كلها دوافع سياسية.. «4» أسباب وراء الحملة المنظمة ضد فيلم "ريش"

كلها دوافع سياسية.. «4» أسباب وراء الحملة المنظمة ضد فيلم “ريش”

  يتعرض فيلم “ريش” الذي عرض في مهرجان الجونة السينمائي لحملة منظمة من جانب المواقع المؤيدة للنظام العسكري، وذلك في اعقاب انسحاب عدد من الممثلين (منهم شريف منير وأحمد رزق وأشرف عبد الباقي، ويسرا والمخرجة إيناس الدغيدي والمخرج عمر عبد العزيز) وكلهم معرفون بولائهم المطلق لنظام الدكتاتور عبد الفتاح السيسي أثناء العرض الأول للفيلم في الشرق الأوسط، ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الخامسة من مهرجان الجونة السينمائي، مبررين ذلك بأن الفيلم يسيء إلى سمعة مصر. في أعقاب هذا الانسحاب تصاعدت حدة الحملة ضد الفيلم حتى إن المواقع التي يشرف عليها جهاز المخابرات (اليوم السابع ــ مبتدأ ــ الوطن ــ الدستور)  قامت بحذف الأخبار والتقارير وكل تغطيتها الاحتفائية السابقة عن الفيلم وأبطاله ومخرجه وقت فوزه بجائزتي مهرجان «كان»، من على مواقعها الإلكترونية،  حيث فاز الفيلم  بجائزتي مسابقة أسبوع النقاد ولجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما، في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، يوليو الماضي. وهو بذلك أول فيلم مصري يحظى بمثل هذه الجائزة من مهرجان سينمائي كبير له سمعة دولية واسعة. اللافت في الأمر أن هذه الحملة المنظمة ضد الفيلم جاءت رغم تكريم وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم لصناع الفيلم في شهر أغسطس الماضي. بعد فوزه بجائزة مسابقة أسبوع النقاد في الدورة الـ74 من مهرجان «كان». من جهة ثانية، يؤكد محمد حفظي ــ منتج الفيلم ــ أنه لم يتم صناعة الفيلم خارج منظومة الدولة، بل حصل على الموافقات اللازمة، كما أجازته «الرقابة» قبل مشاركته فى المهرجانات، فضلا عن تكريمه من الدولة ممثلة فى وزيرة الثقافة.  وانتقد أحمد موسى، عبر برنامجه «على مسئوليتي»، تكريم وزيرة الثقافة، للفيلم وصناعه، لا سيما وأن الوزيرة صرحت أن  الفوز بالجائزة يعد إنجازًا تاريخيًا باعتباره أول فيلم مصري يحصل على تلك الجائزة. واتهم نشأت الديهي ــ عبر برنامجه «بالورقة والقلم» ـ  صنّاع الفيلم بنفس الاتهام: «تشويه سمعة مصر» داعيًا صناع الفيلم لعدم عودة السينما السوداء. وردًا على حصول الفيلم على جوائز عالمية، قال الديهي «بيحتفوا في ‘كان’ بأي حاجة تشتم مصر». الحملة الإعلامية المنظمة دفعت القائمين على مهرجان الجونة السينمائي (يموله رجل الأعمال المثير للجدل  نجيب ساويرس) إلى إصدار بيان رسمي تعليقًا على الأحداث، قالوا فيه إن اختيار فيلم «ريش» جاء متسقًا مع معايير اختيار الأفلام في المهرجان، بناء على ما حققه من نجاحات، سواء حصوله على الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولي في «كان»، كأول فيلم مصري يحصل على مثل تلك الجائزة، وكذلك الجائزة الكبرى لمهرجان «بينجياو» في الصين، كما تم اختياره ليُعرض في أيام «قرطاج» السينمائية في دورتها القادمة، كما قامت وزارة الثقافة المصرية بتكريم الفيلم وفريق عمله في فعالية أقيمت قبل بدء مهرجان الجونة السينمائي. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وتحول الملف إلى ساحات القضاء في أعقاب تقديم المحامي المقرب من الأجهزة  الأمنية سمير صبري بلاغا للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد مخرج وسيناريست ومنتج الفيلم بدعوى الإساءة للدولة المصرية. كما تقدم  النائب أحمد مهني، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة لرئيس البرلمان المستشار حنفي جبالي، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزيرة الثقافة، بشأن عرض فيلم «ريش» الذي اتهمه بـ«الإساءة إلى مصر». معتبراً إياه «لا يقدم الصورة الحقيقية لمصر، ويساعد على تشويه الصورة الداخلية لمصر عالمياً». وطالب البرلماني المصري بـ«ضرورة محاسبة من تسبب في إخراج هذا الفيلم».[[1]] ويناقش فيلم «ريش» قصة أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأياماً تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه، وذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثاً عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرات قاسية. لكن اللافت في موقف الممثلين الذين انسحبوا من الفيلم أنه موقف سياسي لاعلاقة لها بالناحية الفنية؛ معنى ذلك أنه يتم الحكم على العمل سياسيا لا فنيا؛ لأنه على  المستوى الفني قد حاز على جائزتين عالميتين. وقد برهن شريف منيري على ذلك في مداخلاته التلفزيونية حيث أكد أنه يتبنى وجهة النظر المعارضة للفيلم، مدعيا أن غيرته على مصر هى التى حركته، مشيرا إلى أننا فى جمهورية جديدة، ومبادرات حياة كريمة، وتكافل وكرامة، والأسمرات، تحارب بها الدولة الفقر، وبالتالى الصورة التى كانت تظهر فى فيلم مثل «حين ميسرة»، لابد أن تبعد العين عنها. لأنه يصدر صورة سلبية عن مصر. مبديا اندهاشه من حصول الفيلم على هذه الجوائز العالمية. الغريب في الأمر أن شريف منير ــ عبر صفحته بموقع فيسبوك ــ ادعى أنه لم يغادر مهرجان الجونة بسبب تحفظه على فيلم «ريش»، ولكن لأن هذا الميعاد كان متفقا عليه مسبقا مع إدارة المهرجان، رغم أن كل مداخلاته التلفزيونية تؤكد أن السبب هو الموقف السياسي من الفيلم.[[2]] من جانبه رفض منتج الفيلم محمد حفظى، تحميله أى بعد سياسى، مؤكدا أن المخرج عمر الزهيرى تناول قضية إنسانية، لسيدة تعانى من القهر، وبالتالى ليس من الطبيعى أن تكون مكافأته الجلوس فى غرفته قلقا ومكتئبا وكأنه ارتكب جريمة، بدلا من تكريمه عن الإنجاز الذى حققه، ليس فقط فى مهرجان كان، حتى لا يقال بأنها جائزة مسيسة من الغرب، فقد حصل بالتوازى مع هذه الأزمة المفتعلة على جائزة كبرى من مهرجان بالصين. نقد لمواقف السلطة واستنكر قطاع كبير من المتابعين والنقاد، اتهام بعض الفنانين والسياسيين صناع الفيلم، بـ«الإساءة لمصر والمصريين»، مشيرين إلى أن توجيه هذه الاتهامات للأعمال الفنية يعد نوعاً من الإساءة، وطالبوا بمواجهة الفن بالفن، وإتاحة الفرصة للمخرجين المستقلين للتعبير عن أفكارهم بحرية تامة. ويرى الناقد الفني خالد محمود، الذي شارك في مهرجان الجونة، أن حالة الغضب والضجة التي افتعلها بعض الفنانين والسياسيين بعد عرض فيلم (ريش) ليست في محلها وغير مستحقة تماماً، ولا سيما أن الفيلم يناقش قضية إنسانية بوجهة نظر مخرجه وبشكل معمق، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من منتقديه بالقاهرة لم يشاهدوا الفيلم. ويرى أن «أفلام المخرجين المستقلين تحمل طابعاً إنسانياً واجتماعياً عميقاً، لأن إنتاجها يكون ضعيفاً جداً، عكس الأفلام التجارية التي تحقق أرباحاً في دور العرض»، مشيراً إلى «أهمية ترك الفرصة أمام الجمهور للحكم عليها بمفرده». ويصف الناقد الفني طارق الشناوي اتهام الفيلم والقائمين عليه بالإساءة لسمعة مصر بــ «سلاح فشنك»، وذلك في مقال له بصحيفة المصري اليوم بعنوان «سمعة مصر.. سلاح فشنك»!!  مطالبا بتكريم القائمين على الفيلم لحصوله على جائزتين عالميتين وقال الشناوي: “كنت أنتظر أن نقول مبروك لمصر على الإنجاز التاريخى، ومبروك ميلاد آخر عناقيد المبدعين عمر الزهيرى، بدلا من استخدام هذا السلاح (الفشنك) سمعة مصر”.[[3]] وقال المخرج كريم الشناوي في…

