النظام المصري والنظام السوري الجديد: مخاوف ومقاربات سياسية

حسام نادي (محلل سياسي)

مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود نظام جديد في سوريا، أُعيد رسم خريطة العلاقات الإقليمية، لتثير موجة من التوترات السياسية بين الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام العسكري في مصر. يُظهر النظام العسكري موقفًا مُعارضًا للنظام السوري الجديد، مستندًا إلى مخاوف متشابكة تتعلق بالثورات الإقليمية وتداعياتها المحتملة على الداخل المصري.

الخشية من انتقال عدوى الثورة

منذ انقلاب 2013، عانى النظام المصري من تراجع اقتصادي حاد واختناق سياسي ألقى بظلاله على الشارع المصري. ومع انهيار نظام الأسد، يُخشى في القاهرة من أن يلهم هذا الحدث قوى في مصر للإطاحة بالنظام. فالنظام السوري الجديد الذي جاء نتيجة ثورة شعبية قد يُنظر إليه كنموذج يُحتذى به بالنسبة للشعوب المقهورة تحت الأنظمة العسكرية أو السلطوية في المنطقة.

التاريخ يشهد أن مصر كانت على مدار العقود الماضية بوصلة للثورات العربية، حيث ألهمت انتفاضة 2011 العديد من الشعوب في المنطقة. لذلك، فإن نجاح الثورة السورية وتأسيس نظام جديد قد يشكل زخمًا لحركات المعارضة داخل مصر. في هذا السياق، نجد أن النظام المصري يعتمد بشكل كبير على القمع للحفاظ على استقراره، مما يعزز من قلقه من أي تحول إقليمي يهدد هيمنته.

على عكس بعض الدول العربية التي سعت لإعادة بناء العلاقات مع النظام السوري الجديد، يتخذ النظام العسكري موقفًا متحفظًا وأكثر تشددًا. في هذا الصدد، نلاحظ أن دولًا مثل السعودية والإمارات قد أرسلت وفودًا رسمية إلى سوريا في الآونة الأخيرة لإعادة فتح قنوات التعاون، بينما اختارت القاهرة الوقوف على الهامش. هذا التباين في المواقف يعكس اختلاف الأولويات؛ فبينما تسعى دول الخليج لتحقيق مصالحها الاقتصادية، يركز النظام المصري على درء المخاطر السياسية المرتبطة بالثورات.

التوازي مع النهج الإسرائيلي

يتقاطع الموقف المصري مع التحفظات الإسرائيلية تجاه النظام السوري الجديد. فالاثنان يشتركان في مخاوف تتعلق بإمكانية دعم سوريا الجديدة لقوى المقاومة أو الحركات الإسلامية التي تعادي كلاً من إسرائيل والنظام المصري. هذا التخوف من عودة نفوذ التيار الإسلامي في الإقليم يشكل أحد المحركات الأساسية لسياسات القاهرة ويدفعها إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا تجاه سوريا.

إجراءات متشددة تجاه النظام الجديد

رد فعل النظام المصري لم يقتصر على المواقف السياسية، بل شمل أيضًا إجراءات عملية ضد المواطنين السوريين في مصر. فقد تم فرض قيود صارمة على دخول السوريين إلى البلاد، واعتقال بعض السوريين الذين احتفلوا بسقوط نظام الأسد، وهي خطوة تهدف إلى إرسال رسالة واضحة بأن أي تأييد للثورات أو الأنظمة الجديدة في المنطقة لن يُسمح به داخل مصر.

على الجانب الآخر، كانت هناك تقارير دولية تتحدث عن تعرض اللاجئين السوريين في مصر لمضايقات متزايدة، تشمل حملات إعلامية معادية وأحيانًا ترحيلات قسرية. هذه الممارسات تتماشى مع سياسات النظام المصري الساعية إلى تصوير أي حراك شعبي كتهديد للأمن القومي.

الإعلام المصري المحسوب على النظام لعب دورًا بارزًا في ترسيخ الصورة السلبية للنظام السوري الجديد. حملة إعلامية شرسة اتهمت النظام الجديد بالتطرف ودعم الإرهاب، وهي اتهامات تهدف إلى نزع الشرعية عنه في أعين الجمهور المصري والدولي على حد سواء.

تاريخيًا، يستخدم النظام المصري الإعلام كأداة فعالة لتوجيه الرأي العام. ومن خلال السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام المحلية، يتم تسليط الضوء على المخاطر المفترضة لأي تغيير سياسي في المنطقة، بما في ذلك التحولات في سوريا.

زيارات وتحركات عربية ودولية من النظام السوري الجديد

في ظل هذه التحولات، قامت بعض الدول العربية بزيارات رسمية إلى سوريا للتواصل مع النظام الجديد. على سبيل المثال، زار وفد سعودي دمشق في يناير 2025، في محاولة لاستكشاف المرحلة الجديدة وبناء علاقات مع القيادة الحالية. هذه الزيارات تعكس رغبة بعض الدول في الانخراط مع النظام السوري الجديد، على الرغم من التحفظات والمخاوف المتعلقة بطبيعة هذا النظام وتوجهاته المستقبلية.

من جهة أخرى، نجد أن الإمارات قامت بتقديم مساعدات إنسانية لسوريا، مما يعد جزءًا من دبلوماسية ناعمة تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة. هذه التحركات تُظهر أن بعض الأنظمة العربية تسعى للتكيف مع الواقع الجديد بدلًا من مقاومته.

على الصعيد الدولي، أبدت الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا بالتطورات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. في ديسمبر 2024، عقدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، لقاءً مع القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في دمشق، أحمد الشرع. تم خلال اللقاء مناقشة المبادئ التي ترغب واشنطن في تضمينها بعملية الانتقال السياسي في سوريا، مثل الشمول واحترام حقوق الأقليات.

بالإضافة إلى ذلك، دعت الولايات المتحدة إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد سقوط الأسد، مؤكدة على ضرورة حماية الأقليات وضمان الاستقرار في المنطقة. هذا الموقف يعكس رغبة واشنطن في تحقيق انتقال سياسي سلس يحافظ على وحدة سوريا ويمنع انتشار الفوضى.

مستقبل العلاقات المصريةالسورية

مع استمرار النظام المصري في تبني سياسات قمعية داخلية وخارجية، يبدو أن علاقته بالنظام السوري الجديد ستظل مشوبة بالتوتر. هذا الموقف يعكس في جوهره خوفًا عميقًا من احتمالية تكرار السيناريو السوري داخل مصر. لكن في ظل التحولات الإقليمية والدولية السريعة، قد يجد النظام المصري نفسه مضطرًا إلى تعديل سياساته، خاصة إذا ما بدأ النظام السوري الجديد في تحقيق استقرار داخلي وتعزيز علاقاته الدولية، مما قد يفرض على القاهرة إعادة حساباتها.

الموقف المصري من النظام السوري الجديد ليس مجرد تعبير عن سياسة خارجية تقليدية، بل هو انعكاس مباشر للأزمة الداخلية التي يعيشها النظام. وبينما تحاول القاهرة بناء جدران لحماية نظامها، تبقى أسئلة حول مدى قدرتها على الصمود في وجه التحديات الإقليمية قائمة، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي الذي يُضعف قبضتها على الداخل.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022