التصعيد الغربي الايراني وحلب دول الخليج…بين التوازنات الدولية والمخاطر الاقليمية
في تسارع سياسي غير مسبوق، بين الغرب وامريكا من جهة وايران من جهة أخرى، تتعقد المواقف السياسية الدولية، في ظل تصعيد كبير عبرت عنه حرب الناقلات بين بريطانيا وايران، وخرب الطائرات المسيرة بين أمريكا وايران ، والتي تضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية، التي تبدو أنها مرحلة مدروسة من كافة الأطراف، ستخرج أطراف خليجية منها بخسارة كبيرة وخاصة (السعودية والامارات)…
إلا أن الموقف الأمريكي الأخير ، يزيد الأمور ارتباكا حول حقيقة التصعيد ضد ايران، وحدوده وأهدافه الأمريكية، ففي الوقت الذي صعدت فيه ادارة ترامب من تصريحاتها ضد ايران، جاء تصريح ترامب، مساء الثلاثاء، ليكشف المزيد من الابتزاز الأمريكي لدول الغرب والحليج العربي أيضا، لتحقيق مصالح مالية، مقابل تصعيد ضد إيران مدفوع الثمن، قائلا: “إنه بلاده لا تحتاج إلى استيراد النفط لأنها أصبحت دولة مصدرة، كما أنها لا تحتاج إلى حراسة مضيق هرمز من أجل الدول الغنية دون مقابل”.
مضيفا “نحن نحصل على نفط قليل جدا من المضائق… لقد قالوا إنه لا توجد ناقلات نفط أمريكية هناك، بل من الصين واليابان. الصين تستورد 65% من النفط من هناك واليابان 25% ودول أخرى تحصل على الكثير أيضا”..
متابعا” ..نحن من يقوم بحراسة المضيق منذ عقود طويلة ولم نحصل على مقابل أبدا، نحن نحرسه لكل هذه الدول”..
“…لماذا نحرسه للصين واليابان وكل هذه الدول الغنية جدا؟ ونحن نحرسه أيضا من أجل دول بعضهم نعاملهم بصداقة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وآخرين أيضا، ولكن لماذا نفعل ذلك دون مقابل؟ ولماذا نضع سفننا الحربية هناك؟”.
وتصاعدت الخلافات الايرانية الغربية الأمريكية على خلفية اعلان ايران تعليقها الاتفاق النووي لحين عودة أمريكا له، واعلان زيادة كميات اليورانيوم المخصب، وذلك ردا على العقوبات الاقتصادية الغربية الأمريكية ضد طهران، وحظر تصدير نفطها، وهو ما اعتبرته تهديدا كبيرا لكيان الدولة الايرانية، اليورانيوم المخصب الذي يحق لها الاحتفاظ به بعد تخصيبه بنسبة 3.67%، فقد أعلنت إيران وقف عمليات بيع اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، والذي لا يجوز لها بموجب الاتفاق أن تحتفظ من اليورانيوم المخصب بأكثر من ثلاثمائة كيلوغرام في أي وقت، وأن لا يزيد ما تمتلكه من الماء الثقيل على 130 طنًّا. كما تقول إيران إنها شرعت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5% بعد أن كانت النسبة 3.67%، وهي التي ينص عليها الاتفاق.
مشددة على أن مضيق هرمز لن يكون آمنا لمرور نفط دول المنطقة مالم تصدر إيران نفططها، وقامت باستهداف عدة ناقلات نفط بموانئ السعودية والإمارات –حسب اتهامات غربية- ثم اسقاط طائرة أمريكية مسيرة، ثم ردت أمريكا باسقاط طائرة ايرانية مسيرة، بعد تهديدات بتوجية ضربة جوية لطهران تراجع عنها ترامب في اللحظات الأخيرة، وفي ضوء التصعيد قامت بريطانيا باحتجاز ناقلة نفط ايرانية كانت في طريقها لسوريا عند معبر مضيق جبل طارق، وردت طهران باحتجاز ناقلة نفط بريطانية كانت بمضيق هرمز، وقامت برفع العلم الإيراني عليها، كنوع من زيادة الإذلال لطاقمها…
وفي أتون ذلك تصاعدت المطالبات الدولية لإيران بتسليم السفينة البريطانية، وتهديدات بعمل عسكري دولي مشترك، تبلور في اطلاق أوروبا آلية مراقبة بحرية لحماية خطوط الملاحة الدولية في مضيق هرمز، وهو ما دفع إيران لتعلن عن اطلاقها آلية اقليمية للغرض نفسه معأطراف اقليمية، لم تعلن عنهم حتى الآن..
