الحرب الإسرائيلية الغربية على “الأونروا” لتصفية القضية الفلسطينية وانهاء حق عودة اللاجئين

منذ انشائها في العام 1949، تواجه وكالة الأونروا، تضييقا وحربا مكتومة،  على كافة المستويات المالية والإجرائية والاعلامية والدبلوماسية، من قبل إسرائيل، والتي تسعى لإزاحة “الأونروا” عن غزة ، بل عن مجمل الأراضي الفلسطينية..

ولم تتوقف الحكومات الاسرائيلية بمختلف مشاربها وانتماءاتها عن استهداف الوكالة…

ولم يتوقف التحريض الإسرائيلي على وكالة الأونروا لاغاثة اللاجئين، يوما منذ نشأتها، وهو ما دفع بمزيد من الأزمات المتنوعة، بوجه المنظمة، ماليا وعملياتيا  على أرض الواقع الفلسطيني المرير…

وفي يناير 2021، نشر الباحثان بـ”مركز بادين لدراسات سياسة الشرق الأوسط” رون شلايفر ويهودا براشين مقالا في موقع “نيوز ون” العبري، زعما فيه إن “الأونروا تسعى من أجل إدامة مشكلة اللاجئين، التي طُلب منها حلها، وبدلا من ذلك، فقد تحولت الأونروا تدريجيا كي تصبح منظمة قصيرة المدى شبه حكومية لمساعدة التنمية البشرية، تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية في مجالات الرعاية الطبية والمأوى والتعليم”. وأشارا إلى أنه “مع مرور الوقت، تولت الأونروا المسؤوليات التي عادة ما تكون في أيدي المؤسسات الحكومية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وبدأت في إدارة مخيماتها للاجئين انطلاقا من سيادتها عليها، رغم أن معظم سكان هذه المخيمات من الفلسطينيين معروفون بنشاطهم السياسي، وصلاتهم بالمنظمات المسلحة، ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة (المقاومة الإسلامية) حماس-حسب زعمهما..

وزعم الباحثان الإسرائيليان إلى أن “الشراكة قائمة بين الأونروا والمنظمات الفلسطينية منذ عقود، وانحيازها الواضح ضد إسرائيل، يزيدان الشكوك حول صورتها الذاتية بوصفها منظمة غير سياسية، وضرورة استمرار وجودها، وفي الواقع، شرعية وجودها بشكل عام، لأن الأونروا حوّلت قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مشروع يتم عبره ضخ مبالغ كبيرة من الأموال من الأنظمة العربية وتحفيز المؤيدين الغربيين“.

وتواصلت الاتهامات الاسرائيلية للمؤسسة..

أولا: استغلال الحرب على غزة للهجوم على الأونروا:

وخلال الحرب الاسرائيلية المستعرة على غزة، منذ عملية “طوفان الأقضى” في 7 أكتوبر الماضي، شنت اسرائيل هجوما عاتيا على “الأونروا”، ضمن مخططه لتصفية القضية الفلسطينية ، وحرث القطاع المحاصر ، انسانيا وديمغرافيا…

فروجت اسرائيل مزاعم غير محققة، دفعت لتوقف دول عدة عن دعمها، مؤخرا.

وضمن الحملة الإسرائيلية على “الأونروا”، جرى اتهام 12 من موظفي الأونروا  في غزة، بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر الماضي على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في محيط قطاع غزة.

وفي أعقاب المزاعم الإسرائيلية، التي رددتها إسرائيل، عقب اتهامات دولية لها، خلال نظر القضية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا، بمحكمة العدل الدولية، قررت 18 دولة والاتحاد الأوروبي تعليق تمويلها لـ”أونروا”. وأعلنت الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في الاتهامات الإسرائيلية.

إلا أن “الأونروا”  أرادت قطع الطريق على أية محاولات للتأثير على عملها، فقررت فصل الـ12 موظفا من منتسبيها، مع احالتهم للتحقيق، متوعدة بالملاحقة الجنائية، إذا ثبتت الاتهامات..

وأعلنت حكومة نتنياهو أنها زودت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بمعلومات زعمت فيها أن 12 من أصل 13,000 من موظفيها في غزة متورطون في هجمات مقاتلي حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي. ولم تكشف لا إسرائيل ولا الأونروا عن أي تفاصيل أو معلومات حول هوية الموظفين الإثني عشر أو طبيعة عملهم ومدى تورطهم في الهجوم، إن كان تخطيطا أو دعما أو تنفيذا.

وعلى الفور أعلن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أنه “حمايةً لقدرة الوكالة على تقديم المساعدة الإنسانية، اتخذت قرارًا بإنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق من أجل التوصل إلى الحقيقة دون تأخير… إن أي موظف يثبت تورطه في “أعمال إرهابية” ستتم محاسبته من خلال الملاحقة الجنائية.”

ثانيا: تاريخ طويل من التحريض الاسرائيلي ضد الاونروا:

ومنذ البداية، برز موقف إسرائيل  المناهض للمنظمة، وعملها في قطاع غزة بعد العدوان الثلاثي عام 1956، فتعاملت إسرائيل مع الأونروا والقوات الدولية التي كانت على حدود القطاع من عام 1957 إلى العام 1967″.

وطوال فترة الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع كانت الأونروا تعمل وتدير شؤون اللاجئين الفلسطينيين التعليمية والصحية في كل مخيمات وأماكن وجود اللاجئين في الضفة والقطاع من دون عراقيل. بل إن الأونروا ظلت تعمل في مخيمات شعفاط وقلنديا وحتى في مدينة القدس، حيث أعلنت إسرائيل ضم كل هذه المناطق رسميا إلى أراضيها. أي أن إسرائيل تعاملت مع الأونروا حتى داخل ما صار يقال عنه إنها أراض سيادية إسرائيلية“.

