تصريحات أطلقها الرئيس الأمريكي، وقرارات اتخذها على الصعيد الأمريكي وعلى المستوى الدولي، رأها كثيرين، مرتبطة ببعضها البعض وإن بدت في التحليل الأول متباعدة، ورأوا فيها إرهاصًا بتفكك الامبراطورية الأمريكية، وتحمل نذر شؤم على مستقبل المنطقة العربية. نستعرض في هذه السطور تلك التطورات، في محاولة للكشف عن دلالاتها، وتلمس انعكاساتها على مستقبل الدولة، التي رأى مراقبين أنها في طريقها للأفول، وعلى مستقبل الامبراطورية الأمريكية والنظام الدولي ككل، وعلى مستقبل المنطقة العربية، مع الوقوف على رؤية مراقبين مصريين لهذه التطورات.
حماية إسرائيل أم تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط:
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 4 فبراير 2025، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، وتفكيك “كل القنابل غير المنفجرة والأسلحة الأخرى الخطيرة في هذا الموقع”، وأن القطاع سيصبح موطنًا “لشعوب العالم”، متوقعًا أن تصبح غزة “ريفييرا الشرق الأوسط”. وفيما يتعلق بموقع سكان القطاع من هذا التصور، قال الرئيس الأمريكي أنه “سيدعم جهود إعادة توطين الفلسطينيين من غزة بشكل دائم إلى أماكن يمكنهم العيش فيها دون خوف من العنف”، وأنه يناقش وفريقه إمكانية إعادة توطينهم في مصر والأردن ودول أخرى في المنطقة، وأشار إلى “أنه سيعلن موقفه من “سيادة إسرائيل على الضفة الغربية في الأسابيع المقبلة”1.
التصورات التي أعلنها الرئيس الأمريكي خلال المؤتمر الصحفي عن القضية الفلسطينية بمثابة تصفية للصراع، وحسمه لمصلحة إسرائيل بشكل سافر؛ حيث تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول الطوق في مصر والأردن، وتطوير القطاع كمشروع استثماري ضخم، ومن ثم ضمان أمن الكيان الإسرائيلي سنوات طويلة قائمة، مع تصدير مشكلات تل أبيب مع شعب فلسطين إلى دول الجوار المباشر.
لكن يعيب هذا الطرح أمرين أساسيين؛ التكلفة العالية لهذا التصور، التكلفة البشرية الناجمة عن تهجير القسري لما يزيد عن 2.5 مليون فلسطيني يسكنون القطاع، والناجمة عن الرفض والمقاومة المتوقعة لفلسطينيو القطاع وفصائل المقاومة المسلحة لمخططات التهجير، والناتجة كذلك عن مقاومة دول الطوق ورفضها لمخططات التهجير، وللتكلفة المادية والعسكرية التي يستلزمها إجبار 2.5 مليون على ترك مواطنهم عُنْوَة، خاصة أن عدوان إسرائيلي استمر أكثر من 15 شهر فشل في انتزاع سكان غزة من القطاع؛ إذ فور إعلان وقف إطلاق النار سارع سكان القطاع إلى العودة إلى منازلهم رغم الدمار الكامل لمقومات الحياة هناك. كما يعيبه كذلك أنه لا يأخذ في اعتباره التداعيات السلبية لهذا التصور، في حال تحققه، على استقرار المنطقة ككل، بل وعلى استقرار إسرائيل نفسها، في ظل إقليم شديد السيولة؛ ومخاطر غير مسبوقة على دول الطوق.
تنديد واسع بخطط الرئيس الأمريكي بخصوص غزة:
وقد أثارت المخططات الأمريكية ردود فعل رافضة ومستنكرة للتصريحات الأمريكية؛ على الصعيد العربي2، سبق وأن صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن تهجير الشعب الفلسطيني “ظلم لا يمكن أن نشارك فيه”3، كما شدد على ضرورة إعادة إعمار القطاع4. وفي بيان عربي مشترك لوزراء الخارجية شارك فيه الأرْدُنّ ومصر والإمارات والسعودية وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، رفض المساس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف5.
