التحذيرات الأمنية البريطانية حول مصر… مخاوف وتداعيات ومخاطر
يأتي اعلان بريطانيا وألمانيا تعليق رحلات الطيران إلى مصر، مساء السبت الماضي، كأبرز دليل على تراجع مستويات الأمن في مصر، بعهد الانقلاب العسكري، الذي يمسك بقبضة حديدية البلاد منذ أكثر من 6 سنوات من الانقلاب العسكري..
المخاطر الأمنية
وفي السياق، نشر موقع الحكومة البريطانية على الإنترنت، مساء السبت، خريطة لمصر محدثة وفق المخاطر الأمنية ونصائح السفر الجديدة المتعلقة بوجود معلومات لدى السلطات البريطانية بمخاطر أمنية محدقة، صدر على أساسها تحذير لرعايا بريطانيا في مصر من التواجد في بعض الأماكن، كما تم إلغاء جميع الرحلات الجوية الخاصة بشركة الخطوط الجوية البريطانية إلى القاهرة لمدة 7 أيام.
وخلت الخريطة الجديدة المحدثة من أي مناطق آمنة تماما؛ حيث تم تصنيف القاهرة والإسكندرية والدلتا والساحل الشمالي غربا حتى مطروح وساحل البحر الأحمر وشرم الشيخ بجنوب سيناء، كمناطق ينبغي الاطلاع على نصائح السفر الخاصة قبل التوجه إليها.
وتم تصنيف باقي مناطق جنوب سيناء ومحافظة الوادي الجديد بالكامل، والامتدادات الصحراوية الغربية لمحافظات الصعيد، كمناطق لا ينصح بالسفر لها عدا الرحلات المهمة للغاية. وتم تصنيف محافظة شمال سيناء بالكامل كمنطقة غير مسموح السفر إليها بالنسبة لرعايا بريطانيا.
وحذرت الخارجية البريطانية، يوم السبت، رعاياها المسافرين والموجودين في مصر من "هجمات إرهابية محتملة"، عبر بيان نشره موقعها الإلكتروني بالتزامن مع إعلان الخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها إلى مصر لمدة 7 أيام كـ"إجراء احترازي".
وقال البيان: "من المرجح جدا أن ينفذ إرهابيون هجمات في مصر. وبالرغم من أن الهجمات غالبًا ما تحصل في محافظة شمال سيناء، فإنه لا يزال هناك خطر ماثل بوقوع هجمات إرهابية في عموم البلاد".
وبحسب وكالة رويترز ، كان طاقم بريطاني راجع الأمن في مطار القاهرة يومي الأربعاء والخميس. ولم تقدم المصادر تفاصيل أكثر.
كما نصحت وزارة الخارجية البريطانية بعدم السفر جوا من وإلى منتجع شرم الشيخ المصري إلا للضرورة..
فيما انتقدت السلطات المصرية قرار شركة الخطوط الجوية البريطانية "بريتش إيروايز" بتعليق رحلاتها إلى القاهرة لمدة أسبوع لـ"دواع أمنية".
وقال وزير الطيران المدني المصري يونس المصري، إن الشركة أعلنت عن قرارها السبت دون التشاور مع السلطات المعنية.
وكانت شركة لوفتهانزا الألمانية علقت بعض خدماتها إلى القاهرة السبت، لكن سرعان ما استأنفت رحلاتها.
وكانت مصادر ملاحية مصرية أكدت أن شركة الطيران الوطنية الألمانية "لوفتهانزا" أخطرت مطار القاهرة بوقف جميع رحلاتها إليه، لمدة أسبوع، تابعة بذلك شركة الخطوط الجوية البريطانية.
وذكرت المصادر أن المعلومات المتاحة هي أن الشركة الألمانية التي تسيّر 5 رحلات يوميا للقاهرة تذرّعت بأسباب أمنية.
