المشهد السياسي

 


المشهد السياسي


المشهد المصري داخلياً وخارجياً:

×      برلمان النظام يمرر تعديلات الدستور في قراءة أولية، وضغوط قوية على المعارضة لمنعها من الحركة: تعد التعديلات الدستورية التي يقوم برلمان السيسي بإقرارها بمثابة انقلاب داخلي جديد علي شركائه في السلطة والمعارضة بما يكفل له البقاء في السلطة مدي الحياة وبما يسمح له بتوريث السلطة مرة أخري وهو ما يخلف حالة من الغضب المكبوت في أوساط القوي السياسية وحتي بعض المؤسسات، وفي ظل موافقة اللجنة العامة لمجلس النواب، على طلب تعديل الدستور المصري، المقدم من بعض أعضاء المجلس كان النظام يقوم بتنفيذ أحكام الإعدام المؤجلة ضد شباب الثورة من الإسلاميين والاخوان، وتسريب الفضائح الجنسية للمعارضين، وإحالتها للنيابة العامة، وهي أبرز رسائل النظام المصري للمعارضين والشعب قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية المرتقبة.  

أولى العقوبات على النواب، معارضي التعديلات الدستورية الانقلابية، كانت من نصيب داعمي الانقلاب العسكري في 3 يوليو وأبرزهم خالد يوسف، وهيثم الحريري، بعد أن فتحت النيابة العامة المصرية تحقيقاً قضائياً في عدد من البلاغات ضدهما، بتهم تتعلق بالآداب العامة، على خلفية تسريب مكالمات ومقاطع جنسية، بما يعني أن النظام قرر النظام أن يخوض معركة الدستور ضد مؤيديه ومعارضيه بسلاح الابتزاز أسوة بتراثه الطويل من أيام عبد الناصر، فهو مستوى رخيص يليق بنظام رخيص وشخصيات رخيصة.

في السياق ذاته ولكن بشكل أكثر عنفاً وقسوة، نفذت مصلحة السجون المصرية، حكم الإعدام في ثلاثة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، لاتهامهم بقتل نجل أحد القضاة، ثم ثلاثة آخرون من كرداسة بتهمة قتل اللواء نبيل فراج، في خطوة مفاجئة اعتبرها المراقبون للوضع العام المصري، رسالة تحذير للجماعة قبل التعديلات الدستورية.

إلى ذلك قالت مصادر في وسائل إعلام مصرية، إن ضغوطاً هائلة تمارسها عليها من الأجهزة المصرية بعد وضع محاذير لتناول قضية التعديلات الدستورية، وصلت إلى حد منع بعض الصفحات وإجبار إدارات التحرير على وقف وتغيير بعض المقالات المعارضة للتعديلات الدستورية[1].

×      استمرار اعلان المواقف المعارضة والمتحفظة وتململ في أوساط مؤسسات النظام: يواصل معارضون مصريون التعبير عن رفضهم لمقترحات لتعديل دستور عام 2014 من بينها تشكيل حركة هامشية جديدة تحت اسم اتحاد الدفاع عن الدستوري مع استمرار التعبئة والنقد على وسائل التواصل الاجتماعي مع إصدار البيانات المعارضة، وفي ظل اعتراض نحو 16 عضو من برلمان السيسي علي اقرار التعديلات.

وقد احتفظ عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين التي شكلها النظام الانقلابي والتي التي وضعت الدستور عام 2014 بموقف براجماتي انتهازي من تلك التعديلات، فقد دعا إلى "عقد حوار وطني فسيح بشأن التعديلات الدستورية الجديدة المقدمة من ائتلاف الأغلبية في البرلمان"[2]. إلا أن فكرة الحوار في الوقت الحالي فكرة غير مقبولة، لأنها كانت لابد أن تتم قبل أن يذهب مشروع التعديل إلى البرلمان لكن كونها ذهبت إلى البرلمان وأقرتها اللجنة العامة فهذا يعنى أن هذا الحوار أمر غير مُجدى الآن. فـ عمرو موسى غير رافض للتعديلات بقدر إرادته أن يتم إخراجها بشكل جيد. ينتقد موسي ما يعتبره الغموض وعدم الشفافية بخصوص مضمون التعديلات ويحذر من نتائجها السلبية وعواقبها غير المحمودة، مشيراً إلى أنها قد تؤثر بشكل سلبي على مقام الرئاسة إذا غابت عنها الشفافية والحوار، "الشفافية وحرية الرأي أمر لازم، تحقيقاً لعلاقة رشيدة مع الدستور يعدل، وبعد تعديله؛ واحتراماً لمقام الرئاسة وتوقيراً لدستور البلاد حتى وهو يخضع للتعديل."[3]

×      صراع مستتر بين السلطة وبعض الاتجاهات القضائية: قضت محكمة النقض المصرية، (الهيئة القضائية الأعلى في مصر)، بقبول طعون 219 متهماً، بينهم أعضاء في «مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين»، وابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها، على قرار محكمة جنايات القاهرة، بإدراجهم على «قائمة الإرهابيين»؛ لاتهامهم بارتكاب وقائع أبرزها تشكيل جناح عسكري للجماعة، وتمويل أعمال العنف، واستهداف الشرطة والجيش والقضاة. وأمرت "النقض" بإعادة أوراق القضية التي تضمّ 296 متهماً، إلى الجنايات مرة أخرى، لتصدر فيها قراراً جديداً بحق المتهمين الذين تقدموا بالطعن، وكذلك من لم يتقدموا، وذلك بعد إدراجهم في يوليو 2017 في تلك القائمة لثلاث سنوات. ومن أبرز الأسماء المدرجة؛ أعضاء مكتب الإرشاد مثل القائم بأعمال المرشد الدكتور محمود عزت، والدكتور محمود حسين، ونائب مرشد الجماعة إبراهيم منير، والدكتور محمد عبد الرحمن المرسى بالإضافة إلى علا القرضاوي وزوجها حسام الدين خلف[4].

