تمر العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر منذ قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلي الحكم في يناير 2025 بحالة كبيرة من التوتر علي خلفية عدة قضايا، تتمثل في:
أولًا: إقامة قاعدة أمريكية في جزيرتي تيران وصنافير:
كشف موقع “مدي مصر”، نقلًا عن مسؤولين أوروبيين ومصريين وإقليميين، أن الولايات المتحدة تتناقش مع حلفائها الإقليميين حول إحداث تغيير جذري في منظومة الأمن بالبحر الأحمر، بما يضعها في طليعة القوى المراقبة لهذا الممر البحري. وتبقى المسألة الأكثر إلحاحًا على أجندة الولايات المتحدة هي التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي في اليمن. فمنذ نوفمبر 2023 استهدفت الجماعة على الأقل 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق، ما أسفر عن غرق سفينتين، والاستيلاء على ثالثة، ومقتل أربعة من أفراد الطواقم.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، شنت، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، غارات على مواقع الحوثيين في اليمن، أما إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، فأطلقت، في 15 مارس 2025، حملتها الخاصة على اليمن، تحت اسم عملية “راف رايدر”. وتوعد ترامب باستخدام “قوة فتاكة ساحقة” حتى تتوقف الجماعة المتمردة المدعومة من إيران عن استهداف حركة الشحن في الممر البحري الحيوي. وقد نُفذت في اليوم الأول من الحملة ما لا يقل عن 40 غارة جوية في أنحاء متفرقة من اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة. وبحلول نهاية مارس، وبعد 15 يومًا من بدء الحملة، تجاوز عدد الضربات الجوية أي شهر سابق منذ بدء الضربات الأمريكية في اليمن.
وتكبد كثافة الضربات وتواترها، الولايات المتحدة تكاليف مالية باهظة. ووفقًا لشبكة CNN، بلغت التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية الأمريكية في اليمن، مع بداية أبريل 2025، قرابة مليار دولار، رغم أن تأثيرها في تقويض قدرات الحوثيين ما زال محدودًا. ومن المرجح أن يلجأ البنتاجون إلى طلب تمويل إضافي من الكونجرس لمواصلة العملية، لكن الموافقة على هذا الطلب تبقى غير مؤكدة في ظل الانتقادات المتصاعدة للعملية داخل أروقة الكونجرس.
هذه التكاليف المتزايدة أصبحت مصدر قلق واضح للإدارة الأمريكية، ويمثل هذا أحد جوانب ما “تتوقعه في المقابل”. وفي أوائل أبريل 2025، طالب ترامب انخراطًا عسكريًا وماليًا أكبر من مصر في المعركة ضد الحوثيين، معتبرًا أن أي دعم لوجيستي يمكن أن تقدمه مصر للهجمات الأمريكية في اليمن ليس كافيًا لواشنطن.
من جانبها، أوضحت مصر أنها لا تملك الموارد المالية اللازمة لتقديم دعم مادي. وعندما رفضت مصر تقديم دعم مالي للمهمة الأمريكية في مارس 2025، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة المصرية في واشنطن أنها ستعيد النظر فيما ستطلبه من القاهرة في المقابل. وبحسب الفهم السائد في القاهرة هو أن تصريح ترامب بأن على مصر السماح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس مجانًا، هو نتيجة مباشرة لهذا الطلب السابق. إلا أن هذا الطلب وضع مصر في مأزق لأن الاستجابة له قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من دول أخرى، ما قد يقوض أحد أهم مصادر الدخل القومي التي تعتمد عليها مصر، وهي إيرادات القناة. ورغم عدم صدور موقف رسمي من القاهرة، فإن مصر لم تعلن رفضها الطلب، لكنها شكلت لجنة لدراسة كيفية الرد على الطلب الأمريكي.
ورغم الضغوط التي تواجهها مصر للمشاركة في العمليات ضد اليمن، سواء من الولايات المتحدة أو من حلفائها الخليجيين، وخاصة السعودية والإمارات. ورغم تأثر مصر بشكل مباشر من تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنها تدرك أن المطالب الأمريكية والخليجية تهدف بالأساس إلى حماية مصالح تلك الأطراف أكثر من كونها سعيًا لاستعادة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس. كما أن القاهرة لا ترغب في تكرار الورطة التي وقعت فيها في ستينيات القرن الماضي عندما دعمت قوات الجمهورية العربية اليمنية الثورية، خصوصًا بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها مصر في هذه الحرب. ناهيك عن أن الحوثيين في اليمن ليسوا قوة يمكن هزيمتها بسهولة، بالنظر إلى طبيعة اليمن الجغرافية، وسيطرتهم على البلاد منذ 2015، وتحكمهم في إمكاناتها، وطردهم للحكومة الشرعية، إلى جانب الدعم الواسع الذي يتلقونه من إيران ودول أخرى مثل الصين. كذلك، فإن مصر تري أن الولايات المتحدة هي من بدأت الحرب مع الحوثيين دعمًا لإسرائيل، وكان الأجدر بها، قبل أن تطلب الدعم من أصدقائها وحلفائها في المنطقة، أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة وسوريا ولبنان. ولذلك؛ رفضت مصر المشاركة عسكريًا في الحملة الأمريكية علي الحوثيين، واكتفت بعرض تقديم المشورة بشأن المخاطر الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر.
