اللاعب أحمد رفعت والحصاد المر لعسكرة  الحياة المدنية

دراسة استقصائية في مسار عسكرة الرياضة من “عبد الناصر” حتى السيسي

على طريقة وزير الحربية بزمن جمال عبد الناصر، عبد الحكيم عامر، الذي كان مولعا بالتدخل العسكري في الرياضة المصرية، وادارته نادي الزمالك، عبر اخيه المهندس حسن عامر، لدرجة وصلت تهديد الحكام والتلاعب بالقرعة لصالح النادي، بل وصل الأمر للمعاقبة اللاعبين الذين يحرزون أهدافا في نادي الزمالك….وغير ذلك من التدخلات القسرية في الرياضة المصرية..

وهو نفس ما يقوم به القائمون على المؤسسة العسكرية اليوم، حيث يجري استعمال ورقة التجنيد الإحباري، سلاحا لاخضاع اللاعبين، لرغبات الأندية العسكرية، أو تحقيق مكاسب مالية كبيرة من وراء اعارتهم لأندية كبيرة بالداخل والخارجج..

وهو ما يمثل قمة المأاساة للرياضيين المصريين، اذا لم ينصاعوا لرغبات السيد العسكري..

وهو ما تكشفه معاناة اللاعب أحمد رفت، الذي فقدته مصر مؤخرا، كاشفا عن حجم الضغوط النفسية التي تعرض لها، وكان ورائئها مسئولين كبار، تسببوا في سجنه عدة شهور، وتحطيم حلمه بالاحتراف بنادي الوحدة الإماراتي، الذي كان سيوفر له مبلغا ماليا ، لائقا له..

وما حدث مع أحمد رفعت، حصل مع العديد من اللاعبين، المصريين، النابغين في كرة القدم ، كشيكابالا  وميدو جابر ومحمد رزق …وغيرهم، اختلفت قضاياهم ومواقفهم، وتوحدت معاناتهم مع نادي “طلائع الجيش”، أو “حرس الحدود”…

أولا: حكاية أحمد رفعت:

كان اللاعب أحمد رفعت، قد تعرض  لأزمة قلبية خلال مباراة فريقه “مودرن فيوتشر” أمام الاتحاد السكندري، التي أقيمت يوم 11 مارس الماضي، وسقط على الأرض مغشيًا عليه في الدقيقة 88 من اللقاء.

واستعاد اللاعب عافيته على مدار الثلاثة أشهر الماضية، وكان يأمل في العودة إلى الملاعب مرة أخرى، غير أن قلبه توقف للمرة الثانية والأخيرة، لتعُلن وفاته في المستشفى الجوي بالتجمع الخامس، شرق القاهرة.

وانفجرت أزمة اللاعب أحمد رفعت بعد وفاته، رغم إصابته قبلها بشهور، لكنه خرج في حلقة مع الإعلامي إبراهيم فايق، وأشار إلى أن مسؤوليْن هما السبب في تعرضه لأزمة صحية أبعدته عن الملاعب.

وبدأ أحمد رفعت، المولود في يونيو 1993، مشواره مع الكرة بنادي إنبي،  ولعب مع الزمالك والاتحاد السكندري والمصري قبل أن ينضم لمودرن فيوتشر عام 2021، كما لعب لفريق الوحدة الإماراتي على سبيل الإعارة موسم 2022-2023.

ومثل رفعت منتخب مصر للشباب في كأس العالم تحت 20 عاما بتركيا 2013.

كما مثل منتخب مصر الأول في 7 مباريات دولية سجل خلالها هدفين.

وكان آخر ظهور له بقميص الفراعنة خلال مسابقة كأس العرب التي أقيمت بقطر في نوفمبر 2021 وأحرز في البطولة هدفا عالميا.

-الوفاة واسبابها:

وتوفي اللاعب السبت، عن عمر ناهز 31 عاما، بعد 4 أشهر من سقوطه على أرضية الملعب خلال الدقائق الأخيرة من مباراة فريقه “فيوتشر” (الذي تغير اسمه قبل أيام إلى مودرن سبورت) أمام نادي الاتحاد بالإسكندرية، ونُقل إلى المستشفى، حيث تعرض لتوقف عضلة القلب لمدة تصل إلى حوالي ساعتين، قبل أن تكتب له النجاة.

بعدها، وعقب تعافيه، خرج رفعت في مقابلة تلفزيونية مؤكدا أن ما حدث له كان “نتيجة ضغوط عصبية، وتعرضه لأذى نفسي، من شخص يتمتع بنفوذ كبير”.

ثم جاء الإعلان المفاجئ عن وفاة رفعت، صباح السبت  6 يوليو الجاري، ليحدث صدمة لدى جماهير كرة القدم في مصر، مما أدى إلى تفجر الجدل عن المتسبب في أزمة اللاعب، وما حدث له حتى وفاته.

-الرأي الطبي:

وذكر عميد معهد القلب السابق في مصر على صفحته في فيسبوك جمال شعبان قائلا: “قصة قصيرة موجعة. أحمد رفعت مثال حقيقي لمتلازمة القلب المكسور. قلبه انكسر بسبب الظلم والقهر وأصيب بجلطة في الشريان التاجي تسببت في تليف في القلب وخلل كهربي خبيث في القلب نجا منه بمعجزة وعاد إلي الحياة ليودعنا ويشير إلي الذين ظلموه، لكن شاء الله أن يسترد وديعته فأصيب بجلطة أخري أودت بحياته”.

وأضاف: “رحمة الله عليه يا تري كم مثل هذه القصة الحزينة توجد في الدنيا ولم يعرف عنها أحد. يا أصدقائي الزعل بيكسر القلب ويسبب الجلطات والوفاة”.

ثالثا: تطورات قضية أحمد رفعت:

-بيان وزارة الشباب والرياضة:

وإزاء حالة الجدل التي أثيرت اعلاميا، أعلنت وزارة الشباب والرياضة، الأحد 7 يوليو الجاري، فتح تحقيق بشأن ملابسات سفر اللاعب للاحتراف في الخارج عام 2022 وذلك رغم تجنيده بالقوات المسلحة.

وذكر البيان أن الوزير أشرف صبحي أصدر قرارًا بتكليف اللجنة القانونية العليا بالوزارة، للتحقيق في جميع الملابسات وفحص جميع المستندات الخاصة بسفر رفعت.

وأوضحت وزارة الرياضة أن القرار جاء نظرا لما أثير مؤخرا عبر وسائل الإعلام بشأن وجود شبهة مخالفات إدارية وقانونية، شابت سفر اللاعب خارج البلاد.

كما أصدر وزير الشباب والرياضة قرارا بتشكيل لجنة من المختصين بالوزارة للقيام بأعمال الفحص والمراجعة لجميع المستندات بنادي مودرن سبورت والاتحاد المصري لكرة القدم، واللجنة الأولمبية المصرية في هذا الشأن.

-استقالة رئيس نادي مودرن فيوتشر وليد دعبس:

وإزاء حالة  اللغط والاتهامات المتواترة لمسئولي نادي فيوتشر، الذي تحول إلى مودرن فيوتشر، في أزمة رفعت، أعلن رئيس نادي “مودرن سبورت” (فيوتشر سابقًا)، وليد دعبس، استقالته من منصبه وانسحابه من المشهد الرياضي في مصر، وذلك بسبب أزمة لاعب كرة القدم الراحل أحمد رفعت،  الذي توفي، السبت 6 يوليو الجاري..

وكشف دعبس في بيان نشره النادي الأخير الذي لعب له رفعت قبل رحيله، تفاصيل إحالة اللاعب للمحاكمة العسكرية وسجنه لمدة شهرين، قبل العودة بعد ذلك إلى الملاعب.

وأعلن دعبس استقالته من منصبه في النادي وانسحابه من المشهد الرياضي “نظرا لما تعرض له من تشويه لشخصه ولكيان النادي وتحريف تصريحاته، ومحاولة الوقيعة بينه وبين أسرة الراحل أحمد رفعت”.

كما أكد على “تقديم الدعم اللازم للجنة المشكلة من وزير الشباب والرياضة بشأن التحقيق في الوقائع التي تخص اللاعب الراحل في حدود المعلومات المتوفرة لدينا، منذ إدارة النادي (توليه الإدارة) اعتبارا من سبتمبر 2023”.

وأوضح دعبس أنه منذ توليه إدارة الكرة في النادي “ومراجعته أوراق اللاعبين، علم بوجود مخالفة تخص رفعت فيما يتعلق بتغيبه عن التجنيد، فاستدعاه على الفور وشكّل لجنة قانونية لفحص الأمر، انتهت بضرورة تسليم اللاعب نفسه إلى الشرطة العسكرية لوجود قضية محررة ضده تخص هذا الأمر”.

وتابع البيان: “تمت إحالة اللاعب للمحاكمة وحضر معه الفريق القانوني واتُخذت كافة الإجراءات حتى تقديم النادي التماس بالعفو عنه، وصدر بالفعل قرارا من السلطة المختصة بالاكتفاء بحبس اللاعب شهرين، ونفذت العقوبة شهرين بجهاز الرياضة التابع للقوات المسلحة”.

كما أصدر النادي بيانا ذكر فيه أن “مجلس إدارة نادي مودرن سبورت يعلن الامتناع عن أي أحاديث إعلامية أو حوارات صحفية أو مداخلات تليفزيونية من أي مسؤول في النادي حول اللاعب أحمد رفعت رحمه الله، انتظاراً لقرار لجنة التحقيقات المشكلة بتاريخ 7 يوليو 2024 من وزارة الشباب والرياضة حول الأزمة”.

وأشار دعبس إلى أن رفعت تدرب منفردا بنادي طلائع الجيش بعدما قدم النادي “طلبا إلى جهاز الرياضة العسكري للإشراف على تدريبات اللاعب الراحل حفاظا على لياقته البدنية وروحه المعنوية.. إلى أن تم إخلاء سبيل اللاعب وعاد مرة أخرى إلى صفوف النادي، وحرص النادي حينها على سرية التحقيقات الخاصة بالشأن العسكري”.

-بيان نادي الوحدة الاماراتي:

وعلّق نادي الوحدة الإماراتي، الإثنين 8 يوليو الجاري، على تفاصيل تعاقده مع لاعب كرة القدم المصري الراحل أحمد رفعت، بعدما ظهرت تقارير عن أن أسباب وفاته الناجمة عن أزمة قلبية كانت بسبب حالته النفسية السيئة بسبب وجوده مع النادي بأوراق غير قانونية في ظل كونه مطلوب للتجنيد في مصر.

