منذ نهاية أبريل الماضي توالت التقارير الصحفية المتعلقة بإبرام اتفاقية أمنية دفاعية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، عقب اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين أنتوني بلينكن والأمير فيصل بن فرحان، على هامش الاجتماع الخاص لمنتدى الاقتصاد العالمي في الرياض.
لقاء الوزيرين كان مناسبة رسمية لإعلان “قرب” توقيع الاتفاقية من دون إعطاء المزيد من التفاصيل حول الموعد أو حول نوعية الاتفاقية، ذلك أن لواشنطن أنواعا مختلفة من الاتفاقيات الدفاعية التي تبرمها عادة مع حلفائها، إذ لا تتشابه تلك الاتفاقيات لا في البنود ولا في التعهدات.
من جانب واشنطن، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمام لجنة بالكونغرس، أن إبرام الاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع السعودية قد يتم “بعد أسابيع”، وتشمل الاتفاقيات مجالات الطاقة النووية والتعاون الأمني والدفاعي ضمن مساعي اتفاق أوسع للتطبيع بين الرياض وإسرائيل.
وفي حديثه خلال جلسة استماع بمجلس النواب، حذر بلينكن في المقابل من أنه لا يمكن الشروع في عملية التطبيع على نطاق أوسع، ما لم يتحقق هدوء في غزة وما لم يُعبَّد طريق لإقامة دولة فلسطينية.
وقال بلينكن أمام لجنة المخصصات بمجلس النواب: “هذه الاتفاقيات من حيث المبدأ قريبة جدا من الاكتمال. الآن بالطبع سنأتي إلى الكونغرس بها حين تكون جاهزة للمراجعة، لكننا، ربما نكون على بعد أسابيع من القدرة على إنجازها“.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان “الصيغة شبه النهائية لاتفاقيات استراتيجية بين الرياض وواشنطن وكذلك سبل إيجاد مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين في فلسطين..
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الأحد 19 مايو 2024، أن ولي العهد السعودي ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان التقيا في مدينة الظهران السعودية لبحث “الصيغة شبه النهائية” لاتفاق بين واشنطن والرياض.
وجاء في بيان أنه جرى خلال اللقاء “استعراض العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، كما تم بحث الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية التي قارب العمل على الانتهاء منها“.
مضمامين الاتفاق
وتأتي المباحثات في أعقاب تقارير ذكرت أن البلدين على وشك التوصل إلى اتفاق بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية ومساعدة واشنطن للرياض في مجال الطاقة النووية المدنية، بيد أن اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي المأمول في إطار “صفقة كبرى” في الشرق الأوسط لا يزال بعيد المنال.
وبحث الأمير محمد بن سلمان وسوليفان الحاجة إلى إيجاد “مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين” لإسرائيل والفلسطينيين وضرورة وقف الحرب في غزة وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
والسعودية، باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم، لا تبدو مرشحا بارزا لإبرام اتفاق نووي عادة ما يهدف إلى بناء محطات طاقة لتوليد الكهرباء. لكن المملكة تسعى إلى توليد قدر كبير من الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات بموجب خطة طموح طويلة الأجل. في حين يقول منتقدون للأمر إن الرياض ربما ترغب في اكتساب الخبرة النووية تحسبا لرغبتها يوما في الحصول على أسلحة نووية، وإن كان أي اتفاق مع واشنطن سينص على ضمانات للحيلولة دون ذلك.
اتفاق ثنائي:
ويسعى المتفاوضون للتوصل إلى اتفاق ثنائي يدعو على الأرجح إلى ضمانات أمريكية رسمية للدفاع عن المملكة، بالإضافة إلى حصول السعودية على أسلحة أمريكية أكثر تقدما، مقابل وقف مشتريات الأسلحة الصينية، والحد من الاستثمارات الصينية في البلاد.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، إن الجانبين اقتربا “أكثر من أي وقت مضى” من اتفاق ثنائي صار الآن “شبه نهائي“.
ويسعى مفاوضون أمريكيون وسعوديون إلى التوصل إلى اتفاق ثنائي يدعو على الأرجح إلى ضمانات أمريكية رسمية للدفاع عن المملكة، بالإضافة إلى حصول السعودية على أسلحة أمريكية أكثر تقدما، مقابل وقف مشتريات الأسلحة الصينية والحد من الاستثمارات الصينية في البلاد.
