مصر بين التهديدات الخارجية والواقع الداخلي: أين يكمن الخطر الحقيقي؟

حسام نادي – باحث سياسي

تعيش مصر في منطقة تموج بالصراعات والاضطرابات، ما يجعل التحديات الأمنية والسياسية على حدودها أمرًا معقدًا لا يمكن إنكاره. فمن الغرب، تعاني ليبيا من انقسامات وحروب أهلية، ومن الجنوب يواجه السودان اضطرابات دامية تهدد استقراره، بينما تبقى أزمة سد النهضة في الشرق الأفريقي تحديًا مستمرًا. ومع ذلك، فإن التركيز على التهديدات الخارجية فقط وتجاهل الأزمة الداخلية التي تعاني منها مصر قد يؤدي إلى تزييف الوعي وإبعاد الأنظار عن الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي المصري.

النظام الحاكم: أزمة شرعية وأثرها على الاستقرار الداخلي

لا يمكن الحديث عن الأمن القومي المصري دون الإشارة إلى طبيعة النظام الحاكم، الذي أتى بانقلاب عسكري، وفرض نفسه بالقوة والقمع، متسببًا في إراقة الدماء واعتقال الآلاف وتشريد العديد من المعارضين. فمنذ 2013، شهدت البلاد تراجعًا في الحريات الأساسية، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وقمعًا ممنهجًا لأي صوت معارض، ما أدى إلى حالة من الاحتقان الشعبي وتآكل شرعية النظام في الداخل والخارج.

السياسات الأمنية القائمة على الاعتقالات التعسفية وتكميم الأفواه أدت إلى تفكيك النسيج المجتمعي، ما جعل المجتمع أكثر هشاشة وأقل قدرة على مواجهة التحديات الحقيقية. ومع كل أزمة خارجية، يتم استغلال هذه الأحداث لتبرير المزيد من القمع الداخلي، حيث يتم تصوير النظام على أنه الحامي الوحيد لمصر ضد الفوضى.

تفكك المجتمع وانتشار الفساد

أحد أخطر التهديدات الداخلية التي تواجه مصر هو تفكك المجتمع وانتشار الفساد والرذائل كنتيجة مباشرة لغياب سيادة القانون وانعدام العدالة الاجتماعية. فالنظام الحالي اعتمد على شبكات المصالح والولاءات لضمان بقائه، ما أدى إلى تفشي المحسوبية والفساد داخل المؤسسات، وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح دائرة ضيقة من المنتفعين.

كما أن سياسات القمع والبطش ساهمت في خلق حالة من الإحباط واليأس بين الشباب، مما دفع البعض إما إلى الهجرة أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة، سواء كانت جرائم منظمة أو انضمامًا إلى جماعات متطرفة، وهو ما يشكل تهديدًا أمنيًا داخليًا يفوق بكثير أي تهديد خارجي.

الاقتصاد في قبضة الديون: خطر لا يقل عن الحروب

منذ سنوات، اعتمد النظام الحاكم على سياسة الاقتراض المفرط كحل مؤقت للأزمات الاقتصادية، لكن هذه السياسة جعلت مصر رهينة لديون ضخمة تقيد سيادتها المالية وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة. فقد ارتفعت معدلات الاقتراض الخارجي بشكل غير مسبوق، وأصبحت الديون وفوائدها تلتهم جزءًا كبيرًا من الموازنة العامة، مما أدى إلى تضييق الخناق على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

كما أن هذه السياسة الاقتصادية الهشة أثرت بشكل مباشر على المواطن العادي، حيث ارتفعت معدلات الفقر والتضخم، وتزايدت الضغوط المعيشية، ما تسبب في ارتفاع معدلات الجريمة والتوترات الاجتماعية. ورغم كل ذلك، يتم توجيه الموارد نحو مشروعات عملاقة غير ذات جدوى اقتصادية، في حين يتم تجاهل الاحتياجات الأساسية للشعب.

هل التهديدات الخارجية هي الخطر الأكبر؟

بينما تروج وسائل الإعلام الرسمية لفكرة أن التهديدات الخارجية هي أكبر المخاطر التي تواجه مصر، فإن الواقع يشير إلى أن التهديد الحقيقي يكمن في الداخل. فالنظام القمعي، والفشل الاقتصادي، والانقسام المجتمعي كلها عوامل تهدد استقرار مصر أكثر من أي صراع إقليمي.

التعامل مع الأزمات الخارجية قد يكون ضروريًا، لكن لا يمكن فصل ذلك عن الحاجة الملحة لمعالجة الأزمات الداخلية التي تهدد مستقبل البلاد. فالأمن الحقيقي لا يتحقق فقط عبر تأمين الحدود، بل أيضًا عبر بناء دولة قائمة على العدالة الاجتماعية، والحريات، والتنمية المستدامة.

الخلاصة

إن استقرار مصر وأمنها القومي لا يتحقق فقط عبر مواجهة التحديات الخارجية، بل يبدأ أولًا بإصلاح الأوضاع الداخلية. إن استمرار النظام الحالي في سياساته القمعية والاقتصادية الفاشلة لا يزيد البلاد إلا ضعفًا ويجعلها أكثر عرضة لأي تهديد خارجي أو داخلي. لذلك، فإن التغيير الحقيقي لا يكمن في مجرد البحث عن حلفاء خارجيين أو مواجهة خصوم إقليميين، بل في بناء دولة ديمقراطية عادلة تحقق الاستقرار من الداخل قبل الخارج.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022