الحكم بقبول الطعون جاء من أعلى هيئة قضائية في مصر، بالتالي من المحتمل للغاية أن يكون الحكم يحمل رسائل سياسية من أعلى هيئة قضائية للسلطة السياسية، التي سعت كثيراً خلال الفترة الماضية أن تقتطع من الصلاحيات والنفوذ التي يتمتع بها القضاة، وعملت على التدخل في عمل الأخيرة وإخضاعهم للسلطة التنفيذية على غرار غيرهم من أجهزة الدولة وبالطبع مكونات المجتمع. وكانت الدعوة لتعديل الدستور، وما حملته مقترحات التعديل من محاولات لتقليص صلاحيات القضاء وإخضاعهم لسلطة الرئيس، مسفرة عن نوايا الرئاسة حيال القضاة، وهو ما لن يتقبله القضاة بالصمت والتسليم. وفق هذه القراءة، فإن الغرض من الحكم لفت نظر السلطة لقدرة القضاء على مناهضته وتبديد أماله ومناهضة مراميه.

من جهة أخرى، يكشف الحكم دوافع النظام لتمديد حالة الطوارئ وتوسيع صلاحيات المحاكم العسكرية؛ فالطوارئ والمحاكم العسكرية تعطي النظام القدرة على السيطرة والتخلص من شغب المعارضين بشكل ناجز وسريع بعيد عن بطء القضاء العادي، أو قل معارضته سياسات النظام ومناهضته إياها، إن صح قول ذلك. فالمحاكم العسكرية ناجزة وأكثر خضوعاً للتسيس وللسلطة التنفيذية، والطوارئ تفتح المجال واسعاً للإخفاء القسري والاعتقال والتصفية خارج إطار القانون، وغيرها من صور الممارسات التي تمكن السلطة من إخضاع المجال العام وتصفية معارضيها العنيدين.  

×      فرص المعارضة والمخاطر على النظام: يحاول النظام – متوجساً – تمرير التعديلات الدستورية، بما يسمح له بالبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وبما يكرس مزيد من السلطات بيد السلطة التنفيذية ممثلة في رأس النظام، وبما يضمن لنخبة الحكم خروج أمن من السلطة حينما يستدعي الواقع ذلك. لكن ما يظل بعيداً عن النقاش هو ما تحمله التعديلات الدستورية في حال تمريرها – وهو المتوقع – من فرص للمعارضة ومخاطر على النظام:

المخاطر: مع تمرير التعديلات الدستورية، وتأكيد بقاء نخبة الحكم الحالية بقيادة السيسي في سدة الحكم لـ 12 عام قادمة، سيفقد كثير من شرائح المجتمع صبرهم حيال سياسات النظام، وأملهم في رحيله عقب سنوات حكمه العجاف مع نهاية الفترة الرئاسية الثانية، وستكون هناك لحظة استثنائية ستحدد فيها المكونات الاجتماعية والسياسية موقفها من السلطة بوضوح، إما استسلام أو مقاومة، ولن يكون هناك – بالنسبة للمجتمع – ما هو أسوء مما هو قائم. ستفقد مقولات ثورة 30 يونيو، وحماية يناير والدولة من خطر الأسلمة والأخونة والحرب على الإرهاب أية جاذبية، وستكون شبق السلطة، حقيقة عارية أمام الجميع دون أية أردية أو رتوش أو تجميل.

الفرص: انحسرت حالة السيولة، بعد أن كانت سمة مميزة للتطورات في الساحة المصرية خلال سنوات ما بعد الثورة في يناير 2011، فخلال السنوات الـ 8 الماضية، كانت هناك دائماً حالة من الضبابية والـ لا وضوح، وحالة من تبدل التحالفات واختفاء كيانات سياسية وظهور أخرى، ومن غياب اليقين بشأن القوى المهيمنة ومعسكراتها وتجاذباتها، ولا عن المآلات والسيناريوهات المستقبلية المتوقعة. هذه الحالة رغم مشقتها إلا أنها تسمح للجميع بالحركة والفاعلية. مع تنامي هيمنة نخبة الحكم على مجريات الأمور في مصر، وبسط سيطرتها على المجال العام وفاعليه وكياناته وفاعلياته، بدأت الأمور تسفر عن هيمنة طرف واحد على مجمل خيوط اللعبة. التعديلات الدستورية ستؤذن بميلاد حالة جديدة يتقاسمها طرفان، سلطة مسيطرة ومعارضة طامحة، وستختفى تدريجيا صراعات المرحلة السابقة وستولد صراعات جديدة من رحم الواقع الناشئ الجديد. وهو ما يعطي فرصة للمعارضة في توحيد صفوفها وكسب فائض الشرعية الناجم عن فقدان النظام الجزء الأكبر من شرعيته وشعبيته، واعتماده الحالي على القوة العارية فقط في فرض وجوده.

خيارات المعارضة: برزت اتجاهات عدة في أوساط القوي المعارضة السياسية الحزبية والشبابية، ثلاثة اتجاهات مختلفة حول الموقف من الاستفتاء الذي يصر النظام على تمريره بالقوة.

الأول: المقاطعة السلبية: يعتبر هذا الاتجاه أن النظام يلف الحبل حول نفسه أو لرفض الاعتراف بالنظام: يعتبر هذا الاتجاه أن التعديلات ستمر ولكنها قد تكون بمثابة النهاية للنظام لأن ردود الفعل الواسعة ترفضه بشده ومن يدعمه يقبله على مضض وفي ظل نوع من الصدمة من ديكتاتورية النظام، فهذا الرفض يعني أن النظام يفقد شرعيته ودعم مسانديه، بما يعني أن الوضع بعد الاستفتاء لا يكون كما كان قبله.

الحقيقة أن المقاطعة السلبية قد يترتب عليها حدوث تراخي وعدم رغبة في التصدي والمواجهة لتجنب الخسائر اعتماداً على أن النظام سينتهي بسبب حالة الرفض الكلامي والغضب الشعبي الصامت وقد حدث هذا حدث كثيراً في ظل تيران وصنافير وأجواء انتخابات الرئاسة عند ترشح شفيق وعنان.

×      الثاني: المشاركة السلبية: المشاركة في التصويت رغم عدم القدرة في التحكم في نتائجه واستفادة النظام من توظيف الصورة الاعلامية كنوع من المشاركة الديموقراطية. وفي هذا الاتجاه دعا علاء الأسواني، إلى المشاركة بكثافة في الاستفتاء، ورفض التعديلات، معتبرا أن "الذين يريدون إقناع الناس بمقاطعة الاستفتاء إما تابعون للأمن وإما محبطون تماما". معتبراً أن المشاركة في الاستفتاء ورفض التعديلات هي السبيل لوقف تلك التعديلات، لأن غاية ما يتمناه النظام أن يقاطع الرافضون حتى يتم التزوير بسلاسة.

