قانون «الإيجارات القديمة».. تعديلات مرتقبة ومخاطر على بنية المجتمع

 قانون «الإيجارات القديمة».. تعديلات مرتقبة ومخاطر على بنية المجتمع

 

مع توجهات نظام  جمال عبدالناصر نحو الاشتراكية وإيمانه بشيوع الملكية، تأثرا بعلاقته بالاتحاد السوفيتي في خمسينات وسيتنات منتصف القرن الماضي؛  أجرى على قوانين الإيجارة تعديلات تنحاز إلى المستأجرين على حساب الملاك وتفضي إلى إزالة الفوارق بين عقود االإيجار وعقود الملكية فتحولت الإيجارات إلى التأبيد وهو ما يتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تشترط تحديد المدة لصحة عقد الإيجار؛ وبمرور السنوات تحول الملاك إلى فقراء وتأكلت قيمة الإيجارات حتى باتت فتاتا لا يسمن ولا يغني من جوع وبات أصحاب الملك غير قادرين على الاستفادة من أملاكهم بينما يتمتع المستأجرون بأملاك غيرهم بل يتوارثونها وفقا لهذه القوانين الصادمة.

وبعد عقود من العمل بهذه القوانين تراكمت الأزمات وباتت هناك ملايين الشقق والمحلات المستأجرة بالنظام القديم منهم فقراء إذا تم طردهم فلن يجدوا مأوى يستقرون فيه ومنهم الأثرياء الذي يغلقون شققهم ويدفعون الإيجار  جنيهات قليلة؛ فالملاك يصرخون: "نريد أملاكنا" والمستأجرون يحذرون: "وأين نذهب إذا طردتمونا من مساكننا؟" وعلى مر عقود طويلة يتجاهل النظام مخاطر استمرار هذا القانون الذي أفضى إلى تمزيق النسيج المجتمعي وأحال العلاقة بين الملاك والمستأجرين إلى حالة من الكراهية الدائمة والترصد على إيذاء كل منهما الآخر.

فحق السكن كفلته الدساتير المصرية المختلفة ويتوجب على الحكومة توفيره لا أن تلقي به على كاهل الملاك المساكين، وبذلك فالمعادلة القائمة هي ملاك مظلومون تم السطو على أملاكهم بقانون مشبوه يخالف أحكام الشريعة ويتصادم مع نظرية الحق القانونية، ومستأجرون بعضهم فقراء يتعين على الحكومة توفير مساكن مناسبة لهم بأسعار مناسبة، وبعضهم أثرياء يؤجرون شققهم من الباطن أو يغلقونها مع دفع قيمة الإيجار البخس. بينما تتهرب الحكومة من استحقاقات توفير سكن مناسب للمستأجرين الفقراء  الذين يمكن أن يمسهم الأذى من إلغاء القانون القديم. في ظل إعلان الحكومة عن أسعار فلكية لأسعار المساكن الشعبية تصل إلى 350 ألف جنيه على أقل تقدير لشقق صغيرة المساحة سيئة  التشطيب وهو ما لا يتوافر لملايين من البسطاء والمهمشين من مستأجري النظام القديم.

ومؤخرا  يتجه مجلس النواب  إلى إجراء تعديلات كبيرة على القانون القديم  وسط ترقب ومناشدات من أجل توسيع دائرة النقاش لهذه التعديلات المرتقبة؛ آملين أن تحقق قدرا من التوازن والعدالة في العلاقة بين الطرفين، تمكن الملاك من أملاكهم وترفع قيمة الإيجارات بما يلامس أسعار اليوم، وتلزم الحكومة بتوفير مساكن بديلة للمستأجرين إعمالا لنصوص الدستور الذي يشكو من كثرة  الانتهاكات السلطوية وعدم تفعيل نصوصه.

