بقانون الثروة المعدنية الجديد.. هل يقنن السيسي نهب الشركات العالمية لثروات مصر؟
جددت اللائحة التنفيذية التي أصدرها مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب في 15 يناير 2020م، والخاصة بقانون الثروة المعدنية رقم 145 لسنة 2019م كثيرا من المخاوف لدى قطاعات واسعة من الخبراء والمختصين وعموم الشعب من توظيف هذه التعديلات ولائحة القانون التنفيذية لتصبح بوابة مشرعة لإهدار ما تبقى من ثروات مصر، عبر تقنين عمليات النهب المنظم الذي تقوم به مافيا المال الحرام التي ترتبط بشكل وثيق بشركات عالمية كبرى متعددة الجنسيات وعابرة للقارات، بخلاف حيتان رجال الأعمال والقادة النافذين في المؤسسة العسكرية الذين يؤسسون شركات خاصة يحققون من ورائها مكاسب هائلة لما يحظون به من نفوذ وسلطات واسعة، ويمارسون بالفعل التنجيم عن الذهب بوسائل غير مشروعة. وكان برلمان الأجهزة الأمنية قد أقر في 7 يوليو 2019م التعديلات التي تقدمت بها الحكومة على قانون رقم 198 لسنة 2014م والخاص بالاستثمار في الثروة المعدنية؛ وصدق عليه رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في 13 أغسطس 2019م؛ بدعوى فتح أبواب الاستثمار أمام الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب بعد أن فشل قانون 2014 في جذب الاستثمار العالمي لقطاع التعدين رغم أن مصر تضم فرصا هائلة وإمكانات لا تتوافر في كثير من بلاد العالم. وتملك مصر ثروات معدنية كبيرة، أضخمها منجم السكري للذهب، كما يوجد أكثر من 120 منجم ذهب، أغلبها في الصحراء الشرقية، إضافة إلى ثلاثة آلاف محجر، 40% منها بالبحر الأحمر، و20% بالصعيد و15% على خليج السويس، وفق دراسات محلية.([1]) كما تمتلك مصر ثروة هائلة من المناجم المعدنية والحجرية، إذ بها ما يقرب من 39 خامة من المعادن تدخل في جميع الصناعات، ساهمت في تعزيز مكانتها على خارطة التعدين الدولية، ، وتقدر عدد المناجم في مصر بحوالي 4500 منجم بمختلف أنواعها، تحتل بها المرتبة الثالثة عالميًا في الثروة المحجرية والمعدنية.([2]) كما توجد ثروات معدنية متعددة ما بين فوسفات وذهب وفلسبار ورمال بيضاء تتطلب إعادة النظر في آليات استخراجها. ولدى مصر حزام فوسفات يبدأ من البحر الأحمر وحتى حدود ليبيا، إلى جانب احتياطي يقدر بنحو 45 مليار طن من الرمال البيضاء، تشجع على صناعات تعدينية ترفع القيمة المضافة عند تصنيعها ليبلغ سعر طن من الرمال لمئة دولار. وظلت مصر تعمل بقانون للثروة المعدنية لقرابة نصف قرن دون تغييره منذ عام 1956 قبل أن يتم إصدار القانون الجديد في عام 2014، وكان ذلك السبب في تدني العوائد مثل رسوم استخراج الذهب (الإتاوات)، التي لا تزيد على 360 مليون جنيه (21.65 مليون دولار)، ولذلك أجرى النظام تعديلات جديدة على القانون سنة 2019م تستهدف زيادة عوائد الدولة”. مخاوف المصريين من القانون الجديد أن يتم توظيفه ليكون بوابة لتقنين أوضاع النهب المنظم بدعوى الاستثمار؛ فالحوافز التي تضمنها القانون تسيل لعاب المستثمرين الأجانب وحيتان البيزنس في مصر من العسكر والقطاع الخاص؛ لأن كنوز مصر في الصحراء الشرقية وجنوب سيناء والصحراء الغربية كثيرة ومتنوعة. وحتى اليوم لا تزال مافيا النهب المنظم تواصل نشاطها غير المشروع رغم افتضاح الأمر؛ الأمر الذي دفع قادة هذه المافيا إلى التفكير بشكل مختلف بما يضمن مزيدا من النهب بدعوى الاستثمار، لهذا تواصل حكومة الانقلاب اتصالاتها مع رجال أعمال من عينة نجيب ساويرس وآخرين من أجل الاستثمار في مجال التعدين وخصوصا التنقيب عن الذهب. مستهدفات على خطى “التفريعة” التحولات التشريعية والهيكلية التي جرت خلال السنوات الماضية في قطاع التعدين تعود إلى الخطة التي وضعها مكتب “وود ماكنزي Wood Mackenzie” الذي استعانت به وزارة البترول والثروة المعدنية بحكومة الانقلاب، وهي