تابع القراءة

العالم العربي بين فشل الدولة وأزمة الديمقراطية

مشهد ثوري: اندلاع الثورات الشعبية في تونس، ثم في مصر، ثم في سوريا واليمن. كانت ثورات شعبية عفوية في المقام الاول؛ وليست ثورات من ترتيب طليعة ثورية على غرار الثورة الروسية مثلا. بالتالي لحقت النخب السياسية بالثورة في وقت لاحق، حتى المجموعات الشبابية التي كانت بمثابة مؤشر على السخط المتزايد بين الناس كانوا في معظمهم غير محسوبين على القوى السياسية القائمة، ومن كان منهم صاحب انتماء سياسي وحزبي كانت تحركاته مرفوضة من قبل قياداته. مشهد انتقالي: بعد نجاح الثورات في تنحية رؤوس النظم التي خرجوا عليها، تم الإعلان عن انتخابات مبكرة، أو مرحلة حكم انتقالي طويلة نسبياً يتقاسم خلالها الثوار وممثلين من جهاز الدولة “عسكريين” السلطة استعداداً وتجهيزاً للانتخابات التي تقود إلى تسليم تقاليد السلطة لحكومة منتخبة ممثلة للشعب الذي خرج في الثورة (في الحالة المصرية انتخابات مبكرة، في الحالة السودانية مرحلة انتقالية طويلة تمهيداً لنقل السلطة). خلال هذه المرحلة يفشل تحالف قوى الحكم في معالجة القضايا الاقتصادية والمعيشية الأشد إلحاحاً؛ فيفقدون دعم الشارع/ الشعب، ويفقد الشارع إيمانه بقدرة الثورة على تحقيق التغيير المرجو، خاصة مع ظهور انقسامات وخلافات واضحة واستقطابات حادة داخل القوى الحاكمة، وهي إما محسوبة كلها على الثورة، وإما جزء منها محسوب على الثورة والجزء الآخر محسوب على جهاز الدولة. مشهد انقلابي: مع الاستقطاب الحاد والانقسام بين القوى السياسية المحسوبة على الثورة، وتقديم المصلحة الحزبية على المصلحة العامة، ومع الفشل في معالجة القضايا الأشد إلحاحاً المتعلقة بالاقتصاد والأوضاع المعيشية للناس وما تسفر عنه عادة من تفجر الاحتجاجات الفئوية/ المطلبية، كل ذلك يعطي الضوء الأخضر لتحرك العسكريين ضد الثورات، مستفيدين من إحباط الشارع وفقدانه الإيمان بقدرة الثورات على تحقيق الإصلاح. هذا التشابه الكبير الذي يكاد يصل حد التطابق بين التجارب الربيع العربي يقود إلى عدة استنتاجات، وهي استنتاجات أولية تحتاج إلى التحقق من درجة صدقها، وهي: أن الانقلابات سبقها فشل واضح للقوى السياسية المحسوبة على الثورة والتي أدارت المراحل الانتقالية في هذه الدول؛ حيث اتسم أدائها بالارتجالية والارتباك، وغلبت مصالحها الخاصة على المصلحة العامة، واستدرجتها الاستقطابات والمناكفات، وانكشف عجزها أمام الشارع وبدا للعيان أنها لا تمتلك رؤية حقيقة للتغيير، وغيرها كثير من ملامح الفشل والضعف التي ظهرت خلال المراحل الانتقالية. انتهاء المشهد الثوري بانقلابات عسكرية سافرة، أو انقلابات مدعومة أو مسكوت عنها من العسكريين كان يعني حلول العنف مكان السياسة والاكراه محل الحوار والتفاوض، وهو يحيل إلى نتيجتين؛ الأولى: أن الدولة نفسها ممثلة في المؤسسات العسكرية هي التي أجهضت الحراك ومحاولات التغيير، مستفيدة من تعثر هذه المحاولات وارتباك القوى المحسوبة على الثورة التي تقود هذه المحاولات للتغيير، وتستفيد الدولة من يأس الشارع من قدرة الثورة على التغيير، خاصة مع ما رافق المراحل الانتقالية من زيادة في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. الثاني: أن النخب العسكرية لا تؤمن حقيقة بالحوار والتفاوض وتقاسم السلطة والطرق السلمية في معالجة الخلافات، ومع تغير ميزان القوى لصالحها؛ جراء انفضاض الشارع من حول النخبة السياسية الممثلة للثورة بعد فشل الأخيرة في إدارة المرحلة الانتقالية، تنكص النخب العسكرية عن سلميتها وتلجأ للعنف في حسم المشهد لصالحها. الغريب في الأمر أن الدولة التي تنقض على مشهد الانتقال الديمقراطي وتجهضه، مستفيدة في ذلك السخط الشعبي الناجم عن تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، هي نفسها المسئولة عن هذا التردي في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ابتداءاً، ومسئوليتها تلك هي التي قادت الجماهير للخروج عليها مطالبين بالتغيير.. أن ثورات الربيع العربي كشفت أمرين؛ الأول: فشل وضعف وعدم جاهزية قوى المعارضة -وعلى رأسها قوى الإسلام السياسي- على إدارة دفة السلطة. الأمر الثاني: فشل الدولة في تلبية احتياجات الناس المعيشية الأساسية، هذا الفشل هو الذي قاد الشعوب للخروج على الدولة والثورة عليها ابتداءاً، وهذا الفشل هو الذي قاد الشعوب للتخلي عن النخب السياسية المحسوبة على الثورة -ويجوز القول النخب السياسية التي قفزت على الثورة واستفادت منها في الوصول للسلطة كانت ترى استحالة الوصول إليها بالاعتماد على جهودها الذاتية- في النهاية مع فشل هذه النخب في تحسين أوضاع الناس. بالتالي لم يعد الناس يثقون في قدرة المعارضة على تحقيق التغيير، ولم يعودوا يثقون في نزاهة العسكريين وفي ادعاءاتهم بالزهد في السلطة. والسؤال الختامي: هل الفشل هو فشل النخب السياسية والعسكرية؟ وفشلهم هذا هو الذي قاد المشهد العربي إلى هذا الوضع البائس؟ وهل الأزمة في المنطقة العربية أزمة ديمقراطية؟ أم أن الأزمة الحقيقية هي أزمة الدولة الوطنية الحديثة؛ التي فشلت في تلبية أبسط احتياجات شعوب المنطقة، وفي نفس الوقت تقف عائق أمام أية محاولة حقيقية للتغيير مستفيدة في ذلك من تمتعها بالسيادة المطلقة على الأرض والبشر، ومن احتكارها المطلق للعنف؟

