قراءة في خطاب ترمب عن حالة الاتحاد

 


قراءة في خطاب ترمب عن حالة الاتحاد


بعد فترة من الشد والجذب ألقى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أمام أعضاء الكونغرس خطاب حال الاتحاد، وتطرق الرئيس إلى عدة قضايا داخلية وبعض القضايا الدولية، وعلى رأسها الجهود الأميركية لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، كما تطرق إلى العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية، والمساعي الحالية للوصول إلى سلام في أفغانستان.

ويبدو من خلال التدقيق في كلام ترمب أنه ركز بشكل كبير علي ما قام به من أجل دعم الاقتصاد الأمريكي، وكيف أنه أعاد أمريكا إلى الواجهة من الناحية الاقتصادية مرة أخرى، ورغم أنه ظل يحاول استمالة اعضاء الحزب الديمقراطي من أجل استكمال بناء الجدار الفاصل مع المكسيك إلا أنه في نفس الوقت استخدم لغة حادة تحمل طابع التحدي مع الديمقراطيين من أجل الضغط عليهم للقبول علي مقترحاته لبناء الجدار.

وفي هذا الصدد قال ترمب: نعمل على جعل المجتمع الأميركي أكثر أمناً، مضيفاً: "إدارتي حققت ازدهارا غير مسبوق لأميركا والأميركيين".

وأضاف أنه قضى على برنامج أوباما للتأمين الصحي الذي لا يحظى بشعبية، مؤكداً أن الولايات المتحدة تتصدر العالم حاليا في إنتاج النفط والغاز الطبيعي، وأنها تمر بمعجزة اقتصادية لا توقفها سوى الحروب والتحقيقات السخيفة، في إشارة مباشرة منه إلى التحقيق في شأن التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأميركية.

وفيما يتعلق ببناء الجدار أشار ترمب إلى إن أميركا ملتزمة بالتصدي للهجرة غير الشرعية والمخدرات، مضيفاً أنه أمر بنشر 3750 جندياً إضافياً على حدود الولايات المتحدة الجنوبية، وأنه سيعمل على بناء جدار عازل على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك.  أما فيما يتعلق  بالمهاجرين القادمين إلينا بالطرق القانونية.. المهاجرون النظاميون فهم مرحب بهم لأنهم يعززون المجتمع الأميركي،

وتطرق الرئيس الأميركي إلى الجهود المبذولة للقضاء على مرض الإيدز وكذلك سرطان الأطفال، مطالباً الكونغرس بتخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم الآباء والأمهات في مكافحة السرطان لدى أطفالهم.

وعن سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية،حاول ترمب الدفاع عن قراراته وسياساته السابقة،خاصة تلك المتعلقة بالصين وبالانسحاب من سورية وأفغانستان، والتى يرى أنها تكلف الخزينة الأمريكية أموالاً طائلة ولكن بلا عائد حقيقي علي المواطن الأمريكي، وفي هذا قال الرئيس ترمب إنه عمل خلال السنتين الماضيتين على إعادة بناء الجيش الأميركي، وأن سياساته ضد الصين إنما جاءت بسبب استهداف الصين الصناعات الأميركية وسرقتها حقوق الملكية الفكرية لسنوات. كما دافع ترمب عن انسحابه من اتفاقية حظر الأسلحة النووية، مؤكداً أن روسيا انتهكت مراراً بنود اتفاقية الصواريخ النووية المتوسطة، وعن فنزويلا، قال ترمب: ندعم السعي إلى الحرية في فنزويلا وندين سياسة مادورو الهمجية. وعن القدس، قال الرئيس الأميركي: اعترفنا بالعاصمة الحقيقية لإسرائيل وافتتحنا السفارة في القدس.وأشار إلى أن الدول العظمى لا تخوض حروبا لا نهاية لها.

وبالنسبة للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، قال ترمب في خطابه: "جنودنا الشجعان يقاتلون الآن في الشرق الأوسط منذ قرابة 19 عاماً. في أفغانستان والعراق ضحى ما يقرب من 7000 من الأبطال الأميركيين بحياتهم، وأصيب أكثر من 52000 أميركي بجراح بالغة، وأضاف أنهم أنفقوا  أكثر من 7 تريليونات دولار أميركي في الشرق الأوسط. وأنه تعهد  عندما كان مرشحاً لمنصب الرئيس، بنهج جديد، فالدول العظمى لا تخوض الحروب التي لا نهاية لها".

وأردف قائلاً: "عندما توليت السلطة، كان داعش قد سيطر على أكثر من 20 ألف ميل مربع في العراق وسوريا. واليوم، قمنا بتحرير كل تلك الأرض تقريباً من قبضة هؤلاء الوحوش المتعطشة للدماء. والآن، نعمل مع حلفائنا لتدمير فلول داعش. لقد حان الوقت لمنح محاربينا الشجعان في سوريا استقبالاً حاراً في البلاد".

