السيسي ومخططات توريث الحكم.. قراءة في أبعاد حملة ترميم صورة السيسي الابن
يراهن رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي على أولاده الثلاثة محمود ومصطفى وحسن الذين يتولون مناصب رفيعة بجهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية، على امتلاك الأدوات التي يرى أنها تمكنه من تحقيق ثلاثة أهداف يسعى إليها: الأول: تدعيم ركائز الحكم؛ أملا في البقاء على رأس السلطة مدى حياته. الثاني: التمهيد لتوريث الحكم داخل الأسرة كما كان يخطط الرئيس السابق محمد حسني مبارك لنجله جمال ولكنه فشل. الثالث: الحيلولة دون سقوط نظامه ومنع محاكمته على جرائمه الوحشية بحق المصريين بكل فئاتهم وأطيافهم؛ ومنع محاكمته بتهمة إهدار ثروات البلاد على مشروعات ضخمة بلا جدوى اقتصادية مثل تفريعة القناة والعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة وغيرها عبر التوسع في القروض حتى بلغت ديون مصر مستويات مخيفة تكبل البلاد والأجيال المقبلة لعقود مقبلة. في هذا السياق، شهدت ذكرى الانقلاب السابعة حملة دعاية استهدفت تبييض صورة الضابط محمود نجل الطاغية عبدالفتاح السيسي ومحاولة تقديمه في صورة جديدة في أعقاب العاصفة السياسية التي شهدتها مصر أواخر 2019م، والتي دفعت النظام إلى تهدئة الأجواء بتسريب شائعة استبعاد نجل السيسي من جهاز المخابرات، لكن حملة الدعاية الجديدة التي تستهدف تبييض صورة نجل السيسي برهنت على أن ملف توريث الحكم داخل الأسرة ليس ثرثرة على ضفاف النيل المهدد بالجفاف بقدر ما تدلل على أن مخططات التوريث يجري ترتبيها وفقا لخطة طويلة المدى ويتم طبخها على نار هادئة؛ بعدما تسببت عاصفة مظاهرات سبتمبر 2019م والاتهامات العنيفة بالفساد والموثقة من جانب المقاول محمد علي للسيسي وأسرته والهيئة الهندسية التابعة للجيش، وهي العاصفة التي تسببت في تعطيل مخططات التوريث بشكل مؤقت، وأجبرت السيسي على تنحية نجله شكليا وإبعاده (مؤقتا) عن الأضواء في إطار مساومة مع بعض الأجهزة السيادية الغاضبة بسبب توسُّع نفوذ السيسي الابن وبسْط سطوته على الحياة السياسية وقطاع الإعلام، وهي الصفقة التي تضمنت أيضا خروج الفريق سامي عنان من السجن في إطار تهدئة الأجواء واليقين بأن ظهور المقاول إنما يرتبط بشكل أو بآخر بقيادات نافذة بالمؤسسات السيادية غير راضية عن مسار الحكم الحالي. وبعد نجاح السيسي في الخروج من أزمة التظاهرات التي دعا لها المقاول، وهدوء الشارع في أعقاب اعتقال الآلاف من النشطاء، عاد الحلم مجدداً ليراود السيسي ونجله، فالابن لم ينفذ قرار انتدابه للسفارة المصرية في موسكو، وظل في الجهاز يتابع كثيرا من الملفات الحساسة بعيدا عن الأضواء، ومؤخرا ظهر في أدوار جديدة داخل الجهاز السيادي العتيق، في محاولة لاستعادة أدواره السابقة، من خلال توليه أخيراً قيادة ملف تنسيق العملية العسكرية المشتركة بين قوات الجيش وأبناء القبائل المصرية ضدّ عناصر تنظيم “ولاية سيناء” الموالي لتنظيم “داعش” في شمال سيناء، وهو ما تسبب في حالة من الغضب المتجددة داخل الجهاز، حيث كان نجل السيسي سبباً في وقت سابق في الإطاحة بنحو 44 من وكلائه وقياداته البارزين، لإفساح المجال أمامه وتصعيده ليكون أحد أهم قيادات الجهاز. هذه المعطيات دفعت دوائر السيسي المقربة نحو التعجيل بحملة إعادة إنتاج السيسي الابن وتبييص صورته ، عبْر حملة إعلامية بدأت أولى حلقاتها بتقرير دعائي نشره موقع «القاهرة 24»،أحد المواقع الإخبارية المحسوبة على الأجهزة الأمنية، استهدفوا به بحسب نص التقرير “نفض الغبار عن سيرة النجل”، وتبرير إسناد ملفات سيناء إلى “الابن” بدعوى معرفته بالتقاليد والعادات ووجدان القبائل عن قرب، ما انعكس بحسب التقرير “على الرؤية العامة التي طوّرت من خلالها الدولة المصرية استراتيجيات المواجهة في سيناء على المستويات الاجتماعية والإنسانية قبل السياسية والعسكرية”. وما يؤكد الأهداف الدعائية أن العقيد أحمد شعبان، أحد مساعدي عباس كامل رئيس الجهاز، أعاد نشره على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك” وأرفق معه عبارات الثناء والمدح على السيسي الابن، الذي قرر العودة للأضواء ،وكتب شعبان عن محمود السيسي: “عمِل في صمت حين كان الضجيج لا يُسمن ولا يغني من جوع… اختار الصمت حين تحدثوا عنه بالإفك”. قراءة في مضامين الحملة ركزت حملة تبييض صورة السيسي الابن على نفي حصوله على ترقيات استثنائية وأنه مقدم وليس عميدا دون نفي نفوذه الواسع بالجهاز وكونه يمثل الرجل الثاني بعد عباس كامل، كما أشار إلى أدوار نجل السيسي في العمليات العسكرية بسيناء والتي تشهد إخفاقا متواصلا للجيش أمام حفنة مسلحين يقدرون بالمئات، ولكن المثير أن التقرير كشف عن ارتباط نجل السيسي بأحداث خطيرة، مشيرا إلى أنه كان وسط ميدان التحرير إبان ثورة يناير 2011، وتعامل مع الثوار بشخصية وهمية وقدم لهم الخدمات، وشارك في ضبط جاسوس بالميدان، ما رفع من تقديره بالمخابرات حينها، والواقعة الأكثر إثارة وهي ذكر التقرير الصحفي أن نجل السيسي، له علاقات واسعة بقبائل شمال سيناء وأنه محبوب بشكل كبير لديهم، ومن ثم تحدث التقرير عن تواجد محمود السيسي، ودوره بسيناء بفترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، أثناء حادثة رفح الأولى في آب/ أغسطس 2012، والتي راح ضحيتها 16 جنديا مصريا وأحيل على إثرها قائد الجيش ورئيس الأركان المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان للتقاعد، وتولى بعدها السيسي قيادة الجيش. ويمكن رصد الملاحظات الآتية في فهم وتفسير أبعاد حملة تبييض صورة نجل السيسي في هذا التوقيت. أول وأهم الملاحظات على مضامين وتوقيت هذه الحملة أنها تبرهن على صحة وجود مخططات توريث الحكم لنجل السيسي، هذه المخططات ليس هدفها أن يتولى الابن مناصب قيادية شديدة الحساسية والأهمية ولكنها خطة بعيدة المدى تستهدف تقديمه للرأي العام من خلال مجموعة من الأدوار البطولية، وكذا جمْع خيوط المشهد السياسي والإعلامي بين يديه بشكل تدريجي، خصوصاً في ظلّ تآكل جدار الثقة بين السيسي وكثير من الدوائر المحيطة به”، وما يعزز من فرص نجاح مخططات السيسي لتوريث الحكم لنجله أنه ــ بعكس جمال مبارك ــ ابن المؤسسة العسكرية ما يعني أن الأجنحة التي رفضت جمال مبارك كونه مدنيا لا حجة لها أمام السيسي الابن الذي يترقى ويتولى مناصب حسابة بالجيش والمخابرات، وقبل شائعة الاستبعاد، أشرف نجل السيسي على ملفات حساسة منها التعديلات الدستورية التي جرى تمريرها في إبريل 2019م، ومهدت لبقاء السيسي في السلطة حتى 2030م، بخلاف منحه صلاحيات فرعونية مطلقة على كافة مؤسسات الدولة، كما كان يشرف على ملف سد النهضة وهندسة المشهد السياسي عبْر الإشراف على خطط تشكيل التحالفات الحزبية، وتشكيل البرلمان، قبل أن تهدأ تلك الزوبعة بشائعة إبعاد السيسي الابن، والعقيد أحمد شعبان، الذي كان يشرف على برنامج الشباب الرئاسي، ومؤتمر الشباب، عن الأضواء وتحجيم نفوذهما، بعدما تردد في وقت سابق أن شعبان انتقل إلى سفارة مصر في اليونان، فيما انتقل نجل السيسي للعمل كملحق عسكري في سفارة مصر في روسيا، وهي الأنباء التي ثبت أنها لم تكن صحيحة. من ناحية ثانية، تزامنت حملة تبييض صورة السيسي الابن، مع عودته للأضواء مجددا وتكليفه بمهام حساسة وأنه عاد أخيراً ليتردد اسمه بقوة داخل دوائر رئيس جهاز المخابرات، اللواء عباس كامل، الذي كلّف السيسي الابن بإدارة ملفات من الباطن، كما…