صفقات السلاح بعد 30 يونيو.. عمولات بالمليارات بدعوى “الأمن القومي”

 صفقات السلاح بعد 30 يونيو.. عمولات بالمليارات بدعوى "الأمن القومي"

في واقعة تكتمت عليها  سلطات الانقلاب العسكري في مصر وأذرعها الإعلامية، سقطت يوم السبت 03 نوفمبر الجاري، طائرة عسكرية مصرية روسية الصنع من طراز ميغ-29 أثناء طلعة تدريبية. وقالت صحيفة  «kommersant» الروسية إن المقاتلة سقطت لكن تمكن الطيار من النجاة. وبحسب الصحيفة فإن روسيا زودت مصر بالطائرة في إطار عقد تجاري بقيمة 2 مليار دولار السنة الماضية 2017م، وتتضمن الصفقة 46 طائرة من طراز ميغ 29. 

هذا الخبر المتقضب أثار عدة تساؤلات واستفسارات كما يكشف عن عدة جوانب عن الصفقة التي تخفى كعادة كل صفقات السلاح:

أولا، طائرات «ميغ-29» هي مقاتلة من مقاتلات الجيل الرابع، قديمة الطراز؛ حيث صممت للسيطرة الجوية في زمن الاتحاد السوفياتي، وظهرت  في السبعينيات بواسطة مكتب تصميم ميكويا، وقامت «ميغ-29» بأول طيران تجريبي لها، يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1976، ودخلت الخدمة في سلاح الجو السوفياتي، في منتصف الثمانينيات، وتحديداً في العام 1983، من بعدها تم تصديرها إلى العديد من الدول النامية، إضافة إلى دول حلف وارسو، وما زالت تخدم حالياً ضمن القوات الجوية الروسية، وضمن القوات الجوية للعديد من الدول الأخرى.

ثانيا، أبرم الجنرال السيسي في مايو/أيار 2015، عقداً مع شركة تصدير الأسلحة الروسية (روس أوبورون أكسبورت) للحصول على ما يزيد على 46 مقاتلة  من طراز «ميغ-29إم»، ضمن صفقة سلاح بلغت وقتها "3,5" مليار دولار، ضمت كذلك مروحيات عمودية من نوع «إم.آي 35»، وأنواع ذخائر أخرى وبطاريات صواريخ أرض جو. وتمت صناعة أولى دفعات طائرات من طراز «ميغ-29إم» في بداية عام 2017م، وتسلمها الجيش المصري في أكتوبر 2017م.

ثالثا، كيف تسقط طائرة حديثة تم شراؤها منذ عام واحد فقط في طلعة تدريبية؟ ولماذا تكتم الجانبان الروسي والمصري على أسباب تحطم الطائرة؟ وهل تزود روسيا  جنرال العسكر بصفقات سلاح "مضروبة" عفا عليها الزمن؟ وردا على ذلك اكتفت شركة الطائرات المتحدة الروسية بتصريح مقتضب: «نحن على إطلاع على أحدث المعلومات فيما يتعلق بتحطم ميغ-29إم التي يملكها الجيش المصري. خبراؤنا الفنيون سيذهبون إلى مصر قريباً جداً للمساعدة في التحقيق». ولم تقدم الشركة، التي تضم كل شركات صناعة الطائرات العسكرية والمدنية التي تملكها الدولة الروسية، أي أسباب محتملة للتحطم[1].

 

ثالث أكبر مستورد سلاح بـ"14" صفقة

ذكر تقريرٌ صدر عن معهد ستوكهولم[2] الدولي لأبحاث السلام، في مارس/آذار 2018، أنَّ مصر أصبحت الآن من أكثر الدول تسلحا في العالم ، فهي ثالث أكبر مستوردٍ للأسلحة (بعد الهند والمملكة العربية السعودية). وفي الواقع، زادت واردات مصر من الأسلحة بنسبةٍ هائلة بلغت 225% في السنوات الـ5 الماضية منذ أن أصبح الجنرال عبد الفتاح السيسي  متربعا على كرسي الحكم في البلاد. ففي أثناء تلك المدة، أبرمت مصر صفقاتٍ كبيرة مع مجموعةٍ متنوعة من المُورِّدين، من بينهم الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا.[3] وخلال الفترة ما بين 2014 حتى ديسمبر 2017 أبرم السيسي 14 صفقة سلاح، بلغت 22 مليار دولار في أول سنتين فقط حتى 2016م[4]، كان نصيب روسيا منها حوالي 15 مليار دولار. لكن ما تم شراؤه فعليا يصل إلى 6 مليارات دولار بخلاف ما سيتم توريده خلال السنوات  الممقبلة.

