حسام نادي – باحث سياسى
يعود ملف تهجير الفلسطينيين إلى الواجهة مجددًا، هذه المرة بضغط أمريكي مباشر يقوده دونالد ترامب، الذي يسعى لإجبار مصر والأردن على استقبال سكان غزة كجزء من “تسوية نهائية” للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وبينما يرفض النظامان المصري والأردني علنًا هذا الطرح، فإن السيناريو الأخطر هو حدوث التهجير بغطاء خادع، سواء من خلال استغلال الرأي العام أو عبر صفقات سرية، وهو ما يحمل في طياته تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة ومصالح الشعوب.
سياسة التهجير القسري تحت ستار “التسوية“
ترامب، بدعم من اللوبي الصهيوني والأطراف اليمينية المتطرفة في إسرائيل، طرح فكرة “تنظيف غزة”، وذلك عبر اقتراح تهجير 1.5 مليون فلسطيني إلى سيناء والأردن. ورغم التصريحات الرسمية الرافضة من القاهرة وعمان، فإن تاريخ الأنظمة العربية مع الضغوط الأمريكية يفتح الباب لاحتمالات التنفيذ التدريجي لهذه المخططات.
عبد الفتاح السيسي وصف المقترح بأنه “ظلم”، لكنه في الوقت نفسه سمح بفتح معبر رفح بشكل محدود، بينما تشير تقارير إلى تنسيق أمني مكثف مع إسرائيل بشأن الوضع الحدودي، وهو ما يثير الشكوك حول مدى صلابة هذا الرفض. في الأردن، حذّر الملك عبد الله الثاني من “تصفية القضية الفلسطينية” لكنه لم يوضح كيف سيتعامل مع أي موجة نزوح جماعي حال حدوثها.
تواطؤ الأنظمة واحتواء الغضب الشعبي
الأنظمة العربية تدرك أن قبول التهجير علنًا سيشعل غضبًا شعبيًا غير مسبوق، لذلك تعتمد على استراتيجية “احتواء الرأي العام” من خلال تضخيم خطاب رفض التهجير، بينما قد تعمل سرًا على تسهيل عمليات الترحيل التدريجي عبر ما يُسمى بالممرات الآمنة أو المناطق العازلة.
في مصر، يعتمد السيسي على السيطرة الأمنية المطلقة لمنع أي حراك شعبي ضد هذه الخطط. لكن مع تزايد الضغط الدولي، قد يجد نفسه مضطرًا للموافقة على استضافة لاجئين فلسطينيين تحت غطاء “الإغاثة الإنسانية”، تمامًا كما فعل مع قضايا أخرى خضعت لحسابات سياسية دولية. أما في الأردن، فإن الملك يواجه معارضة قوية داخلية لقبول المزيد من اللاجئين، لكن الضغوط الأمريكية والتهديدات الاقتصادية قد تدفعه نحو تسويات غير معلنة.
التداعيات الكارثية لتهجير الفلسطينيين
قبول أي تهجير جماعي يعني القضاء على فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مشكلة “لاجئين بلا وطن”. كما أن توطين اللاجئين في سيناء قد يجعلها هدفًا مستقبليًا لمشاريع التقسيم أو حتى ضمها لإسرائيل ضمن خطط تغيير الخرائط الجغرافية.
أمنيًا، فإن نقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى سيناء قد يؤدي إلى توترات جديدة مع الجماعات المسلحة في المنطقة، مما يخلق ذريعة لتدخلات إسرائيلية متزايدة، وربما يعزز مشروع “المنطقة العازلة” الذي تسعى إليه تل أبيب منذ سنوات.
اقتصاديًا، فإن الأردن يعاني بالفعل من ضغوط مالية خانقة، واستقبال المزيد من اللاجئين سيؤدي إلى انفجار اجتماعي حتمي، قد يتحول إلى انتفاضة شعبية ضد النظام. أما مصر، التي تواجه أزمات اقتصادية خانقة، فإن استيعاب الفلسطينيين سيفاقم المشكلات الداخلية، مما قد يدفع النظام إلى إجراءات قمعية أوسع لاحتواء أي رفض شعبي.
خاتمة: تهجير قسري بغطاء سياسي؟
رغم المواقف الرسمية الرافضة، فإن السيناريو الأخطر هو تنفيذ التهجير القسري بطريقة تدريجية تحت غطاء سياسي وإعلامي. وبينما تحاول الأنظمة العربية امتصاص الغضب الشعبي من خلال بيانات رفض شكلية، فإن حقيقة الأمر أن الضغوط الأمريكية قد تجد طريقها في النهاية إلى التنفيذ الجزئي لهذا المخطط.
الحل الوحيد لمنع ذلك هو موقف شعبي صارم يرفض أي تنازل عن الأرض الفلسطينية، وإلا فإن سيناريو “النكبة الثانية” قد يكون أقرب مما يتصور الكثيرون.