وفي ضوء هذا الرفض المصري للمشاركة المباشرة بالضربات الجوية على اليمن، فإن السعودية عرضت السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة، بهدف تولى الجيش الأمريكي تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن مشبوهة يحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران. ومن المتوقع أن يكون هذا المقترح السعودي على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو 2025. ويتمثل أحد الأهداف الأساسية لهذا المقترح هو حصول السعودية على حماية أمريكية في حال تعرضها لأي هجوم.
وتثير المقترحات الجديدة الخاصة بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة انقسامًا داخل دوائر صنع القرار في القاهرة، إذ عبر بعض المسئولين عن رفضهم التام بشأن وجود عسكري أمريكي محتمل لعدة أسباب، تتمثل في:
- تخشى القاهرة أن يؤدي تعزيز الوجود العسكري والأمني الأمريكي في المنطقة إلى التأثير على الاستثمارات الأجنبية في خليج السويس، لا سيما تلك التي مُنحت لشركات صينية وروسية، وهو ما قد يعرقل هذه الاستثمارات التي تعول عليها مصر لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية في محور قناة السويس، فضلًا عن انعكاسها السلبي على علاقاتها مع بكين وموسكو، بالنظر إلى حجم استثمارات البلدين في مصر خلال العقد الأخير ومصالحهما الاستراتيجية وعلاقاتهما بأطراف فاعلة في اليمن والسودان ومنطقة القرن الإفريقي.
- تخشى مصر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقويض الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء، والتي سمحت بموجبها إسرائيل للقاهرة بزيادة عدد القوات المصرية وبناء نقاط أمنية جديدة في إطار حربها ضد تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش، خاصة وأن إسرائيل تسعي حاليًا إلى تقليص هذه الترتيبات.
- من شأن إقامة قاعدة أمريكية على الجزيرتين أن تعزز العلاقات الأمنية المباشرة بين السعودية وإسرائيل، وهو ما يتوقع أن تكون له تداعيات سلبية على الدور الإقليمي لمصر، وعلى علاقاتها مع القوى الغربية التي لا تزال تعتبر مصر ذات مكانة مهمة في ضوء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل.
في حين أشار آخرون إلي أن مصر ليست في موقع يمكنها من رفض الطلب السعودي بشكل قاطع، وأنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى البحث عن سبل تضمن تحقيق بعض التنازلات لصالحها حيث قد تطلب مصر في المقابل السماح لها بتعزيز وجودها الأمني على الساحل الشرقي لجنوب سيناء. وفي السياق ذاته، فإن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، ناقش خلال زيارته إلى السعودية، الأسبوع الماضي، مع المسؤولين في المملكة مسألة تفعيل “منتدى البحر الأحمر” المؤجل، حيث أعد الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بالبحر الأحمر، يرغبان في توقيعها خلال الاجتماعات.
وكانت مصر وافقت في 2016 على نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، في خطوة رأت فيها القاهرة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية وجذب الاستثمارات السعودية، لكنها أثارت موجة احتجاجات واسعة داخل البلاد ومعركة قانونية طويلة. ونُظمت التظاهرات يوم عيد تحرير سيناء، ذكرى انسحاب إسرائيل من شبه الجزيرة في 1982، ووصف بعض النشطاء الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ”الخيانة العظمى”. ورغم مصادقة البرلمان رسميًا على الاتفاقية وتوقيع الرئيس عليها، فإن عملية نقل السيادة لم تُستكمل، ما أدى إلى فتور في الدعم السعودي بعدما كان أكثر سخاءً فيما مضى. ففي عام 2023، لم تكن القاهرة قد توصلت بعد إلى اتفاق مع الرياض وتل أبيب بشأن مضمون الرسائل الرسمية المتبادلة التي يفترض أن تُستكمل بها عملية نقل السيادة بشكل نهائي، كما أن تفاصيل الترتيبات الأمنية التي يجب أن تسبق صياغة هذه الرسائل لا تزال محل خلاف. حيث أن هناك خلاف بين مصر والسعودية بشأن تيران وصنافير يتعلق بكاميرات المراقبة التي تريد السعودية وضعها على الجزيرتين بالتنسيق مع إسرائيل، حيث تظهر بيانات الأمن القومي المصري أن مدى تغطية هذه الكاميرات يتجاوز النطاق الذي تسمح به مصر، ويكشف كامل شبه جزيرة سيناء. وكان موقع “أكسيوس” ذكر في 2022 أن الولايات المتحدة حاولت التوسط بين مصر وتل أبيب والرياض لإتمام عملية النقل ضمن اتفاق تطبيع أوسع مقترح بين إسرائيل والسعودية، لكن مصر رفضت المشاركة، مما أدى إلى إفشال هذه المساعي. ولا يزال التوتر قائمًا بين السعودية ومصر بشأن الجزيرتين، وإن الرسائل اللازمة لاستكمال عملية النقل لم ترسل بعد، ويبدو أن جزءًا من التباطؤ المصري يرجع إلى استمرار وجود خلافات داخل الإدارة المصرية نفسها بشأن نقل السيادة على الجزيرتين1.
جدير بالذكر هنا، أن للجزيرتين أهمية استراتيجية كبيرة، فرغم مساحتهما الجغرافية الصغيرة، إذ تبلغ مساحة صنافير 33 كم2، حين تبلغ مساحة جزيرة تيران، 80 كم2، إلا أن موقعهما الاستراتيجي منحهما قيمة لوجستية غاية في الأهمية، ما يجعلهما نقطة تحكم لدخول خليج العقبة، ومينائي العقبة في الأردن، وإيلات في إسرائيل. بجانب تحكمهما في مضيق تيران الاستراتيجي، فإن الجزيرتان تطلان على منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية، ما يسمح لهما بالتحكم في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة، حيث تقعان عند مصب الخليج، الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.
