إن المنظمات الدولية أحصت وجود أقل من 300 ألف فلسطيني في هذه المنطقة) عليهم النزوح إلى أماكن المخيمات للحصول على الدعم.
- تتسع كل “قرية مخيم” لنحو 25 ألف خيمة، وبعضها أكثر من ذلك، ويجري توزيع النازحين على هذه النقاط، وفق قواعد بيانات تأخذ بالحسبان صلات القربى، أو أن يكونوا من البلدات أو الأحياء نفسها قبل التهجير. وأن تكرر المحاولة التي جرت في رفح وفشلت، بإلزام الناس لاختيار ممثلين عنهم، سواء من المخاتير أو الوجهاء، لتولي عملية التنسيق، وضمان عدم وجو أي دور مدني أو سياسي أو إداري لأي شخص على صلة بحماس.
- تتولى إسرائيل إقفال كل المعابر الحدودية من الجانب المصري، (إقفال معبري رفح وكرم أبو سالم) وجعل الحركة جارية للشاحنات الآتية من مصر أو الأردن عبر المعابر التي تقع عند الحدود الشرقية للقطاع، على أن يتم حصر مسار الحركة بخط واحد يدخل من وسط القطاع ثم يتوزع على الطريق البحري (شارع الرشيد) كما هي حال حركة الناس.
- أن تلتزم الدول التي تريد إدخال المساعدات بإيداع ما لديها تحت وصاية الجانبين المصري والأردني، على أن تتولى دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة ميناء عائم، في المنطقة المقابلة لـ”حديقة شرم”. ويتم هناك إنزال المساعدات وتوزيعها من خلال سيارات عبر شارع الرشيد، على أن تخضع هذه المساعدات لتفتيش مسبق من قبل إسرائيل.
- تتولى السلطات المصرية عملية إقامة المخيمات ونصب الخيام ومراكز الصرف الصحي المؤقتة الى جانب مراكز لتزويد المياه (بتمويل أميركي – سعودي)، على أن تقام “مستوصفات ميدانية”، ويبقى قرار إخراج الجرحى إلى خارج القطاع بيد مصر التي تنسقه مع قوات الاحتلال، كما هو حاصل الآن، حيث ترسل القاهرة لوائح المفترض مغادرتهم القطاع، من مدنيين وجرحى إلى الجانب الإسرائيلي الذي يمنح الموافقة من عدمها. وحصل أن مات جرحى بسبب رفض إسرائيل خروجهم بـ”شبهة” أنهم من مقاتلي المقاومة. كما ترفض إسرائيل أن يتم نقل جرحى إلى إيران أو سوريا أو حتى إلى لبنان[22].
ويعود هذا الإصرار الإسرائيلي علي تنفيذ العملية العسكرية في رفح إلي:
1- القضاء علي المقاومة وتحرير الأسري: مع أن الاحتلال يزعم أن قوة المقاومة في رفح أضعف نسبيًا مما هي عليه في شمال القطاع وخانيونس، فإنه يدعي أن عددًا كبيرًا من المقاومين قد نجحوا بالوصول من المناطق التي توغل فيها الاحتلال بريًا إلى منطقة رفح، كونها الوحيدة التي لم تشملها العملية العسكرية البرية التي بدأها جيش الاحتلال في غزة منذ 27 من أكتوبر 2023، ويدعي الاحتلال أن رفح يوجد بها أربع كتائب لحركة حماس. كما يدعي الاحتلال بأن الأسرى قد يكونوا موجودين في رفح، كونها الأكثر أمانًا لإخفاء الأسرى. وتأتي هذه الادعاءات بعد أن سقطت ادعاءات سابقة للاحتلال بأن الأسرى وقيادة حماس موجودون تحت مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، وثم الانتقال للترويج بأنهم موجودون في خانيونس، وهذا ما سقط أيضًا بعد أن فشل الاحتلال في إيجاد أسراه وقيادة حماس في خانيونس بعد توغله بريًا فيها[23].
في هذا السياق؛ يمكن تفسير إعلان الناطق باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، أن الجيش نجح في تحرير محتجزين إسرائيليين من قطاع غزة، من خلال عملية مشتركة جرى تنفيذها في رفح مع جهاز الأمن العام (الشاباك) والوحدة الشرطية الخاصة العاملة داخل مدينة رفح. فالإعلان عن تلك العملية تزامنًا مع بدء قصف رفح هو محاولة واضحة لخلق مبرر قوي ومقنع لدى الرأي العام الإسرائيلي وأوساطه السياسية والعسكرية بأن شن عملية في رفح أمر ضروري وحيوي لتحرير المحتجزين، إذ إن تحرير اثنين منهم مع بداية العملية يعني أن هناك احتمالية كبيرة في وجود آخرين داخل المدينة، كونها المحطة الأخيرة في مسلسل تدمير قطاع غزة بأكمله، وهو ما يمكن أن يخفض نسبيًا من أصوات المعارضين للعملية. بجانب محاولة تمرير السردية الإسرائيلية التي تزعم أن الضغط العسكري سيقود في النهاية إلى تحرير المحتجزين، وهي السردية التي يعزف عليها نتنياهو ووزير دفاعه منذ بداية الحرب، ردًا على الجهود الدبلوماسية الخاصة بإبرام صفقات تبادل أسرى وهدن مؤقتة[24].
2- السيطرة علي محور فيلادلفيا: يزعم الاحتلال أن محور فيلادلفيا هو الشريان الذي استطاعت المقاومة من خلاله بناء قدراتها العسكرية، وأن الأنفاق من أسفله ما زالت تعمل منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وحتى خلال العدوان الحالي، على الرغم من الجهود المصرية لإنهاء الأنفاق وإغراقها وإنشاء منطقة عازلة بين قطاع غزة والأراضي المصرية، بل إن المزاعم الإسرائيلية تذهب بعيدًا إلى الادعاء بأن تهريب الأسلحة كان يجري عبر معبر رفح نفسه، من خلال تقديم المقاومة رشى للمسئولين المصريين ليغضوا الطرف ويساعدوا في تهريبها، وإلى ذلك، تستمر ادعاءات الاحتلال بأن الأسرى الإسرائيليين ومراكز قيادة حركة حماس موجودة في رفح.
صدرت تصريحات في هذا الإطار عن عدة مسؤولين لدى الاحتلال تؤكد عزم الاحتلال السيطرة على محور فيلادلفيا وإغلاقه نهائيًا، إذ صرح رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” عدة مرات على أن هذا المحور يجب أن يسيطر عليه الاحتلال ويغلقه نهائيًا، لضمان نزع سلاح المقاومة في غزة، مبررًا أنه بدون هذه الخطوة ستتمكن المقاومة من إعادة تسليح نفسها في غضون سنوات معدودة، حسب زعمه[25]. فيما انتقد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش الموقف المصري المعارض بشدة لنية إسرائيل شن عملية برية واسعة النطاق في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وقال سموتريتش الذي كان يتحدث في اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب الصهيونية الدينية برئاسته، إن مصر مسؤولة بشكل كبير عن ما حصل في السابع من أكتوبر، في إشارة إلى عملية “طوفان الأقصى”، وأن حماس تسلحت عن طريقهم. وطالب سموتريتش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجاهل الضغوط الأميركية وعدم إرسال وفد إسرائيلي إلى القاهرة من أجل استكمال المحادثات التي تشارك فيها مصر وقطر والولايات المتحدة بشأن التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى، وأضاف أن الحل الأنسب لإعادة الأسرى الإسرائيليين هو مواصلة العملية العسكرية[26].
3- الضغط في ملف المفاوضات: فالتهديد بعملية في جنوب القطاع، أي رفح، قد يشكل أداة ضغط على حماس، على أمل أن تتساهل في مفاوضات تبادل الأسري، كما أنها تشكل ضغط علي الوسطاء (مصر بالأساس) للضغط على المقاومة وإرغامها على تقديم تنازلات. وفي هذا السياق؛ وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، فقد حذرت مصر حركة “حماس”، من ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى، مقابل وقف إطلاق النار مع إسرائيل خلال أسبوعين، وإلا سوف يقوم الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية في رفح[27].