 

«4» محطات تاريخية

المحطة الأولى، في العهد الناصري ، حيث ظلت العلاقة بين المالك والمستأجر تمضي على وتيرتها دون تدخل من الحكومة؛ حتى حدث التحول الأكبر في منتصف القرن الماضي، حيث فرض جمال عبدالناصر التصورات والآليات الاشتراكية على المصريين إكراها حتى باتت تهيمن على مفاصل الحياة والمجتمع في مصر،  حيث حدث تحول نوعي في تدخل الحكومة في العلاقة الإيجارية بصدور القانون رقم 46 لسنة 1962، فقد كانت تدخلات الدولة في العلاقات الإيجارية حتى صدور هذا القانون دائماً ما تتعلق بالإيجارات الحالية بينما تترك العلاقات الإيجارية المستقبلية حرة دون قيود. وبصدور هذا القانون دخلت الدولة كطرف ثالث في العلاقة الإيجارية بوضعها أسس لتحديد القيمة الإيجارية، حيث صدر هذا القانون بصورة شاملة ليحدد القيمة الإيجارية للمساكن على أساس عائد سنوي قدره 5% من قيمة الأرض، 8% من قيمة المباني.

ومنذ هذا التاريخ لم يعد الإيجار مسألة عرض وطلب، ومع حدوث مشكلات عملية عند تطبيق هذا القانون، أصدرت الحكومة القانون رقم 7 لسنة 1965 الذي بموجبه تم تخفيض إيجار الأماكن وقد نص في مادته الأولى على: خفض الإيجار لجميع الأماكن الخاضعة لقوانين التخفيض السابقة بنسبة 20% اعتباراً من شهر مارس 1965 أي أن تلك الأماكن أجرى عليها تخفيضان، الأول بموجب أحد القوانين الثلاث التي أصدرتها حكومات ما بعد حركة يوليو 1952م ( وهى القوانين أرقام 199 لسنة 1952، 55 لسنة 1958، 168 لسنة 1961)، والتخفيض الثاني تم بموجب هذا القانون الصادر في عام 1965 كما شمل هذا القانون أيضا تخفيض إيجار الأماكن الخاضعة لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 بنسبة 35%".

وفي عام 1969 حدث التدخل الأكبر بالقانون 52 لـ 1969، والذي بموجبه استمر العمل بالأحكام المحددة للأجرة بواقع 5% من قيمة الأراضي، 8% من قيمة المباني، مع استحدث نظام التقدير المبدئي، للأجرة بتحديد أجرة مبدئية تتلاءم مع تكلفة المبنى مع إلزام طالب البناء بتقديم بيان بقيمة الأراضي والمباني حيث يمكن للجهة المختصة تقدير الأجرة المبدئية التي يتعاقد المالك مع المستأجر بموجبها. كما استحدث أحكاما جديدة مثل إجازة تبادل الوحدات السكنية بين مستأجر وأخر، وعدم انتهاء عقد إيجار المسكن لوفاة المستأجر[1] ما يعني توريث عقود الإيجار تضمين التأبيد دون الإفصاح به وهو ما يتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية. ولجوء عبدالناصر إلى هذه القوانين كان تهربا من توفير مساكن مناسبة للمستأجرين فأحال هذا الاستحقاق على كاهل الملاك الذي تعرضوا لإجحاف متواصل من جانب النظام.

المحطة الثانية، فى عهد  السادات حيث  صدر القانون 136 لعام 81 لمصادرة الملكية، وبمقتضى مواده تقرر امتداد عقود إيجار العقارات إلى مدى الحياة، وذلك طبقاً للمادة 29 من قانون آخر رقم 49 لسنة 1977 وتقرر آنذاك ألا ينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه للعين إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا مقيمين معه حتى الوفاة أو الترك، وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، ويشترط لاستمرار عقد الإيجار إقامتهم فى المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل، فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر أو تركه للعين ويستمر لصالح ورثته وشركائه فى استعمال العين بحسب الأحوال[2].