×      الثالث: الحراك الايجابي من خلال المقاطعة والاحتجاج: يرفض هذا الاتجاه تسريب هذا الشعور النفسي بأن النظام منتصر والمعارضة مهزومة، فالمقاطعة السلبية تعني شبه اعتراف بالهزيمة وعدم القدرة على الفعل اعتماداً على شعور زائف بأن التغيير سوف يأتي حتماً. فهذا الاتجاه يخشى من أن يسهل ذلك مرور التعديلات بلا ضجيج بما يزيد في تمكين النظام واضعاف المعارضة وشعورها بالدونية. ويري هذا الاتجاه ضرورة المقاطعة الايجابية بمعني اعلان الرفض للنظام وتعديلاته بكل الطرق الممكنة بما فيها التصويت بلا، وقد يؤدي غرور النظام لدفعه للتزوير بما سيرتد في شكل تصاعد الغضب الشعبي ضده.

×      النظام والمعارضة والثورة في مصر: في مقالة بعنوان "ماذا فعلنا لمن طرقوا أبوابنا؟ عن النقّاش والعقيد والجسور المهجورة"، مدى مصر[5]، تناول فيها الكاتب: حادث مقتل عفروتو -"محمد عبد الحكيم"، أحد أبناء منطقة الونش، حي المقطم، يعمل "نقاش" – على يد أحد أفراد الشرطة، جراء التعذيب، بعد القبض عليه في حملة أمنية عشوائية، في يناير 2018، وقد خرج الأهالي (في احتجاج تلقائي وفوري أمام القسم للمطالبة بحقه من الداخلية، لدرجة أن قواتها – وأمام المفاجأة من رد الفعل – قررت إطلاق الأعيرة النارية بشكل هستيري في الهواء لتفرقة الأهالي، فضلًا عن اعتقال أكثر من أربعين واحدًا منهم).

حادث اعتقال العقيد أحمد قنصوه، عقب إعلان نيته الترشح للرئاسة، في نهاية نوفمبر 2017، وقد حمل فيديو إعلان نيته الترشح، بحسب كاتب المقال، "محتوى غير متوقع، من ناحية المضمون الذي شمل عدة ملامح أهمها – بالإضافة لادعائه أن هناك أملًا – تأكيده عدة مرات بأشكال مختلفة على انتمائه لثورة 25 يناير ومطالبها وأهدافها (…) وعلى استناده للشعب كمرجعية وكمصدر للشرعية، ويحيل إلى الشعب حتى نزاعه القضائي مع المؤسسة العسكرية، ولدولة القانون والمواطنة كأسلوب للحكم (…) لم يستند قنصوه لخلفيته العسكرية أو يدّعي بها أهلية عن غيره، ولم يشر لها عمومًا إلا في معرض تعريفه بنفسه وتأكيده على احترامه لها، لكنه عبّر عن إيمان مطلق بالشعب الذي طلب الاستقواء به، فرجاه الاتحاد وعدم الاستكانة للهزيمة والبؤس".

اعتبر كاتب المقال أن حادث مقتل "عفروتو"، وواقعة اعتقال "قنصوه" على خلفية إعلانه اعتزامه الترشح للرئاسة، بمرجعية ثورة يناير، والاستناد للشعب كمصدر للشرعية والدعم؛ (حملتا أهمية استراتيجية واتسمتا باستثنائية نوعية ومؤشرات مبشرة باكتساب أرضية جديدة للتيار الثوري والديمقراطي في مصر (…) فكل منهما جسر محتمل لأنصار الديمقراطية في مصر، من شأنه أن يمد التواصل بينهم وبين فئات لا يصل إليها خطابهم عادةً، ويبشّر باكتساب أرضية جديدة وضم جهودهم مع جهود أخرى ترفع نفس المطالب حتى ولو بشكل جزئي، ولكن للأسف لاقى كل منهما إعراضًا يرقى لمرتبة الخذلان).

تثير المقالة ملاحظات هامة؛ منها: محدودية مساحات الحركة وأدوات التأثير أمام قوى المعارضة، في ظل العسكرة والتأميم التي يتبعها النظام في تعاطيه المجال السياسي. وهي فكرة يمكن تطويرها فتصبح (أن النظام والمعارضة – في مصر على الأقل – يتنافسان على المجال العام، يستعين كلا الطرفين في معركته تلك بكل الأدوات والقوى والإمكانيات التي تؤيد موقفه، فيستعين النظام المصري – في الوقت الراهن – في صراعه على الهيمنة على المجال العام بالقوانين والتشريعات وبإعلان الطوارئ وبتقوية القبضة الأمنية وتكثيف الحضور الأمني والعسكري في المجال العام، وغيرها من الوسائل والأدوات. في هذا الصراع الممتد والنشط بين النظام والمعارضة، يصبح المجتمع هو المادة المتصارع عليها بين النظام والمعارضة، وفي الوقت ذاته هو الطرف القادر على حسم هذا الصراع لأحد المتصارعين؛ فميل المجتمع ناحية المعارضة يعني سحب من رصيد الشرعية الذي يتمتع به النظام، أما ميل المجتمع ناحية النظام يعني سحب من رصيد شرعية – خطاب وممارسات – المعارضة.

×      هل تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز؟: يشير الخبير الاقتصادي[6]، إبراهيم نوار، إلى أن مصر لم تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز حتى الآن. فحقل ظهر الذي بدأ الإنتاج في عام 2017، ومن المتوقع أن يصل إنتاجه للذروة في نهاية العام الحالي، ساعد على تخفيف الاعتماد على الخارج، ووقف استيراد الغاز المسال تماماً منذ شهر أكتوبر الماضي (2018)، حيث تشتري الحكومة نصيب الشركات الأجنبية المنتجة، بدلاً من الاستيراد، ولكنها تسدد ثمن الغاز الذي تحصل عليه بالدولار، وهو ما يجعل الحكومة مدينة للشركات بأكثر من مليار دولار.

وعلى الرغم من أن هذا التحول من الاستيراد إلى الشراء الداخلي من الشركات الأجنبية العاملة في مصر، يلبى مصلحة الطرفين. فالشركات الأجنبية تضمن مشترياً دائماً ومضموناً، وأسعاراً مربحة وسهلة، تتراوح بين 4.5 إلى 5 دولارات تقريباً للمليون وحدة حرارية (اتفاقات مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي). ويتم ضخ الغاز مباشرة في شبكة الغاز القومية في مصر، وهو ما يعني أن الشركات لا تتحمل تكاليفاً للنقل أو للإسالة. كما أن الحكومة أيضاً لها مصلحة في ضمان الإمدادات من الشركات العاملة في السوق المحلي، وتجنب مشاق عقود الاستيراد، وشروط السداد، وتكاليف محطات الإسالة العائمة.