في غضون ذلك، واستجابة لمطالب سعودية، نفذت واشنطن عملية انتشار لعسكريين أمريكيين في السعودية، في ضوء حماية الأمن الخليجي…مع صفقات تسليح كبيرة للسعودية والامارات..وهو ما سيضع المنطقة على حافة الهاوية…التي يبدو انها مدروسة ن قبل ايران وامريكا، نحو تحصيل مزيد من المصالح الاقتصادية، مقابل الحماية التي يطالب ترامب بدفعها من قبل دول الحليج، فيما تراهن ايران على اطلاق حوار دولي معها يحفظ حقوقها ومواقفها السياسية الدولية ، سواء مع الغرب أو الأمريكان، ترفع بمقتضاها العقوبات الاقتصادية عن كاهلها…
مهمة أوروبية
وكان دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي كشفوا عن تأييد دول كبرى في أوروبا للانضمام إلى مهمة بحرية، كانت قد اقترحتها بريطانيا الاثنين الماضي، على لسان وزير خارجيتها، جيريمي هنت، لتأمين الملاحة في الخليج، ردًّا على احتجاز إيران، الجمعة الماضية ، ناقلة النفط التي كانت تعبر بحر عمان رافعة العلم البريطاني.
وبحسب “رويترز” أكد الدبلوماسيون أن “كلا من فرنسا والدنمارك وإيطاليا وهولندا أبدت تأييدا قويا للمهمة المحتملة، وكذلك أبدت كل من ألمانيا وإسبانيا والسويد والنرويج..
ومن المتوقع أن يدير المهمة قيادة بحرية بريطانية- فرنسية مشتركة، ولن تشمل الاتحاد الأوروبي أو حلف الأطلسي أو أميركا بشكل مباشر.
وبالتوازي مع ذلك، دعت السعودية أيضًا، الثلاثاء 23 يوليو، المجتمع الدولي إلى منع المساس بحرية الملاحة البحرية، معتبرة احتجاز إيران سفنًا تجارية، بما في ذلك السفينة البريطانية، “انتهاكًا للقانون الدولي“...
وكانت طهران قد حذرت رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون، في وقت سابق الثلاثاء، مؤكدة أنها تنوي حماية مياه الخليج في أزمة احتجاز ناقلات النفط بين البلدين، وذلك عبر تغريدة لوزير خارجيتها، محمد جواد ظريف.
وكتب ظريف، بعد تهنئة جونسون بمنصبه الجديد: “إيران لا تريد المواجهة… لكن قرار حكومة (رئيسة الوزراء السابقة) تيريزا ماي احتجاز ناقلة (غريس 1) الإيرانية في مياه جبل طارق بأمر من (الولايات المتحدة) هو فعل قرصنة واضح بكل بساطة”، داعيا بريطانيا إلى “ألا تقحم نفسها في مؤامرات” واشنطن والسعودية والإمارات وإسرائيل ضد إيران، وفق قوله.
المقترح البريطاني الأوروبي يعمل بمعزل عن مقترح واشنطن التي تمارس أقصى ضغط على إيران، في حين تؤكد لندن أن “المملكة المتحدة ستبقى ملتزمة بالاتفاق النووي” الذي يهدف إلى كبح برنامج الصواريخ الإيراني مقابل رفع العقوبات.
وكان احتجاز إيران للناقلة البريطانية مخيمًا على حديث وزير الخارجية، الذي دعا طهران إلى الإفراج الفوري عن الناقلة “ستينا إمبيرو” التي ترفع العلم البريطاني، التي احتجزها الحرس الثوري الإيراني في بحر عُمان عند مدخل مضيق هرمز، فيما وصفته لندن بأنه “قرصنة دولة”، مشيرًا إلى عرض للإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية المحتجزة في جبل طارق منذ نحو 3 أسابيع إذا قدمت طهران ضمانات بعدم تسليم حمولتها لنظام بشار الأسد.