وتكثف دول كبرى وإقليمية (خاصة الولايات المتحدة وقطر ومصر)، جهودها لتحويل مجموعة من الأفكار إلى خطة عمل بمراحل محددة وتفصيلية ومتداخلة، تبدأ بهدنة في غزة لمدة 45 يومًا، وتنتهي باتفاق إقليمي- دولي كبير قبل يونيو 2024، موعد بدء انشغال المؤسسات الأميركية خصوصًا الكونغرس في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر 2024. هذه الأفكار، تقوم على ثلاث مراحل: هدنة في غزة. مسار سياسي يخص الإسرائيليين والفلسطينيين. اتفاق إقليمي- دولي. ونقطة البداية لهذه التحركات، هي الاتفاق على هدنة في غزة بناء على مسودة الاتفاق الإطاري الذي أعده مسؤولون أميركيون وقطريون ومصريون وإسرائيليون في باريس في 28 يناير 2024[28]. وفي ردها على الاقتراح، طالبت حماس بأن يؤدي المخطط إلى نهاية كاملة للحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، إلى جانب شروط أخرى وصفها نتنياهو بأنها “وهمية”[29].
ونشرت صحيفة “الكونفيدينسيال” الإسبانية تقريرًا يؤكد أن هناك خمس عقبات تحول دون توصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وفيما يلي العقبات الخمس التي أوردها الكاتب ووصفها بأنها عقبات رئيسية:
- مجلس الوزراء الإسرائيلي يرى أن عدد من تطالب حماس بإطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية -أي 1500- مبالغ فيه.
- تريد حماس أن تؤدي هذه الهدنات الإنسانية المتسلسلة الثلاثة إلى وقف نهائي لإطلاق النار. في المقابل، يرفض نتنياهو القيام بذلك لأنه يريد أن يكون له مطلق الحرية في استئناف الهجوم إذا رأى ذلك ضروريًا، ويصر علي التوصل فقط إلي هدنة مؤقتة، يتوقف خلالها تحليق الطائرات لمدة 6 ساعات فقط يوميًا كما في الهدنة السابقة، وقد أخبر الوسطاء القطريون والمصريون حماس أنه عندما تنتهي هذه الهدنات فإن الضغوط الدولية سوف تجعل من المستحيل تقريبًا على تل أبيب العودة إلى الحرب.
- تطالب حماس الجيش الإسرائيلي بالسماح في المرحلة الأولى بالتنقل بحرية داخل غزة وعودة 1.5 مليون مدني إلى الشمال المدمر، وأخيرًا انسحاب الاحتلال من القطاع بأكمله، لكن الحكومة الإسرائيلية مستعدة فقط لسحب جيشها من المراكز الحضرية الرئيسية، مع الإبقاء على حواجز ثابتة، ومنع تنقل المدنيين بين جنوب القطاع ووسطه وشماله.
- تريد حماس من إسرائيل أن تمنع دخول المستوطنين برفقة قوات الاحتلال إلى ما يسمى “جبل الهيكل” في القدس، حيث سمحت لهم الحكومة الإسرائيلية بهذه الاقتحامات بدءًا من عام 2003.
- تطالب حماس بفتح جميع حدود غزة لدخول المساعدات الإنسانية عبرها قبل إعادة إعمار القطاع، وهو ما قد يستغرق ثلاث سنوات على الأقل. من جانبها، ترغب إسرائيل في فرض سيطرتها على ما يدخل غزة برًا لمنع إدخال الأسلحة عبر معبر رفح مع مصر، وبالتوازي مع ذلك سيتعين على تل أبيب والقاهرة الاتفاق على الكيفية التي سيتمكن بها الإسرائيليون من مراقبة الأنفاق بين شبه جزيرة سيناء وغزة[30].
4- المزاج العام في إسرائيل الداعم لاستمرار الحرب: حيث أن الرغبة الإسرائيلية في استمرار الحرب لا تتوقف فقط عند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يعد أن من لا يريد احتلال رفح لا يريد أن تنتصر إسرائيل، وهو مصمم على خوض معركة رفح ليس فقط من أجل بقائه السياسي؛ لأن استمرار الحرب يضمن عدم محاكمته ويدفع بالانتخابات المبكرة إلى الوراء، بل يستند إلى قاعدته اليمينية وائتلافه الحاكم (تهدد الأحزاب اليمينية بالانسحاب من الحكومة في حالة وقف الحرب، وبدون دعمها لن يظل نتنياهو في الحكم) وإلى أكثر من 40% من الإسرائيليين – كما تشير الاستطلاعات – الذين يؤيدون إعطاء الأولوية لاستمرار الحرب على صفقة تبادل أسرى وهدنة[31].
كما تحرص قيادات الجيش الإسرائيلي علي استمرار الحرب أملًا في استعادة حالة الردع ضد فصائل المقاومة، وتحقيق انتصارات ملموسة خاصة أنه رغم مرور أكثر من أربعة أشهر علي بدء العدوان علي غزة، فلا تزال حماس صامدة وتكبد جيش الاحتلال خسائر فادحة، كما لم ينجح الاحتلال في تحرير أسراه بالقوة دون مفاوضات، هذا بخلاف الفشل في فرض الهيمنة الكاملة على شمال القطاع، ناهيك عن وسطه في خان يونس الذي يشهد معارك ضارية حتى اليوم[32]. ولذلك، ما زالت المؤسسة العسكرية والأمنية تؤمن بضرورة دخول و/أو احتلال كافة محافظات القطاع للوصول لمرحلة إمكانية ادعاء النصر[33].
كما أن بني غانتس وغادي آيزنكوت اللذين دفعت بهما الولايات المتحدة داخل الحكومة الائتلافية التي تم تشكيلها عقب أحداث 7 أكتوبر 2023 (يوصفا في الإعلام الإسرائيلي برجال أمريكا) للجم جماح نتنياهو لم تثمر، بل على العكس، حيث يظهر أن الجنرالين لديهما أيضًا ميل إلى استمرار المواجهة مع حماس، وإن بدوافع مختلفة. وحتى التحركات الاحتجاجية من قبل عائلات الأسرى، لا تبدو قوية بما يكفي لجعل نتنياهو مضطربًا أو خاضعًا لها[34].
ويأتي هذا المزاج الإسرائيلي الداعم لاستمرار الحرب في محاولة لكي الوعي الفلسطيني بمزيد من القسوة والعنف والتدمير، في محاولة لطمس ما حدث في 7 من أكتوبر 2023، من انتصار يحسب للفلسطينيين ويقزم من صورة المحتل، الذي تعرض لضربة موجعة لم يشهدها منذ أن وطأ بأقدامه الثرى الفلسطيني، لذا يحاول إلغاء تلك الانتصارات من الذاكرة الفلسطينية عبر تعميق الجراح والانتهاكات والخسائر[35].
ثانيًا: الرفض المصري للعملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح:
من المؤكد أن العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح سيكون لها انعكاسات سلبية علي مصر، تتمثل في:
1- انتهاك معاهدة السلام: وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية سلام في عام 1979 في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد 1978، لتنهي حالة الحرب بين البلدين، وتطبع العلاقات بينهما، وتحد من الانتشار العسكري على جانبي الشريط الحدودي بينهما. رسم البروتوكول الملحق بالاتفاقية، الحدود بين البلدين، وقسمها إلى أربع مناطق رئيسية تقع ثلاث منها في شبه جزيرة سيناء بالأراضي المصرية وواحدة داخل إسرائيل تسمى المنطقة “د”. وتمتد المنطقة “د” بعمق 2.5 كيلو متر من الحدود الإسرائيلية مع مصر، وتشمل كذلك الشريط الحدودي داخل قطاع غزة مع مصر.