تابع القراءة
انقلاب جديد في السودان: الأحداث والمواقف والدلالات

انقلاب جديد في السودان: الأحداث والمواقف والدلالات

يعيش السودان حالة من التوتر منذ أن أفسحت محاولة انقلاب فاشلة الشهر الماضي المجال لتبادل حاد للاتهامات بين الطرفين العسكري والمدني اللذين يفترض تقاسمهما للسلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019 بعد احتجاجات في الشوارع استمرت لشهور. وتُوجت تلك الحالة من التوتر بمحاولة انقلابية جديدة صباح اليوم الاثنين 25 أكتوبر، نتج عنها اعتقال حمدوك ومجموعة من قيادات الحكومة والمجلس السيادي السوداني، وسط إدانات داخلية وخارجية. فماذا حدث؟ وما هي المواقف الداخلية والخارجية منه؟ وكيف يُمكن قراءة دلالاته؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها سريعًا خلال السطور القليلة القادمة.. ماذا حدث؟ اعتقل الجيش السوداني، صباح اليوم الاثنين 25 أكتوبر، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم أعضاء حكومته والعديد من المسؤولين والعاملين بقطاع الإعلام، وسط الحديث عن انقلاب عسكري يجري تنفيذه. وقالت وزارة الإعلام والثقافة -في صفحتها على فيسبوك- إن رئيس الوزراء اقتيد إلى مكان مجهول بعد رفضه إصدار بيان مؤيد للانقلاب. ونقلت عن حمدوك دعوته السودانيين -في رسالة من مقر إقامته الجبرية- إلى التمسك بالسلمية واحتلال الشوارع للدفاع عن ثورتهم. ومن جانبها قالت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي أن أي انقلاب مرفوض وسنقاومه بكافة الوسائل المدنية. وأضافت المهدي أن احتجاز رئيس الوزراء في جهة غير معلومة أمر خطير وغير مقبول. وذكرت أنه لا توجد أي اتصالات بين وزراء الحكومة بسبب انقطاع وسائل التواصل المباشرة، وإغلاق الجسور. وقالت الوزيرة أيضًا إن وزراء الحكومة غير المعتقلين سيجدون طريقة للتواصل، وترتيب الأمور خلال الساعات القادمة. وفي وقت سابق، كانت وزارة الثقافة والإعلام قد أعلنت أن “قوى عسكرية” اعتقلت “أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمدنيين من أعضاء مجلس السيادة”. وقالت “الثقافة” إن ما حدث انقلاب عسكري متكامل الأركان، ودعت الجماهير لقطع الطريق على التحرك العسكري. ونقلت أن “قوات عسكرية مشتركة تقتحم مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان وتحتجز عددا من العاملين”. كما انقطع بث عدد من الإذاعات السودانية بينها الإذاعة الرسمية على موجات “إف إم”، وتم قطع شبكة الإنترنت كذلك. كما تحدثت مصادر إعلامية عن تعزيزات عسكرية في محيط مطار الخرطوم الدولي، ونقلت بعض وسائل الإعلام أنه تم إغلاق المطار. وأعلن اتحاد الطيارين السودانيين الإضراب العام والعصيان المدني، والخروج للشوارع ردًا على “الانقلاب العسكري”.[1] المواقف الداخلية والخارجية من الانقلاب: على المستوى الداخلي؛ قام محتجون بقطع بعض الطرق في العاصمة وأضرموا النار احتجاجًا على الاعتقالات. ومن جانبها، أعلنت نقابة الأطباء الإضراب العام في المستشفيات باستثناء الحالات الطارئة، وقررت الانسحاب من المستشفيات العسكرية، وطالبت القطاعات المهنية بالنزول إلى الشارع. كما أعلن تجمع المصرفيين أن موظفي القطاع دخلوا في إضراب وعصيان مدني مفتوح احتجاجًا على الاعتقالات. من جهته، قال تجمع المهنيين إن هناك أنباء عن تحرك عسكري يهدف “للاستيلاء على السلطة” ودعا جماهير الشعب إلى الاستعداد لمقاومة أي انقلاب عسكري. وأضاف التجمع في بيان “نتوجه بندائنا لجماهير الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى والفرقان، للخروج إلى الشوارع واحتلالها تماما، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري، بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه”. وتابع البيان “نهيب بلجان المقاومة والقوى الثورية المهنية والنقابية والسياسية والمطلبية والشعبية الاستعداد وتفعيل أدوات الاتصال والتنسيق والتشبيك الأرضي المجربة”. ومن ناحيته، قال حزب الأمة القومي “ندين -بأقوى العبارات- الاعتقالات والانقلابات، وهي تشكل انتهاكًا للوثيقة الدستورية”.[2] أما على المستوى الخارجي؛ ففي رد فعل دولي على الانقلاب؛ دعا الاتحاد الأوروبي إلى إعادة العملية الانتقالية في السودان لمسارها الصحيح. وأعرب جوزيب بوريل مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، عبر حسابه على موقع تويتر، عن بالغ القلق إزاء التطورات في السودان. وكتب أن “الاتحاد الأوروبي يدعو جميع أصحاب المصلحة والشركاء الإقليميين إلى إعادة عملية الانتقال إلى مسارها الصحيح”. ومن جانبه قال المبعوث الأمريكي الخاص جيفري فيلتمان إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء أنباء سيطرة الجيش على الحكومة الانتقالية في السودان. وحذر فيلتمان عبر حساب مكتب الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية الرسمي على تويتر من أن سيطرة الجيش تتعارض مع الإعلان الدستوري السوداني وتهدد المساعدات الأمريكية للبلاد. وقال فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان إن المنظمة الدولية تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن انقلاب في السودان اليوم الاثنين ومحاولات تقويض عملية الانتقال السياسي. وأضاف :”الاعتقالات التي تردد أنها طالت رئيس الوزراء والمسؤولين الحكوميين والسياسيين غير مقبولة”. وقال :”أدعو قوات الأمن إلى الإفراج الفوري عن الذين تم اعتقالهم بشكل غير قانوني أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية. وتقع على عاتق هذه القوات مسؤولية ضمان أمن وسلامة الأشخاص المحتجزين لديها”. وعربيًا أعرب أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن بالغ القلق إزاء تطورات الأوضاع في السودان، مطالبًا جميع الأطراف السودانية بالتقيد الكامل بالوثيقة الدستورية. ونقل بيان، نُشر على موقع الجامعة، عن مصدر مسؤول بالأمانة العامة القول إنه “لا توجد مشكلات لا يمكن حلها بدون الحوار، ومن المهم احترام جميع المقررات والاتفاقات التي تم التوافق عليها بشأن الفترة الانتقالية وصولا إلى عقد الانتخابات في مواعيدها المقررة”. وحث المسؤول على “الامتناع عن أية إجراءات من شأنها تعطيل الفترة الانتقالية أو هز الاستقرار في السودان”.[3] دلالات الانقلاب السوداني الجديد: تأتي هذه التطورات المتسارعة بعد ساعات من الإعلان عن تقديم الولايات المتحدة مقترحات، لحل الأزمة السياسية الراهنة، تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بدراستها مع رئيس مجلس الوزراء. حيث عقد المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان سلسلة لقاءات مع قادة المرحلة الانتقالية خلال اليومين الماضيين، أكد فيها أن الدعم الأميركي يعتمد على التزام السودان بالنظام الانتقالي المتفق عليه بالإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام. وخلال الأسابيع الماضية، تصاعد التوتر بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، إثر انتقادات وجهتها القيادات العسكرية للقوى السياسية على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر الماضي، والخلاف بشأن ترتيبات تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفقًا للوثيقة الدستورية. ويأتي ذلك في ظل تعقُّد الوضع في الداخل السوداني والخارج الإقليمي؛ فمن ناحية تمر السودان بأزمات اقتصادية طاحنة، ومن ناحية أخرى تصاعد الصراعات في الأقاليم المختلفة أبرزها الآن شرق السودان، ومن ناحية ثالثة تصاعد الخلاف المدني العسكري داخل المجلس السيادي، ومن ناحية رابعة الأزمات الحدودية. كل هذا بالتزامن مع حالة التوتر التي تعم الأقاليم الإفريقية المختلفة، ويبدو أن عدوى الانقلابات قد انتقلت إلى الإقليم الشرقي مُتمثِّل في السودان؛ فبعد سلسلة الانقلابات في مالي وغينيا وتشاد وحتى تونس التي شهدت انقلابًا ناعمًا على الدستور من رئيسها قيس سعيد؛ جعل كل هذا الوضع في الداخل السوداني مشجعًا لانقلاب جديد لم تتضح ملامحه حتى الآن، لكنه يُعد بادرة لتمزقات وتفككات جديدة قد تشهدها الحالة السودانية في الفترة القادمة، تدعمها أطراف وقوى إقليمية ودولية صاحبة مصالح في السودان. لكن المُلاحظ أيضًا رد الفعل الشعبي السريع وغير المنظم والقوي للشارع السوداني، الذي تمثَّل في النزول للشارع مع العصيان المدني للعديد من مؤسسات الدولة، لرفض الانقلاب العسكري. فهل…