مجموعة عالمية مقرها “إدنبره” بالمملكة المتحدة البريطانية، متخصصة في أبحاث واستشارات الطاقة، والمعادن والتعدين. وتشتهر دولياً بتوريد البيانات الشاملة، التحليل الكتابي، والتوصيات الاستشارية. واستحوذت الشركة في 2015، على ڤرسيك أناليتيكس، شركة التحليلات وتقييم المخاطر الأمريكية، في صفقة بلغت قيمتها 2.8 بليون دولار. وبحسب تصريحات ريكاردو مونتو التو Ricardo monte alto الرئيس التنفيذي والمتحدث الرسمي لمكتب وود ماكينزى wood mackenzie في نوفمبر 2018م، فإن الإستراتيجية التي تم وضعها لتطوير قطاع التعدين تقوم على مرحلتين: المرحلة الأولى، تتضمن وضع التصور العام وتقييم التحديات والفرص التعدينية والتصورات الحلول للمشاكل التي تواجه قطاع التعدين، وهذه تم الانتهاء منها. المرحلة الثانية، للإستراتيجية والتي يطلق عليها المرحلة التنفيذية تستغرق ما بين عام والعام والنصف وهى الإستراتيجية التي جرى تنفيذها وإعدادها مع شركة انبي المصرية. وتستهدف الخطة تحقيق استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة مليار دولار في العام الأول لتنفيذها، على أن تصل إلى 10 مليارات دولار على مراحل بعد تطبيق إستراتيجية التعدين الجديدة. وبحسب وزير البترول، فإن مجال التعدين في الدول الكبرى يسهم بنسبة 10% من الدخل القومي، في حين أن نسبة مساهمة المحاجر والمناجم في الدخل القومي المصري ضئيلة للغاية، ولا تتعدى 850 مليون جنيه سنوياً، لافتاً إلى أن العائد من المناجم يصل إلى 2.5 مليار جنيه سنوياً، رغم أنها من الصناعات الجاذبة للاستثمار، والتي تستوعب الأيدي العاملة. وتستهدف خطة الوزارة وضع خطة ترويجية وإعلامية تشجيعاً للاستثمار الخارجي، مدعياً أنه في حال تطبيق هذه الخطة سيكون المستهدف من العوائد أن تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2030، مع توفير أكثر من 110 آلاف فرصة عمل.([3]) لكن الوزير تراجع عن هذه المستهدفات الحالمة ليجعل الرقم المستهدف 7 مليارات دولار فقط بدلا من 20 مليارا؛ وهو عين ما جرى قبل حفر تفريعة قناة السويس التي ادعت الحكومة أنها سوف تدر 100 مليار دولار ثم تراجعت عن الرقم إلى “13.7” مليارا؛ لكن الإيرادات على العكس تراجعت بعد التفريعة المشئومة عما كان قبلها. مخاوف مشروعة أولا، في تأكيد على نزوع النظام نحو تعزيز النفوذ الأجنبي في الاقتصاد المصري، التقى المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية بحكومة الانقلاب في ديسمبر 2019م، جيريمى كروزييه رئيس شركة «برينسيبال فيرف إنترناشيونال» البريطانية، وبراين رود المدير التنفيذى لشركة «كابيتال دريلينج». وهما شركتان لهما باع طويل يمتد لحوالي 30 سنة في مجال استكشاف المعادن وصناعة التعدين فى دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا وأستراليا.([4]) وأبدى مديرا الشركتين اهتماما كبيرا بالاستثمار في مجال التنقيب عن الذهب في صحراء مصر الشرقية. وفي 2 مارس 2020م، بدأ وزير البترول والثروة المعدنية مشاركته في المؤتمر الدولى للتعدين PDAC الذي انعقد في تورنتو بكندا في إطار الترويج للفرص الاستثمارية في قطاع التعدين المصري، والترويج للمزايدة العالمية الأولى لعام 2020 للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة في عدة قطاعات بالصحراء الشرقية على مساحة حوالى 170 ألف كيلو متر مربع.([5]) ثانيا، التعديلات تقر عمليات التحول إلى “الإتاوة والضرائب والتأجير” بدلا من نظام اقتسام الإنتاج والأرباح، وتقليص مدة التراخيص التي تستغرق أكثر من عام، وإعادة النظر في تحديد مساحات معينة أمام المستثمر للنشاط التعديني، وطرح مساحات دون سقف معين. وهي تعديلات جاءت بضغوط هائلة من الشركات العالمية وحيتان القطاع الخاص؛ حيث كانت شركات التعدين الخاصة والدولية تشكو باستمرار ومنذ فترة طويلة من أن…