السودان في يناير 2025: مشهد معقد بين التصعيد العسكري والانهيار الإنساني

حسام نادي_ باحث سياسى

يدخل السودان عام 2025 وسط تصعيد عسكري متزايد بين القوات المسلحة السودانية (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF)، مما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية والإنسانية التي تعصف بالبلاد. ففي ظل تراجع فرص الحلول السلمية، وتزايد التدخلات الخارجية، بات المشهد أكثر قتامة، مع استمرار دوامة الحرب دون أفق واضح لإنهائها.

التطورات العسكرية: تقدم تكتيكي أم إعادة تموضع؟

شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات ميدانية حاسمة، حيث تمكن الجيش السوداني من استعادة مناطق استراتيجية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، لكن ذلك لا يعني بالضرورة حسم المعركة.

التقدم في الخرطوم وأم درمان

نجح الجيش السوداني في اختراق الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على مقره في الخرطوم، كما استعاد السيطرة على مصفاة الجيلي النفطية، التي كانت تُستخدم كمصدر إمداد رئيسي لقوات الدعم السريع منذ 2023.

في أم درمان، ثاني أكبر مدينة في السودان، تمكن الجيش من استعادة عدة أحياء كانت تحت سيطرة الدعم السريع، وصادر مستودعات أسلحة، ما يعزز موقفه التكتيكي.

المعارك في غرب السودان ودارفور

بينما يحاول الجيش تأمين سيطرته على الخرطوم، يواجه ضغطًا متزايدًا في الغرب. فقد شنت قوات الدعم السريع هجومها الأكبر حتى الآن على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، ما يهدد بمجزرة محتملة في حال سقوط المدينة.

الدعم السريع يعتمد بشكل كبير على دعم خارجي، خصوصًا من الإمارات، التي هددت بقطع الإمدادات إذا فشل في استعادة الفاشر.

ولاية الجزيرة وواد مدني

استعاد الجيش السيطرة على واد مدني، المدينة التي كانت تشكل مركزًا لوجستيًا هامًا لقوات الدعم السريع، لكنه يواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، بما في ذلك عمليات إعدام واعتداءات ذات طابع عرقي.

الأزمة الإنسانية: بين المجاعة والجرائم ضد المدنيين

يستمر الوضع الإنساني في السودان في التدهور، حيث يعاني الملايين من الجوع والنزوح القسري، وسط تزايد الجرائم ضد المدنيين من كلا الطرفين.

المجاعة وحصار المدن

الفاشر تعيش تحت حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية والمياه، مع تقارير تشير إلى اقتراب مجاعة تهدد مئات الآلاف من السكان.

تشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 14.6 مليون سوداني مشردون داخليًا، فيما فرّ أكثر من مليون شخص إلى جنوب السودان، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.

انتهاكات حقوق الإنسان

هناك اتهامات للجيش السوداني باستخدام أسلحة كيماوية في مناطق نائية، في حين نفذت قوات الدعم السريع غارات بالطائرات المسيرة على المستشفيات، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين.

وثقت تقارير إعلامية عمليات إعدام جماعية نفذتها قوات الجيش في ولاية الجزيرة، مما دفع جنوب السودان إلى استدعاء السفير السوداني للاحتجاج على مقتل رعاياه.

ردود الفعل الدولية: ضغوط متزايدة دون حلول ملموسة

يستمر المجتمع الدولي في فرض العقوبات والضغوط الدبلوماسية، لكن هذه التحركات لم تؤدِ حتى الآن إلى أي تغيير جوهري في مسار الصراع.

عقوبات أمريكية وتجميد المساعدات العسكرية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بسبب الانتهاكات بحق المدنيين، كما أدرجت قوات الدعم السريع في قوائم المتورطين في جرائم إبادة جماعية.

يعمل الكونغرس الأمريكي على حظر مبيعات الأسلحة إلى الإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع.

تحذيرات الأمم المتحدة من جرائم حرب

حذرت الأمم المتحدة من احتمال وقوع تطهير عرقي في الفاشر، ودعت إلى تحقيقات دولية في جرائم الحرب التي يرتكبها الطرفان.

التوترات الإقليمية

أدى النزاع إلى تصاعد التوتر في جنوب السودان، الذي اضطر إلى حجب وسائل التواصل الاجتماعي بعد اندلاع اضطرابات مرتبطة بالحرب السودانية.

تواجه الدول المجاورة، مثل إثيوبيا وتشاد، تدفقات هائلة من اللاجئين، مما يزيد من الضغط على أنظمتها الاقتصادية الهشة.

المشهد السياسي: هل تتجه السودان إلى التقسيم؟

مع تحول النزاع إلى معركة استنزاف طويلة الأمد، بدأ بعض المحللين يتحدثون عن إمكانية تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ بين الجيش وقوات الدعم السريع.

الجيش وترسيخ سلطته في الوسط والشرق

يسعى الجيش إلى تثبيت سيطرته على العاصمة والمناطق المحيطة بالنيل، بدعم من مصر وتركيا، مما يعزز موقفه كلاعب رئيسي في أي تسوية مستقبلية.

الدعم السريع يرسّخ وجوده في دارفور

مع تزايد الضغوط عليه في الخرطوم، يبدو أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) يركز على ترسيخ حكمه في دارفور، وهو ما قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للسودان بين شرق وغرب.

إذا نجح الدعم السريع في السيطرة الكاملة على دارفور، فقد نشهد دولة متمردة مدعومة إقليميًا، مما يفتح الباب أمام سيناريو مماثل للوضع في ليبيا.

خاتمة: حرب بلا أفق وحلول مفقودة

رغم التقدم الذي أحرزه الجيش في الخرطوم وبعض المناطق، لا يبدو أن أياً من الطرفين قادر على حسم الحرب قريبًا. مع استمرار الدعم الخارجي لكلا الطرفين، واستمرار تدهور الوضع الإنساني، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو حرب استنزاف طويلة الأمد، قد تفضي في النهاية إلى تقسيم السودان بحكم الواقع.

في ظل هذا الوضع، تبقى الحلول السياسية غائبة، والمبادرات الدولية معطلة، بينما يدفع ملايين السودانيين ثمن صراع لا يبدو أن نهايته قريبة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022