وبالتطرق للعلاقات مع إيران، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، قال ترمب: إيران "دكتاتورية فاسدة" ولن تحصل على السلاح النووي، مضيفاً أن واشنطن لن تغلق أعينها عن نظام ينادي بالموت لأميركا.

وأضاف أن أميركا تصدت للنظام الراديكالي الإرهابي في إيران، مشدداً: "لن نسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي"، مشيراً إلى أن واشنطن فرضت أقسى العقوبات على إيران[1].

وبقراءة ذلك الخطاب يتضح لنا ملامح السياسة الخارجية الأمريكية للرئيس ترمب والتى تتمثل فيما يلي:

1-    أن الرجل لا يؤمن بالدور المحوري للولايات المتحدة في العالم، وأن هذا الدور من وجهة نظر ترمب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحقيق المصالح الأمريكية، فكل ما لا يصب بشكل مباشر في دعم تلك المصالح لا يعطى له ترمب أي أهمية، وهذا في حال استمراره يعني تراجع الدور الخارجي للولايات المتحدة بشكل كبير وعودتها لسياسة العزلة والتقوقع علي الذات من جديد، وهذا أمر في غاية الخطورة لأنها سيفتح المجال أمام القوى الصاعدة كروسيا لملء الفراغ الذي سيتركه ترمب في الشرق الأوسط.

2-    يستحوذ الكيان الصهيوني علي أهمية كبيرة في رؤية ترمب، فعلي الرغم من سياسته الرافضة للتدخل في أي صراع في الشرق الأوسط والعالم يعتبر الكيان الصهيوني استثناء من تلك الرؤية، فترمب يسعى جاهدة لجعل الكيان الصهيوني قوة يعتد بها في المنطقة، ليس هذا فحسب، بل ويعبر الرجل عن قناعاته الخاصة بأن القدس هي العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني وأن ما قام به من نقل للسفارة الأمريكية للقدس إنما هو أمر طبيعي يستحق الإشادة عليه، وهو ما يعني أن القضية الفلسطينية ستواجه صعوبات كبيرة في ظل إدارة ترمب بسبب تعنته وانحيازه الفج للعدو الصهيوني.

3-    يعتبر ترمب أن إيران عدو للولايات المتحدة وذلك لسببين الأول بسبب عدائها للولايات المتحدة والثاني بسبب التخوف الصهيوني من امتلاك إيران للسلاح النووي، وهو ما يفسر تشديد ترمب للعقوبات المفروضة علي إيران ورفض الاتفاق الذي سبق وأن وقعته إدارة الرئيس باراك أوباما، وهو ما يعني احتمالات تزايد الصراع والتوتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية خلال الفترة المقبلة.

4-    كما يفسر الخطاب سبب الانسحاب الأمريكي من سورية والبقاء في العراق، فالرجل لا يريد تكبد المزيد من الخسائر في سورية، وفي نفس الوقت يحاول أن يظهر امام المواطن الأمريكي وكأنه حقق انتصار كبير في حربه مع تنظيم داعش، وفي نفس الوقت ومن أجل ضرورات الصراع مع إيران التى باتت تمثل شوكة في ظهر ترمب تم الإبقاء علي الجنود الأمريكيين في العراق لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية والبقاء علي أهبة الاستعداد في حال تطورت المواجهة.

5-    يبدو من سياسة ترمب أنه يحاول التنصل من التزاماته الدولية ويعطي مناطق النفوذ الخاصة بالولايات المتحدة لروسيا لكي تتحمل تبعات هذه المسئولية، وهو ما قد يشعل الصراع في الشرق الأوسط، خاصة وأن هذا يضر ليس فقط بالمصالح الأمريكية وإنما كذلك بالمصالح الغربية التى تضررت كثيرا منذ قدوم ترمب.

6-    لا يتوقع أن يدخل ترمب في صراع لا مع روسيا ولا مع الصين إذ يبدو أن هناك توافق بين تلك الأطراف، ولكن الصراع إن حدث فسوف يكون بين الغرب متمثلا في بعض دول الاتحاد الأوربي وروسيا التى تعبث في المناطق الخلفية لدول الاتحاد وتضر بمصالحهم في أوربا ومنطقة الشرق الأوسط.

وفي ظل هذه الرؤى الخارجية الضيقة والمتضاربة والتى تضر بالمصالح الأمريكية وبمصالح شركائها الغربيين وفي منطقة الشرق الأوسط، لا يتوقع أن ينجح ترمب في تنفيذ أو الاستمرار في سياساته التى عبر عنها في هذا الخطاب، بسبب الصراع الذي من المقدر له أن يشتعل بينه وبين المؤسسات الأمريكية التى ترى في تلك السياسات خطرا علي المستقبل الأمريكي، وكذلك مع دول الاتحاد الأوربي التى يتم تهميش دورها بشكل متعمد لصالح روسيا والصين، وقد يمتد هذا الصراع إلي المنطقة ويؤثر علي الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها بشكل قد يقلب الموازين فيها.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022