وقال مسؤول أمريكي إن المفاوضين يناقشون بيع الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز إف-35 وأسلحة أخرى للسعوديين في إطار الاتفاق.
وتذهب ترجيحات استراتيجية، إلى أن بيع طائرات إف-35 للسعوديين غير مضمون لعدد من الأسباب، لكن إدراجها في المناقشات له أهمية نظرا لأن الرياض أبدت رغبتها في شراء الطائرة منذ سنوات.
ويتعين على أي صفقة الالتزام باتفاق أمريكي إسرائيلي قديم يضمن ألا تضعف الأسلحة التي تبيعها واشنطن بالمنطقة “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، بحيث تكون الأسلحة الأمريكية المقدمة لإسرائيل “متفوقة في القدرة” على تلك التي تباع لجيرانها.
ويحق للجنتي العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، والشؤون الخارجية بمجلس النواب، اللتين انتقد أعضاؤهما دور المملكة في مقتل مدنيين في اليمن، إعادة النظر في مبيعات الأسلحة ومنعها بموجب عملية مراجعة غير رسمية.
وأحالت شركة لوكهيد مارتن، المصنعة للطائرة، طلبا للتعليق إلى الحكومة.
وقال المسؤول إن الاتفاقية الدفاعية لن ترقى إلى مستوى معاهدة حلف شمال الأطلسي.
وقال كيربي إن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، أجرى محادثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين، وإنه أحرز تقدما في هذا الصدد.
وقال مسؤول أمريكي ثان “نحن قريبون جدا من التفاهم على العناصر الرئيسية بيننا“.
وأضاف “سيتعين علينا بالطبع أيضا العمل بعد ذلك على أجزاء متعلقة بالإسرائيليين والفلسطينيين، وهو عنصر حاسم في أي اتفاق تطبيع محتمل“.
ومن المتوقع أيضا أن يتضمن الاتفاق الأمني الأمريكي السعودي تبادل تقنيات ناشئة مع الرياض، ومنها الذكاء الاصطناعي.
وبمجرد التوصل إلى الاتفاق فإنه سيكون جزءا من صفقة كبرى تعرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليقرر ما إذا كان سيقدم تنازلات من أجل تطبيع العلاقات مع المملكة.
وذكر كيربي أن توقيت إتمام الاتفاق الأمريكي السعودي غير محدد، مشيرا إلى أن هدف الرئيس جو بايدن النهائي هو إقامة دولة فلسطينية.
وأضاف أنه مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، فمن غير المرجح التوصل إلى اتفاق بشأن الدولة قريبا.
وأردف قائلا: “ما زال الرئيس ملتزما بالطبع بحل الدولتين“.
تقارب وجهات النظر بين الاتفاق والاتفاقية:
وفي الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي إلى الشرق الأوسط، وزيارته للمملكة العربية السعودية، قيل إن الزيارة لها دلالة تتعلق باقتراب التوصل إلى اتفاق أمني بين الرياض وواشنطن، وإن مسودة الاتفاق قد تكون طُرحت أمام أنظار المسؤولين في السعودية، بعد مجموعة محادثات علنية وسرية، حدثت بين الطرفين على مدى الشهور المنصرمة، لتقريب وجهات النظر في المواضيع الخلافية.
خلال زيارة وزير الخارجية الامريكي بلينكن للسعودية مؤخرا، طرحت مسودة الاتفاق بعد سلسلة من المحادثات العلنية والسرية..