ولا يعني ذلك  أن إسرائيل كانت راضية تماما عن الأونروا. ولكنها كانت تتقبل الأونروا في زمن الاحتلال لأنها تسهم في تمويل الكثير من الخدمات الأساسية لجزء كبير من الفلسطينيين. تقريبا، ثلثا السكان في غزة وربما ثلث السكان في الضفة”. ولخص الأميركي جون ديفيس مدير الأونروا في عام 1959 رؤيته لدور الوكالة في تلك الحقبة المبكرة بأنه بمثابة “تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشاكل السياسية للاجئين الفلسطينيين“.

لكن موقف إسرائيل من الأونروا ما لبث أن بدأ يتغير في النصف الثاني من الثمانينات مع اندلاع الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1987، متخذا صفة التشكيك في حيادتها. فقد زعمت إسرائيل أن بعض موظفي الأونروا أعضاء أو مؤيدون لتنظيمات فلسطينية مقاومة، وادعت أن مركبات الأونروا تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة، وطالبت بمنحها الإذن لتفتيش مركبات الوكالة.  بالمقابل تذرعت الأونروا حينها بالحصانة الدبلوماسية لموظفيها، واعترضت على فحص مركباتها.

وبعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 تنفيذا لاتفاق أوسلو، تغير الحال، فالحديث عن حقوق اللاجئين زاد ، وصار ينظر للوكالة على أن وجودها يخلّد قضية اللاجئين ولا يمحوها.

وتبين زيف الشعار الصهيوني بأن الكبار يموتون والصغار ينسون. وصار الحديث عن القضاء على الأونروا هدفا معلنا وبالتعاون مع أميركا”. بالمقابل كانت إسرائيل في أوقات الحروب والأزمات تزيد في اتهاماتها للأونروا، بقصد واضح وهو إشعار الفلسطينيين بأنه لا ملاذ لهم منها وأن لا حماية دولية لهم.

ويسهم ذلك في تيئيس الفلسطينيين من مواصلة الصراع من أجل حقوقهم..

وفي العام 2014 زادت نبرة التحريض على الأونروا في الإعلام الإسرائيلي، حيث نشر رئيس تحرير موقع “تايمز أوف إسرائيل” دافيد هوروفيتش مقالا في الأول من أغسطس 2014 بعنوان: “المشكلة مع الأونروا”، أشار فيه إلى أن الوكالة “تعمل بموجب تعريف مختلف عن تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتقدم المساعدة ليس فقط لأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة بين لاجئي سنة 1948، ولمن فقدوا منازلهم ووسائل العيش بعد حرب 1967، ولكن أيضا -وهذه هي النقطة الحاسمة- لأحفادهم”. لذا، “فبدلاً من مشكلة لاجئين يعدّون بعشرات الآلاف، يوجد الآن ما بين 5 و6 ملايين لاجئ فلسطيني، ينتظرون عبثا العودة إلى إسرائيل، ويتم تمويل رعايتهم الصحية وتقديم الخدمات الاجتماعية والتعليم لهم من خلال الأونروا”. وعليه، أصبحت الأونروا، بصفتها الوكالة التي أقيمت لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، هي الوكالة التي “تغذي هذه المشكلة“.

وبدءا من عام 2017 باشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي تولى السلطة تباعا بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995- بالتحريض علنا على الأونروا عبر تبني دعوة هوروفيتش إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وإنهاء وجود الأونروا، التي اعتبرها تعمل لصالح الفلسطينيين وتخلّد قضية اللاجئين.

ثالثا: استهداف أمريكي للأونروا:

وتشير دراسة نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية يوم 12 يونيو الماضي إلى أن نتنياهو رأى بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير 2017 أن الفرصة باتت مواتية كي يعبّر عن هذه الرغبة بصورة صريحة وعلى نطاق واسع. ففي اجتماع لحكومته عقد يوم 11 يونيو من ذلك العام، طالب بتفكيك وكالة الأونروا ودمج مؤسساتها ضمن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأشار إلى أنه أبلغ السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة  هيلي بضرورة العمل في هذا الاتجاه.

وتقول الدراسة ذاتها إن “سنة 2018 شهدت تصاعدا في حدة الحملة الإسرائيلية على الأونروا، زادته زخما آنذاك المواقف التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي صارت تدعو صراحة، بعد اعترافها بمدينة القدس “عاصمة” لدولة إسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، إلى إنهاء عمل الأونروا، واتخذت في هذا السياق قرارا بوقف الدعم المالي الذي كانت تخصصه لها، والذي يقدّر بنحو 300 مليون دولار سنويا، تمهيدا لإضعاف مواردها المالية”. وهو ما حصل يوم 31 أغسطس من العام ذاته.

ولم يكن قرار قطع التمويل عن الأونروا مفاجئا لوسائل الإعلام الأميركية لأنه جاء بعدما كشفت مجلة “فورين بوليسي” في أغسطس 2018 عن رسائل بريد إلكتروني مسربة، توضح كيف ضغط صهر ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جاريد كوشنر على مسؤولين آخرين في الإدارة للانخراط في “جهد جدّي للتضييق على الأونروا“.

وبحسب تقارير إعلامية أميركية، فإن قرار وقف التمويل اتخذ خلال اجتماع بين كوشنر ووزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو، في حين أدّت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي دورا مهما في تبنّي القرار.

كما أن القرار أريد منه -حسب تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بالنظر إلى أنه أتى في سياق قرارات صبّت في الوجهة ذاتها، أهمها: اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، ثم نقل السفارة الأميركية إليها في مايو 2018 في إطار ما اصطلح على تسميتها بـ”صفقة القرن”. وقد ترافق قرار وقف تمويل الأونروا مع قرار آخر اتخذته إدارة ترامب، يتمثّل في حجب مساعدات إغاثية وطبية وتنموية بقيمة 200 مليون دولار، كان يفترض صرفها هذا العام في الضفة الغربية وقطاع غزة.

-بين ضغوط ترامب وانفرجة بايدن:

وفي كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي يوم 22 مايو 2019، ذهب مبعوث الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات إلى اعتبار أن الأونروا تشكل “ضمادة”، وأن الوقت قد حان لكي تتسلم الدول المستضيفة للاجئين والمنظمات غير الحكومية الخدمات التي تقدمها الوكالة الدولية. وقال غرينبلات للمجلس إن “نموذج الأونروا خذل الشعب الفلسطيني“.

