الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في الجزائر تُعد حدثًا محوريًا في السياق السياسي والتاريخي للبلاد. بعد سنوات من الحراك الشعبي والتغيرات السياسية الكبيرة التي تبعت استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2019، جاءت هذه الانتخابات في وقتٍ حرج للدولة الجزائرية. شهدت الجزائر تغييرات في المشهد السياسي، مع بروز مطالب الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. يناقش هذا التقرير خلفيات الانتخابات، والأطراف الرئيسية المُتنافسة، ونتائج الانتخابات، والتحديات التي ستواجه الرئيس الجديد على المستويات الداخلية والخارجية.
خلفيات الانتخابات: كانت هذه الانتخابات هي السابعة في تاريخ الجزائر، منذ دخولها عهد التعددية السياسية عام 1989، ومنذ أول انتخابات رئاسية جرت في عهد التعددية السياسية في عام 1995، وهي الثانية بعد الحراك الشعبي الذي كان قد اندلع في فبراير 2019، لكنها أول انتخابات رئاسية تُجرى في ظل الدستور الجديد، الذي صدر في نوفمبر 2020. وتُجرى هذه الانتخابات تحت وصاية الهيئة المستقلة للانتخابات وسلطتها. وهي ثاني انتخابات رئاسية بعد 2019، تُجرى تحت إشرافها الكامل، بعد خمس استحقاقات رئاسية (1995 حتى 2014) كانت قد جرت بإشراف وزارة الداخلية، حيث تأسَّست الهيئة المُستقلة للانتخابات في أعقاب الحراك الشعبي عام 2019. لكنها أيضًا أول انتخابات رئاسية تجري في ظل وضع دستوري جديد (دستور 2020)، الذي كرَّس سلطة الانتخابات لهيئة دستورية مستقلة في قرارها وسلطتها المادية.[1]
والانتخابات الرئاسية 2024 جاءت بعد سنوات من الحراك الشعبي الذي بدأ في 2019، وهو ما أدَّى إلى تنحي بوتفليقة بعد حكم دام لعقود. شهدت البلاد سلسلة من التغييرات السياسية، بما في ذلك إصلاحات دستورية، ومحاولات لتهدئة الشارع من خلال إجراءات مكافحة الفساد والتغيير التدريجي في المشهد السياسي. وكانت البلاد تواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة لانخفاض أسعار النفط، مما أدَّى إلى تأثير كبير على الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحكومة تواجه تحديات اجتماعية مُتعلقة بمطالب تحسين المعيشة وتوفير فرص العمل للشباب. وخلال الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية الجزائرية انقسم المشهد السياسي والقوى الحزبية بشكل لافت على أساس التوجهات والمرجعيات الأيديولوجية. ولوحظَت عودة نسبية لتكتل الأسر والتيارات السياسية في البلاد، فيما انحازت قوى التيار الوطني، وخصوصًا المُشكِّلة للأغلبية النيابية كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وصوت الشعب، إضافةً إلى حركة البناء الوطني، وكذا كبرى النقابات العمالية والتنظيمات المدنية لصالح مرشح السلطة، تبون، الذي يحظى أيضًا بدعم الجيش. في المقابل، انضمَّت أحزاب وقوى إسلامية، كحركة النهضة والعدالة والتنمية، وكتلة من جبهة الإنقاذ، وائتلاف المبادرة المستقلة، وشخصيات إسلامية مستقلة، إلى المرشح الإسلامي عبد العالي حساني، فيما تراقب قوى التيار الديمقراطي، كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال وجيل جديد والاتحاد من أجل التغيير والرقي، المشهد، من دون أن تُعلن دعمًا واضحًا لمرشح التيار يوسف أوشيش.[2]
