التطبيع العربي مع سوريا .. اسبابه واهدافه وتداعياته

 التطبيع العربي مع سوريا .. اسبابه واهدافه وتداعياته

 

تطوران هامان ميزا الشهر الاخير من عام 2018، وسيكون لهما تداعيات وانعكاسات مختلفة في العام الجديد 2019: (الاول) هو هوجة التطبيع العربية الموسعة مع سلطة الاحتلال في اسرائيل، والتي كشف رئيس وزراء العدو "نتنياهو" أنها ستتواصل في 2019 بزيارته دول عربية أخري، و(الثاني) العودة العربية للتطبيع مع نظام بشار الاسد في سوريا بعد قطع العلاقات معه عام 2011 وطرد سوريا من القمم العربية.

كلا التطوران يرتبطان بصورة أو أخري بـ "الربيع العربي" أو هما نتاج وانعكاسات لما اَل اليه الربيع العربي، من انهيار، وحلول "الثورة المضادة" مكانه في غالبية البلدان العربية، ومن ثم عودة الاوضاع في الانظمة العربية التي نجت من رياح الربيع العربي العاصفة او التي شهدت انقلابات الثورة المضادة، الي سابق عهدها أو طبيعتها، ومن ثم عودة "تحالف الانظمة العربية" في ظل توافق اهدافها وهي محاربة التيار الاسلامي والتطبيع مع العدو الصهيوني.

فقد جاءت زيارة الرئيس السوداني الغامضة "عمر البشير" لسوريا، ثم إعادة الامارات فتح سفارتها في دمشق، والحديث عن قرب استعداد السيسي لإعادة سفير مصر لسوريا كرسائل من دول الخليج لعودة العلاقات مع بشار الاسد، ومن ثم توقع عودة "الاسد" قريبا الي الجامعة والقمم العربية.

ومع أن عودة العرب لسوريا، اعتبرتها أطراف سورية ولبنانية هي من باب تسليمهم بالهزيمة التي أعلن عنها رسميا بخروج القوات الأمريكية من سوريا، بعدما ظل بشار في السلطة ولم ينهزم بفعل المساندة الروسية والايرانية، فهي عودة لها رمزيه تشير إلى أن ثورات الربيع العربي التي قامت على الفساد والحكام الظلمة قد فشلت.

كما أنها عودة تشير الي انتصار المحور الروسي الايراني في تحويل مسار الربيع العربي عن سوريا، وانتصار المحور الامريكي الغربي في تحويل اهتمام العرب الي تركيا، إذ أن أحد أبرز اسباب هذه العودة العربية وهذا التطبيع العربي مع سوريا هو السعي لمواجهة الخطط التركية في سوريا، وخلق بؤرة توتر على حدود تركيا باعتبارها إحدى دول دعم الربيع العربي.

والاهم أنها عودة تشير للتعايش العربي مع "العدو" الايراني الذي عشش في سوريا، وليس مواجهته – وفق التبرير الاماراتي – برغم أن التحالف العربي الصهيوني وهوجة التطبيع الاخيرة تبرر ايضا ذلك بمحاربة العدو المشترك (إيران)، ما يعد مؤشرا لأن السياسات الخارجية العربية تُصنع في الخارج، والتطبيع العربي مع كلا من اسرائيل وسوريا هما نتائج "أوامر" خارجية، من الدول الكبرى التي حمت هذه الانظمة من الهبات الشعبية خلال الربيع العربي.

والغريب أن تأتي هذه العودة العربية لسوريا برغم المجازر التي ارتكبها الاسد، ما يشير لتوافق الانظمة العربية بشأن عدم الاكتراث بدماء الشعوب التي تراق لصالح الحكام.

فقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه وثق قتل الجزار بشار الاسد 20 ألف سوري في عام 2018 المنصرم، منهم 1500 في ديسمبر 2018 فقط، مؤكدا أن "هذه أدنى حصيلة منذ اندلاع النزاع السوري قبل نحو 8 سنوات".

وبحسب إحصائيات المركز تم مقتل 19 ألفا و666 شخصا في العام 2018، بينهم 6349 مدنيا، وضمن هؤلاء 1437 طفلا، بعدما حققت القوات السورية بدعم روسي وايراني انتصارات واسعة على الأرض ضد المقاومة السورية.

وأكد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري أنه في العام 2017 قتل أكثر من 33 ألف سوري، فيما سجل العام 2014 أعلى حصيلة سنوية بمقتل أكثر من 76 ألف شخص.