-وقف برنامج شوبير:

كما قرر مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ، التابعة للمخابرات، بالإجماع وقف برنامج أحمد شوبير، وإنهاء التعاقد معه فورًا، وقال في بيان إن “الفوضى في قطاع الإعلام الرياضي تستلزم مواجهة حاسمة”…

إلا أن مراقبين، رأوا وقف البرنامج واستقالة دعبس، مجرد محاولة لصرف انتباه الجماهير عن القضية، وتحميلهم سبب الأزمة، وليس استخدام ورقة التجنيد الاجباري  للضغط على رفعت، للعب لنادي طلائع الجيش، عنوة…

وادعى بيان المتحدة، أن القرار جاء “حرصًا على حق المواطن المصري في إعلام رياضي يحترم الحقيقة ويتوخى الصدق”، مؤكدة حرصها على أن تقدم كوادرها “إعلامًا مهنيًا يحترم المشاهد، وأنها لن تتوانى عن ردع كل من يحيد عن المعايير المهنية التي تلتزم بها منذ بداية تأسيسها”.

ولعل ما يكذب ما تدعيه المتحدة،هو ولوغ اعلاميوها كأحمد شوبير وحسام ميدو، سابقا، في انتهاك حقوق اللاعب احمد رفعت، الذين سبق وأن اتهموه بتعاطي المخدرات، والتي سببت له الاغماء في ملعب الاسكندرية سابقا!!!

وواجه شوبير مؤخرًا اتهامات بأنه أحد المتسببين في أزمة الراحل أحمد رفعت، وتعمده الحديث عن احتمالية تعاطي أحمد رفعت للمنشطات، وهو ما أدى لسقوطه في أرض ملعب استاد الإسكندرية..

عقب إعلان وفاة اللاعب، لم يعلق شوبير على أزمة الوفاة، واكتفى بتقديم العزاء لأسرة اللاعب وللرياضة المصرية، لكن عقب ظهور نادر شوقي وكيل أحمد رفعت عبر برنامج “الكورة مع فايق” على شاشة MBC مصر، ظهر اسم شوبير بملف قضية اللاعب من خلال مناقشات الجماهير المصرية عبر السوشيال ميديا المختلفة.

إلا أن شوبير ، أكد خلال برنامجه ، قبل أيام، أنه ليس له أي صلة بما تعرض له اللاعب الراحل ، عندما كان نائب رئيس نادي فيوتشر، قائلًا “اللي عنده أي إثبات يخرجه بس أنا هاخد حقي كاملًا بالقانون”.

وأضاف “مستمر في موضوع الله يرحمه الكابتن أحمد رفعت، وأول مرة هتكلم بشكل شخصي لأني بقالي 48 ساعة أو أكتر عمال أسمع وأشوف تعليقات وكلام كتير أني من المتسببين في أزمة أحمد رفعت، أنا بس عاوز حاجة أنا متهم بيها عشان أطلع أدافع عن نفسي، لأن كل الحاجات اللي بتتقال من أولها لآخرها بجمعها كلها، الحاجات المهمة طبعًا، وهتخذ كل الإجراءات القانونية لأن ده حقي”.

وكتب على فيسبوك “تقدمت ببلاغ لوزارة الداخلية إدارة مباحث تكنولوجيا المعلومات والإنترنت برقم 14/ح مباحث الإدارة ويجري التنسيق مع السادة المحامين للتقدم بعدة بلاغات جديدة خلال الساعات المقبلة”.

رابعا: جوانب أزمة اللاعب أحمد رفعت:

-كيف بدأت الأزمة؟

بدأت القصة، مع طلب استدعاء أحمد رفعت للتجنيد عام 2021 أثناء لعبه للنادي المصري، وهو ما كان سيضطره للانتقال إلى نادي طلائع الجيش، التابع للقوات المسلحة، لكن النادي المصري نجح في تسوية الأمر مع نادي طلائع الجيش، من خلال انتقال اثنين من لاعبي المصري إلى طلائع الجيش، مع بقاء رفعت في النادي المصري.

لاحقا، انتقل رفعت إلى نادي فيوتشر الذي أسسته مجموعة من قيادات حزب “مستقبل وطن” على رأسهم النائب بالبرلمان أحمد دياب، ووقتها انضم رفعت إلى منتخب مصر وتألق في البطولة العربية كما هو معروف، وأصبح في دائرة الأضواء.

وفي أكتوبر 2022، تلقى فيوتشر  عرضا من الوحدة الإماراتي لاستعارة اللاعب لموسم واحد مقابل 29 مليون جنيه مصري، بحسب ما نقلت وسائل إعلام وقتها، أو 500 ألف دولار مثلما قال وكيله نادر شوقي في مقابلة تلفزيونية، مؤخرا..

وقتها كان رفعت في غانا لخوض مباراة أفريقية مع فيوتشر، وتلقى رسالة من رئيس شركة الكرة  بالنادي أحمد دياب، للتوجه مباشرة إلى الإمارات، دون العودة إلى مصر.

ووفقا لتصريحات وكيل اللاعب، في مقابلة تلفزيونية، السبت 6 يوليو، فإن رفعت كان يريد الالتزام بالقانون وعدم السفر إلا بتصريح من القوات المسلحة، طالما هو على ذمة التجنيد، لكن دياب وعده بأنه سيحل المشكلة.

وبعد ذلك بشهرين شعر رفعت بقلق شديد باعتبار أن ما حدث له غير قانوني، لأنه لم يتم استصدار تصريح من القوات المسلحة بالبقاء لمدة طويلة في الخارج، وفسخ تعاقده بالتراضي مع نادي الوحدة، وعاد إلى مصر في يناير 2023، لكنه عاد ليجد نفسه متهما بالتهرب من التجنيد ليتم لاحقا القبض عليه، وهو ما أثر عليه نفسيا بشكل كبير.

ووفق بيان وليد دعبس، فقد سجن رفعت لمدة شهرين، وكان مقر حبسه جهاز الرياضة العسكري،  مقر نادي

طلائع الجيش…

-مسئولية البرلماني عن “مستقبل وطن” أحمد دياب:

وعقب وفاة رفعت، خرج شقيقه ملمحا إلى مسؤولية البرلماني  أحمد دياب عما جرى له، وطالب بسؤال النائب عن الضغط النفسي الذي تعرض له رفعت قبل انهياره على أرض الملعب في مارس الماضي وصولا إلى وفاته.

وعقب ذلك، تبادل دياب التعليقات مع المتحدث الرسمي لوزارة الرياضة على الهواء ببرنامج بث على قناة “ام بي سي مصر”. إذ قال دياب إن سفر اللاعب للإمارات جاء بناء على قرار وزاري، فيما أكد المتحدث الرسمي للوزارة، محمد الشاذلي، أن إجراءات سفر اللاعب واستخراج تصريح التجنيد مسؤولية النادي، وليس الوزارة.

ولاحقا ، قرر وزير الشباب تشكيل لجنة تحقيق من مختصين، لبحث كيفية سفر اللاعب دون تصريح من الجيش..

وطفا اسم أحمد دياب على السطح عام 2020 بصفته رجل أعمال يترأس شركة الصعيد للصلب ويملك مؤسسة فيوتشر أوتوموتيف، وتم ترشيحه من قبل حزب “مستقبل وطن” القريب من الأجهزة الأمنية في انتخابات مجلس الشيوخ عن محافظة الجيزة..

وفي سبتمبر 2021، ظهر اسم دياب بشكل مفاجئ في عالم كرة القدم، إذ تأسست شركة “فيوتشر للاستثمار الرياضي” من قبل قيادات في حزب مستقبل وطن واستحوذت على نادي “كوكاكولا” الصاعد للدوري، وغيرت اسمه لنادي فيوتشر، وبات دياب مسؤولا نافذا بالنادي.

بعدها تحول دياب لرئاسة رابطة الأندية، وأهم شخص في منظومة الكرة في مصر..

وفي مداخلته مع برنامج “ام بي سي مصر”، أكد دياب أن النادي استصدر قرارا وزاريا لرفعت للسفر مع بعثة النادي إلى ليبيريا، وكان هذا القرار الوزاري ينتهي في 10 أكتوبر 2022، ثم استخرج إداري الفريق تصريح السفر للعب من إدارة التجنيد، وسافر فعلا.

وأضاف أنه في الخامس من أكتوبر تقدمت إدارة النادي بطلب لوزارة الشباب والرياضة بمد سفر رفعت لدولة الإمارات لنادي الوحدة، ومدد السفر إلى يناير التالي، مشيرا إلى أن تصريح السفر هذا يصلح لثلاثة أشهر.

وأشار إلى أن رفعت عاد بعد ذلك إلى مصر، وأعيد قيده بفيوتشر في يناير، وقد لعب له بالفعل حتى نهاية الموسم، مشيرا إلى أن سفره “كان بشكل قانوني”.

وقال: “نحن كنادي نقوم بإجراءاتنا مع وزارة الشباب والرياضة وبالفعل استصدرنا قرارين وزاريين، وأصبح موقفا النادي واللاعب قانونيين مئة في المئة، لكن ما حدث بعد ذلك كان بعد انتهاء مدة صلاحية القرار الوزاري”.

وأضاف: “صدر قراران وزاريان، لكن قد تكون هناك إجراءات أخرى مثل التصديقات من جهات أخرى، النادي لا يكون طرفا فيها، وليست في يده”.

وبالطبع هذه الجهات تعني القوات المسلحة.

-دور  الاعلام الرياضي:

ووفق الخبير الرياضي، محمد البنهاوي في حديثه مع موقع “الحرة”، فإن  الإعلام الرياضي في مصر  قد تحول جزء كبير منه للجان إلكترونية بعضها يدافع عن وزارة الرياضة، والبعض يدافع عن اتحاد الكرة، وآخرون يدافعون عن الرابطة مقابل أجور تدفع لهم، متناسين المشاكل الحقيقية للرياضة المصرية واللاعبين..

وقال: “كل هذا أبعد الإعلام عن دوره التوعوي والتنويري ومحاسبة المقصرين وهو ما جعلهم يواصلون فشلهم دون حساب..

-فشل المنظومة الرياضية:

ويرجع خبراء الرياضة ، الأزمة التي عانها اللاعب وغيره، إلى فشل المنظومة الكروية في مصر، والتي يصفونها  بأنها “فاشلة”، وأن من يديروا الكرة في مصر، سواء اتحاد الكرة أو الرابطة، أشخاص غير مؤهلين، لكنهم تولوا مناصبهم بسبب العلاقات وليس الكفاءة..

وعبر الناقد الرياضي الشهير علاء صادق، في فيديو، عن أمله أن تكون وفاة رفعت سببا في إصلاح منظومة الرياضة في مصر.

ونشر الكاتب الصحفي محمد بصل صورة لجدول الدوري في موسم 1998-1999، معلقا عليه “انظروا إلى الأندية وفكروا، هل كان من الممكن أن نرى واحد على مليون مما نراه اليوم من الجشع وتضارب المصالح واستغلال النفوذ. هذه هي أصل الحكاية. الكرة للجماهير أولا ولا يصح أن تكون محاصصة بين قطاعات وهيئات، والرياضة منافسة يجب أن تحميها العدالة وتكافؤ الفرص”.

