هل يهاجم "حفتر" العاصمة طرابلس لتقضي الثورة المضادة علي اخر ربيع عربي في ليبيا؟
منذ دعم سلطتي الانقلاب في مصر والامارات للإنقلابي خليفة حفتر، وتمكينه من تشكيل جيش من فلول جيش القذافي والمرتزقة وبعض القبائل، والسيطرة على بنغازي ومدن أخري في شرق ليبيا قرب حدود مصر، واعينهم مسلطة على العاصمة طرابلس، التي لا يزال يسيطر عليها ثوار ليبيا والقبائل المساندة لهم.
فالخطة التي وجها مثلث الثورة المضادة (السيسي – بن زايد – بن سلمان) عبر خليفة حفتر وبدعم من دول غربية، تقوم على السيطرة على الشرق اولا وتمكين سلطة الانقلابي "حفتر" من تكوين جيش أكبر حجما ودعمه بالمعدات تمهيدا لغزوه العاصمة طرابلس لاحقا بدعم مصري وإماراتي – كما فعلوا في بنغازي ودرنة والمثلث النفطي – وصولا للهدف الاصلي وهو قضاء الثورة المضادة – التي يقودها السيسي وبن زايد وبن سلمان -على اخر ربيع عربي في ليبيا.
لهذا، وعقب شبه اكتمال سيطرة قوات "حفتر" على مدن شرق ليبيا، بدأت تظهر خطط الحملة العسكرية على طرابلس، وجرب الانقلابيون – بدعم إماراتي مباشر – محاولة لتنفيذ مخططهم عبر تحريك كتائب مسلحة موالية لهم قادمة من جنوب العاصمة (اللواء السابع، ترهونة) نحو العاصمة الليبية طرابلس، في 26 أغسطس 2018، واستمرت المعارك شهرا قبل دحرهم وانسحابهم، بهدف اختبار دفاعات طرابلس.
ومعركة طرابلس، هي سلسلة من الأعمال القتالية التي استمرت قرابة الشهر في طرابلس، العاصمة الليبية ومركز حكومة الوفاق الوطني، حيث استمرت الاشتباكات من 26 أغسطس حتى وقف إطلاق النار في 29 أغسطس ثم استؤنفت مرة أخرى في 20 سبتمبر، عندما أحكم لواء الصمود، بقيادة صلاح بادي سيطرته على معسكر حمزة في جنوب طرابلس بعد طرد قوات "اللواء السابع" التي فجرت الازمة بسعيها لغزو طرابلس، ولقى خلالها 115 شخص مصرعهم.
وعلى مدار قرابة شهر كامل عاشته العاصمة طرابلس تحت وطأة الحرب ووابل الرصاص، خلفت الاشتباكات أكثر من 130 قتيلا، وأكثر من 385 جريحا حسب الإحصائية الرسمية الصادرة عن وزارة شؤون الجرحى بحكومة الوفاق الوطني.
الان .. تتواتر الانباء عن إعداد خليفة حفتر العُدة لحملة عسكرية محتملة على العاصمة الليبية طرابلس، التي تقع تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني المناوئة له، تؤشر عليها تصريحات حفتر واركان حكمه، وعقد حفتر عدة اجتماعات مع كبار ضباطه لمناقشة خطة «تحرير طرابلس من الميليشيات» في النصف الأخير من الشهر الماضي.
ويهدف الهجوم الي اجهاض الانتخابات العامة المرتقبة وخلق واقع جديد على الارض يسمح بأجواء مشابهة لما جري في انقلاب مصر، من خلال فرض "خليفه حفتر" رئيسا عسكريا لليبيا بعد قتاله – بالتعاون مع مصر والامارات – للميليشيات التي تحمي طرابلس.
وتدعم الإمارات أيضًا الجيش الوطني الليبي، واتهم تقرير صادر عن الأمم المتحدة في العام قبل الماضي «أبو ظبي» بانتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته المنظمة الدولية على ليبيا، وذلك بإرسالها مروحيات وطائرات حربية إلى قوات حفتر. وبخلاف مصر التي يمسها استقرار ليبيا الأمني نظرًا للحدود المشتركة الطويلة وسهلة الاختراق، ليس للإمارات حدودًا مشتركة مع ليبيا، وليس لديها ما تخسره إذا تفاقم الصراع الليبي. ولذا، فهي تدعم خطة حفتر لاقتحام طرابلس عسكريًا بحسب تقدير المصادر.
بالمقابل ادي الهجوم على طرابلس في اغسطس 2018 لتحرك ميليشيات داعمه للثورة في طرابلس لتأديب قوات عسكرية قبلية انطلقت من مدن قريبة خلال الهجوم الاخير ومحاولة احتلال هذه المدن، مثل ترهونة التي تشهد قتال بين ميليشيات الطرفين.