لكن ربما ما طرحه بلينكن كان مسودة اتفاق أمني وليس معاهدة أمنية، إضافة إلى بعض الأفكار المتعلقة بالمفاعل النووي السعودي المستقبلي، حيث أشار إلى اتفاقية دفاع ثنائية، واتفاق آخر يتعلق ببرنامج نووي مدني سعودي، وهنا يبدو أن الفجوة قد تقلصت كثيرا بين الطرفين.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرياض كانت تُركّز على معاهدة دفاع مشترك، وليس اتفاقا إطاريا فقط، لأن الرياض تريد أن تكون هذه الاتفاقية مع الدولة الأمريكية وليس مع الإدارة الديمقراطية الحالية، مخافة أن تأتي إدارة جمهورية تنقض الاتفاق. بالتالي فإن المعاهدة بحاجة إلى تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بالموافقة. كما أن العنصر الثاني المهم الذي تريده الرياض هو، المفاعل النووي السلمي، ومطلوب من الولايات المتحدة أن تساعد الرياض في هذا الأمر. وكان هناك تصريح سابق لوزير الخارجية السعودي قال فيه، إن لم يكن للأمريكيين الرغبة في المساعدة في ذلك، فهنالك أطراف دولية أخرى لديها الاستعداد لتحقيق رغبة الرياض، واليوم يقول الوزير نفسه إن (الاتفاقية الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة قد اقتربت من الانتهاء). كما صرح بلينكن قائلا: ( أظن أن العمل الذي تقوم به السعودية والولايات المتحدة معا بشأن اتفاقياتنا قد يكون قريبا جدا من الانتهاء).
خلافات قائمة:
ومع ذلك يبدو أن هناك بعض الفجوات بين الموقف الأمريكي والموقف السعودي في موضوعين أساسيين: الأول في موضوع المعاهدة الأمنية، حيث لا يتوفر الوقت الكافي لتحقيقها، كون الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات رئاسية، ولأن المعاهدة يجب أن تحصل على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهذه بحاجة إلى مداولات وصفقات فوق وتحت الطاولة، ولأن هناك مرحلة انتخابات بالنسبة للجمهوريين، فإن المرشح الجمهوري دونالد ترامب سيقول لا توقعوا على الاتفاقية الآن، ودعوني أنا آتي باتفاقية أفضل منها. وعليه فإن الوضع معقد الآن فحتى لو تم عرضها على مجلس الشيوخ، وبدأت المداولات بشأنها داخل المجلس، لن يكون هناك وقت لإقرارها. وهذه مسألة واقع سياسي في سنة انتخابية. هذا هو التحدي الأول. أما التحدي الثاني فهو سياسي فالتوقيع على معاهدة مع الولايات المتحدة يتطلب من الدولة أن يكون توجهها الاستراتيجي مطابق للتوجه الأمريكي، وأن ما تعرضه السعودية في طلبها لتوقيع المعاهدة لن يكفي، لأن على الرياض أن تلتزم أيضا بأن تكون ضمن بلدان الخط الاستراتيجي للولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك فإن بعض المراقبين يقولون، إن هذه المعوقات ليست مستحيلة لكنها تحتاج إلى وقت لتذليلها..
التطبيع مع اسرائيل الثمن
وتعتبر إحدى الركائز الأساسية لإقامة اتفاق أمني مع الولايات المتحدة هي إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويبدو أن الرياض لم تُقدّم أي تنازلات في هذا الجانب وباتت الكرة في الملعب الأمريكي، خاصة في ظل بقاء 6 أشهر على الانتخابات الأمريكية، فإذا تحقق هذا الهدف ستذهب الرياض إلى التطبيع مع إسرائيل وبعكسه لن يحصل شيء. وهنا يقول وزير الخارجية الأمريكي بلينكن (للمضي نحو التطبيع لا بد من الهدوء في غزة، ومسار موثوق نحو دولة فلسطينية)، ويقول نظيره وزير الخارجية السعودي (لدينا الخطوط العريضة للتعامل مع القضية الفلسطينية)، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد تطور أمريكي الآن في هذا الاتجاه، فبلينكن وغيره من المسؤولين الأمريكيين يقولون نريد خطوات واضحة نحو الدولة الفلسطينية، لكن ما هي هذه الخطوات؟ ما شكلها وما طبيعتها؟ يبدو أن لا اتفاق عليها بسبب أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليس لديها الاستعداد للنقاش في ذلك، لأسباب أيديولوجية وأسباب سياسية أيضا، فلو رشح أي شيء عن أن نتنياهو يناقش موضوع الدولة الفلسطينية مع الأمريكيين سينهار تحالفه السياسي، لذلك يبدو أن الأمريكيين يُركّزون على الجانب الإجرائي والتزام عام، وهذا ما يسمونه خطوات لا يمكن التراجع عنها. وهذا الجانب الإجرائي ليس فيه سوى أن تكون الدولة الفلسطينية المنشودة منزوعة السلاح، ولا مكان فيها لحركة حماس، أما غير ذلك فهو متروك للمستقبل.