وتتيح الاتفاقية تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة لا يتجاوز عدد جنودها 4 آلاف، في المنطقة “د”، وتحصينات ميدانية محدودة، فضلًا عن مراقبين من الأمم المتحدة. ولا تتضمن القوة الإسرائيلية في هذه المنطقة أي دبابات أو مدفعية أو صواريخ فيما عدا صواريخ فردية أرض/جو. وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر على الشريط الحدودي مع مصر داخل غزة بما يشمل المنطقة الحدودية المتاخمة للحدود المصرية والمعروفة بـ”محور فيلادلفيا” بحسب التسمية الإسرائيلية و”محور صلاح الدين” بحسب التسمية المصرية، التي تمتد بطول 14 كم، حتى انسحابها من القطاع بشكل أحادي عام 2005.
ووقعت إسرائيل مع مصر عام 2005 بروتوكولًا سُمي “بروتوكول فيلادلفيا” ملحق باتفاقية السلام، سمح لمصر بنشر 750 جنديًا في المنطقة المشار إليها بالمنطقة “ج” على امتداد حدودها مع غزة والملاصقة للمنطقة “د”، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود. وكان الاتفاق الأصلي في عام 1979 قد منع انتشار قوات عسكرية مصرية في المنطقة “ج” وحصر الوجود الأمني فيها بالقوات متعددة الجنسيات والمراقبين وعناصر الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة.
ويتيح الملحق الأول في معاهدة السلام، تعديل ترتيبات الأمن المتفق عليها بناءً على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما. وأعلنت مصر وإسرائيل عام 2021 تعزيز الوجود العسكري المصري في المنطقة “ج” ونشرت دبابات ومدرعات وناقلات جند لدواعي الحرب على الإرهاب والتهديدات التي مثلها وجود عناصر تنظيم الدولة في شمال سيناء.
وبالتالي؛ فإنه لا يحق لإسرائيل نشر أي جندي إضافي في المنطقة “د” دون الحصول على موافقة الجانب المصري ولدواعي حماية الأمن القومي للدولتين ولغرض استمرار السلام. كما أن مجرد قيام إسرائيل بنشر مكثف لقواتها العسكرية على الحدود الدولية مع مصر ومن دون وقوع أي اشتباكات أو عمليات عسكرية يعد خرقًا لبنود اتفاقية السلام وملاحقها الأمنية باعتباره عملاً عدائيًا يهدد الأمن القومي لمصر. وعليه يحق لمصر في ظروف استثنائية أو قهرية تمثل تهديدًا للأمن القومي أن تقوم بمراجعة أو تجميد الاتفاقية مع إسرائيل وذلك استنادًا إلى اتفاقية “فيينا” لقانون المعاهدات الدولية المبرمة في 1969 التي تتيح لأي طرف في معاهدة دولية إلغاءها أو تجميدها كليًا أو جزئيًا بسبب وجود أي تهديد مباشر للسيادة الوطنية أو استقلال الدولة الطرف في المعاهدة[36].
2- تهجير الفلسطينيين إلي سيناء: تري القاهرة في العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح دفعًا نحو “خط أحمر” أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمتعلق برفض تهجير سكان القطاع أو أي من الإجراءات التي من شأنها أن تدفع النازحين الفارين من جحيم القصف لتجاوز السياج الحدودي مع مصر بما يجعلها في وضع لا تُحسد عليه بين خيارات جميعها مر، فإما أن تقبل بنزوح جماعي نحو سيناء وتصفية القضية والقبول جبرًا بتخصيصها وطنًا بديلًا للفلسطينيين، أو أن توجه القوات المصرية نيرانها صوب الأشقاء بما يصم الدولة وجيشها وقتها بغلق أبواب الرحمة أمام النازحين[37].
3- تزايد الضغوط الشعبية: فهناك حالة من التململ في الشارع المصري من طول أمد المعركة الجارية في غزة وتواصل مشاهد المجازر دون أن تجرؤ أي قوى عربية على ردع إسرائيل أو كفها عن الانتهاكات بحق الأشقاء، إذ يخشى صانع القرار المصري من تحالف حالة التململ تلك مع موجة الاستياء العام إزاء الوضع الاقتصادي المتردي وتنامي الغضب بسبب غلاء المعيشة[38]. وفي سياق متصل؛ نشرت مصادر نقلًا عن قبائل سيناء، استعداد الأخيرة للمشاركة في الحرب إلى جانب أهالي قطاع غزة، في حال شن جيش العدو عملية في رفح[39].
وفي ضوء هذه التأثيرات السلبية للعملية العسكرية الإسرائيلية المنتظرة علي مدينة رفح، فقد جاءت التحركات المصرية للحيلولة دون تنفيذ هذه العملية، وتمثلت أبرز هذه التحركات في:
1- دبلوماسيًا: فقد أصدر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات (تابعة لرئاسة الجمهورية) ضياء رشوان، بيانًا في 22 يناير 2024، قال فيه إن “إسرائيل تسوق الأكاذيب (يقصد التصريحات الصادرة عن المسئولين الإسرائيليين باستمرار تهريب السلاح للمقاومة عبر مصر) في محاولة لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا، ما يخالف الاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر. وشدد رشوان على أن “أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية-الإسرائيلية”، مشيرًا إلي أن “مصر فضلًا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، فهي قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها”. وذكر رشوان، أن “هذا الخط المصري الأحمر ينضم إلى سابقه، والذي أعلنته القاهرة مرارًا، وهو الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين قسرًا أو طوعًا إلى سيناء، ولن تسمح لإسرائيل بتخطيه”[40].
فيما أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في بيان لها في 11 فبراير 2024، رفض القاهرة تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، محذرة من أن استهداف رفح بمثابة إسهام فعلي في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، مطالبة بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح[41].
وقد ذكرت تقارير صحفية غربية (مثل نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وكالة أسوشيتد برس) أن مسؤولين مصريين حذروا إسرائيل من إمكانية تعليق القاهرة التزاماتها بموجب معاهدة كامب ديفيد للسلام بين الجانبين إذا ما شن الجيش الإسرائيلي هجوما على رفح[42].
كما أشارت القناة “13” العبرية، عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلت عن مصادر مصرية، أن العلاقات بين مصر وإسرائيل في أسوأ حالاتها منذ عقدين، وأن مصر درست إعادة سفيرها من تل أبيب، على خلفية ادعاء إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي أن مصر هي من تتحمل مسؤولية الفشل في عدم إدخال مساعدات إنسانية كافية إلى قطاع غزة. القناة الإسرائيلية نفسها أفادت بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرفض استقبال مكالمة هاتفية من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على خلفية التطورات في قطاع غزة، واحتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية عند “محور فيلادلفيا” على الحدود المصرية[43].
2- عسكريًا: نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين أمنيين مصريين، في 9 نوفمبر 2024، أن القاهرة أرسلت خلال الأيام الماضية نحو 40 دبابة وناقلة جند إلى شمال شرق سيناء على الحدود مع غزة، في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة، وسط تلويح إسرائيل باجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر[44]. وهي التعزيزات التي يمكن قراءتها عبر مسارين، الأول أنها في إطار الردع للكيان المحتل وتحذيره من أي استفزاز للجانب المصري، الثاني كونها تأتي في إطار الاستعداد للتعامل مع أي نزوح محتمل للغزيين إلى سيناء[45].
