أحزاب الحركة المدنية مشهد ضبابي وانقسامات لا تتوقف

في الوقت الذي شهدت أحزاب الموالاة ولادة حزب الجبهة الوطنية، في محاولة جديدة من النظام بناء مصدّات أو عوازل تحمي دولته في حال وقوع أي انفجار اجتماعي1، شهدت قُوَى المعارضة المدنية مزيد من الانقسام، ومن الانشطار الذي نجم عنه ولادة كيانات جديدة تتصارع مع الكيانات القائمة على مساحة محدودة لم تشهد أي تمدد. فالمعارضة المدنية تعيش انقسام بين من يرجحون التحالف مع أحزاب الموالاة بحثا عن فرص أعلى خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، بصرف النظر عن تكلفة هذا التحالف وجدواه، ومن يشجبون ويستنكرون هذا التحالف ويشككون في جدواه ويستهولون تكلفته. كما تشهد تنافسًا بين الكيانات القائمة فعلًا والكيانات الجديدة على جَمهور محدود وغير مرشح للزيادة. وهو ما نستعرضه في هذه السطور.

انقسامات بخصوص تحالفات الانتخابات البرلمانية المقبلة:

أحزاب الموالاة هي مركز التحالفات الانتخابية، وتستهدف السلطة من هذه التحالفات ضمان تمثيل واسع تحت قبة البرلمان للمعارضة المستأنسة؛ بما يمنح النظام القائم شرعية ولو صورية، ويستبقي هذه المعارضة في حدود الدور الذي يسمح به النظام القائم. أما المعارضة المدنية فتجد في هذا التحالف تعظيم لحظوظها في الوصول إلى المجلس.

في هذا السياق بَدْء حزب مستقبل وطن -صاحب الأغلبية البرلمانية الحالية- تحضيراته لتنظيم ملتقى الأحزاب والكيانات السياسية، في 7 يناير 2025، وفي 9 يناير 2025، بمشاركة أحزاب “الشعب الجمهوري وحماة الوطن، والمؤتمر، والشعب الديمقراطي، والمصريين، والأحرار الاشتراكيين، وإرادة جيل، والحرية المصري، والتجمع، والوفد، والجيل الديمقراطي، ومصر أكتوبر”، وبمشاركة 3 أحزاب من الحركة المدنية، وهي أحزاب المصري الديمقراطي، الإصلاح والتنمية، والعدل. وهو ما اعتبره مراقبون بداية صناعة التحالف الانتخابي.

وقد رجحت مصادر أن أحزاب الحيز المتاح (الحزب المصري الديمقراطي، الإصلاح والتنمية، والعدل)، وهي جزء من الحركة المدنية، لا تستبعد التحالف مع حزب مستقبل وطن، ومشاركته في قائمة موحدة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة2.

إلا أن النقد الواسع الذي تعرضت له الأحزاب الثلاث دفعها لنفي الاتفاق على التحالف مع مستقبل وطن؛ إذ نفي قيادي بالحزب الديمقراطي الاجتماعي وجود أي حديث عن تحالفات انتخابية في اللحظة الراهنة، معتبرًا ذلك محض عبث؛ إذ لم يتحدد موعد الانتخابات بعد، مشيرًا إلى أن هذا القرار متروك لهيئة الحزب الذي لم يصلها شيء3. كما نفي حزب الإصلاح والتنمية بقيادة محمد أنور السادات، الاتفاق على التحالف مع مستقبل وطن خلال الانتخابات المقبلة. أما حزب العدل، فقد صرح حسام حسن، أمين التنظيم المركزي بالحزب، أن “المسار النهائي لشكل التحالفات الانتخابية في الحزب مرتبط بقرار الهيئة العليا للحزب والمكتب السياسي، وأن الحزب في انتظار صدور قانون الانتخابات، لتحديد مواقفه النهائية من التحالفات وعلى رأسها بناء تيار ليبرالي اجتماعي في مصر، مؤكدًا أن قيادات الحزب لم تصرح بخصوص التحالف مع مستقبل وطن”4.

ومع ذلك فإن نائب رئيس الديمقراطي الاجتماعي، ورئيس هيئته البرلمانية، محمود سامي، أشار إلى غياب ما يمنع “المشاركة في القائمة الوطنية” للانتخابات البرلمانية 2025. كما أن الإصلاح والتنمية لم ينف احتمالية خوض الانتخابات في قائمة الموالاة، مبررًا ذلك بأن التحديات التي تواجهها مصر تتطلب الاصطفاف الوطني”5.

أما الحركة المدنية، فقد أعرب مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ورئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، عن رفضه القاطع للمحاولات الجارية لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة بنظام القائمة الموحدة تحت مظلة ما يسمى “الاصطفاف الوطني”، مؤكدًا أن هذه المحاولات انحرافًا صارخًا عن قيم الديمقراطية وخروجًا على مبادئ الدستور المصري، وهي إلى ذلك تعيد إنتاج النظام الأحادي الشمولي في قالب تعددي شكلي وهزيل، كما أن هذا المسار يتعارض بشكل صريح مع توجهات ومبادئ الحركة المدنية الديمقراطية، معتبرًا أن قَبُول الحركة المدنية الديمقراطية بمبدأ التوافق الوطني في مواجهة التهديدات الخارجية لا يعني بأي حال من الأحوال القبول بالانضمام إلى قائمة موحدة مع أحزاب تتبنى السياسات الراهنة6.