إلا أن ذلك لا يعنى أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز – كما تروج الحكومة – بل إن مصر ما تزال حتى الآن مستورداً صافياً للوقود، ليس فقط بنسبة تصل إلى 30% من احتياجاتها الحالية، ولكن بنسبة تصل إلى 50% إذا حسبنا قيمة ما تشتريه الحكومة من حصة الشريك الأجنبي في الإنتاج.

×      الغرب يدعم استمرار السيسي مع معارضة غير رسمية: هناك غموض في المواقف الغربية من التعديلات الدستورية، فلم يصدر أي رد فعل رسمي على هذه التعديلات، وهو ما يمكن تفسيره بانتظار الغرب للتعرف على ردود الفعل الداخلية ومدى رفضها لهذه التعديلات، حتى لا يتم أخذ موقف رافض للتعديلات يؤدى إلى تدهور العلاقات مع النظام الحالي، أو اتخاذ موقف مؤيد لهذه لها يعرض هذه الدول للعديد من الانتقادات نظراً لمساندتها لنظام يعتبر الأسوأ في انتهاكات حقوق الإنسان.

ولكن عدم الاعلان عن موقف غربي واضح من قضية التعديلات الدستورية يعكس في الحقيقة قبولاً ضمنياً ومستتراً من قبل الحكومات الغربية مثلما حدث في الانقلاب العسكري والانتخابات الرئاسية الهزلية التي اجريت في عام 2018، حيث تشير افتتاحية الـ واشنطن بوست تحت عنوان "المصريون ينتظرون 15 سنة أخرى من الاستبداد. لم يتحدث ترامب بعد"[7]. تؤكد فيها أنه بينما يهرع السيسي ليصبح رئيسًا لمدي الحياة لم تبد إدارة ترامب أي اعتراض وهو ما يمكن اعتباره ضوءً أخضر. وتتوقع الافتتاحية أن مآل حكم السيسي سوف يؤدي لحدوث تمرد شعبي مثلما حصل مع مبارك. وتشير الافتتاحية إلى خشية السيسي من أن تؤدي سياساته الاستبدادية إلي نوع المقاومة أو الرفض في واشنطن التي لا يزال يعتمد عليها على المليارات في المساعدات العسكرية. وتعضد موقفها بالإشارة إلى ما ذكرته مصادر رسمية لموقع مدي مصر بأن "الاندفاع لتمرير التعديلات الدستورية كان مدفوعاً بحسابات مفادها أن دعم ترامب سيسمح بتطبيقها دون اعتراض من البيت الأبيض، وقبل أن تقوم الأغلبية الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب بالانتباه إلى الوضع في مصر". وتؤكد عدم الاعلان عن أية مواقف أمريكية من التعديلات خلال زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى القاهرة في يناير الدعم الأمريكي الضمني، وبلغة متهكمة تنهي الافتتاحية بأن المصريين يثنون على إدارة ترامب والسيسي في بقائهم تحت حكم استبدادي لمدة 15 عاماً أخري.

في مقابل دعم النظم الغربية للانقلاب الدستوري والاستبداد في مصر والعالم الاسلامي، فإن هناك انتقادات قوية من الجماعات الحقوقية وبعض الاتجاهات الصحفية الليبرالية واليسارية ولكنها ليست في مواقع السلطة، وإذا وصل بعض مناصروها للسلطة فليس هناك ضامن أن تعارض ديكتاتورية السيسي طالما الشعب المصري خارج نطاق الفعل والتأثير.

×      السيسي ينهى تعاقده مع شركة علاقات عامة أمريكية[8]: أنهت شركة العلاقات العامة أمريكية، مجموعة جلوفر بارك، الخدمات التي تقدمها للسفارة المصرية في واشنطن اعتبارًا من منتصف يناير الماضي. وجاء قرار الإنهاء بعد أيام من فشل الجهود التي بذلتها مصر لوقف بث مقابلة السيسي مع برنامج «60 دقيقة» في يناير الماضي. وبانتهاء تعاقد مصر مع جلوفر بارك جروب، تنتهي آخر التعاقدات المسجلة باسم السفارة المصرية في واشنطن مع شركات أمريكية، بحسب المونيتور، ولا يتبقى سوى تعاقد لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي مع شركة هيل آند كنولتون. ووصف موقع المونيتور القرار المصري بإنهاء التعاقد بأنه سيئ التوقيت بسبب نقاشات داخل الكونجرس الأمريكي حول تقليص المعونة الأمريكية السنوية المقدمة إلى مصر.

ويبدو أن مصر كانت تقوم بالتعاقد مع شركات العلاقات العامة الأمريكية من أجل تحسين صورتها في أمريكا، في الفترة التي شهدت تدهور العلاقة بينهما عقب قيام السيسي بالإطاحة بمرسى عام 2013، والثى وصلت إلى قيام الولايات المتحدة بتقليص المساعدات التي تقدمها إلى القاهرة. ولكن مع وصول ترامب إلى الحكم، بدأت العلاقة بين مصر وأمريكا في التحسن بصورة كبيرة، خاصة بعد التقارب الشديد بين مصر وإسرائيل، ودعم السيسي لصفقة القرن التي يتبناها ترامب شخصياً، وبالتالي فإن النظام المصري أصبح يرى أنه لا توجد ضرورة في الإنفاق على شركات الدعاية الأمريكية لتحسين صورته.

×      غضب إفريقي من السيسي[9]: تسبب المشروع الجديد الذي تتبناه جامعة القاهرة برعاية السيسي، بعنوان «1000 قائد أفريقي»، والذي تشرف عليه «كلية الدراسات الأفريقية العليا»، في غضب أفريقي عارم من السيسي. فوفق مصادر مصرية شاركت في اجتماعات الاتحاد الأفريقي، الذي تسلّم السيسي رئاسته هذا العام، أبدت أجهزة استخبارات أفريقية اعتراضاً على المشروع الذي سيضمّ ألف شاب نصفهم أفارقة والنصف الآخر مصريون؛ إذ رأت فيه محاولة لتأهيل قيادات تتولى السلطة، وتنقلب على السلطات القائمة في المستقبل القريب.