وأظهر تقرير"معهد ستزكهولم" أن فرنسا أصبحت أكبر مورد للسلاح لمصر بنسبة 37% من إجمالي وارداتها، مستبدلة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحتل هذا المركز منذ السبعينيات، وكانت الأخيرة تورد لمصر 45% من أسلحتها في فترة ما بين 2008 و2012. و كانت الولايات المتحدة قد أوقفت واردات بعض الأسلحة إلى مصر في فترة ما بين 2013 و2015، خصوصًا الطائرات المقاتلة. ورغم ذلك، فقد زادت واردات الأسلحة الأمريكية إلى مصر في فترة 2013-2017 مقارنة بفترة 2008-2012 بواقع 84%، حيث رفعت حظرها على الأسلحة إلى مصر في 2015. وشكلت كل من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا أكثر ثلاثة دول تصديرًا للسلاح إلى مصر بنسبة 37% و26% و21% على التوالي.

وبحسب قاعدة بيانات المعهد، خلال الفترة ما بين العامين 2014 و2017 عقدت مصر صفقات لاستيراد السلاح بقيمة إجمالية قدرها خمسة مليارات و898 مليون دولار، وكانت قيمة هذه الصفقات تزداد بصفة سنوية، إذ بلغت 380 مليون دولار في العام 2014، ومليار و452 مليون دولار في العام 2015، ومليار و711 مليون دولار في العام 2016، و2 مليار و355 مليون دولار في العام 2017.

فالسيسي عقد صفقات طائرات الرافال  في فبراير 2015م، بقيمة تصل إلى 6 مليارات يورو ضمت 24 طائرة تم استلامها وصفقة أخرى "24" طائرة سيتم استلامها، بخلاف حاملتي المروحيات ميسترال، في أكتوبر 2016، بقيمة 1.2 مليار دولار. بالإضافة إلى عقد صفقة مقاتلات بحرية من طراز «جوييد» وعددها أربع. كما طالب السيسي مساعدة فرنسية لتحسين طائرات «ميراج 2000» و«ميراج 5» الموجودة لدى الجيش المصري، بالإضافة إلى تجهيزات تتعلق بالملاحة الجوية، والحرب الآلية، وأجهزة رادار محسنة في صفقة تتراوح قيمتها بين 2.5 مليار دولار.

أما صفقات السلاح مع روسيا، فقد بدأت مبكرا بعد الانقلاب مباشرة، حتى بلغت الاتفاقات الموقعة ما يزيد على 15 مليارات دولار على أقل تقدير، وذلك بعدما أمدت روسيا مصر بنحو 70% من صفقات التسليح. وقامت مصر بشراء بطاريات صواريخ مضادة للطائرات روسية من طراز «إس300»، وبلغت قيمة الصفقة نصف مليار دولار، بالإضافة إلى سربي طائرات «ميج 35»، وطائرات «ميج 29»، وطائرات عمودية من نوع «إم.آي 35»، وأنواع ذخائر أخرى، ذلك بتكلفه ثلاثة مليارات دولار، كما وقعت القاهرة عقدًا لتوريد 46 مقاتلة روسية من طراز «ميغ 29، في أكبر صفقة لطائرات الميغ تبلغ قيمتها 2 مليار دولار. وكذا وقعت مصر عقدًا لتوريد 50 مروحية حربية من طراز «كاـ 52»أو «التمساح» كما يطلق عليها البعض. كما استوردت مصر أسلحة روسية بقيمة 3.5 مليار دولار تمت أثناء زيارة السيسي لروسيا في 2014م، كما عقدت صفقة زوارق صواريخ وقاذفات «آر بي جي»، ودبابات «تي 90»، بالإضافة إلى اتفاقية توريد منظومات «بريزيدنت-إس» الروسية، لحماية الطائرات والمروحيات. وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين شركة «Egyptian Leisure» المصرية والشركة الروسية لصناعة الطائرات «سوخوي”، حيث تنص مذكرة التفاهم هذه على توريد 10 طائرات مدنية لاستخدامات النقل الداخلي عن طريق نظام التأجير التمويلي.

