مستقبل مجهول لانتخابات المحليات يفرضه الغضب الشعبي من الغلاء ومصالح اللواءات
مستقبل مجهول لانتخابات المحليات يفرضه الغضب الشعبي من الغلاء ومصالح اللواءات في الوقت الذي تتلهف فيه الأحزاب الموالية للنظام العسكري في مصر على إجراء انتخابات المحليات، تعكس التصريحات الصادرة من البرلمان ولجنة الإدارة المحلية تناقضا يكشف عن حالة من الغموض حول مستقبل هذه الانتخابات؛ هذه التصريحات تراوحت بين التأكيد على أن قانون هذه الانتخابات ينتظر الضوء الأخضر لإجرائها إما أواخر العام الجاري 2018 أو في النصف الأول من العام المقبل 2019، وأخرى تستبعد إقرار القانون خلال دورة الانعقاد الجاري وسط أنباء من مصادر مطلعة بالنظام تؤكد وجود صراع أجهزة حول الإجراء والتأجيل أو حتى استبعاد إجرائها في ظل ولاية السيسي الثانية لتباينات في وجهات النظر داخل مؤسسات وأجهزة النظام الأمنية والمخابراتية. ومنذ 10 سنوات لم يتم إجراء انتخابات محليات في مصر، والتي أجريت آخر مرة في 2008 في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، في ذلك العام شُكلت آخر مجالس محلية منتخبة في مصر، واستحوذ عليها آنذاك "الحزب الوطني" الحاكم (تم حله عقب ثورة 2011) بواقع 90 بالمئة، حصد 70 بالمئة منها بالتزكية. ومثل نسبة الـ 10 بالمئة الأخرى مستقلون وأحزاب سياسية، منها "الوفد" (ليبرالي)، و"التجمع" (يساري)، عبر تفاهمات مع الحزب الحاكم. وفي 2011، صدر حكم قضائي بحل تلك المجالس، ومنذ ذلك الحين تعاني المحافظات حالة فراغ في ما يتعلق بالجوانب الرقابية وتنفيذ خطط التنمية. ورغم اعتراف الجنرال في إبريل 2016، خلال كلمته في منتدى تأهيل الشباب للقيادة، بأن "المحليات مليئة بالفساد"، موجهاً بسرعة إجراء الانتخابات المحلية قبل انتهاء العام 2016، وهو ما تجدد في مناسبات عدة خلال 2017 و2018، وكرره رئيس الحكومة السابق، شريف إسماعيل، ورئيس البرلمان بدوره، دون أن يخرج القانون إلى النور. وكان المتحدث باسم البرلمان، صلاح حسب الله، قد صرح بأن مصر ستجري أول انتخابات للمجالس المحلية منذ 10 سنوات خلال النصف الأول من العام 2019، زاعماً حرص البرلمان على إقرار قانون الإدارة المحلية خلال دور الانعقاد المنقضي، وسبقه في ذلك رئيس الوزراء بالقول أمام البرلمان، في مارس 2016، إن الانتخابات المحلية ستجرى في الربع الأول من العام 2017. ورغم هذه الوعود المتكررة منذ 2016 من الحكومة ورئاسة الانقلاب بإجرائها، إلا أن التلكؤ والمماطلة يسيطران على توجهات نظام 30 يونيو العسكري، الذي يبدو أنه لا يرحب بانتخابات المحليات في ظل نصوص الدستور الحالي التي تمنح للمحليات صلاحيات واسعة وتتبنى فلسفة اللامركزية بينما رأس النظام يعتمد على المركزية المطلقة في كل شيء؛ وهو ما يفسر هذه المماطلة وذلك التلكؤ. إلحاح الأحزاب الأحزاب[1] من جانبها تلح على ضرورة إجراء المحليات التي تأخرت كثيرا، مطالبين بسرعة صدور قانون الإدارة المحلية، وأعرب مسئولون كبار بأحزاب الوفد ومستقبل وطن والمؤتمر والتجمع عن دعمهم لهذه المطالب مبرهنين على صحة مطالبهم بالأسباب الآتية: أولا، أعضاء المجالس المحلية الشعبية حسب الصلاحيات التي أقرها لهم الدستور سيكون لهم دور كبير في مواجهة الفساد وتطوير المدن والقرى. ثانيا، الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية تساهم بشكل كبير في الحفاظ على الخدمات والمنشآت ومصالح المواطنين في المحافظات والمدن والقرى. ثالثا، الدولة في حاجة لجيل جديد من أعضاء المحليات يعرفون أهمية الصلاحيات الجديدة لأعضاء المجالس المحلية في الدستور وكيف يستخدمونها ويكونوا نظيفي اليد وعلى درجة كبيرة من الوعي والنشاط والحماس لإنجاز مهامهم. رابعا، الدستور أعطى لعضو المحليات