ووجهت هذه الأجهزة انتقادات لحالة التجاهل الكامل للسفارات الأفريقية في التنسيق، خصوصاً في اللجان المعنية واختيار المرشحين، الأمر الذي يعكس من وجهة نظر المعترضين توجّهاً مصرياً في مخاطبة الشعوب من دون التفاهم مع الأجهزة السياسية.

×      قطر تشارك في مؤتمر عربي بالقاهرة: أعلنت وكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن قطر تشارك في أعمال مؤتمر "القيادات العربية رفيعة المستوى" الذي ينظمه البرلمان العربي، والذي انطلقت فعالياته في 9 فبراير الجاري بالقاهرة[10].

وحول ما إذا كان هناك إمكانية بأن يكون ذلك مقدمة للتصالح مع قطر، أجاب وزير الخارجية المصري[11]، سامح شكري، بأن التصالح مع قطر يرتبط بتغيير سياساتها، التي يراها تضر بمصر. كما أنه ربطها بموقف دول المقاطعة الأخرى (السعودية والإمارات والبحرين) من قطر. وهو ما يشير إلى أن الموقف المصري في الأزمة الخليجية ما هو إلا مجرد تابع للموقف السعودي والإماراتي تجاه قطر.

ويمكن أن يستدل من إشارة شكري إلى أن هناك اتصالات مكثفة للتعرف على مواقف دول المقاطعة تجاه قطر على وجود تحركات دبلوماسية من أجل إنهاء الأزمة الخليجية، وربما تكون هذه التحركات من قبل الولايات المتحدة التي تسعى إلى انهاء الأزمة التي تقف حائل أمام تفعيل الناتو العربي، الذي تسعى واشنطن إلى تدشينه بشكل رسمي خلال مؤتمر وارسو المنعقد في الثالث عشر والرابع عشر من هذا الشهر (فبراير).

 

المشهد الدولي والإقليمي

×      استمرار مسيرات العودة، وعباس في زيارة مفاجئة إلى السعودية: قام محمود عباس بزيارة مفاجئة إلى العاصمة السعودية الرياض رافقه كلاً من رئيس المخابرات ماجد فرج، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحـرير، صائب عريقات، ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ومستشاره مجدي الخالدي[12]. ويريد عباس استمالة الطرف السعودي من أجل تقديم مساعدات اقتصادية، وذلك من خلال استغلال حالة الخلاف بين قطر والسعودية، حيث يسعى عباس إلى حث السعودية على تقديم المساعدات للسلطة نكاية في قطر التي تقدم مساعدات لقطاع غزة. وهو ما ظهر في قيام عضو مركزية فتح ومفوض العلاقات العربية فيها، عباس زكي، بالتزامن مع زيارة عباس إلى السعودية، بشن هجوماً حاداً على قطر، متهماً إياها بمساعدة الاحتلال الإسرائيلي، عبر تقديم الأموال لقطاع غزة[13].

ويرى العديد من المراقبين أن هذه الزيارة تأتى من أجل وضع اللمسات الأخيرة للإعلان عن صفقة القرن، فقد كشفت مصادر لـ "العربي الجديد" عن لقاء استخباراتي عقد في الرياض، وضمّ اللقاء رئيس جهاز الاستخبارات المصري اللواء عباس كامل، ورئيس الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان في الرياض، قبيل أسبوع واحد من زيارة عباس إلى السعودية، وأن هذا اللقاء كان يستهدف الاتفاق على البنود النهائية لصفقة القرن وموعد إطلاقها، خاصة وأن هناك متغيرات عدة تدفع إلى استغلال هذا الوقت تتمثل في تورط ولى العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إلى جانب شروع السيسي في تعديل الدستور، وبالتالي يمكن مقايضة ترامب بتمرير صفقة القرن مقابل غض الطرف عن تورط ابن سلمان وتعديل الدستور المصري[14].

×      مؤشرات حول فشل مؤتمر وارسو فيما عدا تكريس تطبيع نظم الثورة المضادة مع العدو الصهيوني: عقد في العاصمة البولندية، وارسو، اجتماع على المستوى الوزاري يومي 13 و14 فبراير للبحث في قضايا الشرق الأوسط، وتشارك في المؤتمر عشرة دول من الشرق الأوسط هي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وعُمان، إضافة إلى إسرائيل.

ومن الأهداف الأساسية التي تسعى إليها الولايات المتحدة من خلف هذا المؤتمر هو تأسيس تحالف إقليمي عسكري "الناتو العربي"، ويرغب ترامب في تأسيس هذا التحالف الذي يضم – إضافة إلى بلاده – ثماني دول عربية، هي دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن (وبصورة غير معلنة إسرائيل)، وذلك لمواجهة إيران[15].

وقد شكك العديد من المراقبين في نجاح المؤتمر، في تحقيق أهدافه المتمثلة في مواجهة إيران خاصة بعد غياب وزراء خارجية القوتين الأوروبيتين الرئيسيتين، وهما ألمانيا وفرنسا، إلى جانب مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيدريكا موجيرينى، عن المشاركة في المؤتمر. كما حرص وزير الخارجية البريطاني، جيريمى هانت، على التأكيد بأن أولويته في المؤتمر تتمثل في الحديث عن الأزمة الإنسانية في اليمن[16]. كما شهد المؤتمر غياب أطراف هامة مثل روسيا والسلطة الفلسطينية وتركيا وقطر[17].

وقد جاء خطاب نائب الرئيس الامريكي مايك بنس في قمة وارسو حافل بالإشارات والايماءات الدينية والتاريخية حيث يوظف الدين لخدمة السياسة خصوصا بحديثه عن سيدنا إبراهيم والديانات الابراهيمية والقدس والمسجد الأقصى[18]. فبينس نفسه متزمت دينيا في سلوكه الاجتماعي والعام حيث لا يصافح النساء ولا يختلي بامرأة بمفردهما باعتبارها تعاليم دينية. وفي خطابه يحتكر توجيه وتصحيح الخطاب الديني للمسلمين فيحدد السلوك المقبول والمرفوض والعدو والصديق ويوزع القدس بين الاديان تحت سيادة إسرائيل وذلك رغم تعارض سياسة حكومته مع كل مبادئ العدل والانصاف.