خامسا: انتهاكات العسكر  لقواعد الرياضة عبر ورقة التجنيد:

-أزمة رفعت ليست الأولى:

وبتتبع مسار أزمات اللاعبين مع أندية الجيش، يتضح أن قصة رحيل رفعت، على مرارتها، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذا لم يتم إصلاح المنظومة الكروية بحسب خبراء الرياضة..

 إذ أن مسألة ضغط نادي طلائع الجيش، التابع للقوات المسلحة،  لانتقال لاعبين له، حتى قضاء فترة التجنيد، حالة متكررة جدا في مصر حدثت مع أكثر من لاعبين مثل عمرو جمال، وميدو جابر، ومحمد رزق وغيرهم، بل إن قائد المنتخب الحالي ، نجم نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح نفسه واجه مشكلة مشابهة بمسألة التجنيد في 2014 ، حين كان يلعب لتشلسي، ولم تحل سوى بتدخل رسمي من إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وقتها.

وايضا لاعب الزمالك أحمد توفيق الذي تم استدعاؤه للتجنيد بعد تهديد من رئيس نادي الزمالك السابق مرتضى منصور بعد توجيهه سيل من الإهانات للاعب على خلفية أدائه في إحدى المباريات، ليختفي اللاعب ويظهر بعدها بأيام في مقطع فيديو معتذرا لمرتضى منصور، وشاكرا له حله لمشكلة التجنيد..

-استعمال ورقة التجنيد لممارسة الضغوط على رفعت:

ووفق محمد رشوان محامي اللاعب الراحل، فقد بدأت أزمة اللاعب أحمد رفعت، حين سافر من ليبيريا إلى الإمارات دون الحصول على تصريح سفر من القوات المسلحة، باعتباره لا يزال جنديًا على ذمة القوات المسلحة..

وسافر رفعت، حسب رشوان، على وعد من أحمد دياب رئيس الشركة المالكة لنادي فيوتشر، بأنه سيحصل له على تصريح السفر من القوات المسلحة، فسافر رفعت للإمارات، بعدما أعاره فيوتشر إلى نادي الوحدة الإماراتي، مقابل 5.5 مليون درهم، أي ما يعادل 29 مليون جنيه..

مضيفا: استغل رفعت تصريح السفر الصادر له للعب مباراة فريقه مودرن فيوتشر ضد فريق كالون سيراليون بليبريا في السفر إلى الإمارات رغم أن “التصريح كان بالسفر لدولة ليبيريا فقط”، يوضح رشوان مستطردًا أن ذلك تم بعد حصول اللاعب على وعد من أحمد دياب باستخراج تصريح سفر من القوات المسلحة “مينفعش اللاعب يسافر من بره بره كده”، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة تمنح اللاعبين المجندين تصريحات سفر للمشاركة في المباريات الخارجية لدولة واحدة، ولمدة محددة.

و”مع غياب رفعت عن التجنيد حررت القوات المسلحة محضرًا بغيابه، ومحضرًا آخر بعد مرور 21 يومًا بهروبه من التجنيد”، وفق محامي رفعت..

وكشف المحامي أن رفعت حين عاد إلى القاهرة لاستكمال أوراقه الرسمية، قُبض عليه بمطار القاهرة في شهر يناير  2023، وقضى ما يزيد عن شهرين في السجن، خلال الفترة من يناير حتى مارس 2023.

-العودة القسرية من نادي الوحدة الاماراتي:

ووفق  المحامي،  فإن رفعت بعودته إلى مصر في ذلك الوقت، لم يكن قد أُكمل  مدة الإعارة لنادي الوحدة الإماراتي، التي كان من المتوقع أن تنتهي في أكتوبر 2023، إذ إنها بدأت في الشهر ذاته عام 2022 حسب موقع اليوم السابع.

وكانت رسالة شكر إلى رئيس نادي الوحدة الإماراتي الشيخ دياب بن زايد آخر ما ظهر على صفحة اللاعب أحمد رفعت الشخصية على إنستجرام يوم 1 فبراير 2023 ، على الأشهر الثلاث التي قضاها معارًا إلى نادي الوحدة.

بعدها اختفى رفعت خلال الأشهر التالية من على السوشيال ميديا، وهو ما يتطابق مع تصريحات محاميه حول الفترة التي كان بها في السجن، كما يُظهر موقع ترانسفير ماركت أن أحمد رفعت خلال موسم 2022 – 2023 لم يلعب مع فريقه مودرن فيوتشر إلا سبع مباريات فقط، بدأها بعدما عاد من الإمارات بأكثر من خمسة أشهر، وكانت المباراة الأولى له ضد النادي المصري يوم 28 يونيو 2023.

وبعد الإفراج عنه، تردد رفعت على ملعب مركز جهاز الرياضة العسكري “ملعب طلائع الجيش”، ليتدرب منفردًا، ويسجل حضوره، وفق تصريح لأحد لاعبي نادي طلائع الجيش ، وأكدته صورة نشرها على صفحته الشخصية على إنستجرام تظهره يجري تدريباته وحيدًا.

ويعتقد رشوان أنه كان على رفعت تسليم نفسه إلى وحدته العسكرية، ثم يطلب منها تصريحًا بالسفر للإمارات، ليتجنب الوقوع في مشاكل التهرب من التجنيد.

فيما ينفي متحدث وزارة الشباب والرياضة محمد الشاذلي صدور التصريح من وزارة الشباب والرياضة بسفر اللاعب إلى الإمارات، مؤكدًا في تصريحات صحفية، أن تصريح  السفر  يخص وزارة الشباب والرياضة، إلا في حالة المجند، فيكون تابعا للقوات المسلحة..

وبتبجح غير مستساغ،  حاول دياب اخلاء مسؤولية النادي عن القضية التي اتُهم بها اللاعب الراحل بخصوص التهرب من التجنيد، بقوله “إدارة النادي غير مسؤولة عن التعامل في المواقف القانونية خاصة أن خروجه من مصر جاء بشكل قانوني”، مستدركًا “لكن ما يحدث بعد ذلك ليس مسؤولية النادي”.!!!

ودفع دياب بأنه لم يتخلَ عن اللاعب بصفته رئيس رابطة الأندية “عملنا مذكرة قانونية بكل القرارات الوزارية وتم تقديمها للجهة المختصة لتسوية الوضع”.

الدفاع ذاته قاله وليد دعبس، رئيس نادي مودرن فيوتشر ، قبل استقالته، “الجميع قام بجهود كبيرة من أجل مساعدة رفعت وحل أزمته، والدليل أن اللاعب عُوقب بالحبس لمدة عام، لكن بعد تدخلات عديدة تم تخفيض المدة لشهرين فقط”.

-تهديدات وضغوط نفسية مورست ضد اللاعبرفعت:

ووفق تقديرات خبراء الرياضة، فإننا لا نحتاج للبحث كثيرًا في ملابسات وأسباب وفاة رفعت في تلك السن المبكرة، خاصة بعدما أفاق من غيبوبته الطويلة، واستعاد وعيه كاملًا لمدة تزيد عن 3 أشهر خرج خلالها على شاشة التلفزيون ليحكي بنفسه، حقيقة ما تعرض له من ضغوط… فقد تعرض لظروف قاسية للغاية، إذ أنه، حسب رواية وكيله، لم يستطع جمع أموال ذات قيمة من كرة القدم طوال مشواره، وتركز أمله الوحيد على فترة احترافه في الوحدة الإماراتي، ولكن هذا الحلم تبخر، بسبب عدم استخراج ناديه تصاريح التجنيد الخاصة باللاعب بشكل صحيح ليتمكن من السفر للاحتراف الخارجي…

وقد كان همّ إدارة نادي فيوتشر السابق، هو جني المقابل المادي من احتراف اللاعب ولم تهتم بما سيحدث له، ليفسخ الوحدة تعاقده سريعا معه، ويعو إلى مصر ليجد نفسه متهما بالتهرب من التجنيد، ليختفي عن الأنظار فترة طويلة قاربت 6 أشهر، وهو ما أدخله في حالة اكتئاب شديد وأثر على نفسيته..

 وكانت عدة بلاغات وجهت للنائب العام للتحقيق في وفاة  اللاعب، وأجمعت البلاغات على طلب استدعاء كل من هيثم عرابي المدير التنفيذي لنادي مودرن سبورت، ونادر شوقي وكيل اللاعبين، من النيابة العامة لسماع أقوالهما حول الواقعة، كونهما كانا شاهدي عيان عليها، ثم توجيه اتهام مباشر بارتكاب جريمة أفضت إلى موت شخص وأنهت حياته، لكل من يثبت أنه تورط في الواقعة التي نتج عنها مضاعفات الأزمة القلبية التي تعرض لها على أرض الملعب.

وتضمّنت البلاغات أن اللاعب أحمد رفعت تعرّض للتهديد والوعيد وضغوط نفسية شديدة، من خلال تهديده بحكم السجن ستة أشهر في قضية “الهروب من التجنيد” إذا لم يستجب للانضمام إلى نادي طلائع الجيش، وتم الضغط عليه نفسياً وإرهابه، ما سبّب له أزمة صحية.

فيما طالب نادر شوقي وكيل ومدير أعمال اللاعب بمحاسبة أحمد دياب، رئيس رابطة الأندية المحترفة ورئيس نادي مودرن سبورت السابق، وأي مسؤول سبّب الأزمة الصحية التي تعرّض لها رفعت..

وقال نادر شوقي في تصريحات متلفزة: “بداية مشكلة أحمد رفعت كانت عندما أعير إلى نادي الوحدة الإماراتي ليخوض تجربة الإعارة، ولكن لم يكن يحق لأحمد رفعت وقتها الخروج بسبب تجنيده في القوات المسلحة المصرية، وقيل له إن التصاريح جرى استخراجها بالفعل، ولهذا سافر، وتألق في أول شهرين ثم تراجع مستواه بعد معرفته بالأزمة ولم يستكمل العقد لنهايته، وفسخ نادي الوحدة عقده لعدم التركيز”.

وتكاد الاتهامات تتمحور حول أحمد ديب، كونه سهل سفر اللاعب بطرق ملتوية للاحتراف، بالوحدة الاماراتي، مقابل خصوله والنادي على  العائد المالي واعدا بحل أزمة اللاعب مع التجنيد، وهو ما كان يبدو أنه في طريقه لتمرير الأزمة، إلا أن مطامع أحمد دياب ونادي مودرن سبورت، قوبلت بمطامع أكبر من قبل الجيش، بضم اللاعب عنوة إلى طلائع الجيش، ثم بيعه او اعارته لاحقا، للحصول  على الأموال والعائد الكبير لصالح اللواءات بجهاز الرياضة العسكري، ونادي طلائع الجيش…وهو لب الأزمة، التي أفضت لضغوط عصبية  شديدة على  اللاعب، انتهت بموته…

سادسا:  العسكرة من السياسة والاقتصاد إلى الرياضة:

وتعبر أزمة الراحل أحمد رفعت عن مأساة أكبر تعيشها مصر، وتهدد بموت كل شيء حي بابلد، كما مات رفعن..