ومع أمريكا، عقدت عدة صفقات عسكرية، أبرزها، تسلم 5 أبراج لدبابات من طراز «أبرامز إم 1 إيه 1»، والتي يتم إنتاجها بتعاون مصري أمريكي مشترك. ثم مروحيات أباتشي التي تسلمت مصر 10 منها، وطائرات F16 ونظام المراقبة المتحركة لمراقبة الأوضاع على الحدود المصرية الليبية. وكانت واشنطن أفرجت عن صفقة الأسلحة التي أوقفت إرسالها لمصر منذ أكتوبر 2013م، والتي تتضمن 12 طائرة من طراز «أف – 16»، و20 صاروخ «هاربون»، و125 دبابة «إم بي إيه 1»، وتم تعليقها بسبب القوانين الأمريكية التي تمنع إرسال المساعدات العسكرية لحكومة غير منتخبة.

ومؤخرا، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، موافقة وزارة الخارجية على اتفاقيتي تسليح للجيش المصري بقيمة 1.2 مليار دولار وتشمل الصفقة بيع 10 طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي “آي إتش 64 آي”، إلى جانب 60 ألف طلقة من ذخيرة الدبابات والمعدات ذات الصلة لأسطول الدبابات “إم1 إيه1، لاستخدامها في التدريب والقتال.

وقبل أشهر، فازت شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، بعقد تطوير الطائرات “أباتشي” الهجومية في مصر، وتزويدها بنظام تحديث الرؤية الاستكشافية.

 

ومع المانيا تم التوقيع على صفقة ألمانية تتيح الحصول على 4 غواصات من طراز «دولفين»، كما أبرمت مصر صفقة للحصول على عدد من الطائرات المقاتلة الصينية، وأبرزها طائرة«جي – 31 المقاتلة»، والمعروفة إعلاميًا بالـ«الشبح».

 

غياب الضرورة العسكرية

إذن، تقديرات ما أنفقه نظام الجنرال السيسي منذ اغتصاب السلطة منتصف 2013 حتى أواخر 2017 ما بين 6 مليارات دولار إلى أكثر من 25 مليارا، فلماذا كل هذه المبالغ الطائلة  لدولة تعاني من ازمة اقتصادية حادها ويقوم اقتصادها على التوسع في القروض من جهة وفرض مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين من جهة ثانية؟!

الأمر الآخر، أن نظام السيسي يفتقر إلى عدو  تقليدي خصوصا في ظل التحالف والعلاقات الوثيقة التي تجمعه بحكومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وبحسب تحليل لمعهد " Stratfor الأميركي"  لا تنبع الزيادة الهائلة في مشتريات الأسلحة كواحدة من أكثر الدول تسلحا في العالم كذلك من حاجةٍ مُلِحّة لردع خصومٍ تقليديين رئيسيين. فباستثناء "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، لا يقترب أيٌّ من جيران مصر المباشرين من مضاهاة القوة العسكرية المصرية. ولا تُشكِّل المملكة العربية السعودية تهديداً عسكرياً حقيقياً، لا سيما أنَّ المملكة قدَّمت مساعدات اقتصادية كبيرة لمصر من أجل دعم  نظام السيسي، منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في عام 2013. وصحيحٌ أنَّ التاريخ الطويل من الصراع بين إسرائيل ومصر قد يمنح الأخيرة سبباً للحفاظ على قوة دفاعها العسكري تحسُّباً لتدهور العلاقات مع إسرائيل، لكنَّ هذا الاحتمال يبدو بعيداً في الوقت الحاضر. فرغم كل شيء، تحسَّنت علاقات مصر مع إسرائيل بوضوح في عهد السيسي، حتى إنَّ إسرائيل تُقدِّم مساعدة غير مباشرة لمصر في عملياتها بسيناء.

يضاف إلى ذلك أن صفقات السلاح التي يبرمها النظام دائما ما تكون أقل حداثة من الأسلحة التي تحصل عليها تل أبيب وهو ما يضمن التفوق الإسرائيلي باستمرار  هو ما يتضح من خلال صفقات الطائرات فالسيسي يحصل على الرافال بدون حتى الصواريخ الموجهة أو طائرات ميغ 29 بينما تحصل "إسرائيل" على طائرات "أف 35" وهي من الجيل الخامس الأكثرة تطورا وقدرة على المناورات القتالية.

