الأربعاء 25 ديسمبر، أعلنت الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي، التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بانتهاء المراجعة الرابعة لبرنامج إصلاحات اقتصادية، يتيح للقاهرة الحصول على شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار، من إجمالي قرض مرافق للبرنامج يبلغ 8 مليارات دولار.
وعُقدت المناقشات التي بلغت ذروتها بالإعلان عن الاتفاق، من السادس إلى 20 نوفمبر شخصيا قبل أن يتم استكمالها افتراضيا.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن الصندوق “أنهى المراجعة الرابعة ضمن ترتيب تسهيل الصندوق الممدد، والذي ستحصل مصر بموجبه على 1.2 مليار دولار”، وفق بيان للحكومة.
وأشار مدبولي إلى “التصريح الصادر عن إيفانا فلادكوفا هولار، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، والذي أوضحت خلاله أنه تم التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات المصرية بشأن المراجعة الرابعة ضمن ترتيب تسهيل الصندوق الممدد“.
ونقل مدبولي عن هولار تأكيدها أن “السلطات المصرية واصلت تنفيذ سياسات رئيسية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، وذلك على الرغم من التوترات الإقليمية المستمرة التي تتسبب في انخفاض حاد في عائدات قناة السويس“.
وأعلن صندوق النقد الدولي “التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الممدد، مما سيمكن مصر من الحصول على حوالي 1.2 مليار دولار”، لكن تحويل المبلغ سيكون رهن موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وأنهت مصر المراجعة الأولى مع الصندوق، وحصلت على شريحة بقيمة 347 مليون دولار، ثم تبعته بالشريحتين الثانية والثالثة بقيمة 820 مليون دولار لكل شريحة، ليبلغ مجموع ما حصلت عليه مصر حتى نهاية المراجعة الثالثة 1.98 مليار دولار.
وبحسب بيان الصندوق فإن “السلطات المصرية طلبت تعديل أهدافها المالية على المدى المتوسط، في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، التي تشمل ارتفاع التضخم العالمي وأسعار الفائدة”، وتضمنت التعديلات رفع نسبة العجز في ميزانية السنة المالية الجارية المنتهية في يونيو المقبل إلى 4 % من 3.1 % سابقًا.
وفي أكتوبر الماضي، قال عبد الفتاح السيسي، في تصريحات متلفزة إن برنامج صندوق النقد الذي يرافقه قرض بقيمة 8 مليارات دولار، والذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام، “يتم تنفيذه في ظل ظروف إقليمية ودولية وعالمية صعبة للغاية“.
وأضاف السيسي وقتها: “أقول للحكومة ولنفسي، أنه إذا أدى هذا التحدي إلى ضغوط على الجمهور لا يمكنهم تحملها، فيجب مراجعة الوضع ومراجعة الموقف مع الصندوق“.
وفي نوفمبر 2022 اتفقت مصر مع الصندوق على برنامج إصلاحات اقتصادية يرافقه قرض بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن تتم توسعة القرض إلى 8 مليارات دولار في مارس الماضي، بسبب تأثر المالية العامة لمصر بحرب غزة.
وكان البرنامج تعثر عندما عادت مصر إلى التدخل بإدارة سعر الصرف، إلى جانب التأخر في برنامج طموح لبيع أصول مملوكة للدولة وتعزيز دور القطاع الخاص.
وانزلقت عملة أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان إلى مستوى تجاوز أكثر من 50 جنيهًا أمام الدولار في أعقاب رفع البنك المركزي سعر الفائدة بواقع 6% في مارس الماضي...
وقال المركزي المصري إنه سيسمح بتحديد سعر صرف الجنيه وفقًا لآليات السوق ما يعني تعويم عملة البلد الساعي للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي.
وذلك وفق قرار للجنة السياسات النقدية في البنك المركزي المصري والتي قرّرت رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس دفعة واحدة، ما يعادل 6%، لتصل إلى 27.25 وهي المرة الأولى تاريخيًا ربما التي يرفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة 6% مرة واحدة.، في مارس الماضي..
وصرحت إمديرة بعثة الصندوق، يفانا فلادكوفا هولار في البيان أيضا، أن “مواصلة تنفيذ جهود ضبط الأوضاع المالية سيكون ضروريا للحفاظ على القدرة على تحمل الديون وخفض تكاليف الفوائد الكبيرة”.
كما أشارت إلى أن خطط القاهرة لتبسيط النظام الضريبي كانت “جديرة بالثناء”، ولكن “ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاحات”.
وأضافت أن “هناك حاجة إلى حزمة إصلاحات شاملة لضمان قيام مصر بإعادة بناء الاحتياطيات المالية للحد من نقاط الضعف المتعلقة بالديون، وإيجاد مساحة إضافية لزيادة الإنفاق الاجتماعي، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية”.
وأجرت بعثة صندوق النقد الدولي زيارة إلى مصر في نوفمبر، وقالت إنها أحرزت تقدما كبيرا في مناقشة السياسات لاستكمال المراجعة الرابعة في إطار تسهيل الصندوق الممدد.