كما وجه سفراء دول مصر والأردن والسعودية ونائبي سفيري الإمارات وقطر رسالة خطية إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، من وزراء خارجية دولهم وممثل عن السلطة الفلسطينية، تؤكد على أهمية العلاقات الاستراتيجية التي تربط الدول العربية بالولايات المتحدة، وضرورة استئناف الجهود الرامية للتوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية6. أما الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فقد شددت على أن دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية من ثوابت القضية الفلسطينية ومحل إجماع عربي كامل7.
على مستوى ردود الفعل الدولية، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس أنه يعارض تمامًا مخطط الرئيس الأميركي ، دونالد ترامب، “لإعادة توطين سكان غزة”8، كما صرح وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، أنه يجب أن يكون الفلسطينيون قادرين على “العيش وتحقيق الازدهار” في غزة والضفة الغربية، فيمَا اعتبرت الخارجية الفرنسية أن “مستقبل غزة يجب ألا يكون في إطار سيطرة دولة ثالثة بل في إطار دولة مستقبلية تحت رعاية السلطة الفلسطينية”، وصرح وزير الخارجية الأسباني خوسيه مانويل “أريد أن أكون واضحَا للغاية في هذا الشأن، غزة هي أرض الفلسطينيين سكان غزة ويجب أن يبقوا فيها”، وأن “غزة جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تدعمها إسبانيا”، أما رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي فقد قال أن “الحكومة الأسترالية تؤيد حل الدولتين”9.
أما الخارجية الصينية، فقد صرح الناطق باسمها لين جيان خلال مؤتمر صحفي دوري “أكدت الصين دائمًا أن الحكم الفلسطيني على الفلسطينيين هو المبدأ الأساس لحكم غزة بعد الحرب، ونحن نعارض الترحيل القسري لسكان غزة”، الأمر نفسه أكده دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الذي صرح إن روسيا تعتقد أن التسوية في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وقال وزير الخارجية التركي ردًا على سؤال عن تصريحات ترامب أن “هذا غير مقبول”10، مؤكدًا أن “طرد الفلسطينيين من غزة مسألة غير مقبولة لا من جانبنا ولا من جانب بلدان المنطقة. ولا حاجة حتى لمناقشتها”11، فيمًا اعتبرت الخارجية الإيرانية أن تهجير سكان القطاع بمثابة تطهير عرقي12.
على الصعيد الأممي، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من أراضَ محتلة، محظور تمامًا بموجب القانون الدُّوَليّ، وأنه من الضروري التحرك نحو المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين والمعتقلين بشكل تعسفي، وإنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة13.
بالتأكيد جزء من هذه التصريحات إعلان موقف يُستبعد ترجمتها إلى سياسات وقرارات حقيقية تحول دون تنفيذ هذه التصورات الأمريكية، لكنها من جانب أخر قد تقود إلى عزلة واشنطن دوليًا، ورفع أية شرعية عن توجهاتها تلك، وتكشف من جهة أخرى التحيز الأمريكي لتل أبيب، وتزيل أخر قشرة توت عن هذا التحيز، وهي إلى ذلك تكشف عن عجز الشرعية الدولية في مواجهة النزق والمروق الأمريكي، وتظهر إلى أي مدى صار النظام الدولي الحالي متهالكًا تحركه القوة الامبراطورية الأمريكية العارية من أية شرعية.