إذن ما هو مطروح أمريكيا في الحقيقة لا يلبي ليس فقط الحد الأدنى للمطلوب فلسطينيا، بل لا يلبي حتى المطلوب عربيا أيضا، وإذا نظرنا إلى تصريحات وزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات والأردن وغيرهم، كلهم يطلبون الاعتراف بدولة فلسطينية، هذا لا يعني قيام هذه الدولة غدا أو بعد غد، بل هو إعلان عن أنهم يريدون التزامات لا يمكن التراجع عنها، والولايات المتحدة لا تريد، ولا تستطيع تقديم التزامات كهذه. وكل المأمول منه هو تصريح إطاري ثم ركن الملف إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وبعد أن تتضح الصورة في غزة، فقد تكون هناك فرصة للتقدم والوصول إلى شيء أكثر وضوحا، لكن لحد الآن ما مطروح أمريكيا غير مقبول ليس فلسطينيا وحسب، بل عربيا أيضا.
لكن الملاحظ أن الولايات المتحدة تبدو مندفعة جدا في تحقيق اتفاقية أمنية مع السعودية، رغبة منها في حصول انفراجة في مسار التطبيع مع إسرائيل..
محفزات التقارب الأمريكي والدفع نحو الاتفاق مع السعودية:
وتقف خلف هذا الموقف ثلاثة عوامل مهمة جدا وهي :
أولا، دخول الصين على أزمة الشرق الأوسط، فإدارة بايدن كان لديها تفكير بالتقليل من أولوية الشرق الأوسط للتركيز على الصين، لكنها اكتشفت أنه لا يمكن الفصل بين الاثنين لأن الصين بدأت تلعب دورا في الشرق الأوسط وتتعامل مع الملفات الشائكة فيه، خاصة بعد الاتفاق الذي حدث في 10 مارس بين الرياض وطهران وبكين في عام 2023.
ثانيا أن ما أظهرته حرب غزة وحرب أوكرانيا هو أن الشرق الأوسط لا يمكن تجاهله، حيث أثرت أحداث البحر الأحمر على العالم كله.
أما السبب الثالث فهو أن إدارة بايدن اكتشفت أن السعودية مركز الثقل في المنطقة، وأي سياسة إقليمية، أو حتى دولية في المنطقة، يجب أن تكون السعودية جزءا منها، في حين وصفتها سابقا بأنها دولة مارقة، وعليه فإن عودة الولايات المتحدة الآن بهذا الزخم سببه هذه العوامل الثلاثة. فما هو الموقف السعودي في هذه النقطة.
يبدو أن الرياض باتت تُصنّف نفسها على أنها في منطقة الحياد الإيجابي، الذي يعني أن علاقاتها مع واشنطن ولندن وباريس وبروكسل مهمة، ولكن في الوقت نفسه علاقاتها مع بكين ونيودلهي وموسكو مهمة أيضا.
عوائق التطبيع::
-عملية طوفان الأقصى:
فقبل اندلاع الحرب في غزة، كانت السعودية قد طلبت من واشنطن تمكينها من امتلاك برنامج مدني نووي مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب لكن الحرب في غزة أجلت النقاشات.
فيما زار مسؤولون إسرائيليون الرياض في إطار مؤتمرات دولية فيما بدا أنه محاولة جس نبض قبل التطبيع بين البلدين.
ووفق تقديرات استراتسجسة، فإن عملية طوفان الأقصى أغلقت ملف تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل وهو ما جعل السعودية تشعر أن بإمكانها الضغط على الإدارة الأمريكية في هذا الملف الذي يمثل حاجة انتخابية ملحة لإدارة الرئيس جو بايدن الذي يريد أن يقول إنه أنجز شيئا ما قبل نهاية ولايته الأولى..