تابع القراءة
الخلاف المدني العسكري في السودان

الخلاف المدني العسكري في السودان

ينفجر الخلاف بين المكونين المدني والعسكري الذين يشتركان في حكم السودان شيئًا فشيئًا، مع تصريحات من كل طرف تُحمّل الآخر مسؤولية الفشل في إدارة الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد بعد ثورة أطاحت بحكم عمر البشير الذي طال ثلاثين عامًا. وكان قد توصَّل العسكريون والمدنيون الذين قادوا الحركة الاحتجاجية في أبريل 2019 ضد الرئيس السابق، عمر البشير، إلى اتفاق تاريخي في أغسطس 2019 ينص على انتقال تدريجي للسلطة إلى المدنيين. ولكن في الأشهر الأخيرة، تدهورت العلاقات بين الحكومة التي يديرها مدنيون، وبين العسكريين. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة، التي أعلنت عنها السلطات السودانية، يوم الثلاثاء 21 سبتمبر، اتجهت الأمور إلى مزيد من التأزم في العلاقة بين المكونين المدني والعسكري، لمجلس الحكم السيادي، الذي يدير شؤون البلاد منذ أغسطس 2019، في إطار مرحلة إنتقالية، يفترض أن تفضي إلى حكم مدني، بعد انتخابات مرتقبة في البلاد، مطلع العام 2024. فما هي أسباب الخلاف؟ وما الذي أدى إلى تفجير الأزمة؟ وماذا كانت ردود الفعل في الداخل والخارج؟ وكيف يُمكن أن يؤثر ذلك على انتقال السلطة للمدنيين؟ تلك ي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها.. أسباب الخلاف: يعود الخلاف بين المكونين المدني والعسكري يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ السبب الأول يتعلق باللجنة الأمنية والمكون العسكري حيث أنه مسؤول عن إجهاض الثورة ويعمل على إعاقة استكمال متطلبات الثورة، فضلًا عن مسؤولية الجيش عن مجزرة فض الاعتصام وعدم إنفاذ القوانين وعدم هيكلة القوات النظامية وتصفية النظام السابق حتى الآن. أما السبب الثاني في الخلاف فهو تغوُّل المجلس العسكري على صلاحيات المكون المدني، وعلى السلطة المدنية ومحاولة إضعافها وإظهار أنه المسيطر، كما حدث في مهمة السلام مع الحركات المسلحة، من المفترض أنها من اختصاص الحكومة المدنية، لكن المجلس العسكري تغول على مسألة السلام، وهم الذين وقعوا الاتفاقية حتى أن وجود رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في الاحتفالات كان تشريفيًا. ومؤخرًا أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إنشاء “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، وتم إعطائه صلاحيات موسعة وهذا غير موجود في الوثيقة الدستورية، كمحاولة لفرض مزيد من السلطات لصالح المكون العسكري. ورفضت الحكومة الانتقالية قرار البرهان مُعتبرةً أنه تخطى صلاحياته عبر إناطة صلاحيات موسعة بهيئة جديدة، بما يتناقض مع “الوثيقة الدستورية” الموقعة في أغسطس العام الماضي بين نشطاء مؤيدين للديمقراطية والقادة العسكريين. أما السبب الثالث في الخلاف بين المكونين المدني والعسكري، فيتعلق بالشركات المملكوكة للجيش الرافضة أن تؤول مكليتها لوزارة المالية، حيث 80% من واردات الدولة تذهب لصالح الجيش والمؤسسات الأمنية، في حين لا تحصل وزارة المالية إلا على 20% فقط. وتفيد تقارير إعلامية محلية أن لدى الجيش والأجهزة الأمنية 250 شركة تعمل في قطاعات حيوية مثل تصدير الذهب واللحوم واستيراد دقيق القمح إضافة إلى الزراعة. وهذه الشركات معفاة من الضرائب ولا تخضع للمراجعة ما يجعلها تعمل في سرية تامة في ظل معاناة البلاد من أزمة اقتصادية. تفجير الأزمة: كان الخلاف داخل قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الحالية برئاسة عبد الله حمدوك، بسبب مبادرة أطلقها حمدوك قبل شهرين للم شمل الفرقاء السياسيين وضم وتوحيد عمل القوى السياسية الحالية دون المواليين أو الحلفاء السابقيين للمؤتمر الوطني الإسلامي. حيث كانت محاولة لتوحيد القوى المدنية ووقف الانقسامات ومعوقات الانتقال. إلا أن مبادرة حمدوك تسببت في العديد من الانقسامات والخلافات بسبب تخوف بعض الأطراف السياسية. ما رأت فيه إضعافًا أو تهميشًا وإقصاءً لها من المشهد السياسي. وهو ما يأتي مشابهًا إلى حدًّ كبير مع كافة مبادرات السلام في السودان من اعتراض بعض الأطراف. مثل اتفاق جوبا للسلام الذي لا يزال محل خلاف مع الحركة الشعبية شمال وجناح عبد الواحد في دارفور. وتتسبب هذه الانقسامات والمشاكل المتراكمة داخل المكون المدني. في تأخر الخطوات الحاسمة في ملف قاطرة التغيير السياسية واستكمال مفاصل الدولة بخاصة انتخاب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية العليا. ما أعطى الفرصة للمكون العسكري لشن الهجوم والاعتراض على أداء المدنيين. متهمًا إياهم بتقويض التحول الديمقراطي لخدمة مصالح شخصية. فرغم أن الوثيقة الدستورية أعطت للحكومة بتشكيلها المدني برئاسة حمدوك السلطة في اتخاذ كافة القرارات والسياسات العامة والمصيرية، على أن يكون منصب البرهان في رئاسة المجلس السيادة مجرد منصب شرفي؛ إلا أن الفترة الماضية شهدت تدخل مجلس السيادة في التصديق على قرارات مصيريه سواء على المستوى الداخلي أو العلاقات الخارجية. وعزَّزت الاحتجاجات والتوتر الأمني في شرق السودان من إضعاف موقف الحكومة. حيث كانت مجموعات من قبيلة البجا بزعامة الأمين ترك، قد أغلقت الطرق الرئيسية التي تربط شرق السودان ببقية المدن حيث تم غلق الطريق الذي يربط بورتسودان ببقية أجزاء البلاد. وغلق ميناء بورتسودان وإغلاق السكك الحديدية بمحطة هيا وخطوط توريد البترول. وكانت من أبرز مطالب ثوار الشرق؛ إلغاء مسار شرق السودان المبرم في اتفاقية جوبا للسلام، وحل لجنة تفكيك الإخوان التي تحظى بسند شعبي ورسمي كبير، وحل الحكومة الحالية، وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية محدودة تعقبها انتخابات حرة. فيما رفض ترك التفاوض مع أي ممثلين من الحكومة المدنية وهو ما أثار حفيظة الحكومة التي اتهمت بدورها ثوار الشرق بالعمل لمصلحة المكون العسكري. وتسبب التراشق والتوتر بين المكونين المدني والعسكري في رفع سقف مطالب الثوار في شرق السودان. خاصةً مع تمكنهم في السيطرة على شريان الحياة الاقتصادي من الشرق، الذي يمد الخرطوم والولايات السودانية بأكثر من 70% من احتياجاتها من الخارج. الأمر الذي وصل في الأخير إلى محاولة انقلابية فاشلة. ردود الفعل في الداخل والخارج بعد المحاولة الانقلابية: داخليًا؛ يتبادل المدنيون والعسكريون الاتهامات، منذ تلك المحاولة الانقلابية، بالسعي للانفراد بالسلطة، وقد كان لافتًا، اتهام محمد الفكي سليمان، وهو العضو الذي يمثل المكون المدني، في مجلس السيادة السوداني، للشركاء العسكريين في السلطة الانتقالية بالسعي للانفراد بالسلطة. وكان الفريق البرهان، قد تحدث عقب المحاولة الإنقلابية الأخيرة، التي أعلنت عنها السلطات السودانية، فقال إن القوات النظامية هي التي أجهضتها، معلنًا أن الجيش هو الوصي على البلاد، وأن شعارات الثورة ضاعت وسط صراع السياسيين على السلطة، بحسب تعبيره، مُضيفًا أن هناك أن من يسعى للجلوس على الكراسي، ولم نر قوى سياسية تتحدث عن الانتخابات أو هموم المواطنين وحل مشاكلهم. وقد أثارت تصريحات البرهان، بشأن وصاية الجيش على البلاد، ومهاجمته للمدنيين في مجلس السيادة الحاكم، اعتراضات ومخاوف كثيرة بشأن نوايا المكون العسكري في المجلس، الذي يقود المرحلة الانتقالية. وكان تجمع المهنيين السودانيين، الذي لعب الدور الأكبر في ثورة ديسمبر 2018، التي انتهت بالاطاحة بحكم الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، قد دعا إلى “إنهاء الشراكة”مع المجلس العسكري” و”إلغاء الوثيقة الدستورية”. مُطالبًا بتشكيل “حكم مدني خالص”، واصفًا السلطة الانتقالية بـ”المعطوبة”. أما خارجيًا؛ فقد كان أبرز ردود الفعل هو موقف واشنطن، التي حذرت من أي محاولة من قِبل العسكريين في السودان، لتقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد، وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك…