تثوير البيروقراطية وأمريكا أولًا أم تفكيك للامبراطورية الأمريكية:
في الوقت الذي أعلن فيه ترامب رؤيته لتصفية القضية الفلسطينية، وجاءت مفاجئة لكثيرين خارج الولايات المتحدة وكذلك داخلها14، أعلن الرئيس الأمريكي عن قرارات وشرع في سياسات لم تكن أقل راديكالية، أبرزها:
- خِطَّة الرئيس الأمريكي لـ “تقليص حجم القِوَى العاملة الفدرالية وإعادة هيكلة الوكالات الحكومية وترتيب أولوياتها“: حيث أعلن مكتب إدارة الموظفين، في 28 يناير 2025، في مذكرة نشرت على موقعه الإلكتروني، عن رسالة بريد إلكتروني جماعية إلى الموظفين الفيدراليين، بأن جميع الموظفين المدنيين الفيدراليين بدوام كامل لديهم خِيار قَبُول عروض الاستقالة الطوعية بحلول السادس من فبراير، وهو ما سيسمح لهم بالحصول على رواتبهم، مع المزايا، حتى 30 سبتمبر المقبل، فيمَا قبل أكثر من 40 ألف عامل العرض الذي يرهن الاستقالة مقابل الحصول على راتب ثماني أشهر، وهو ما يقرب من 2% من أولئك الذين عُرضت عليهم الصفقة، في حين تستهدف إدارة ترامب وقف ما بين 100 و200 ألف شخص في الوكالات الفيدرالية، وهو ما نسبته ما بين 5% و10% من القُوَى العاملة الفيدرالية؛ لتوفير ما بين 100 و200 مليار دولار من النفقات الحكومية15.
في هذا السياق جاءت دعوة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جميع موظفيها إلى “المغادرة الطوعية”، وهو ما اعتبره مؤيدون لترامب تفكيك لجزء من “دولة عميقة” تعمل على تقويض سياساته، فيمَا رأه معارضين للرئيس محاولة لإحلال ولاءات جديدة، فيمَا نفى مسؤولون ارتباط البرنامَج بـ “تطهير” الوكالة16.
سياسات الإقالة تلك تقودها وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، التي يرأسها الملياردير المثير للجدل “إيلون ماسك”17؛ تحت دعاوى رفع “الكفاءة، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وإيقاف هدر المال العام، ومكافحة الفساد”، وبدون تنسيق مع الكونجرس وبشكل مثير للجدل من ناحية درجة قانونيته، ما يدفع منتقدون للقول أن ما يحدث إنما “إعادة تشكيل أساسية للحكومة الفيدرالية على أسس أيديولوجية”18. فيمَا حذر متابعون من انعكاسات هذه السياسة على تآكل الاستقرار المؤسسي داخل الحكومة الأميركية، وعلى تقليص قدرة الحكومة على الاستجابة بفعالية للأزمات، وإضعاف الثقة العامة بالحكومة، وتعزيز الاستقطاب الحزبي، وإثارة المخاوف بشأن مستقبل الاستقلال الإداري والحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية19.
- تفكيك مراكز القوة الناعمة الأمريكية: أصدر ترامب قرارات اعتبرها مراقبون تفكيك للامبراطورية الأمريكية، أو على أقل تقدير تدمير للقوة الناعمة الأمريكية؛ منها: انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإيقاف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بصورة نهائية، بعد قرار بتعليق التمويل في يناير 2024 من قبل إدارة الرئيس السابق جو بايدن، مع “مراجعة المشاركة الأميركية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)”20، أيضًا معاقبة المحكمة الجنائية الدولية لاستهدافها الولايات المتحدة وحلفاءها مثل إسرائيل؛ احتجاجًا على مذكرتي اعتقال أصدرتهما بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة21، وكذلك الحرب التجارية التي شنّتها الإدارة الأمريكية الجديدة على كندا والمكسيك، حيث أعلنت عن تعريفات جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا، بحجة أنهما لا يبذلان مجهودًا كافيًا لوقف تفدق المهاجرين والمخدرات، وبسبب العجز في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والبلدين22، وأيضًا قرار إلغاء وضع الحماية المؤقتة لـ 600 ألف لاجئ فنزويلي، مما يعرضهم لخطر الترحيل23.
يعد كل ما سبق تقويض للقوة الناعمة24 الأمريكية، كونه خروجًا سافرًا على قيم حقوق الإنسان التي ظلت الإدارات الأمريكية تروج لها باعتبارها قيما عالمية، وتقدم نفسها باعتبارها شرطي العالم الضامن لتحقيق هذه القيم، وفي كثير من الأحيان استخدمتها كحصان طروادة للتدخل في الشؤون السيادية للدول. بالتالي باتت هذه السياسات تقول أن التنديد بأحوال حقوق الإنسان حول العالم إنما هي ادعاءات لتبرير التدخل، وهي تقود إلى تراجع واشنطن عن كونها مركز جذب كوني ونموذج يحتذي مع تراجع اهتمامها بهذه القيم والتزامها بها.