وتسبب قرار الشركة البريطانية في حالة من الفوضى بين المسافرين إلى القاهرة من لندن، لعدم تقديم الشركة لرحلات بديلة، وعدم وجود رحلات مباشرة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار التذاكر على الخطوط الجوية الأخرى خاصة مع قصر فترة الإشعار حول إلغاء الرحلات.
يذكر أن حوالي 45 ألف بريطاني زاروا مصر عام 2018..
تحذيرات سابقة
وفي يوليو 2018، حذرت الخارجية البريطانية حملَة جواز السفر البريطاني من انتقاد الحكومة المصرية أو السيسي في حال زيارتهم مصر، خشية تعرضهم للاعتقال، لافتة إلى أن "السلطات المصرية تحظر تصوير المنشآت العسكرية الرسمية في مصر، أو أماكن ملاصقة لها، بما في ذلك قناة السويس".
كذلك حذرت بريطانيا في أغسطس 2017، رعاياها في مصر من السفر إلى بعض المناطق مثل شمال سيناء إلا للضرورة القصوى، بسبب "تزايد النشاط الإجرامي، والهجمات الإرهابية التي تستهدف رجال الجيش والشرطة في مناطق شمال سيناء".
وفي أكتوبر 2016، أوصت السفارة البريطانية رعاياها في مصر بتجنب التجمعات الكبيرة والأماكن العامة بالقاهرة، مثل قاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما والمتاحف ومراكز التسوق والملاعب الرياضية، بسبب احتمال "شنّ هجمات إرهابية مفاجئة من دون إنذار مسبق قد تستهدف قوات الأمن والسيّاح".
وكانت بريطانيا قد حظرت جميع رحلاتها الجوية المباشرة إلى مطار شرم الشيخ، عقب إسقاط طائرة روسية في سماء سيناء المصرية في نوفمبر 2015، ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224 شخصاً، وهو الحادث الذي أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عنه، من خلال زرع قنبلة داخل الطائرة المنكوبة قبل إقلاعها.
أسباب التحذيرات البريطانية
وبمكن معرفة الأسباب الكامنة وراء التحذيرات البريطانية والألمانية، بقراءة المشهد المحلي المصري والافليمي والدولي…
حيث تأتي هذه التحذيرات بالتزامن مع تصاعد التوترات في الخليج على خلفية احتجاز إيران ناقلة نفط إيرانية، في مضيق هرمز بدعوى "عدم مراعاتها للقوانين البحرية الدولية".
ولعل ما يفسر القرار البريطاني، احتمالية أن تكون كلا من أمريكا وبريطانيا، قررتا القيام بعمليات عسكرية ضد إيران، وجرى منع الطيران تحسبا لهذه الهجمات الجوية في المنطقة ومخاطرها المحتملة على شركات الطيران.
وهو ما ترافق مع القرار الذي أعلنه الجيش الأمريكي عن بدء عملية "الحارس" لحماية الملاحة بالخليج في ضوء تصاعد التوتر مع إيران، وبدأت قوة بحرية مشتركة التحرك لحماية ناقلات الغرب وسط تحدي إيراني واضح.
وكذلك، استمرار الحشد العكسري الأمريكي في السعودية ، التي تشهد اعادة انتشار للقوات الامريكية في مواجهة تحديات إيرانية متصاعدة، سواء في اليمن أو في منطقة الخليج العربي…
وفي السياق نفسه، يأتي المخطط الذي كشف عنه مؤخرا، باحتمالات توجية مصر لضربات عسكرية مباشرة ضد حكومة الوفاق الليبية بطرابلس، بعد هزيمة خليفة حفتر، انطلاقا من قواعد عسكرية مصرية..ما قد يهدد باضطرابات أمنية مضادة، أو أخطاء عسكرية وارد أن تصيب طيران مدني…وهو ما أكدته مصادر مقربة من خليفة حفتر، بانتهاء الثلاثي حفتر وحلفاؤه (مصر وفرنسا والإمارات) من خطة سرية للهجوم على طرابلس، وهو ما أعلنه حفتر خلال الساعات الماضية، بمطالبته الشباب بالمشاركة في الزحف على طرابلس. فيما حذر حكومة الوفاق الليبي من هجوم مؤكد على طرابلس من تحالف ثلاثي وهو فرنسا ومصر والإمارات ..