وقعت الأونروا في ضائقة مالية جراء إجراءات ترامب بالنظر إلى أن المساهمة الأميركية (360 مليون دولار) في موازنة الأونروا تشكل ثلث وارداتها السنوية. ولم ينته هذا الكابوس إلا بإعلان فوز جو بايدن خصم ترامب اللدود في منصب الرئاسة في نوفمبر 2020، مما دفع المدير العام للأونروا الإيطالي فيليب لازاريني للمسارعة بالتصريح في تغريدة “تهانينا.. مبروك من الأونروا للرئيس المنتخب بايدن ونائبته كامالا هاريس، نأمل كثيرا العمل معا، واستئناف التقليد الأميركي القديم بالدعم“.

وبعد 4 أشهر من تولي بايدن السلطة، حصل ما توقعه لازاريني، حيث أمر الرئيس الأميركي الجديد باستئناف المساعدات التي حجبها سلفه عن الأونروا. وقال وزير الخارجية الأميركي المعين حديثا أنتوني بلينكن في 7 أبريل 2021 إن “المساعدات الأميركية ستتضمن 75 مليون دولار للمساعدة في الاقتصاد والتنمية في غزة، 10 ملايين دولار لبرامج بناء السلام من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس آيد)، و150 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)“.

رابعا:وقف المساعدات  الدولية للأونروا استجابة للإبتزاز الاسرائيلي:

ومؤحرا، وقبل التحقيق بالاتهامات الاسرئيلية للموظفين الـ12 بالأونروا،  أعلنت 18 دولة  وقف مساعداتها عن المنظمة، ومنهم؛ أستراليا وكندا وإيطاليا وفنلندا وبريطانيا وسويسرا وهولندا والولايات المتحدة …ووقف كافة أشكال التمويل للأونروا إلى حين البت في الادعاءات الاسرائيلية ضد موظفي الوكالة الاثني عشر والتأكد من الخطوات التي ستتخذها الأمم المتحدة لمعالجتها.

ولقي قرار الدول التي أوقفت تمويلها لوكالة الأونروا تنديدا عربيا وفلسطينيا واسع النطاق.

-المقاطعون والمصرون على الدعم:

ومن  أبرز الدول التي علقت تمويل الأونروا:

الولايات المتحدة (343.9 مليون دولار): أعلنت تعليقاً مؤقتاً لتمويل الأونروا، ودعت الوكالة إلى “الرد على هذه الاتهامات واتخاذ أي إجراء تصحيحي مناسب“.

ألمانيا (202 مليون دولار): علقت تمويلها، وقالت إنه طالما لم يُوَضَّح الاتهام، فإنها ستمتنع في الوقت الحالي عن تقديم المزيد من الموارد.

اليابان (30.1 مليون دولار): أعلنت تعليق كل تمويل إضافي للأونروا حالياً، بينما تجري الأونروا تحقيقاً في المزاعم الإسرائيلية.

فرنسا (28.9 مليون دولار): قالت إنها لا تعتزم صرف دفعة جديدة في الربع الأول من عام 2024.

سويسرا (25.5 مليون دولار): قالت إنها لن تتخذ قراراً بشأن الموافقة على تقديم التمويل لعام 2024، حتى يتم البت في الاتهامات.

كندا (23.7 مليون دولار): علقت مؤقتاً أي تمويل إضافي للأونروا فيما تجري تحقيقاً معمقاً حول هذه الاتهامات.

بريطانيا (21.1 مليون دولار): أعلنت تعليق المساعدات بينما تراجع هذه الادعاءات التي وصفتها بـ”المقلقة“.

هولندا (21.1 مليون دولار): أعلنت تجميد تمويل الأونروا، بينما يتم إجراء التحقيق في المزاعم الإسرائيلية.

إيطاليا (18 مليون دولار): علقت تمويلاتها للأونروا بعد اتخاذ دول حليفة القرار نفسه.

أستراليا (13.8 مليون دولار): أعربت عن “قلقها” من الاتهامات ضد الأونروا، معلنة تعليقاً مؤقتاً للتمويلات.

فنلندا (7.8 مليون دولار): علّقت اتفاقاً مدته أربع سنوات لتقديم مساعدات للأونروا، ودعت إلى إجراء “تحقيق مستقل وشامل“.

كما برزت مواقف  دول تواصل تمويل الأونروا، ومنها: النرويج، التي تبلغ مساهماتها 34.1 مليون دولار، مواصلة تمويل الوكالة، وحضت المانحين الآخرين على النظر في العواقب الأوسع نطاقاً لخفض تمويل الأونروا في هذا الوقت الذي تواجه فيها غزة أزمة إنسانية.

كما قالت إسبانيا (13.6 مليون دولار) إنها لن تغير علاقتنا مع الأونروا التي تقدم مساعدات أساسية في غزة.

فيما عبّرت تركيا (25.2 مليون دولار) عن قلقها إزاء قرار بعض الدول تعليق تمويلها، وقالت إن هذا التعليق “يضر في الأساس بالمدنيين الفلسطينيين“.

ودعت دول عربية إلى الإبقاء على تمويل الأونروا، وحضت وزارة الخارجية السعودية الجهات الدولية المانحة على مواصلة دعم الأونروا، وأكدت أهمية استمرار الوكالة في أداء مهامها بما يضمن توفير المتطلبات الأساسية للفلسطينيين.

وقالت قطر إن استمرار وتكثيف الجهود الإغاثية ضروري لقطاع غزة، كما حذرت من التداعيات الكارثية المترتبة على وقف دعم “الأونروا“.

فيما أكد الأردن “ضرورة مواصلة المجتمع الدولي دعم الأونروا، للاستمرار في تقديم خدماتها الإنسانية الحيوية للفلسطينيين“.

وقالت مصر إنها ستستمر في دعم الأونروا، ودعت إلى الاستمرار في ذلك.