الجانب الثالث والخطير هو أن زيادة مشتريات مصر من الأسلحة لا تنبع من ضرورةٍ عسكرية، صحيحٌ أنَّ البلاد متورطةٌ في مواجهةٍ عصيبة مع تنظيمات مسلحة في شبه جزيرة سيناء، لكنَّ معظم مشترياتها الأخيرة -التي تضمَّنت صواريخ أرض/جو وسُفُناً حربية كبرى- غير مناسبة إطلاقاً للقتال في معركة سيناء.

وبحسب "ستراتفور"، فإنَّ قلةً من صفقات الأسلحة الأخيرة هي التي تُلبِّي احتياجات الجيش المصري في سيناء، حيث تشن القوات المصرية حملةً باستخدام قدراتٍ ومعدات عسكرية، معظمها كانت موجودة سلفاً؛ بل تعاني القوات المصرية التي تقاتل هناك نقصاً في الموارد. إذ تفتقر المشاة المصرية التي تضطلع بمعظم القتال في سيناء، بشدَّةٍ، إلى دروعٍ جسدية واقية متقدمة ومعدات قتال فردية متطورة، وسط ندرةٍ أكبر في المعدات والتدريبات والإمدادات الفعَّالة.

فبالنسبة للمَركبات، ينشر الجيش المصري في سيناء دباباتٍ من طراز M-60A3، تُعَد قديمة وأكثر عُرضةً للتدمير، في حين أنَّ دبابات إم-1 أبرامز، الأكثر تقدُّماً بكثير والأشد تحصيناً، والتي تمتلكها مصر، ما زالت خارج المشهد. ومن المفارقات أنَّ النظام لم يشترِ حتى بعض المعدات الأكثر ملاءمةً للمواجهات في سيناء، مثل المَركبات المُدرَّعة المضادة للكمائن والألغام. وبدلاً من ذلك، بدأت الولايات المتحدة مَنح القاهرة التي تعتبر من الدول الأكثر تسلحا في العالم المئات من هذه المركبات مجاناً أوائل عام 2016، في إطار برنامج التبرع بالعتاد العسكري الفائض عن الحاجة والذي أطلقته وزارة الدفاع الأميركية. 

وهذه المعطيات  تمثل دلالة على رغبة النظام في استمرار المواجهات المسلحة في سيناء لأطول فترة ممكنة وعدم حسم الصراع مع المسلحين رغم أن الجيش يعتبر القوة الـ12على مستوى العالم، والمسلحون مهما تزايدوا لن يزيدوا على عدة مئات بحسب تقديرات الأجهزة الأمنية؛  لاعتبارات تتعلق بتسويق مشروعية النظام باعتباره رأس الحربة ضد الإرهاب أو أن ثمة أجنحة داخل النظام تستفيد بشدة من بقاء هذه الأوضاع والتي تمثل غطاء لأي انتهاكات يقوم بها النظام بحق الرافضين للانقلاب والمعارضة عموما، كما يمثل غطاء لفشل النظام في تحقيق أي تنمية أو تحسين لمستويات معيشة المواطنين. فالحرب على الإرهاب إلى جانب الزيادة السكانية يمثلان شماعة جاهزة يعلق عليها النظام فشله باستمرار. وهذا ما يفسر سياسات النظام في سيناء رغبته في استمرار المواجهات لأسباب سياسية.

"ستراتفور" يعزو هذه الزيادة المفرطة في صفقات السلاح في مرحلة ما بعد 30 يونيو  عوامل جيوسياسية أكبر من مُجرَّد حاجةٍ عسكرية، وأن الجنرال السيسي يملك نزعة نحو استعادة أمجاد العسكرية المصرية؛ بعد أن تضاءل نفوذ مصر خلال العقدين الماضيين؛ بسبب تزايد الثقل الاقتصادي لمجلس التعاون الخليجي، وعودة انخراط تركيا في المنطقة، وتحرُّك إيران لتعزيز وجودها بالعراق وسوريا ولبنان عقب الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عام 2003م. لكن المركز يتجاهل أمورا أكثر خطورة تتعلق بحجم العمولات والسمسرة على صفقات السلاح التي تدر أموالا طائلة للسيسي وكبار الجنرالات.