فقد تسببت عسكرة الحياة السياسية في مصر إلى موت السياسة، وتعطل الحياة الحزبية والعمل المدني والأهلي بمصر، والذي صار تحت التأميم العسكري الشديد،  كما أفضت سياسات دس أنف العساكر في الاقتصاد والشركات إلى أزمات اقتصادية كبيرة،  يدفع ثمنا المصريون، كالديون المتراكمة وفوائدها، وانقطاع الكهرباء وغلاء الاسعار وشح العملة ونقص الأدوية وتعطل المصانع وتوقفها عن الانتاج..وهو ما يقود أيضا إلى هلاك مجتمعي شامل وموت محقق..

ووفق دوائر رياضية، فإن قصة رحيل رفعت، على مرارتها، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذا لم يتم إصلاح المنظومة الكروية ، اذ أن مسألة ضغط نادي طلائع الجيش التابع للقوات المسلحة لانتقال لاعبين له، حتى قضاء فترة التجنيد، حالة متكررة جدا في مصر حدثت مع أكثر من لاعبين مثل عمرو جمال، وميدو جابر، ومحمد رزق وغيرهم، بل إن قائد المنتخب الحالي، نجم نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح نفسه واجه مشكلة مشابهة بمسألة التجنيد في 2014 حين كان يلعب لتشلسي، لم تحل سوى بتدخل رسمي من إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وقتها.

أ-عسكرة الحياة العامة:

وامتدت سياسات العسكرة لجميع مناحي الحياة المدنية،  من الوظائف الحكومية ، التي بات على من يريد الانتساب إليها اجتياز دورة عسكرية بوزارة الدفاع، سسواء قضاة او دبلوماسيين او معلمين وموظفي نقل عام وغيرهم…

وبات الجيش في مصر مسؤولاً عن تدريب واختبار أي متقدمين للوظائف العامة في الجهاز الإداري، وإخضاعهم لدورات في الأكاديمية العسكرية بناءً على تعليمات مباشرة من السيسي، وذلك للتأكد من ميولهم السياسية تجاه السلطة الحاكمة، ومنع تسرب أي معارضين لها في جهاز الدولة.

وصدق السيسي في عام 2021 على تعديل قانون الفصل بغير الطريق التأديبي رقم 10 لسنة 1972، القاضي بفصل أي موظف في الجهاز الإداري للدولة يَثبُت انتماؤه إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، في مخالفة صريحة لأحكام الدستور الذي نص على “عدم التمييز بين المواطنين أمام القانون بسبب الانتماء السياسي أو لأي سبب آخر”.

وكان نواب في البرلمان قد تقدموا بأسئلة إلى الحكومة بشأن استبعاد أصحاب الوزن الزائد، والنساء الحوامل واللواتي أنجبنَ حديثاً، من اختبارات الأكاديمية العسكرية للمعلمين الجدد، بغضّ النظر عن اجتيازهم الاختبارات التربوية والتعليمية لشغل الوظيفة.

وهو ما تكرر مؤخرا مع  أعضاء النيابة الجدد ومساعدي مجلس الدولة، رغم صدور قرار جمهوري بتعيينهم، إلا انهم فشلوا في اجتياز الدورة العسكرية بالاكاديمية العسكرية، المقرر لها 6 أشهر…

وصولا للسيطرة العسكرية على وسائل الاعلام المختلفة، التي باتت تحت سيطرة المخابرات، عبر الشركة المتحدة للخدمات الاعلامية،  تجاوزا إلى النوادي الرياضية، والتي باتت لها حضور واسع في الشاطات الرياضية المختلفة، كفرق الداخلية واتحاد الشرطة وطلائع الجيش وحرس الحدود والانتاج الحربي…وغيرها التي باتت مشاركة في دوريات كرة القدم والألعاب الأخرى..

يشار إلى أن المؤسّسة العسكرية لعبت دورا قياديا منذ يوليو1952 بقيادة جمال عبد الناصر، إلا أنه، بعد عام 1956، كان هناك فصل إلى حد كبير بين الجيش والعمل السياسي، انتهى بالصدام مع وزير الحربية عبد الحكيم عامر بسبب هزيمة يونيو 67، كما أن تولي ضباط الجيش مواقع سياسية أو تنفيذية ظل استثناء في حقبة حسني مبارك، ولم يتجاوز رئاسة المدن والأحياء ومجالس إدارات الشركات المختلفة. واستمر تراجع دور الجيش في الحياة السياسية وقتها في إطار إيجاد توازن بين النظام، والمؤسّسة العسكرية، والأجهزة الأمنية، الذي اتبعه نظام مبارك. وكان هناك دور قوي للحزب الوطني في مفاصل ووزارات للدولة، وتعاظم دور رجال الأعمال وجمال مبارك، وهو ما دعم سيناريو التوريث فيما بعد، والذي واجهته المؤسّسة العسكرية بكل ثقلها. واستعان أنور السادات ومبارك بعسكريين في تولى إدارة المحافظات الحدودية وبعض الوزارات، وبدأ الدور الاقتصادي للمؤسّسة العسكرية بشكل محدود في الثمانينات بإنشاء جهاز الخدمة الوطنية في مشاريع تتعلق بتوفير بعض السلع للغذائية للجيش، ثم للمدنيين بأسعار محدودة، وامتد بعد ذلك لصناعة الأجهزة الكهربائية وغيرها.

ومع قدوم السيسي، تصاعد هذا الاتجاه بشكل لافت في أكثر من اتجاه أهمها: صدور القوانين التي تدعم دور العسكريين، وتعطيهم مميزات مختلفة منها زيادة معاشاتهم وإنشاء صندوق جديد لتوفير الخدمات الطبية والاجتماعية للقضاة العسكريين، وإعطاء مميزات مادية متصاعدة لأسر شهداء الشرطة والجيش في “الحرب ضد الإرهاب”. تصعيد القيادات العسكرية لمناصب وزارية لم يكن لهم وجود فيها مثل وزارتي النقل والتنمية المحلية وزيادة حصتهم في تولى مناصب المحافظين لدرجة باتوا اغلبية في تشكيلاتها. كما عين مستشار عسكري في كل محافظة، يمتلك الكلمة الأخيرة فيها على حساب صلاحيات المحافظ. حيث أعطي الحق في عقد الاجتماعات مع قيادات المحافظة في الأحوال التي يرى فيها لزوم ذلك. ومن جهة أخرى، يكاد لا يتخذ أي قرار في شؤون الوزارات المختلفة، إلا بحضور ممثلي المؤسّسة وبشكل خاص قيادات الهيئة الهندسية التي تعاظم دورها في الفترة الأخيرة في مقابل تهميش الوزراء المدنيين، حتى في شؤون وزارتهم.

ويمكن القول إن هناك حكومة موازية في مصر تتمثل في رؤساء الهيئات التابعة للجيش والهيئات الأخرى التي يديرها ضباط حاليون أو سابقون، وتضع الأجندة الأساسية في الصحة والدواء والتعليم والاقتصاد والصناعة والإعلام، وكل المشاريع الكبرى التي يجري إقرارها. وعملياً، لا يقوم الوزراء في مصر الا بدور يشبه دور السكرتاريا، وتصوغ مؤسسة الرئاسة التوجهات الرئيسية بالتعاون مع مستشاري الرئيس، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الرئيسية.

من جهة أخرى، تم منح القوات المسلحة امتياز السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في المحافظات، وقبلها وضعت الشركات التابعة للجيش يدها على أراض شاسعة. كما توسّعت المؤسّسة في مجالات الزراعة، والفنادق وبناء المنتجعات والإسكان، بالإضافة إلى السيطرة على البحيرات والصيد فيها.

كما جرى التوسّع في اختصاص القضاء العسكري بمد اختصاصه إلى كل الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية

وإلى ما سبق، صدر قرار جمهوري بحصول طالب خرّيج الكليات العسكرية على درجات مماثلة للبكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية، والحاسبات والمعلومات، وإدارة أعمال النقل واللوجيستيات، وهو ما يعطي أولوية لضباط الجيش المتقاعدين للتعيين في الوظائف العليا باعتبارهم من أهل الثقة والولاء للنظام. وجرى التوسّع في اختصاص القضاء العسكري بمد اختصاصه إلى كل الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية، واعتبارًا من أكتوبر 2021. وتصاعد الدور الذي يلعبه وزير النقل الفريق كامل الوزير وتصريحاته بإحالة مرتكبي الجرائم على الطرق إلى المحاكمة العسكرية، وسابقا إحالته 11 من قيادات وزارته إلى النيابة العسكرية بتهم سرقة وفساد، وصدرت أحكام على بعضهم بالسجن.

ومن حق الرئيس تعيين المسؤولين في المناصب القيادية، بموجب قانون الخدمة المدنية، ما يسمح له بتعيين مزيد من الضباط السابقين في مناصب مدنية رفيعة في الحكومة والقطاع العام، حال إحالتهم على المعاش، حيث سيحظون براتب مدني جديد إضافة إلى راتبهم التقاعدي العالي. وظهر هذا النهج بوضوح في التعديلات الدستورية التي أقرّت في 2019، وأكّدت وصاية الجيش على الدولة المدنية، وعلى وضع المؤسّسة العسكرية المتميز عن باقي الوزارات، خصوصا في تعيين وزيرها، وإضافة مهمة جديدة لها بـ “صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيّتها”، الأمر الذي يعطي دورا أساسيا لها كمؤثر رئيسي في منظومة الحكم والسياسة، وعدم الاقتصار على مهام ضمان سلامة البلاد وأمنها.

وخلال الأيام الماضية، حضر عبد الفتاح السيسي جزءا من الاختبارات النهائية في الدورة لمتقدّمات أمام لجنة معظمها من الجنرالات.

يُقر هذا الأسلوب بفشل (أو تقصير) الجامعات المدنية التي مهمّتها الأساسية إعداد الكفاءات البشرية التي يحتاجها المجتمع بقطاعاته المختلفة، كما أنه يخترق الدستور والقوانين المنظّمة لشغل الوظائف العامة، والتي تنص على معايير محدّدة في التعيين، مثل الكفاءة والجدارة وتكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين. وبالتالي، لا تتضمّن هذه القوانين شروطا مثل اجتياز امتحان شفوي أو مقابلة أمام لجنة من العسكريين، ولا اجتياز دورة تدريبية تنظمها مؤسسة أمنية، وتشمل تدريبات بدنية. وبالطبع، لا تتضمن أن الترشيح ذاته لهذه الدورات يتم باختيار السلطة.