تابع القراءة
تونس.. قراءة في الجدل المثار على خلفية الانقلاب الناعم

تونس.. قراءة في الجدل المثار على خلفية الانقلاب الناعم

    في أعقاب الانقلاب الذي قاده التونسي قيس سعيد، في نهاية يوليو الماضي، ثار جدل واسع ليس فقط حول التوصيف الصحيح للاجراءات التي أقدم عليها قيس سعيد، وأسبابها الحقيقية والمفتعلة، وتداعياتها على التجربة الديمقراطية التونسية، وإنما حول عدد من القضايا الأخرى والتي تبدو في جملتها بمثابة مراجعات وتقييم للعشر سنوات الأخيرة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. كأن النشطاء والمثقفين من خلال وقوفهم على هذه القضايا لا يحاولون فقط استكشاف أبعاد الأزمة في تونس وإنما مهتمون بتقييم تجربة امتدت عشر سنوات ومحاولة استشراف مآلاتها في ضوء اخفاقاتها الكثيرة التي كان آخرها انقلاب تونس. وقد تركزت هذه الجدالات حول قضايا ثلاث أساسية، هي: (1) تجارب ثورات الربيع العربي وهل استنفدت كل فرصها وحظوظها وبالتالي كان الانقلاب التونسي بمثابة كلمة النهاية لتجربة الربيع العربي. (2) إمكانية توطين الديمقراطية عربياً. فقد قيل كثيراً أن المنطقة العربية تعد استثناءاً ولن تطالها أبداً موجات التحول الديمقراطي، وستظل هذه البلدان عصية عن الدخول في نادي الدول ذات النظم الديمقراطية، وقد أثبتت التجربة الديمقراطية في تونس التي استمرت عشر سنوات أن المنطقة العربية ليست استثناءاً وأن الديمقراطية ممكنة عربياً. فلما وقع الانقلاب التونسي بدا مجدداً أن مقولة الاستثناء العربي عن التحول الديمقراطي أكتسب توكيداً أكثر. (3) تجارب الإسلاميون في الحكم. وهل بالفعل وضعت تجارب الحكم عقب ثورات الربيع العربي كلمة النهاية لحركات الاسلام السياسي كمشروع يطرح نفسه بديلاً لنظم الحكم العربية القائمة منذ ما بعد الاستقلال. سنحاول في هذه السطور رصد أهم ما طرح من أفكار حول هذه القضايا الثلاث، مع التركيز بشكل أساسي على وجهات نظر المثقفين والنشطاء المصريين. الديمقراطية في العالم العربي: كان السؤال بخصوص إمكانية حدوث تحول ديمقراطي حقيقي في المنطقة العربية من أبرز التساؤلات التي طرحت على هامش «انقلاب القصر الناعم[1]» في تونس، فقد عادت وبقوة الفرضية التي تقول أن المنطقة العربية مستثناة من عمليات التحول نحو الديمقراطية والحداثة. وكان مما طرح في هذا السياق أن الديمقراطية لا تزال ممكنة عربياً، لكن لابد من وجود بنية تحتية للديمقراطية يجب توافرها كشرط أساسي لإنجاح أية تجربة ديمقراطية عربياً، من هذه الشروط وجود توازن قوى بين الفاعلين يدفعهم للحوار والحلول التفاوضية، أما اختلال موازين القوى لصالح طرف أو عدد محدود من الأطراف دون غيرهم، يدفع هذه الأطراف للاستيلاء على السلطة دون خوف من العقبات، ومن هذه الشروط وجود قوى داعمة بشكل حقيقي لتطبيق النموذج الديمقراطي ولا تنظر له باعتباره مجرد وسيلة للحصول على السلطة أو مستعدة أن تقايض الديمقراطية مقابل التخلص من خصومها السياسيين. وأن مشكلة تجارب التحول الديمقراطي العربية كانت جراء الفروق الكبيرة في القوة ودرجة الحضور بين القوى السياسية، وفي رعونة الفاعلين السياسيين في الداخل، وقوة تأثير عامل التدخل الخارجي، وصعوبة المشكلات الاقتصادية التي تجابه هذه الدول وهو ما يضع التجارب الديمقراطية الوليدة تحت ضغط الاستجابة السريعة لمطالب الشارع ومشكلاته. في مقالة بعنوان «المسؤولية الديمقراطية والمسؤولية عنها» للكاتب والاكاديمي السوداني عبدالوهاب الأفندي، قال فيها مدافعاً عن التجارب الديمقراطية التي تلت الثورات في تونس ومصر، «هل يمكن تسمية العدوان الوحشي على التجارب الديمقراطية من أعدائها فشلاً؟ ما تسمّى الديمقراطية في مصر بالكاد أكملت عاماً، ولم يكن للجهاز التنفيذي ولا التشريعي سلطان حقيقي فيها، فالرئيس لم تكن له ولاية على الجيش، ولا على الشرطة والأمن، ولا على القضاء، ولا على الجهاز البيروقراطي، ولا على الإعلام. فكيف يوصف بالفشل وهو لا يحكم، خصوصاً أن الجهات التي تحكم بالفعل هي التي قامت بالانقلاب؟ الأمر نفسه يمكن أن يقال في تونس التي أقال فيها الرئيس قيس سعيّد الحكومة التي وضعت تونس من أوائل الدول التي تغلّبت على وباء كوفيد 19 في 2020، إن لم تكن أولها، قبل أن يعرقل عمل الحكومة التي عيّنها بديلاً لها، ثم قام بالانقلاب عليها بحجّة أن الوباء عاد إلى التفشي، في عهده وعهدته، وكنتيجة مباشرة لتصرفاته؟»[2]، مشدداً على مسئولية القوى السياسية الديمقراطية عن إخفاق الديمقراطية في مصر وتونس، وأن «أالديمقراطيات العربية الوليدة لم تتعرّض فقط للاغتيال والاختطاف، بل أيضاً انتحرت بممارسات القائمين عليها». بالتالي فإن عبدالوهاب الأفندي يرى إمكانية الديمقراطية عربياً في الوقت الراهن، وأن تجارب التحول الديمقراطي العربية لم تفشل وإنما أفُشلت بفعل تدخلات القوى الخارجية المعادية للديمقراطية وبفعل رعونة القوى السياسية الديمقراطية في كثير من الأحيان. ما سبق يؤكده الكاتب الأردني المتخصص في شؤون الحركات الاسلامية محمد أبو رمان، الذي يرى أن التجربة الديمقراطية في تونس -وقد يكون بالتبعية في كل دولة عربية عاشت تجربة التحول سابقاً أو ستعيشها مستقبلاً- لم تجهض بعد، وأن ترسيخ الديمقراطية ليس عملية سلسة تتم بصورة روتينية هادئة ومملة، ففي «المراحل الانتقالية مجال الخطأ والزلل والانحراف والتراجع، ثم التقدّم في أحيان، واسع وكبير، بل هو المسار الأكثر احتمالاً، وليس الخط البياني المستقيم بالتحوّل (…) غالباً ما تقع الدول في مرحلة التحوّل في مشكلات وأزمات عديدة وتواجه تحدّيات؛ مثل تحدّي الثقة بين اللاعبين السياسيين، والفجوة بين السقوف المرتفعة للثورة والديمقراطية والواقع العملي، والأزمات الاقتصادية التي تنجم عادةً عن طبيعة مرحلة التحوّل ذاتها، وغياب التوافق بين الفاعلين السياسيين على قواعد اللعبة السياسية الجديدة، ودور العوامل الخارجية. وهكذا نجد أنّ جملة كبيرة من المتغيرات الرئيسية تؤدّي أدواراً فاعلة في ترسيم المسارات المتعرّجة في مرحلة التحوّل الديمقراطي[3]». مستقبل الربيع العربي: هل يمكن اعتبار ما جرى في تونس بمثابة نهاية لملحمة الربيع العربي، واعتباره من جهة أخرى مؤذناً بعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل 2011، وبالتالي قدرة دولة ما بعد الاستقلال على البقاء، وعجز القوى السياسية في المنطقة عن طرح بديل أكثر ديمقراطية وقدرة على تلبية متطلبات هذه المجتمعات. في هذا السياق يؤكد الكاتب والباحث المصري هشام جعفر، أن ثورات الربيع العربي كانت بمثابة إعلان عن نهاية الصيغ والقيم السياسية التي كانت حاكمة للمجتمعات العربية خلال القرن العشرين وفي القلب منها «دولة ما بعد الاستقلال والحركات السياسية الإسلامية والعلمانية التي استندت إلى أيديولجيات شمولية، وأننا بصدد صيغ جديدة لم تتمأسس بعد (..) فالقديم قاد إلى الانفجار، ولم يعد قادرا علي تقديم استجابات لتحديات المجتمع والدولة، ولكن الجديد لم يتبلور بعد[4]»، وأن «سردية الانتفاضات العربية بحثت عن عقد اجتماعي جديد يتم به إعادة بناء الدولة الوطنية بنخب جديدة، وجوهر هذا العقد: الحرية/الديموقراطية، والعدالة الاجتماعية/التوزيع العادل للثروة والفرص والدخل». بالتالي هو يشير إلى أن ثورات الربيع العربي كانت مؤذنة بنهاية الصيغ القديمة التي كانت تحكم علاقة الدولة بالمجتمع، بالتالي سواء نجحت هذه الثورات في طرح نماذج وصيغ بديلة أو فشلت، فإنها بمثابة شهادة وفاة للصيغ القديمة والتي يجب أن تحل محلها صيغ جديدة لم تتبلور بعد. من ثم فهو لا يرى أن الربيع العربي نموذج ينجح أو يفشل وإنما هو سلوك يعني فشل الصيغ القديمة وفقدانها القدرة على الاستمرار. لكن في المقابل…