×      التقارب الروسي مع مصر والإمارات والسعودية: تعكس الجولة التي قام بها كبار مسؤولي الأمن الروس للمنطقة في يناير وفبراير 2019 والتي شملت كلا من مصر والإمارات والسعودية السياسة الروسية الحريصة على التقارب والتنسيق مع معسكر الثورات المضادة. وهو ما يكشف بدورة عن وجود درجة ما من التنسيق الضمني بين روسيا وأمريكا من خلال التقارب الروسي مع ذيول واشنطن في المنطقة، فالتعاون الاستراتيجي بين الطرفين الأمريكي والروسي يشمل مستويات عديدة بعضها يتم من خلال الدول التابعة لواشنطن في المنطقة وكذلك من خلال التعاون الروسي الإسرائيلي، ولكن ذلك لا ينفي وجود خلافات وصراعات حادة بين روسيا وأمريكا حول ملفات المنطقة بسبب التقدم الروسي على حساب النفوذ الأمريكي. من التقارب بين روسيا وكلاً من مصر والإمارات والسعودية، وهو التقارب الذي يمكن تفسيره بخوف هذه الدول من التراجع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وهو التراجع الذي بدأ يظهر بصورة كبيرة بعد الاعلان عن الانسحاب الأمريكي من سوريا. وفى مقابل هذا الانسحاب، تسعى روسيا إلى الانخراط بشدة في قضايا المنطقة، والثى جاءت بصورة كبيرة بعد تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، وهو التدخل الذى مكن الأسد من البقاء في السلطة، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الرحيل عنها، ولم يتوقف التدخل الروسي على سوريا فقط، بل أصبح هناك تعاون عسكري كبير مع ليبيا، وبالتحديد مع الرجل الأقوى عسكرياً، خليفة حفتر، وأخيراً، وليس أخراً، قيام روسيا باستضافة اجتماع للفصائل الفلسطينية في موسكو، بعد أن فقدت هذه الفصائل الثقة في الجانب الأمريكي نتيجة العديد من السياسات المتحيزة لصالح إسرائيل، والثى كان أخرها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف تمويل الأونروا.

وعلاوة على ما سبق، تتميز روسيا عن الولايات المتحدة بكونها دولة سلطوية بدرجة كبيرة، لا تُلقى أي أهمية لحقوق الإنسان، فضلاً عن عدائها الكبير للحركات الإسلامية، العدو الأساسي لهذه الدول (مصر، الإمارات، السعودية). وبناءً على العاملين السابقين (تصاعد القوة الروسية، وزيادة انخراطها في منطقة الشرق الأوسط، مقابل الانسحاب الأمريكي من المنطقة. ووجود نوع من التقارب الأيديولوجي والفكري المتمثل في عداء الإسلاميين)، فإن دول التحالف الثلاثي ترى في التعاون مع روسيا ضرورة ملحة في هذا التوقيت.

إلا أن ذلك لا ينفى إمكانية حدوث خلافات في التعاون مع روسيا، فمن غير المتوقع أن تسمح الولايات المتحدة لهذه الدول بالتعاون مع روسيا، العدو الرئيسي لها، بما يتعارض مع تحقيق المصالح الأمريكية. كما أنه من غير المتوقع أن تقوم روسيا بالتخلي عن كلاً من إيران وتركيا، وما لديهما من وجود عسكري وتحالفات مع بعض الأطراف السورية الداخلية، من أجل تحقيق مصالح دول عربية لا تمتلك أي وجود عسكري أو أي تأثير سياسي.

وفيما يتعلق بليبيا، فمن غير المتوقع أن تسمح أي من فرنسا وإيطاليا، على الرغم من حالة التنافس بينهما، لروسيا بلعب دور قوى في ليبيا، لأن من شأن ذلك أن يجعل الدول الأوروبية محاصرة من قبل روسيا من الشرق والجنوب.

×      تركيا ومؤتمر سوتشي يبرز المخاوف التركية وحسابات توازن القوي المعقدة في سوريا: تتزايد حدة التوترات ما بين تركيا من جهة وكل من روسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وذلك علي خلفية الأوضاع المتأزمة في إدلب ومنبج، حيث يتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا بالفشل في حل أزمة إدلب السورية، مع توجيه الاتهامات إلي إدلب بأنها باتت حاضنة الإرهاب من أجل تهيئة الأجواء للانقضاض عليها وتسليمها للنظام السوري، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يواجه الرئيس التركي مأزقا كبيرا في منبج، بسبب الرفض الأمريكي لاقتحامها، والتنسيق الكامل من قبل أمريكا مع قوات الحماية الكردية التي تعتبرها أنقره جماعة إرهابية، وليس من المتوقع أن يغير ترامب موقفه في وقت قريب بسبب المناخ المناهض لتركيا السائد في واشنطن.

ويعكس هذا الخلاف عمق الأزمة التي فيها تركيا والتي تجعلها واقعة بين المطرقة الروسية والسندان الأمريكي، فكل طرف يبحث عن مصالحه التي تتعارض في الغالب مع المصالح التركية، ولولا سياسة توازن القوى التي يتبعها الجميع الآن في سورية لانقض الطرفان الروسي والأمريكي على تركيا منذ فترة، فروسيا لا تقبل ببقاء إدلب تحت السيطرة التركية، ولكن عدم رغبة الولايات المتحدة في اعطائها للنظام السوري والإيرانيين هو ما يؤجل الحسم في إدلب وكذلك في منبج.

لذلك يحاول الرئيس التركي مسايرة الأوضاع والالتزام بما تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة بشأن منبج حفاظا على قوة العلاقة، ومنعا لتفاقم الأوضاع بالشكل الذي يضر بتركيا ويفقدها مناطق نفوذها في الشمال السوري. ومن هنا تظل الأوضاع في سورية تراوح مكانها طالما رغبت الولايات المتحدة في الابقاء على تركيا كجزء اصيل من عملية توازن القوى، خاصة وأن البديل هو سيطرة إيرانية وروسيا على أكثر من نصف الأراضي السورية، ويمكن أن تمتد تلك السيطرة على مناطق سيطرة الأكراد، خاصة بعد خروج القوات الأمريكية منها.

