أمريكا تخسر الحرب في أفغانستان
ترجمة تقرير أمريكي: الحرب في أفغانستان انتهت، لقد خسرنا[1]
تعلم طالبان أن الولايات المتحدة فى حاجة ماسة لمغادرة أفغانستان، وهو ما شجعها على شن هجوم على مسؤولين أفغان وقادة عسكريين أمريكيين كبار خلال اجتماع بينهم مؤخراً.
أمريكا تسعى للتفاوض وطالبان ترد بالتصعيد
يبدو أن أمريكا قد خسرت الحرب في أفغانستان، على الرغم من رفض واشنطن الاعتراف بذلك، وإصرار الجيش الأمريكي على الاستمرار فى مأزق الحرب فى أفغانستان، وذلك منذ بدء الحرب فى 11 سبتمبر 2001.
فقد هاجمت حركة طالبان، يوم الخميس، اجتماعاً بين مسؤولين أفغان وقادة عسكريين أمريكيين في أفغانستان، منهم الجنرال أوستن إس ميلر. وقد أصيب الأميركيين الحاضرين، لكن ميلر لم يصب بأذى. وعلى الرغم من ذلك، فقد قتل ثلاثة مسؤولين أفغان على الأقل، من بينهم الجنرال عبد الرازق، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، وصانع القرار الرئيسى في جنوب أفغانستان. ولقد كان البيان الأولي للجيش الأمريكي حول الهجوم مثالًا صارخاً على التناقض المعلوماتى، فبدلاً من الإدانة الكاملة للحادث، ادعى الكولونيل ديف باتلر، المتحدث باسم القوات الأمريكية في أفغانستان، أنه مجرد حادث أفغاني فى أفغانستان، هذا الوصف يبدو متناقضاً، بالنظر إلى أن طالبان سرعان ما أعلنت مسؤوليتها عن الحادث، الذى قتل فيه أحد القادة المقاتلين ضد طالبان، إلى جانب إصابة الأمريكيين، وكل ذلك في حضور الجنرال الأمريكي المسؤول عن المجهود الحربي.
رد الفعل الأمريكي يبدو أكثر منطقية فى حالة إدراكنا أن أمريكا لا تحاول هزيمة طالبان، بل تبحث عن طريقة للخروج من هذا المأزق. فلقد تم ترك الأمر للدبلوماسيين الأميركيين للتفاوض على صفقة لحفظ ماء الوجه، وهي صفقة تحاول من خلالها الولايات المتحدة أن تغادر طالبان دون أن تظهر خسارتها. لكن هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا إلى القول بأن هذه المناورة الدبلوماسية مضللة.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، التقى وفد أمريكي بزعامة زلماي خليل زاد، الذي تم تعيينه مؤخراً ممثلاً خاصاً للولايات المتحدة للمصالحة في أفغانستان، مع ممثلي طالبان في الدوحة، قطر. ولم يكن هذا اللقاء بين طرفين متساويين في إمكانية الفوز بالحرب، بل إن طالبان تسيطر على أكثر من نصف أفغانستان، كما أنها تدرك أن الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى المغادرة، ولا تسعى إلى الفوز فى هذه المعركة.
ماذا عن استراتيجية ترامب؟
عندما أعلن الرئيس ترامب عن استراتيجيته للحرب في أغسطس 2017، شدد على أن نهج الولايات المتحدة سوف يعتمد على الظروف على الأرض، وليس على الجداول الزمنية التعسفية. جادل ترامب بشكل صحيح أن الرئيس أوباما قد أخطأ عندما أعلن منذ البداية تحديد وقت معين لانتهاء عمل القوات الأمريكية فى أفغانستان. فقد أدركت طالبان وحلفاؤها من خلال تحديد وقت معين أن عليهم الانتظار حتى تنتهى هذه المدة وهى 18 شهراً فقط، وبعدها ستختفي التعزيزات الأمريكية التي يرسلها أوباما. ولذلك فإنه من الناحية النظرية، تبدو استراتيجية ترامب أكثر واقعية فى عدم تحديد وقت معين لسحب القوات، وربط ذلك بطبيعة الظروف والمستجدات، لكن الوضع على أرض الواقع لم يتحسن.
وبينما كان ترامب يدعو إلى الصبر، إلا أنه كان هناك دائمًا قلة فى الدعم. وعلى الرغم من أن الرئيس لم يعلن بعد عن جدول زمني للانسحاب، لكن ذلك قد يتغير قريبًا. فقد أكد مسئولون كبار في الولايات المتحدة لجريدة ذا ويكلى ستاندر: "أن الرئيس ترامب يمكن أن يعلن الانسحاب خلال أشهر"، وفى حين يمكن للرئيس المتقلب أن يغير رأيه دائماً، لكن مسؤولي الإدارة يتصرفون كما لو أن الوقت قد نفد بالفعل.