تابع القراءة

سيناء في الذكرى الـ ـ48 لحرب أكتوبر.. كيف يتآمر السيسي على حاضرها ومستقبلها؟

    خلال الأسابيع الماضية التي سبقت الذكرى الـ 48 لانتصار أكتوبر 1973م، اتخذ نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي قرارين مؤثرين يتعلقان بشبه جزيرة سيناء وتكريس الهيمنة المطلقة للجيش عليها من ناحية والتضييق على سكانها ودفعهم نحو الهجرة والرحيل من جهة ثانية. القرار الأول هو موافقة مجلس الوزراء في أواخر سبتمبر 2021م، على قرار السيسي إعادة تخصيص قطعتي أرض من المساحات المملوكة للدولة، كملكية خاصة، في منطقتي رابعة وبئر العبد في وسط سيناء وشمالها، وذلك بإجمالي مساحة يبلغ 89 ألفاً و960.55 فداناً، لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش. واعتبر القرار أن الغرض من ذلك هو استخدام المنطقتين في أنشطة الاستصلاح والاستزراع، وذلك نقلاً من الأراضي المخصصة للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية. مع العلم أن المنطقة المذكورة تقع ضمن مناطق السيطرة المطلقة للجيش المصري، وشهدت صراعاً مسلحاً استمر لأسابيع طويلة بين قوات الجيش وتنظيم “ولاية سيناء” الموالي لتنظيم “داعش”، المنتشر في الظهير الصحراوي لمدن شمال سيناء، ومنها بئر العبد. القرار الثاني هو موافقة البرلمان الإثنين 04 أكتوبر 2021م على قرار السيسي رقم 442 لسنة 2021 بفرض حظر التجول وإخلاء بعض المناطق وعزلها في سيناء بدعوى الظروف الأمنية غير المستقرة. القرار عملياً هو الأول من نوعه الذي يفوّض فيه السيسي وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي فرض عشرة تدابير استثنائية وقتما يشاء، بناء على توجيهات السيسي نفسه، على مستوى كل مناطق شبه جزيرة سيناء، وليس فقط في شمال شرقها، الذي يشهد ذروة المعارك الدائرة مع العناصر المسلحة بل وسيطرتهم على بعض المناطق العصية حتى الآن على تحكم الجيش.[[1]] وبموجب القرار أصبح من حق وزير الدفاع إصدار قرارات حظر التجول، وتحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها، وإخلاء بعض الأماكن أو المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على أماكن معينة، وحظر استخدام وسائل اتصال معينة، أو غيرها من تقنيات البحث عن الأشخاص والمنشآت أو منع حيازتها. وبات أيضاً من حق الوزير حظر حيازة الأسلحة النارية المرخّصة، وحظر حيازة أجزاء الأسلحة النارية وكواتم أو مخفضات الصوت والتلسكوبات المعدة لتركيبها للأسلحة النارية، فضلاً عن حظر سير الدراجات البخارية ومركبات الدفع الرباعي أياً كان نوعها. ومن صلاحيات الوزير أيضاً حظر استخدام المواطنين والأجانب للطائرات المسيّرة “درون” سواء بتصريح أو من دونه، وحظر تداول المواد ثنائية الاستخدام والتي تستخدم في صناعة المواد المتفجرة. وهذه الاختصاصات تفوق بكثير ما يملك رئيس الوزراء نفسه اتخاذه. مضامين وفلسفة القرارين القراران يتعلقان بجانبين مهمين بسيناء، الأول يرتبط ببيزنس الجيش ويستهدف منح المؤسسة العسكرية امتيازات إضافية فوق التي تحظى بها، تحت لافتة «التنمية»، والقرار في بعده وتوقيته يثير كثيرا من التساؤلات حول الهدف من وراء هذه القرارات التي تقضم أراضي سيناء وتضمها لحساب القوات المسلحة، سواء كانت هذه الأراضي مملوكة للدولة أو حتى لو كانت مصنفة كملكيات خاصة. وتبلغ الاراضي الصالحة للزراعة في شمال سيناء نحو 500 ألف فدان يسيطر الجيش فعليا على نحو 70% منها، ويتبقى نحو 130 ألف فدان يزرعها المدنيون ومؤسسات أهلية وتعاونية ويقع جزء منها ضمن ملكية المحافظة.[[2]] وهو ما يمثل تقليصا كبيرا لمساحة الأراضي التي كان يزرعها المواطنون ما بين 2010 إلى 2013م. من جانب آخر فإن حديث الحكومة عن التنمية وأن الهدف هو تنفيذ مشروعات تنموية لم يعد ينطلي على أهالي سيناء ومعظم فئات الشعب؛ لأن المصريين وعلى رأسهم أهالي لا يرون شيئا من هذه التنمية المزعومة على أرض الواقع؛ فقد تم صرف مئات الملايين على إقامة محطات تحلية المياه في شمال سيناء، ولا يزال أكثر من نصف السكان بلا خطوط مياه تصل إلى منازلهم. وتصل المياه إلى آلاف المواطنين وفق جدول معد مسبقاً، وليس على مدار الساعة كما الحال في بقية المحافظات المصرية، وهذا مثال مصغر على حديث التنمية المزعومة في سيناء”.[[3]] وبينما يتحدث النظام عن تنمية سيناء ويدشن حملات الدعاية  الضخمة من أجل تسويق ذلك، فإن ما يعاينه الأهالي كل يوم أن الجيش والحكومة يعملان على طرد المواطنين من أراضيهم، تحت حجج واهية منذ 2013م. وبدعوى تقنين الملكيات تضغط السلطة على أهالي سيناء من أجل توفير الوثائق التي  تثبت ملكيتهم لبيوتهم التي يعيشون فيها منذ عشرات السنين؛ الأمر الذي  أثار حفيظة الأهالي وغضبهم، لا سيما مدينة العريش التي تعد عاصمة للمحافظة، والذين واجهوا كل الظروف الأمنية الصعبة لحماية البوابة الشرقية لمصر، لكن الدولة تكافئهم  بمحاولة سحب الأراضي والمنازل منهم، بحجة عدم توافر الأوراق اللازمة لإثبات الملكية. أما القرار الثاني، فيتعلق بالأبعاد الأمنية بدعوى تعزيز موقف الجيش في حربه على الإرهاب والجماعات المسلحة في سيناء والتي لم تنجح سبع حملات عسكرية كبرى في القضاء عليه منذ 2014 حتى اليوم.  يترتب على هذا القرار تحويل شبه الجزيرة بالكامل لمنطقة أقرب إلى الطبيعة العسكرية، من الناحيتين القانونية والواقعية، فوزير الدفاع أصبح بمثابة الحاكم الأعلى لها، وله مطلق السلطات والصلاحيات ما يفوق رئيس الوزراء والمحافظين. كما يترتب على تلك التدابير آثار أخرى، مثل تطبيق قانون حماية المنشآت العامة والحيوية على كل تلك المناطق، مما يسمح بإحالة المدنيين المخالفين للتعليمات للمحاكمات العسكرية بعيداً عن القضاء المدني، إلى جانب تحصين القرارات الصادرة بموجب تلك التدابير من رقابة القضاء. كما ينص القرار على أن “تتولى القوات المسلحة معاونة هيئة الشرطة والتنسيق الكامل معها، ولها اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن، وحماية الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين، ولها اتخاذ إجراءات التحفظ والقبض والتفتيش وضبط الأشياء”. وتعني هذه البنود إحالة جميع المضبوطين والمتهمين في تلك الوقائع إلى النيابة العسكرية فور ضبطها، وعدم اختصاص الشرطة والنيابة العامة بتلك الإجراءات. من جهة ثالثة، فإن تفويض وزير الدفاع لاتخاذ هذه التدابير يعتبر التفافاً على المادة 53 من قانون “مكافحة الإرهاب” الذي أصدره السيسي نفسه عام 2015. وتجيز تلك المادة لرئيس الجمهورية حصراً اتخاذ مثل تلك التدابير حفاظاً على الأمن والنظام العام، ولكن من دون تفويض لأحد، بشرط الحصول على موافقة مجلس النواب، وهو ما لم يشر إليه القرار الجديد من قريب أو بعيد، الذي منح وزير الدفاع حق فرض حظر التجول في المناطق ومواعيده وحدوده حتى يرتئي رفع حالة الحظر، بقرار منه أيضاً، وبغض النظر عن قيام حالة الطوارئ أو عدمه. من جهة رابعة فإن اتساع التفويض الممنوح للجيش جغرافيا ليشمل سيناء بالكامل وقانونياً ليتضمن كل هذه الاختصاصات المسندة لوزير الدفاع، يتجاوز ما هو أكثر من مجرد تهيئة الأوضاع لشن حملة عسكرية واسعة ضد عناصر تنظيم “ولاية سيناء” في منطقة محدودة ومعروفة. ويُعدّ محطة إضافية في سلسلة القرارات المتتالية، مثل إعادة تخصيص المساحات المملوكة للدولة كملكية خاصة في كل مناطق سيناء، من رفح والشيخ زويد وبئر العبد إلى أقصى الغرب بمحاذاة قناة السويس، لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع مباشرة لوزير الدفاع، بدعوى الاستصلاح والاستزراع. من جهة خامسة،…

