حزب الجبهة الوطنية… قراءة في الدلالات عن الخريطة المتحركة لأحزاب الموالاة في مصر

في مشهد ضبابي يعاني فيه النظام من وضع صعب؛ في ظل تحديات خارجية ناجمة عن طوفان الأقصى وتداعياته، وتحديات داخلية تتعلق بالتعثر الاقتصادي والتراجع غير المسبوق في كل المؤشرات الرئيسية، سواء كانت سعر العملة أو معدل التضخم أو منسوب الفقر والبطالة وحجم الديون، ظهر حزب الجبهة الوطنية من فراغ، وإن جاء امتدادًا لاتحاد القبائل والعائلات المصرية، وجاءت هيئته العليا وكأنها تضم ممثلين عن سلطات الدولة الثلاث. في هذه السطور نثير التساؤلات ونستكشف دوافع ظهوره، والغرض منه

حزب الجبهة الوطنية:

أُعلن في 30 ديسمبر 2024 عن تدشين حزب الجبهة الوطنية، وبعد 40 يوم من تدشينه، وافقت لجنة الأحزاب السياسية، في 10 فبراير 2025، على تأسيس حزب الجبهة الوطنية1، وتمتعه بالشخصية الاعتبارية وحقه في مباشرة نشاطه السياسي اعتبارًا من الثلاثاء 11 فبراير 20252.

الحزب -إن صح القول- خرج من عباءة اتحاد القبائل والعائلات المصرية الذي يرأسه رجل الأعمال المقرب من السلطة إبراهيم العرجاني، فالإعلان عن الحزب جاء عبر وكيل مؤسسيه، عاصم الجزار، الأمين العام لاتحاد القبائل والعائلات المصرية3، ورئيس مجلس إدارة شركة نيوم للتطوير العقاري المملوكة أيضًا للعرجاني4.

أما بخصوص تكوين الهيئة العليا للحزب، فقد جاءت مكونة من رجال جهاز الدولة البيروقراطي5، فضلا عن وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، فقد ضمت وزيرة الاستثمار؛ سحر نصر، والزراعة؛ السيد القصير، والمجالس النيابية؛ علاء الدين فؤاد، والاتصالات؛ هاني محمود، والبترول؛ عبد الله غراب، والشباب؛ طاهر أبو زيد، ووزيرَا التنمية المحلية السابقين: عادل لبيب ومحمود شعراوي، واللواء أحمد ضيف محافظ الغربية السابق، ومحمد عبد القادر محافظ القليوبية السابق، بالإضافة إلى رئيس سابق لمجلس الدولة، ومفتي جمهورية سابق، ورئيس جامعة سابق، ونائب وزير بالمعاش، ومن مسئولي الدولة أيضًا “رئيس هيئة الاستعلامات، ضياء رشوان، وهو أمين عام الحُوَار الوطني، ورئيس مجلس إدارة مصنع 18 الحربي، اللواء صلاح جنبلاط، ورئيس الإدارة المركزية لتطوير التعليم الفني، عمرو بصيلة6.

كذلك ضمت الهيئة العليا للحزب برلمانيين سابقين وحاليين؛ من السابقين ضمت رئيس مجلس النواب السابق، علي عبد العال، وأيضا جهاد جلال البرلماني السابق وأحمد رسلان البرلماني السابق، ونائب رئيس اتحاد القبائل، ومن الحاليين، وكيل اللجنة الدينية للنواب، أسامة العبد، وهو عضو حزب مستقبل وطن، وعضو مجلس الشيوخ عن حزب «حماة الوطن» فايز أبو حرب، سليمان وهدان، نائب رئيس حزب الوفد السابق7، “أما باقي أعضاء التأسيسية من النواب الحاليين فكانوا من الأعضاء المعينين من قبل رئيس الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ8“.

كما “ضمت قائمة المؤسسين رجال الأعمال: كامل أبو علي، وأيمن الجميل، وياسر عبد المقصود، ومحمد الأمين الدخميسي، بخلاف أبو العينين”، ومن رموز المجتمع “نقيب المحامين العرب، سامح عاشور، ورئيس نادي الصيد، محمد غراب، بالإضافة إلى شيخ الطريقة الصوفية الشيخ سيد الإدريسي، ونقيب المهن التمثيلية، أشرف زكي، ورئيس جمعية المؤلفين، مدحت العدل، والفنان سامح الصريطي9.