والمراجعة، التي قد تمنح تمويلا بأكثر من 1.2 مليار دولار، هي الرابعة في برنامج قرض الصندوق البالغة مدته 46 شهرا والذي جرت الموافقة عليه في 2022 وتمت زيادته إلى 8 مليارات دولار هذا العام، بعد أزمة اقتصادية شهدت ارتفاع التضخم ونقصا حادا في العملة الصعبة.
ووافق الصندوق على برنامج القرض لأول مرة في 2022، قبل زيادة حجمه هذا العام، بعد أن أدى ارتفاع التضخم ونقص حاد في العملة الصعبة إلى أزمة اقتصادية حادة في مصر.
وكانت مصر قد طلبت تمويلا في إطار تسهيل الصلابة والاستدامة منذ 2022، إذ تأمل في الحصول على ما يصل إلى مليار دولار إضافي.
وكانت كل مراجعة من الثلاث الأولى قد سمحت للسلطات المصرية بالحصول على 820 مليون دولار، واكتملت المراجعة الثالثة في نهاية يوليو.
وقال الصندوق إن الحفاظ على التوحيد المالي -خفض عجز الموازنة عبر تقليص الإنفاق – ضروري للحفاظ على استدامة الدين، وكذلك خفض تكاليف الفائدة الكبيرة، وتقليل احتياجات التمويل المحلي.
وأشار إلى أن هناك حاجة إلى رقابة صارمة للحد من المخاطر المالية الناجمة عن الشركات المملوكة للدولة في قطاع الطاقة، وضمان تطبيق صارم لسقف الاستثمار العام، بما في ذلك النفقات الرأسمالية المرتبطة بالكيانات العامة التي تعمل خارج ميزانية الحكومة.
وذكر أن هناك حاجة لإصلاحات إضافية لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية، وتعهدت السلطات بتنفيذ حزمة إصلاحات تهدف إلى زيادة نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 2% خلال العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات الضريبية بدلاً من زيادة معدلات الضرائب.
ستكون هذه الإصلاحات ضرورية لإعادة بناء الاحتياطات المالية لمصر، وتقليل مخاطر الدين، وتوفير مساحة إضافية للإنفاق الاجتماعي، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
واتفق فريق العمل والسلطات على أهمية تسريع الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال، وضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو.
مضيفا إنه لتحقيق ذلك، يجب بذل جهود أكثر حسمًا لتحقيق تكافؤ الفرص، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص لجذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الإمكانات الاقتصادية الكاملة لمصر.
في ظل التحديات التي تواجه مصر بسبب البيئة الخارجية الصعبة، أكد الطرفان على أهمية تسريع برنامج التخارج، أعربت السلطات عن التزامها بمضاعفة جهودها في هذا المجال، كونه أمرًا حاسمًا لدعم تنمية القطاع الخاص وتقليل عبء الدين العام.
وأكد البنك المركزي المصري التزامه بالحفاظ على نظام سعر صرف مرن لامتصاص الصدمات الخارجية، والحفاظ على سياسات نقدية مشددة لتقليل الضغوط التضخمية، ومواصلة تحديث عملياته تمهيدًا للانتقال التدريجي نحو نظام كامل لاستهداف التضخم
تأثيرات قرض صندوق النقد على المواطن المصري
غلاء أسعار السلع والخدمات
وينعكس خفض الجنية المتواصل منذ مارس الماضي، على أسعار عدد من الخدمات والسلع الأساسية ولاسيما أسعار المحروقات المرتبطة بأسعار الطاقة عالميًا، وأيضًا ارتفاع أسعار المواصلات وأيضًا ارتفاع في المحروقات مثل البنزين والسولار تحديدًا لأنه هو الوقود المستخدم لمعظم عمليات نقل الركاب والبضائع.
علاوة على تأثير كبير على أسعار السلع حيث كان يتم تسعيرها في الفترة الماضية بسعر السوق الموازية الذي وصل أحيانًا إلى 60 جنيهًا لكل دولار..
ويحاول المركزي السيطرة على الفجوة الكبيرة التي كانت بين سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري وسعره في السوق الموازية إضافة إلى معالجة التضخم الذي وصل إلى 30%.
زيادة الضرائب
وللحصول على الشريحة الرابعة لقرض الصندوق، كشفت الحكومة عن موافقتها على “زيادة نسبة الضرائب إلى الإيرادات 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات بدلا من زيادة الضرائب…
هذا الاعلان يتنافى مع الواقع تماما، اذ دأبت الحكومة على فرض مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين، في ظل اعفاءات كاملة لاقتصاد الجيش ومشاريعه، التي تبلغ قيمته نحو 60% من الاقتصاد القومي.
وهو ما يفاقم الأعباء المالية على المصريين، دون مساس باقتصاد الجيش، الذي يمثل حجر عثرة أمام خركى الاستثمار والمفاوضات الاقتصادية مع الصناديق والمؤسسات الدولية..