ولعل من أبرز ملامح تفكيك القوة الناعمة الأمريكية كان قرار ترامب بتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)؛ عبر خفض عدد موظفيها من أكثر من 10 آلاف موظف إلى أقل من 300، مع إغلاق مقر الوكالة وتعطيل موقعها الإلكتروني، مما يؤدي فعليا إلى القضاء عليها، وبدء إجراءات دمجها في وزارة الخارجية، مع مواءمة وظائفها بشكل أوثق مع المصالح الوطنية الأميركية25.
الوكالة التي تأسست عام 1961 مع صدور قرار عن الرئيس الأمريكي جون كينيدي بتوحيد جميع برامج المساعدات والإغاثة الخارجية التي تقدّمها الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، وجمعها في وكالة واحدة تحمل اسم “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” (USAID)، ومنحها الكونغرس طابع الاستقلالية عام 199826، لتصبح الوكالة أكبر جهة مانحة في العالم، وفي عام 2024 وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة قدمت (USAID) أكثر من 42% من إجمالي المساعدات الإنسانية في العالم، تستخدم في مجموعة من البرامج، مثل التنمية الاقتصادية، الصحة، التعليم، المساعدات الإنسانية في أوقات الكوارث والأزمات، ودعم الاستقرار السياسي والأمني في مناطق مختلفة حول العالم، بما يتوافق مع المصالح الأميركية، بشكل جعل بعض الحكومات رهينة مثل هذه المساعدات27، ورغم هذا الدور الكبير فإن المساعدات الخارجية الأميركية سنويًا تمثل حوالي (1%) فقط من إجمالي الميزانية الفيدرالية الأميركية28.
هذا القرارات بتفكيك مرتكزات القوة الناعمة الأمريكية، وفي القلب منها وكالة (USAID)، يرى مراقبون أنه قد يخلق فراغًا تحاول قُوَى دولية أخرى مثل الصين أو روسيا ملؤه لتعزيز نفوذها، وقد يؤدي إلى تقويض العلاقات الدبلوماسية بحلفاء الولايات المتحدة الذين يرون في المساعدات أداةً للتضامن والتعاون الدولي، مما قد يضعف دور أميركا القيادي29.
بل ثمة من يرى أن صعود دونالد ترامب في حد ذاته يُمثِّل ضربة قاصمة لما يُعرف بـ”النظام الدُّوَليّ الليبرالي”، في ظل ازدراء ترامب للمؤسسات والهيئات الرئيسية التي شيَّدتها واشنطن للحفاظ على هذا النظام، مثل حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، والأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، مما قد يفقد واشنطن تفوقها، بل قد يعرض أمنها القومي للخطر؛ مع تخلّيها عن المقومات التي أسست للهيمنة الأميركية على مدار أكثر من 50 عاما30.
كيف قرأ مراقبين مصريين القرارات الأمريكية:
كثير من التعليقات التي قيلت على هامش هذه التطورات ربطت بينها، وعدّتها حلَقات في سلسلة واحدة، وترجمة لأمريكا ترامب، وقد رأوا أن هذه التطورات ستؤثر على ملفات ثلاث، الأول: مستقبل الامبراطورية الأمريكية: معتبرين أن تقليص عدد الموظفين الفيدراليين في الولايات المتحدة إنما هو تَرْجَمَة لمرحلة الرأسمالية المتأخرة؛ حيث تتحول الدولة إلى شركة، وينظر إلى المواطنين باعتبارهم مستهلكين، وتترك الأجهزة الأمنية مكانها لحساب شركات أمنية خاصة، وأن الدولة التي عرفها العالم في طريقها للأفول مفسحة المجال لصعود النموذج الشركاتي31، خاصة أن الموظفين الذين سيتم تسريحهم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)32، ومع استمرار هذه السياسات، ستقودنا خلال 10 سنوات أو أقل، إلى عالم تحكمه شركات أمنية متعددة الجنسيات، أسسها عملاء سابقين في الـ CIA، ومتحالفة مع الاحتكارات التقنية الكبيرة في العالم ( جوجل، أمازون، وغيرها)، ومن المرجح أن يشهد العالم عودة مسار الانقلابات، ليس فقط في الجَنُوب بل والشمال أيضا33.