الجبهة الوطنية وهيكلة القوى الداعمة للنظام:

الجبهة الوطنية هو كيان تابع للسلطة، وليس حزبًا سياسيًا بالمعنى المتعارف عليه، وتركيبة الهيئة العليا للحزب، التي تضم عدد من كبار مسئولي السلطة التنفيذية، وبرلمانيين سابقين وحاليين، ورجال أعمال، ورموز مجتمع مقربين من الدولة، تكشف أنها محاولة لتمثيل كل القُوَى الأساسية بالمجتمع، ومغازلة مختلف أطياف المجتمع المصري، فهي محاولة لمأسسة القُوَى الداعمة للنظام القائم، فقد جاء في بيان تدشين الحزب “لا نسعى لتحقيق الأغلبية البرلمانية بل سنخوض الانتخابات بأكبر تحالف سياسي وطني مع الأحزاب القائمة لأن هدفنا لم الشمل في فترة لا تحتمل التشتت10“، كما صرح عضو الهيئة العليا للحزب، ضياء رشوان أن الحزب لا يسعى إلى الحكم أو تشكيل حكومة خلال الفترة المقبلة، ولا يرغب في أن يكون مجرد نقطة انطلاق للطموحين للوصول إلى عضوية البرلمان، لكنه “يهدف إلى إعادة الاعتبار للسياسة المصرية”11.

وهو في هذا الجانب يشبه إلى حد بعيد اتحاد القبائل والعائلات المصرية، الذي يأتي في تعريفه أنه “كيان اجتماعي يهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي للقبائل والعائلات المصرية12“. إن اتحاد القبائل والعائلات المصرية، ومعه حزب الجبهة الوطنية، إن هما إلا محاولة لمأسسة وتنظيم وتعبئة القُوَى الداعمة للنظام القائم، وهما من جهة أخرى محاولة لضخ دماء جديدة في مجال عام أصابه التكلس، لكن في الوقت ذاته إبقاءه تحت السيطرة.

حَسَبَ “سياسيون وبرلمانيون ومصادر مصرية” فإن حزب الجبهة جاء استجابة لتوصيات صندوق النقد الدُّوَليّ “الذي طالب الحكومة المصرية بتنفيذ “انفراجة سياسية” تعمل على توفير مناخ مناسب للاستثمار الاقتصادي”، وقد يستخدم ربما في تمهيد “الطريق من خلال حملة شعبية كبيرة للدعوة إلى تعديل دستوري جديد يتضمن بقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السلطة إلى ما بعد 2023”13.

لكن يبقى عيب هذه الكيانات في نخبويتها، وكونها محسوبة على السلطة وليس لها امتدادات حقيقية في الشارع، فهي كيانات تمثل السلطة ولا تمثل الشارع؛ فهي تشبه، من حيث أدوارها، نموذج الفتوة؛ حيث يؤدّي دور الوسيط بين الشارع والسلطة، لكن يلعبه لحساب السلطة وليس لحساب الشارع.

عن التشابه بين الجبهة الوطنية ومستقبل وطن والغاية منهما:

حسب تقارير، فإن حزب الجبهة الوطنية، هو تكرار لتجربة حزب مستقبل وطن الذي تأسس في منتصف 2014، وقاد منذ تأسيسه “الانتخابات البرلمانية مرتين، وحشد وشحذ الجماهير إبان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لدعم المشاركة، وكذلك التظاهرات التي دعت لها السلطة أكثر من مرة”14، وفق هذا الطرح فإن من المحتمل أن يكون حزب الجبهة الوطنية هو وريث حزب مستقبل وطن.

أما سبب استبدال مستقبل وطن بالجبهة الوطنية، فيمكن فهمه من خلال الربط بين تدشين الحزب الجديد والتغييرات التي شهدتها المخابرات العامة، مع إقالة عباس كامل من قيادة الجهاز، وتعيين اللواء حسن رشاد بدلًا منه15، ما يعني أن التغييرات في قيادة المخابرات أسفرت عن هذه التغييرات في المشهد السياسي؛ فمن المعروف أن المخابرات العامة في مصر تلعب دور رئيس في هندسة المشهد السياسي، وفي إخراج المواسم الانتخابية.

