اشتباكات الأميرية: المضامين والدلالات قراءة في الرواية الرسمية والروايات البديلة
التاريخ: 17 أبريل 2020 اشتباكات بين الشرطة ومسلحين[1]، في منطقة الأميرية شرقي القاهرة، وبالتحديد في عزبة شاهين -وفق صحف محلية مصرية- تسفر عن سقوط قتلى ومصابين. ونشر شهود عيان عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، تظهر صوت دوي إطلاق النار[2]. وقد أمر النائب العام، المستشار حماده الصاوي، بإجراء تحقيق عاجل في الحادث الإرهابي الواقع اليوم بحي الأميرية[3]. الرواية الرسمية: قالت وزارة الداخلية إنها تمكنت من تصفية مجموعة مسلحة، بعد اشتباكات معها، وتبادل لإطلاق النار بين الجانبين، استمر عدة ساعات، في منطقة الأميرية شرقي القاهرة. وأفادت أن ضابطًا بقطاع الأمن الوطني التابع للوزارة قتل خلال المواجهة، إضافة إلى إصابة ضابط آخر وفردين من قوات الشرطة. مؤكدة أن المواجهات قد أسفرت عن مقتل 7 من العناصر الإرهابية المسلحة[4]. وعن خلفيات الحادث، قالت الوزارة، إن قطاع الأمن الوطني وردته معلومات تفيد “وجود خلية إرهابية يعتنق عناصرها المفاهيم التكفيرية، تستغل عدة أماكن للإيواء بشرق وجنوب القاهرة كنقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية بالتزامن مع أعياد أبناء الطائفة المسيحية”[5]. وأن الضربة التي وجهتها وزارة الداخلية هي عملية استباقية ضمن عمليات أخرى وجهتها الشرطة للعناصر الإرهابية. وقد ذكر بيان الوزارة أن قوات الأمن الوطني نجحت في “تحديد أحد مخازن الأسلحة والمتفجرات بمنطقة المطرية، التي كانوا يعتزمون استخدامها في تنفيذ مخططهم الإرهابي، وباستهدافه عثر على 4 بنادق آلية وكمية من الذخيرة”[6]. أما عن هوية عناصر “الخلية الإرهابية” التي قامت قوات الأمن بتصفيتها، فقد اقتصرت البيانات الرسمية بوصفهم بـ “يعتنق عناصرها المفاهيم التكفيرية”[7]. بالطبع تثير الرواية الرسمية الواردة في بيانات الداخلية، وتناقلتها عنها وسائل الإعلام المحلية، تساؤلات عدة، منها مثلًا ما يتعلق بالهوية الشخصية للمسلحين، وانتماءاتهم الاجتماعية والطبقية، ومنها ما يتعلق بانتماءاتهم الإيديولوجية، وحقيقة تبعيتهم لأي من الجماعات العنيفة والتكفيرية، أو الإعلان عن كونهم مجموعة مستقلة نشأت حديثًا بشكل مستقل. وهناك تساؤلات أخرى كثيرة أثارها مراقبون بخصوص الرواية الرسمية لما حدث. المؤسسات الدينية الرسمية والتأييد الدائم للنظام: ظهر هذه البيانات أن هناك تأييدًا مستمرًّا للنظام، تخرج المؤسسات الدينية الرسمية لتعلنه، عقب كل حدث ترغب السلطة الحاكمة في ترويجه للناس؛ باعتباره حدثًا مهمًّا وخطيرًا ومفصليًّا، حتى وإن كان الحدث بسيطًا، ولا يستحق كل هذه الضجة. وموقف المؤسسات الدينية الرسمية يحمل أحد معنيين؛ الأول: أن هناك جهات محسوبة على النظام توجّه المؤسسات الدينية الرسمية بضرورة اتخاذ هذا الموقف، وإصدار هذه البيانات؛ لتصبح بيانات رجال الدين الرسميين جزءًا من المشهد الذي تعمل أجهزة السلطة على إخراجه بهذا الشكل. المعنى الثاني: أن المؤسسة الرسمية تعلن هذا التأييد المستمر، باعتباره قرابين تقدمها على مذبح السلطة، مقابل حماية ورعاية هذه السلطة لتلك المؤسسات. قد يكون إعلان المؤسسات الدينية الرسمية تأييدها وتثمينها للجهود التي تبذلها أجهزة النظام سلوكًا مفهوما ومتوقعا ومشكورا أيضًا، لكن ما يستحق النقد والتوقف، أن يكون إعلان التأييد يأتي بحق ممارسات غائمة ورمادية، مثل حادث الأميرية، الذي يثير من علامات الاستفهام، أكثر بكثير مما يقدم من إجابات. عقب إعلان الداخلية عن العملية ونتائجها، خرجت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية ببيان نعت فيه “شهيد الشرطة المقدم محمد الحوفي”، وأكدت فيه تضامنها الكامل -وعلى رأسها البابا تواضروس الثاني- مع القوات المسلحة والشرطة، وكافة القوى الوطنية في معركتهم مع “الإرهاب