ودفعت انتصارات "قوات حماية طرابلس" في مدينة ترهونة جنوب ليبيا لتحرك قبائل ورفله للوساطة بين الطرفين لتوقيع اتفاق سلام، وهو ما نجح فيه المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة 21 يناير الجاري 2019 في التوصل وبشكل نهائي إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بصورة نهائية في جنوب العاصمة، وإبرام مصالحة شاملة بين أبناء الوطن عقب الأحداث القتالية في جنوب طرابلس.
وتزامن هذا مع كشف تقرير أعده موقع بلومبيرج الأميركي، بأن ليبيا ستشهد هذا العام 2019 أجواء قاتمة رغم ترقب الليبيين الانتخابات والتي من شأنها إنهاء الانقسام الحاصل بالبلاد.
فحسب الموقع، فإن ليبيا تعيش صراعاً حاداً تفرضه حالة التنافر السياسي بين أطراف سياسية وعسكرية عدة في الداخل الليبي الأمر الذي يضغط بقوة على الليبيين منذ ثماني سنوات لكن من دون أي مؤشرات على خاتمة سعيدة.
ومن المفترض أن تشهد ليبيا هذا العام انتخابات تُحدّد مصير أطراف سياسية عدة تتحكم بالمشهد حاليا، ولكن التقرير الامريكي يحذر من أن عدم الرضا على نتائج الانتخابات، أو عدم التوافق على نتائجها هو أمر من شأنه أن يفرز انقسامات جديدة مما سيُقوّض العملية السياسية في البلاد إلى مستويات أخطر، وهو ما يسعي له "حفتر" وداعميه.
وتهدد احتمالات تفاقم الصراع العسكري في ليبيا المتمثل في تقدم حفتر عسكريًا داخل العاصمة طرابلس بالقضاء على الجهود السياسية الهشة لتوحيد البلاد وإعادة بناء إطار لدولة ليبية متماسكة.
خطة احتلال طرابلس
وبحسب مصدر عسكري ليبي لموقع "مدي مصر" فإن قوات حفتر تخطط لدخول طرابلس من محورين رئيسيين؛ الأول من الشرق، حيث يتمركز اللواء السابع الذي اقتحم طرابلس في أغسطس الماضي 2018، وخاض معارك ضد الميليشيات المناوئة، انتهت باتفاق هدنة برعاية الأمم المتحدة في سبتمبر 2018.
أما المحور الثاني للحملة سيكون من الغرب، بعد تأمين تحالفات مع القبائل المحلية، لهذا عززت قوات حفتر تواجدها في المنطقة الغربية، ووصل عدد معسكراتها هناك إلى ثمانية، من أجل تجميع القوات بالقرب من العاصمة، وتُستخدم القواعد العسكرية في غريان، والعزيزية، والوطية لتدريب المُجندين الجُدد.
وقد أثار قرار اللواء الليبي، خليفة حفتر بإرسال قوات جديدة إلى الجنوب عديد من التساؤلات حول أهداف هذه التحركات الآن، وما إذا كانت هذه القوات الجديدة ستصطدم بقوات حكومة الوفاق أم ستتعاون معها ضد المجموعات المسلحة هناك.
وأعلنت الكتيبة 166 مشاة، التابعة لقوات "حفتر" إنه "بناء على تعليمات وأوامر القائد العام (حفتر)، تنتقل الكتيبة بكامل عتادها وأفرادها لتنفيذ "أمر الموت" في جنوب ليبيا لتنفيذ مهمة عسكرية جديدة"، دون الكشف عن طبيعة المهمة، وفق صفحتها الرسمية.
أيضا كلف "حفتر" قوات الصاعقة التابعة له بالتوجه إلى مدينة سبها في الجنوب الليبي لمواجهة ما أسماهم المجموعات المسلحة والإرهابيين وقطاع الطرق المنتشرين على الحدود الجنوبية المفتوحة على دول تشاد والنيجر ومالي"، حسبما صرح المتحدث باسم "الصاعقة"، ميلاد الزوي لوكالة "سبوتنيك" الروسية.
ونشر ناشطون من الجنوب والشرق الليبي، مجموعة "فيديوهات" لعدد من الكتائب العسكرية التابعة لحفتر قدروها بحوالي 100 عربة عسكرية تتحرك من المنطقة الشرقية متجهة إلى الجنوب الليبي.