والمحطة الثالثة في عهد مبارك، حيث ظلت قوانين تحديد الإيجارات للوحدات السكنية في مصر تحت مسمى “الإيجار القديم”، أكثر من سبعة عقود، حتى ظهر قانون “الإيجار الجديد” عام ١٩٩٦، ليحرر الوحدات السكنية الجديدة أو المخلاة نهائيًّا من قيود تحديد الإيجارات.  خلق القانون الجديد نوعًا من العدالة المتبادلة بين المستأجرين ومالكي الوحدات، على الرغم من ارتفاع أسعاره في بعض المناطق في القاهرة الكبرى والتي لا تتناسب إطلاقًا مع الدخول الشهرية للمستأجرين. كما أدى أخيرًا إلى شكاوى مستمرة من المُستأجرين عن غياب ضبط ومراقبة أسعار السوق للإيجارات الجديدة لعدم تناسب ارتفاعها الطردي مع زيادات دخولهم البسيطة.

وبالنسبة للوحدات المؤجرة وفق القانون القديم، عندما حاول المهندس صلاح حسب الله، وزير الإسكان الأسبق تعديل القانون، كان أول ضحايا هذا الاقتراب، فحينما أعلن عن تعديل قانون الإيجارات وتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر وتعديل القيمة الإيجارية لتكون الزيادة بنسبة 200٪ سنوياً للوحدات التى تم تأجيرها منذ 60 عاماً، و150٪ للمؤجر من 50 عاماً، و125٪ للأقل من ذلك، ثار أصحاب المصالح على الوزير، وكانت النتيجة خلعه من منصبه، علماً بأن الهدف حينها كان فتح أكثر من 4٫5 مليون شقة مغلقة برغبة المستأجرين.

والمحطة الرابعة بعد ثورة 25 يناير، ورغم تسارع الأحداث وإثارة أركان الدولة العميقة لفوضى عارمة من أجل إفشال الثورة، إلا أن الدكتور طارق وفيق وزير الإسكان في عهد الرئيس محمد مرسي، شكل في سبتمبر 2012م لجنة لدراسة القانون ووضع خطة لتعديله بما يحقق التوازن والعدالة تفضي إلى تحرير  العلاقة بين المالك والمستأجر، ووضع حدا زمنيا قدره 6 شهور.[3] وتشكلت اللجنة برئاسة الوزير و10 أعضاء منهم الدكتور مجدى قرقر أستاذ التخطيط العمرانى والمهندس الاستشارى صلاح حجاب والدكتور محمد كمال أستاذ الشريعة والقانون بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، بالإضافة إلى الدكتورة منال الطيبة رئيس المركز المصرى للحق فى السكن، والدكتورة نسرين البغدادى رئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.  وبدأت اللجنة في إجراء مناقشات موسعة مع الملاك والمستأجرين والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني وأصحاب الشأن لكن الفوضى التي أثارتها أركان الدولة العميقة واستعداد العسكر  للانقلاب والانقضاض على الحكم أفضت إلى تجميد اللجنة.

 

تصادم مع أحكام الشريعة

وبحسب خبراء في الشريعة والقانون، فإن بعض مواد قانون الإيجار القديم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، لأن نصوص القرآن والسنة حاسمة في ضرورة إقامة العدل في الأرض، ويعد شرط التأبيد في عقود الإيجار مصادما لشروط صحة العقد عند أهل العلم، فخلو العقد من مدة معلومة مخالف لصحة العقود لأن تحديد المدة شرط في صحة الإجارة؛ قال ابن قدامة في المغني: قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استئجار المنازل والدواب جائز، ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة[4]. لأن تأبيد عقد الإجارة يفضي إلى إلغاء الفوارق بين عقد الإيجار وعقد التمليك وهو ما لا يجوز لمفاسده الكثيرة. ويفضي قانون الإيجار القديم إلى أكل أموال الناس بالباطل وهي نفس علة تحريم الربا في الإسلام.