ويعزز هذا التصور سلوك الرئيس فقط، فترامب لم يزر أفغانستان ولو لمرة واحدة منذ أن أصبح قائدًاً أعلى، حتى بعد إعلانه عن التزامه بالفوز بالحرب في العام الماضي. وخلال مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس في 16 أكتوبر، سُئل الرئيس: "لماذا تتجنب زيارة القوات في الميدان؟"، فرد ترامب: "حسنا، سأفعل ذلك في وقت ما، لكنني لا أعتقد أنه ضروري للغاية، لقد كنت مشغولاً للغاية بكل ما يحدث هنا، فنحن لدينا أعظم اقتصاد في تاريخ بلدنا". وبعد تغيير الموضوع، أضاف: "أنه لا يوجد أحد أفضل بالنسبة للجيش"، لكن لا تزال نقطة ما إذا كان تم فصل ترامب وتغييبه عن المجهود الحربي في أفغانستان.
في الواقع، لا يقول ترامب شيئاً يذكر عن الحرب في هذه الأيام. لا توجد خطب رئيسية أو مؤتمرات صحفية أو أي مقال رأي يشرح للشعب الأمريكي لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تنتصر فى هذه الحرب. بل فى الواقع فإن القادة العسكريين الأمريكيين يجادلون بعكس ذلك.
وخلال خطابه الوداعي في أوائل سبتمبر، أعلن الجنرال جون نيكلسون، الذي كان أول من أشرف على الجهود الحربية فى عهد ترامب، أنه قد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب في أفغانستان، لكن الحرب لم تنتهى سواء بالفوز أو بالخسارة. ومن المؤكد أن طالبان لم تُهزم، وذلك من نواح كثيرة، فالمنظمة حالياً أقوى من أي وقت مضى منذ أواخر عام 2001. كما أن التصرف كما لو أن أمريكا تستطيع ببساطة إنهاء الحرب هو نفس النهج الذي اتبعه الرئيس باراك أوباما، الذي ادعى أنه جلب حرب العراق إلى نهاية مسؤولة فى عام 2011، بالطبع، هذا لم يحدث، فالفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة، بالاقتران مع الحرب في سوريا، خلق فرصة للجهاديين الذين انتشروا في بلاد الخلافة التي أعلنتها داعش.
هل يدفع فشل استراتيجية ترامب التصعيدية تجاه التسوية؟
تؤمن إدارة ترامب أن القصة يمكن أن تكون أحسن حالاً في أفغانستان مما حدث فى العراق. وتقول إدارات الدفاع والدولة إن التسوية السياسية مع طالبان ضرورية، لكن هذا غير واقعي، فهناك ثلاث حقائق أساسية من شأنها أن تعوق جهود خليل زاد:
(1) تسعى حركة طالبان إلى إعادة تكوين إمارة أفغانستان الإسلامية. وعندما أكدت حركة طالبان مشاركتها في محادثات الدوحة في وقت سابق من هذا الشهر، قالت المجموعة إن ممثلين عن المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية قد التقوا بالأميركيين. وهذا قد لا يبدو كصفقة كبيرة، لكنه كان صفعة في وجه أمريكا.
فقد وافقت إدارة أوباما، التي كانت مجبرة أيضاً على التفاوض، على السماح لطالبان بفتح مكتب الدوحة في عام 2013، في ظل ظروف معينة. من بينها: لم يكن من المفترض أن يطلق ذراع طالبان في الدوحة على نفسه اسم إمارة أفغانستان الإسلامية، فهذا هو اسم نظام طالبان الاستبدادي، الذي حكم أفغانستان حتى أواخر عام 2001. كما أن ذلك يعنى تجاهل الحكومة المنتخبة المتحالفة مع الغرب في إمارة طالبان، فقد أكدت إدارة أوباما للحكومة الأفغانية أن طالبان لن تشير إلى نفسها باعتبارها إمارة أفغانستان الإسلامية، لكن هذا كان أول شيء فعلوه، فعندما فتحت حركة طالبان مكتب الدوحة في يونيو 2013، رفع رجالها لافتة كتب عليها "إمارة أفغانستان الإسلامية"، مما أحرج الولايات المتحدة وحلفائها الأفغان.