وقد أشارت مواقع إعلامية إلي أنه تم عقد اجتماع قيادي مصري عالي المستوى، وشارك فيه كل من السيسي، ووزير الدفاع محمد زكي، ورئيس هيئة الأركان أسامة عسكر، ومدير هيئة الاستخبارات الحربية شريف فكري، ومدير المخابرات العامة عباس كامل، وعدد من قيادات المخابرات الحربية والمخابرات العامة. ونوقش في الاجتماع موضوع واحد، وهو طبيعة الرد المصري على العملية البرية المحتملة على مدينة رفح ومحور صلاح الدين إذا تمت بدون موافقة مصر. وبحسب المصادر، انقسمت الآراء إلى وجهتي نظر. إحداهما رأت أن التعامل مع التحرك الإسرائيلي يجب أن يكون سياسيًا بحتًا، دون التفكير بالخيارات الأمنية والعسكرية، منعًا لتفاقم الوضع في الإقليم واتساع دائرة الصراع. وقد تبنى السيسي وزكي وكامل هذا الرأي.
أما وجهة النظر الثانية، فترى ضرورة وجود تعامل عسكري حازم للدفاع عن الأمن القومي المصري، في حال نفذ الاحتلال حملة برية في رفح أو محور “صلاح الدين”، واعتبار ذلك نهاية اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979. وقد دعم رئيس الأركان وعدد من المشاركين وجهة النظر هذه[46].
تجدر الإشارة هنا إلي تزايد الحديث عن مقترحات إسرائيلية مقدمة إلى مصر للوصول إلى تسوية فيما يتعلق بمصير محور فيلادلفيا، غير أن اللافت أنه لا يوجد تصريح رسمي من قبل الاحتلال حول هذه المقترحات، كما لا يوجد تصريح رسمي من مصر حول الردود على كل مقترح إسرائيلي، ويظل الأمر رهينة للتسريبات الصحفية التي تعلن عنها صحف عبرية أو غربية، فيما تتوالى التأكيدات الإسرائيلية على جدية مسعى السيطرة على رفح ومحور فيلادلفيا.
من المقترحات التي طُرحت حول مصير المحور بناء جدار تحت الأرض على الجانب المصري من الحدود، للتخلص من الأنفاق التي يدعي الاحتلال أنها موجودة أسفله نحو الأراضي المصرية، وهذا المشروع ستموله الولايات المتحدة ودول أخرى، وفي مقترح آخر طالبت دولة الاحتلال بتركيب أنظمة إنذار ومجسات، وتسيير طائرات بدون طيار على طول محور فيلادلفيا لمراقبة محاولات حفر الأنفاق وتهريب الأسلحة أو الأشخاص على جانبي الحدود، بحيث ترسل أنظمة المراقبة بياناتها مباشرة إلى الاحتلال، وفي ذات الوقت تحافظ دولة الاحتلال على حق التدخل العسكري في المحور في حال نُقلت إشعارات عن وجود عملية تهريب أو حفر للأنفاق، غير أن مصر رفضت هذين المقترحين، لما اعتبرته انتهاكًا لسيادتها على حدودها وأراضيها، مع أنها لم تمانع من حيث المبدأ مسألة تركيب أجهزة المراقبة، ولكن في إطار أن تظل مصر وحدها هي المشرفة عليها.
من ضمن المقترحات أيضًا، نشر الاحتلال جنوده على طول المحور من الجانب الفلسطيني، والحفاظ على الوجود العسكري الدائم فيه، غير أن جيش الاحتلال نفسه يستبعد هذا الخيار، لما يعنيه من خطورة على جنوده في ظل العمليات المؤلمة التي نفذتها المقاومة ضد جنود الاحتلال على معبر رفح إبان سيطرة الاحتلال على قطاع غزة.
وقد أصدرت مجموعة من الأحزاب والحركات والشخصيات المصرية في 30 يناير2024 بيانًا تحت عنوان “نعم لمعبر رفح… لا لعزل وتركيع غزة”، أدانت فيه مقترحًا أوروبيًا قالت أن النظام المصري يدرسه، يقضي بغلق معبر رفح نهائيًا، واستبداله بالمعابر بين قطاع غزة وأراضي 48، ولكن لم يصدر أي تعليق من الاحتلال أو الحكومة المصرية حول هذا المقترح[47].
3- سياسيًا: استضافت القاهرة في 13 فبراير 2024 اجتماعًا لبحث التهدئة في قطاع غزة وتبادل الأسرى، وذلك بمشاركة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز ورئيس الموساد ديفيد برنيع ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومسؤولين مصريين على رأسهم مدير المخابرات اللواء عباس كامل. وبينما تتحدث الولايات المتحدة عن مساع للتوصل إلى تهدئة لمدة 6 أسابيع على الأقل بين حماس وإسرائيل، تشير تقارير الصحف الأمريكية نقلًا عن مصادرها إلى وجود خلاف بشأن مدة الهدنة المحتملة[48]. بجانب الخلاف حول مفتاح تعداد الأسرى، فنتنياهو مصمم على أن يعتمد مفتاح الصفقة السابقة: ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل أسير إسرائيلي[49].
ورغم هذه الخلافات، فإن القاهرة تحرص علي مواصلة المفاوضات والتوصل إلي هدنة ووقف إطلاق النار لمنع العملية العسكرية المرتقبة في رفح. وهو ما ظهر في لقاء السيسي – عقب الاجتماع الأمني – مع وليام بيرنز، ووفقًا لبيان أصدرته الرئاسة المصرية، فقد شهد لقاء السيسي مع بيرنز التأكيد على استمرار التشاور والتنسيق المكثف لتحقيق أهداف وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتفعيل حل الدولتين، بما يعزز جهود إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة. وكان السيسي استقبل الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية إن لقاء السيسي وآل ثاني استعرض الجهود الرامية للتوصل لوقف لإطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين من الأوضاع المتدهورة بالقطاع[50].
وتجدر الإشارة هنا إلى بعض الحقائق التي يقفز عنها نتنياهو ومن ورائه الإعلام الإسرائيلي فيما يتعلق بضرورة القيام بعملية عسكرية في رفح والسيطرة علي محور فيلادلفيا لوقف تهريب السلاح من مصر إلي قطاع غزة:
أولًا، أن قضية تهريب الأسلحة للمقاومة عبر الحدود المصرية مع رفح لم تبدأ مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا عام 2005، بل كان التهريب موجودًا طوال الوقت الذي كانت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وإلا من أين أتى السلاح والعتاد العسكري الذي خاضت به الفصائل المقاومة الفلسطينية انتفاضة الأقصى من عام 2000 إلى عام 2005؟
ثانيًا، اقتصار طرق وصول السلاح إلى المقاومة في غزة على التهريب عبر الأنفاق بين سيناء وغزة هو نوع من إخفاء الحقائق والتلاعب بها، وهو مقصود إسرائيليًا لتحميل الدولة المصرية فشل إسرائيل وإخفاقها في منع المقاومة من تسليح ذاتها وتطوير قدراتها العسكرية، والتعمية عن فشلها الأساسي في منع حدوث معركة “طوفان الأقصى”، فهناك طرق متعددة لتهريب السلاح للمقاومة في غزة، منها المعابر والحدود الإسرائيلية مع غزة. وفي مراجعة سريعة لعناوين الأخبار قبل السابع من أكتوبر، سنجد مجموعة طويلة من الأخبار الإسرائيلية تتحدث عن إحباط عمليات تهريب أسلحة ومواد وعتاد عسكري عبر معبر كرم أبو سالم الذي هو معبر إسرائيلي، والذي تأتي البضائع إليه عبر الموانئ الإسرائيلية.
أضف إلى ذلك أن غزة يحدها من الغرب البحر المتوسط، الذي لإسرائيل كامل السيطرة العسكرية عليه. ورغم تلك السيطرة، فإنه يعد مساحة واسعة لإيصال السلاح إلى غزة، والأهم من كل ذلك قدرة المقاومة الفلسطينية على تصنيع سلاحها بقدراتها الداخلية الذاتية خلال السنوات العشر الأخيرة من دون الحاجة إلى استيراد سلاحها من خارج قطاع غزة[51].
أكثر من ذلك فإن الأسلحة والذخائر والمتفجرات منتشرة وبكميات كبيرة في مختلف مناطق الضفة الغربية، في ظل السيطرة الكاملة لجيش الاحتلال عليها[52].