الهدف "تركيا"

يشير تحليل المواقف الرسمية العربية، والتحركات الدولية الي ان هدف التطبيع العربي مع سوريا هو رغبة أنظمة الخليج العربي ومن يدور في فلكها من انظمة الثورة المضادة في التصدي لتركيا، سواء في أي منطقة عربية أو في الأراضي السورية لهذا رأت هذه الانظمة أنه من الأفضل عودة العلاقات من خلال ترسيخ اتفاق سياسي يدعم إعادة بناء سلطة بشار الاسد بدعاوي "الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية" كجزء من الأمن العربي.

والتحركات التي بدأت من قبل السودان ثم الإمارات ثم البحرين بإعادة فتح سفارات تلك الدول في سوريا تؤكد أنه حان الوقت -خليجيا -لإنهاء الأزمة السورية وفتح مجال جديد لمواجهة تركيا، خاصة أن الانظمة العربية تخشي من الدعم التركي للمقاومة السورية المسلحة، وامتداداتها المحتملة داخل هذه الانظمة، أو تعميم نموذج "الثورة المسلحة" بعدما انهار نموذج "الثورة السلمية" مع سقوط ربيع 2011 الديمقراطي السلمي تحت اقدام العسكر في العالم العربي.

وأعلنت المملكة العربية السعودية أنها لا تمانع في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك بعد يوم من إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في سوريا وأكدت البحرين دعمها لما أسمته بالسيادة السورية.

قوات مصرية مغربية لمواجهة التوغل التركي

وفي سياق هذه العودة العربية للتطبيع مع سوريا، كشف موقع سوري وكذا موقع "ديبكا" الاستخباري الصهيوني أن الإمارات تنسق من أجل نشر قوات مصرية ومغربية في شمال سوريا، بدعوي الحلول محل القوات الأمريكية، ولكن لمواجهة التوغل التركي في سوريا، ولم يحددا موقف النظام السوري من ذلك.

وتزامن هذا مع قول وزير الدولة للخارجية الاماراتي "أنور قرقاش" على تويتر أن "محور الرياض والقاهرة سيزداد قوة ضد المحاور الإيرانية والتركية في المنطقة"، مع يرجح صحة هذه الانباء.

إذ أكد الموقع السوري إن "محمد بن زايد" طلب من الملك المغربي محمد السادس نشر قوات مغربية في شمال سوريا لمواجهة التوسع التركي العثماني"، و"قوات مغربية تستعد للانتشار في شمال سوريا إلى جانب القوات المصرية والإمارات، بمباركة سورية وروسية".

بينما قال موقع "ديبكا" الإسرائيلي، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعمل على وضع جيش عربي في شمال شرق سوريا؛ كي يشكل ثقلاً موازيًا للتواجد العسكري الإيراني.

وأنه في هذا الإطار قام ضباط مصريون وإماراتيون بزيارة تلك المنطقة، حيث وصل لمنطقة (منبج) السورية الشمالية وفدان عسكريان عربيان، أحدهما مكون من ضباط إماراتيين، والثاني مصريين، وتجول الوفدان في المدينة والمناطق المحيطة بها، في المكان الذي كان تتواجد به القوات الأمريكية وقوات الميلشيا الكردية، وفحص الوفدان إمكانية وضع قوات من جيشيهما في هذا الموقع.

وذكر الموقع أنه خلال اتصالات بين البيت الأبيض وجيشي الإمارات ومصر، تعهد الرئيس الأمريكي، بأنه إذا أعطى السيسي ومحمد بن زايد الضوء الأخضر لوضع قوات جيشيهما في منبج، فإن الولايات المتحدة ستوفر لهما مظلة جوية تردع أي هجوم ضدهما، سواء من قبل روسيا أو سوريا أو تركيا.

وزعم أنه "إذا تحقق هذا المخطط الأمريكي، سيكون هناك مرافقون للضباط المصريون من جيوش دول عربية أخرى مثل السعودية والمغرب والجزائر".

وما قاله الموقع الاستخباري الصهيوني يفتح المجال للسؤال عن موقف السيسي، ففي الأربع السنوات الأخيرة ومنذ وصول قائد الانقلاب للسلطة عام 2014، كان السيسي هو الحاكم الوحيد الذي واصل دعمه للرئيس السوري بشار الأسد ووقف ضد المقاومة السورية على عكس موقف الرئيس محمد مرسي.

لذلك يتوقع مراقبون موافقة بشار الاسد على وضع قوات مصرية في منبج، يرافقهم ضباط سوريون، وكذا جنود إماراتيين، ليس فقط بسبب تجديد أبو ظبي لعلاقاتها الدبلوماسية مع دمشق مؤخرًا، وإنما لأن الإمارات من بين الدول الوحيدة القادرة على منح السوريين أموالاً لبدء عملية الإعمار في دولة تشهد تدميرا بسبب الحرب.