وعبرت مواقف الدول المقاطعة للاونروا، عن استجابتهم للابتزاز السياسي، الذي مارسته اسرائيل، فرغم الاستجابة السريعة للوكالة للاتهامات الإسرائيلية، والتي كانت صدرت قبل أيّام فقط من رسالة الأونروا، وعدم خروج نتائج التحقيق بعد، إلّا أن الولايات المتحدة -إحدى أبرز المساهمين في تمويل الوكالة- جمّدت تمويلها لها، ولحقت عدد من الدول الغربية بها،  وهو ما وصفته منظمات دولية بأن خطوة تجميد المساعدات خطوة غير مسؤولة تتسق مع السعي الصهيوني لتصفية الأونروا على طريق إنهاء قضية اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية. فيما اعتبرت الفصائل الفلسطينية في غزّة قرار فصل الموظفين رضوخًا من الأونروا لابتزاز صهيوني. وأكّدت جامعة الدول العربية في بيان لها أن وقف تمويل الوكالة أو تخفيضه يعرّض أجيالًا من اللاجئين الفلسطينيين لخسارة الخدمات الصحية والتعليمية والخدماتية، مطالبةً بتجنب تحميل الوكالة تبعات الاتهامات الإسرائيلية الجائرة لبعض موظفيها.

واجمالا ، فإن تجميد التمويل الدولي للوكالة، يحمل الكثير  من المخاطر، على المستوى الانساني والسياسي، فيما يتعلق بالمستقبل الفلسطيني، وهو ما يمكن توقع تبعاته الخطيرة مستقبلا، وهو ما ينقلنا للتعرف على دور الوكالة ومحوريتها في الشأن الفلسطينية…

خامسا: أدوار الأونروا وأهميتها الاستراتيجية:

وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ، هى منظمة إغاثية تتبع الأمم المتحدة، واسمها الحقيقى “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى” (أونروا)، وبالإنجليزية UNRWA، ومهمتها تقديم الدعم، والرعاية لنحو ٥٫٦ مليون لاجئ فلسطينى مسجلين لديها فى لبنان، وسوريا، والأردن، وداخل الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، وغزة.

وتأسست الوكالة فى نهاية عام ١٩٤٩، أى منذ نحو ٧٥ عاما، بعد قيام دولة إسرائيل بعام، ويتم تمويلها من خلال تبرعات، وتمويلات الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة منذ ذلك الحين. وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين في مناطق عملياتها الخمس، الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، حتى التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم.

وتبلغ نفقات “الأونروا” في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، قرابة 600 مليون دولار سنويًا، تمثل قرابة 45% من مجمل ميزانية الوكالة في مختلف مناطق عملياتها.

سادسا: واقع الاونروا ونشاطها في ظل الحرب الاسرائيلية على غزة:

وخلال العامين السابقين على عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 لم تجد المزاعم والاتهامات الموجهة للاونروا،  ما يسندها أو من يتبناها خارج إسرائيل، رغم تطابقها مع رواية اليمين الإسرائيلي الحاكم. ومع إعلان إسرائيل حالة الحرب يوم 8 أكتوبر 2023، وشن جيشها هجوما انتقاميا غير مسبوق على قطاع غزة بدءا من اليوم نفسه، واصلت الأونروا بموظفيها البالغ عددهم 13 ألفا دورها كمنظمة إغاثة لكافة فلسطينيي القطاع من لاجئين ونازحين جدد. وتحولت باحات المستشفيات ومدارس الأونروا -التي تقدم الخدمات الطبية والإغاثية- إلى ملاذ للفارين من عنف القصف، الذي نظمت الولايات المتحدة الأميركية جسرا جويا لتعزيز الترسانة المستخدمة فيه.

وأفاد تقرير نشره موقع الأونروا الرسمي في نهاية يناير 2024 بأن “ما يبلغ 1.9 مليون نازح باتوا يقيمون إما في 154 ملجأ تابعا للأونروا وإما بالقرب من هذه الملاجئ”. علما بأن الحصانة الدولية الافتراضية هي التي دفعت سكان القطاع للجوء إلى مراكز الأونروا بعد تلقيهم أوامر إخلاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي تمهيدا لقصف مخيماتهم أو أحيائهم أو اجتياحها.

ورغم ذلك، كان النازحون واللاجئون إلى مراكز الأونروا يتعرضون للاستهداف والقتل بواسطة المسيرات أو القصف من البر والبحر والجو.

ويفيد موقع الأونروا بأن مبانيها والأشخاص الموجودين بداخلها تعرضوا إلى 278 حادثة منذ بدء الحرب، بعضها شهد حوادث متعددة أثرت على المواقع نفسها، بما في ذلك ما لا يقل عن 28 حادثة استخدام عسكري و/أو تدخل في منشآت الأونروا. وقد تأثرت 147 منشأة مختلفة تابعة للأونروا جراء تلك الحوادث“.

وقدرت تقارير الأونروا عدد القتلى من بين النازحين الذين لاذوا بمقراتها طلبا للنجاة منذ بدء الحرب بـ376، وعدد الجرحى بـ1365. أما عدد موظفي الأونروا الذين قتلوا حتى 31 يناير الماضي فبلغ 152، في حين يواصل 3 آلاف آخرين عملهم، “وهم يعدون العمود الفقري لعمليات الإغاثة الإنسانية” في القطاع.

ومع دخول الحرب شهرها الخامس، وعزل الجيش الإسرائيلي لمحافظات شمال القطاع عن جنوبه، ظلت الأونروا هي عنوان الجهد الإغاثي لسكان القطاع المنكوب. ويقول بيان منشور في الأول من فبراير الحالي إنه تم “الوصول إلى ما مجموعه 354 ألفا و411 عائلة لغاية الآن”. وقال توماس وايت مدير شؤون الأونروا في غزة ونائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، في تصريح مسجل إن موظفي الأونروا، الذين أجبروا هم أنفسهم على الفرار من منازلهم، “استمروا في توفير الغذاء والخيام للنازحين الجدد من حولهم“.