وبحسب الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، فمن أحكام الشريعة الإسلامية الثابتة التي لا تقبل التأويل أو التحريف بالنسبة لعقد الإيجارة أن يكون محدد المدة والقيمة والمنفعة وأن يكون مبنيا علي التراضي التام بين الطرفين أو بحكم قضائي في حالة الاختلاف وأنه متي انتهت مدته فللطرفين كامل الحرية في تجديده أو عدم تجديده؛  فإذا خلا من ذلك كان عقدا غير صحيح شرعا؛ فعقد الإيجار المؤبد الذي يمتد تلقائيا رغما عن إرادة المؤجر أي المالك يعد عقدا باطلا لعدم توافر الرضا من أحد الطرفين وكل عقد يداخله الغش والإكراه يكون عقدا غير صحيح شرعا ولا يجوز لولي الأمر أن يتدخل في عقد الإيجار مقررا امتداده وتأبيده لأن هذا مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية ولإجماع الفقهاء من العصر الأول للإسلام حتي وقتنا هذا.[5]

يري الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الشريعة والفقه الإسلامي بجامعة الأزهر[6], أن العقود الحالية التي انتهت مدتها وتم مدها بقوة القانون حرام شرعا, لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم:( لا يحل مال إمرء مسلم إلا بطيب نفس) وإذا لم يكن بطيب نفس فهو حرام, واذا كانت عقود الإيجار للمساكن القديمة محددة المدة في العقد سواء شهرا أو سنة فلا يجوز امتداد العقد إلا برضا الطرفين وهما المؤجر والمستأجر باعتبار أن العين المؤجرة مثلها مثل المعدات والآلات والسيارات التي تؤجر حاليا، فيجب أن تكون القيمة المؤجرة بها مواكبة لأسعار السوق وهي في الشريعة الإسلامية معروفة بالعرض والطلب كما نهي المولي سبحانه وتعالي في محكم آياته( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل).

ويضيف إدريس أنه «لا يجوز للدولة التدخل في العقود المدنية حتي تواكب العرض والطلب وهو ما سبب خللا في سوق العقارات بانتشار التمليك واختفاء الإيجار وعدم قدرة الشباب علي التمليك لارتفاعه فوق طاقة الشباب المقبل علي الزواج». واعتبر  إدريس تآكل قيمة الإيجار بمرور السنوات بعيدا عن العدل وظلما للملاك وبخسا لحقوق الناس وتجاوزا لحدود الله الذي نهي عن ذلك { ولا تبخسوا الناس أشياءهم}.

 

حكم دستوري يلزم البرلمان بالتعديل

وفي السبت الموافق 5 مايو 2018م، قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، في الدعوى رقم 11 لسنة 23 قضائية "دستورية" بعدم دستورية (بطلان) صدر الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجـر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية، لاستعمالها في غير غرض السكن".[7] وهو حكم يختص بالشقق والمحلات المستأجرة لأنشطة اقتصادية غير سكنية.

ولم يكن هذا فقط منطوق الحكم، بل تضمن تحديد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوى لمجلس النواب اللاحق "دور الانعقاد الرابع" لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره. ما يعني أن الحكم ألزم مجلس النواب بإجراء تعديلات على قانون الإيجار القديم على صدر الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 وإلا فإن الحكم سيكون ساريا في اليوم التالي مباشرة من انتهاء دورة الانعقاد الجاري، و"سواء عدل مجلس النواب نص القانون أم لا، فإن حكم المحكمة الدستورية سيكون ساريًا في اليوم التالي لنهاية دور الانعقاد الرابع، لأنه واجب النفاذ"

 

ملامح التعديلات المرتقبة

وبموجب حكم الدستورية تقدم النائب عبدالمنعم العليمي، عضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب يوم الثلاثاء الموافق  02 أكتوبر 2018 بمشروع لتعديل قانون الإيجارات القديمة، والذي يشتمل على فسلفة تقوم على التعديلات والعناصر الآتية[8]:

أولا، يستهدف مشروع التعديلات تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر ويتضمن تطبيقه مرحلتين الأولى تتعلق بالمحال التجارية والشقق الإدارية، والثانية تتعلق بالوحدات السكنية.

ثانيا، يتم تحرير العلاقة بمجرد صدور القانون على المحال التجارية والشقق المخصصة لغير أغراض السكن، وبالنسبة للشقق السكنية، ينص القانون على منح المستأجرين مهلة أقصاها 5 سنوات لتوفيق أوضاعهم "فترة انتقالية" قبل تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر والعمل بنظام القانون المدني لسنة 1996م.