وتلى ذلك ، الاعلان عن نية بريطانيا ارسال موفد دولي للفاوض مع ايران لاطلاق السفينة البريطانية، يوم الأربعاء..
حدة الموقف البريطاني المعلن على لسان وزير الخارجية لم تحجب تأكيده على عدم السعي لمواجهة مع إيران، لكن في الوقت نفسه، أكد أنه “لا تنازلات فيما يتعلق بحرية الملاحة”، محذرًا من أن على إيران دفع ثمن المضي في سياستها الراهنة بقبول وجود عسكري غربي أكبر على امتداد سواحلها.
عسكرة الخليج
المملكة المتحدة تقوم منفصلةً بزيادة وجودها العسكري في الخليج، لأنها تخشى من أن القوة التي تقودها الولايات المتحدة، وتعمل عبر مضيق هرمز ستُعتبر تصعيدًا من جانب إيران، وربما تزيد من فرص حدوث المزيد من النقاط الساخنة
ويتشابه الاقتراح البريطاني الجديد إلى حد كبير مع القوات البحرية الدولية الحاليّة العاملة في الخليج بالإضافة إلى قوة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة العاملة قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا، لكن مهام هذه القوات هي حماية الشحن إلى حد كبير من الجهات الفاعلة غير الحكومية، في حين أن قوات الأمن البحري المعُلن عنها ستحمي أفراد الطاقم والشحن مما وصفها وزير الخارجية البريطاني بأنه “أعمال قرصنة غير شرعية من إيران“.
وبحسب تصريحات وزير الخارجية البريطانية هانت، فإن سفينة حربية ثانية أرسلتها بريطانيا إلى المنطقة ستصل بحلول 29 من يوليو الحاليّ، لضمان استمرار الوجود الأمني البحري البريطاني.
نشر القوات الأمريكية
وبجانب التجييش الأوروبي، تأتي التعزيزات العسكرية الأمريكية وإعادة انتشار عدد كبير من قواتها في السعودية، لتضع منطقة الحليج على حافة الهاوية، حيث أُرسلت القوات الأمريكية إلى السعودية بدعوى “تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”..
ما يعني أن المملكة المتحدة تقوم منفصلةً بزيادة وجودها العسكري في الخليج، لأنها تخشى من أن القوة التي تقودها الولايات المتحدة، وتعمل عبر مضيق هرمز ستُعتبر تصعيدًا من جانب إيران، وربما تزيد من فرص حدوث المزيد من النقاط الساخنة.
واعترف هانت بأن الولايات المتحدة طلبت أولاً من المملكة المتحدة المساهمة في قوة حماية بحرية بقيادة الولايات المتحدة في 24 من يونيو، مما أدى إلى طلب رسمي في 30 من يونيو، لكنه قال إنه يريد أن تكون المساهمة في قوة الحماية البحرية المقترحة واسعة قدر الإمكان، ما يعني أن عددًا من الدول الأوروبية لن تكون مستعدة للمساهمة إذا كانت الولايات المتحدة التي تقود القوة.
وفي مذكرة مشتركة صادرة عن الاتحادات التجارية الرائدة يوم الإثنين، طُلب من قباطنة السفن التسجيل لدى هيئة الاتصال التابعة للبحرية الملكية، وتقديم خطط النقل الخاصة بهم قبل 24 إلى 48 ساعة من دخول المنطقة، وشملت التفاصيل المطلوبة جنسيات أفراد الطاقم وأي قيود وسرعة السفينة، على أن تُنقل المعلومات المقدمة إلى البحرية الأمريكية والقوات البحرية الأخرى المشاركة في الجهود المبذولة لإنشاء مبادرة أمنية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة أُطلق عليها اسم “الحارس” لزيادة المراقبة والأمن في الممرات المائية الرئيسية في الشرق الأوسط كما تقول واشنطن.
ومع تطورات المشهد ، تقف الحكومة البريطانية في موقف صعب للغاية، فهي لا تريد أن تدعم ما يريده الأمريكيون، وهو المشاركة في مساعي واشنطن لتشكيل تحالف عسكري دولي لحماية الشحن التجاري والممرات المائية الإستراتيجية قبالة سواحل إيران واليمن، لكن ليس لديهم ما يكفي من السفن الحربية الخاصة بهم لحماية ناقلات النفط التي ترفع علم المملكة المتحدة، وهو ما عبَّر عنه هانت بقوله إنه لا يمكن للبحرية الملكية توفير مرافقين لكل سفينة أو القضاء على جميع مخاطر القرصنة، ولكن يمكن تقليل المخاطر بشكل كبير إذا تعاونت شركات الشحن التجارية تعاونًا تامًا مع مشورة الحكومة البريطانية.