-عدم حسم ملف إقامة الدولة الفلسطينية.:
ويقول علي العنزي رئيس قسم الإعلام السابق في جامعة الملك سعود بالرياض إن السعودية لن تطبع مع إسرائيل إلا في حالة قبولها بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
وتدور في الأوساط السعودية، أحديث حول ضرورة إعطاء الشعب الفلسطيني حقه ولن تقبل الرياض بمجرد وعود كما حدث في اتفاق أوسلو.
كما أن وجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل لن يفتح الباب أمام سلام وتطبيع في المنطقة. وتبدو المملكة حريصة على حل دائم للقضية الفلسطينية يفضي إلى اعتراف إسرائيل بالقرارات الدولية والانسحاب إلى حدود 1967 والاعتراف بالمبادرة العربية لإقامة دولة فلسطينية. دون ذلك، لن تطبع السعودية مع إسرائيل، إضافة إلى إيقاف الحرب في غزة ولا تخفي السعودية أنها وضعت ملف التطبيع جانبا بعد الحرب في غزة والعدد الهائل من الضحايا في القطاع الفلسطيني…
-الاشتراطات والمطالب السعودية:
وبالإضافة إلى ملف الطاقة النووية المدنية، أكد بلينكن أن للرياض طلبات أخرى قبل إقامة علاقات مع الدولة العبرية. وقال أمام اللجنة البرلمانية: “من أجل المضي قدما في التطبيع، أوضحت السعودية أنه حتى مع اكتمال الاتفاقيات بيننا، يتعين تحقيق شيئين: إحلال هدوء في غزة، والوصول لطريق موثوق به يقود إلى قيام دولة فلسطينية“.
-عدم تقديم اسرائيل تنازلات :
ومما يعوق التطبيع السعودي الاسرائيلي، أن اسرائيل ما زالت غير قادرة على تقديم تناولات سياسية للفلسطينيين ، فيما يتعلق بشأن الدولة..
وأمام الكونغرس الأمريكي، أقر بلينكن بوجود شكوك حول ما إذا كان نتانياهو وحكومته اليمينية المتشددة سيلبيان الطلبات السعودية في حال أصبح التطبيع أكثر من مجرد مسألة “افتراضية“.
وقال بلينكن أمام لجنة بمجلس الشيوخ: “لا أستطيع أن أخبركم ما إذا كانت إسرائيل – سواء رئيس الوزراء أو الدولة ككل – مستعدة في هذه اللحظة للقيام بما هو ضروري لتحقيق التطبيع فعليا“.
فالحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا تقبل بحل الدولتين فقد صرح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن من يظن أن إسرائيل ستوافق على إقامة دولة فلسطينية هو مخطئ، وأي دولة عربية تقول إنها طبعت مع إسرائيل مقابل إقامة هذه الدولة فهي كاذبة. لكن هذه الحكومة المتطرفة الحالية في حكم المنتهية فهي غارقة في وحل غزة وليست لديها نظرة مستقبلية لكيفية إنهاء الحرب واليوم التالي لها. لكن في المستقبل – ومع حكومة إسرائيلية أخرى – يمكن أن تتغير المعطيات…
ويأتي تقييم بلينكن في أعقاب زيارة مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان للسعودية وإسرائيل، حيث أطلع رئيس نتانياهو على “إمكانية” التوصل إلى اتفاق تاريخي. إلا أن إسرائيل لم تكن – قبل الحرب في غزة – تنظر بعين الرضا لمنح واشنطن قدرات نووية للسعودية فيما يبدو أن موقفها أصبح أكثر مرونة في الوقت الحاضر.
ويبدو أن إسرائيل بحاجة إلى ربط علاقات مع السعودية لتقول للعالم إنها حصلت على تطبيع عربي إسلامي معها…
وذلك بعد أن تلطخت صورة اسرائييل عقب عملية طوفان الأقصى..
فيما تريد السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار مساعي المملكة لإنهاء مشاكلها مع دور الجوار – بعد أن أعادت العلاقات مع إيران – في خضم مشروع “رؤية 2030” الساعي لتنويع اقتصادها في مرحلة ما بعد النفط من خلال جذب استثمارات دولية والتحول إلى وجهة سياحية عالمية ما يحتاج لاستقرار إقليمي.