المعارضة المدنية… انشطار لم يتوقف:

الخلاف حول الموقف من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن التحالف مع حزب مستقبل وطن، ليسا التباين الوحيد الذي تنقسم حوله الحركة المدنية، إذ لا زالت نخبة الحركة المدنية يؤسسون كيانات حزبية جديدة، تتبنى نفس الرؤية، وتتطلع إلى نفس الأهداف، في هذا السياق نقرأ خبر تأسيس حزب الوعي.

فقد دشن القيادي السابق في حزب المحافظين باسل عادل، في 11 فبراير 2025، بعد يوم واحد من إعلان لجنة الأحزاب عن تأسيس حزب الجبهة الوطنية، حزبًا جديدًا، هو حزب الوعي، معلنًا “أنه يتبنى توجهًا ليبراليًا وسطيًا منحازًا للطبقة المتوسطة، وينقل المعارضة من حالة الغضب الدائمة إلى حالة البراغماتية التوافقية”، وأنه “يسعى لتجديد الحياة السياسية المصرية عبر ضخ وجوه جديدة”7.

الحزب الجديد، منبثق عن كتلة الحوار التي دشنت في مايو 2023، التي تتحرك على نفس أرضية الحركة المدنية، وتستقطب نفس العناصر التي تستقطبها الحركة، فالحزب ومن قبله كتلة الحوار بمثابة بديل يشبه المعارضة؛ يمكن الاستعانة به في حال قررت أحزاب الحركة المدنية عدم الالتزام بالترتيبات أو المبادئ التي تقررها السلطة. كما أن مؤسس الحزب قادم من صفوف المعارضة، فقد “كان عضوًا في حزب الغد، قبل ثورة 2011، ثم شارك في تأسيس حزب المصريين الأحرار بعد الثورة، واستقال منه، في 2012، ثم انضم لحزب الدستور، كما كان نائبًا في برلمان 2012”8.

في الوقت ذاته، فإن الحزب، وكما يظهر في أسماء هيئته التأسيسية، ليس بعيدًا عن الدولة، إذ كثيرًا من أعضائها الـ 42 هم مسؤولين سابقين بأجهزة الدولة9. بل ثمة من يرى أن تدشين الحزب جاء بضوء أخضر من السلطة.

الخاتمة:

انقسامات المعارضة المدنية تأتي في وقت لم تظهر فيه بعد أية ملامح للانتخابات القادمة، وفي ظل مناخ ضبابي، على الصعيد الوطني وعلى المستوى الإقليمي.

كذلك لم يتحدد بعد شكل النظام الانتخابي الذي سيتبع في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فقد رفع مجلس أمناء الحُوَار الوطني في أغسطس 2023، إلى رئيس الجمهورية، ثلاث أنظمة انتخابية للاختيار بينها للانتخابات المقبلة؛ الأول: النظام المستخدم خلال انتخابات 2020، حيث تنتخب 50% من المقاعد عبر القائمة المطلقة المغلقة، و50% بالنظام الفردي على 4 دوائر بالجمهورية. الثاني: انتخاب كل الأعضاء بالقائمة النسبية غير المنقوصة عبر 15 دائرة على مستوى الجمهورية. الثالث: نظام انتخابي مختلط، يتمثل في انتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية10. فيمَا لم تعلن الرئاسة عن اختيار إحداها.

وبينما تميل المعارضة لنظام يجمع بين المقاعد الفردية والقائمة البسيطة. نجد أن الحكومة ومعها أحزاب الموالاة تميل إلى نظام انتخابي يجمع بين القائمة المغلقة والمقاعد الفردي، على غرار انتخابات 2020؛ إذ يسمح هذا النظام لقائمة واحدة بالفوز في حال حصلت على 1+50% من الأصوات، في دوائر شديدة الاتساع والتنوع، كما يضمن إضعاف وتهميش المعارضة الجادة، ويقوي من السيطرة الأمنية على المشهد السياسي والانتخابي11.

1 حسام الحملاوي، مصر: حزب النظام الجديد وأزمة الهيمنة، المفكرة القانونية، 15 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/3mw9xjyr

2 حسن القباني، “ثلاثي الحيز المتاح” في قائمة انتخابية واحدة مع “مستقبل وطن”، فكر تاني، 12 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/ymmvkd9h

3 أحمد فوزي (فيس بوك)، 17 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/j4x6rxpu

4 حسن القباني، ثلاثي الحيز المتاح: الحديث عن التحالفات سابِقٌ لأوانه.. و”الوعي” يدعو لقائمة اصطفاف انتخابي للجميع، فكر تاني، 17 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/5dhh8pes

5 القدس العربي، هل تلجأ أحزاب في المعارضة المصرية للموالاة لحصد مقاعد في الانتخابات المقبلة؟، 22 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/4n3ept9z

6 السلطة الرابعة، مدحت الزاهد: الاصطفاف الوطني تحت مظلة القائمة الموحدة انحراف عن الديمقراطية، 17 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/5xs6ve9b

7 مدى مصر، يسير في وسط النهر وينقل المعارضة من الغضب إلى البرجماتية… تدشين حزب الوعي، 11 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/2arempsb

8 المرجع السابق.

9 محمد أباظة، أعضاء الهيئة التأسيسية المؤقتة لحرب الوعي.. بالأسماء، الوطن، 7 ديسمبر 2024، في: https://tinyurl.com/44wxu3m8

10 حسن القباني، “ثلاثي الحيز المتاح” في قائمة انتخابية واحدة مع “مستقبل وطن”، فكر تاني، 12 فبراير 2025، مرجع سابق.

11 الموقف المصري (فيس بوك)، **أنباء عن تحالف أحزاب من المعارضة مع مستقبل وطن!.. دعوة للتراجع عن خطوة خاسرة**، 16 فبراير 2025، في: https://tinyurl.com/tfj3j6fc

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022