ثانيا: على صعيد النظام الدولي: فإن السياسات الترامبية تعني أن الترتيبات القائمة في النظام الدولي باتت مجهزة للتفكيك؛ فالتحالفات التي كانت مركزها الولايات المتحدة تتفكك، وهناك نذر حرب اقتصادية بين بكين وواشنطن؛ فمَا يحدث وفقًا للبعض إنما يئد مكامن القوة الناعمة والخشنة التي راكمتها أمريكا لعقود34.
ثالثًا: مستقبل المنطقة العربية في ضوء تصورات ترامب: تبدو مخططات تهجير سكان قطاع غزة غير واقعية، وتكلفتها عالية للغاية؛ فمن جهة فإن تحققها يعني استمرار الإبادة والتطهير العرقي في غزة، أو يعني تهجير سكان القطاع إلى دول الجوار، ما يعني انهيار الترتيبات القائمة، واتساق رقعة المناطق غير المستقرة، عبر تصدير الأزمة إلى دول الجوار، وهو ما قد يقود إلى انهيار النظم العربية القائمة على الأقل في دول الطوق35، في حين يضمن وجود أمريكا الدائم في غزة وجود عازل قوي بين مصر وإسرائيل وهو ما سوف يضمن لها امنها ويزيل عقبة كبيرة من طريقها كقوة إقليمية رئيسة في الشرق الأوسط الجديد36، لكنها قوة في وسط مضطرب وفي جغرافيَا قلقة.
أما في حال رفض دول الطوق، فإن تنفيذ مخطط التهجير القسري يستلزم تعاون دول إسلامية غير عربية، تقبل استقبال الفلسطينيين37. لكن يبقى الراجح أن سيناريو التهجير غير قابل للتحقق، فالتهجير القسري “لا يمكن أن يتم في ظل كثافة سكانية مرتفعة بمجرد القصف الجوي أو تحت الحصار، دون آلية بيروقراطية أو شبه بيروقراطية لإدارة تلك العملية أو فرضها”، كما يشترط “وجود أماكن قريبة جغرافيًا وتجمعها صلات أهلية مع السكان الجاري تهجيرهم”38، لكن محاولة تنفيذه ستسفر عن كارثة إنسانية لفلسطينيو القطاع39.
في كل الحالات، فإن سياسات ترامب وفقًا لتعليقات مراقبين مصريين، بل وكثيرين غيرهم، تحمل نذر تغييرات سلبية إن على الصعيد الأمريكي، أو على مستوى النظام الدولي ككل، وفي السياق العربي، فكلها تبشر بمستقبل أكثر اضطرابًا وأقل قابلية للتوقع.
1 المنصة، ترامب يعلن عزمه السيطرة على غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/yxkjzkkb
2 المنصة، ترامب: مصر والأردن سيقبلان تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما، 31 يناير 2025، في: https://manassa.news/news/22060
3 المنصة، السيسي: ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه، 29 يناير 2025، في: https://manassa.news/news/22030
4 سكاي نيوز عربية، السيسي يؤكد على موقف مصر الصارم من تهجير غزة، 7 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/yk3nv74m
5 رئاسة مجلس الوزراء المصري (فيس بوك)، بيان صادر عن وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج: بيان مشترك، 1 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/pfzs322u
6 وكالة أنباء الشرق الأوسط، سفراء الدول الموقعة على بيان القاهرة بواشنطن يتوافقون على عقد سلسلة من اللقاءات مع كبار مسئولي الإدارة الأمريكية، 3 فبراير 2025، في: https://www.mena.org.eg/news/dbcall/table/textnews/id/11053378
7 المنصة، “انتهاك للقانون”.. رفض دولي لمخطط ترامب السيطرة على قطاع غزة، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/94z4fsp3
8 العربية، المستشار الألماني: أعارض تماماً مخطط ترامب لإعادة توطين سكان غزة شولتس: “لا يمكننا إعادة توطين سكان غزة في مصر والأردن، هذا الأمر غير مقبول”، 7 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/2k6xrvb9
9 اندبندنت عربية، تصريحات ترمب في شأن السيطرة على غزة تثير زوبعة من ردود الأفعال، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/bdcsb7t4
10 المرجع السابق.
