على واقع اغتيال (غنيوة), كيف هي خريطة المشهد في ليبيا؟

تشهد ليبيا حالة انقسام بين حكومتين متنافستين: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة (المعترف بها دولياً وإقليمياً)، وحكومة الاستقرار الوطني المقامة في بنغازي بقيادة أسامة حماد بدعم من المشير خليفة حفتر. فالحكومة الغربية (طرابلس) نشأت عبر عملية أممية في 2021 بقيادة الدبيبة، بينما أُعلِن عن الحكومة الشرقية (بقيادة فتحي باشاغا ثم حماد منذ مايو 2023) عبر برلمان شرق البلاد (طبرق) عام 2022، ورفض الدبيبة تسليم السلطة لحين إجراء انتخابات.

الشرعية والدعم:

تحظى حكومة الوحدة الوطنية بدعم تركيا وقطر والأمم المتحدة وغالبية المجتمع الدولي. أما حكومة الشرق (الاستقرار)، فهي مدعومة رئيسياً من مجلس النواب الشرقي وقوات الجيش الوطني بقيادة حفتر، وتحظى بدعم مصر والإمارات وروسيا بدرجات مختلفة. البرلمان الشرقي لم يمنح هذه الحكومة اعترافاً دولياً رسمياً، ما يجعل شرعيتها محل خلاف، في حين لا تزال الأمم المتحدة تعترف رسمياً بحكومة الدبيبة.

أهم التطورات السياسية (يناير 2024 – مايو 2025):

استمر الجمود السياسي بعد فشل إجراء الانتخابات المقررة ديسمبر 2021. مارس 2022: منح البرلمان الشرقي الثقة لحكومة برئاسة باشاغا، ودخلت في نزاع مع حكومة الدبيبة التي رفضت الرحيل. مايو 2023: حل البرلمان باشاغا وعوّضه أسامة حماد. طوال 2024، واصلت الأمم المتحدة والسفراء الغربيون الضغط لإعادة وحدة المؤسسات والعودة إلى مسار الانتخابات (صيغت مقترحات جديدة في نهاية 2024 لتجاوز نقاط الخلاف الانتخابية). مع حلول أوائل 2025، لم تُحسم الخلافات؛ بل ضاعفت زيارة حماد إلى القاهرة (مايو 2025) توتر العلاقة مع طرابلس التي اعتبرت مصر تخريبية. تضخمت رسالة مصر الداعية لحكومة موحدة جديدة «بلا سياسيين سابقين» في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه قوات حفتر تحركات عسكرية نحو الغرب.

الوضع الأمني

الميليشيات الرئيسية في طرابلس: تهيمن على مشهد العاصمة عدة فصائل مسلحة بارزة، منها «جهاز دعم الاستقرار» بقيادة عبد الغني الككلي (غنيوة)، ولواء 444 قتال بقيادة محمود حمزة، و«قوة الردع الخاصة»، و«لواء 111»، إضافة إلى تشكيلات أخرى مثل «فرسان جنزور» و«رحبة الدروع» في تاجوراء. هذه الميليشيات كانت سابقاً موزّعة على مشيخات متعددة، لكنها باتت اليوم تندرج أساساً تحت جناح حلفاء الدبيبة.

الميليشيات في مصراتة: تتوزع فيها أيضاً فصائل مسلحة قوية، أبرزها كتائب الطيبّين (المعروفة محلياً)، و«لواء المحجوب» و«كتائب 777» التي حشدها المحور الشرقي. شاركت هذه القوى في الصراع عبر دعمها لأطراف متباينة في السلطة. بعض الكتائب أعلنت الحياد (مثل «لواء الصمود»)، لكن الأهم هو تمركز كتائب مصراتة في المدينة وموانئها ومطارها تحت نفوذ جماعات متحالفة أو مستقلة.

خريطة السيطرة:

تخضع مدن الغرب، خصوصاً طرابلس ومحيطها، بقوة لحكومة الدبيبة وميليشياتها، بينما يسيطر الجيش الوطني (حفتر) على معظم مناطق الشرق وجنوب البلاد. ففي طرابلس تسيطر القوات الموالية للدبيبة على وسط المدينة وأغلبها الغربية، فيما كانت ضواحي الجنوب (مثل حي أبو سليم) مواقع للتوتر والاشتباكات الأخيرة. بعد اشتباكات مايو 2025 أعلن الجيش التابع لحكومة الوحدة استعادته كامل منطقة أبو سليم وحصر الميليشيات الأخرى فيها. أما مطار معيتيقة الدولي (طرابلس) فتعطّلت رحلاته مؤقتاً وتحولت العمليات إلى مصراتة كإجراء احترازي.