 

لماذا كل هذه الصفقات؟

ثمة أسباب متعددة لتفسير  نزوع النظام نحو هذه الزيادة المفرطة في صفقات السلاح في مرحلة ما بعد 30 يونيو خصوصا وأن صفقات السلاح توقفت تماما في العام الوحيد الذي حكم فيه الرئيس المنتخب محمد مرسي، فما تفسير  ذلك؟

أولا، الأمر يتعلق بالعمولات والسمسرة ؛ فشراء المزيد من السلاح، معناه دخول مليارات الدولارات من عمولات الصفقات في جيب السيسي وكبار قادته العسكريين، وهذا أحد أسباب رفض السيسي إعلان ذمته المالية علانية، والاكتفاء بتقديمها سرية إلى قضاة الانقلاب (كإجراء شكلي) في لجنة الانتخابات الذين رفضوا بدورهم إعلانها وكأنها سر حربي. ووفقًا للقانون المصري لا يوجد شيء اسمه “عمولات رسمية”، ولكن هذه الأمور سرية ومعروفة في الأوساط الاقتصادية وأسواق السلاح في العالم كله.

وقد تم الكشف أثناء التحقيقات مع المخلوع مبارك أنه كان يحصل على نسبة تقدر بـ 5% عن كل صفقة سلاح تشتريها مصر، ونسبة قريبة من ذلك لوزير الدفاع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يقومون بالتعاقد مع شركات السلاح العالمية.

وكانت الفقرة الثانية من المادة 108 من دستور مبارك السابق، توجب على رئيس الجمهورية عرض القرارات التي اتخذها في شأن عقود السلاح على البرلمان، ولكن مجلس الشعب تنازل حينئذ عن حقه الدستوري وقام بتفويض مبارك في عقد وإبرام صفقات السلاح، وكان يجدد التفويض طوال فترة حكم مبارك. لكن السيسي يتجاهل دور البرلمان في صفقات السلاح باعتبارها جزءا من الأمن القومي الذي يتوجب ألا يعرف بها نواب البرلمان.

وقيل إن هذا جعل من مبارك أكبر تاجر وسمسار أسلحة في الشرق الأوسط، حتى أصبح واحدا من أكبر الوسطاء في هذا المجال لدى شركات السلاح العالمية مثل يونيتد ديفينس، ورايثون، ونورثروب، ولوكهيد مارتن، وروكويل، وتونيتد فيكنو لوجيز، وأباتشى، وايروسباسيال، وجازيل وغيرها.

وفي حوار صحفي، قال رجل الأعمال “حسين سالم”، إن نظام العمولات الرسمية موجود، ودلل على هذا بأنها (العمولات) ستجعل من رئيس مصر القادم بعد مبارك “رجل أعمال خلال 3 أشهر”؛ ولعل هذا ما يفسر أسباب عدم عقد صفقات في عهد الرئيس مرسي حتى لا يفضح أمر العسكر وحجم العمولات والسمسرة من جيوب الشعب الفقير لذلك لم يصبروا عليه إلا عاما واحدا فقط.

وبحسب بعض التقديرات فإن السيسي بحصوله على عمولة قدرها "05%" فإذا كان حجم الصفقات "6"مليارات دولار " فإن السيسي حصل على "300 مليون دولار ما يساوي " حوالي 6 مليارات جنيه، إما إذا كانت قيمة الصفقات حوالي 20 مليار دولار  فإن السيسي حصل على "مليار دولار ما يساوي 18 مليار جنيه مصر من  حجم السمسرة والعمولات!  وتعد ميزانية الجيش في مصر مسألة سرية، وتختلف تقديرات المراقبين لها، حيث قدرتها منظمة الشفافية الدولية بـ 4.4 مليار دولار سنويًا، في حين قدرتها شركة الأبحاث المتخصصة بي. إم. آي BMI بـ 5.1 مليار دولار في العام 2015، متوقعة أن تصل إلى 5.4 مليار دولار نهاية 2016، وأن تقفز إلى 6.5 مليار دولار عام 2020.