ثالثا ، الأخذ في الاعتبار زيادة سنوية في القيمة الإيجارية(للشقق السكنية الخاضعة لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977)، قدرها 25%  خلال فترة السنوات الخمسة (الفترة الانتقالية)ويسري فقط على الوحدات المؤجرة قبل العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981.

رابعا، ما يتعلق بالوحدات المؤجرة بعد القانون رقم 136 لسنة 1981، فقد  تركها مشروع القانون لمناقشات المجلس والوصول فيها إلى صيغة مرضية للأطراف كافة.

وحول أبرز المعلومات التي تم تسريبها بشكل عام حول مضمون التعديلات المرتقبة فهناك 6 تعديلات مقترحة[9]:

أولا:  – يقضى بأن يسرى عقد إيجار العين المؤجرة بعد وفاة المستأجر الأصلى الوارد اسمه بالعقد، ويبقى فيها زوجه أو أولاده أو أى من والديه الذين كانون يقيمون معه، وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ الوفاة.

ثانيا، يقضى بأن يسرى العقد على العين المؤجرة عند وفاة مستأجرها الوارد اسمه بالعقد قبل العمل بأحكام هذا القانون، ويبقى فى العين من لهم الحق فى البقاء فيها لمدة خمسة سنوات من تاريخ العمل بأحكامه.

ثالثا، إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى يسرى العقد بعد موت المستأجر، ويستمر لصالح الذين يستعملون العين من ورثته أو شركائهم، أو أى من ورد أسمائهم بالفقرتين السابقتين فى ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلى طبقا للعقد،  وفى كل الأحوال تسرى عليهم المدد المبينة بالفقرتين السابقتين.

رابعا، فى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد الإيجار خلال هذه المدة لمن لهم الحق فى الاستمرار فى شغل العين، ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد،  بشرط ألا يكون لكل منهم وحدة سكنية بالملك أو الميراث أو الإيجار أو بأى وسيلة آخرى داخل الوحدة المحلية الكائن فى دائرتها العين المؤجرة.

خامسا، تطبق أحكام القانون المدنى على العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر على الأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها.

سادسا، تلتزم الحكومة بتوفير وحدة سكنية لكل مستأجر أو لشاغل العين المؤجرة، وانتهى عقد إيجارها وفقا لأحكام هذا القانون، دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها إذا كان صافى الدخل لكل واحد منهم أقل من 1200 جنيه شهريا،  قيمة الحد الأدنى للأجور.

 

انعكاسات خطيرة على بنية المجتمع

وتكشف أحدث إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والعامة والإحصاء عن وجود 3 ملايين وحدة سكنية مؤجرة إيجار قديم بمصر، تمتلك محافظات القاهرة الكبرى منها نصيب الأسد بواقع 2 مليون وحدة. وبمقارنة هذه الإحصائيات بنظيرتها الصادرة عن ذات الجهاز عام 2006، والتي أظهرت وجود 4 ملايين وحدة سكنية مؤجرة، سينتج عن الأمر فارق في عدد الوحدات المؤجرة بواقع مليون وحدة غير معلوم مصيرهم أو مصير ساكنيهم[10].

وأسفرت منظومة الإيجار القديم عن العديد من المظالم العمرانية يتضرر منها كلًا من المؤجرين والمستأجرين على حد سواء، على النحو الذي تسير معه الأمور في وضع غير مجدي لأي طرف من الأطراف تترتب عليها تبعيات خطيرة، أبرزها تناقص عدد السكان على مدار السنوات الأخيرة في مناطق شعبية تشتهر بزيادة عدد سكانها كمنطقة بولاق أبو العلا  بالقاهرة، على سبيل المثال، وهو ما يعود إلى قرارات الحكومة في أعقاب أزمة زلزال 1992 بوقف تصاريح الترميم للمباني القديمة، وعليه تهدمت العديد من المباني بهذه المناطق. كما أن المؤجرين أو ملاك العقارات أيضًا يواجهون مظالم عمرانية لا تقل خطورتها عن تلك التي يواجهها المستأجرين، وفي مقدمتها إشكالية امتلاك عقار بقيمة سوقية مرتفعة دون أن يدر  ذلك أي دخل عليه.