ثالثًا، الجهود المصرية – والتي سببت انتقادات كبيرة لها – للقضاء على الأنفاق بشكل نهائي، فتم عمل منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، ودمرت مصر أكثر من 1500 نفق. كما قامت مصر أيضًا بتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد إلى 14 كيلومترًا، بآخر خرساني طوله 6 أمتار فوق الأرض ومثله تحت الأرض، وأصبح هناك 3 حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض.
كما أن أي ادعاء بشأن عمليات تهريب عبر شاحنات المساعدات والبضائع لقطاع غزة من الجانب المصري، هو لغو فارغ، لأن أي شاحنة تدخل القطاع، يجب أولًا أن تمر على معبر كرم أبو سالم، التابع للسلطات الإسرائيلية، والتي تقوم بتفتيش جميع الشاحنات التي تدخل إلى القطاع، كذلك فإن من يتسلم هذه المساعدات هو الهلال الأحمر الفلسطيني والمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)[53].
ولكن هذه التحركات المصرية – وفقًا لأغلب التحليلات – هي تحركات دون المستوي وغير جدية، ولا ترتقي إلي المستوي الذي يمكن من خلاله إجبار إسرائيل علي التراجع عن قرارها بشن عملية عسكرية في رفح. وهو ما يمكن الاستدلال عليه بتأكيد وزير الخارجية المصري سامح شكري، في 12 فبراير 2024، إن “بلاده ملتزمة ببنود اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتعمل عن كثب من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين من الجانبين، ونفاذ المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع”. وأضاف شكري، في مؤتمر صحافي مع نظيرته السلوفينية تانيا فايونا في العاصمة ليوبليانا، أن “ليست لديه تعليقات بشأن المصادر التي تتحدث في الإعلام عن تعليق القاهرة معاهدة السلام مع إسرائيل، فعلى مدى الأربعين عامًا السابقة، كانت هناك علاقات طبيعية بين البلدين”[54].
يشير تصريح وزير الخارجية المصري إلي أنه من الصعوبة أن تقوم مصر بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل أو تعليق العمل بها؛ لأن الإلغاء يعني العودة بالعلاقات إلى حالة الحرب، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة[55]. بجانب أن الدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى سيناء سيكون عبئًا يثقل كاهل الاقتصاد المصري المتعثر[56].
كما أن تعليق معاهدة السلام ستكون لها تبعات علي علاقتها بالولايات المتحدة التي ستوقف بالطبع المعونة المقدرة بمليارات الدولارات التي تقدمها إلى مصر بناءً على المعاهدة[57]. وسيضر باستمرار الدعم الأمريكي والغربي للنظام المصري، وتقديم أوجه الدعم الاقتصادي واللوجستي للقاهرة في مواجهة مأزقها الحالي الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، كفيلة أن تؤجج الجبهة الداخلية وتشعل غضبها ضد النظام[58]. خاصة بعد أن ساهمت المواقف المصرية المقبولة أمريكيًا بعد حرب غزة إلى تسهيل سداد الديون، واقتراب صندوق النقد والبنك الدولي من تأمين قرض جديد بدعم أوروبي[59]. هذا بخلاف خشية العبث ببعض الملفات الأخرى التي تتشابك معها المصالح المصرية كما هو الحال في الملف الليبي وملف سد النهضة، وهي الملفات التي تلعب فيها إسرائيل وحلفاءها الغربيين دورًا مؤثرًا بما يمثل ورقة ضغط على الجانب المصري.
ناهيك عن رغبة القاهرة في عدم التصعيد مع حليفها الإسرائيلي، حيث العلاقات القوية التي تجمع بين نظامي البلدين خلال السنوات الأخيرة وشهدت تناغمًا لم يعرفه تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية السلام[60]، وفي هذا السياق، كشفت هيئة البث الإسرائيلية، في 16 يناير 2024، أن تل أبيب حاليًا تغض الطرف عن تهرب مصر من دفع 30 مليون دولار كمستحقات لاتفاقية الغاز؛ بسبب الدور الحاسم الذي لعبته القاهرة في الحرب علي غزة[61]. فيما يذهب آخرون إلى الحديث عن مساعي مصر لعدم الانجرار نحو الاستفزاز الإسرائيلي وتوسيع دائرة الصراع بما يخدم أهداف الاحتلال لا سيما بنيامين نتنياهو الذي يسعى لإطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنة بما يؤجل ملاحقته قضائيًا.
كذلك الموقف المصري بصفة عامة من حماس وحركات المقاومة الإسلامية، حيث ترى القاهرة أن الحركة ابن شرعي لجماعة الإخوان المسلمين، وأي انتصار لها سيكون له تأثيره على الجماعة الأم في مصر، وعليه فإن هزيمتها ربما تكون رغبة غير معلنة للعديد من أنظمة المنطقة كالسعودية والإمارات وغيرها، حتى لو كان المقابل تصفية المقاومة بشكل كامل كما ألمح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات سابقة له.
كما أن غياب الموقف العربي الموحد إزاء الوضع في غزة أقلق الجانب المصري من أي تحرك بشكل فردي، رغم الضغوط الممارسة عليه، ليكتفي الجميع بدور المشاهدين من مقاعد الجمهور، دون تأثير أو حراك يحفظ للعروبة ماء وجهها، الأمر الذي شجع المحتل وجرأه على ارتكاب المزيد من الانتهاكات يقينًا منه أن الأنظمة العربية لن تحرك ساكنًا ولن تتجاوز حاجز الصمت والشجب والإدانة[62].
ومن جانب آخر فإن إسرائيل كانت قد سمحت قبل سنوات بتحرك الجيش المصري في مناطق شرق سيناء الحدودية التي تحظر الاتفاقية عمل الجيش بها، وذلك حين احتاجت مصر لملاحقة مسلحي ولاية سيناء، وهو ما يمكن استخدامه كمبرر بملاحقة إسرائيل للمقاومة الفلسطينية في رفح، وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل[63].
وفي هذا السياق، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، في 11 فبراير 2024، بأن التهديد بتجميد اتفاقية السلام يأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي والرسائل الموجهة إلى الجمهور المصري بأن النظام يقف بحزم أمام إسرائيل، ولا يسكت عما يحدث في قطاع غزة، وفق مصادر الإذاعة. وأشارت الإذاعة نقلًا عن مصادرها إلى أن القاهرة لم ترسل إلى تل أبيب رسائل في ظل التقارير التي تتحدث عن تصريحات مسؤولين مصريين حول نية القاهرة تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل إن اضطر الفلسطينيون إلى الهروب إلى أراضيها، مؤكدة أن الاتصالات بين الطرفين لا تحصل بهذه اللغة، بل بلغة “أكثر تهذيبًا”.
وأفادت الإذاعة بأن المسؤولين المصريين أبلغوا الجانب الإسرائيلي بأنهم لن يعملوا على منع أي عملية عسكرية في رفح، طالما جرت دون المس بالمدنيين الفلسطينيين هناك، وأن القلق المصري يتمحور حول فرار الغزيين إلى سيناء إذا ما توغل جيش الاحتلال بريًا[64]. وكانت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية قد قالت إن العملية البرية في رفح نظرًا لمطالب مصر والولايات المتحدة لن تبدأ إلا بعد استيفاء شرطين: الأول، إخلاء واسع النطاق للمواطنين من رفح ومحيطها. والثاني، اتفاق بين إسرائيل ومصر بشأن نشاط الجيش الإسرائيلي ضد الأنفاق في محور فيلادلفيا، وحصول مصر علي ضمانات إسرائيلية صريحة بأن أية عملية عسكرية على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر لن تؤدي إلى هجرة جماعية للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية[65]. وبحسب محللين إسرائيليين فأنه عندما يحدد الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين إلى أين يتوجب عليهم الذهاب، فإنه مع بدء الإخلاء سيبدأ الرفض المصري للعملية العسكرية في رفح بالتراخي[66].