في مصراتة، تتركز السيطرة على المدينة والبنية التحتية تحت لواء ميليشيات محلية شبه متحالفة، مع وجود جزئي لقوات شرق ليبيا حول بعض النقاط الحساسة.

الفاعلون الدوليون

الدعم الدولي لكل طرف: تتولى تركيا وقطر تأييد حكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)، فالمخابرات التركية زارت طرابلس في 2024 للتنسيق مع قيادتها، وقد أقامت أنقرة تعاوناً عسكرياً عبر إرسال قوات تدريب ودعم للجيش الليبي الموالي للدبيبة.

في المقابل، تدعم مصر والإمارات وروسيا بشكل تقليدي المحور الشرقي بقيادة حفتر/حماد. التفاهمات المصرية – الإماراتية مع حفتر معروفة تاريخياً، وشاركت الضغوط الدبلوماسية بمطالبة حل سياسي جديد لصالح حكومة شرق ليبيا.

وجود القوات الأجنبية والمرتزقة:

تحتفظ تركيا بوجود عسكري محدود (عناصر تدريب ومراقبة) لدعم طرابلس منذ 2020. وتعدّ روسيا حاضرة عبر مرتزقة مجموعة فاغنر المنتشرين في شرق البلاد، وإن كان تراجع دورهم نسبياً مؤخراً. كما أشارت تقارير سابقة إلى وجود مستشارين وعناصر أمن مصرية في ليبيا المحسوبة على حفتر.

الأسباب الحقيقية وراء اشتباكات طرابلس – مايو 2025:

الشرارة المباشرة لاشتباكات طرابلس الأخيرة كانت اغتيال عبد الغني الككلي “غنيوة”، قائد “جهاز دعم الاستقرار”، داخل مقر “لواء 444 قتال”. لكن هذا الحدث جاء نتيجة تراكمات سياسية وأمنية وليس صدفة منفصلة. العلاقة بين الدبيبة وغنيوة لم تكن مستقرة في الشهور الأخيرة، بل شابها توتر متصاعد بسبب خلافات على ملفات التعيينات الأمنية وتقاسم النفوذ داخل العاصمة، وخصوصًا السيطرة على الموارد والوزارات السيادية.

يشير بعض المراقبين إلى أن عبد الحميد الدبيبة حاول تقليص نفوذ غنيوة مؤخرًا لصالح أطراف أكثر قربًا منه، مثل قيادة اللواء 444، أو عبر دعم كتائب أصغر موازية، ما أدى إلى إحساس غنيوة بالتهميش. كما راجت تقارير في مارس وأبريل 2025 تفيد بوجود صراع داخلي على السيطرة الأمنية بين جهاز دعم الاستقرار ولواء 444 على خلفية توزيع المهام ومراكز النفوذ، خصوصًا في مناطق مثل أبو سليم وعين زارة.

بالتالي، يمكن اعتبار الاشتباك انفجارًا متأخرًا لصراع نفوذ مكتوم بين فصائل داخل المعسكر ذاته (معسكر الدبيبة)، لا يعكس انقسامًا أيديولوجيًا، بل صراعًا على من يتحكم بالعاصمة فعلًا. وهذا النوع من الصراعات يُظهر هشاشة التحالفات التي بُنيت عليها حكومة الوحدة الوطنية، حيث الميليشيات أقوى من الدولة، وأحيانا أكثر قدرة على فرض أجندتها.

مشهد الاشتباكات:
شملت المظاهر العملية لهذه المعارك انتشاراً لعشرات المركبات المسلحة في الشوارع وأغلقت شوارع رئيسية بالحواجز والتدابير الأمنية. انتهت الغالبية العظمى من المواجهات صباح الثلاثاء (13 مايو) بعد تدخل قوات الدبيبة المدعومة عسكرياً. لم تظهر أنباء عن استخدام الطيران الحربي أثناء اشتباكات مايو 2025 في طرابلس. لكن وسائل الإعلام أشارت إلى إطلاق نار كثيف وقصف مدفعي في ضواحي العاصمة (مثل عين زارة والساحل). هذا دفع الحكومة لإغلاق مطار معيتيقة بشكل مؤقت، والتحول إلى نقل الرحلات لمطار مصراتة كإجراء احترازي. بوجه عام، بدا الاشتباك محتدماً بأسلحة الجيش الثقيلة (مدافع هاون ومضادات طيران ثقيلة) دون رصد تدخل جوي خارجي موثق.