11 المنصة، “انتهاك للقانون”.. رفض دولي لمخطط ترامب السيطرة على قطاع غزة، مرجع سابق.
12 الغد، إيران تحذر: تهجير سكان غزة إلى مصر أو الأردن «تطهير عرقي»، 3 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/mrwjd8bk
13 المنصة، “انتهاك للقانون”.. رفض دولي لمخطط ترامب السيطرة على قطاع غزة، مرجع سابق.
14 الجزيرة نت، مقربون من ترامب يكشفون كواليس إعداد خطته لغزة، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/4fcamu8r
15 العربي الجديد، رعب الوكالات الفيدرالية: ترامب يقود أكبر عملية تسريح بتاريخ أميركا، 7 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/4yws5sp2
16 الجزيرة نت، المخابرات الأميركية تقدم خطة “المغادرة الطوعية” لموظفيها، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/99wku4x9
17 المؤشر، تقرير: 40 ألف موظف حكومي وافقوا على عرض ترامب للاستقالة الطوعية، 6 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/4z34uf7f
18 محمد صالح، البيروقراطية الأميركية تحت المقصلة، العربي الجديد، 8 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/yc8zx936
19 المرجع السابق.
20 الجزيرة نت، ترامب ينسحب من مجلس حقوق الإنسان “المعادي للسامية”، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/mpkrzcdh
21 فرانس 24، دونالد ترامب يقرر فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، 6 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/mrynrt6j
22 لكن عاد البيت الأبيض وقرر تأجيل فرض التعريفات الجمركية الجديدة مدة شهر.
24 مصطلح صكه عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي سنة 1990 ويعني «القدرة على التأثير على الآخرين من خلال الجذب والإقناع بدلاً من مجرد الإكراه والدفع».
25 محمد المنشاوي، 10 أسئلة لفهم تأثيرات إغلاق ترامب وكالة التنمية الأميركية، الجزيرة نت، 8 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/y2wvw9c5
26 ماجد عاطف، وقف المساعدات الأمريكية لمصر وسؤال التهجير… مخاوف وحقائق، رصيف 22، في 6 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/mwu2r392
27 محمد صالح، زلزال المساعدات الأميركية، العربي الجديد، 30 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/42vmb399
28 المرجع السابق.
29 ماكس بوت، سياسات تهدد قوة أميركا الناعمة، الاتحاد الإماراتية، 6 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/yhrcrp4h
30 ألكسندر كولي، دانييل نيكسون، ترامب لن يدمر النظام العالمي.. لأنه ميت بالفعل!، الجزيرة نت، 10 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/p97wvznr
31 محمد نعيم (فيس بوك)، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/3vwxtr7h
32 الجزيرة نت، المخابرات الأميركية تقدم خطة “المغادرة الطوعية” لموظفيها، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/99wku4x9
33 محمد رمضان (فيس بوك)، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/m5j3vyxt
34 أنس القصاص (فيس بوك)، 3 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/mwu3ye22
35 خالد فهمي (فيس بوك)، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/bdeybd3x
36 اسماعيل صبري مقلد (فيس بوك)، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/nhjzja4k
37 عمرو اسماعيل (فيس بوك)، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/33cf363j
38 محمود هدهود (فيس بوك)، 8 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/3ma339nx
39 محمود هدهود (فيس بوك)، 5 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/2c92nvrv