ويعد مضيق تيران، الذي تتحكم فيه جزيرة تيران، نقطة العبور الوحيدة للسفن من وإلى خليج العقبة، فهو الممر المائي الوحيد الذى يمكن للسفن الإسرائيلية الإبحار عبره من ميناء إيلات إلى العالم، ما يعني أنه يمثل المتنفس الأبرز لتل أبيب عالميًا، وفي حال غلقه سيتم خنق الاحتلال بصورة كبيرة، ولذا مُنح وضعية استثنائية في الاتفاقيات الدولية تلزم الجميع بأن يكون بعيدًا عن أي خلافات سياسية بين الدول المطلة عليه. وجزيرة تيران هي الأقرب – مقارنة بصنافير- إلى الساحل المصري، إذ تقع على بعد ستة كيلومترات عن منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، وتعد المنطقة الواقعة بين شرم الشيخ وجزيرة تيران، المضيق الوحيد الصالح للإبحار في منطقة خليج العقبة، ولا يمكن للسفن الإبحار بين تيران وصنافير لعدم صلاحية عمق المياه للمرور.
عسكريًا.. تعد الجزيرتان، جزء من “المنطقة ج” التي تضمنتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والقاضية بعدم وجود أي قوات عسكرية فيها سوى الشرطة المدنية، بجانب القوات الدولية لحفظ السلام، وتهيمن مصر ملاحيًا على تلك المنطقة وقد سبق لإسرائيل أن تقدمت في عام 2003 بطلب رسمي إلى السلطات المصرية لتفكيك الأجهزة التي وضعتها مصر لمراقبة الملاحة، لكنه قوبل بالرفض. وكانت الجزيرتان من بين القواعد العسكرية الاستراتيجية لمصر في فترة العدوان الثلاثي عام 1956، وتتمركز بها القوات المصرية، غير أن القوات الإسرائيلية استولت عليها بعد حرب يونيو 1967، لكنها أعادتهما إلى مصر بعد توقيع البلدين اتفاقية سلام في عام 1979، لتبقى منذ ذلك الحين تحت السيادة والسيطرة المصرية، على أن يلتزم الجانب المصري بضمان حرية الملاحة في الممر البحري الضيق الذي يفصل بين جزيرة تيران والساحل المصري في سيناء2.
ثالثًا: تصاعد العلاقات المصرية–الصينية:
شهدت الفترة الأخيرة تصاعد العلاقات بين مصر والصين بصورة كبيرة، خاصة علي الصعيدين العسكري والاقتصادي، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:
1- عسكريًا: أطلق سلاحا الجو المصري والصيني، في 19 إبريل 2025، مناورات مشتركة تعد الأولى من نوعها، باسم “نسور الحضارة 2025”3، بمشاركة مقاتلات من طراز (J-10C)، وطائرات للتزود بالوقود من طراز (YU-20)، وطائرات إنذار مبكر (KJ-500)، إلى جانب عشرات الطائرات الأخرى. وتمثل هذه الطائرات العمود الفقري لسلاح الجو الصيني. وتهدف المناورة إلى تعزيز التعاون الدفاعي مع مصر، وتحديث قدرات جيشها، خصوصًا في مجال الطيران.
يبرهن التعاون العسكري المصري مع الصين على أن القاهرة ماضية في تنويع علاقاتها العسكرية، وعدم الاكتفاء بالمحور الغربي الذي يضع مزيدًا من العراقيل على توريدات السلاح إلى القاهرة، خاصة تلك التي تتعلق بأسلحة دفاع جوي وطائرات حربية متطورة، بينما يواصل تقديم دعم غير محدود لإسرائيل، خاصة من جانب الولايات المتحدة. وإذا كانت بعض الدول الأوروبية تضع في حساباتها موازين القوى في المنطقة، ومن الممكن أن تخضع لبعض ضغوط إسرائيل بشأن عدم إتاحة الأسلحة التي تحصل عليها القاهرة بجميع قطع التشغيل، مثلما خضعت فرنسا سابقًا لضغوطات إسرائيلية حالت دون تزويد مصر بصواريخ متقدمة ضمن صفقة طائرات “الرافال”، وقيدت السياسات الأمريكية، المرتبطة بحقوق الإنسان والسياسات الإقليمية، قدرة مصر على تحديث أسطولها من مقاتلات “إف 16″، وفُرضت قيود على القاهرة فيما يتعلق بالرادارات المتقدمة والصواريخ بعيدة المدى. فإن مصر تبرهن على أن التوجه إلى المعسكر الشرقي عمومًا والصيني خصوصًا سيكون سبيلًا لها؛ لأنها لن تجد اعتراضات صينية بشأن طبيعة الأسلحة التي تسعى للحصول عليها، كما أن الصين أصبحت وجهة جيدة للقاهرة مع تراجع قدرات روسيا على توريد كميات كبيرة من الأسلحة بسبب الحرب مع أوكرانيا.