السبب الثاني أن هذه الصفقات تمثل صورة من صور الرشاوى للحكومات والنظم الغربية من أجل الاعتراف بشرعية نظام الانقلاب من جهة والتغاضي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان من جهة ثانية، ولعل هذا كان السبب في مطالب منظمة العفو الدولية للحكومات الغربية بضرورة وقف بيع السلاح لنظام العسكر.[5]  وبحسب تقارير للبرلمان الاوروبي، فإن صفقات السلاح التي يهديها السيسي الي دول مثل فرنسا وأمريكا وروسيا وبريطانيا بمثابة “رشاوي” لشراء صمت هذه الحكومات عن انقلاب السيسي وعدم شرعية، خاصة أنه ينفذ أيضا مصالحها ولا يهددها كما كانوا يتخوفون أثناء حكم الرئيس محمد مرسي بسبب الشفافية والندية التي تميزت بها سياسة مصر. وقد أظهرت التقارير التي نشرتها صحف فرنسية وأجنبية عن شراء السيسي طائرات رافال بمبالغ تزيد بمقدار الضعف أحيانا عن دول أخري اشترت نفس الطائرة مثل الهند والبرازيل، أن الأمر ليس مجرد شراء وإنما رشاوى، فضلا عن أن السعر الأعلى يتيح إعطاء القادة العسكريين في مصر عمولات أكبر. وأمام صفقات السلاح تراجع الحكومات الغربية عن إحراج نظام العسكر الذي بات صديقا للغرب لأسباب منها الصفقات  المغرية وما تسمى بالحرب على الإرهاب.[6]

ثالثا، تمثل هذه الصفقات رشوة أيضا لكبار القادة والجنرالات، وبذلك يشترى السيسي ولاء هؤلاء القادة عبر بوابتين: الأولى الزيادة المفرطة في صفقات التسليح ما يدر مليارات هائلة في جيوب كبار القادة والجنرالات بناء على نسبة المجلس العسكري من العمولات والمقدرة بـ5 %.  بخلاف منحهم امتيازات مالية واقتصادية لا حصر لها من خلال احتكار المؤسسة العسكرية لمفاصل اقتصاد البلاد المدني والعسكري، والبوابة الثانية تتعلق بتحصين هؤلاء القادة من أي مساءلة أو محاكمة على جرائمهم وفسادهم وهو ما تقرر في قانون وافق عليه البرلمان وصدَّق عليه السيسي خلال الشهور الأخيرة. تحت عوان "قانون تكريم كبار القادة"!.

الخلاصة، أن نظام العسكر يفرط في إبرام صفقات السلاح رغم عدم الحاجة العسكرية لكثير من أنواع السلاح  ورغم ضعف الوضع الاقتصادي واعتماد البلاد على الديون لاعتبارات تتعلق  بحجم العمولات والسمسرة التي تدر عشرات  المليارات في جيوب السيسي وكبار الجنرالات  ولا مانع من استخدام لافتات براقة لخداع وتضليل المواطنين تحت لافتة "استعادة أمجاد العسكرية المصرية".

 

 

 

 



[1] مقاتلة روسية تسلمتها مصر قبل عام ضمن صفقة بـ 2 مليار دولار تسقط في طلعة تدريبية!.. وموسكو ترسل وفداً للتحقيق/ عربي بوست 03 نوفمبر 2018م

[2] معهد ستوكهولم للسلام: مصر ثالث أكبر مستورد للسلاح في العالم بزيادة 225% خلال 5 سنوات/مدى مصر 14 مارس 2018

 

[3] مصر لا تواجه أي تهديد خارجي، لكنها تُنفق بإسراف على شراء الأسلحة.. موقع أميركي يكشف دوافع القاهرة للتسلح/ عربي بوست 10 أكتوبر 2018

[4] "14" صفقة منذ 2014.. لماذا ينشط السيسي في صفقات التسليح؟/ شبكة رصد 11 ديسمبر، 2017

 

[5] لوقف “الانتهاكات ضد المواطنين وتعقب المعارضين”.. “العفو الدولية” تطالب دول أوروبا بالالتزام بحظر توريد الأسلحة للحكومة المصرية/ مدى مصر 25 مايو 2016

[6] أسمهان سليمان/ علاقات مصر وكبار أوروبا.. «اﻷولويات» تنتصر والملف الحقوقي يتراجع/ مدى مصر 23 يوليو 2018

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022