وفي ضوء ما سبق؛ يمكن القول أن الموقف المصري من التهديدات الإسرائيلية بشن عملية عسكرية في رفح هو موقف ضعيف، إن لم يكن متواطئ. كما أنه يكشف عن حالة من الازدواجية الفاضحة في كيفية تعامل النظام المصري مع تهديدات الأمن القومي المصري شرقًا وغربًا، ففي الوقت الذي استأسد فيه نظام السيسي على ليبيا وتدخل عسكريًا ووضع خطوطًا حمراء في العمق الليبي، ها هو ينبطح أمام تحرشات الإسرائيليين على الشريط الحدودي، رغم الفارق الكبير في فحوى وتأثير واحتمالية التهديدات الأمنية هنا وهناك، فقادة الاحتلال كثيرًا ما عبروا عن حلمهم القديم في دولتهم المزعومة من النهر إلى البحر، وهو الحلم الذي يهدد أمن مصر بشكل مباشر ويضع سيادتها على أرضها على المحك[67].
ورغم كل ما رآه كثيرون من تقصير مصري، اعتبر في النهاية خدمة لإسرائيل وواشنطن، فإن هذين الأخيرين ليسا حتى في وارد الامتنان، بل نراهما يمعنان في نوع من التشهير والإهانة. ففي 12 يناير 2024 قال عضو فريق الدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية، كريستوفر ستاكر، في مرافعته أمام المحكمة ردًا على دعوى جنوب إفريقيا باتهام الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة ضد قطاع غزة، أن “الوصول إلى قطاع غزة عبر معبر رفح تسيطر عليه مصر، وليس على إسرائيل أي التزام في ذلك بموجب القانون الدولي”[68].
دون أن ننسى الإحراج الكبير الذي سببه بايدن للسيسي حين قال بأنه كان يسعى لدى “الرئيس المكسيكي” ويضغط ليفتح معبر رفح مع غزة للسماح بدخول المساعدات الغذائية والإنسانية بكثافة وانتظام، مما استدعى ردًا مصريًا لم تأخذه أغلب أوساط المراقبين بالجدية التي أخذوا بها تصريح بايدن[69].
ولذلك، ظهرت مطالبات عدة ومناشدات متتالية بأن تتخذ مصر، بصفتها الجار الأقرب للمحاصرين في رفح وتمتلك جيشًا هو الأقوى في المنطقة، موقفًا جادًا هذه المرة، يداري الخذلان المستمر على مدار أكثر من أربعة أشهر، لا سيما أن الكيان المحتل لم يأخذ تصريحاتها وتحذيراتها بعدم استهداف رفح على محمل الجد، وضرب ببيانات الخارجية والرئاسة المصرية عرض الحائط، فضلًا عن استهدافه أكثر من مرة للحدود المصرية. وتمتلك القاهرة أوراق عدة يمكنها – إذا ما توفرت الإرادة السياسية – استخدامها للضغط على دولة الاحتلال، وقادرة في حال توظيفها بشكل جيد على قلب الطاولة وتغيير الدفة بشكل كبير، وهي:
– التهديد وبشكل رسمي بتجميد معاهدة السلام وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال، وهي الورقة الأكثر تأثيرًا التي قد تربك حسابات حكومة الاحتلال وحليفها الأمريكي والغربي بشكل عام، وطالبت بها نقابة الصحفيين المصريين في بيان لها، بجانب طرد السفير الإسرائيلي وسحب نظيره المصري وقطع العلاقات كافة لحين إنهاء الحرب على غزة[70].
– إعلان توقف مصر عن جهود الوساطة لإبرام صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية. وتدشين تحالف دولي وإقليمي مناهض لقيام إسرائيل بعملية عسكرية في رفح، مستغلة الرفض الدولي لهذه العملية الخطيرة[71].
– تعزيز الوجود العسكري المصري على الشريط الحدودي بما يمثل ردعًا للكيان المحتل، ووضع جميع التشكيلات على أهبة الاستعداد، تزامنًا مع التحذير من تداعيات شن عملية في رفح، وهي الرسالة التي من المرجح أن تتعامل معها إسرائيل بجدية أكثر من البيانات الإعلامية النظرية.
– فتح معبر رفح وإدخال المساعدات لسكان القطاع، وهو المطلب الذي طالما نادى به الكثيرون، خاصة في ظل تلك الظروف الصعبة والكارثية داخل رفح، حيث أكثر من مليون و400 ألف محاصرون من كل الجوانب ويتعرضون لخطر الإبادة إما قصفًا أو جوعًا أو لعدم وجود الإسعافات الطبية السريعة والكافية[72].
– التهديد بتجميد الاتفاقيات الاقتصادية مع حكومة الاحتلال، وإيقاف صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، وتجميد عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط، وتجميد اتفاقية الكويز التي تفرض على المصنعين المصريين اختيار شريك إسرائيلي إذا أرادوا تصدير منتجاتهم إلى الولايات المتحدة[73]، والتلويح باستخدام ورقة قناة السويس، وهي الخطوة التي ستعكس توجهًا مغايرًا للدولة المصرية في تعاملها مع دولة الاحتلال خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي سيكون له تأثيره خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يواجهها الإسرائيليون[74].
– الإسراع في إعادة أهالي رفح والشيخ زويد، الذين تم ترحيلهم من مدنهم في السنوات الماضية من أجل إقامة منطقة حدودية عازلة، باعتبارهم حائط صد ضد أي انتهاكات إسرائيلية متوقعة، مع إعادة فتح الأنفاق وحفر المزيد منها لإمداد الفلسطينيين بحاجاتهم الحياتية الأساسية، في مواجهة حرب التجويع والتعطيش على الصعيدين الاقتصادي والبشري[75].
– فتح المجال أمام الشارع للتظاهر وتشكيل رأي عام مصري قوي يمكنه أن يشكل ضغطًا على إسرائيل وحلفائها في المنطقة، خاصة أنه سيكون بداية لحراك عربي شعبي قادر على خلق مزاج إقليمي داعم للمزاج الشعبي الدولي المندد بجرائم الاحتلال والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني[76].
ثالثًا: سيناريوهات العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح:
أمام هذه المعطيات، وفي ظل الإصرار الإسرائيلي علي شن العملية العسكرية في رفح، وفي ظل الرفض المصري لها أو علي الأقل اشتراطه الحصول علي ضمانات إسرائيلية قبل شن هذه العملية، فإن هناك عدة سيناريوهات حول إمكانية توسيع العملية البرية نحو رفح:
1- عملية برية واسعة في رفح: يعول الاحتلال على تدافع النازحين نحو الحدود ومعبر رفح واختراقها، وربما يساهم الاحتلال في تدمير مقاطع من الجدار الحدودي حتى يفر الناس عبرها من القصف والمجازر الصهيونية، غير أن الاحتلال بهذا الخيار يكون قد عرض الاتفاقيات السياسية والأمنية مع مصر إلى خطر جدي، كما أن حدوث هذه العملية البرية دون إخلاء النازحين سيعني ارتكاب الاحتلال مجازر فظيعة غير مسبوقة.
2- عملية محدودة تستهدف السيطرة على محور فيلادليفا فقط: هذا الخيار غير عملي أيضًا، إذ إن خيام النازحين أصبحت ملتصقة بالجدار الحدودي على طول محور فيلادلفيا وما زال عددها يتزايد يومًا بعد الآخر، وهذه العملية ستتطلب أن تجتاح الدبابات الإسرائيلية رفح نفسها قبل الوصول إلى المحور، وهذا الأمر سيؤدي إلى كوارث على الصعيد الإنساني، والأمر المهم الآخر هو المعارضة المصرية لسيطرة الاحتلال على المحور، كما أشرنا سابقًا.