الغاشم”، والتمسك بالحفاظ على وحدة النسيج الوطني. كما أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بيانًا أكد فيه دعمه لقوات الجيش والشرطة، مطالبًا جموع الشعب المصري بالوقوف وراء رجال الجيش والشرطة في حربهم ضد الإرهاب. أيضًا أشاد مفتي الجمهورية، شوقي علام، ببطولات وتضحيات أبطال أجهزة الشرطة في مواجهة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، التي تسعى “لنشر العنف والدمار والتخريب”، داعيًا إلى ضرورة تكثيف توجيه الضربات الاستباقية الناجحة ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية؛ لتقويض قدرتها على نشر العنف والتخريب[8]. هذا في وقت لم تظهر أية شواهد أو أدلة تثبت صحة رواية الشرطة، بأن ما حدث كان اشتباكًا مع مجموعة إرهابية كانت تتجهز للهجوم على الكنائس في أعياد المسيحيين المصريين. أحداث الأميرية .. في رواية أخرى: ظهرت روايات تشكك في الرواية الرسمية، وتختلف عنها أحيانًا بصورة تامة، وفي أحيان أخرى تختلف عنها في بعض التفاصيل. أولى هذه الروايات غير الرسمية، ما ذكره البعض من أن ما حدث كان “عملية سطو مسلح على شركة لنقل الأموال اسمها تارجت، كائنة فى شارع المصانع بالخلف من مستشفى الزيتون التخصصي، في منطقة الأميرية، وأن الداخلية قد اشتبكت مع المجموعة التي هاجمت الشركة، وقد أسفر عن هجوم الداخلية مقتل المجموعة ومقتل ضابط، وإصابة آخرين. كما يبدو فإن هذه الرواية تتفق مع الرواية الرسمية في القول إنه حدثت اشتباكات بين مسلحين والشرطة، لكن تختلف عنها، في أنها تفيد بأن المسلحين لصوص، قاموا بالسطو على شركة نقل أموال، وليسوا متطرفين يعدون لمهاجمة الكنائس في أعياد المسيحيين المصريين. وفق هذه الرواية فإن الاشتباكات لم تجرِ في منطقة سكنية، وإنما جرت في مكان مخصص للشركات، وهو مكان هادئ يسمح للمسلحين بالحركة والهروب. رواية ثانية: يحكي أصحابها أن المسلحين احتجزوا ضابطًا في الأمن الوطني، وذلك أثناء مروره وتفقده المنطقة، من دون جدية في اتخاذ الاحتياطات الأمنية أثناء الكشف والاشتباه، وكان معه اثنان من المخبرين، وأن عنصري الشرطة تمكنا من الفرار وإبلاغ وحدة إنقاذ الرهائن (إتش آر إف)، التي لم تتمكن من إنقاذ الضابط، وانتهى الأمر بمقتله خلال الاشتباكات التي جرت بين المختطفين وقوة الشرطة، التي كانت تحاول تحرير الضابط المختطف. وفق هذه الرواية، فإن الشرطة لم تكن على علم مسبق بوجود المجموعة، وبالتالي لم تكن هناك خطة هجوم، وإنما كانت الشرطة في حالة رد فعل. الملفت أن رواية احتجاز الضابط جاءت بشكل غير مباشر على لسان صحفي مقرب من الأجهزة الأمنية المصرية، حين وجّه سامي عبد الراضي -الصحفي المتخصص في الحوادث ومدير صحيفة الوطن- تحية لضباط مكافحة الإرهاب بقطاع الأمن الوطني، الذين “دخلوا واقتحموا، في محاولة أخيرة لإنقاذ زميلهم الشهيد البطل المقدم محمد الحوفي”، وأيدها كذلك مقطع الفيديو الذي بثه اليوم السابع، لشهود عيان من سكان المنطقة، أوضحوا خلاله أن قوة من الشرطة ربما كانت في مهمة لجمع معلومات، لكن الأمور تطورت فجأة، وتم تبادل إطلاق النار، الذي أسفر عن إصابة ضابط[9]. رواية أخرى، يدّعي أصحابها أنه لم تكن هناك اشتباكات في الحقيقة بين الشرطة ومسلحين، إنما كان إطلاق النيران الكثيف من جانب قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية فقط، وأن الشقة السكنية التي جرى حولها الضرب، هي مملوكة لرجل معروف عنه أنه مسالم وهادئ، وتقتصر حركته على المسجد والعمل. الخاتمة: يبدو أن الرواية الرسمية لم تتسم بالاتساق والمنطقية والكمال الذي يضمن لها المصداقية والشيوع، ولعل ذلك كان سببًا مباشرًا في رواج روايات أخرى حول الحادث؛ فلو كانت الرواية الرسمية كافية ما بحث المتابعون عن روايات بديلة. حتى من رفضوا تصديق الروايات البديلة وشككوا في مصداقيتها، رفضوا أيضًا قبول الرواية الرسمية….