نستشهد في هذا السياق بشهادة حازم عبد العظيم16، المسئول السابق في حملة ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، و”تضمنت تفاصيل كشفت لأول مرة عن دور جهاز المخابرات العامة في تشكيل قائمة “في حب مصر” الانتخابية الموالية للرئيس، وهي التي حصدت كافة المقاعد المئة والعشرين المخصصة للقوائم في الانتخابات البرلمانية” التي جرت في نهاية 201517.

فيمَا كان حزب مستقبل وطن بمثابة حجر الزاوية لتلك القائمة، إذ حصل الحزب منفردًا على 57 مقعدًا داخل مجلس النواب، وكانت عدد المقاعد البرلمانية 596 مقعدًا، ولاحقًا في عام 2018 اندمجت قائمة “في حب مصر” داخل مستقبل وطن، وقدم معظم نواب الأحزاب الأخرى في التحالف استقالتهم لينضموا للحزب، ويصبح فعليا الحزب الأكبر تحت قبة البرلمان بشكل غير رسمي، وفي انتخابات البرلمان 2020 كان المشهد أكثر سهولة إذ خلا من التكتلات والتحالفات الحزبية, وحصد الحزب 316 مقعدًا من أصل 596، في حين حصل الحزب الثاني في التمثيل البرلماني “الشعب الجمهوري” على 50 مقعدًا فقط18.

في المقابل هناك من يرى أن حزب الجبهة ليس بديلًا لمستقبل وطن، إنما هو تجمع لنخبة مصالح حديثة التشكيل تسعى للحصول على نصيبها من مقاعد البرلمان القادم كجزء من حصة الموالاة.

ويبقى لكل حزب موالٍ حق الاجتهاد في الحصول على النسبة الأكبر من المقاعد داخل البرلمان، وتبعًا لهذه الرؤية، فإن وجود أكثر من حزب موالي يأتي معبرًا عن ملمح رئيس يميز النظام الحالي، وهو أن النخبة الحاكمة حاليًا، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعارض فكرة وجود حزب حاكم واحد، فهو لا يريد أن يمتلك أي حزب موالي أغلبية حقيقية، بمعنى أنه يرغب في أن تكون جميع أحزاب الموالاة معتمدة في الأساس عليه، فلا يستطيع أي حزب موال أن يزعم أنه يمتلك الأغلبية أو يمثل مصدرًا للسلطة أو بؤرة للقوة19.

ثم أن هذه الاستراتيجية تسمح للسلطة بالتبديل بين كيانات متعددة، أحزاب مثل مستقبل وطن وحماة وطن والشعب الجمهوري والجبهة الشعبية، وأشكال غير حزبية مثل تنسيقية الشباب، وبهذه الطريقة يتحول المشهد السياسي من أغلبية وأقلية إلى أشكال متنوعة، وتستخدم في عملية تباديل وتوافيق وفقًا لاحتياجات النظام الحاكم، والدور الذي ستلعبه هذه الأحزاب20.

الخاتمةانفراجة تحت السيطرة:

يعلم النظام الحالي أن المجتمع المصري في حالة اختناق غير مسبوقة؛ في وقت تعيش القاهرة تحت ضغط تحديات إقليمية غير مسبوقة، في ظل الأزمة التي خلقها طوفان الأقصى، والمطالبات الأمريكية النزقة بتوطين أهل غزة في سيناء، وتحديات داخلية شديدة القسوة، تتعلق بتراجع عنيف في سعر الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع كبير في الأسعار، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتراجع عام في معظم المؤشرات الاقتصادية، كل ذلك يدفع السلطة لفتح متنفس يستوعب سخط الشارع ويغذي أمله في التغيير، لكن في الوقت نفسه يبقى المشهد تحت السيطرة، من هنا فتح المجال أمام حزب الجبهة الوطنية؛ فالغرض من ذلك هو الإيهام بوجود حركة، لكنها تبقى في النهاية حركة في المكان دون تحرك أو تغيير حقيقي.

ومن جهة أخرى قد يكون الحزب استجابة فعلية لتوصيات من صندوق النقد، وهيكلة للقوى المؤيدة للنظام والمستفيدة من استمراره، وفي الوقت نفسه تجمع لنخبة مصالح حديثة التشكيل تسعى لترجمة مكانتها إلى مكاسب سياسية.