الواقع الأمني المصري
ولعل ما يؤشر لتطورات ميدانية في مصر، العديد من التقديرات الاستراتيجية، التي تتدارسها دوائر استراتيجية، توقعت حدوث عمليات إرهابية وصلت بها معلومات للاستخبارات الغربية، خاصة في ظل توسيع نشاط داعش في سيناء وزيادة هجماتها وعجز الجيش والشرطة عن منعها.
وهو ما يرجعه خبراء، لاحتمالية وصول الغرب معلومات عن شيء سيحدث في مصر في ظل معلومات ذكرتها حسابات سعودية على "تويتر" وقالها المستشار وليد شرابي عن أن "السيسي على وشك التخلص من عدد كبير من رموز نظامه ومعاونيه"، وكان أخرهم رئيس هيئة الشئون المالية بالجيش المصري، محمد أمين إبراهيم عبدالنبي نصر، الذي أطيح به من منصبه الذي كان يشغله منذ عام 2012 وحتى 14 يونيو الماض، والذي تحول لمجرد مستشار بمكتب السيسي، لا دور له بالأساس، سوى مزيد من السيطرة عليه..
فيما قد يستهدف السيسي ودئرته الجهنمية أن تغطي علي مخطط الاطاحة بقيادات نافذة في نظام السيسي ، قد تترافق مع تعديل وزاري كبير تتوقعه مصادر داخل النظام ان يكون مطلع الخريف المقبل، بحوادث عنف كبيرة وتفجيرات قد تستهدف مناطق في سيناء أو غيرها..
وهو ما تلاقى مع معلومات رصدتها دوائر استخبارية غربية، نقلت عنها وسائل اعلام تقارير ، تشير إلى
رصد خروج عشرات من ميليشيا محمد دحلان من سيناء إلى القاهرة ومدن أخرى؛ حيث العادة وقوع عمليات إرهابية ضخمة بترتيب مع النظام بخروجهم للمدن..
تعتيم اعلامي
وفور اعلان بريطانيا وألمانيا قراراتهما بشأن الطيران إلى مصر، صدرت تعليمات مشددة من دوائر المخابرات المشرفة على وسائل الاعلام الحكومية والحاصة، بعدم تناول القرار، والاكتفاء ببيانات وزارات الخارجية والطيران المصرية، ونقل تقارير عن استمرار السفر من وإلى مصر وبريطانيا، وذلك حتى مساء الأحد ، حيث تنوعت التعليمات الأمنية بمهاجمة بريطانيا ووصم قرارها بالسياسي وليس الفني، ويحمل غموضا سياسيا..
بل تجاوز الاعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية، أحمد موسى، بتأكيده أن 20% من شركة الخطوط الجوية البريطانية تمتلكها قطر، مؤكدًا أن قطر كان لها حصة فى الشركة 10% حتى 2015، وقررت فى 2016 رفع النسبة إلى 20%…وذلك في تصرف أمني بالأساس للتعمسة عن المخاطر التي تحدثت عنها النشة الأمنية البريطانية…
تداعيات اقتصادية
وأيضا تأتي التحذيرات البريطانية والمخاوف الالمانية، في توقيت بالغ الحرج على السياحة المصرية ، التي تنتظر موسم الاجازات الصيفية في أوربا والذي يبدأ مطلع شهر أغسطس، وتراهن مصر على زيادة عوائدها من العملة الأجنبية من جذب السياح إلى منتجعات شرم الشيخ الغردقة ، شرقي مصر..
وبحسب تقديرات البنك المركزي المصري، ارتفعت إيرادات مصر من السياحة خلال النصف الأول من العام المالى الجارى بنسبة 36.4% مقارنة بنفس الفترة العام المالى الماضي.