الجانب الإنساني والإعلامي

الضحايا والإصابات: أكد مركز الطوارئ الليبي استعادة ستة جثث من مواقع الاشتباكات في أبو سليم، كما ذكرت وكالة الأنباء الأميركية أن ستة أشخاص على الأقل قُتلوا. وقالت مصادر طبية إن نحو ستة آخرين جُرحوا، دون توضيح ما إذا كانوا مدنيين أو مقاتلين. لم تُشر التقارير إلى أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، لكنّها تحدثت عن محتجزين في المنازل وإجلاء بعض العائلات بسيارات إسعاف من مناطق الاشتباك.

أوضاع المدنيين:

عمّ الذعر وسط السكان في طرابلس. ودعت وزارة الداخلية المدنيين إلى البقاء في منازلهم. وأفادت وسائل إعلام محلية بانقطاع جزئي للكهرباء في مناطق متفرقة نتيجة قصف البنى التحتية. كما أعلنت إدارة مطار معيتيقة تعليق الرحلات ونقلها إلى مصراتة مخافة تصعيد الاشتباكات. المدارس والجامعات في العاصمة أغلقت أبوابها مؤقتاً صباح الثلاثاء 13 مايو، فيما بدا واضحاً أن الحياة العامة تأثرت بحالة الطوارئ.

الموقف الدولي والإنساني:

أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) عن “القلق البالغ” جراء الاشتباكات، ودعت إلى وقف فوري للعنف وحماية المدنيين. وقد كرّرت السفارة الأميركية في طرابلس هذه الدعوة عبر تغريدة تدعو إلى الهدوء. وعبر المجتمع الدولي (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) عن التمنيات بحلحلة الأزمة سياسياً وتجنب التصعيد المُسلح.

التغطية الإعلامية:

تنوعت التغطية بين رسمية ومحلية ودولية. فقد نشرت أجهزة الإعلام الحكومية والميليشيات بيان وزارة الدفاع حول “استعادة الأمن والسيطرة على أبوسليم”، بينما تناقلت صفحات محلية ومراقبون لقطات فيديو لإطلاق النار والمواجهات. وعمد بعض الناشطين لإطلاق نداءات طمأنة ودعوات للتهدئة على منصات التواصل. من جانبها تناولت وكالات أنباء دولية (رويترز، أسوشيتد برس، الجزيرة الإنجليزية، والجارديان) الأحداث بتحليل شامل يربط الاشتباكات بالمشهد السياسي الليبي العام. وقد ركّزت هذه التقارير على عدد القتلى والمنهزمين واستخدام الأسلحة الثقيلة، فضلاً عن إشارات إلى تدخلات خارجية ودعوات الأمم المتحدة. ويمكن القول إن الإعلام الرسمي الحكومي حاول بث روح الانتصار واستقرار الوضع، في حين أبرزت وسائل الإعلام الدولية والعربية المستقلة جانب الفوضى والخسائر، داعية لوقف التصعيد.

الميليشياالولاء السياسيقائد/تفاصيلالموقع الرئيسي
جهاز دعم الاستقرار (Ghniwa)موالٍ لحكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)عبد الغني الككلي (غنيوة)حي أبو سليم – طرابلس
لواء 444 قتالموالٍ لحكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)محمود حمزةمقر اللواء 444 (طرابلس)
قوة الردع الخاصةموالٍ لحكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)(غير معلوم علناً)طرابلس (مقر أساسي)
فرسان جنزورموالٍ لحكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)غرب طرابلس
رحبة الدروع (تاجوراء)موالٍ لحكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)منطقة تاجوراء – شرق طرابلس
لواء المحجوب (مصراتة)موالٍ لحكومة الاستقرار (المجلس الشرقي)مدينة مصراتة
كتائب 777 (مصراتة)موالٍ لحكومة الاستقرار (المجلس الشرقي)مصراتة (تشكّل محلية)
كتائب الطيبين (مصراتة)قوات محلية (مصراتة)مدينة مصراتة



المصادر:

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022