×      قضية النائبة إلهان عمر: دور الأقلية المسلمة في مواجهة الإيباك ومراكز القوة والنفوذ الأمريكية: تعبر إلهان عمر النائبة المسلمة من أصل صومالي في الكونجرس الأمريكي عن تطلعات وحضور الأقلية المسلمة في الولايات المتحدة والغرب، فهم يحققون انجازات هامة وصلت إلي وجود تمثيل إسلامي في لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس ولكنها أيضاً تواجه تحديات ضخمة تتمثل في مواجهة غير متكافئة مع كلا من الايباك وبارونات الحرب في المجمع الصناعي العسكري الامريكي من داخل الكونجرس الأمريكي للمرأة ، فموازين القوة مختلة تماماً ولكن التمسك بالمبدأ وقوة الفكرة يعضد موقفها. فقد شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والحزب الجمهوري حملة شرسة على النائبة المسلمة في الكونجرس الأمريكي إلهان عمر متهمين إياها بمعاداة السامية، وذلك بسبب تغريدات ألمحت فيها إلى أن منظمة (أيباك) الصهيونية تستخدم المال لدعم سياسات موالية لإسرائيل، وأن إسرائيل قد نومت العالم مغناطيسياً. ويعكس ذلك خوف المؤسسات الأمريكية من تأثير مواقفها المنتقدة لسياسات اللوبي الموالي لإسرائيلي على نفوذها وشعبيتها لدى الرأي العام الأمريكي.

 

 

 

 

 

 

 

موجز المشهد السياسي

×      برلمان النظام يمرر تعديلات الدستور في قراءة أولية، وضغوط قوية على المعارضة لمنعها من الحركة: وافقت اللجنة العامة لمجلس النواب، على طلب تعديل الدستور المصري، المقدم من بعض أعضاء المجلس والنظام يقوم بعدة إجراءات لمنع المعارضين من الحركة ومن ذلك:

  • تنفيذ أحكام الإعدام المؤجلة ضد شباب الثورة من الإسلاميين والاخوان بمثابة رسالة تحذير قبل التعديلات الدستورية.
  • تسريب الفضائح الجنسية للمعارضين مثل: خالد يوسف، وابتزاز أخرين بتسجيلات، مثل: هيثم الحريري، وإحالتها للنيابة العامة.
  • ضغوط هائلة من الأجهزة المصرية على وسائل الإعلام لمصرية بعد وضع محاذير لتناول قضية التعديلات الدستورية، وصلت إلى حد منع بعض الصفحات وإجبار إدارات التحرير على وقف وتغيير بعض المقالات المعارضة للتعديلات الدستورية.

×      استمرار اعلان المواقف المعارضة للتعديلات الدستورية: تمثل ذلك في:

  • تشكيل حركة هامشية جديدة تحت اسم اتحاد الدفاع عن الدستور.
  •  استمرار التعبئة والنقد على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • إصدار البيانات المعارضة.
  • اعتراض نحو 16 عضو من برلمان السيسي علي اقرار التعديلات.
  • موقف عمرو موسى: موقف براجماتي انتهازي حيث دعا إلى "عقد حوار وطني فسيح بشأن التعديلات الدستورية الجديدة المقدمة من ائتلاف الأغلبية في البرلمان". إلا أن فكرة الحوار في الوقت الحالي فكرة غير مقبولة، لأنها كانت لابد أن تتم قبل أن يذهب مشروع التعديل إلى البرلمان فهو غير رافض للتعديلات بقدر إرادته أن يتم إخراجها بشكل جيد.

×      صراع مستتر بين السلطة وبعض الاتجاهات القضائية: قضت محكمة النقض المصرية، (الهيئة القضائية الأعلى في مصر)، بقبول طعون 219 متهماً، بينهم أعضاء في «مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين»، وابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها، على قرار محكمة جنايات القاهرة، بإدراجهم على «قائمة الإرهابيين»؛ والحكم بقبول الطعون من المحتمل أن يحمل رسائل سياسية من أعلى هيئة قضائية للسلطة السياسية، حيث حملت مقترحات التعديلات الدستورية محاولات لتقليص صلاحيات القضاء وإخضاعهم لسلطة الرئيس، وهو ما لن يتقبله القضاة بالصمت والتسليم. ولذلك فإن الغرض من الحكم لفت نظر السلطة لقدرة القضاء على مناهضته وتبديد أماله ومناهضة مراميه.

×      فرص المعارضة والمخاطر على النظام فى ظل التعديلات الدستورية:

  • المخاطر: مع تمرير التعديلات الدستورية، وتأكيد بقاء نخبة الحكم الحالية بقيادة السيسي في سدة الحكم لـ 12 عام قادمة، سيفقد كثير من شرائح المجتمع صبرهم حيال سياسات النظام، وستحدد المكونات الاجتماعية والسياسية موقفها من السلطة بوضوح، إما استسلام أو مقاومة، وستفقد مقولات ثورة 30 يونيو، وحماية يناير والدولة من خطر الأسلمة والأخونة والحرب على الإرهاب أية جاذبية.
  • الفرص: التعديلات الدستورية ستؤذن بميلاد حالة جديدة يتقاسمها طرفان، سلطة مسيطرة ومعارضة طامحة، وستختفى تدريجيا صراعات المرحلة السابقة وستولد صراعات جديدة من رحم الواقع الناشئ الجديد. وهو ما يعطي فرصة للمعارضة في توحيد صفوفها وكسب فائض الشرعية الناجم عن فقدان النظام الجزء الأكبر من شرعيته وشعبيته، واعتماده الحالي على القوة في فرض وجوده.
  • خيارات المعارضة: ثلاثة اتجاهات وهي:

          الأول: المقاطعة السلبية: يعتبر هذا الاتجاه أن التعديلات ستمر ولكنها قد تكون بمثابة النهاية للنظام لأن ردود الفعل الواسعة ترفضه بشده ومن يدعمه يقبله على مضض وفي ظل نوع من الصدمة من ديكتاتورية النظام، فهذا الرفض يعني أن النظام يفقد شرعيته ودعم مسانديه، بما يعني أن الوضع بعد الاستفتاء لا يكون كما كان قبله.

          الثاني: المشاركة السلبية: أصحاب هذا الاتجاه يعتبرون أن المشاركة في الاستفتاء ورفض التعديلات هي السبيل لوقف تلك التعديلات، لأن غاية ما يتمناه النظام أن يقاطع الرافضون حتى يتم التزوير بسلاسة.

          الثالث: الحراك الايجابي من خلال المقاطعة والاحتجاج: ويري هذا الاتجاه ضرورة المقاطعة الايجابية بمعني اعلان الرفض للنظام وتعديلاته بكل الطرق الممكنة بما فيها التصويت بلا، وقد يؤدي غرور النظام لدفعه للتزوير بما سيرتد في شكل تصاعد الغضب الشعبي ضده.

