مشروع قانون هيئة الأوقاف .. قراءة في محطات ومآلات النهب المقنن
يتجه النظام العسكري في مصر نحو اغتصاب أصول وأموال الوقف الإسلامي الذي تديره وتشرف عليه وزارة الأوقاف ممثلة في هيئة الأوقاف؛ وذلك بتقنين إجراءات السلطة التي تستهدف اغتصاب أموال الأوقاف والتي تقدر بحسب إحصاءات رسمية بأكثر من ألف مليار جنيه؛ حيث وافقت لجنة الشئون الدينية في البرلمان يوم الأحد 28 يونيو 2020م، بشكل نهائي على مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة بشأن إعادة تنظيم هيئة الأوقاف، وما يدلل على استعجال النظام هو مناشدة وزير الأوقاف مختار جمعة مجلس النواب بسرعة إدراج مشروع القانون على جدول الجلسات العامة، بهدف إقراره قبل انتهاء دور الانعقاد الحالي، قائلاً “نأمل أن يخرج هذا التشريع للنور قريباً لأنه إضافة كبيرة، ويصب في مصلحة الوطن”. مشروع القانون الجديد يهدف إلى قوننة إجراءات بيع الوقف بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت ذريعة تشجيع نظام الوقف، وضمان استقلاله، وإدارته على نحو يعظم الاستفادة منه، وذلك استجابة لتوجيهات زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي في شأن حصر أصول وأموال الوقف؛ وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه السيسي منذ سنوات يستخدم ترزية القوانين عبارات منمقة حول حسن إدارة واستثمار أموال الوقف على أسس اقتصادية وحصر وتقييم هذه الأموال من أجل اتخاذ الإجراءات التي تكفل المحافظة على الهيئة في مواجهة المستأجرين أو المستبدلين أو واضعي اليد فضلا عن تحديد مشروع القانون للحالات التي يجوز فيها الاستبدال والبيع لهذه الأوقاف، وتوجيه حصيلتها لصالح الدولة. وتتيح المادة الثانية من مشروع القانون للحكومة ممثلة في مجلس هيئة الأوقاف المعين من جانبها صلاحيات ممارسة جميع التصرفات والأعمال حيث تنص على أنّ “للهيئة أن تتعاقد وتجرى جميع التصرفات والأعمال، التي من شأنها تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله في مجال إدارة واستثمار أموال الأوقاف”. وقد مارس وزير الأوقاف مختار جمعة قدرا من المكر والدهاء من أجل أن يبقى له دور ملموس في مشروع القانون؛ حيث «نص مشروع القانون على أن “تنوب هيئة الأوقاف المصرية عن وزارة الأوقاف فيما لها من حقوق، وما عليها من التزامات، تتعلق بإدارة واستثمار الأموال التي تختص بها”، بعدما انتهت اللجنة إلى حذف كلمة “تحل”، واستبدالها بكلمة “تنوب”، بناءً على طلب وزير الأوقاف».[[1]] وهو التعديل الذي يجعل الوزارة هي الأصل وهيئة الأوقاف هي مجرد نائب ومن حق الأصل أن يراجع قرارات من ينوب عنه ويشرف عليه، بينما كلمة “تحل” تجعل من الهيئة بديلا مباشرا للوزارة ويحول دون تدخلها بأي صورة في قرارات الهيئة، وهو ما يحرم الوزير من القيام ببمارسة سلطاته على هيئة الأوقاف التي ستتولى كل ما يتعلق ببيزنس الأوقاف بدعوى الاستثمار. و تعد الأوقاف أغنى الوزارات في مصر، وذلك وفقا لحجم أملاكها ؛حيث تبلغ المحفظة المالية للوزارة نحو تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية سيد محروس سنة 2018م. وتتوزع هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر بـ759 مليارا و181 مليون جنيه وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه. وعلى الرغم من ضخامة تلك الأموال فإن رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الشيخ سلامة عبد القوي إبان فترة حكم الرئيس محمد مرسي (2012- 2013) شكك في صحتها، مؤكدا أنها تفوق ذلك بكثير. الكشف عن حجم أموال الأوقاف هو ترجمة لأوامر وتوجيهات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي في ديسمبر 2017، وذلك ضمن مساع حكومية لضم أملاك هيئة الأوقاف من الأراضي والمباني إلى الصندوق السيادي الذي