ولدي القاهرة رغبة ملحة في الحفاظ على توازن عسكري جيد لقواتها الجوية مع قدرات إسرائيل، التي حصلت منذ فترة على طائرات إف 35 المتطورة، فيما يعتمد سلاح الجو المصري على سلاح إف 164، حيث تمتلك مصر أكثر من 200 طائرة إف-16، مما يجعلها رابع أكبر مشغل لهذه المقاتلة عالميًا. ومع ذلك، فإن هذه الطائرات، التي دخلت الخدمة منذ أوائل الثمانينيات، أصبحت متقادمة، مما يجعل استبدالها ضرورة ملحة. وأبدت القوات الجوية المصرية اهتمامًا بالمقاتلتين الصينيتين J-10C وJ-35 كبدائل محتملة لمقاتلات إف-16 الأمريكية المتقادمة. ووفقًا لمصادر رسمية، تجري القاهرة وبكين محادثات حول إمكانية إبرام صفقة لشراء هذه المقاتلات، في إطار جهود تحديث القوات الجوية المصرية التي تحتاج إلى استبدال عدد كبير من الطائرات الغربية القديمة. وتعد J-10C مقاتلة متعددة المهام من الجيل الرابع، وتتميز بتكلفة تشغيلية منخفضة، ولديها قدرات متطورة في الحرب الإلكترونية، وتتعامل مع أنظمة التشويش، ولديها أنظمة رادارات متطورة، مما يجعلها خيارًا مناسبًا لاستبدال إف-16. أما طائرات J-31، فهي مقاتلة شبحية من الجيل الخامس، قد تمنح مصر ميزة تنافسية وتقليص الفجوة مع المقاتلة الإسرائيلية F-35.
ورغم ما قد تواجهه مصر من عقوبات إذا ما اقدمت علي شراء هذه المقاتلات الصينية وفقًا لقانون CAATSA الأمريكي، الذي يفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية إذا أقدمت أي دولة على شراء أسلحة متطورة من روسيا أو الصين. وفي السابق، حاولت مصر شراء 24 مقاتلة سو-35 من روسيا، لكن تهديدات واشنطن بفرض عقوبات دفعها إلى إلغاء الصفقة والتوجه نحو رافال الفرنسية. كما أن شراء مقاتلات صينية قد يؤدي إلى تدهور العلاقات العسكرية المصرية-الأمريكية، وربما إلى تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية، التي بلغت 1.3 مليار دولار، والتي بدأت واشنطن بالفعل في تقليصها. إلا أن القاهرة قد تمضي قدمًا في تمرير الصفقة لإحداث التوازن العسكري المطلوب على مستوى سلاح الجو، أو أنها قد تلوح بإمكانية شراء المقاتلات الصينية كورقة ضغط على واشنطن بعد تجميد صفقة تشمل 20 مقاتلة “إف-35” التي وعد بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 20185.
2- اقتصاديًا: تتصدر الصين موقع الشريك التجاري الأول لمصر، حيث فازت الشركات الصينية بعدة عقود رئيسية وشهدت الاستثمارات الصينية نموًا ملحوظًا.تركز الكثير من هذه الاستثمارات على الموانئ المصرية، وخاصة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي توسعت في عام 2016 باستثمارات من شركة “تيدا” القابضة للاستثمار، وهي مؤسسة مملوكة للدولة الصينية. وتضم هذه المنطقة منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر في السويس، وهو مجمع صناعي تعمل فيه أكثر من 160 شركة صينية، ويوفر أكثر من 70 ألف وظيفة للمصريين. وأكد وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في ديسمبر 2024 أن الاستثمارات الصينية هناك بلغت 3 مليارات دولار، وتمثل 40% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العامين الماضيين6.
بالإضافة إلي ذلك، فقد انضمت مصر رسميًا في مطلع عام 2024 إلى تجمع البريكس7 (أنشئ عام 2006 وضم بداية الصين وروسيا والهند والبرازيل ثم جنوب أفريقيا قبل أن يتوسع) الذي يوفر لمصر العديد من المكاسب الاقتصادية والسياسية، تتمثل في:
- تسعى مصر، من خلال انضمامها إلى البريكس، إلى تنويع مصادر الدعم والتمويل، وهو ما يجعل بنك التنمية التابع لـ”بريكس” (NDB) أداة مهمة في المرحلة المقبلة، خصوصًا مع إعلان البنك نيته توسيع تمويلاته خارج الدول المؤسسة. وتترقب القاهرة فرصًا للاستفادة من قروض بشروط ميسرة، ومشاريع بنية تحتية أو طاقة، بعيدًا عن الضغط الغربي المعتاد من صندوق النقد والبنك الدوليين8.
- تأمل الحكومة المصرية، من خلال عضوية البريكس، في توسيع التبادل التجاري بالعملات الوطنية مع الدول الأعضاء الأخرى، وخاصة الصين، الشريك التجاري الأكبر لمصر. على مدار السنوات الماضية، عانت مصر من أزمات متتالية مرتبطة بتوفر الدولار الأمريكي في مبادلاتها التجارية، مما أدى إلى موجات انخفاض كبيرة في قيمة الجنيه المصري. لذلك، تمثل الفرص المستقبلية المتعلقة باستخدام العملات الوطنية بدلًا عن الدولار بين دول البريكس في تجارتها أولوية بالغة الأهمية.
- ترى القاهرة أن الانضمام إلى مجموعة دولية تضم بكين وموسكو ونيودلهي، بالإضافة إلى عواصم رئيسية في الجنوب العالمي، يمثل خروجًا عن الاعتماد الأحادي على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، وتنويعًا لوجهات التعاون الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والعسكري.