الأحزاب والمُرشحون: تنافَس في هذه الانتخابات أقل عددٍ من المرشحين منذ أول انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر عام 1995؛ فقد شارك فيها مرشحان يُمثلان حزبَين سياسيَّين فقط، وهما عبد العالي حساني شريف (58 سنة) عن حركة مجتمع السلم، ذات التوجه الإسلامي المحافظ، ويوسف أوشيش (41 سنة) عن جبهة القوى الاشتراكية. أما المرشح الثالث، وهو الرئيس المُنتهية ولايته عبد المجيد تبون (79 سنة) فقد ترشح بصفته مُستقلًّا، علمًا بأن كل الرؤساء الذين فازوا بالانتخابات الرئاسية منذ عام 1995 ترشحوا باعتبارهم مُستقلين، وكانوا جميعًا يحظون بدعم ضمني من الجهات الفاعلة في البلاد، خاصةً الجيش وبيروقراطية الدولة. واختارت أحزابٌ أربعة، سبق أن قدمت مرشحين عام 2019 للمنافسة على الرئاسيات، وهي حركة البناء الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحزب طلائع الحريات، أن تدعم ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية. وانضمت مع حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية في البرلمان، إضافةً إلى 14 حزبًا، إلى تكتل حزبي حشد الدعم للرئيس لاستكمال برنامجه السياسي والاقتصادي. شاركت حركة مجتمع السلم مرة ثانية في هذه الانتخابات، بعد أن ترشح مؤسسها محفوظ نحناح عام 1995، وحلّ في المرتبة الثانية بعد اليامين زروال، بحصوله على ربع أصوات الناخبين. وسبق أيضًا لجبهة القوى الاشتراكية أن رشحت زعيمها التاريخي الراحل حسين آيت أحمد في انتخابات 1999، لكنه انسحب في نهاية المطاف مع باقي المترشحين؛ احتجاجًا على ما اعتبره تزويرًا مُسبقًا لمصلحة مرشح الجيش حينها عبد العزيز بوتفليقة. تُمثِّل حركة مجتمع السلم الحزب المعارض الوحيد في البرلمان الحالي، ولم يدعم ترشح رئيسها سوى “حركة النهضة”، وهي حزب إسلامي صغير. أما جبهة القوى الاشتراكية، أقدم الأحزاب المعارضة، فقد قاطعت انتخابات 2019 الرئاسية وكذلك الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو 2021؛ بحجة أنّ مطالب الحراك لم تتحقَّق وأنّ الظروف لم تكن مُهيَّأة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. وقد مثّل ترشح أمينها العام لهذه الانتخابات مفاجأة؛ نظرًا إلى الخط السياسي المعارض للحزب. وربما أسهم التغيير في قيادة الحزب، والتحول الحاصل في البيئة السياسية الداخلية، والتخوف من فقدان مكانته الرمزية في اتخاذ قرار التخلي عن سياسة المقاطعة.[3]
إجراءات الانتخابات ونزاهتها: تنافس المرشحون الثلاثة للفوز بأصوات الكتلة الناخبة التي بلغ مجموعها 24.5 مليون ناخب، بينهم أكثر من 300 ألف ناخب جديد، فيما كان هناك نحو 900 ألف ناخب في الخارج. والعدد الأكبر من مجموع الناخبين في الخارج، البالغ أكثر من 845 ألف ناخب، يوجدون في فرنسا، حيث إن 82% من الناخبين الجزائريين في الخارج يصوتون في فرنسا، باعتبارها البلد الذي يضم أكبر جالية جزائرية، وتأتي بعدها كندا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، إضافةً إلى كتلة مهمة من الناخبين في تونس والمغرب ودول عربية أخرى. لكن مدى تأثير تصويت الجالية في النتيجة النهائية يبقى محدودًا، ما يعني أن العملية الانتخابية بالنسبة إلى الجالية تُعَدّ تكريس انتماء وطني أكثر منه بهدف التأثير في النتائج. وكان التنافس شديدًا في الولايات ذات الكتلة الناخبة الكبيرة على غرار العاصمة، التي تضم 1.2 مليون ناخب، وسطيف شرقي الجزائر التي تضم 1.1 مليون ناخب، ووهران التي تضم أكثر من 1.1 مليون صوت. كذلك لفتت ولايات منطقة القبائل، تيزي وزو وبجاية خصوصًا، الأنظار في هذه الانتخابات على مستوى المنافسة فيها بين تبون وأوشيش، لكونها تمثل الحاضنة الأساسية لحزب أوشيش، جبهة القوى الاشتراكية، وعلى صعيد مدى استجابة الناخبين للتصويت، لأنها كانت قد سجلت في انتخابات 2019 أدنى معدل تصويت في مجموعها بأقل من 1%. وتطمح السلطة والأحزاب السياسية في هذه الانتخابات أساسًا إلى رفع نسبة التصويت، التي بلغت في انتخابات عام 2019 نحو 38%. وعلى عكس الانتخابات النيابية والمحلية التي لا يشاركون فيها، ينتخب أفراد الجيش والشرطة والأسلاك النظامية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، لكنهم يؤدون الانتخابات في مكاتب الاقتراع العادية أو عبر وكالات لعائلاتهم، منذ قرار إلغاء المكاتب الخاصة التي كان ينتخب فيها عناصر الجيش داخل الثكنات في عام 2002.[4]