وفي الشمال حيث المجاعة تلوح في الأفق، لم تتمكن الأونروا من الوصول هناك إلا بشكل محدود للغاية منذ بدء الحرب. ووفقا لما قاله وايت، فقد “تلقت الأونروا تقارير تفيد بأن الناس في المنطقة يطحنون علف الطيور لصنع الدقيق”. وأكد أن الوكالة تواصل “التنسيق مع الجيش الإسرائيلي لنتمكن من الذهاب إلى الشمال، إلا أن ذلك لم يتم السماح به إلى حد كبير”. معقبا بالقول “عندما يسمح أخيرا لقوافلنا بالذهاب إلى المنطقة، يهرع الناس إلى الشاحنات للحصول على الطعام وغالبا ما يأكلونه على الفور“.

لم تكن المجاعة الوشيكة في قطاع غزة تشغل بال صناع القرار الأمني الإسرائيلي أثناء تقليبهم السيناريوهات الممكنة لعرقلة دور الأونروا الإغاثي والإنساني خلال الحرب. فأعد جهاز الموساد -حسب مصادر متطابقة- تقريرا من 6 صفحات يتضمن اتهامات لـ12 موظفي الوكالة في غزة، بينهم مدرسون وسيدتان، بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر الماضي، وتم تسليمه إلى مسؤولي الأونروا أواسط ينايرالماضي. وقال التقرير إن نحو 10% من أصل 13 ألف موظف في غزة مرتبطون بحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

بالتزامن مع إصدار قضاة محكمة العدل الدولية حكما يأمر إسرائيل “بمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية”، كشف المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني في بيان أن السلطات الإسرائيلية زودت الأونروا بمعلومات حول الضلوع المزعوم لعدد (دون تحديد) من موظفي الوكالة في الهجمات المروعة على غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023. وتابع “لحماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدة الإنسانية، اتخذت قرارا بإنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور، وبدء تحقيق من أجل التوصل إلى الحقيقة دون تأخير”. وأضاف البيان أن “أي مشاركة من أي موظف في الأونروا في أعمال إرهابية يعرضه للمساءلة بما في ذلك المحاكمة الجنائية“. تلك الشغوط المتواصلة على الأونروا،  تأتي ضمن الحرب الاسرائيلية على غزة والفلسطينيين، ضمن سياسات الحصار الشمل لقطاع غزة.

سادسا: دوافع الحرب على الاونروا:

وللحرب المستعرة على الاونروا، من قبل اسرائيل وامريكا، العديد من الدوافع والأسباب…

 -اقصاء الشهود:

ويربط منسق ائتلاف حق العودة في لبنان(عائدون) الدكتور محمود العلي دوافع الحملة الأميركية الإسرائيلية لإقصاء الأونروا خلال حرب غزة بكونها “الشاهد الحي والأساسي التي عمدت الأمم المتحدة لتأسيسها لتقديم المساعدات للاجئي فلسطين ريثما يعودون إلى أرضهم وترابهم الوطني الذي هجّروا منه عام 1948″، ويقول للجزيرة نت إن هذا المسعى “لا ينفصل كثيرا عن الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية لتمرير صفقة القرن التي تستهدف إنهاء حق العودة وتكريس مبدأ توطين لاجئي فلسطين“.

-تسريع صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية:

خلال السنوات الماضية، كانت الدول الممولة للوكالة -وعلى رأسها الولايات المتحدة- تتخذ قرارات تقليص أو تجميد أو وقف تمويلها للوكالة لاعتبارات سياسيّة تتعلق بقضية اللاجئين وحق العودة، مدفوعةً بضغط من «إسرائيل». قبل أيّام، عبرت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة أن بلادها تريد استئناف تمويلها للوكالة لكن بعد إجراء الوكالة لتغييرات جوهرية. وفي تصريحات صحفية، قال مسؤول إسرائيلي إن الاحتلال يعارض إلغاء الأونروا، تحديدًا خلال الحرب على القطاع «فقد يتسبب ذلك في كارثة إنسانية ستجبر «إسرائيل» على وقف قتالها ضد حماس (..) وهذا لن يكون في مصلحة «إسرائيل» وحلفائها». ومع اعتراف الولايات المتحدة و«إسرائيل» بأنه لا بديل عن الأونروا، يتحدث كلاهما عن ضرورة إجراء تغييرات جوهرية في عملها، بجعلها مرتبطة بالإغاثة وحسب.

بخلاف المنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، كانت فكرة الوكالة ومن ثم ممارسة عمل موظفيها لسنوات طويلة منذ تأسيسها مرتبطة بشأن سياسيّ يتعلّق بقضية اللاجئين وحق العودة، إذ تعرّف الوكالة اللاجئ الفلسطيني -المستحق لخدامتها- بأنّه الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذي فقد منزله ومورد رزقه نتيجة حرب عام 1948، وأن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضًا للتسجيل لدى الأونروا. هذا التعريف لمن هو اللاجئ مزعج لإسرائيل، وقد عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي في تغريدة له مؤخرًا عن سبب رفض دولته للوكالة بالقول إن «إسرائيل» حذّرت منذ سنوات من أن الوكالة تديم قضية اللاجئين، وتعرقل عمليّة السلام، وتعمل ذراعًا مدنيًا لحماس في غزة.

والشكل الذي يُراد للوكالة أن تكون عليه عبّرعنه جيمس ليندساي، المستشار العام السابق للأونروا والباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير له منشور عام 2009 حين اتهم الوكالة بالفشل في توطين اللاجئين في البلدان المضيفة على غرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وأن هذا الفشل يعود إلى قرار سياسيّ لدى الوكالة بضرورة عودة اللاجئين إلى الأراضي التي تسمى الآن «إسرائيل».

ويتجلّى الربط بين تمويل الوكالة وقضيّة اللاجئين، خلال نقاشات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع دول عربيّة بشأن صفقة القرن التي سعت لحل القضية الفلسطينية ومنها قضية اللاجئين. إذ أوقفت الولايات المتحدة حينها تمويل الوكالة نهائيًا في 2018 «لأنها تزيد إلى ما لا نهاية وبصورة مضخّمة أعداد الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم وضع اللاجئ، وبأن توسع مجتمع المستفيدين أضعافًا مضاعفةً وإلى ما لا نهاية لم يعد أمرًا قابلًا للاستمرار»، بحسب المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وقتها. لكن هذا القرار تم التراجع عنه مع قدوم إدارة بايدن.