هذا الأسلوب جزء من ظاهرة أكبر هي عسكرة المجتمع. وبموجبه، يستخدم الحاكم الأوحد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية واعتماد سياسة التلقين المذهبي للتأثير في قيم الناس وسلوكياتهم لتحقيق هدفين معا: ضمان استمرار النظام ذاته عبر إيجاد طبقة من الشعب (نخب وموظفون وعمال) موالية للنظام ومعتمدة عليه. وتوريط المؤسّسات العسكرية والأمنية في الصراع السياسي الذي يقودُه النظام ضد معارضيه أو خصومه، ومن ثم ضمان ولائها وجعْل بقاء النظام مصلحة لهذه المؤسّسات. لا يكتفي هذا النمط من الحكم بالسيطرة على المؤسّسات الأمنية والعسكرية فقط، وإنما أيضا يُقحمُها طرفا في الصراع السياسي.

ب-مظاهر عسكرة الرياضة:

-عسكرة تعيينات روؤساء الاندية والاتحادات الرياضية:

 وبالرجوع إلى سجلات رئاسة الأندية المصرية، تجد أنه لا يخلو نادٍ مصري من رئاسة أحد العسكريين في فترة من الفترات، لتنعدم الخبرات الرياضية، والإدارة الحقيقية في فترات عاشتها معظم الأندية المصرية.

الفريق عبد المحسن كامل مرتجي ترأس النادي الأهلي بعد تقاعده في الفترة من 1967 حتى 1965، ومن 1971 حتى 1980، وكانت كل مؤهلاته التي قادته لمنصب رئيس النادي الأهلي، أنه كان قائدًا للجيش المصري في حرب اليمن 1964، وقائد جبهة سيناء في نكسة 1967، ويستمر ذلك المسلسل مع كامل ليصبح ابنه خالد مرتجي عضو مجلس إدارة الأهلي وعضو لجنة الأندية بالفيفا.

أما النادي الإسماعيلي فيرأسه منذ 2012 حتى 215 وما بعدها،  العميد محمد أبو السعود، بالإضافة إلى أنه قد ترأس النادي في فترة من فتراته اللواء فاروق حمدان.

كما يدخل العسكريون في هيكلة اتحاد كرة القدم المصري لكرة القدم، فشغل اللواء نايف عبد العزيز عزت منصب رئيس لجنة المسابقات، والعقيد ثروت سويلم، واللواء وصفي الدين بسيوني، عضوية اللجنة، واللواء محمد عبد المقصود، المستشار القانوني للجنة.

كذلك تولى اللواء مدحت شلبي، منصب مدير إدارة الإعلام باتحاد الكرة المصري، وهو أحد الضباط بالشرطة، وبسبب فشله كضابط شرطة توجه إلى التعليق على مباريات كرة القدم، الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، وشغل اللواء أحمـد بدوي مصطفى، هو الآخر منصب سكرتير لجنة الحكام باتحاد الكرة.

وفي 2020، أعلن اللواء مجدي اللوزي رئيس جهاز الرياضة الأسبق بالقوات المسلحة، نيته الترشح لرئاسة الاتحاد المصري لكرة القدم،  ولم تكن نية “اللوزى” وليدة صدفة، إذ دعا فاروق جعفر، لاعب الزمالك ومدرب المنتخب سابقا، انذاك، إلى تولي ضابط في الجيش مسؤولية قيادة اتحاد كرة القدم بعد خروج المنتخب من بطولة الأمم الإفريقية التي استضافتها مصر 2018..

ولم يكن “اللوزى” هو الأول الذي يمكن أن يتولى رئاسة الاتحاد؛ إذ سبقه العقيد سمير زاهر حيث كان يشغل منصب رئيس اتحاد الكرة. وتخرج “زاهر” من كلية فيكتوريا بالمعادي ثم حصل على بكالوريوس علوم عسكرية. كان عقيدا في القوات المسلحة المصرية وأحد المشاركين في حرب أكتوبر. وقبله كان اللواء يوسف الدهشوري حرب، الذي تم تعيينه كرئيس لاتحاد الكرة ما بين عام 1999 وحتى 2004 ،والتى شهدت خلالها عددا من القضايا بين فرق كرة القدم المصرية،الأمر الذى دفع  الفيفا لحل المجلس بتوصية من وزارة الشباب والرياضة التى كان يديرها حسن صقر.

وفي أغسطس 2023، كان قد أثار تعيين وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي اللواء حسن موسى قائد قطاع الأمن المركزي الأسبق ومسؤول جريمة فض اعتصام رابعة العدوية، رئيسا مؤقتا لنادي الزمالك ردود أفعال متباينة، وذلك بعد يومين من تقديم مجلس إدارة النادي استقالته وصدور حكم بحبس رئيس النادي المعزول مرتضى منصور 6 أشهر نافذة في واقعة التعدي على موظفة بالجهاز المركزي للمحاسبات.

ومنذ  عهد ما قبل ثورةة 1952، لم يتغيب الضباط الكبار بالجيش والشرطة عن إدارة الكرة، حيث تولى محمد حيدر باشا، وزير الحربية في عهد الملك فاروق، وهو فريق سابق بالقوات المسلحة، رئاسة اتحاد الكرة من عام 1937 وحتى 1947 كما ترأس نادي فاروق (الزمالك حاليا). وعقب يوليو 1952 نصب وزير الدفاع المشير عبد الحكيم عامر  ابن أخت حيدر باشا نفسه رئيسا لمجلس إدارة اتحاد الكرة عام 1958 وتولى أخوه حسن عامر حينها رئاسة الزمالك.

كما تولى رئاسة الاتحاد اللواء مصطفى علواني “الكسار” عام 1981، والعميد إبراهيم الجويني عام 1988، قبل أن تنتقل الهيمنة إلى لواءات الشرطة، وتولى اللواء الدهشوري حرب رئاسة اتحاد الكرة أعوام 1992 و1993 و1999 و2000.

وقبل سنوات، ، قرر مجلس إدارة نادي الأهلي تعيين اللواء شيرين شمس مديرا تنفيذيا للنادي، وهو من أبرز الأسماء التي شغلت هذا المنصب على مدار سنوات طويلة في العديد من الأندية الكبرى عقب خروجه على المعاش من وزارة الداخلية.

-امتلاك الجيش  لاستادات عديدة دون الفرق الرياضية الكبيرة:

ووفق دراسات رياضية، فإنه حتى العام 2015،  بشكل مؤكد يمتلك الجيش ثمانية ملاعب على الأقل، وهي كالتالي:

ستاد برج العرب/الجيش المصري “دولي أوليمبي” سعة 86 ألف متفرج.

ستاد المكس بالاسكندرية “ملعب حرس الحدود” سعة 25 ألف متفرج.

ستاد السلام بمدينة السلام “ملعب الانتاج الحربي” 30 ألف متفرج.

ستاد الكلية الحربية بمصر الجديدة “ملعب طلائع الجيش” 29 ألف متفرج.

ستاد السويس الجديد بالسويس”مبارك العسكري سابقًا” 45 ألف متفرج.

ستاد عجرود بالسويس الذي خُصّص لمباريات النادي المصري الموسم السابق وسعة مدرجاته غير معروفة لكنه يشبه في حجمه وتصميمه ملاعب المنصورة ودمنهور مايعني ان سعة مدرجاته تُقدّر بـ15 ألف متفرج.

ستاد جهاز الرياضة العسكري بمنشية البكري سعة 29 ألف متفرج.

ستاد الدفاع الجوي  بالتجمع الخامس 30 ألف متفرج….

وذلك في الوقت الذي لا تمتلك فيه الأندية العامة والجماهيرية ملعبًا واحداً للتباري عليه وخوض المنافسات الرسمية، فالأهلي النادي الأكبر في مصر لا يمتلك شبرًا في أرض الجزيرة، ويتخذها بغرض الانتفاع مقابل الايجار من محافظة القاهرة منذ أربعينيات القرن المنصرم. غير أن الملعب الرئيسي للفريق الأول، ملعب مختار التتش، ليس به إلا مدرج واحد، ويستخدمه الفريق في التدريبات والمباريات الودية المحلية فقط، ولا يجوز اللعب عليه رسميًا. ومن حين لآخر تتصاعد الأزمات بين المحافظة والنادي بسبب الديون المتراكمة التي بلغت 17 مليون جنيه، مادفع المحافظة للحجز على أموال النادي بجميع البنوك، نهاية العام الماضي . كانت المحافظة قد اكتشفت في عام 2008 أن العقد المبرم بينها وبين النادي عام 1949 قد انتهى عام 1965، ولم يدفع الأهلي مليماً من وقتها للدولة، فتمت تسوية الأمر بتشكيل لجنة لتقدير قطعة الأرض التي بلغت مساحتها 18.5 فدان وانتهت بأن يدفع النادي الإيجار المتأخر منذ عام 1965 بقيمة جنيه واحد عن المتر الواحد في العام، وإبرام عقد جديد يرفع قيمة المتر الواحد إلى 10 جنيهات في العام، باتفاق يمتد إلى سنة 2018.

الوضع لا يختلف كثيرًا عند نادي الزمالك. على الرغم من كونه يمتلك جزءًا كبيرًا من مساحة أرض ميت عقبة تقدر بثلثي المساحة، إلا أن الجزء الذي يقع به ملعب حلمي زامورا مازال يتبع أوقاف الدولة وينتفع به الزمالك مقابل الايجار، وهو الجزء الذي أثير الجدل حول ملكيته وإقامة مول تجاري عليه في الآونة الأخيرة. وبغض النظر عن المِلكية، فالملعب نفسه لا يصلح للاستخدام الآدمي خاصةً وأن مدرجاته آيلة للسقوط، وقد سبق وأن سقط جزء منها في مباراة الفريق أمام نادي دوكلابراج التشيكي عام 1974 وتسبب ذلك في وفاة 48 مشجع، ومن وقتها والفريق ممنوع من اللعب عليه رسميًا ولا يؤدي إلا التدريبات والمباريات الودية المحلية أيضًا كغريمه التقليدي. فضلًا عن عدم صلاحية بناء المدرجات مرة أخرى لكون الملعب في وسط منطقة سكنية كثيفة، وهو ما يتنافى مع اشتراطات الفيفا الجديدة في الملاعب ذات المدرجات، بوجوب توافر مساحات حولها تتحمل الاقبال الجماهيري واماكن لوقوف السيارات وشوارع رئيسية، وطبيعة المنطقة ومساحتها لا يسمحان بذلك، مايعني ان ملعب زامورا سيظل ملعب فرعي للأبد، حاله حال ملاعب الناشئين.

يظل الفريقين الاكبر في مصر بلا ملعب رسمي، ويخوضا مبارياتهما الرسمية على ملاعب ستاد القاهرة والدفاع الجوي.