والإشراف على الانتخابات تمَّ من قِبل الهيئات المُستقلة، وكانت هناك دعوات لضمان النزاهة ومنع التلاعب في النتائج. مع ذلك، اعترض بعض المرشحين على نتائج الانتخابات. كما تمَّت مراقبة الانتخابات من قِبل منظمات دولية ومحلية، حيث أشارت بعض التقارير إلى وجود بعض التجاوزات في عدد من المناطق. ورغم أن الحكومة الجزائرية حاولت إظهار الانتخابات على أنها خطوة نحو الديمقراطية، فإن الشكوك حول النزاهة استمرت بسبب انخفاض نسبة المشاركة والتي عكست إلى حدٍّ كبير حالة عدم الرضا العامة.
برامج المُرشحين: رفع برنامج الرئيس تبون شعار “من أجل جزائر منتصرة”، وركَّز على تقديم ما اعتبره إنجازات مهمة خلال ولايته الرئاسية الأولى (2019-2024)، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد شدَّد أنصار حملته على المكاسب الاجتماعية التي تحقَّقت بفضل إجراءات إعادة التوزيع ورفع الأجور ومنح البطالة ودعم برامج السكن الحكومي. وفي المُجمل، قدّم البرنامج تعهُّداتٍ بمواصلة “تجسيد مختلف الإصلاحات والبرامج التنموية التي شرع فيها (الرئيس) خلال عهدته السابقة، على غرار تطوير المناطق المُهمشة، وملفّي الشغل والسكن”. ولوحظ في خطاب الرئيس تبون وأنصاره التشديد خلال الحملة الانتخابية على فكرة استهداف البلاد والتآمر عليها من طرف قوى خارجية. أما برنامج المرشح حساني شريف فقد انطلق مما أسماه “رسالة وطنية وسطية جامعة، تستهدف الإصلاح والتغيير عبر منهج ديمقراطي سلمي غير صدامي، ومُعتدل غير مُتطرف، جامع غير مُفرق، مساوٍ بين الجميع”. وعلى خلاف برنامج الرئيس تبون، ركَّز برنامج “فرصة” على الإصلاح الدستوري والمؤسساتي، وحدَّد خمس أولويات لسياسته في حال جرى انتخابه، وهي إصلاح النظام السياسي وتحقيق الشراكة السياسية الواسعة، وإقامة بيئة مؤسساتية فعالة ومواكبة، وتعميق الطابع الاجتماعي للدولة، وصياغة نموذج اقتصادي صاعد، وتعزيز محورية الجزائر في المحيط الدولي. في سياقٍ مشابه، أكَّدت وثيقة برنامج المرشح أوشيش أن مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية جاءت من أجل حماية الدولة الوطنية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي، والعمل على بروز قطب سياسي وطني وتقدمي وديمقراطي؛ وذلك من خلال إصلاح عميق وجذري للحياة السياسية والمؤسساتية، عبر الالتزام بتبنِّي نظام شبه رئاسي ذي توجه برلماني، من أجل تكريس فعلي للتوازن بين السلطات. وتضمّن البرنامج أيضًا رغبة في تعديل القوانين المُؤطرة للعمل السياسي، مثل قانون الانتخابات والأحزاب والجمعيات والإعلام، وتعهدًا بإجراء انتخابات عامة مبكرة على هذا الأساس قبل نهاية عام 2025.[5]
بصورة عامة، لم يُلحظ وجود تباينات كثيرة في المحاور الاقتصادية والاجتماعية بين برامج المرشحين الثلاثة بشأن طبيعة التحديات التي تواجه البلاد، خصوصًا في مسائل العمل والأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على الريع المتأتي من منتجات الطاقة الأحفورية. وتقاربت الرؤى حول محور السياسة الخارجية تقاربًا كبيرًا بشأن إدارة العلاقات مع الخارج، والتصدي للتهديدات التي يفرضها الجوار المضطرب، ودعم القضيتَين الفلسطينية والصحراوية.