إعلان حرب علي تركيا

ويبدو أن انقره تقرأ هذه التحركات من جانب انظمة الخليج والثورة المضادة على انها بمثابة إعلان حرب، لذلك وصفت صحيفة "يني شفق" التركية إرسال السعودية والإمارات وفداً مؤلفاً من عسكريين واستخباراتيين إلى مناطق سيطرة التنظيمات الكردية الانفصالية في شمالي سوريا، بهدف تمويل 12 نقطة مراقبة ستقيمها أمريكا في المنطقة بالتعاون مع الأكراد بانه "إعلان حرب".

فالصحيفة المقربة من الحكومة   التركية ، عنونت تقريرها بـ"السعودية والإمارات تقدمان على خطوات بمثابة إعلان حرب ضد تركيا"، مؤكده إن الوفد أرسله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالتعاون مع نظيره الإماراتي محمد بن زايد، إلى شمالي سوريا.

وقد شملت زيارة الوفد السعودي-الإماراتي للمنطقة جولات بمدن الحسكة وعين العرب ومنبج وتل أبيض ورسولين، حيث حصل على معلومات من العناصر الكردية الانفصالية حول نقاط المراقبة التي ستقام على الحدود التركية، لدعم تمويل 30 ألف مقاتل انفصالي.

أيضا اعتبر مستشار الرئيس التركي "ياسين أقطاي"، إقدام الإمارات ومصر والبحرين على إعادة فتح أبواب سفاراتها في دمشق بعد 7 سنوات من الإغلاق، "لعبة جديدة يحاول البعض الترتيب لها" وتطورات ضد تركيا، وحذر من محاولات دول عربية، لإضفاء الصبغة الشرعية على نظام "بشار الأسد".

وأكد مستشار الرئيس التركي، أن "هذه التطورات لا يمكن تفسيرها بالخير"، مشددا على ضرورة انسحاب كل العناصر الأجنبية من سوريا، وضمان وحدة الأراضي السورية وصياغة دستور جديد يرعى مصالح كل الأعراق والتيارات من عرب وأكراد وتركمان وأرمن وعلويين وسنة ومسيحيين.

وتحت عنوان "معايير تركيا في سوريا: سوريا للسوريين"، اتهم "أقطاي" في مقالة نشرتها صحيفة "يني شفق" التركية، الجامعة العربية بتعميق الأزمة السورية، وعدم تقديم أي مساهمة لحل الأزمة الإنسانية في البلاد، بل وإضفاء الجامعة الصبغة الشرعية على نظام الأسد.

وشدد "أقطاي" على أن تركيا هي مفتاح الحل في سوريا، مشيرا إلى دور أنقرة في إقناع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بسحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية، وأكد أن "تركيا لن تقف موقف المتفرج أمام ما يحدث في سوريا، بدليل ما فعلته في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.

تداعيات التطبيع العربي مع سوريا

التطبيع العربي مع نظام بشار الاسد يستهدف بالتالي تركيا في المقام الاول، ضمن سعي انظمة الخليج لمواجهة اردوغان ودعمه للربيع العربي، ومحاولة لضمان انتصار "الثورة المضادة" بشكل نهائي في سوريا.

والتحرك العربي الراهن المتسارع نحو سوريا يرمي إلى مسابقة تركيا قبل دخول الأخيرة إلى شرقي الفرات، وفي الوقت ذاته رداً على مطالب أنقرة بمحاسبة قتلة الصحافي السعودي «جمال خاشقجي»، ومحاولة الرد على الدور التركي في الخليج الداعم لقطر والذي يعرقل سياساتهم في المنطقة.

أما تداعيات وانعكاسات ذلك فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1-  تراجع اهمية التحالف السني العربي الذي قيل انه سيكون موجها لإيران واعتبار "الخطر التركي" أكبر من الايراني والصهيوني.

2-  مزيد من التحالف والتطبيع العربي الصهيوني بدعوي التصدي للنفوذ التركي في سوريا خاصة أن من مصلحة تل ابيب ايضا تحجيم النفوذ التركي في شمال سوريا، ونتنياهو كان أكثر الغاضبين والقلقين من الانسحاب الأمريكي من سوريا باعتباره لصالح تركيا.

3-  الرغبة السعودية في التصدي للدور التركي لها علاقة بالمنافسة بين تركيا والسعودية على زعامة العالم السني، وإذا كانت تركيا استفادت من تراجع الدور السعودي عقب قضية خاشقجي، فالرياض تعتبر أن الوقوف ضد تركيا في سوريا جزء من الرد على التصعيد التركي لقضية قتل خاشقجي والمطالبة برأس ولي العهد محمد سلمان.

4-  تسريع صفقة القرن باعتبار ان الهدف منها هو تحجيم المقاومة الفلسطينية التي تدعمها تركيا، ولأنها تستهدف ايضا خلق تقسيمات مناطقية واقليمية تضعف ضمنا النفوذ التركي.

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022