الأمر أسوأ مع أندية المحافظات والاقاليم، فأندية الإسماعيلي والمصري والاتحاد والمنصورة ودمنهور ودمياط ومنتخب السويس والشرقية وغيرها من الأندية الشعبية “المظلومة”، ليست لديهم ملاعب رسمية، إنما هي ملاعب الدولة التي تتبع مديريات الشباب والرياضة بالمحافظات، وتؤجرها تلك الأندية بنظام المباراة والتمرينة أو السنة، والحقيقة أن أغلبهم يلعب مجاناً عليها بنظام الإسناد كما هو الحال مع الاسماعيلي مثلاً. لكن سيأتي الوقت الذي ستقول لهم الدولة “اخرجوا من داري” لأسباب عدة منها الهدم أو إعادة التخصيص لأغراض أخرى أو لرغبة مجالس إدارات تلك الستادات في الانتفاع بالملاعب لفرقهم الموجودة بالفعل، حيث ان كل ستاد يكون به مركز شباب لا علاقة له بتلك الأندية. ومن يعلم، ربما تدخل هذه الملاعب في سوق خصخصة الدولة مثل مصانع وشركات القطاع العام.

وفي فبراير 2015، كشف العقيد مؤنس أبو عوف – نائب رئيس جهاز الرياضة العسكري – للبديل، أن

 المؤسسة العسكرية المصرية تمتلك 310  منشأة رياضية مطابقة للمواصفات الدولية..

يشار إلى أن الأندية في 2013 كانت تؤجر هذه الملاعب بمبالغ أقلّها 40 ألف جنيه للمباراة الواحدة “باعتبار أنها بدون جمهور” يتحملها الفريق المستضيف، وهو ما دفع كمال درويش رئيس الزمالك السابق ورئيس لجنة الأندية وقتذاك، إلى مخاطبة الجهات الأمنية للموافقة على إقامة مباريات كل نادٍ في ملعب المحافظة التابع لها، توفيراً للنفقات في ظل الأزمات المالية التي تضرب كل الأندية الشعبية. من جانبها اشترطت الجهات الأمنية انطلاق مسابقة الدوري بإقامة كل مباريات البطولة على 5 ملاعب فقط، كلها من أصل الثمانية المملوكة للقوات المسلحة، في محاولة لتشغيل ملاعب الجيش المهجورة التي لم تشهد سوى مباريات معدودة من قبل، فستاد السويس الجديد لم تقم عليه مباريات سوى اثنتين أو ثلاثة عندما استضافت مصر كأس العالم للناشئين 2009 وهو مغلق من وقتها، وستاد برج العرب لم تُلعَب عليه سوى مباريات قليلة للمنتخب لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ولا تقام عليه مباراة أندية إلا في ظروف طارئة.

-التحايل على لوائح الاتحادات الرياضية:

ويمتلك الجيش عدة أندية، منها،  طلائع الجيش وحرس الحدود، والانتاج الحربي، ولوزارة الداخلية أندية اتحاد الشرطة والداخلية…

ورغم أن الفقرة الثانية من المادة 18 في لائحة النظام الأساسي للاتحاد الدولي لتنظيم المسابقات تنُص على عدم احقية اي مؤسسة في امتلاك اكثر من نادٍ في دوري واحد ، إلا ان اتحاد الكرة يتغاضى عن تطبيقها مرضاةً لأجهزة الدولة التي لديها عدة أندية ، كانبي والاتصالات والمقاصة  والكهرباء والمياه وشركات السماد والغزل وسكك حديد مصر.. وهو ما عطّل اصدار قانون الرياضة الجديد اكثر من مرة، لان مصير تلك الأندية سيكون الدمج في أفضل الأحوال إن لم يكن الإلغاء. وهذا لا يرضي المسئولين …

اذ ان كثير من تلك الاندية مصدر ثراء للمسئولين..

– اعتماد التزييف بتشكيل المنتخب العسكري لتحقيق بطولات:

ولا يقتصر تحايل جهاز الرياضة العسكري على لوائح الاتحاد الدولي أو استغلال المجندين سواء للتشجيع أو اللعب لأنديتها فقط، بل ان الأمر يمتد إلى المنتخب العسكري لكرة القدم أيضاً.

فالمسابقات العسكرية بهدف نشر السلام بين الجيوش في مواقع أفضل من ساحات الحرب والتقاء المجندين في حالات السِلم لا الخصام، ولا تهدف مُطلقًا للتنافسية ولا الجماهيرية ولا أي شيء آخر سوى السلام ومشر روح الوِد لا العداء.

لكن الجيش المصري له رأي آخر، فبنفس المنطق الذي يستغل به حالة لاعبي الأندية الشعبية من التجنيد، يُكوّن منتخب عسكري قوامه من المنتخب الوطني العام ومن المدنيين – على ذمة التجنيد – قادر على حصد البطولات القارية، سواء على مستوى القارة السمراء أو العالم بأكمله، فالمنتخب المصري يحتل المركز الثالث عالمياً في تحقيق المونديال العسكري برصيد 5 بطولات، وثلاث مرات وصافة ومثلهم مركز ثالث.

لعب المنتخب العسكري دوماً بلاعبي الأهلي والزمالك أمثال عصام الحضري وعبد الحليم علي وأبو تريكة وشيكابالا ومحمد عبد الوهاب وعبد الحميد بسيوني  ومحمد عبد الشافي، وغيرهم من لاعبو الناديين وباقي فرق الدوري الممتاز. في الوقت الذي تدخل به باقي منتخبات البطولة بلاعبون مجندون هواة، لم يمارسوا كرة القدم في أندية محترفة من قبل ولم يُنتقوا من أندية في بلدانهم.

-ارغام اللاعبين على الانضمام للأندية العسكرية:

ومع سيطرة العقلية العسكرية  على مفاصل مصر، صار التجنيد ورقة اخضاع للاعبين، لأوامر ال1باط، سواء بتوجيه انتقالات اللاعبين أو احترافهم أو لعبهم حصريا لفرق الجيش…وخاصة نادي طلائع الجيش…

ويكاد  أغلب اللاعبين الموهبين في مصر، قد مروا بأزمة التجنيدوالمضايفات العسطرية، بشكل او باخر، ومن ضمنهم، لاعب نادي الزمالك  ولاعب المقاصة  الستبق ، أيمن حفني، وكان محط أنظار جماهير فريقي القمة ومحل اهتمام مسئولي الصفقات في الناديين بشغف، وبدأ الشجار عليه والتفاوض مع فريقه لشراءه. إلا أن نادي طلائع الجيش كان له رأي آخر، فقد استغل مسئوليه عدم تأدية حفني للخدمة العسكرية بعدما أوقفته شرطة مطار القاهرة عندما كان مع بعثة المنتخب الوطني في اتجاههم للعب مبارة ودية مع قطر، منعوه من السفر وتمت احالته للشرطة العسكرية، وانتهى به الحال معاراً بلا مقابل من فريق المقاصة لفريق طلائع الجيش، ليقضي فترة تجنيده لاعباً.

الأمر ذاته تكرر مع نجم منتخب مصر عبد الستار صبري، فبعد أن عاد في 2004 من رحلة احتراف ناجحة مع عدد من الأندية الاوروبية أشهرها بنفيكا البرتغالي، وما لبس أن مضى عقده للتوّ مع انبي الصاعد حديثًا للدوري الممتاز  وقتها، ، حتى تفاجيء بأنه مطلوب لآداء الخدمة العسكرية، وانتهى به الحال لاعباً في صفوف طلائع الجيش أيضاً.

وشيكابالا هو اللاعب الأشهر مع المشاكل التي تتعلق بالتجنيد، اللاعب الذي احترف وعمره 17 ربيعاً في باوك اليوناني، هبط إلى مصر لينهي اجراءات انتقاله لايندهوفن الهولندي، وتفاجأ أنه مطلوب لتأدية الخدمة العسكرية أيضاً، ما دفعه إلى الهرب والاختفاء داخل مصر بعد أن علم أنه سيلاقي مصير اللعب لطلائع الجيش وستنتهي موهبته وينطفأ نجمه، وسارع مسئولي نادي الزمالك للحفاظ على شيكابالا  حتى انتهت مشكلته بحل يرضي الطرفين، ألا يخرج شيكابالا من مصر وفي المقابل يلعب للزمالك.

لم تنتهي مشكلة شيكابالا مع التجنيد عند هذا الحد، ففي سبتمبر 2013 وأثناء عودة فريق الزمالك من الغردقة بعد أن لعبوا مباراة على ملعب الجونة، تشاجر شيكابالا مع أحد الأشخاص في المطار، ليتضح بعد ذلك أن هذا الشخص ضابط بالقوات المسلحة، وهُنا تم إجباره بالتنازل عن البلاغ الذي قدمه منعًا لمعاودة مشكلة التجنيد، لينتهي الموضوع بالتصالح.

وعلى مايبدو ان المسئولين بإدارة التجنيد والتعبئة بالجيش المصري مُصرّون على رؤية اللاعب من حين لآخر وأن “يردوا له القلم عشرة”، فقد أوقفوه في مطار برج العرب للمرة الثالثة في العام الماضي وهو في اتجاهه للبرتغال مع ناديه الجديد سبورتينج لشبونة، بعد أن انتهى من لقاء ودي جمع فريقه مع الاتحاد السكندري في الاحتفال بمئوية الأخير. وأصرّوا على عدم مغادرة اللاعب واصطحبته الشرطة العسكرية، لتعود بعثة الفريق البرتغالي ناقصة فرد، وتتأجج الخلافات بينه وبين النادي من وقتها للآن.

ونفس المشاكل تكررت مع النجم  محمد زيدان وعمرو زكي ومحمد صلاح، بالإضافة  إلى لاعبين محليين كثر…

وفي 2018، نجحت سلطات العسكر  في مساومة أحمد سامي لاعب نادي مصر المقاصة، وإجباره على اللعب لمدة موسمين في نادي طلائع الجيش على سبيل الإعارة، وخلال فترة الانتقالات الصيفية اتذاك،  كان سامي على رادار الأهلي قبل تمكن العسكر في خطفه، وقام اللاعب بالتوقيع بحضور العميد أحمد المهدي مدير الكرة بنادي الطلائع، واللواء محمد عبد السلام رئيس المقاصة ومحمد شيحة وكيل اللاعب.

ولم يتوقف الأمر حتى وصل إل اللاعب أحمد رفعت..

انشاء شركة استادات القابضة:

كما أن التحركات التي بدأت مبكرا، للسيطرة العسكرية على الرياضة وخاصة كرة القدم، توجت مؤخرا، بتحركات متسارعة نحو البزنس العسكري في القطاع الرياضي؛ حيث قررت سلطات العسكر امتلاك الرياضة المصرية من بابها، ونقل ملكيتها إلى السيسي ودائرته المقربة.

وقبل سنوات، قامت شركة “استادات” المملوكة لجهاز المخابرات بتوقيع عقد مع النادي الأهلي يقضي بأحقية الشركة في رعاية النادي لفترة غير محددة المدة، وبمقابل يقل بأكثر من النصف عن عقد الرعاية السابق للأهلي، وهو عقد يضمن للشركة الراعية احتكار تسويق اسم الأهلي وكل ما يتعلق به من وسائل إعلامية مثل القناة التليفزيونية والمجلة الورقية والموقع الإلكتروني، وكل وأي شيء يمكن أن يحمل اسم الأهلي..