ويري مراقبون أن "الهدف من تكثيف "حفتر" لقواته في الجنوب الليبي هو استغلال حالة الفراغ الأمني هناك من جهة واستغلال حالة انقسام المجلس الرئاسي في طرابلس من جهة أخرى، ومن ثم وجد فرصته للتواجد بقوة في الجنوب الليبي من أجل توسيع نفوذه.
لكن السؤال: ما مهام القوات الجديدة تحديدا؟ وهل ستصدم بقوات "الوفاق" هناك أم ستتعاون معها؟ وهل الهدف هو طرابلس لاحقا؟
قوات طرابلس تستعد
ولا يعني هذا ان قوات حماية طرابلس مستسلمة لخطة حفتر وتنتظرها ولكنها تحاول من جهتها تأمين المناطق المحيطة بالعاصمة وعقد تفاهمات مع القبائل والقوي المختلفة بما يمنع انضمامها لقوات حفتر، كما تتحرك حكومة الوفاق في طرابلس بدورها محليا ودوليا لإجهاض أي عمل عسكري لحفتر.
وقد أعلنت قوة حماية طرابلس، يوم 17 يناير الجاري 2019 إطلاق خطة أمنية لتأمين المنطقة بالكامل، بعد طرد ودحر اللواء السابع مشاة من منطقة قصر بن غشير وضواحيها، وهو اللواء الذي شارك في الهجوم على طرابلس قبل عدة أشهر.
وقالت القوة في بيان لها، إن الخطة الأمنية تمثلت في تشكيل غرفة مشتركة من كافة الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع مديرية أمن قصر بن غشير، وذلك لتأمين المنطقة بالكامل.
وكانت القوة قد أعلنت في بيان سابق قيامها بعملية عسكرية واسعة في المناطق الحدودية لجنوب العاصمة، كانت نتائجها السيطرة على كامل منطقة قصر بن غشير وضواحيها، مؤكدة استمرارها في عمليتها العسكرية في جميع المحاور، حتى القضاء نهائيا على المجموعات المسلحة، حيث سيتم تسليم هذه المناطق بعد تأمينها لمديريات الأمن بالمنطقة، حسب البيان.
هل تهديد حفتر للعاصمة جدي؟
من خلال استعراض موازين وأوضاع القوات على الارض وتوازنات القوي في الداخل الليبي يمكن القول قدرة خليفة حفتر علي غزو طرابلس محدودة بل انها تهدد بفقدانه الارض التي استولي عليها في شرق ليبيا حال دخوله معركة كبري في طرابلس.
لهذا يمكن القول إن تهديد حفتر بغزو طرابلس – ولو انه جدي ويجري بالفعل دفعه اليه من قبل قوي اقليمية – خاصة الامارات – في سياق الحرب بين قوي الثورة المضادة والربيع العربي لحسم مصير الربيع العربي في ليبيا وهدمه، إلا أنه يبدو أنه حشد عسكري يستهدف تحقيق ضغط سياسي يسمح لحفتر ان يكون له دور كبر في قيادة ليبيا.
فهناك خلافات واضحة بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ظهر بوضوح خلال أعمال مؤتمر باليرمو، في إيطاليا (شارك فيه السيسي)، والذي عقد في شهر نوفمبر 2018، تمثل في رفض حفتر دعوة رئيس الحكومة الليبية له لزيارة العاصمة الليبية طرابلس بغرض تدشين المصالحة بينهما وفتح الطريق لإجراء الانتخابات في ليبيا.
كما ان المحادثات التي جرت حينئذ فشلت ولم تتمخض عن شيء، وهو ما يريده حفتر وداعميه لتبرير التخطيط للهجوم العسكري على طرابلس، ومن ثم افشال المؤتمر الوطني برعاية الأمم المتحدة، والذي من المُقرر انعقاده يناير الجاري 2019 والذي من المتوقع أن يناقش فيه قضايا عدة، فضلًا عن استطلاع آراء الليبيين حول أولوية الدعوة إلى انتخابات برلمانية أم رئاسية.
الواضح أن المعضلة في ليبيا ليست "عسكرية"، فلو كانت كذلك لانتهت عن طريق عمليتي فجر ليبيا أو الكرامة، ولكنها "أزمة سياسية" تتلخص في سؤال "من يحكم؟"، وستستمر ما لم يتوافق الليبيون على صيغة واقعية يتداولون فيها السلطة ضمن إطار التنافس والسلمية.
والاهم أنها أزمة "دولية" تتمثل في تضارب مصالح القوي الدولية والاقليمية المتكالبة على أو المتورطة في ليبيا، ما يعمق الازمة ويجعلها تستمر ومن ثم توقع جولات عسكري مقبلة تحاول حسم مكاسب اكبر لهذا الفريق أو ذاك.