نتائج الانتخابات وتفاعلاتها: أعلنت السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر فوز الرئيس عبد المجيد تبون بفترة رئاسية ثانية بعد حصوله على 94.65% من الأصوات. وأوضحت سلطة الانتخابات أن المرشح عبد العالي حساني شريف (رئيس حركة مجتمع السلم) حصل على 3.17% من الأصوات، في حين حصل المرشح يوسف أوشيش (السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية) على 2.16% من الأصوات. وذكرت أن نتيجة الفرز داخل وخارج الجزائر سجلت 5 ملايين و630 صوتًا للمرشحين الثلاثة، حصل تبون على 5 ملايين و320 صوتًا منها. وأعربت السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر عن “الارتياح العميق إزاء المشاركة الواسعة للمواطنين بهذا الاستحقاق الانتخابي”. وأشادت بـ”الظروف التي ميزت الحملة الانتخابية التي اتسمت بالهدوء والسلمية”، وفق تعبيرها. وقالت سلطة الانتخابات إنها سجلت 6689 نشاطًا بينها 1529 تجمعًا عقدها المرشحون الثلاثة وممثلوهم. ولكن في المُقابل، قالت حملة المرشح الرئاسي عبد العالي حساني شريف -في بيان- إنها سجلت انتهاكات في الانتخابات. وأشارت الحملة إلى أنها سجلت ما قالت إنه “ممارسات إدارية غير مقبولة من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات”، ومن بينها “الضغط على بعض مسؤولي مكاتب التصويت لتضخيم النتائج، وعدم تسليم محاضر الفرز لممثلي المترشحين، وأيضا التصويت الجماعي بالوكالات”. وقد أعلن محمد شرفي رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الرئاسية أن نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت أمس السبت بلغت 48.03%، في حين بلغت نسبة المشاركة وسط الجالية الجزائرية المُقيمة بالخارج 19.57%.[6]
واللافت أكثر في هذه الانتخابات هو النسبة الكبيرة للممتنعين عن التصويت أو المصوتين بالورقة البيضاء. ويُمكن تفسير الامتناع عن التصويت بقناعة بين الناخبين بأن الفوز كان سيؤول في كل الأحوال إلى الرئيس المنتهية ولايته، خاصةً أن منافسيه لم يكونا بالوزن السياسي الذي يسمح لهما بمنازعته الرئاسة. لكن ارتفاع التصويت بالورقة البيضاء يُعد شكلًا من أشكال المقاطعة مع التعبير عن فقدان الثقة بالمؤسسات وبالعملية السياسية في البلاد، رغم أن الرئيس تبون أكد مرارًا أن الثقة استُعيدت؛ بفضل “الإصلاحات الدستورية” التي أجراها بعد انتخابه في ولايته الأولى.