وبعد تلك الخطوة، جرى تعميم الاستحواذ العسكري على أكثر من ناد حتى تتمكن الشركة المخابراتية من الاستحواذ على كافة الحقوق التسويقية لكل الأندية المصرية. فتم التعاقد مع أكثر من ناد آخر، وعلى الرغم من الشروط المجحفة التي تتضمنها عقود الرعاية بين الشركة والأندية، إلا أن الأندية ترضخ للتوقيع حفاظا على المصدر الأهم والعائد الأكبر لديها، وهو حقوق الرعاية، بجانب عدم اغضاب العسكر المتحكمين في كل شيء بمصر..

وبالرغم من أن هذه العقود التي وقعتها الشركة المخابراتية مع الأندية المصرية حققت لها مكاسب مالية ضخمة تقدر بملايين الجنيهات وربما مليارات، إلا أن هذا لم يملأ عين العسكر أو يشبع نهمه نحو احتكار كل الأنشطة التي تدر دخلا ماليا بمصر، بحسب الخبير والمحلل الرياضي، أحمد سعد..

ثم تبع شركة استادات، مجموعة العرجاني، التي استحوذت على حق رعاية النادي الاهلي، وهي مجموعة اقتصادية تابعة لرجل الاعمال ابراهيم العرجاني، المقرب من المخابرات وأسرة السيسي..

يشار إلى أن شركة “استادات” التي نشأت في 2018، تنفق أموالا على مشاريع الاستحواذ التي تمارسه، بقدر ما تستغل امتيازاتها وعلاقات العسكر في نيل الصفقات وترسية المناقصات، مثلما حدث مؤخرا مع استاد بورسعيد، الذي قررت وزارة الشباب الرياضة هدمه مؤخرا، وتوسيعه عبر شركات الجيش.

-مشروع سيتي كلوب:

وبدأت الشركة المخابراتية المسؤولة عن إدارة بيزنس الرياضة المصري لحسابها، باطلاق المشروع الأهم والأكبر في تاريخ الرياضة المصرية، وهو المشروع الذي من خلاله ستمتلك الرياضة المصرية بأكملها، حيث قررت إنشاء أكبر سلسلة أندية رياضية في مصر باسم (سيتي كلوب)، وهو اسم يتوافق مع اسم المالك الأصلي وهو السيسي، فالحروف الأولى من الصيغة الإنجليزية للاسم هو (City Club)  واختصاره هو (C.C) أي سي سي، على نفس اسم السيسي…

وكان طبيعيا أن يستدير العسكر على البيزنس الرياضي في مصر ويسعى للسطو عليه واحتكاره لنفسه كما استدار على كافة المجالات والأنشطة التجارية الأخرى، فما من نشاط يمكن أن يدر دخلا ، إلا ووضع العسكر يدهم عليه وحول كامل إيراداته إلى حسابهم الشخصي، فهو الآن المهيمن على بيزنس الإعلانات في مصر من خلال شركة برزنتيشن، ولا يخرج إعلان من أي شركة صغيرة كانت أو كبيرة إلا من خلال هذه الشركة، والتي تحولت لاحقا إلى اعلام المصريين، ثم الشركة المتحدة للخدمات الاعلامية…

وهي أيضا المحتكر للانتاج الفني والغنائي ..وكل الأغاني والأفلام والمسلسلات هي التي تنتجها وتحصد عوائدها، وغير ذلك من الشركات العديدة الأخرى التي تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير والاستثمار والمقاولات والسياحة، وأشياء أخرى…

ج- أهداف عسكرة الرياضة:

-ماذا يريد النظام من عسكرة الرياضة:

ويمكن بلورة عدة أهداف ودوافع للنظام من سعيه الحثيث والمتنوع للسيطرة على تفاصيل الرياضة المصرية…

-استكمال السيطرة والاستحوذ التي توسعت بعموم المجتمع المصري:

وأول ما تستهدفه عسكرة الكرة المصريةزالرياضة، هو فرض السيطرة وتحديد خط سير واحد لتلك المؤسسات إلى جانب ضمان الحروج او الشذوذ عن النسق العام للدولة والنظام في عهد السيسي، ال     ي بات اتجاها لا يعترف بالتعددية، حتى لو تشدق بغير ذلك..

-التأثير في الوعي المجتمعي:

ووفق تقديرات استراتيجية، فإن  العسكر يستخدم الرياضة، وخاصة كرة القدم، لتغييب الوعي ونسيان الثورة وإهدار الطاقات..

ولولا أهمية كره القدم لدي العسكر ما تولوا رئاسة الأندية فكم رئيسا لأندية جماهيرية كان من العسكر وعلي رأسهم المشير الراحل وذراع عبد الناصر “عبد الحكيم عامر”.

-بزنس العضويات:

وتمثل   أسعار العضويات بالنوادي حاليا،  محفزا للسيطرة والاستحواذ على النوادي الرياضية، مهما تنوعت الوسائل والسبل…

اذ أن البيزنس الحقيقي في الرياضة ليس في رعاية الأندية وتسويق حقوقها كما كان يعتقد بعض العسكريين سابقا، حيث اكتشف أن المكسب الحقيقي في بيع الأندية للعضويات، خاصة مع الارتفاع الكبير الذي وصلت إليه أسعار العضويات بالأندية الكبيرة مثل الصيد وهليوبوليس وسبورتنغ وسموحة ووادي دجلة والأهلي والزمالك والتي تبلغ قيمة العضوية الواحدة في أغلب هذه الأندية حوالي 700 ألف جنيه، بما يعني أنه إذا انضم للنادي الواحد 10 ألاف عضو، فهذا معناه أن خزينة النادي سيدخلها 7 مليارات جنيه، وهو ما يؤكد أن العائد سيكون  مبالغ كبيرة للغاية، كلها ستذهب إلى جيب العسكر، هذا بخلاف العوائد السنوية للأندية من قيمة الاشتراكات والتي تصل لمئات الملايين من الجنيهات، أضف إلى ذلك المداخيل الأخرى الكبيرة المتمثلة في اشتراكات الأطفال في المدارس الرياضية بالأندية مثل مدارس السباحة والكاراتيه والسلة وأكاديميات الكرة وغيرها، والتي يصل عدد الأطفال فيها إلى الألاف يحصل فيها النادي اشتراكا شهريا يصل إلى 500 جنيه للفرد الواحد..

لأجل هذا لم يفوت السيسي الفرصة وأذن للعسكر الدخول وبقوة في هذا النشاط لاحتكاره بالكامل كما حدث مع غيره.. والمؤكد أن نزول هذا الوحش ذلك السوق فمعناه أن تفسح له الأندية الأخرى الطريق طوعا وكرها، لأنه وببساطة بعد نزول أندية السيسي الملعب فلن يكون من حق أي ناد أخر فتح باب العضويات الجديدة مرة أخرى، بما يضمن أن تذهب كل العضويات لأندية السيسي فقط، ولعل هذا الهدف هو الذي جعل العسكر ينشئ سلسلة أندية وليس مجرد ناد واحد فقط، ومعنى سلسلة أنه سيتواجد في كافة الأماكن القريبة من مقرات الأندية الشهيرة سواء في العاصمة أو الأقاليم، حتى لا يكون أمام المواطن الذي يرغب في عمل عضوية جديدة بأي ناد حجة لدخول ناد أخر، مثل بعد المسافة بينه وبين مقر نادي السيسي.. والمؤكد أن العسكر الذي يعتبر جميع الأرض المصرية في حيازته، لن يجد مشكلة في اختيار أماكن إنشاء مقراته الجديدة كما لن يجد مشكلة في تخصيص أي قطعة أرض تروق له ليقيم عليها أنديته، ومعروف أن إيجاد المكان المناسب وقرارات تخصيص الأرض، هما أهم وأصعب المشكلات التي تواجه الأندية عند السعي لإنشاء أفرع جديدة لها، بل أنهما العقبتان الدائمتان اللتان تقفان حائلا أمام نجاح المستثمرين في إشهار أندية جديدة.

ويأتي مشروع الأندية الحديثة، في ظل توجهات نظام السيسي نحو خلق تجمعات من الأغنياء وأصحاب الرفاهة الاجتماعية والملأة المالية، في تجمعات بعيدة عن مراكز المدن القديمة، كالعاصمة الادارية والعلمين الجديدة والجلالة وغيرها من المنتجعات..وهو ما يربطه محللون من  نبوءات الروائي الراحل أحمد خالد توفيق،  القائل في روايته “يوتوبيا” : “سيتركون العاصمة القديمة لتحترق بأهلها وتندثر ظلمًا وفقرًا ومرضًا.. وسيذهبون إلى عاصمتهم الجديدة حتى لا تتأذى أعينهم بكل ذلك الدمار”.

والأخطر أن تكلفة مشروع “سيتي كلوب”، ستقع تكلفته على كاهل المواطن المصري، من تخصيص أراضي ملك الدولة كن المفترض أنتوجه لخدمة المواطنين في مشروعات صحية أو تعليمية أو خدمية،  بينما يعود ريعه بالكامل إلى الأجهزة السيادية المساندة للجيش.

-العسكرة بزمن السيسي ..بزنس وسيطرة على الجماهير والملاعب والأندية:

وكما تابعنا سابق، فقد دخلت الأندية الرياضية  بقوة خلال الفترة الأخيرة في دائرة الاهتمام العسكري، والذي بدأ مسار عسكرتها مبكرا، منذ العام 1954، ويتجه حاليا للاستفادة منها تجاريا وماديا، في إطار سياسات البزنس العسكري.

وبدأت عسكرة الرياضة المصرية في وقت مبكر جدا، في عام 1954 فور اغتصاب جمال عبد الناصر حكم مصر ؛ حيث بدأ الهيمنة على الدولة بكل مفاصلها الجماهيرية “الفن والرياضة”.

وكان نادي “البحرية” التابع للجيش أول ناد يشتري لاعبًا بأعلى سعر في مصر عام 1962؛ حيث اشترى اللاعب “بدوي عبد الفتاح” من نادي الترسانة بمبلغ 1500 جنيه، وذلك رغم أن سعر أغلى لاعب حينها لا يتجاوز 100 جنيه.

وتمادى الأمر في عهد السادات ثم حسني مبارك، إلى أن وصل السيسي، حيث  بدأت عملية السيطرة على الرياضة المصرية، مبكرا مع تصاعد دور الروابط الرياضية في مواجهة الانقلاب العسكري، وتطورت عمليات السيطرة، عبر صفقات إسناد إدارة المباريات والاستادات وجميع الأنشطة الرياضية للواءات الجيش وشركات الأمن، التي ارتكبت الكثير من الجرائم بحق الشباب والرياضة المصرية، تنوعت بين القتل في استادات بورسعيد والدفاع الجوي، كما جرى تعليق المباريات في استاد القاهرة، وإقامة الحواجز الأمنية والبوابات الالكترونية لحصار الشباب ومنع هتافات الجماهير المناوئة للعسكر.