- ترى مصر في تجمع البريكس تكتلًا قادرًا على الاضطلاع بأدوار مماثلة لأدوار حركة عدم الانحياز في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وتنظر الدبلوماسية المصرية إلى البريكس كتجمع يمكنه المساعدة في تمهيد الطريق لنظام عالمي متعدد الأقطاب، لا تكون فيه الولايات المتحدة القوة المهيمنة الوحيدة، وهو نظام عالمي لا يعيد إنتاج ثنائية القطبية التي سادت في النصف الثاني من القرن العشرين، بل بأقطاب متنافسة مختلفة9.
- يمثل البريكس منصة مهمة لمصر في سبيل دعم مواقفها الإقليمية، لا سيما في الملف الفلسطيني. وتأتي أهمية ذلك من انحياز معظم دول التجمع، مثل الصين وروسيا وجنوب أفريقيا، لمواقف أقرب إلى دعم الحقوق الفلسطينية ورفض السياسات الإسرائيلية العدوانية، فضلًا عن الانتقادات الصريحة التي توجهها هذه الدول للازدواجية الغربية في التعاطي مع النزاعات الدولية. فقد بدا واضحاً خلال اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة “بريكس” في البرازيل، والتي عُقدت في ريو دي جانيرو، في 28 و29 إبريل 2025، وجود ترحيب بدور مصر في التهدئة بغزة، وقيادتها الجهود العربية والإسلامية لإعادة الإعمار. ويمكن للقاهرة أن توظف هذا التأييد السياسي في المحافل الدولية لتعزيز الضغط من أجل وقف العدوان، وتحقيق هدنة دائمة، مع ضمانات دولية لإيصال المساعدات ورفض التهجير القسري10.
ثالثًا: اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين إلي مصر:
اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في يناير 2025، نقل فلسطينيين من قطاع غزة إلى بعض الدول العربية المجاورة، في إشارة إلى مصر والأردن11. فيما أعلنت إسرائيل عن إنشاء هيئة متخصصة في تسهيل “المغادرة الطوعية” للفلسطينيين من قطاع غزة، تبدو في ظاهرها خيارًا فرديًا، ولكنها عملية تهجير قسرية تحت الضغط، كما يتم البحث عن دول مستعدة لاستقبال فلسطينيي القطاع.
وتعطي مصر الأولوية لمنع أي احتمال لتهجير الفلسطينيين، لعدة أسباب، منها:
- العبء الإنساني: لكي لا تتحمل مصر عبء إيواء لاجئي غزة بشكل دائم كوسيلة وحيدة لتجنب كارثة إنسانية أعظم.
- تصفية القضية الفلسطينية: النزوح من شأنه أن ينهي أي أمل في إقامة دولة فلسطينية.
- التهديد الأمني: احتمال إنشاء تحالف إسلامي في شمال سيناء مكون من تنظيم الدولة الإسلامية ومسلحين في غزة، والخشية من أن تتحول سيناء لمنطقة انطلاق لهجمات على إسرائيل؛ ما يجر مصر لمواجهة حتمية مع إسرائيل12.
وبالتالي، اقترحت مصر خطة بقيمة 53 مليار دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، وافقت عليها القمة العربية، ردًا على إعلان ترامب عزمه على الاستيلاء على غزة وتحويلها لمركز سياحي وتهجير سكانها. رفضت الخطة المصرية التهجير، وسعت لإعادة تطوير القطاع دون إخلائه، ونصت على أن السلطة الفلسطينية ستشرف على إعادة الإعمار من خلال لجنة تكنوقراط، لتسهيل عودة السلطة الفلسطينية لغزة، مع اعتبار حماس “تحديًا رئيسيًا” لن يُحل إلا بمعالجة الأسباب الجذرية للمقاومة المسلحة من خلال عملية سياسية، ترتكز على حل الدولتين، ووقف الاستيطان، وإنهاء الاحتلال، مقابل إنهاء أنشطة المقاومة. بل وأشارت تقارير إلى أن مصر قد تتحلل من التزاماتها في معاهدة السلام مع إسرائيل إن قامت إسرائيل بإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء13.
ولكن في مقابل رفضها لتهجير الفلسطينيين من غزة، والتي قد تكون إلي الأراضي المصرية، فإن مصر أصبحت أكثر تجاوبًا مع المطالب الأمريكية فيما يتعلق بالضغط علي حماس للموافقة علي الشروط الإسرائيلية والأمريكية فيما يتعلق بمفاوضات التهدئة وتبادل الأسري في غزة، وفي هذا الإطار، قال وزير الجيش الاحتلال، يسرائيل كاتس، إن مصر طرحت لأول مرة شرطًا لإتمام صفقة شاملة وإنهاء الحرب، يتمثل في نزع سلاح حركة (حماس) وتجريد غزة من الأسلحة14. وهناك مزاعم إسرائيلية بأن مصر هددت حركة حماس بطرد الأسرى المحررين مؤخرًا من أراضيها، إذا لم تبد مرونة في التوصل إلى اتفاق جديد لإطلاق سراح الأسرى. وبحسب موقع “إسرائيل هيوم” فإن هذا التهديد جاء استجابة لرسائل شديدة اللهجة وجهها مبعوث البيت الأبيض، ستيف ويتكوف، إلى رئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، معبرًا عن استياء واشنطن من عدم نجاح مصر في إقناع حماس بالإفراج عن مزيد من الرهائن، ومن بينهم المواطن الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر15.