1 رنا ممدوح، «شؤون الأحزاب» تقبل «الجبهة الوطنية».. ونائب بـ«مستقبل وطن»: حزب وطني ثالث، 10 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/2rmt678n

2 المنصة، بعد نحو 40 يومًا من تدشينه.. الموافقة على تأسيس حزب الجبهة الوطنية، 11 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/yxz3dbjv

3 مدى مصر، «اتحاد القبائل» يدشن «جبهته».. حزب «وطني» جديد بتوليفة قديمة | مصدر: «التموين» تعيد تشغيل بطاقات أصحاب سيارات «مبادرة الغاز».. وتضاعف «حد الدخل»، 31 ديسمبر 2024، في: https://tinyurl.com/2zrjxatn

4 مدى مصر (تويتر)، أعلن اتحاد القبائل والعائلات المصرية، أمس، تعيين وزير الإسكان السابق، عاصم الجزار، أمينًا عامًا للاتحاد، 26 أكتوبر 2024، في: https://tinyurl.com/mr3sc953

5 الشروق (تويتر)، القائمة الكاملة لأعضاء الهيئة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية بعد تدشينه، 30 ديسمبر 2024، في: https://tinyurl.com/4x4dmzcx

6 مدى مصر، «اتحاد القبائل» يدشن «جبهته».. حزب «وطني» جديد بتوليفة قديمة | مصدر: «التموين» تعيد تشغيل بطاقات أصحاب سيارات «مبادرة الغاز».. وتضاعف «حد الدخل»، مرجع سابق.

7 اليوم السابع، تضم وزراء ونواب وفنانين ورياضيين ننشر أسماء أعضاء الهيئة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية، 30 ديسمبر 2024، في: https://tinyurl.com/3em9xj79

8 مدى مصر، «اتحاد القبائل» يدشن «جبهته».. حزب «وطني» جديد بتوليفة قديمة | مصدر: «التموين» تعيد تشغيل بطاقات أصحاب سيارات «مبادرة الغاز».. وتضاعف «حد الدخل»، مرجع سابق.

9 المرجع السابق.

10 بوابة الشروق، ننشر البيان التأسيسي لحزب الجبهة الوطنية بعد تدشينه رسميا، 30 ديسمبر 2024، في: https://tinyurl.com/2s4zmvb2

11 برنامج الحكاية (يوتيوب)، في أول ظهور لحزب الجبهة الوطنية.. د عاصم الجزار و د/ضياء رشوان في ضيافة الحكاية الجزء الأول، 4 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/mr3acmp

12 موقع اتحاد القبائل والعائلات المصري، مجلس القبائل والعائلات المصرية وحدة تعزز التراث وتبني المستقبل، في: https://tinyurl.com/3pzbu6pp

13 عربي بوست، “معارضة سياسية تحت السيطرة” ورسائل إلى صندوق النقد.. تفاصيل إعادة هندسة المشهد السياسي في مصر قبل الانتخابات البرلمانية، 7 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/wx8e7td4

14 عمرو هاشم ربيع، حزب الجبهة الوطنية.. صفر + أصفار= صفر، مصر 360، 5 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/54e5dvsc

15 الحرة، لماذا استبدل السيسي رئيس المخابرات المصرية عباس كامل؟، 16 أكتوبر 2024، في: https://tinyurl.com/3auuhv5z

16 حازم عبد العظيم، شهادة حق في برلمان الرئيس، 1 يناير 2016، في: https://justpaste.it/truth_2016

17 حسام بهجت، هكذا انتخب السيسي برلمانه، مدى مصر، مدى مصر، 8 مارس 2016، في: https://tinyurl.com/4upvxfxv

18 صحيفة الاستقلال، “خدمة للسيسي”.. كيف أسست الأجهزة الأمنية للنظام المصري حزب “مستقبل وطن”؟، في: https://tinyurl.com/mphser53

19 شيماء حمدي، حزب الجبهة الوطنية: صعود سياسي برعاية المال والمنابر، زاوية ثالثة، 24 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/5n7jmu4v

20 زاوية ثالثة، حزب العرجاني وهندسة الحياة الحزبية، 7 ديسمبر 2024، في: https://tinyurl.com/4y9amru3

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022