تونس.. تحديات ما بعد رحيل السبسي

 تونس.. تحديات ما بعد رحيل السبسي

بقلم: حازم عبد الرحمن

في 25 يوليو 2019 تم إعلان وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قبل نهاية فترته الرئاسية بمدة وجيزة؛  ما جعل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تقرر تقديم موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر المقبل, بعد أن كان من المقرر أن تقام في نوفمبر 2019, وجرت عملية انتقال مؤقت للسلطة إلى محمد الناصر رئيس البرلمان؛ ما يشير إلى استقرار الدولة ومؤسساتها, وتستعد تونس لاستقبال حدث الانتخابات الرئاسية والتشريعية بروح تعددية تنافسية عالية, وهي إحدى ثمار الربيع العربي المزهر في هذا البلد.

والباجي قائد السبسي جاء من دولة الحبيب بورقيبة العلمانية, وخاض الانتخابات الرئاسية في 2014 ضد الرئيس السابق  المنصف المرزوقي ليتولى رئاسة الجمهورية  في  31 ديسمبر 2014 , وقدم خلال فترة حكمه نموذجا للتوافق للخروج بالتجربة الديمقراطية إلى مرحلة الرسوخ , واحترام خيار الشعب؛ ما جعل من تونس البلد العربي الوحيد الذي نجا من مؤامرات الثورة المضادة بعد الربيع العربي؛ رغم المحاولات التي سعى من ورائها محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ومحمد بن سلمان ولي عهد السعودية , وكان من أبرز تجلياتها ما خطط له وزير الداخلية السابق لطفي براهم، بالتعاون مع الإمارات؛ لنسف التجربة الديمقراطية بالبلاد, والعودة بها إلى الدكتاتورية.

وقد كان السبسي أحد رجلين حملا على عاتقهما مهمة التوافق من أجل إرساء التجربة الديمقراطية الوليدة, وكان شريكه في ذلك الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي قدم هو الآخر نموذجا في الوعي بتحديات المرحلة؛ ما أسهم في الحوار الوطني والتوافق، ووضع أسس لاستمرار الانتقال الديمقراطي.

وبينما لم يذهب الغنوشي وحركته ـ وهي الحزب الأقوى حالياـ إلى المغالبة السياسية, وإنما فضل عليها المشاركة والتوافق؛ فإن السبسي كذلك رفض الإملاءات والإغراءات الخارجية، ومحاولات قطع الطريق على المسار الديمقراطي, وصمد أمام رموز الثورة المضادة، ومن يدعمهم في الخارج, لكنه من ناحية أخرى واجه انتقادات كأي رئيس شرعي له أخطاء في الحكم مثل الانحياز لابنه ولحزبه. لكنه في النهاية لم يستطع الخروج عن المسار الديمقراطي بسبب يقظة الشعب التونسي وحراسته تجربته الوليدة.

*الحفاظ على مكتسبات الثورة

على عكس ما شهدته مصر وليبيا وسورية واليمن؛ حققت تونس مكتسبات مهمة بعد ثورتها, وخلع زين العابدين بن علي؛ حيث تم وضع دستور يؤكد التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ تونس، وتكاد تكون معدومة حاليا في العالم العربي كله, وتسببت روح التوافق بين "نداء تونس" بقيادة السبسي وحركة "النهضة" بقيادة الغنوشي في استيعاب قوى الثورة المضادة المرتبطة بنظام المخلوع بن علي بقبولها ضمن المنافسة الانتخابية وإدارة الصراع بالآليات الديمقراطية, ويمكن القول أن استمرار هذه الروح بعد رحيل السبسي يمكن أن يحمي التجربة الوليدة بعيدا عن التمترس حول الإيديولوجيا, ويكمن التحدي هنا في كثرة الانشقاقات التي تعرض لها حزب "نداء تونس" وفقدانه شخصية توافقية مثل السبسي ما يمكن أن يعيد مكونات الحزب إلى أصولها البعيدة عن التوافق, وترى في حركة النهضة خصما لها .

*التحديات مستمرة

تتشابه دول الربيع العربي في تعرضها لمؤامرات محور الثورة المضادة المتمثل في الإمارات والسعودية ونظام الانقلاب في مصر, وما يجري من تدخلات مريبة لإفشال الثورة السودانية, وإشعال حرب أهلية في ليبيا دليل أكيد على استمرار محور الثورة المضادة.

وفي تونس الوضع مختلف؛ إذ الحكم بالشرعية التي يمنحها الشعب عبر انتخابات حرة, لكن هناك تحديات من أهمها:

ـ استمرار محور الثورة المضادة في العمل ضد تونس, ومحاولة إفشال تجربتها الديمقراطية, بعد خلع بن علي وإسقاط نظامه.

ـ  بقاء موالين لنظام المخلوع بن علي في دوائر الأحزاب ووسائل الإعلام ومراكز المال والنفوذ، ولا يمكن استبعاد علاقتهم بالرعاة الإقليميين للثورة المضادة الذين يسعون إلى إسقاط التجربة التونسية الرائدة.

ـ الانشقاقات في حزب "نداء تونس" الذي كان بقيادة السبسي أحد جناحي التوافق مع حركة النهضة للعبور بالتجربة إلى بر الأمان؛ ما يجعل المشكلة في غياب أحد طرفي التوافق.

ـ غياب الظهير الإعلامي القوي الداعم لنجاحات الثورة التونسية؛ حيث يسيطر فلول المخلوع بن علي الفضاء الإعلامي,  محاولين خلق الفزاعات الوهمية , وتثبيط العزائم حتى يندم الشعب على الثورة

ـ أحاديث قيادات حزبية عن تحالفات سياسية, ليس بهدف الوصول إلى السلطة, وإنما بهدف إقصاء حركة النهضة, وعزلها, وهذا السلوك مؤشر خطير على فعل الثورة المضادة وبداية تحركاتها, فهي لا تهتم بالوصول إلى السلطة, وإنما بإقصاء الإسلاميين.  

ـ أن الأحزاب التونسية ليست كلها على قلب رجل واحد من الثورة ومكتسباتها ؛ فمثلا حزب "نداء تونس" يمثل خليطا غير متجانس؛ يضم في أغلبه القوى الكارهة للثورة والرافضة للقوى الجديدة, ولولا حكمة السبسي ما نجح في قيادته إلى التوافق.

ـ الأزمة الاقتصادية التي خفف من وقعها استمرار نجاح الحكم الديمقراطي, وهي تضحية من الشعب الواعي بالمخاطر المحيطة بتجربته, لكن يجب أن نتذكر أن للصبر حدودا.

وهذه التحديات تفرض الحرص من الجميع على استمرار التوافق الذي استمر بعد الثورة ثم طوال فترة رئاسة السبسي, وقدم الغنوشي تعهدا باستمراره في تصريح مهم له قال فيه:  "إن الحركة لا تزال بانتظار العصفور النادر الذي ستدعمه في الرئاسية"، مشددا على أنّها "تبحث عن مرشّح توافقي لتدعمه سواء من داخلها أو من خارجها".

وفي النهاية يبقى الشعب هو حائط الصد الأخير دفاعا عن ثورته ومكاسبه, وسوف تكون تونس بخير ما لم تطلها مخالب محور الثورة المضادة.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022