رابعًا: تزايد الوجود العسكري المصري في سيناء:
أعرب مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم إزاء تزايد الوجود العسكري المصري في شمال شبه جزيرة سيناء، الواقعة على الحدود مع كل من إسرائيل وقطاع غزة، ومن التحديث المستمر للجيش المصري. حيث حذر رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، هرتسي هاليفي، من أن مصر تشكل تهديدًا أمنيًا مستقبليًا، لأن لديها جيشًا كبيرًا، وأسلحة، وطائرات، وغواصات متطورة، وسفن، وصواريخ، وعددًا كبيرًا من الدبابات والقوات البرية المتطورة. كما عبر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، عن قلق الدولة العبرية من تنامي قدرات الجيش المصري، وازداد التوتر حدة عقب كلمة سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، التي اتهم فيها مصر “بخرق اتفاقيات السلام مع إسرائيل عمدًا”، وأنها تبني قواعد عسكرية في سيناء16. وفي شهر مارس، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف كاتس مصر من خرق معاهدة السلام المبرمة عام 1979 مع إسرائيل، والتي تضع قيودًا على الوجود العسكري المسموح به للمصريين في المنطقة17. كما اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية إعلان قوات الجيش الثالث الميداني الجاهزية القتالية أنه “مسار تصادمي، لأن مهام الجيش الثالث تتمثل في تأمين مدن قناة السويس وشمال سيناء وحدود مصر المتاخمة لقطاع غزة18. ورغم أن مصر لم ترد رسميًا (على الادعاءات)، فقد أكد مسؤولون ومحللون أن القدرات العسكرية في سيناء قد تم تعزيزها. وعزا العميد سمير فراج، وهو ضابط كبير سابق في الجيش المصري، هذا التعزيز إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي، لا سيما فيما يتعلق بالتهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة العاملة في المنطقة، وصرح لوسائل إعلام عربية بأن مصر نشرت المزيد من القوات بالقرب من رفح، على الحدود مع قطاع غزة، بالتنسيق مع إسرائيل19.
ووفقًا لمصادر رسمية وخبراء عسكريين، فإن الوجود العسكري المصري في سيناء يشمل 88 كتيبة عسكرية، تتضمن 42 ألف جندي، و3 فرق عسكرية كاملة، و1500 دبابة ومدرعة. بالمقابل، تسمح اتفاقية السلام بين الجانبين، الموقعة عام 1979، بوجود 50 كتيبة مصرية فقط، بما يتضمن 22 ألف جندي مصري فقط. وتؤكد مصادر عسكرية إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية تضغط عبر قنوات دبلوماسية وأمنية، بما في ذلك واشنطن، للوصول إلى تسوية رسمية بشأن هذا الملف20.
ويبدو أن زيادة عدد القوات المصرية في سيناء لا تمثل مسألة جوهرية، لأنه يمكن التراجع عنه ببساطة. لكن ما يثر قلق جيش الاحتلال هو تزايد البنى العسكرية المصرية والتي تشير لإعادة انتشار قد تكون طويلة الأجل. وما يزيد من الشكوك، أن هذه التطورات تتزامن مع مؤشرات متزايدة في العشر سنوات الأخيرة تثير قلق المراقبين الإسرائيليين، مثل التسليح المتسارع والحديث للجيش المصري، والذي تضمن:
1- الإعداد اللوجستي المتمثل في:
- بناء طرق سريعة وإنشاء سبعة أنفاق أسفل قناة السويس في الإسماعيلية وبورسعيد لنقل القوات بسرعة إلى سيناء؛ وتوسيع طرق المرور الرئيسية فيها.
- توسيع المطارات العسكرية شرق القاهرة في سيناء والعريش، وبناء مخابئ وخزانات جديدة، ومضاعفة الذخيرة، والاحتياطيات وتخزين الوقود.
- إقامة بنى تحتية ذات طبيعتين: دفاعية وهجومية، ونشر البنية الأساسية لأنابيب الوقود والمياه الممتدة إلى عمق ألف متر.
2- تحديث الأفرع الرئيسية للجيش، فهناك متابعة إسرائيلية دائمة للتحديثات التي يقوم بها الجيش المصري، فأي بناء للقوة العسكرية لمصر، وإن كان لا يعني وقوع حرب غدًا، لكنه يعني أنه أن يمثل تهديدًا للجيش الإسرائيلي عاجلًا أو آجلًا، لاسيما أن تعزيز القوة العسكرية في مصر ليس أمرًا روتينيًا. يتجلى ذلك في:
- وفقًا لتصنيف غلوبال فاير باور لعام 2025 يحتل الجيش المصري المرتبة الـ19 عالميًا.
- يمتلك الجيش المصري مجموعة متنوعة من الأسلحة والمعدات المتقدمة، منها:
- تمتلك القوات الجوية المصرية أسطولًا كبيرًا من الطائرات المقاتلة، بما في ذلك إف 16 الأميركية، ورافال الفرنسية. فضلًا عن طائرات الشحن، والطائرات المروحية بما في ذلك أباتشي الأمريكية و(ka52) الروسية، إلى جانب الطائرات المسيرة وأبرزها وينغ لونغ الصينية، وطائرات الاستطلاع المصنعة محليًا. كما يمتلك الجيش أكثر من 80 مطارًا يوفر الدعم اللوجيستي القوي لعملياته الجوية.