تابع القراءة

قراءة في خبر: السيسي يجدد للضويني

يقدم الشارع السياسي لمشاهديه فقرة (قراءة في خبر) للوصول إلى دلالات وتداعيات أهم الأخبار المطروحة في المنصات الإعلامية. أهم الأخبار: قام عبد الفتاح السيسي بتجديد تعيين الدكتور محمد الضويني في منصب وكيل الأزهر الشريف للمرة الثانية على التوالي. قراءة الخبر: التداعيات: جاء قرار المد في وقت يحل فيه الدكتور الضويني محل شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب في شتى المناسبات الرسمية وغير الرسمية، بسبب غياب الدكتور الطيب لظروفه الصحية. ويبدو أن النظام المصري سيكون حريص هذه المرة عند اختيار الشخصيات الدينية في المناصب الرسمية، كي لا يضع نفسه في حرج مستقبلًا كما حدث بينه وبين الدكتور أحمد الطيب، الذي وصلت الخلافات بينهم في بعض المواقف لحد العلن. الدلالات تتمثل في عدة نقاط وهي: يبدو أن هناك مشروع يتم إعداده جيدًا لخلافة منصب شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، بهدف استنساخ نموذج وزير الأوقاف مختار جمعه في المنصب الديني الأهم في العالم الإسلامي، ولكن الاختيار وقع على الدكتور محمد الضويني الذي عينه السيسي في هيئة كبار العلماء، ثم جعله وكيلًا للأزهر بعدها. ويشهد للضويني دعمه المطلق للنظام المصري، وعدائه الشديد لشتى التيارات الإسلامية الحركية، فإنتمائه الوحيد هو للأزهر ومؤسسات الدولة فقط، وهذه الرؤية معروفة ومسجلة في لقاءات الرجل ومحاضراته. بدأت رحلة صعود الضويني في 2014 عندما عملًا كأستاذ مشارك للشريعة الإسلامية والفقه المقارن بمعهد دبي القضائي، إلا أن التعاون بين الضويني والسفارة الإماراتية في القاهرة، شهد تطورًا كبيرًا ف الفترة الماضية، وفي ذروة مرض الإمام الطيب، فقد التقى الأسبوع الماضي رئيس الشئون الإعلامية والدبلوماسية صالح جمعة السعدي بالضويني، كما أعلنت السفارة الإماراتية عن لقاء جمع بين سفير أبو ظبي والمندوب الدائم في جامعة الدول العربية بالضويني. ولذلك يبدو أن السيناريو الأقرب للحدوث، أنه ثمة تمهيد كبير ستشهده الساحة الإعلامية للترويج للشخصية الدينية الجديدة المنتظرة.

تابع القراءة
قراءة في خبر: السيسي يذكر الأوربيين أكثر من مرة خلال يومين بدوره في حماية أوروبا من خطر الهجرة غير الشرعية

قراءة في خبر: السيسي يذكر الأوربيين أكثر من مرة خلال يومين بدوره في حماية أوروبا من خطر الهجرة غير الشرعية

يقدم الشارع السياسي لمشاهديه فقرة (قراءة في خبر) للوصول إلى دلالات وتداعيات أهم الأخبار المطروحة في المنصات الإعلامية. أهم الأخبار: السيسي يذكر الأوربيين أكثر من مرة خلال يومين بدوره في حماية أوروبا من خطر الهجرة غير الشرعية، أثناء إلقاء كلمته في مؤتمر فيشجراد مع رئيس وزراء المجر وباقي دول القمة. قراءة الخبر: أكد عبدالفتاح السيسي أن بلاده تحتاج لدعم الأصدقاء الأوروبيين، جزاءًا على الدور الذي تقدمه في حماية دول أوروبا في هجمات الهجرة غير الشرعية وقد وصل أعداد المهاجرين لما يزيد عن ال7 مليون مهاجر، مؤكدًا أن اللاجئين يضغطون على الاقتصاد المصري، ولكن القراءة الأهم تأتي من تناوله لقضية الهجرة غير المباشرة من زاوية حقوق الإنسان، حيث أكد أن حقوق الإنسان لا ينبغي أن تكون فقط حول التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية، مضيفًا أن نظامه يحترم حقوق المهاجرين ويوفر لهم حياة كريمة بين المجتمع المصري وليس في معسكرات مغلقة، بل وأنهم يتعالجون داخل المستشفيات المصرية ويتمتعوا بحقوق لا توفرها بعض الدول الأخرى. الدلالات: يرى السيسي أنه منذ نجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية وهناك حالة ضغط متزايد على سياسات نظامه، ولذلك يحاول السيسي هذه المرة أن يضع بايدن أمام ضغط حلفائه الأوروبيين الذين يحاول كسب تعاطفهم معه في حربه التجارية مع الصين، ولذلك حرص السيسي على تذكير الغرب بدوره الهام في حمايتهم من الهجرة الشرعية، مطالبًا اياهم بضرورة تقديم مقابل يليق بتلك الجهود.

تابع القراءة
قراءة في خبر: مجموعة الحوار الدولي تعود من واشنطن بقيادة السادات

قراءة في خبر: مجموعة “الحوار الدولي” تعود من واشنطن بقيادة السادات

يقدم الشارع السياسي لمشاهديه فقرة (قراءة في خبر) للوصول إلى دلالات وتداعيات أهم الأخبار المطروحة في المنصات الإعلامية. أهم الأخبار عادت مجموعة “الحوار الدولي” من واشنطن، بعد محادثات استمرت لأسبوع مع مجموعة من المسئولين الأمريكيين، وقد ترأسها “محمد أنور السادات” رئيس حزب الإصلاح والتنمية ومنسق مجموعة الحوار الدولي، ضمن وفد ضم رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب، وأعضا مجلس النواب عن حزبي مستقبل وطن والشعب الجمهوري “فضية سالم وسحر البذار وإيهاب رمزي ويوسف الحسيني”، بالإضافة إلى ممثل حزب النور في مجلس الشيوخ “أشرف ثابت”. قراءة الخبر: التداعيات: أكد السادات ان المسئولين الأمريكيون ينتظرون من السلطة المصرية فتح المجال العام وتحسين أوضاع الحريات قبل الإفراج عن الجزء المعلق من المعونة الأمريكية، وأكد السادات أيضا أنه يتوقع انفراجه خلال الشهر الحالي. الدلالات: تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن التأكيد على استعادة المشروع الأمريكي في التحول الديمقراطي للدول النامية، باعتباره أحد أدوات رأس حربة الاستراتيجية الأمريكية في تطويق النفوذ الصيني المتزايد، باعتبارها تقدم نموذج اوتوقراطي شمولي، ولذلك تحاول الإدارة الأمريكية الضغط على النظام المصري لفتح المجال العام وحدوث انفراجه حقيقية في المشهد السياسي. إلا أن ذلك لا ينبغي التعويل عليه كثيرًا، لأن النظام الأمريكي يركز استراتيجيته الحالية على أسيا بصورة أكبر من الشرق الأوسط، ولذلك لا يتوقع أن يكون هناك تغيير ملحوظ في سياسات النظام المصري، رغم أن هناك حرص من السيسي على مقابلة الرئيس الأمريكي بايدن على هامش قمة جلاسكو، خاصة وانه يرغب في إعلان اعتزام مصر على استضافة قمة المناخ في العام المقبل، إلا أن المسئولين الأمريكيون يرون صعوبة حدوث ذلك دون تقديم سياسات فعلية وضع تغيير نية النظام، لاسيما بعدما أعلن عن النظام عن عدد من الإجراءات التي من شأنه أن تحسن أوضاع المسجونين في مصر، التي من غير المنتظر حدوثها.  