وأظهرت بيانات للبنك المركزى، أن متحصلات مصر من السفر بلغت نحو 6.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالى الجارى مقابل 4.9 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالى الماضى.
وارتفع الفائض من ميزان السفر إلى نحو 5.4 مليار دولار خلال النصف الأول من العام مقابل 3.8 مليار دولار خلال نفس الفترة العام الماضي.
وبحسب بيانات للمجلس العالمى للسياحة والسفر أظهرها الشهر الماضى فإن السياحة فى مصر شهدت انتعاشة خلال العام الماضي.
وقدر المجلس قيمة ما صرفه السياح فى مصر خلال العام الماضى 12.2 مليار دولار.
وتوقع التقرير أن يصل عدد السياح القادمين لمصر خلال العام الجارى 11.7 مليون سائح...وهي تقديرات قد لا تتحقق في ظل الأوضاع الأمنية المحيطة بمصر…
وتلقَّت السياحة في عهد السيسي العديد من الضربات التي تحتاج سنوات وسنوات لمعالجتها.
وبجسب خبراء، تعد القرارات البريطانية والألمانية ضربة للسياحة الأوروبية لمصر، والتي تعاني بالتبعية منذ سقوط الطائرة الروسية في صحراء سيناء خلال شهر نوفمبر عام 2015..
ومع بداية العام الجاري، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نتائج الترشيحات الخاصة بقوائم السفر الأفضل خلال 2019، إلا أن القائمة استثنت مصر من دخولها..
بينما أكد مسئولون بشركات السياحة أن الإشغالات ضعيفة جدا في المدن الرئيسية على البحر الأحمر وخاصة في الغردقة وشرم الشيخ…
مخاطر حقوقية
ولعل ما ذهب إليه بعض المراقبين بالاشارة إلى جرائم حقوقية متوقعة بحق المعارضين المصريين والمعتقلين، تظل الأخطر، حيث لا يتعامل النظام الأمني في مصر سوى بوحشية مع المعارضين ورافضينه، بدلا من صياغة خطط أمنية ذكية تتجاوز المخاطر الحقيقية، وتوجه للإرهابيين الحقيقيين ضربات استباقية، بل توجه الضربات الاستباقية لمعتقلين ومختفين قسريا لاشهار حالة من القوة الأمنية في مواجهة التهديدات الحقيقية..
وهو ما جرى من حوادث تصفيات جسدية لمختفين قريا، لدى النظام، جرى تصفيتهم وسط روايات أمنية متشابهة بتنفيذهم عمليات عنف…رغم ثبوت تواجدهم في عهدة الأمن، وابلاغ أسرهم سلطات النيابة بأمرهم ببلاغات رسمية ..
كما ينضاف لتلك المخاطر المتوقعة، هروب مزيد من الاستثمارات الأجنبية من مصر على إثر عدم الاستقرار السياسي..
خاتمة
ولعل كل تلك الرسائل الغربية تفرض على مصر البحث عن بديل سياسي، يخرج البلاد مما فيه من دوائر مغلقة من اللا استقرار واللا أمن ولا تنمية، ولا تداول سلمي للسلطة ولا ديمقراطية، وكأن مصر أغلقت على العسكر وقائدهم الانقلابي الذي لايفقه في السياسة ، كما قال سابقا : "أنا ماليش في السياسة"…وهو حقيقة تثبتها الأيام وتفرض بها تغييرا متوقعا يعيد مصر لمسارها المحلي الديمقراطي، الذي من خلاله تنطلق في مساراتها الاقليمية والدولية الحافظة للسلام والأمن الاقليمي، على عكس ما تمثله حاليا من مصدر للتوتر في ليبيا وفي اليمن وفي السودان وفي البحر المتوسط وفي البحر الأحمر ، بل وفي فلسطين وأوربا التي باتت لا تسلم من سياسات السيسي هي الأخرى، وما يسببه من سيول المهاجرين وطالبي اللجوء السياسي، بسبب قمع السيسي…