يُضاف إلى ذلك أن المواجهة بين إيران وبريطانيا، على وجه الخصوص، تحمل تعقيداتها، فالدول الأوروبية – بما في ذلك بريطانيا – تقع في الوسط بين واشنطن وطهران، وتحتل مكانة محورية في مجموعة من الدول الأوروبية التي لم توافق على قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الصفقة النووية، وحاولوا الحفاظ على الحياد، والتوسط لحل صراع أوسع بين طهران وواشنطن بشأن مصير اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية، لكنهم فشلوا حتى الآن في تقديم طريقة أخرى لإيران لتلقي المزايا الاقتصادية الموعودة للاتفاق.
وتبقى الأجواء مشحونة بقدر من التوتر بالغ الانفجار في أي لحظة، لكن بموازاة ذلك، يزور وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي إيران مجددًا يوم السبت بعد أن دعت بلاده جميع الأطراف لضبط النفس. كان الوزير العُماني قد قام برحلة مماثلة لطهران في 22 من مايو الماضي إثر الموجة الأولى من التصعيد في الخليج بين واشنطن وطهران.
رغم هذا، لا يُعرف سقف واضح لهذا التصعيد المتبادل في المنطقة ولا على أي ناقلة سيكون الدور في تلك الحرب المحتدمة ربما على غير مثال سابق، وبحسب محللين، فإن المواجهة تزيد من فرص الصراع حتى لو لم يرغب أي طرف في الحرب.
هذا النوع من الاستفزاز المتبادل وتصاعد التوترات يمكن أن يخلق وضعًا يتصاعد فيه بسرعة نوع من سوء الفهم، هنا، تتجه المنطقة إمَّا نحو تصاعد التوترات والصراعات التي قد تكون في ذروتها اندلاع الحرب أو الاحتكاك العسكري المباشر أو قد تتجه نحو المفاوضات، إذ يرى خبراء بريطانيون أن تسوية الأزمة من جذورها تتطلب التزام أوروبا بالاتفاق النووي المبرم مع إيران والسعي بجدية لتغيير الموقف الأمريكي.
وفي حين يعتقد البعض أن الولايات المتحدة أو إيران لا تريدان حقًا شن حرب، لكن هذا النوع من الاستفزاز المتبادل وتصاعد التوترات يمكن أن يخلق وضعًا يتصاعد فيه بسرعة نوع من سوء الفهم، ومع تزايد التهديدات العسكرية من الولايات المتحدة، ربما تكون هذه هي الطريقة التي تتبعها الحكومة الإيرانية لتقول للمجتمع الأوروبي إن ما يحدث “أمر خطير، أنتم تحتاجون إلى مساعدتنا هنا، وإلا قد تسوء الأمور“.
..وهو ما يمثل قمة الابتزاز الاقتصادي الذي يرنو اليه ترامب…
ولعل أبرز أنواع الاستنزاف والابتزاز الاقتصادي الذي يحققه ترامب من الأزمة مع ايران، ما ذككرته وكالة الأنباء السعودية الجمعة قبل الماضية، بشأن موافقة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على استضافة قوات أمريكية في السعودية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
تلك الخطوة التي تأتي وفق مسؤول بوزارة الدفاع السعودية بهدف “رفع مستوى العمل المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها وضمان السلم فيها“.
فيما قال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه إن العملية ستشمل إرسال نحو 500 فرد من الجيش الأمريكي إلى السعودية وإنها تأتي في إطار زيادة عدد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط التي أعلنها البنتاغون الشهر الماضي، بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز” …
وقد مثلت قاعدة الأمير سلطان أهمية كبرى للأمريكان خلال وجودهم بها قبل 16 عامًا، إذ لعبت دورًا أساسيا في إستراتيجية واشنطن بالمنطقة، وذلك لما كانت تتمتع به من قوة عسكرية هائلة تجاوزت في بعض الأحيان 60 ألف عسكري أمريكي بجانب أحدث منظومات العتاد المتطور.