وتتحمل الدولة بسياساتها المتعاقبة، مسؤولية تفاقم أزمة الإيجار القديم بمصر، من خلال تخاذلها واعتمادها على إرادة التسويف في حلها، بخلاف تحاملها على المؤجرين بتجميد ثرواتهم العقارية، وسببت أضرارًا أخرى للمستأجرين أبقتهم في مساكن غير مطابقة لأبسط المواصفات الصحية أو الاجتماعية. كما أن الحق في السكن المناسب هو وظيفة النظم والحكومات وفقًا للدساتير المصرية مثل الصحة والتعليم، لكن معظم المساكن التي تتصارع عليها الأطراف ليست ملائمة بالمرة.

إزاء ذلك؛ تبقى لهذه التعديلات المرتقبة  انعكاسات شديدة الخطورة على مستقبل الوضع الاجتماعي، فما لم تحقق هذه التعديلات توازنا يضمن رد حقوق الملاك من جهة وتوفير مساكن ملائمة للمستأجرين الفقراء من جهة أخرى فإن ذلك ينذر بعواقب وخيمة شديدة الأثر  على بنية المجتمع.

بل إن بحوث ودراسات "إسرائيلية" في إطار حرصها على استمرار نظام حكم الجنرال عبدالفتاح السيسي تحذر من انعكاسات تعديلات على قانون الإيجار القديم على بنية المجتمع وأنها ربما تفضي إلى ثورة أعتى من ثورة 25 يناير، حيث  قال "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس"  إن نحو 10 ملايين مصري سيتضررون من قانون الإيجار الجديد، مشيرًا إلى أن الأمر ينطوي على خطر اندلاع احتجاجات حاشدة ضد الحكومة المصرية.  وتحت عنوان "أين سيسكن ملايين المصريين الذين يولودن كل عام"، أكد "برئيل" في مقاله المنشور بموقع "ذا ماركر" النسخة الاقتصادية لـ"هآرتس" في أغسطس 2017م أن هذا القانون حال تطبيقه سيتسبب في ثورة أقوى من تلك التي اندلعت في 25 يناير 2011 ضد النظام المصري.[11]

 

«3» أسباب وراء  تعطيل التعديلات

وكان من أسباب عدم قدرة الحكومات على التعامل مع هذا الملف الشائك، ثلاثة أسباب [12]أنه يخاطب ملاك حوالي 3 ملايين شقة يسكنها ما بين 09 إلى 12 مليون مواطن، وهو رقم ضخم يصعب على أي نظام التصادم معه  من جهة أو توفير مساكن مناسبة لهم من جهة ثانية.

السبب الثاني لتأخر البت فيه هو غياب التوافق المجتمعي علي وضع رؤية أو تصور للحل، حتى داخل برلمان الأجهزة الأمنية توجد تباينات بين أعضائه حيال القانون وتعديلاته، لكن الحسم بالطبع ليس في يد الأعضاء بل بقرارات فوقية تأتي للبرلمان وعلى الأعضاء مجرد رفع اليد للموافقة.

ثالث الأسباب التي عطلت علاج هذه الأزمة أن الحكومة نفسها مستأجرة لحوالي ١٠٠ ألف وحدة بنظام الإيجار القديم، في صورة مقرات لبنوك وشركات قابضة وهيئات ومؤسسات تابعة لها، وبالطبع سيسري عليها القانون، لذلك من المرجح تمرير المشروع في ظل توجهات النظام نحو نقل مقرات الوزارات إلى العاصمة الإدارية منتصف العام المقبل 2019م.