-عزل حماس والمشروع المقاوم:

وفي هذه الحرب، ومع النقاشات والحراك الدبلوماسي الذي يبحث مسألة غزة بعد الحرب، وبألا تكون حماس جزءًا من الحكم في غزّة وحل القضية الفلسطينية ومن بينها قضية اللاجئين العالقة، قادت الخارجية الإسرائيليّة نشاطًا دبلوماسيًا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم توجهها بألا تكون الوكالة جزءًا من اليوم التالي للحرب على غزّة.

وقبل أسابيع من قرار اتخاذ قرار تجميد التمويل الأخير، ومن أجل سوق حجج لوقف تمويل الوكالة، ارتكزت منظمة الرقابة على الأمم المتحدة (UN WATCH)، وهي منظمة مؤيّدة لإسرائيل، في تقرير رفعته إلى مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد على منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي نشرها مدرسون يعملون في مدارس الوكالة في غزة قالت إنهم أيدوا فيها أحداث السابع من أكتوبر من أجل دعوة الممولين الرئيسيين للوكالة إلى التأكد من أن أيًّا من تبرعاتهم مجتمعة البالغة 1.2 مليار دولار للأونروا لن تستخدم في تمويل المعلمين الذين ينشرون الكراهية، ومحاسبة الوكالة على انتهاكاتها.

سابعا: بدائل اسرائيلية عن الاونروا:

ومنذ الحملة الاسرائيلية الأمريكية على الاونروا، شرعت اسرائيل في دراسة بدائل غير الأونروا، لتفعيل دورها في المناطق الفلسطينية..

ووفقا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، “يُنظر إلى برنامج الغذاء العالمي على أنه الخيار الأكثر احتمالًا، وقد تلقى بالفعل أموالًا من عدد من البلدان“.

واستدركت أن “الخيار الذي سيشهد تدخل برنامج الغذاء العالمي لاستبدال دور ’أونروا’ يخضع لموافقة قيادته“.  وأضافت: “الخيار الآخر الذي أثير هو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي كانت تعمل في القطاع بقدرة محدودة، حيث تدرس إسرائيل توسيع عملياتها بشرط موافقة الولايات المتحدة“. وأوضحت الصحيفة أنه “يتم النظر في مجموعات أخرى للاستجابة لاحتياجات الصحة والتعليم المدنيين، وتمت مناقشة البلدان التي يمكن أن توفر المأوى الإنساني لسكان غزة“.

كما أشارت إلى أن “وزارة الخارجية الإسرائيلية تدرس جميع الخيارات حتى لا تكون الأونروا جزءًا من غزة ما بعد الحرب، وقد تم تشكيل فريق متخصص الأسبوع الماضي للنظر في الحلول الممكنة التي يمكن تقديمها إلى الحكومة والمجلس الوزاري المصغر“.

وكشفت الصحيفة أن وزير الخارجية يسرائيل كاتس رفض الاجتماع مع المفوض العام لأونروا فيليب لازاريني وأصدر تعليمات لموظفيه أيضًا برفض أي اجتماعات معه، كما دعا إلى إقالة لازاريني“.

ثامنا: مخاطر الحرب على الاونروا وتجميد تمويلها:

-أزمة انسانية بأماكن تواجد اللاجئين:

وإزاء حملات التضييق على المنظمة الدولية، ثمة مخاوف كبيرة من أن يؤدي وقف الخدمات الإنسانية للأونروا في غزة سيؤدي إلى كوارث أفظع في أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط عموما وقطاع غزة على وجه الخصوص.

ويبلغ عدد موظفي وكالة الأونروا في الشرق الأوسط 30 ألفا بينهم 13 ألفا في القطاع يوفرون المساعدات لإنقاذ حياة 2.3 مليون شخص. وكغيرها من الجمعيات الخيرية الأهلية أو الأجنبية في غزة استمرت الأونروا في عملها بتكلفة بشرية عالية. فمنذ 7 أكتوبر قتل أكثر من 136 من موظفيها.

وتعد الوكالة ثاني أكبر جهة توظيف في غزة بعد حركة حماس، إذ أنها تدير 350 منشأة في القطاع بينها 183 مدرسة كانت، قبل الحرب، توفر التعليم لحوالي 90.000 تلميذ وطالب فلسطيني، إضافة إلى 22 منشأة صحية و7 مراكز نسائية ومرافق أخرى كثيرة.

وتتعرض مدارس الوكالة ومرافقها وملاجئها بشكل متكرر للقصف الإسرائيلي الذي خلف العشرات من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين النازحين أثناء لجوئهم إلى الأونروا.

-إنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين:

وفي الأصل هي منظمة مؤقتة ذلك أنه كان يؤمل أن يعود اللاجئون إلى بيوتهم، لكن عدم حصول ذلك جعل المنظمة تدخل عامها الخامس والسبعون.

الأونروا شاهد حي على نكبة فلسطين، وشاهد حي على وجود اللاجئين الفلسطينيين، وشاهد يذكر العالم بأن هناك مشكلة اسمها اللاجئون الفلسطينيون لا بد من حلها وفق قرار الجمعية العامة رقم 194.

منذ إنشاء المنظمة وضع الكيان الصهيوني صوب عينيه القضاء عليها، فالقضاء عليها يعني القضاء على أكبر تهديد للكيان وهو حق العودة الذي يطالب به الفلسطينيون.

حرب الكيان على الأونروا حرب سياسية بالدرجة الأولى، وقد قادت الكثير من الحملات للتخلص منها، ليس لأنها تقدم بعض المساعدات والمعونات، بل لأنها شاهد على نكبة شعب يصرّ العودة إلى وطنه الذي شرد منه بالقوة والعنف والمذابح والمجازر.