وعلى الرغم من وصف صندوق النقد، في بيانه، الاتجاة لزيادة الضرائب وتقليص الاعفاءات، بأنه من شأنه “إتاحة المجال لزيادة الإنفاق الاجتماعي لمساعدة الفئات الضعيفة..
إلا أن الحكومة تعمل بتسارع ملحوظ على عطس ذلك، بخفض الدعم التمويني، وحذف ملايين المستحقين، بحجج واهية، بجانب هندسة قانون التضامن الاجتماعي الجديد، الذي يخرج الكثير من المصريين من برامج الدعم والمساعدات الاجتماعية..
مفاقمة الديون والاستمرار في سياسات الاقتراض
صرح أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن حديثه لـ”الحرة”، مؤكدا أن المصريين يمتلكون تجربة تاريخية مؤلمة في التعامل مع المؤسسات الأجنبية المانحة منذ عهد الخديوِي إسماعيل حين تمت الاستدانة بإسراف فترتب على ذلك فرض الوصاية الخارجية على الميزانية العامة المصرية وبعدها جاء الاحتلال الإنجليزي.
وبحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي فإنه خلال هذه الفترة كثيرا ما انتقد عبدالناصر البنك الدولي وصندوق النقد في خطاباته، والجيل الشاب الذي استمع لها كبر الآن وصاروا آباء وأجدادا ولا يزال يحتفظ بهذا “الموقف النفسي”.
ربما لعب هذا “الموقف النفسي” دورا سلبيا في فشل أغلب اتفاقات مصر مع صندوق الدولي خلال السنوات اللاحقة لتأميم قناة السويس؛ ففي 1962 وقعت مصر أول برنامج اقتصادي يتعاون معها الصندوق في أدائه لتوفير 5 ملايين دولار (Stand by) رهن طلب القاهرة الفوري إذا ما احتاجت إليها، وهي خطوة تكررت كثيرا في السنوات اللاحقة كلما احتاجت مصر دعما ماليا لميزانيتها السنوية.
في أغلب الأحوال كانت مصر لا تستكمل بنود هذه البرامج حتى النهاية لأنها عادة ما تشمل الشروط المعتادة من ضرورة خفض سعر الجنيه أمام الدولار ورفع أسعار المنتجات البترولية وفرض ضرائب جديدة لتقليل عجز الموازنة والإسراع في تنفيذ برامج خصخصة الشركات والبنوك العامة.
طيلة فترة الثمانينيات عاشت مصر أزمة كبيرة بسبب تراكم ديونها الخارجية حتى بلغت 49.9 مليار دولار بما يزيد عن 145 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حينها حسبما أعلن البنك الدولي، الأمر الذي خلق عبئا كبيرا على ميزانية الدولة وأصبح مجرد الوفاء بأقساط “خدمة الدين” يستنزف قدرا كبيرا من احتياطي مصر من العملات الأجنبية.
بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 تلقى الاقتصاد المصري قُبلة الحياة بعد مشاركة مصر الفعّالة في تحرير الكويت من العراق، عندها قررت الولايات المتحدة إعفاء مصر من ديونها العسكرية كما دعت الدول الدائنة لمؤتمر في باريس لبحث مناقشة شطب نصف ديونها على مصر.
.
هذه الديون تضع مصر في مأزق مستمر ودائما ما يكون ذراعها تحت انياب صندوق النقد الدولي وامريكا وبالتبعية اسرائيل
مما لاشك فيه ان اسرائيل متحكمة ب شكل من الاشكال في الاقتصاد المصري
اجمالا: فإن قرض صندوق النقد الدولي، وخاصة شريحته الرابعة، تفاقم الديون المصرية، اذ ان لصندوق النقد الدولي لدى مصر نحو 17 مليار دولار، ينبغي على مصر سدادها حتى العام 2026، وتتواجه مصر بضرورة سداد نحو 22 مليار دولار في العام 2025، وهي ارقام كبيرة ، ترهق الموازنة المصرية، التي تخصص نحو 90% من اجمالي الدخل القومي، سداد الديون، ما يخصم من مخصصات الصحة والتعليم، والمخصصات الاجتماعية، وهو ما يعود بمزيد من الضغوط على المواطن المصري..
………..
مراجع:
رصد الاخباريه ، مصر تستعد للحصول علي قرض، 26 ديسمبر 2024
الحرة، اتفاق بين مصر وصندوق النقد يتيح صرف 1.2 مليار دولار، 27 ديسنبر 2024
العربيه، تفاصيل اتفاق المراجعة الرابعة بين صندوق النقد ومصر.. الدعم والضرائب
الحرة، لماذا يتخوف المصريون من “المراجعة الرابعة” لصندوق النقد؟،24 نوفمبر 2024
الجزيرة، صندوق النقد يتفق مع مصر على صرف 1.2 مليار دولار ضمن اتفاق الإقراض
التلفزيون العربي، اتفاق على مستوى الخبراء.. النقد الدولي سيقرض مصر 1.2 مليار دولار، 25 ديسمبر 2024
العربي الجديد، اتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي.. ما تداعيات انخفاض قيمة الجنيه؟، 6 مارس 2024