اليوم تفكر واشنطن في العودة مرة أخرى في وقت تشهد فيه المنطقة تسخينًا من أطراف عدة، يوشك أن يحول الشرق الأوسط إلى ساحة حرب عالمية، خاصة في ظل ما يمارس من تحرش عسكري في مياه الخليج على ضوء حرب الناقلات بين إيران من جانب والغرب وحلفائه الخليجيين من جانب آخر.
عودة القوات الأمريكية للقاعدة السعودية ليس وليد اللحظة، إذ كشفت العديد من البيانات الصادرة عن جهات رسمية عزم واشنطن القيام بهذه الخطوة منذ فترة، ففي تقرير سابق لمحطة “سي إن إن” أشار إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تستعد لإرسال مئات الجنود إلى القاعدة التي تقع بمنطقة صحراوية شرق العاصمة السعودية الرياض.
يأتي هذا الإجراء تزامنًا مع التصعيد الإيراني الغربي المشتعل منذ الانسحاب الأحادي الأمريكي من الاتفاق النووي الموقع في 2015 واللجوء مجددًا إلى سياسة فرض العقوبات الاقتصادية
التقرير أشار إلى وجود عدد قليل من الجنود بالموقع للتمهيد لاستقبال وتشغيل بطارية لنظام الدفاع باتريوت، وتطوير مدرج للطائرات استعدادًا لوصول قاذفات مقاتلة، فيما قال البنتاغون مؤخرا إن شركة لوكهيد مارتن فازت بعقد قيمته 1.48 مليار دولار لبيع منظومة ثاد الدفاعية الصاروخية للسعودية، مضيفة أن العقد الجديد تعديل لاتفاق سابق لإنتاج المنظومة الدفاعية لصالح السعودية، وذكرت أن الاتفاق الجديد يرفع القيمة الإجمالية لصفقة ثاد إلى 5.36 مليار دولار.
جدير بالذكر أن أنباء إرسال قوات أمريكية للسعودية تأتي بعد يوم واحد فقط من تصويت مجلس النواب لصالح ثلاثة تشريعات تحظر بيع القنابل الذكية للسعودية والإمارات على خلفية انتهاكات البلدين لحقوق الإنسان واستهداف المدنيين في حرب اليمن، فيما تبنى الكونغرس قرارًا بوقف الدعم العسكري للمملكة، إلا أن الرئيس دونالد ترامب استخدم حق الفيتو لتعطيل القرار، وتعهد بإعاقة أي قرارات تؤثر سلبًا في العلاقة مع الحليف السعودي.
كما أن الوجود العسكري الأمريكي في السعودية من المؤكد ألا يحمّل الخزانة الأمريكية أي أعباء، فالفاتورة بكل تفاصيلها سيتحملها الشريك السعودي، المستفيد الأقرب من هذه الخطوة
القيادة المركزية الأمريكية في بيان لها علقت على هذا الإجراء بقولها: “بالتنسيق مع وبدعوة من المملكة العربية السعودية، أذن وزير الدفاع بنقل الأفراد والموارد الأمريكية من أجل الانتشار في المملكة العربية السعودية.. يوفر هذا التحرك للقوات رادعًا إضافيًا، ويضمن قدرتنا على الدفاع عن قواتنا ومصالحنا في المنطقة من التهديدات الناشئة والموثوقة، هذا التحرك يخلق عمقًا عملياتيًا وشبكات لوجستية“.
التجييش العسكري الأمريكي في السعودية على وجه الخصوص يحمل رسائل تهديد لحلفاء طهران في اليمن ولبنان “حزب الله” وفي سوريا، هذا بجانب ميليشاته في العراق التي نجحت في الاندماج بالجيش الوطني العراقي وتعيين قائد الحشد الشعبي رئيسًا لهيئة أركان الجيش، الخطوة التي اعتبرها البعض تعزيزًا للنفوذ الإيراني في العراق..
ولم تستقبل السعودية قوات أمريكية منذ عام 2003 عندما انسحبت في المرة الأخيرة بعد انتهاء حرب العراق.