وتدور في أروقة النظام تساؤلات حول طبيعة التعامل مع ملايين المستأجرين، فمنهم فقراء ومنهم أثرياء ، وثمة مقترحات بأن يكون الحد الأدني للدخل "1200" جنيه، معيارا  ليكون مستحقا لشقة تلتزم بها الدولة حياله وأسرته، فماذا عن أولئك الذين يتقاضون ألفين وثلاثة آلاف وبالتأكيد في ظل الأسعار الحالية لن يتمكنوا مطلقا من الحصول على شقة ولن تسعفهم روابتهم في استئجار شقة مناسبة في ظل الارتفاعات الجنونية في قيمة الإيجارات وجميع السلع والخدمات؟.

وكان خبراء في مجال العقارات، شاركوا في ندوة نظمها  المعهد الديمقراطي المصري، في 2016م إلى خطورة مواد مشروع القانون على الأمن الاجتماعي، واستحالة تحقيق المرغوب من تعديل العلاقة الإيجارية بين الملاك والمستأجرين. وأكدوا أن البرلمان يُصر على تمرير تشريعات تضرب استقرار المجتمع، والعلاقات بين أفراده، ومصالحهم. وأشار المشاركون في الندوة إلى أن تحرير العلاقة الإيجارية سيكون على حساب طبقات مطحونة، لا يناسب أوضاعها اقتصاد الريع، الذي ارتفعت معه أسعار السلع والعملات الأجنبية مقابل الجنيه، بعد قرار تعويمه، الذي أضر بالاقتصاد المصري، في وقت تزداد فيه معدلات البطالة والتضخم وصعوبة العيش[13].

 

 

الخلاصة والتوصيات

في ظل عملية التسليع غير المسبوقة وغياب العدالة في أسعار السكن، سواء للشراء، أو للإيجار، وتنامي مناطق بناء الأهالي المفتقرة إلى الخدمات والحيازة الآمنة، وارتفاع معدلات التزاحم ببعض المناطق الشعبية، وفي ظل استمرار ظاهرة انهيار العقارات، خاصة القديمة منها والمحتوية على مساكن تحت الإيجار القديم، وتفاقم الأزمات الشخصية بين الملاك والمستأجرين، يجب على الحكومة المبادرة في إيجاد حل عادل ومنصف لمشكلة الإيجار القديم، والتي تسببت الدولة فيها ولم تتداركها على مر العقود. فلا يمكن حل مشاكل الإيجار القديم، دون وضع سياسة سكن عادلة تكبح جماح الأسعار المنفلتة، وتعطي حقوقًا أوسع للشاغلين، وتوزع استثمارات الدولة بشكل أكثر عدالة.

فقد ظلت ملايين الأسر تسكن حسب “الإيجار القديم” حتى اليوم؛ وهو ما أدى إلى ظهور عدة تحركات حكومية وبرلمانية خلال السنوات الأخيرة نحو إلغائه كليًّا، مما آثار حالة من عدم الاستقرار بين سكان الإيجار القديم تخوفًا من تأثيره عليهم. وقامت لجنة الإسكان بمجلس النواب بطرح عدد من نصوص لمسودات تعديل قانون الإيجار القديم، إلا أن أعضاء اللجنة لم يتوافقوا بعد، ولا تزال التعديلات قيد المناقشة.  وتنص التعديلات في مجملها بأن يتم إلغاء العمل بكل عقود الإيجار القديم. حيث يعطى للمُستأجر الحق في توفيق أوضاعه بترك الوحدة السكنية أو التجارية _حسب الاستخدام_ في مدة أقصاها خمس سنوات

لكن المظالم التي خلفها قانون الإيجار القديم توجب ضرورة إجراء تعديلات تحقق العدالة المفقودة والتوزان المنشود، فترد العقارات لملاكها،  وتلتزم الدولة بتوفير مساكن بديلة للمستأجرين الذين لن يتمكنوا من توفيق أوضاعهم مع الملاك بشرطة أن تكون هذه المساكن  بأسعار تتناسب مع دخولهم ولا تفرض عليهم مزيدامن الأعباء وإلا فإن ملايين المصريين سوف يتشردون في الشوارع خلال السنوات الخمس المقبلة إذا تم تمرير التعديلات دون إلزام الحكومة بتوفير مساكن للمستأجرين وهو ما تحذر منهم منابر  بحثية إسرائيلية شديدة الخوف على نظام السيسي تخشى من اندلاع ثورة أكثر عتوا من 25 يناير.