تحديات الولاية الثانية: تبون وعد الجزائريين بزيادة الأجور ومعاشات التقاعد وتعويضات عن البطالة وبناء 2 مليون وحدة سكنية، فضلًا عن زيادة الاستثمارات لإيجاد 450 ألف فرصة عمل وجعل الجزائر “ثاني اقتصاد في إفريقيا”، إضافةً إلى إعطاء الشباب “المكانة التي يستحقونها”. وينتظر الرئيس عبد المجيد تبون صعوبات عدة أبرزها، اعتماد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على موارد محدودة مثل النفط والغاز، كذلك معضلة التضخم، فضلًا عن ارتفاع نسب البطالة، فيما يؤكِّد تبون على أنه نجح في فتح الاقتصاد الجزائري على مشاريع كبرى. كما يبرز الملف الحقوقي كأحد الملفات المهمة التي تنتظر تبون، خاصةً بعد أن وجَّهت للجزائر انتقادات تتعلق بملف حقوق الإنسان، إذ اتهمت “منظمة العفو الدولية” في تقرير لها، في 17 يوليو 2024، السلطات الجزائرية بقمع الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي على مدى السنوات الخمس الماضية.[7]
وفي مجال السياسة الخارجية، يُواجه الرئيس تحديات مرتبطة بتحالفاته الدولية، لاسيما بعد أن رُفض طلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة البريكس عام 2023، واستمرار عدم الاستقرار الأمني في دول الجوار سواء في ليبيا أو دول الساحل. ولا تزال إدارة العلاقات مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي يسودها التوتر والفتور من الناحية السياسية على الرغم من تشابك المصالح الاقتصادية بين الطرفين. وخلافًا لما هو مُتوقَّع، لم يكن للجزائر دورٌ ملحوظ أو متميز ضد حرب الإبادة المُتواصلة على الشعب الفلسطيني منذ أكتوبر 2023، فيما عدا ما عبّرت عنه خلال نشاطها باعتبارها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن. وسيكون ملف العلاقات المغاربية على رأس أولويات العهدة الجديدة للرئيس، في اتجاه تعزيز العلاقة مع تونس وموريتانيا، ودعم التوصُّل إلى حل سياسي في ليبيا، بينما يُنتظر أن تراوح العلاقات مع المغرب مكانها؛ نظرًا إلى استمرار أسباب الخلاف القائمة بين البلدين الجارين.[8]
ومن الملفات الشائكة التي تنتظر تبون أيضًا بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية ملف العلاقات المتوترة مع فرنسا، والتي زادت من توترها الموقف الفرنسي الأخير من قضية الصحراء الغربية ودعم باريس لمُخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، إلى جانب ملف الذاكرة المُرتبط بفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر. ومباشرة بعد إعلان فوز تبون في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، شنَّت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية هجومًا على وسائل الإعلام الفرنسية ونشرت مقالًا عنونته بـ “أيها الفرنسيون، الجزائر ليست محميتكم”. وفي المُقابل؛ قدَّم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون “أحر التهاني” للرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبد المجيد تبون بمناسبة إعادة انتخابه، مُشدِّدًا على “العلاقة الاستثنائية” بين البلدين رغم الأزمات المتكررة. وقال قصر الإليزيه في بيان له إن فرنسا “متمسكة في شكل خاص بالعلاقة الاستثنائية التي تربطها بالجزائر في كل المجالات: الذاكرة والاقتصاد… والتعاون التعليمي والثقافي وكذلك الأمن ومكافحة الإرهاب”. وأضاف الإليزيه أنه “انطلاقًا من متانة أواصر الصداقة التي تجمع فرنسا والجزائر، يعتزم رئيس الجمهورية أن يواصل بحزم مع الرئيس تبون العمل الطموح الذي شرع فيه” بالجزائر العاصمة في أغسطس 2022 من أجل “تجديد الشراكة” الثنائية. وتابعت الرئاسة الفرنسية “على الساحة الإقليمية والدولية، الحوار بين بلدينا ضروري، خصوصًا في سياق حضور الجزائر في مجلس الأمن الدولي”. وقال “فرنسا ستواصل الوقوف إلى جانب الجزائر والجزائريين في إطار الاحترام والصداقة اللذين يحكمان علاقاتنا”.[9]
الخُلاصة؛ الانتخابات الرئاسية في الجزائر 2024 تعكس المشهد السياسي المعقد في البلاد. رغم فوز الرئيس تبون بفترة رئاسية جديدة، إلا أن انخفاض نسبة المشاركة يشير إلى وجود فجوة بين الحكومة والشعب. مستقبل الجزائر يعتمد على قدرة الحكومة الجديدة على تحقيق التوازن بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتلبية تطلعات المواطنين.