ويبدو أن النظرة للتطبيع مع إسرائيل تغيرت بعد الحرب في غزة وهو ما يفسر مظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في جامعات عالمية مرموقة. في كل الأحوال، السعودية تبحث عن إنهاء المشاكل مع دول الجوار لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية فاعلة لديها قنوات اتصال مع كل الأطراف في المنطقة.
إلا أن الأمور لا تزال شائكة والطريقة التي ستنتهي بها حرب غزة غير معلومة…
في المحصلة، تبقى عقبات كثيرة تحول دون تطبيع قريب للعلاقات بين الرياض وتل أبيب على الأقل على المدى المتوسط وهو ما قد يحرم بايدن من ورقة انتخابية قبل السباق الرئاسي أمام منافسه دونالد ترامب في اقتراع نوفمبر المقبل.
امكانية عقد الاتفا الأمني دون التطبيع:
ومن جهة أخرى، تذهب دوائر سياسية غربية، إلى أن الاتفاقية الأمنية بين السعودية والولايات المتحدة على وشك الانتهاء، في حين أن آفاق تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب غير واضحة.
وبحسب وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تضع اللمسات النهائية على الاتفاقية الأمنية مع السعودية لتوفير الضمانات الأمنية فضلا عن المساعدة في البرنامج النووي، في حين لا تزال هناك آفاق غير مؤكدة لتحقيق اتفاق لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
ولعل اقتراب الانتخابات الامريكية، هو الدافع الاساس لواشنطن للاسراع في التوصل لاتفاق ثنائي في تلك المرحلة…مع ارجاء مسار التطبيع المنتظر بين الرياض وتل ابيب…
وقد أصبحت المملكة العربية السعودية عنصرًا حاسما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر إقامتها في نوفمبر المقبل، في ظل التحولات الجارية في العلاقة بين الرياض وواشنطن.
ووفق تقرير لمجلة “نيوزويك” ، فإنه بينما يستعد الرئيس جو بايدن للنضال من أجل إعادة انتخابه، يجد البيت الأبيض نفسه أيضا يتنافس على النفوذ بين العديد من اللاعبين على المسرح العالمي، ومن بينهم شريك طويل الأمد.
ويعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واحدا من أصغر رؤساء الدول الفعليين في العالم، وهو القوة الدافعة وراء الأجندة القومية التي تترسخ في المملكة.
وقد أدى التحول الذي أشرف عليه ولي العهد إلى تحولات كبيرة في النظرة الداخلية للمملكة، التي تبنت نهجًا أكثر انفتاحا مع تقليل الاعتماد على النفط، من بين مبادرات أخرى تتماشى مع رؤية 2030 الطموحة. وقد أدى ذلك أيضًا إلى إعادة ضبط العلاقات الخارجية والسعي إلى علاقات أكثر قوة مع القوى الرائدة الأخرى، بما في ذلك أكبر منافسي الولايات المتحدة: الصين وروسيا.
وذكرت المجلة أنه رغم تأكيد المسؤولين في الرياض وواشنطن أهمية الشراكة بينهما، إلا أن الخلافات الأخيرة والمفاوضات المضنية الجارية حاليًا حول مستقبل تعاونهما أثارت تساؤلات جدية فيما يتعلق بمصير أحد أهم مواطئ الأقدام الإستراتيجية في الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة.
وأوضحت المجلة أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تعود إلى السنوات الأولى لتأسيس المملكة، التي قاد مؤسسها، الملك عبد العزيز بن سعود، سلسلةً من الفتوحات استمرت ثلاثة عقود ليوحّد جزءًا كبيرًا من شبه الجزيرة العربية بحلول سنة 1932. وقد تطورت هذه العلاقات إلى شراكة إستراتيجية خلال الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة، حيث كانت الرياض بمثابة حصن رئيسي ضد النفوذ السوفيتي في المنطقة، حتى في خضم بعض النزاعات الكبرى مثل حظر النفط سنة 1973 بسبب الدعم الأمريكي لـ “إسرائيل” في حربها مع مصر.
ولم تسبب علاقة المملكة الغامضة بهجمات 11 سبتمبر انتكاسة دائمة في العلاقات، بل توطدت العلاقة بشكل أكبر خلال الحرب على الإرهاب في القرن الحادي والعشرين، وستظل السعودية لاعبًا رئيسيًا في الجهود الأمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولا يزال يُنظر إليها على أنها شريك مهم في هذا المسعى.