- تمتلك مصر دبابات متنوعة منها (M1A1 Abrams) الأمريكية و(T-90MS)الروسية.
- تتألف القوات البحرية من 146 قطعة بحرية متنوعة، منها حاملات المروحيات (من طراز “ميسترال” الفرنسية) وثماني غواصات، منها أربعة حديثة من طراز “تايب” الألمانية، وأربع غواصات من طراز “روميو” الصينية. كما عززت قدراتها السطحية بامتلاكها فرقاطات حديثة، من طراز “ميكو A-200″الألمانية، و”فريم” الإيطالية.
- استثمرت مصر في أنظمة الدفاع الصاروخي، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوية الروسية(S300)، كما طورت نظام الدفاع الصاروخي الخاص بها، وهو نظام الدفاع(EADS).
- رفع مصر عدد القوات الدائمة لديها، فأصبح لديها 16 فرقة كاملة21.
وعلى الرغم من تقدير إسرائيل بأن مصر متمسكة باتفاقية السلام كخيار استراتيجي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي يثير شكوكًا حول المستقبل حال تغير نظام الحكم. وفي ضوء ذلك؛ نتج عن حرب طوفان الأقصى تعثر مسيرة الصعود الاستثنائية للعلاقات المصرية الإسرائيلية خلال العقد الأخير؛ فقد وضعت البلدين مجددًا أمام تناقض واسع في المصالح والضرورات. ففي حين باتت إسرائيل لا تستطيع التعايش مع وجود كتلة بشرية ضخمة من الفلسطينيين -الذين تشيع فيهم الرغبة في المقاومة- على مقربة من حدود مستوطناتها، تشعر مصر في المقابل بمخاطر أمنية حال استقبال أعداد ضخمة من الفلسطينيين مما قد ينذر بتقويض الاستقرار الأمني الهش في سيناء، فضلًا عن احتمالية انفجار الغضب الشعبي جراء ما سيعتبر تواطؤًا مصريًا مع خطة التهجير22.
خامسًا: تصريحات المبعوث الأمريكي عن الأوضاع الداخلية بمصر:
أثار المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، جدلًا واسعًا بتصريحاته التي أدلى بها حول الوضع في غزة، وتأثيره على الأوضاع الداخلية في كلًا من السعودية ومصر. جاءت هذه التصريحات خلال مقابلة له مع الإعلامي الأمريكي اليميني الشهير تاكر كارلسون، والتي نُشرت على صفحاته الرسمية بمنصات التواصل الاجتماعي، حيث ناقش ويتكوف الأبعاد السياسية والاقتصادية للأزمة في غزة، وتأثيرها على الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة على الدول العربية الكبرى مثل مصر والأردن والسعودية. وخلال المقابلة، سُئل المبعوث الأمريكي – المقرب من الرئيس دونالد ترامب – عن تأثير الوضع في غزة على الأوضاع الداخلية في الأردن ومصر والسعودية، فأجاب بقوله: : “أعتقد أن مصر في الواجهة.. أعتقد أن كل الأمور الجيدة التي حصلت بعد القضاء على نصر الله والسنوار، كل هذه الأمور الجيدة يمكن أن تُعكس إذا خسرنا مصر”. وأضاف: “ما حدث في سوريا كان مصدر بيانات ضخم عن المنطقة، أعني أن التخلص من الأسد كان أمرًا ضخمًا ولم يتوقع أحد ذلك. لكن مصر… أود أن أقول إن البيانات في مصر تشير إلى معدل بطالة ضخم.. نحو 45% بطالة، لا يمكن لدولة كهذه أن تستمر. وهم (المصريون) مفلسون بصورة كبيرة، وبحاجة إلى الكثير من المساعدة”. ولفت المبعوث إلى أن التحديات الاقتصادية تتفاعل مع التوترات الاجتماعية الناجمة عن الأزمة الفلسطينية، مما يتسبب في “عاصفة مثالية” تهدد الاستقرار الداخلي.
وأشار كثير من المعلقين إلى أن تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط تأتي في إطار ممارسة ضغوط على مصر لقبول مخطط تهجير سكان غزة، وإلا فإن التكلفة ستكون سقوط النظام من خلال تكثيف الضغوط الاقتصادية وخفض أو إيقاف المساعدات. وكان ترامب قد ألمح سابقًا إلى أن المساعدات المالية الأمريكية لكلًا من مصر والأردن قد تُوقف في حال رفضتا استقبال فلسطينيين من غزة. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تقدم لمصر، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مساعدات سنوية تُقدر بحوالي 2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية تشمل تزويد الجيش المصري بأسلحة متطورة، فيما تُخصص 800 مليون دولار كمساعدات تنموية. بينما إذا وافقت مصر علي توطين الفلسطينيين بسيناء، فإن الولايات المتحدة ستقدم إليها حزمة مساعدات مالية ضخمة تساعدها علي تجاوز أزماتها الاقتصادية23.
وعلي ضوء هذه الخلافات السابقة بين الولايات المتحدة ومصر، يمكن قراءة استثناء ترامب لمصر في زيارته المرتقبة إلي الشرق الأوسط، حيث سيكتفي بزيارة كل من السعودية والإمارات وقطر24.