-النهم العسكري نحو بزنس الرياضة:

وتطور الأمر لاحقا، ليتحول النظام للاستفادة من تلك العسكرة التي تمثل فائدة سياسية أولا، ليحصل على الفوائد الاقتصادية والمنافع المالية، عبر الكثير من العقود مع شركات تابعة للجيش كـ”برزنتيشن” لرعاية لعبة كرة القدم، وغيرها من الشركات، بل وصل لفرض ضرائب جديدة مؤخرا على الصفقات الرياضية وانتقالات اللاعبين وعقود الاحتراف.

وكان الخبير الرياضي د. علاء عبد الصادق كشف في العام 2016، عن أن 5 رؤساء اتحاد كرة سابقين “جنرالات”، 10 من أعضاء اتحاد الكرة -انذاك- “جنرالات”، وكذلك 6 من أندية الدوري تابعة للجيش والشرطة، بالإضافة إلى عدد غير محدود من مديري وأعضاء أندية الدرجة الأولى والتانية وغيرها هم من الجنرالات العسكريين.

بجانب وجود 5 معلقين رياضيين “جنرالات”، و7 من رؤساء أندية الدوري الممتاز -انذاك- “جنرالات”، و8 رؤساء اتحاد الرياضات الأخرى “جنرالات”.

د- تداعيات عسكرة الرياضة:

ولعسكرة الرياضة  عواقب عدة ومخاطر جمة، تنضاف عل مخاطر  عسكرة السياسة والاقتصاد والمجتمع…

 لأنه يقضي على أركان أساسية في الدولة، وفي مقدّمتها حكم القانون ودولة المؤسّسات، بشكل متدرّج وخفي، وفي صدارة هذه المؤسّسات الجيش والقضاء والإعلام والجامعات.

والعسكرة ليست  نمطا مصريا فقط، بل نهجا قمعيا في كثير من دول العالم، التي تتخاصم مع الديمقراطية، وتؤمن بالاستبداد والسلطوية، كما في الدول الشيوعية …

وفي الانظمة الشمولية…

كما في الصين وكوريا الشمالية و الاتحاد السوفييتي ودول شرق أوروبا وبعض دول أميركا الوسطى والجنوبية قبل انتقالها إلى الديمقراطية)، حيث تكون هناك علاقة مركّبة بين القوة والثقافة والعنف. والحفاظ على الأوضاع القائمة ومعادلات القوة والهيمنة والسيطرة يتم عن طريق العنف، والتلقين المذهبي واعتماد خطاب رسمي يقوم على قلب الحقائق وترويج عبارات وطنية زائفة أو الخطر الداهم.

إلا أن النمط المصري في العسكرة يختلف تماما عن تلك الدول، اذ تركز لعسكرة في دول العالم الشمولية زرع روح الوطنية والولاء بين الشباب ، واحترام المؤسسات والدفاع عن الوطن، على عكس النهج المصري، الذي لا يستهدف الا الاخضاع والبزنس المالي، وهو ما يكفر الرياضيين والشباب بالوطن، وسكون جل اهتمامهم هو الخروج منه..

-الخاسرون:  هم الشباب والرياضة:

ولعل نتاج دخول العسكر المجال الرياضي،  أنه جلب الكثير من المشاكل والأزمات،

المؤثرة على مستقبل الأندية المصرية، بل بات بمثابة خطوة تنذر بنهاية أندية كبيرة وعريقة مثل الأهلي والزمالك، والتي ستجف مصادر دخلها الرئيسية والمتمثلة في بيع العضويات، بعد أن يتحول الدخل بالكامل إلى الكيان الجديد  الذي لا يقبل أبدا أن يشاركه أحد في ولائمه، وليس ببعيد عنا ما حدث للقنوات الفضائية التي أصبحت خاوية على عروشها بمجرد أن قرر العسكر منافستها.

وتبرز خطورة اتجاه العسكر الجديد في ضوء أزمات الرياضة المصرية، وضعف المردودات وتقليص الميزانيات من قبل الحكومة، وهو ما يجري التفكير فيه من قبل مستثمرين خليجيين وعرب، كما جرى بين تركي آل الشيخ ونادي نادي الأسيوطي سبورت وتغير اسمه لـ”الأهرام”، ثم أصبح بيراميدز.

وتعاني غالبية الأندية من نقص السيولة في ظل احتكار شركات تابعة للعسكر تحتكر سوق الإعلانات كشركة برزنتيشن…وهو ما يغير الخريطة الرياضية بمصر في الفترة المقبلة، بجانب سلسلة التغيرات الاجتماعية، واتجاه المجتمع المصري نحو الطبقية الاجتماعية، ما يهدد الاستقرار المجتمعي بالبلاد.

ومع سيادة العسكرة زالفساد والتخبط في الأوساط الرياضية تتزايد  حالات هجرة اللاعبين وهروبهم من البعثات لرياضية، بل والتجنس بجنسيات مختلفة للعب باسم البلد الجديد..

-الفساد المالي والاداري:

ومع سيادة ثقافة العسكرة، وتمام يا أفندم، تسود جميع انواع الموبقات المالية والإدارية، خاصة في ددوائر الحسابات التي تخضع للواءات الجيش والشرطة…

وتعامل أندية الجيش والشرطة معاملة تفضيلية على كل المستويات، وتمثل أندية الجيش والشرطة الوجاهة  بين كل الدوائر..

وتحقق الأندية العسكرية دخلا ماليا  كبيرا.. دون الخضوع لي رقابة من الأجهزة الرقابية..

وهو ما جعل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وطالب رئاسة الجمهورية بضرورة إخضاع أندية الشرطة لرقابة الجهاز، بعد أن خاطب وزير الداخلية أكثر من مرة بذات الطلب، ولم يرد الأخير إلا ببيانات متناقضة يقول في احداها أن أندية الشرطة خاضعة بالفعل لرقابة الجهاز، ويرفض في آخر فكرة الرقابة على وزارته.

وتجاهلت رئاسة الجمهورية لاستغاثات رئيس الجهاز المركزي هو الآخر مفهوم سببه، ويتضح في تمرير السيسي لمشروع قانون الضريبة العقارية، بما يحقق إعفاد أندية وفنادق القوات المسلحة دون الأخذ بملاحظات قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة على أن هذا القانون به عوار دستوري لأنها أندية ربحية، وهو ما يسقطها من قائمة الجهات المعفاة بنص القانون المصري..

خاتمة:

وتأتي السيطرة  العسكرية  في ظل التحكم الذي يمارسه السيسي على كل مؤثرات الرأي العام، ولذلك كانت أولى خطواته السيطرة على الإعلام من خلال الشركات المملوكة للأجهزة المخابراتية التابعة للقوات المسلحة، وبالتالي لم يكن غريبا أن تكون الشركة الراعية للمنتخب المصري ولمعظم الأندية الأخرى وهي شركة برزينشن مملوكة لإحدى شركات المخابرات التي تسيطر أيضا على الإعلام المصري.

وتساعد الرياضة في تشكيل النظام الاجتماعي والاقتصادي ليس بمصر وإنما على مستوى العالم، وهو ما فطنت إليه الدولة المصرية مؤخرا بالسيطرة المباشرة على الرياضة باعتبارها نشاطا اقتصاديا وتجاريا يحقق عوائد متنوعة، وهو ما أكده السيسي في أكثر من مناسبة بأن الرياضة وخاصة كرة القدم واحدة من أهم المكونات الرئيسية للأمن القومي المصري.

ولعل الرغبة المتصاعدة من النظام العسكري في السيطرة وتحقيق  المكاسب المالية،  هو من تسبب في هجرة الكفاءات من مصر ، سواء على المستوى العلمي والمهني والرياضي، ومن بقي يواجه الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وليس أولهم  ولا أخرهم اللاعب الموهوب أحمد رفعت….

يشار إلى أنه في أغلب دوريات كرة القدم العالمية، إن لم يكن في جميعها باستثناء قليل من دول الشرق الأوسط وشرق آسيا، لا توجد أندية باسم الجيش أو مؤسسات الدولة. الملاحَظ في الدول المستثناة أنها تلك التي يكون فيها الجيش على رأس السلطة التنفيذية ومهيمن على السلطتين التشريعية والقضائية، كمصر والعراق وسوريا وتايلاند على سبيل المثال، فتتوغل نفوذه وسطوته إلى ماهو أبعد من الحرب والأمن والسياسة، لتصل إلى الصناعة وشركات البناء والتشييد والرياضة..الخ، ليبسط أذرعه على البلد في كل المجالات ويحكم قبضته حتى يصبح دولة بداخل الدولة، إن لم يكن فوقها.

وترغب سلطات السيسي في توسيع شبكة تحالفاتها الاجتماعية” ، بجانب تلميع وجه ‘مصر، واظهار صورة متطورة لمجتمعات السيسي، مخفيا جوانب كثيرة وواقعية من المجتمع المصري الذي يرزح أكثر من ثلثيه تحت خط الفقر، 80% منهم لا يجدون قوت يومهم.

………………

مراجع:

الحرة، مصر.. رئيس “مودرن سبورت” يستقيل ويروي وقائع محاكمة أحمد رفعت عسكريا، 9 يوليو 2024

الشارع السياسي، “الأندية الرياضية بمصر.. من العسكرة إلى بزنس “سيتي كلوب”، مايو، 2020

جريدة الراكوبة،

الكرة والتجنيد وحسابات الكبار.. عاصفة غضب في مصر بعد وفاة النجم أحمد رفعت، 8 يوليو، 2024

الحرة، “ممنوع الحديث”.. قرار عاجل من “مودرن سبورت” بعد وفاة نجمه أحمد رفعت، 8 يوليو 2024

الحرة، الكرة والجيش وحسابات الكبار.. عاصفة غضب في مصر بعد وفاة النجم أحمد رفعت، 07 يوليو 2024

المنصة، من ليبيريا إلى الإمارات إلى السجن.. ما نعرفه عن قصة وفاة أحمد رفعت، 7 يوليو 2024

سكاي نيوز، “الحزن حطم قلبه”.. فتح تحقيق رسمي في وفاة أحمد رفعت،  8 يوليو 2024

العربي الجديد، السيسي يردّ على انتقادات عسكرة الوظائف المدنية، 26 سبتمبر 2023

شريف هلالي، مخاطر متصاعدة لعسكرة الدولة المصرية، العربي الجديد، 29 اغسطس 2023

عبد الفتاح ماضي، العسكرة والتسميم السياسي لا يحميان الدولة والمجتمع، 20 يونيو 2023

بوابة الحرية والعدالة، دراسة: أندية مصر.. من العسكرة إلى بزنس “سيتي كلوب” والخاسر الشباب والرياضة، – 28 مايو، 2020

???????

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022