×      هل حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز؟، كما تروج الحكومة: مصر لم تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز حتى الآن. فحقل ظهر ساعد على تخفيف الاعتماد على الخارج، ووقف استيراد الغاز المسال تماماً منذ شهر أكتوبر الماضي (2018)، حيث تشتري الحكومة نصيب الشركات الأجنبية المنتجة، بدلاً من الاستيراد، ولكنها تسدد ثمن الغاز الذي تحصل عليه بالدولار، وهو ما يجعل الحكومة مدينة للشركات بأكثر من مليار دولار.

×      الغرب يدعم استمرار السيسي: عدم الاعلان عن موقف غربي واضح من قضية التعديلات الدستورية يعكس قبولاً ضمنياً ومستتراً من قبل الحكومات الغربية مثلما حدث في الانقلاب العسكري والانتخابات الرئاسية الهزلية التي اجريت في عام 2018، كما أن عدم الاعلان عن أية مواقف أمريكية من التعديلات خلال زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى القاهرة في يناير يؤكد الدعم الأمريكي الضمني.

×      غضب إفريقي من السيسي: تسبب المشروع الجديد الذي تتبناه جامعة القاهرة برعاية السيسي، بعنوان «1000 قائد أفريقي»، في غضب أفريقي عارم من السيسي. فالمشروع الذي سيضمّ ألف شاب نصفهم أفارقة والنصف الآخر مصريون؛ رأى الأفارقة أن فيه محاولة لتأهيل قيادات تتولى السلطة، وتنقلب على السلطات القائمة في المستقبل القريب.

×      مشاركة قطر في مؤتمر عربي بالقاهرة هل هو خطوة للتصالح: أجاب عن ذلك وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأن التصالح مع قطر يرتبط بتغيير سياساتها، التي يراها تضر بمصر. كما أنه ربطها بموقف دول المقاطعة الأخرى (السعودية والإمارات والبحرين) من قطر. وهو ما يشير إلى أن الموقف المصري في الأزمة الخليجية ما هو إلا مجرد تابع للموقف السعودي والإماراتي تجاه قطر. ويمكن أن يستدل من إشارة شكري إلى أن هناك اتصالات مكثفة للتعرف على مواقف دول المقاطعة تجاه قطر على وجود تحركات دبلوماسية من أجل إنهاء الأزمة الخليجية.

×      عباس في زيارة مفاجئة إلى السعودية: قام محمود عباس بزيارة مفاجئة إلى العاصمة السعودية حيث يريد عباس استمالة الطرف السعودي من أجل تقديم مساعدات اقتصادية، وذلك من خلال استغلال حالة الخلاف بين قطر والسعودية، حيث يسعى عباس إلى حث السعودية على تقديم المساعدات للسلطة نكاية في قطر التي تقدم مساعدات لقطاع غزة. ويرى البعض أن هذه الزيارة تأتى من أجل وضع اللمسات الأخيرة للإعلان عن صفقة القرن.

×      مؤشرات حول فشل مؤتمر وارسو: عقد في العاصمة البولندية، وارسو، اجتماع على المستوى الوزاري يومي 13 و14 فبراير للبحث في قضايا الشرق الأوسط، وتشارك في المؤتمر عشرة دول من الشرق الأوسط هي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وعُمان، إضافة إلى إسرائيل. ومن الأهداف الأساسية التي تسعى إليها الولايات المتحدة من خلف هذا المؤتمر هو تأسيس تحالف إقليمي عسكري "الناتو العربي"، ويرغب ترامب في تأسيس هذا التحالف الذي يضم – إضافة إلى بلاده – ثماني دول عربية، هي دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن (وبصورة غير معلنة إسرائيل)، وذلك لمواجهة إيران.



[1] المدن، إعدامات وفضائح … رسائل السيسي لمعارضي التعديلات الدستورية، 12 فبراير 2019، الرابط:

[2] حلقة بعنوان: "عمرو موسى يدعو لحوار وطني بشأن التعديلات الدستورية"، بتاريخ 9/2/2019، على الرابط التالي:

[3] الرابط التالي:

[4] الأخبار اللبنانية، غضب أفريقي على السيسي: يؤسّس لـ «مدرسة انقلابيين» !، 13 فبراير 2019، الرابط:

[5] أحمد نور الدين، ماذا فعلنا لمن طرقوا أبوابنا؟ عن النقّاش والعقيد والجسور المهجورة، 17 يناير 2018، الرابط:

[6] إبراهيم نوار، "حقول الغاز.. وصناعة الوهم"، فيسبوك، 14/2/2019، الرابط:  

[7]  الرابط: https://wapo.st/2BFlig6

[8] "المونيتور: مصر تنهي تعاقدها مع شركة علاقات عامة أمريكية بعد أيام من حوار CBS مع السيسي"، مدى مصر، 10/2/2019، الرابط:

[9] "غضب أفريقي على السيسي: يؤسّس لـ «مدرسة انقلابيين»!"، الأخبار، 13/2/2019، الرابط:

[10] "قطر تشارك في مؤتمر "رفيع المستوى" بالقاهرة (فيديو)"، عربى21، 9/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2SMzspu

[11] "هل تضطر مصر للتصالح مع قطر؟ … هكذا أجاب شكري (فيديو)"، عربى21، 11/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2Eax2sF

[12] "ما سر زيارة الرئيس عباس المفاجئة للسعودية؟"، الساحة الإخباري، 12/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2N8gbJY

[13] "«إعلان موسكو» دون «الجهاد»… وعباس في الرياض … ومخاض «فتحاوي» عسير تنظيمياً وحكومياً"، الاخبار، 13/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2S2V3W8

[14] " تنسيق استخباراتي مصري سعودي فلسطيني استعداداً لـ"صفقة القرن""، العربي الجديد، 13/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2X3rUhn

[15] "كل ما تريد أن تعرفه عن مؤتمر وارسو للشرق الأوسط"، الجزيرة نت، 12/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2Ea6Xd4

[16] "واشنطن تحشد 60 دولة ضد إيران فى مؤتمر وارسو.. وغياب «كبار» أوروبا"، الأهرام، 14/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2SAKzCo

[17] "مؤتمر وارسو يعكس ضعـ ـف أميركا ولن ينجح!"، الساحة الإخباري، 14/2/2019، الرابط: http://bit.ly/2DD5bQh

[18] الرابط : https://bit.ly/2S7xc7R

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022