1 “مصر ترفض التصورات المقترحة لموطئ قدم أمريكي في البحر الأحمر”، مدي مصر، 30/4/2025، الرابط: https://www.madamasr.com/2025/04/30/feature/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9/%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d8%aa%d8%b1%d9%81%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b7%d8%a6-%d9%82%d8%af%d9%85-%d8%a3/
2 ” تيران وصنافير إلى الواجهة مجددًا.. ولكن كورقة ضغط أمريكية لترويض القاهرة”، نون بوست، 3/5/2025، الرابط: https://www.noonpost.com/310260/
3 ” انطلاق فعاليات التدريب الجوى المصري الصيني المشترك «نسور الحضارة- 2025»”، أخبار اليوم، 19/4/2025، الرابط: https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4598904/1/%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A
4 ” مناورات “غير مسبوقة” وصفقات عسكرية في الطريق.. تفاصيل التقارب المصري مع الصين وكيف ستواجه القاهرة “الغضب” الأميركي؟”، عربي بوست، 25/4/2025، الرابط: https://arabicpost.net/%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%ae%d8%a7%d8%b5%d8%a9/2025/04/25/%d8%aa%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a/
5 “الجيش المصري: “نسعى للحصول على أحدث المنظومات القتالية”.. هل تستهدف القوات الجوية المصرية مقاتلات J-10C وJ-35 الصينية المتطورة؟”، موقع الدفاع العربي، 27/3/2025، الرابط: https://www.defense-arabic.com/2025/03/27/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a-%d9%86%d8%b3%d8%b9%d9%89-%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85/
6 ” ما وراء “العقد الذهبي” للشراكة بين مصر والصين”، موقع الدفاع العربي، 6/3/2025، الرابط: https://www.defense-arabic.com/2025/03/06/%d9%85%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%88/
7 ” مصر عضواً رسميا بمجموعة بريكس بداية من اليوم.. مصدر بقطاع التجارة: الانضمام للمجموعة يسهل التبادل التجارى بالعملات المحلية ويرفع جودة الصناعة المصرية.. واتحاد الصناعات: خطوة لزيادة الصادرات لدول المجموعة”، اليوم السابع، 1/1/2024، الرابط: https://www.youm7.com/story/2024/1/1/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B9%D8%B6%D9%88%D8%A7%D9%8B-%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D9%85%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%A8%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9/6433523
8 “مصر تنوّع علاقاتها الدولية من خلال “بريكس””، العربي الجديد، 2/5/2025، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%91%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3
9 “بعيدا عن الولايات المتحدة… في تفسير أسباب انضمام مصر إلى تجمع البريكس”، القدس العربي، 31/3/2025، الرابط: https://www.alquds.co.uk/%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d8%af%d8%a7-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d8%b3/
10 “مصر تنوّع علاقاتها الدولية من خلال “بريكس””، مرجع سابق.
11 ” إلى مصر أو الأردن.. ترامب يقترح نقل سكان من غزة”، العربية نت، 26/1/2025، الرابط: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections-2016/2025/01/26/%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%8A%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%AD-%D9%86%D9%82%D9%84-%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%BA%D8%B2%D8%A9
12 “العلاقات المصرية الإسرائيلية: حدود التغير وآفاق المستقبل”، مركز الجزيرة للدراسات، 16/4/2025، الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/article/6193
13 ” القمة العربية تتبنى الخطة المصرية بشأن غزة وإسرائيل تنتقدها”، DW عربية، 4/3/2025، الرابط: https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%A8%D9%86%D9%89-%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-53-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1/a-71827099
14 “كاتس: مصر تشترط لأوّل مرة نزع سلاح (حماس) لإنهاء الحرب”، دنيا الوطن، 16/4/2025، الرابط: https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2025/04/16/1544628.html
15 “إعلام عبري: مصر هددت حماس بطرد الأسرى إذا لم تقبل شروطنا”، شبكة رصد، 26/3/2025، الرابط: https://rassd.com/545018.htm
16 “العلاقات المصرية الإسرائيلية: حدود التغير وآفاق المستقبل”، مرجع سابق.
17 ” نيوزويك: ما مدى خطورة التوترات المتصاعدة بين إسرائيل ومصر؟”، المعهد المصري للدراسات (مترجم)، 8/4/2025، الرابط: https://eipss-eg.org/%d9%86%d9%8a%d9%88%d8%b2%d9%88%d9%8a%d9%83-%d9%85%d8%a7-%d9%85%d8%af%d9%89-%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b9/
18 “العلاقات المصرية الإسرائيلية: حدود التغير وآفاق المستقبل”، مرجع سابق.
19 ” نيوزويك: ما مدى خطورة التوترات المتصاعدة بين إسرائيل ومصر؟”، مرجع سابق.
20 “لهذه الأسباب تقلق إسرائيل من الوجود العسكري المصري في سيناء”، الجزيرة نت، 2/4/2025، الرابط: https://www.aljazeera.net/politics/2025/4/2/%D9%84%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%82-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF
21 “العلاقات المصرية الإسرائيلية: حدود التغير وآفاق المستقبل”، مرجع سابق.
22 “التوتر بين مصر وإسرائيل: الضرورات الجيوسياسية تكشف هشاشة شراكة السيسي – نتنياهو”، أسباب، 4/2025، الرابط: https://www.asbab.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%86/
23 “ويتكوف يُربك مصر.. رسائل تهديد مبطنة أم تحذيرات صريحة؟”، نون بوست، 25/3/2025، الرابط: https://www.noonpost.com/301988/
24 ” ترامب: سأتوجه الأسبوع المقبل إلى السعودية والإمارات وقطر”، الجزيرة نت، 6/5/2025، الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2025/5/6/%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B3%D8%A3%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89