صلاحيات كثيرة من ضمنها حقه في الاستجواب وطرح الثقة بالمسؤولين في المحافظة، وهو ما لم يكن متوافرا من قبل،وستجعل دور أعضاء المجالس المحلية فعالا ومؤثرا. إضافة إلى أن كثيرا من المشروعات في المحليات والخدمات متأخرة بسبب غياب المجالس الرقابية المحلية. خامسا، تأخر الانتخابات المحلية جعل أعضاء مجلس النواب يقومون بالدور الخدمي لأعضاء المجالس المحلية، وإجراء المحليات سيقلل الحمل عن النواب وسيجعلهم أكثر تركيزا على التشريع والرقابة. لكن حزب المصريين الأحرار[2]، كان له رأي مخالف، حيث رفض ما أسماه بالتعجل في إصدار القانون الذي يناقش حاليا في لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، وقدم لتفسير موقفه عدة ملاحظات: أولها أن المواد الدستورية المتعلقة بالمحليات معيبة، وقانون الإدارة المحلية الذي جرى مناقشته في البرلمان مخالف للدستور وبه مشكلات كثيرة، داعيا مجلس النواب بالتروي وتعديل هذا القانون الذي وصفه بالباطل. ثانيها، أن التقسيم الإداري للدولة لم يصدر حتى الآن وهو الأمر الذي سيمثل أزمة في حال صدور قانون المحليات قبل إصداره، إذ كيف سنصدر قانون للمحليات على تقسيم إداري قديم لن يتوافق مع التقسيم المحلي الجديد الذي أشار إليه قانون الإدارة المحلية. واشترط الحزب على من يترشح للمحليات بناء على الصلاحيات الواسعة الجديدة أن يحصل المترشح على دورة تدريبية يتعلم خلالها صلاحيات عضو المجالس المحلية المنتخبة. ولم تقف الأحزاب عند مستوى المطالبة بإصدار قانون الانتخابات، بل راحت خلال يوليو الجاري 2018 تعقد اجتماعات من أجل تشكيل تحالفات وترتيبات، فالوفد يبحث التحالف مع أحزاب أخرى لأن المحليات كبيرة على أي حزب بمفرده رافضا فكرة الدمج وأن الوفد أكبر من أن يندمج أو يدمج مع حزب آخر، بينما يؤكد "مستقبل وطن" قدرته على خوض المحليات بمفرده في ظل بدء الحزب افتتاح عدة مقار كبيرة بالمحافظات، بينما يترقب حزب الكرامة صدور القانون حتى يقرر موقفه، ويبحث التجمع التحالف والتنسيق مع أحزاب المؤتمر وحماة وطن[3]. الحلقة الضعيفة البرلمان من جانبه، وهو أحد الحلقات الضعيفة في المنظومة الحاكمة يبدو واقعا في دائرة الغموض؛ لأنه كيان هش بلا شخصية وغير مؤثر في صناعة القرار ويترقب أن تأتيه الأوامر العليا من الأجهزة، يدلل على ذلك تصريحات علي عبدالعال، رئيس البرلمان في مايو الماضي 2018، والتي وعد فيها بتمرير قانون الإدارة المحلية قريبا، وإجراء انتخابات المحليات قبل نهاية العام الجاري 2018م[4]، وهو ما ثبت أنه غير صحيح. كذلك تصريحات أحمد السجينى، رئيس لجنة الإدارة المحلية في 16 يوليو الجاري، والذي يؤكد أن البرلمان انتهى من مشروع قانون الإدارة المحلية منذ أكثر من عام ، موضحا أنه يحتوي على 157 مادة، به شق سياسى يتمثل فى مشاركة الأحزاب والمواطنين فى الانتخابات المحلية، وشق مالى يتمثل فى أهمية الانتقال للامركزية المالية، وإعداد موازنات مستقلة على مستوى الوحدات المحلية وفقًا لنص الدستور، وهناك شق إدارى يتمثل فى الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرؤساء الوحدات المحلية بدءًا من رئيس القرية وحتى المحافظ. واعتبر أنه من باب الرشد في الإدارة أن يصدر البرلمان القانون ومعه موافقه جميع القطاعات المعنية، معربًا عن أمله فى أن يرى القانون النور قريبًا[5]. وهي التصريحات التي تكشف أولا أن مشروع القانون جاهز منذ أكثر من سنة، وثانيا أن رئيس اللجنة لا يعرف بالضبط متى يتم مناقشة مشروع القانون، وثالثا، تبرز مناشدته لجهات غير معلومة بضرورة إقرار مشروع القانون بموافقة هذه الجهات واعتبر ذلك من باب الرشد في الإدارة ما يعني أنه يرى حالة التلكؤ الحالية غير رشيدة ولا عاقلة. لكن رئيس لجنة الإدارة المحلية…