أنشأته الحكومة في أبريل 2018 برأس مال يبلغ مئتي مليار جنيه لدعم الاقتصاد. وكان الرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية الحكومية أحمد السيد النجار قد وصف هذا الصندوق السيادي بـ”البوابة الملكية للخصخصة”، وقال إن الظروف المالية اللازمة لإنشاء أي صندوق سيادي لإدارة الفوائض غير موجودة من الأساس في مصر. قرارات وإجراءات نهب الأوقاف وعلى مدار السنوات الماضية، يتجه النظام بإصرار ترجمه إلى قرارات وإجراءات تستهدف تقنين عمليات الاغتصاب المرتقب لأموال وأصول الوقف الخيري بدعوى الاستثمار. أولا، فى 14 يوليو 2016، أصدر السيسي، قرارًا بتشكيل لجنة لحصر أموال هيئة الأوقاف برئاسة المهندس إبراهيم محلب، مساعد السيسي للمشروعات القومية والاستراتيجية. ونص القرار، الذى نشرته الجريدة الرسمية، برقم 300 لسنة 2016، على تشكيل لجنة تختص بحصر كل أملاك هيئة الأوقاف المصرية من أراض، ومبان، ومشروعات، ومساهمات فى شركات، وتعظيم عوائد الاستثمارات واتخاذ اللازم لتعظيم أملاك الهيئة. كما تختص اللجنة، بإعداد التقارير اللازمة التى تتضمن المشاكل والمعوقات، التى أدت إلى الاستيلاء على هذه الأراضي، واقتراح الحلول للحيلولة دون تكرارها مستقبلًا، وإنشاء أرشيف إلكترونى لحفظ الحجج والخرائط وممتلكات الهيئة، ودراسة إمكانية استغلال مقومات الهيئة فى دعم الاقتصاد القومى وتقديم خطة تنفيذية للدراسة، وإخطار جهات التحقيق بالجرائم التى تشكل عدوانًا على المال العام وباقى جهات الدولة لتحصيل مستحقاتها. القرار نص أيضًا، على أن للجنة فى سبيل أداء مهامها أن تستعين بما تراه من المسئولين والخبراء والفنيين من كل الجهات الحكومية وغير الحكومية، ولها أن تطلب من الجهات المعلومات والمستندات، وأن تشكل لجانًا فرعية إذا اقتضى الأمر بما يعينها للقيام بأعمالها، وأن ترفع اللجنة تقريرها النهائى وما انتهت إليه من توصيات إلى رئيس الجمهورية. ثانيا: في 20 نوفمبر 2016، أصدر وزير الأوقاف مختار جمعة القرار رقم “274” والذي يسمح لأول مرة التصرف في بعض أصول الوقف بناء على تقديرات هيئة الأوقاف سواء بالبيع عبر المزاد العلني أو استبدالها بأراضي أخرى لبناء مشروعات تحتاج إليها الحكومة، وهو ما يخالف الأحكام الشرعية والقوانين المعنية بإدارة شئون الوقف الخيري؛ الغريب في الأمر أن هذا القرار جاء باسم “قرار تحصين وحماية مال الوقف”[[2]]. ثالثا: في 25 ديسمبر 2017، دعا الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى استثمار أموال الأوقاف ومساهمتها فيما أسماها بالمشروعات القومية، حيث وجّه السيسي، خلال اجتماع مع وزير الأوقاف، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة الأوقاف المصرية، بضرورة تحقيق الاستفادة المثلى من أصول وممتلكات الأوقاف، مشدداً على أهمية حصْر وتقييم تلك الممتلكات بشكل شامل، والنظر في تنفيذ “خطط استثمارية متطورة” لأصول وممتلكات الأوقاف، وتعظيم مساهمتها في المشروعات القومية، بما يساعد على نمو الاقتصاد ويضمن زيادة قيمة الأصول ومواردها؛ الأمر الذي رضخت له الأوقاف رغم مخالفة ذلك للشرع وقوانين الوقف[[3]]. رابعا، في 14 فبراير 2018، وافقت الحكومة على مشروع قانون «إعادة تنظيم هيئة الأوقاف المصرية»، والذي قالت الحكومة عنه إنه يتضمن كافة الجوانب الإجرائية والتنظيمية لتمكين هيئة الأوقاف المصرية من الحفاظ على مال الوقف، وإزالة ما يقع عليه من تعد، وضمان حسن استثماره في ضوء ما يضمنه الاستثمار الأمثل لصالح الوقف وخدمة المجتمع معاً، بحسب مشروع القانون يتضمن وضع ما وصفها برؤية استثمارية طموحة تضمن حسن الاستثمار المالي الذي بدأ يؤتي ثماره من خلال مشاركة الأوقاف في العديد من جوانب المجتمع[[4]]. لكن مشروع القانون قوبل باعتراضات كثيرة داخل اللجنة الدينية للبرلمان…