وفي معرض حربه التي يخوضها بلا هوادة وبكافة الأساليب فإن الكيان يصر على تغيير تعريف اللاجئ؛ حيث يريد أن يكون اللاجئ هو الشخص الذي ترك أرض فلسطين في عام 1948، في حين أن تعريف الأونروا يقر بتوارث صفة اللاجئ بحيث ينسحب على ذلك الشخص وأبنائه وأحفاده، وإذا ما استطاع الكيان تثبيت تعريفه فهذا يعني أن المشكلة ستنتهي مع وفاة آخر لاجئ خرج من دياره، وهؤلاء أصغرهم سنا، بافتراض أنه ولد في 1 أيار 1948، يكون 76 عاما.

يرى الكيان أن قضية حق العودة تناقض المشروع الصهيوني القائم في أساسه على اقتلاع الشعب الفلسطيني، وليذوب الفلسطينيون في الأماكن التي لجأوا إليها وتنتهي مسألتهم كما انتهت مسألة الهنود الحمر في القارة الأمريكية.

-شلل تام بجميع مفاصل حياة الفلسطينيين في غزة والضفة:

وقبل الحرب الدائرة، اعتمد لاجئو مخيمات قطاع غزّة على خدمات الوكالة في مجالات الغذاء والتعليم والصحّة بشكل أساسي، بفعل الظروف المعيشيّة الصعبة التي تسبب بها الحصار المفروض على القطاع منذ العام 2007، وبسبب آثار الحروب المتتالية. ففي مجال الغذاء، كان قرابة 700 ألف فلسطيني من غزّة يتلقون مساعدات غذائيّة طارئة من الوكالة، ورغم هذا عانى 95% من السكّان من انعدام المياه النظيفة، و63% من السكّان من انعدام الأمن الغذائي. وفي مجال التعليم، كان قرابة نصف الطلبة في قطاع غزة (نحو 300 ألف طالب وطالبة) يتلقون تعليمهم في مدارسها.

وفي مجال الصحّة، شكّلت الخدمات الصحيّة المقدمة من الوكالة لأهل غزة حاجة أساسيّة، إذ قدّمت لهم الرعاية الصحية من خلال 22 مركزًا تابعًا لها، وتنوّعت هذه الخدمات ما بين خدمات العيادات والفحوص المخبرية، والأمومة وتنظيم الأسرة والعناية ما قبل الولادة، والتصوير بالأشعة، وطب الأسنان، بالإضافة إلى تقديم التطعيم ضد عشرة أمراض بنسبة تغطية قريبة من 100%. ولذا يمكن القول إن الوكالة شكّلت عصب حياة أساسي لأهالي القطاع، حتى قبل الحرب. ومع العدوان على القطاع، زادت حاجة الغزيين لخدمات الأونروا، مع إجبار أكثر من 1.7 مليون شخص على النزوح من بيوتهم، وإصابة عشرات الآلاف بالنيران الإسرائيلية.

توقف أعمال الإغاثة التي تقدمها الوكالة في غزة الآن، سيتسبب في كوارث كبرى باعتبارها الجسم الوحيد الذي يقدم هذه الخدمات من خلال ثلاثة آلاف موظف لقرابة 2.3 مليون غزي، كما يقول عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي للأونروا في القطاع. وأفاد بيان للوكالة صدر الأسبوع الماضي، أنه من المرجح أن تضطر الوكالة إلى إيقاف عملياتها بحلول نهاية فبراير إذا بقي قرار تجميد التمويل، ليس في غزة وحسب، إنما كذلك في جميع مناطق عملها.

-انفاذ مخططات نتناياهو بتجويع الفلسطينيين وعقابهم جماعيا:

وفي عام 2018، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود أونروا؛ إذ اعتبرها تعمل لصالح الفلسطينيين وتخلّد قضية اللاجئين.

وخلال الحرب الحالية، أثارت أونروا غضب تل أبيب بسبب بيانات لها وتصريحات لمسؤولين فيها، تتهم الاحتلال بقصف أهداف مدنية بما فيها مدارسها ومراكز الإسعاف. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن “بلاده ستسعى إلى منع الأونروا من العمل في غزة بعد الحرب“.

ووضع رئيس “الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني” صلاح عبد العاطي قرار تجميد وقطع تمويل الأونروا في إطار متسق مع اتهامات مزعومة لأفراد باعتبار العقوبة فردية في حال ثبوتها وفق قواعد القانون، ما لا يعطيها أي تبرير لمعاقبة الوكالة أو مجتمع اللاجئين..

وقال إن قرار الولايات المتحدة ودول غربية أخرى “يسهم في جريمة العقاب الجماعي”، ويجعل هذه الدول “شريكة في حرب التجويع، ويضعها في خانة الانحياز والدعم الأعمى لمخططات الاحتلال السرية والمعلنة لإنهاء دور أونروا وعملها“.

ويمس هذا القرار، بحسب عبد العاطي، بقدرة الأونروا على القيام بدورها في إغاثة سكان غزة الذين يعيشون في خضم أهوال الجوع والعطش والأمراض ومحدودية المساعدات، ويعتمدون بدرجة أساسية على مساعداتها في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل وحرب الإبادة الجماعية.

الوكالة التي بلغت الـ 75 من عمرها “نجت من عدة حروب .. وخلافات مع مختلف القادة الإسرائيليين والأمريكيين .. حتى زعمت وحدة استخبارات في الجيش الإسرائيلي تحديد هوية 12 موظفا فلسطينيا في الأونروا قالت إنهم شاركوا في غارة حماس عبر الحدود في 7 أكتوبر .. وطلب لازاريني، مفوض اللاجئين الفلسطينيين الذي أصيب بالصدمة عند سماع الادعاء .. الأدلة، لكنه لم يحصل عليها .. لكنه دون الأسماء .. وطلب التحقيق .. ثم أعلن عن فصل تسعة من هؤلاء الموظفين بعد ذلك“.

وقالت الوكالة إن 15 دولة سحبت تمويلها، على رأسها الولايات المتحدة، التي تعهدت بـ 444 مليون دولار لهذا العام من ميزانية الوكالة البالغة 1.2 مليار دولار.