ولتحقيق العدالة والتوازن يتعين العمل بالتوصيات الآتية[14]:

أولا قبل تمرير التعديلات وتحرير العلاقة بين الملاك والمستأجرين، لا بد من عمل دراسة ومسح اجتماعي شامل من قبل الجهات الحكومية المعنية، يفرق بين المناطق التي بها العقارات وحالتها الإنشائية وسنة بنائها والمستوى الاقتصادي للسكان.

ثانيا، عمل دراسات تحاكي تحركات المستأجرين المتوقعة في المدينة بعد تحرير الإيجارات، حسب موقعهم الجغرافي، ومستوى دخلهم، للتوصل إلى منظومة إسكان تكفل الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل وكبار السن أو من يعانون صعوبات بدنية أو ذهنية والذين يعانون صعوبة في الحركة (حتى لو لديهم المقدرة المادية على التنقل)، توفر لهم المسكن الملائم في محيط ٢ كيلومتر من سكنهم الحالي.

ثالثا، لا بد عند تعديل الإيجارات، أن يتم هذا على المدى المتوسط والطويل وهو ما يمكن أن يكفل بعض التحركات في المدينة. بمعنى أن هناك عددًا من الأسر ستعيد تسكين نفسها في شقق إيجار سواء أغلى أو أقل حسب وضعهم ورغبتهم.

 


[1] إيجار الأماكن في مرحلة التحول الاشتراكي (الحلقة الخامسة)/ دوت مصر الثلاثاء 16 أكتوبر 2018

[2]القانون الجائر يستسلم لأصحاب المصالح/ الوفد السبت, 09 أبريل 2016

 

[3] فى أول اجتماع لها اليوم.."لجنة الإيجار القديم" بـ"الإسكان" تضع خطتها لتعديل القانون/ اليوم السابع الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

[4] خلو عقد الإيجار عن مدة محددة/ إسلام ويب الخميس 24 يوليو 2008

[5] انظر فتاوى الدكتور نصر فريد واصل…  أحمد مسعود/علماء الدين‏:‏ قانون الإيجار القديم‏..‏مخالف للشريعة الإسلامية/الأهرام  الثلاثاء  غرة مايو 2012

[6] المصدر السابق

[7] محمد ناصر/لهذا السبب.. البرلمان مجبر على تعديل "الإيجارات القديمة" في دور الانعقاد الحالي/ مصراوي الإثنين 15 أكتوبر 2018

[8] محمد ناصر/مقدم تعديلات قانون الإيجارات القديمة: 25% زيادة سنوية.. وفترة انتقالية 5 سنوات – حوار/ مصراوي الإثنين 15 أكتوبر 2018

[9] محمد مجدي السيسي_ "6" نقاط تكشف العلاقة بين المالك والمستأجر فى مشروع قانون الإيجار القديم_ اليوم السابع الإثنين، 27 أغسطس 2018

 

[10] محمد قاسم _مطالب بتعديل قانون "الإيجار القديم".. وباحثون: لا بد من حوار موسع_ مصراوي الثلاثاء 24 يوليه 2018

[11] معتز بالله محمد_هآرتس: ثورة عارمة في مصر حال إقرار قانون الإيجار الجديد_ مصر العربية 03 أغسطس 2017

[12] ندى الخولي_ "3" أسباب تعطُل قانون "الإيجار القديم".. والتعديلات تضم "الزيادة والتوريث"_ مصراوي الأحد 17 سبتمبر 2017

[13] قانون الإيجار يهدّد 12 مليون مصري… وينذر بانفجار اجتماعي_العربي الجديد 28 ديسمبر 2016

 

[14] أمنية خليل_ الإيجار القديم … محاولات مستمرة للنجاة (للعيش) في المدينة_ مرصد العمران 26 يونيو 2018

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022