حزب "العدالة والتنمية" المغربي وأزمة تعريب العلوم
بقلم: حازم عبد الرحمن
حزب "العدالة والتنمية" المغربي هو أقدم حزب سياسي إسلامي يحمل هذا الاسم, ويعرف نفسه
بأنه: «حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي، ومزدهر ومتكافل, مغرب معتز بأصالته التاريخية ومسهم إيجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية».
وحظي في الاستحقاقات الأخيرة بثقة الناخبين، انطلاقاً من رسالته وبرنامجه الموجه إلى خدمة جماهير الشعب المغربي عموما.
وقد اكتسب الحزب صفته وشعبيته من روافد الحركة الإسلامية مثل حركة الإصلاح التجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، اللتين اندمجتا في «حركة التوحيد والإصلاح» بقيادة الدكتور أحمد الريسوني في 31 أغسطس 1996.
وخاض معارك عديدة أشهرها معركته ضد ما سمي آنذاك بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية والتي تصدى لها بقوة وحزم، بمشاركته الواسعة في المسيرة المليونية بالدار البيضاء في 12 مارس 2002، مما جعل الحكومة تسحب خطتها, وتدخل الملك محمد السادس على إثر ذلك وشكل لجنة وطنية من العلماء والقضاة والمفكرين أعدت مدونة الأسرة التي عرضت لأول مرة على البرلمان.
كما نجح الحزب في مواجهة خصومه السياسيين على أثر الأحداث الارهابية في 16/05/2003 بالدار البيضاء، حيث حاول منافسوه جعله في موضع الاتهام, واعتبروه يتحمل المسئولية المعنوية لما وقع من أحداث؛ حيث أن الذين نفذوا تلك العمليات ينتمون إلى التيارات السلفية المتشددة، وذلك برغم مسارعته إلى إصدار بيان إدانة في صباح اليوم الثاني أي يوم 2003/05/17، وتم منعه من المشاركة في المسيرة المنددة بالأحداث الإرهابية, وقد نجا الحزب من مطالبات خصومه (خاصة اليسار) بحله.
وقد حقق الحزب نجاحات لفتت الأنظار حيث حصل على9 مقاعد في الانتخابات البرلمانية سنة 1997 ثم حصل على 42 مقعدا في انتخابات 2002 من أصل 395 ثم46 مقعدا في انتخابات 2007 ثم 107 مقاعد في انتخابات 2011 ثم 125 مقعدا من أصل 395 في انتخابات 2016 , وهو يقود الحكومة المغربية حتى الآن.
و"العدالة والتنمية" المغربي هو الحزب الإسلامي الوحيد في الوطن العربي الذي بقي في السلطة دورتين متتاليتين, محققا نجاحا غير مسبوق, بتقديم برنامج سياسي واقعي, وعمل حقيقي لخدمة الجماهير, التي منحت ثقتها لمن وجدت فيه صفات النزاهة والشفافية وطهارة اليد ؛ ما أضعف حملات الخصوم, وجعلها ضعيفة التأثير, ولم يتأثر الحزب بخروج أمينه العام عبد الإله بنكيران من قيادة الحكومة التي تولاها سعد الدين العثماني, وهو من أبرز رموز الحزب.
لكن هذه النجاحات ليست تفويضا على بياض للحزب ليقدم على "التورط" في "مطبات" مثل عدم التصويت بالرفض في مجلس النواب على مشروع قانون تدريس بعض العلوم باللغة الفرنسية؛ ما دفع رئيس الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" إدريس الأزمي الإدريسي إلى الاستقالة من منصبه؛ فاللغة العربية "مسألة مبدأ" خاصة مع حزب له مرجعية إسلامية؛ لذلك لم يكن كافيا امتناع غالبية نواب الحزب عن التصويت, بل كان واجبا عليهم التصويت بالرفض، مما سمح بتمرير مشروع القانون أولا , ثم تمريره لاحقا ونشره بالجريدة الرسمية.
*قضية التعريب في المغرب
ينص الدستور المغربي على أن تظل العربية اللغة الرسمية للدولة التي تعمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها, كما ينص أيضا على الأمازيغية كلغة رسمية, بينما في الواقع تهيمن الفرنسية على الجامعات والحكومة والأعمال التجارية؛ ما يمثل خطرا على الثقافة والهوية.
وهناك خلافات جذرية بين الفريقين المؤيد والمعارض لتعريب العلوم؛ وقد تجلى ذلك في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عندما رأى أنه قد حان وقت البدء في تعريب التعليم؛ فكانت ثورة الفرنسيين على القرار, واعتباره قطيعة بين المغرب والحضارة الفرنسية أو الفرانكفونية, ولما كان المغرب قد اعتمد سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، فإنها ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تُدرَّس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي بالبلاد، إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي, وعقب ذلك، قررت المملكة تعريب جميع المواد حتى نهاية مستوى الثانوية، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع الجامعات والكليات والمعاهد حتى اليوم.
ويرى الإسلاميون والعروبيون أن تدريس العلوم بغير اللغة القومية ينتقص من الهوية والثقافة, ويرون أن الأمم يمكن أن تنجز تنميتها وتقدمها الحضاري والعلمي عن طريق اللغة الوطنية الأم، وأن اللغة العربية أثبتت حيوية ملموسة في استقبال العلوم والتكنولوجيا المعاصرة، وحالها في ذلك مثل الكثير من اللغات الوطنية لدى الأمم الأخرى. وهذا ليس خاصا بالمغرب فقط, وإنما في كل الدول العربية إذ تمثل قضية التعريب أهمية كبرى لدى هذين التيارين, بينما تناوئها الأحزاب الليبرالية واليسارية.
وفي المغرب يؤيد اليسار والليبراليون اعتماد الفرنسية لغة لتدريس المواد العلمية، وهم مدعومون من أوساط المال والأعمال والاقتصاد، ومقربون من السلطة، ما يعني أن السلطة المركزية في المغرب، أو ما يوصف بـ"الدولة العميقة" تميل إلى جانب من يريدون إحلال الفرنسية مكان اللغة العربية في المناهج التعليمية المغربية, وهو ما يمثل إحراجا شديدا لموقف حزب "العدالة والتنمية" الذي تنظر إليه جماهيره باعتباره مدافعا عن قضايا الهوية التي تمثل اللغة أحد أهم مرتكزاتها.
ولأنه لا يمكن تصور أن يتخلى "العدالة والتنمية" عن ثوابت الهوية؛ فالمطلوب منه مراجعة موقفه الأخير من تمرير قانون "فرنسة العلوم"؛ فلم يكن رفضه قويا بالدرجة التي ترضي جماهيره, خاصة أن تصريحات ضد القانون صدرت عن الأمين العام ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران يمكنها أن تثير الخلافات أكثر, وتستدعيها من تحت الرماد, وهو ما لا يحتاجه هذا الحزب الناجح.
وهناك تخوفات مشروعة لدى رافضي "فرنسة التعليم" فقد يكون القانون مجرد بداية لمشروع أكبر، له أبعاد سياسية وثقافية وفكرية كبيرة لا تتضح خطورتها إلا في المستقبل, مع ما تحمله من حساسيات وطنية وتاريخية, وهنا لا يمكن إغفال مسئولية الحزب الذي يقود الحكومة, وهو أمر يستحق التوقف والمراجعة داخل مؤسسات "العدالة والتنمية".