ولن تتمكن الوكالة من الاستمرار لأنها لن تستطيع “بحلول نهاية شهر فبراير دفع رواتب موظفيها البالغ عددهم 30 ألف موظف، منهم 13 ألف موظف داخل غزة التي مزقتها الحرب“.

ويعد قطع تمويل الأونروا بسبب مزاعم تتعلق بعشرات من موظفيها يبلغ حد ‘العقاب الجماعي‘”.

-تشتييت حياة نحو مليوني لاجئ فلسطيني: بالأردن:

وفي الأردن، حيث يعيش أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين (2.2 لاجئ مسجّل) داخل 10 مخيمات، يقدم 25 مرفقًا صحيًا، تابعًا للوكالة، الخدمات الصحية لقرابة نصف اللاجئين المسجلين (1.1 مليون)، بالإضافة إلى ذلك يعتمد 70 ألف مريض بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم على الفحوصات والأدوية التي تقدمها هذه المرافق. وفي مجال التعليم، يتلقى 121 ألف طالب وطالبة تعليمهم في 169 مدرسة تابعة للوكالة. ومع اندلاع الحرب في سوريا، ولجوء الكثير من فلسطينيي مخيماتها إلى الأردن، زاد الطلب على خدمات الوكالة وتحديدًا على الخدمات الإغاثية.

في المرة الأخيرة التي أوقفت فيها الولايات المتحدة دعمها، اعتمدت الوكالة في الأردن على حلول تقشّفية في تقديم خدماتها إلى اللاجئين مثل الاعتماد على العقود السنوية في التوظيف أو تقليص عدد الموظفين في بعض الأقسام، أو تقليص أعداد الصفوف الدراسيّة وزيادة أعداد الطلبة في كلٍ منها.

يؤكّد وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين على موقف الأردن الذي عبر عنه وزير خارجيتها خلال لقائه المفوض العام للأونروا الذي يدعو الدول التي جمّدت تمويلها إلى مراجعة قرارها، اذ أن الوكالة ومنذ سنوات تمرّ بمرحلة تمويلية صعبة، وإذا ما استمر هذا التجميد فسيؤثر على الخدمات المقدمة في المخيمات وهذا «ما لا يريده الأردن». وفي حال لم يتمّ التراجع عن قرار وقف تمويل الوكالة، فإن انهيارًا سيحصل في الخدمات التي تقدّمها لستة ملايين لاجئ.

خاتمة:

ولعل المخاطر التي تواجهها الاونروا حاليا، تعد أخطر ما تتعرض له الوكالة، منذ نشأتها، اذ أن وقف تمويلها من كبريات الدول ، يخصم من دورها على ارض الواقع، وهو ما عبرت عنه ببيانها قبل أيام، بأنها لا تستطيع تحمل توفير رواتب او مساعدات لاي من منتسبيها ، إلا حتى نهاية شهر فبراير الجاري..

كما أن وقف وتجميد المساعدات من قبل امريكا والدول الغربية، تعد سابقة..اذ أن أشياء يصعب تصديقها من الولايات المتحدة، والدول الغربية التى ترفع شعارات “التحضر”، و”الإنسانية”، و”العدالة” التى أكدت حرب غزة أنها مجرد شعارات جوفاء لاستعباد الشعوب الأخرى، واستعمارها بأدوات جديدة براقة، ومبهرة، لكنها مزيفة، وكاذبة.

وفى أسوأ الأحوال، وعلى افتراض صدق المزاعم، والأكاذيب الإسرائيلية، فما علاقة وقف تمويل منظمة إغاثية دولية بارتكاب بعض الأشخاص العاملين بها مخالفات، أو حتى جرائم؟!

هل فى حالة ثبوت تورط أحد موظفى البيت الأبيض، أو الخارجية الأمريكية، أو أى جهة فى جريمة هى أن يكون العقاب غلق البيت الأبيض، أو هذه الجهة، أو تلك؟!

وهذا كلام فى منتهى السذاجة، والسطحية، وخلط واضح للأوراق يؤكد العدوانية، والسادية فى التعامل مع الشعب الفلسطينى، والانحياز الفج، والفاضح للعدوان الإسرائيلى.

وهو ما يستوجب تفعيل ادوار الجامعة العربية والدول الخليجية لزيادة تمويلاتها للاونروا وغيرها من المنظمات الاغاثية، لتثببيت الفلسطينيين على أراضيهم..وضمان عدم تصفية القضية الفلسطينية..

……………..

مراجع:

الجزيرة، تركيع الأونروا وتجويع غزة.. لعبة الموساد رفضتها 4 دول،

7/2/2024

الأناضول، وسط حربها على الوكالة.. إسرائيل تدرس استبدال أونروا ببرنامج الغذاء، 7 فبراير 2024

عبدالمحسن سلامة، ‏الحرب على الأونروا، ، الأهرام، 30 يناير 2024

بي بي سسي عربية،

حرب غزة: هل تتفاقم مأساة الفلسطينيين بعد تعليق التمويل الغربي للأونروا؟، 29 يناير 2024

عبد الله المجالي، حقيقة الحرب على الأونروا، السبيل الأردنية، 6 فبراير2024

الخليج الجديد، حرب على الأونروا: ما الذي يعنيه وقف تمويل الوكالة؟، 8 فبراير 2024

الشروق، الحرب على غزة.. ما أبرز الدول التي أوقفت تمويل الأونروا؟ وكم حجم مساهماتها؟، 31 يناير 2024

الجزيرة، ماذا يعني وقف تمويل أونروا في ظل الحرب على غزة؟، 29/1/2024

الخليج، ليبراسيون: إضعاف الأونروا اليوم سخيف وخطير، 2 فبراير 2024

الأناضول، الحرب على أونروا.. إسرائيل تسعى لحرمان الفلسطينيين من 1.6 مليار دولار، 3 فبراير 2024

علامات أونلاين، الأونروا تقيل موظفين بعد اتهامات إسرائيل رغم غياب ادلة دعمهم المقاومة، 2024-02-11

القدس الفلسطينية، إسرائيل “تريد التخلص من الأونروا لشطب حق العودة” ، 5 فبراير 2024

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022