3- السماح للسكان بالنزوح إلى شمال قطاع غزة أو إلى خانيونس: أوردت إذاعة جيش الاحتلال أن محادثات جرت بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين مصريين تعهدت في إطارها دولة الاحتلال لمصر ألا تعمل عسكريًا في منطقة رفح، قبل أن تسمح للنازحين بالخروج منها، وذلك من أجل خفض مخاطر نزوح موجات لاجئين فلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية، وفي هذا الإطار يدور الحديث حول شمال غزة وخانيونس كمنطقتين محتملتين لإعادة توجيه النازحين نحوهما في حال إنهاء جيش الاحتلال لعملياته العسكرية فيهما. ومن المستبعد في الظروف الحالية أن ينفذ جيش الاحتلال هذا السيناريو، نظرًا إلى أنه ما زال حتى اللحظة يرفض السماح للنازحين بالعودة إلى مناطقهم التي نزوحوا منها، وهو مستمر في إجبار من بقي في تلك المناطق على النزوح.
4- تخلي الاحتلال عن مآربه في السيطرة على محور فيلادلفيا: يقوم هذا السيناريو على حقائق مهمة، من بينها سعي الاحتلال إلى التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية، تترافق مع هدنة يمكن أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، وهذا ما يعني أن الاحتلال لن يوسع عمليته البرية، ومن ناحية أخرى، فإن الموقف المصري المعارض لهذه الخطوة التي يعدها تهديدًا للاتفاقات بين الطرفين من شأنه أن يمنع الاحتلال من توسيع عمليته، والاستعاضة عنها بإجراءات تتعهد مصر بتنفيذها لتشديد الرقابة على محور فيلادلفيا من فوق الأرض وتحتها[77].
ختامًا؛ على الأرجح فإن إسرائيل لن تقدم على عملية عسكرية برية في رفح دون الحصول على الموافقة المصرية تجنبًا للدخول في أزمة دبلوماسية مع القاهرة، خاصة أن واشنطن لديها تحفظات على هذا التصعيد، غير أن تلك الموافقة لا تعدو أن تكون تفاهمات وتنسيقات بين الجانبين تضمن للجانب المصري عدم تهديد حدوده والاكتفاء بعملية على بعد مسافات بعيدة نسبيًا داخل عمق مدينة رفح من الجانب الفلسطيني، شريطة أن تنسحب القوات الإسرائيلية بعد إنهاء عمليتها بضمان أمريكي على سبيل المثال. أو ربما يهدف بها الاحتلال الضغط على مصر، ومعها قطر والولايات المتحدة، للضغط على حركة حماس وفصائل المقاومة لتقديم أكبر قدر ممكن من التنازلات بشأن الشروط التي تضمنها ردها على إطار الاتفاق الخاص بصفقة تبادل الأسرى وهدنة إنسانية مؤقتة[78].
فيما تكشف ردود الفعل المصرية علي التصريحات بشن عملية عسكرية في رفح عن نجاح تل أبيب في تحييد الجانب المصري إزاء حرب الإبادة التي تشنها ضد القطاع بفزاعة الترحيل إلى سيناء، وهو ما قزم دور مصر وحول كل اهتمامها باتجاه الحيلولة دون التهجير إلى الأراضي المصرية، ما أسفر عن تخليها عن دورها المنوط في الدفاع عن القضية الفلسطينية ودعم أهل غزة والتصدي لهمجية الاحتلال، ناهيك بدورها في تشديد الحصار على القطاع ومساعدة الكيان المحتل في خنق الفلسطينيين، سواء كان ذلك بقصد أم دون قصد، فالنتيجة واحدة[79].
وفي حين يدرك المصريون ضوابط السياسة الخارجية لبلادهم، وهم لم يطمحوا سوى لموقف دبلوماسي أقوى في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، مع فتح مستمر للمعبر لتمرير المعونات والمؤن الغذائية واستقبال الجرحى، إضافة إلى التشبث بالموقف الرافض لعمليات التهجير[80].
[1] “محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/46sf6dfv
[2] “جنوب أفريقيا تطالب العدل الدولية بوقف الهجوم الإسرائيلي على رفح”، الجزيرة نت، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/569pjf56
[3] “حماس: أي هجوم إسرائيلي على رفح سينسف مفاوضات التبادل”، الجزيرة نت، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2s3bac8m
[4] “من يمكنه إخلاء رفح؟ وإلى أين؟ خبراء عسكريون يجيبون”، الجزيرة نت، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2cxk8cz2
[5] ” يديعوت: إسرائيل تخشى دخول مساعدات لغزة دون تفتيش حال اجتياح رفح”، الأناضول، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/c4mzrx7e
[6] “من يمكنه إخلاء رفح؟ وإلى أين؟ خبراء عسكريون يجيبون”، مرجع سابق.
[7] “رفح … نهاية أم بداية جديدة؟”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/34d89mrh
[8] ” أمريكا متواطئة في تدمير غزة.. فهل تمنع اجتياح إسرائيل لرفح؟”، الخليج الجديد (مترجم)، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ahnk66ed
[9] ” واشنطن تحذر من “كارثة” إذا هاجمت إسرائيل رفح دون تخطيط”، الحرة، 8/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yc8kwe4w
[10] “بايدن يبلغ نتنياهو بعدم شن عملية عسكرية في رفح دون خطة موثوقة”، الأناضول، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4snmjp7e
[11] “مدتها 6 أسابيع.. بايدن: نسعى لهدنة مؤقتة في غزة ويجب حماية المدنيين برفح”، تي أر تي عربي، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yc4rm9bk
[12] “من يمكنه إخلاء رفح؟ وإلى أين؟ خبراء عسكريون يجيبون”، مرجع سابق.
[13] ” نتنياهو يواصل المعاندة | أميركا لإسرائيل: هجوم رفح مقابل إنجاح المفاوضات”، الأخبار، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/y7n8knyw
[14] “مسؤولون أميركيون: واشنطن لن تعاقب إسرائيل إذا اجتاحت رفح دون حماية المدنيين”، الجزيرة نت، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/23szmkhw
[15] “أكسيوس: محادثات القاهرة بشأن صفقة تبادل انتهت دون تقدم ملموس”، الجزيرة نت، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5ea46bte
[16] “نتنياهو يحشد لاجتياح رفح والتحذيرات الدولية تتصاعد”، الجزيرة نت، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3ywzdpnd
[17] ” نتنياهو يتعهد بتوفير “ممر آمن” للمدنيين قبل عملية رفح دون تفاصيل عن المكان الذي سيذهبون إليه”، سي إن إن عربية، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/mc5cydhk
[18] “رغم التحذيرات.. إسرائيل تصادق على خطة لعملية برية في رفح”، الأناضول، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/mr3j7h72
[19] “بداية حملة جوية في المدينة: نازحو رفح يرفضون «تهجيراً ثانياً»”، الأخبار، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/vazxbxj3
[20] ” تحرير رهينتين في عملية إسرائيلية دامية في رفح”، فرانس24، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5dfxsedp
[21] “الاحتلال يخطط لإجلاء سكان رفح إلى 15 مخيما على حدود مصر.. ما دور القاهرة؟”، عربي21، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ymwjs6ay
[22] “تفاصيل خطة تهجير أبناء رفح: «قرى مخيّمات» على ساحل غزة… وميناء إماراتي عائم للمساعدات”، الأخبار، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4xhp4wr7
[23] “محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب”، مرجع سابق.