تابع القراءة
فاغنر في مالي: الأسباب والتداعيات

فاغنر في مالي: الأسباب والتداعيات

  في الوقت الذي قرَّرت فيه فرنسا تخفيض تواجدها العسكري في مالي، أعلنت السلطات المالية أنها بصدد التباحث لإبرام اتفاق مع الشركة الأمنية شبه العسكرية الروسية “فاغنر”، لنشر ألف مقاتل روسي من المرتزقة في مالي لتشكيل قواتها المسلحة، وحماية كبار مسؤوليها. وهو ما سيوسع نطاق النفوذ الروسي في الشؤون الأمنية لمنطقة غرب إفريقيا وسيثير معارضة من قِبل فرنسا القوة الاستعمارية السابقة بالمنطقة. فما هي هذه الميليشيات الروسية؟ وما أسباب ذلك التوجُّه من الحكومة المالية؟ وكيف يُمكن توقُّع تداعيات ذلك على الداخل المالي؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها.. ما هي فاغنر؟ العفو الدولية تطلق عليها اسم “الجيش السري لفلاديمير بوتين”. وهي ميليشيات روسية شبه عسكرية تابعة لمجموعة “فاغنر” الأمنية، وتضم في صفوفها ما بين 2500 إلى 5000 مرتزق. وظهرت مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية للمرة الأولى بجانب انفصاليين من إقليم دونباس شرق أوكرانيا في 2014، ورغم أن المجموعة لا تملك أي وجود شرعي في روسيا، حيث الشركات شبه العسكرية محظورة، إلا أن هذا لم يمنع من توثيق تواجدها في سوريا حيث تقدم الدعم لقوات الرئيس بشار الأسد، وفي ليبيا مع مقاتلي المشير خليفة حفتر، وكذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث يقوم بعض عناصرها بمهمات تدريبية هناك. وأشارت وسائل إعلام غربية إلى تواجد مجموعة “فاغنر” في بلدان إفريقية أخرى، كموزمبيق والسودان حيث شاركت في قمع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع للمطالبة برحيل الرئيس السابق عمر البشير في 2019. وتنفي موسكو وجود أية علاقة مع مجموعة “فاغنر” التي يُرجَّح أن تكون ملكًا لإفغيني بريغوجين وهو رجل أعمال روسي مقرب من الكرملين، وهو صاحب ماضٍ في السجون، يعيش في مدينة سانت بطرسبرغ، جمع ثروة طائلة من خلال المطاعم الفخمة قبل أن يتعاقد مع الجيش الروسي ليزوده بالوجبات الغذائية وفق منظمة العفو الدولية. وكشفت العفو الدولية أن الملياردير الروسي استثمر أيضًا في مجالات عدة أخرى كالغاز والبترول في إفريقيا والشرق الأوسط وفي مجال الإعلام والاتصال، وهو متهم من قِبل الاستخبارات الأمريكية بالتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في 2016 وتقديم الدعم لدونالد ترامب خلالها. من جهة أخرى، كشف مسؤول من شركة أخرى تتعامل مع مجموعة “فاغنر” في عام 2018 بأن  الأخيرة تعمل مع الحكومة الروسية. هذا، وقد تم تسمية الشركة الروسية شبه العسكرية بمجموعة “فاغنر” كنية للعسكري الروسي ديمتري أوتيكن الذي كان يعمل في المخابرات الروسية سابقًا تحت اسم “فاغنر”، حيث كان معجبًا بالنظام النازي، وكان يستمع كثيرًا إلى أحد الموسيقيين الألمان الكبار الذي يُدعى “فاغنر”.[1] دوافع الأطراف وتطورات الأزمة: تستعد روسيا عبر شركة “فاغنر” الأمنية لملء فراغ الانسحاب الفرنسي التدريجي من شمالي مالي، لكن باريس تبدو ممتعضة من أي دور لمرتزقة “فاغنر” في إحدى أكثر البلدان الإفريقية الخاضعة لنفوذها التقليدي. بينما يحاول انقلابي مالي، بقيادة العقيد عاصيمي غويتا، الرد على قرار فرنسا سحب قواتها من شمالي البلاد مطلع 2022، وإنهاء عملية برخان العسكرية بالساحل، بالسعي لتعويضهم بنحو ألف مقاتل من “فاغنر” الروسية. ويتهم الإعلام الفرنسي، وزير الدفاع المالي ساديو كامارا، الذي تدرب في روسيا، بقيادة المفاوضات. لكن ما يُعطل توقيع الاتفاق حتى الآن أن المقابل سيكون مكلفًا بالنسبة لدولة فقيرة مثل مالي، حيث تتفاوض “فاغنر” للحصول على 6 مليارات فرنك إفريقي (10.8 ملايين دولار)، وعلى حقوق استغلال عدة مناجم معدنية بينها الذهب. وفي هذا رسالة من باماكو لباريس، أنها أيضًا تملك أوراق ضغط وبدائل في حال قررت سحب قواتها وتركها وحيدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية الناشطة بكثافة في شمالي ووسط البلاد. فالانقلابيون في مالي تعرضوا لانتقادات شديدة من باريس، التي أوقفت تعاونها العسكري معهم لفترة وجيزة بعد الانقلاب الثاني لغويتا، في مايو الماضي، كما ضيَّقت عليهم الخناق سياسيًا ودبلوماسيًا. ويبحث الانقلابيون عن بدائل واقعية لمواجهة الضغوط الفرنسية، وتمثل “فاغنر” إحدى هذه البدائل لإنقاذ بلادهم من الانهيار الأمني على يد الجماعات الإرهابية والانفصالية. وليس من المُستبعد، أن تكون محاولة اغتيال غويتا، في 20 يوليو الماضي، ساهمت في تسريع تقدم المفاوضات مع فاغنر. إذ يحتاج زعيم الانقلابيين في مالي لحماية خاصة من مقاتلين محترفين، لمواجهة المخاطر التي تستهدف حياته، من عدة أطراف معادية، في ظل وضع أمني واقتصادي مضطرب. وفي حال قررت فرنسا وحلفاؤها الانسحاب بشكل سريع من مالي، فلن يجد الانقلابيون من حل سوى اللجوء إلى “فاغنر”.[2] موقف فرنسا من الاتفاق: قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية أن أي اتفاق بين المجلس العسكري الحاكم في مالي ومجموعة “فاغنر” الروسية سيكون متنافيًا مع بقاء قوة فرنسية في البلاد، ومع عمل الشركاء الساحليين والدوليين هناك، في إشارة إلى إمكانية سحب مجموعة الخمسة ساحل (تشاد النيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا علاوة على مالي) لقواتها من البلاد، بالإضافة إلى القوات الخاصة الأوروبية ممثلة في عملية “تاكوبا”. وشدَّد لودريان على تجاوزات مرتزقة هذه المجموعة الروسية في سوريا وإفريقيا الوسطى وقال إنهم ارتكبوا انتهاكات من شتى الأنواع، مُعتبرًا أن توقيع اتفاق معهم لا يمكن أن يؤدي إلى أي حل، مُستشهدًا بالاتفاق معهم في إفريقيا الوسطى والذي أدى إلى تدهور الوضع الأمني. من جهتها قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي إن أي اتفاق بين باماكو ومجموعة “فاغنر” سيكون مصدر قلق بالغ ومناقضًا لمواصلة الانخراط العسكري لفرنسا في منطقة الساحل المستمر منذ ثماني سنوات. وأمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية الفرنسية قالت الوزيرة “إذا أبرمت السلطات المالية عقدًا مع مجموعة “فاغنر”، فسيثير ذلك قلقًا بالغًا، وسيكون مناقضًا لكل ما قمنا به على مدى سنوات، وكل ما نسعى إلى القيام به دعمًا لبلدان منطقة الساحل”.[3] المواقف الدولية من الاتفاق: حذَّر الاتحاد الأوروبي دولة مالي من أن العلاقات معها ستتضرر في حال قررت التعاقد مع مرتزقة مجموعة “فاغنر” الأمنية الروسية، بسبب ضلوعها في صراعات وارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان. فقد قال مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عقب اجتماع في نيويورك لوزراء خارجية الاتحاد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ أن العلاقات بين بروكسل وباماكو قد تتأثر بشدة في حال وقَّع المجلس العسكري الحاكم في مالي عقدًا مع المجموعة الروسية التي تقول تقارير أن لها صلات بالكرملين. وأضاف بوريل أن السلطات في مالي تناقش استقدام مرتزقة “فاغنر”، وتابع أن المعلومات المتوفرة لديه الآن تفيد بأنها لم تتخذ بعد قرارًا بهذا الشأن. وأشار المسؤول الأوروبي إلى الانتهاكات التي ترتكبها مجموعة “فاغنر” في أجزاء مختلفة من العالم، مشيرًا بالخصوص إلى جمهورية إفريقيا الوسطى. وفي وقتٍ سابق، حذَّرت ألمانيا المجلس العسكري في مالي من التعاون مع المجموعة الروسية، في حين قالت الأمم المتحدة -التي لديها نحو 15 ألف جندي من قوات حفظ السلام في مالي- أن أي شراكة بين الحكومة وقوات عسكرية أجنبية يجب أن تحترم حقوق الإنسان. كما عبَّر قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022