وعلى المستوى الخارجي؛ لا أحد يشك في أن الجزائر تُعتبر قوة إقليمية في منطقة شديدة الاضطراب، وسيسعى عبد المجيد تبون بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية إلى تدارك الموقف واستعادة المكانة التي فقدتها بلاده، خاصةً في منطقة الساحل المُشتعلة. ولكن رغم ذلك فإن الرئيس الجزائري سيُواجه منطقة أصبحت أقل أمانًا بشكلٍ كبير، وتؤكِّد المعركة الأخيرة في شمال مالي بالقرب من الحدود مع الجزائر على انعدام الأمن المتزايد الذي تواجهه الجزائر في مناطق المغرب والصحراء والساحل. لم يقتصر الأمر على هزيمة القوات المسلحة المالية على يد تحالف من القوات المتمردة، بل إن مشاركة المرتزقة الروس من منظمة فاغنر والمستشارين الأوكرانيين تُسلط الضوء بشكل أكبر على الأبعاد العابرة للحدود على نحوٍ مُتزايد لهذه الصراعات المحلية. كما أنه في السنوات القليلة الماضية، كان أحد النقاط المضيئة القليلة للجزائر هو الهدوء النسبي للحرب الأهلية في ليبيا، مما قلَّل من المخاوف بشأن انعدام الأمن عبر الحدود في حدودهما الصحراوية المشتركة، لكن جاء هذا السلام دون أي اختراقات سياسية جوهرية لإنهاء الصراع الليبي بشكل نهائي. كما أن الطريقة التي تمَّ بها إيقاف الحرب الأهلية في ليبيا في أوائل عام 2020 كانت سببًا للقلق بالنسبة للجزائريين، حيث جاءت نتيجة لتدخل عسكري تركي حاسم بناءً على طلب حلفائهم السياسيين في الجانب المتمركز في طرابلس من الحكومة الليبية المنقسمة.
هذا كما أنه لا يبدو أن العلاقات بين المغرب والجزائر ستشهد تحسُنًا خلال الولاية الثانية للرئيس تبون، خاصةً وأنه أكَّد على تشبثه بالدفاع عن استقلال الصحراء الغربية، وهو الملف الذي جعلت منه الرباط مقياسًا لمصداقية مشاعر أي دولة للمغرب. ففي ظل غياب أي تنازل من الجانبين واستمرار اتهام الجزائر للرباط بالقيام بالمؤامرات ضدها، بسبب التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، وما يُشكِّله من تهديد لها، فإنه يبدو من الصعب أن تشهد العلاقات بين البلدين أي تطور خلال هذه الولاية.
كل هذا بجانب العلاقات المُعقدة بين الجزائر وفرنسا؛ يُشكِّل شبكة مُعقدة من التحديات الخارجية التي تُضيف إلى صعوبة الوضع الداخلي في الجزائر، حيث التدهور الاقتصادي والبطالة والفساد، بجانب الانقسام السياسي بين القوى الوطنية.
[1] عثمان لحياني، “كل ما تجب معرفته عن الانتخابات الرئاسية الجزائرية”، العربي الجديد، 2/9/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/poRLdVa3
[2] عثمان لحياني، مرجع سبق ذكره.
[3] “الانتخابات الرئاسية الجزائرية: قراءة في السياقات والنتائج”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 12/9/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/jlNrj7Rb
[4] عثمان لحياني، مرجع سبق ذكره.
[5] “الانتخابات الرئاسية الجزائرية: قراءة في السياقات والنتائج”، مرجع سبق ذكره.
[6] “تبون رئيسا للجزائر لولاية ثانية بأكثر من 94% من الأصوات”، الجزيرة نت، 9/9/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/mp2MxaiW
[7] “من القطيعة مع فرنسا والمغرب إلى الحدود المشتعلة بالجنوب.. ملفات ساخنة تنتظر تبون خلال عهدته الثانية بالجزائر”، عربي بوست، 9/9/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/KMEfpmgA
[8] “الانتخابات الرئاسية الجزائرية: قراءة في السياقات والنتائج”، مرجع سبق ذكره.
[9] “من القطيعة مع فرنسا والمغرب إلى الحدود المشتعلة بالجنوب.. ملفات ساخنة تنتظر تبون خلال عهدته الثانية بالجزائر”، مرجع سبق ذكره.