الأسابيع الحاسمة .. إلى أي مدى يصمد قطاع الصحة المصري أمام غزو «كورونا»؟
أصابت تصريحات السفير الفرنسي بالقاهرة “ستيفان روماتيه” الخميس 19 مارس 2020 الأوساط المصرية بحالة من الصدمة والذعر؛ حيث حذَّر الجالية الفرنسية المقيمة في مصر من تدهور الوضع الصحي بسبب انتشار فيروس «كوفيد ـ 19» المعروف بـ«كورونا»؛ وطالبهم بضرورة الاستعداد لما هو أسوأ خلال الأيام والأسابيع المقبلة. السفير الفرنسي قال، في فيديو نُشر على الصفحة الرسمية لسفارة فرنسا بمصر على موقع تويتر، إنه لن يُخفي بأن الأوضاع بمصر مقلقة جداً في ظل ضعف النظام الصحي، مضيفا أن مصر ستُعزل عن بقية العالم مثل العديد من الدول، مؤكداً أن الوضع بمصر سيكون صعباً جداً في الأسابيع القادمة». تحذيرات السفير الفرنسي؛ تكتسب أهمية كبيرة؛ لأنها لا تعبر عن رأي شخصي، بقدر ما تعتبر تقدير موقف فرنسي حول سيناريوهات الموقف في مصر خلال الأسابيع المقبلة. تصريحات السفير الفرنسي قوبلت من جانب نظام حكومة الانقلاب العسكر وعصابته ومؤيديه بإنكار تام؛ وراحوا عبر منصات التواصل الاجتماعي يسخرون من هذه التحذيرات ويعايرون السفير بأن حجم تفشي الفيروس في بلاده أعلى من مصر!. ويتفق مع هذه التحذيرات ما كتبه الصحفي الإنجليزي ديفيد هيرست في صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية؛ حيث يرى أن قطاع الخدمات الصحية في مصر كان في حالة انهيار قبل تفشي الفيروس، وكذلك كان الحال بالنسبة للخدمات العامة الأخرى؛ وأشار ــ نقلا عن مصدر مطلع في أوساط المجتمع الطبي العربي في بريطانيا ــ إلى وجود زيادة في عدد الأطباء القادمين من مصر، نقلاً عن معلومات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا التي تبحث حالياً إمكانية اجتذاب المزيد منهم. وأنه بات من المعروف في الأوساط المهنية أنَّ الخبراء الطبيين المصريين داخل مصر يقضون معظم وقتهم في العمل بالمستشفيات الخاصة ولا يذهبون إلى أعمالهم الرسمية طيلة شهور متتالية، لذلك فقد كان واضحاً أنَّ الخدمات الصحية المصرية تنهار. وفي محاولة لاستشراف المستقبل، طالب “هيرست” المجتمع الدولي بتوخي الحذر ومراقبة تطورات الأوضاع في مصر؛ متوقعا أن يفشل نظام العسكر في احتواء فيروس “كورونا” وما يترتب عليه من آثار مدمرة؛ فالاقتصاد المصري معرَّض ــ بحسب هيرست ـ للتدمير وستسحق السياحة التي درت على مصر “12.5” مليار دولار العام الماضي، لكنها تراجعت الآن إلى 10% فقط من طاقتها، وسيتعرض الاقتصاد العالمي للضعف، ومن ثَمَّ يتهدد المصدر الرئيس الآخر للعملة الصعبة في مصر: قناة السويس. وثالثاً، سيتعرَّض الاقتصاد الخليجي للضعف. ومصر تملك مليوني عامل في السعودية وحدها”؛ وأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة محليا وإقليميا. وبناء عليه؛ يحذر هيرست من انتشار الفوضى على المستوى المحلي المصري إذا استمرت وتيرة الإصابات بكورونا في تزايد خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ويدلل على ذلك بتصريحات منسوبة لــ”كريم شمس” وهو طبيب بمستشفى الأقصر العام الذي يؤكد على أن ([1]): الطاقم الطبي بالمستشفى الذي يعمل فيه لم يتلقوا تدريباً للتعامل مع حالة مصابة بكورونا. لا تملك المستشفى أي معدات ملائمة للعمليات والجراحات البسيطة فضلا عن أدوات ومعدات لمكافحة فيروس مميت ككورونا. . أحياناً تأتي العشرات من الحالات لأناسٍ يشكون من أعراض البرد، فنصف لهم المضادات الحيوية أو أدوية الإنفلونزا ونتركهم يعودون للمنزل. استقبال المستشفى يستوعب 100 حالة فقط لكن المستشفى تستقبل حاليا أكثر من 300 حالة لأمراض مختلفة؛ بما يفوق قدرتها على الاحتواء والتعامل هذه شهادة حية لطبيب بأحد مستشفيات الأقصر التي شهدت خلال الأسابيع القليلة الماضية اهتماما عالميا بعد اكتشاف عشرات الإصابات لمصريين وأجانب، على متن باخرة نيلية، كانت تتخذ من الأقصر نقطة انطلاق في جولتها النيلية كل أسبوع نحو أسوان. وأمام هذه المعطيات؛ إلى أي مدى يمكن أن يصمد قطاع الصحة المصري أمام غزو فيروس “كورونا” المميت؟ وهل يمكن للوضع المتدهور الذي تشهده مستشفيات مصر ومؤسساتها الصحية أن تكافح بشكل فعال انتشار الفيروس القاتل وتنجح في تحقيق الحماية للشعب المسحوق بفعل الظلم والطغيان والفساد؟ الخوف من السيناريو الإيراني ولا يتوقف التحذير عند حدود السفير الفرنسي والصحفي البريطاني البارز؛ بل وصل إلى حد اعتراف وزيرة الصحة بحكومة الانقلاب الدكتور هالة زايد، التي حذرت من انزلاق الأوضاع في مصر نحو السيناريو الإيراني؛ واعتبرت الوصول إلى ألف إصابة في مصر مؤشر خطير يجعل من الصعوبة تدارك الأمر. تحذيرات الوزيرة جاء في مداخلة هاتفية مع عمرو أديب في برنامج “الحكاية” الذي يقدمه على فضائية “أم سي مصر” مساء الاثنين 20 مارس2020م، حيث قالت الوزيرة إن الوصول لعدد ألف إصابة لن يمكن أي دولة من إجراء تقصي وحصر المخالطين للحالات. واعتبرت هذا العدد من الإصابات يمثل «نقطة الذروة» التي تستعصي على الاحتواء؛ وطالبت بضرورة التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية، وحثتهم على العزل الاختياري لحماية صحتهم وأرواحهم ، ودعت إلى الحد من الأنشطة وتأجيل المناسبات الاجتماعية وتقليل الزيارات إلى المنازل وخاصة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والسيدات الحوامل، معقبة: «إجراء شديد لكن يجب أن نستحمل لأن عواقبه كبيرة».([2]) بحسب الوزيرة فإن أصعب ما في الموقف هو عملية التقصي التي تسبق عملية العزل “الصحي” والتي تعتبر مرهقة للغاية للتوصل إلى جميع الأشخاص الذين خالطوا المصاب بشكل مباشر أو غير مباشر للتأكد من مدى إصابتهم أو وضعهم في عزل لمدة 14 يوما؛ و ضربت الوزيرة مثالا بأول حالتي إصابة تم الإعلان عنهما في مصر، الأولى كانت لشخص صيني وعملية التقصي توصلت إلى 308 أشخاص في 6 محافظات تم عمل عزل ذاتي لهم. والحالة الثانية، كانت “لمواطن كندي كان يعمل في شركة للبترول، حيث تم حصر نحو 3600 شخص منهم 2600 يعملون في الحفر، و1000 من شركات أخرى. فكل حالة إصابة وراءها آلاف ومئات القصص؛ الأمر الذي يجعل من عملية احتواء الفيروس إجراء يستعصي على الاحتواء.([3]) الوضع الصحي بالأرقام يصل عدد المستشفيات بمصر وفق إحصائيات 2018 للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء “691” مستشفى، بسعة 95.600 سرير، ويصل عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية إلى 113 ألفا، (بشري وأسنان) في 2018م، مقابل 124 ألف طبيب في 2017؛ وهو ما يعني تراجع عدد الأطباء في القطاع الحكومي بنسبة 9.3%. فيما بلغ إجمالي عدد مراكز الإسعاف 1464 مركزاً عام 2018 مقابل 1774 عام 2017 بانخفاض 17.5٪. وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، أوضح الجهاز أن عدد المستشفيات بلغت 1157 مستشفى عام 2018 مقابل1094 مستشفى عام 2017 بزيادة 5.8٪، وبلغ إجمالي عدد الأسرة فيها 35.3 ألف سرير عام 2018 مقابل 35.9 ألف سرير عام 2017 بانخفاض 1.8٪، وبلغ إجمالي عدد الأطباء 30.7 ألف طبيباً (بشريين/ أسنان) عام 2018 مقابل 26.6 ألف طبيب (بشريين/ أسنان) عام 2017 بزيادة 15.3٪.([4]) ومع بدء الإعلان عن فيروس كورونا في منتصف يناير 2020م بالصين، خصصت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب «26» مستشفى موزعة على عدد من المحافظات المختلفة؛ تحتوي هذه المستشفيات على 2471 سريرا، بخلاف 295 سرير عناية مركزة وفقا للقائمة التي نشرتها الوزارة. وتنقسم الخدمة الصحية في مصر على أساس جغرافي، على النحو…