ورغم استفادة الولايات المتحدة على المدى الطويل من نفوذ المملكة باعتبارها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم وخادمة لأقدس المواقع الإسلامية، هذا إلى جانب تمتعها بحماية البنتاجون وسط الاضطرابات الإقليمية، إلا أن المصالح بدأت تتباعد في السنوات الأخيرة وأصبح الانقسام ملحوظًا بشكل خاص في ظل إدارة بايدن.
وعلى عكس ترامب، الذي عزز العلاقات مع ولي العهد الصاعد، اتخذ بايدن موقفًا أكثر تشددًا مع المملكة وولي عهدها، وخلال الحملة الانتخابية، وصف بايدن السعودية بأنها “منبوذة” بسبب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، الذي ربطته المخابرات الأمريكية مباشرة بولي العهد. وقد أعلن عن وقف مبيعات الأسلحة الهجومية بسبب مخاوف من تدخل المملكة في الحرب الأهلية اليمنية كواحدة من أولى خطواته الرئيسية في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط.
وأشارت المجلة إلى أنه لا يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية في يوليو 2022 قد فعلت الكثير لإصلاح العلاقات المتوترة، وقد مضت الرياض في تحدي الدعوات الأمريكية لزيادة إنتاج النفط بالتنسيق مع بقية الدول الأعضاء في تحالف أوبك+ وسط ارتفاع تكاليف الطاقة على خلفية العقوبات المفروضة على حرب روسيا في أوكرانيا.
وفي تناقض حاد مع الاستقبال البارد لبايدن، تلقى الرئيس الصيني شي جين بينغ ترحيبًا حارًا في وقت لاحق من نفس السنة عندما أشرف على أول قمة بين الصين والدول العربية على الإطلاق. وبعد أشهر، أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع طهران بموجب اتفاق توسطت فيه بكين، وشرع كلاهما في دمج نفسيهما في كتلتين متعددتي الأطراف تتمتع فيهما الصين وروسيا بنفوذ كبير، وهما منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس.
واليوم، يتطلع بايدن مرة أخرى إلى الرياض للحصول على الدعم وسط الحرب المستمرة في قطاع غزة، ويسعى إلى تأمين ما يسمى بالصفقة الضخمة التي من شأنها أن تشمل ضمانات أمنية أمريكية، مع ذلك، وجدت إدارة بايدن أن السعودية تقود صفقة صعبة لأنها تستخدم نفوذها الجيوسياسي المتنامي لخدمة مصالح الرياض على أفضل وجه في التعامل مع كل من القوى الكبرى والقوى الناشئة.
وتبقى الأيام المقبلة حبلى بمزيد من التطورات الاستراتيحية التي قد تقلب طاولة المشهد السياسي العربي..
……………………………..
مراجع:
………
عربي21، السعودية تزيل “فلسطين” من خرائط في مناهجها الدراسية.. هل اقترب التطبيع؟، 29 مايو 2024
DW، واشنطن والرياض تبحثان اتفاقيات استراتيجية بين البلدين، 19 مايو 2024
فرانس 24، معاهدة دفاع ثنائية.. واشنطن تعلن أنها تقترب من التوصل إلى اتفاق دفاعي مع الرياض، 21/05/2024
القدس العربي، ما أثمان الاتفاقية الأمنية بين الرياض وواشنطن؟، 21 مايو 2024
عربي 21، ما أثمان الاتفاقية الأمنية بين الرياض وواشنطن؟، 20 – مايو – 2024
فرانس24 ، التطبيع مع إسرائيل..هل يشكل حصول السعودية على تقنية نووية من واشنطن خطوة كافية للتطبيع بين المملكة وإسرائيل؟، 23/05/2024
الجزيرة، الرياض وواشنطن تبحثان الاتفاقيات الإستراتيجية والأوضاع في غزة،19/5/2024
بي بي سي ، ما مصلحة السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟، 22 مايو 2024
وكالة تسنيم الايرانية ، إمكانية اتفاق الرياض وواشنطن دون تطبيع العلاقات مع إسرائيل، 3 مايو 2024
عربي 21، كيف ستؤثر السعودية في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟، 30 مايو 2024