وبعد أكثر من خمس سنوات، ما زالت طالبان تطلق على نفسها اسم إمارة أفغانستان الإسلامية في الدوحة وفي الداخل. هذه الحقيقة البسيطة تقوض الفرضية الكاملة للمفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة، حيث تريد واشنطن من قيادة طالبان أن تتصالح مع الحكومة الأفغانية، لكن طالبان جادلوا باستمرار بأن حكومة الرئيس أشرف غني غير شرعية. ووفقاً لطالبان، فإن النظام الإسلامي فقط – أي إمارته الإسلامية – هو الشرعي. وتقوم حركة طالبان ببناء هيكل حكم موازٍ لسنوات، تسمى "حكام الظل" الذين يشرفون على جهودهم في جميع أنحاء البلاد. وفي أغسطس، أخبر أمير طالبان، هيبة الله أخوندزاده، رجاله بأن عليهم الاستعداد للحكم على مزيد من الأرض في المستقبل القريب. كما رفضت حركة طالبان الإنتخابات البرلمانية القادمة في أفغانستان، قائلة: "إن تعطيلها واجب دينى".
لا يتفق أي من ذلك مع فكرة أن طالبان سوف تتصالح مع الحكومة الأفغانية، وتشارك في العملية السياسية. وبدلاً من ذلك، تم إعداد إمارة أفغانستان الإسلامية التابعة لطالبان مرة أخرى للحكم على جزء كبير من البلد، أو كله. فمن المحتمل أن توافق طالبان على نوع من التقسيم المؤقت، لكن لا ينبغي لأحد أن يثق في أن هذا الترتيب سيستمر طويلاً.
(2) تواصل باكستان إيواء قيادة طالبان العليا. فقد قامت إدارة ترامب باحتجاز المساعدات العسكرية لباكستان في محاولة للتشديد على ازدواجية الحليف المفترض. ولسنوات، كانت المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الباكستانية تؤوي قادة كبار في طالبان، بمن فيهم أعضاء في شبكة ما يسمى حقاني. ولا يزال حقانيون على اتصال وثيق بالقاعدة، وقد اكتسبوا بمرور الوقت المزيد من السلطة في أعلى هرم السلطة بطالبان، فالقائد الثاني لحركة طالبان وأمير الحرب هو سراج حقاني، الذي يشرف على العمليات العسكرية للجماعة.
وفي سبتمبر، أكدت وزارة الخارجية أن سلوك إدارة ترامب المتشدد لم يغير من سلوك باكستان. ونتيجة لذلك، فإن العديد من قادة طالبان أحرار في توجيه التمرد الأفغاني من خلف الحدود، فهم لا يتعرضون لتهديد مباشر، وليس لديهم حافز حقيقي لمطالبة رجالهم بإلقاء أسلحتهم. وهذا يجعل من غير المرجح أكثر أن توافق طالبان على صفقة تغيير اللعبة. يجب ألا ننسى أن باكستان دعمت استيلاء طالبان على أفغانستان في التسعينيات، وبعد أكثر من عقدين، يمكن للباكستانيين أن يفعلوا ذلك مرة أخرى.
(3) عدم تخلى طالبان عن القاعدة. فقد طالبت حكومة الولايات المتحدة من طالبان بأن تبتعد عن القاعدة قبل أن تجلس لإجراء محادثات. وقد تخلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن هذا المطلب منذ سنوات، بعد أن اتضح عدم إمكانية تحقيق ذلك. وكان لدى طالبان أكثر من 17 عامًا لإبعاد نفسها عن القاعدة ولكنها رفضت ذلك. ولا يزال زعيم القاعدة أيمن الظواهري موال لأمير طالبان، هبة الله أخوندزاده، ويقاتل رجال الظواهري تحت شعار طالبان لإعادة تكوين إمارة أفغانستان الإسلامية، وسوف يتشجع أنصار القاعدة في جميع أنحاء العالم إذا ما نجحوا فى ذلك. وحتى لو أصدرت طالبان بعض التصريحات لمعالجة هذه القضية، فإن الشيطان سيكمن في التفاصيل. فيمكن أن تستخدم طالبان لغة مبهمة تبدو واعدة، لكنها في النهاية لن تكون غير ذات جدوى، فمن المستبعد جداً أن تنبذ طالبان بشكل قاطع القاعدة الآن.
يبدو أن الولايات المتحدة لا تحاول هزيمة طالبان، وبدلاً من ذلك، تريد إدارة ترامب، مثل إدارة أوباما من قبل، الخروج من مأزق الحرب الأفغانية. وتعرف طالبان ذلك وهى أكثر سعادة، لأنها تقوم بفرض شروطها على أمريكا، وهذا ما يجري التفاوض عليه الآن. فالجهاديون يعلمون أن الحروب تنتهي بالفوز أو الهزيمة، وأن نصرهم ما زال في متناول أيديهم.
[1]THOMAS JOSCELYN: "The Afghanistan War Is Over. We Lost.", The Weekly Standard, October 18, 2018. Available at: https://www.weeklystandard.com/thomas-joscelyn/the-afghanistan-war-is-over-we-lost?_amp=true&__twitter_impression=true