ومع تطورات التصعيد الايراني، الذي يأخذ اشكالا عدة، سواء في مضيق هرمز ، أو في الأراضي السعودية عبر هجمات عسكرية ينفذها الحوثيون، او بحرب التخصيب لليورانيوم، او بفعل حرب الناقلات، فإنه من المتوقع ، وبحسب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قد تتجه بريطانيا لفرض عقوباتٍ على إيران، بما فيها تجميد أصول إيرانية. وقد تذهب، في مرحلة تالية، إلى المطالبة بإعادة فرض العقوبات الأممية والأوروبية التي رفعت عن إيران بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015. ولكن هذا الأمر لن يكون سهلًا، إذ يتوقع أن تستخدم روسيا، وربما الصين، حق النقض ضد أي مشروع قرار تتقدّم به بريطانيا في مجلس الأمن بهذا الخصوص. أما أوروبيًا، وعلى الرغم من حصول بريطانيا على تضامن أوروبي في أزمتها مع إيران، وخصوصا من شريكتيها في الاتفاق النووي، فرنسا وألمانيا، فإن إعادة فرض العقوبات الأوروبية على إيران قد تلقى، هي الأخرى، مقاومة في هذه المرحلة، من باريس وبرلين، لأن ذلك يعني فعليًا القضاء على آخر فرص إنقاذ الاتفاق النووي الذي تبذل الدولتان جهدًا كبيرًا للمحافظة عليه.
وفي هذا السياق، تتجه واشنطن إلى عقد مؤتمر “وارسو 2″، في المنامة، والذي يتوقع أن يجمع الدول التي شاركت في مؤتمر وارسو في فبراير 2019، وقاده حينها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في عملية حشد دبلوماسي لمواجهة إيران.
ويبدو أن واشنطن تحقق خطوات في هذا المجال؛ إذ أعلنت القيادة المركزية الأميركية أنها “تقوم بتطوير مجهود بحري متعدد الجنسيات”، باسم “الحارس”، لزيادة المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسة في الشرق الأوسط “بهدف تعزيز الاستقرار البحري، وضمان المرور الآمن، وخفض التوترات في المياه الدولية في جميع أنحاء الخليج العربي ومضيق هرمز ومضيق باب المندب وخليج عُمان”. ولقد استغلت الولايات المتحدة احتجاز الناقلة البريطانية لإعطاء دفعة كبيرة لجهودها الرامية إلى إنشاء تحالف “راغبين” لمواجهة إيران، وتشديد الخناق عليها، وإقناع المتردّدين، وتحييد
المعارضين. وكانت الولايات المتحدة تواجه صعوباتٍ في حشد دعم دولي ضد إيران في بداية الأزمة، لأنها الطرف الذي أخلّ بالتزاماته بموجب الاتفاق النووي بانسحابها منه. ومن ثم، يعتبر عديدون أنها المسؤولة في المقام الأول عن هذه الأزمة. أما الآن، وقد راحت إيران تعترض السفن، وتستهدف الناقلات، وتؤثر في سلامة الإمدادات والأسعار، مع ما يعنيه هذا للاقتصاد العالمي، فإن دولا عديدة قد يغير موقفه، لأن أحدًا لا يريد أن يسمح بالاعتداء على حرية الملاحة في المياه الدولية، وخصوصا في المعابر والمضايق الاستراتيجية، بغض النظر عن الدوافع والأسباب، فحتى الصين التي كانت الأقرب دائمًا إلى الموقف الإيراني باتت ترسل إشاراتٍ إلى أنها، وإن كانت ترفض المشاركة في تحالف دولي تقوده واشنطن لحماية حرية الملاحة في الخليج، لن تعترض على قيامه، فالصين تستورد أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط من منطقة الخليج (44% تقريبًا من وارداتها النفطية)، وهي لا تريد أي انقطاع في الإمدادات؛ ما يؤثر على اقتصادها الذي يواجه صعوبات بالفعل، بعد أن انخفضت نسبة نموه إلى نحو 6.4% بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، ومن ثم لا تريد مزيدًا من الاهتزازات...وهو سيناريو قد يكون أقرب للتحقق من سيناريو الابتزاز الذي تمارسه واشنطن مع طهران وأوروبا..وهو ما يضع المنطقة في مرمى الحرب سةاء الاقتصادية أو العسكرية، في حال وفرت أي من أطراف المعادلة المال مقابل الحماية، وهو على ما يبدو ستدفعه السعودية والامارات..