[24] ” مجزرة وشيكة في رفح.. أما آن أوان التحرك؟”، نون بوست، 12/2/2024، الرابط: https://www.noonpost.com/198639/
[25] ” نتنياهو: يجب السيطرة على “محور فيلادلفيا” بين غزة ومصر”، الأناضول، 30/12/2023، الرابط: http://tinyurl.com/53mwautc
[26] ” سموتريتش يهاجم مصر والقاهرة تتمسك بمعاهدة السلام”، الجزيرة نت، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bdz5775y
[27] “مصر لحماس: عملية إسرائيلية في رفح خلال أسبوعين حال عدم التوصل لاتفاق حول الأسرى”، الخليج الجديد، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/nacbrxtk
[28] “”المجلة” تنشر نص “اتفاق باريس” بين إسرائيل و”حماس”… تحويل الهدنة إلى حل سياسي من ثلاث مراحل”، المجلة، 5/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/dfbkzft8
[29] “هل أحدث اجتماع القاهرة بشأن غزة أي انفراجة للتهدئة وتبادل الأسرى؟”، الخليج الجديد، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3pdbx8dw
[30] “صحيفة إسبانية: 5 عقبات تحول دون اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة”، الجزيرة نت، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yeyrphe3
[31] “رفح … نهاية أم بداية جديدة؟”، مرجع سابق.
[32] “الورقة الأخيرة.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟”، نون بوست، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/53zvmfb8
[33] ” عملية رفح.. ورقة تفاوضية و”ضرورة عسكرية” للاحتلال”، الجزيرة نت، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3jpb67t9
[34] ” نتنياهو يواصل المعاندة | أميركا لإسرائيل: هجوم رفح مقابل إنجاح المفاوضات”، مرجع سابق.
[35] “الورقة الأخيرة.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟”، مرجع سابق.
[36] “ما تأثير العملية العسكرية المحتملة في رفح على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؟”، بي بي سي عربي، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2euh5xph
[37] “”خطّة جهنم”.. هل يُشعل نتنياهو الشرق الأوسط لإنقاذ عنقه؟”، عربة22، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2auvaukj
[38] المرجع السابق.
[39] “بداية حملة جوية في المدينة: نازحو رفح يرفضون «تهجيراً ثانياً»”، الأخبار، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/vazxbxj3
[40] ” الكذب صناعة إسرائيلية.. هيئة الاستعلامات ترد على مزاعم تل أبيب بشأن الحدود مع غزة: اتهاماتكم لغو فارغ وهروب للأمام لخلق شرعية لاحتلال ممر فيلادلفيا.. ولدينا السيادة الكاملة على كل أرضنا وحدودنا الشمالية الشرقية”، اليوم السابع، 22/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3fyvfkfh
[41] “مصر: استهداف رفح بمثابة إسهام فعلي في تنفيذ سياسة التهجير”، الأناضول، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/usdr47cs
[42] “بعد الحديث عن محور فيلادلفيا.. هل يقوض اجتياح رفح معاهدة كامب ديفيد؟”، الجزيرة نت، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2naujwkf
[43] “قناة إسرائيلية: تل أبيب أبلغت مصر عزمها تنفيذ عملية عسكرية في رفح، وهذا موقف القاهرة”، عربي بوست، 28/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3c97y997
[44] “”رويترز”: تعزيزات عسكرية مصرية على الحدود مع تلويح إسرائيل باجتياح رفح”، الشرق، 9/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3uhz7tjj
[45] “الورقة الأخيرة.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟”، مرجع سابق.
[46] “خاص: خلافات في المجلس العسكري المصري تجاه الرد على تحرك إسرائيل في “فيلادلفيا””، عربي21، 9/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2txyh4ds
[47] “محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب”، مرجع سابق.
[48] “اجتماع رباعي في القاهرة لبحث صفقة تبادل ومقترح للتهدئة لمدة 6 أسابيع”، الجزيرة نت، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3x5z97p4
[49] “بخلاف تفاؤل واشنطن والقاهرة.. أدلة جديدة تفضح مراوغة نتنياهو”، القدس العربي، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/34c3mdas
[50] “السيسي يستقبل رئيس الاستخبارات الأمريكية بالقاهرة.. ماذا ناقشا؟”، الخليج الجديد، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bdze5b3u
[51] “احتلال مدينة رفح وحقيقة “النصر الساحق””، الميادين نت، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3xatutck
[52] ” الكذب صناعة إسرائيلية.. هيئة الاستعلامات ترد على مزاعم تل أبيب بشأن الحدود مع غزة: اتهاماتكم لغو فارغ وهروب للأمام لخلق شرعية لاحتلال ممر فيلادلفيا.. ولدينا السيادة الكاملة على كل أرضنا وحدودنا الشمالية الشرقية”، مرجع سابق.
[53] المرجع السابق.
[54] ” سموتريتش يهاجم مصر والقاهرة تتمسك بمعاهدة السلام”، مرجع سابق.
[55] “تبريرات مصرية لعدم تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل”، العربي الجديد، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yzpxzjrr
[56] “بعد الحديث عن محور فيلادلفيا.. هل يقوض اجتياح رفح معاهدة كامب ديفيد؟”، مرجع سابق.
[57] “تبريرات مصرية لعدم تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل”، مرجع سابق.
[58] “محور فيلادلفيا الحدودي: تساؤلات عن مخططات الاحتلال والموقف المصري”، نون بوست، 24/12/2023، الرابط: http://tinyurl.com/4zw36ykw
[59] “اجتياح رفح: كيف سترد مصر؟”، القدس العربي، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/49cme2j8
[60] “محور فيلادلفيا الحدودي: تساؤلات عن مخططات الاحتلال والموقف المصري”، مرجع سابق.
[61] “هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب تغض الطرف عن ديون مصر المتعلقة باتفاقية الغاز بسبب دورها في الحرب ضد غزة”، عربي بوست، 17/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/mvxyzmzc
[62] “محور فيلادلفيا الحدودي: تساؤلات عن مخططات الاحتلال والموقف المصري”، مرجع سابق.
[63] “”كامب ديفيد”…هل هي ورقة مصر الأخيرة لوقف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء؟”، مرجع سابق.
[64] “مصر لا تمانع عملية إسرائيلية برفح..طالما لم يحدث أمر”فظيع””، المدن، 11/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4vmppje8
[65] ” إعلام إسرائيلي: بايدن وصف نتنياهو بالأحمق واقتحام رفح بعد استكمال شرطين”، الجزيرة نت، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/23bjw85k
[66] “إعلام إسرائيلي: الرفض المصري لعملية رفح سيتراخى بعد بدء الإخلاء”، الجزيرة نت، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yc48abky
[67] “محور فيلادلفيا الحدودي: تساؤلات عن مخططات الاحتلال والموقف المصري”، مرجع سابق.
[68] “إسرائيل تملصت واتهمت مصر.. القاهرة تنفي مسؤوليتها عن منع دخول المساعدات لغزة”، الجزيرة نت، 12/1/2024، الرابط: http://tinyurl.com/ycuwwzsk
[69] “بايدن: أقنعت السيسي بفتح معبر رفح وإسرائيل تجاوزت الحد في غزة”، الجزيرة نت، 9/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4ty3h33f
[70] ” مجزرة وشيكة في رفح.. أما آن أوان التحرك؟”، مرجع سابق.
[71] “”كامب ديفيد”…هل هي ورقة مصر الأخيرة لوقف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء؟”، مرجع سابق.
[72] ” مجزرة وشيكة في رفح.. أما آن أوان التحرك؟”، مرجع سابق.
[73] “”كامب ديفيد”…هل هي ورقة مصر الأخيرة لوقف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء؟”، مرجع سابق.
[74] ” مجزرة وشيكة في رفح.. أما آن أوان التحرك؟”، مرجع سابق.
[75] “تبريرات مصرية لعدم تعليق معاهدة السلام مع إسرائيلمرجع سابق.
[76] ” مجزرة وشيكة في رفح.. أما آن أوان التحرك؟”، مرجع سابق.
[77] “محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب”، مرجع سابق.
[78] “الورقة الأخيرة.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟”، مرجع سابق.
[79] “محور فيلادلفيا الحدودي: تساؤلات عن مخططات الاحتلال والموقف المصري”، مرجع سابق.
[80] “هل استعدّت القاهرة حقّاً لمعركة رفح؟”، مرجع سابق.