دراسة مسار العلاقات المغربية الإماراتية من التحالف إلى الأزمة
العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية ودولة الإمارات تعود لسنة 1972 في عهدي الراحلَيْن الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كان المغرب من أوائل الدول التي دعَّمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية، ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات تطورًا متزايدًا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والإعلامية والقضائية والعلمية والسياحية والثقافية. وفي سنة 1985 تمَّ استحداث لجنة مغربية-إماراتية مشتركة، عقدت أولى دوراتها في عام 1988 و2001 ثم في 2004 و2006 وصولًا لتوقيع حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في سنة 2015، بحضور الملك محمد السادس وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حيث بلغ عددها حوالي إحدى وعشرين اتفاقية ومذكرة، شملت مجالات الأمن والسياسة والطاقة والتعليم والرياضة والثقافة والجمارك والشؤون الإسلامية والصحة والاتصالات والسياحة والبنية التحتية وغيرها، وقد تميزت تلك الحميمية بتقليد الشيخ محمد بن زايد بالوسام المحمدي من الدرجة الأولى؛ تقديرًا لإسهاماته في تدعيم العلاقات الأخوية التي تجمع المملكة المغربية ودولة الإمارات، وهو الذي تربطه علاقات حميمية بالمغرب حيث درس بالمدرسة المولوية في المغرب في سبعينات القرن الماضي، وفي عام 2011 وصلت موجات الربيع العربي إلى المغرب، حيث خرج المواطنون إلى الشوارع للمطالبة بتغييرات سياسية واسعة النطاق، وكانت هذه لحظة حاسمة في التاريخ الحديث للبلد، حيث بادر الملك محمد السادس بالقيام بإصلاحات دستورية غير مسبوقة انتهت بإدماج الإسلاميين لأول مرة في الحكم، بالإضافة إلى ذلك، حاول الملك تنويع شركائه على الساحة الدولية، والبحث عن حلفاء جدد. في ذلك الوقت، سعت دول الخليج العربي إلى دمج المغرب من خلال تشكيل حلف يضم الملكيات العربية، وقد تلقى المغرب على إثر ذلك دعمًا سياسيًّا واقتصاديًّا مهمًّا من الإمارات وباقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، على إثر ذلك أصبحت دولة الإمارات تحتل المرتبة الأولى عربيًّا من حيث الاستثمارات بالمغرب، وكأول مستثمر في بورصة الدار البيضاء، حيث استثمرت في عدة قطاعات استراتيجية بمليارات الدولارات، مثل شركة الجرف الأصفر للطاقة التي تلبي أكثر من نصف حاجيات المغرب من الكهرباء، كما تمتلك شركة اتصالات الإمارات 53% من شركة اتصالات المغرب، إضافة إلى استثماراتها في الموانئ واللوجستيك والنقل الجوي والمطارات إلى جانب القطاعات السياحية والعقارية والخدماتية. كما أن دولة الإمارات في تلك الفترة تعهدت بتقديم هبة بقيمة 1.25 مليار دولار للمغرب في إطار المنحة الخليجية التي تناهز قيمتها 5 مليار دولار من أجل المساهمة في تمويل مشاريع تنموية في المملكة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ يصل إلى 100 مليون دولار، إضافة لتمويلها عدة مشاريع خيرية مثل مستشفى الشيخ زايد بالرباط، ومستشفى الشيخ خليفة بالدار البيضاء، ومستشفى محاربة داء السرطان بالرباط، والوحدة الطبية المتنقلة لجراحة العيون، ومستشفيات أخرى، إلى جانب بناء الطرق السيارة والسدود. كما شهدت العلاقات الاقتصادية نموًّا متصاعدًا، حيث ارتفعت المبادلات التجارية بين البلدين من 464 مليون دولار في عام 2013 إلى 524 مليون دولار في عام 2017 بمعدل نمو سنوي بلغ 3% لآخر 5 سنوات، فيما بلغ معدل النمو السنوي في إجمالي التجارة بين البلدين للعامين 2016 و2017 نحو 9%، أي ما يعادل 3 أضعاف معدل النمو للسنوات الخمس الماضية. ومن الجانب الآخر تمكنت دولة الإمارات إلى جانب باقي دول الخليج من الاستفادة من “الحليف” المغربي على ثلاثة مستويات أساسية: – أولًا المستوى الاقتصادي: حيث يُعدُّ المغرب بوابة مجلس التعاون الخليجي تجاه إفريقيا وأوروبا نظرًا لموقعه الجيوستراتيجي، الأمر الذي سيمكن مستقبلًا دول الخليج على التوسع اقتصاديًّا في هذه المناطق من خلال الاستفادة من خبرة المغرب وعلاقاته مع الدول الأفريقية . – ثانيًا المستوى الجيوسياسي والدبلوماسي: سياسيًّا من خلال استثمار تجربة المغرب داخليًّا وخارجيًّا كنظام ملكي حليف خاض تجربة الإصلاح في ظل الاستقرار، على اعتبار أن الأنظمة الملكية العربية هي الأكثر استقرارًا في المنطقة، وهي وحدها القادرة على إصلاح نفسها في سياق تميز بانهيار وتراجع الجمهوريات العربية في المنطقة، ودبلوماسيًّا عن طريق دعم المغرب المتواصل لاستعادة سيادة الإمارات على الجزر الثلاث المحتلة من طرف إيران، ومساندة المغرب للترشيحات التي تقدمها الإمارات على صعيد المنظمات الإقليمية والدولية، مثل: استضافة مقر منظمة “إيرينا”، واستضافة المعرض العالمي “إكسبو 2020″، وتصويت المغرب لصالح الإمارات من أجل الحصول على العضوية في مجلس حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التنسيق دبلوماسيًّا مع المغرب من أجل استثمار علاقاته القوية مع الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا، فيما يخص بعض ملفات وقضايا الشرق الأوسط، وجيوسياسيًّا من خلال حصول الإمارات على وجود أكبر في شمال إفريقيا؛ ومساهمتها في وقف زحف الربيع العربي وتقويض حركات الإسلام السياسي، وإدخال دولة عربية أخرى ضمن دائرة نفوذها واستمالة مواقفها الخارجية. – ثالثًا المستوى الاستراتيجي: المرتبط بالتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي، حيث صادق البلدان منذ مارس 2015، على اتفاقية للتعاون العسكري تنص على تشكيل لجنة مشتركة وتوسيع التعاون في مجالات السياسات الأمنية والدفاع وإقامة دراسات وأبحاث في الصناعات العسكرية، بالإضافة إلى تبادل الخبرات العسكرية وإقامة الدورات العسكرية والتدريبات والتمارين المشتركة(6)، حيث تعول دول الخليج على المغرب بشكل كبير فيما يخص التصدي للتمدد الشيعي في المنطقة، بالإضافة لحاجتها الملحة للجيش المغربي بخبرته الطويلة وتمرسه للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي، سواء من خلال مشاركته في “التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات” ضد الحوثيين في اليمن، علاوة على مشاركته في الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى جانب أميركا ودول الخليج، ودعم يشمل كذلك التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم الميداني، هذا المستوى بالتحديد من التحالف يعكس انخراط المغرب بشكل قوي في الحفاظ على أمن واستقرار دول المجلس. إذا كانت علاقة المغرب مع دولة الإمارات تندرج أساسًا ضمن دعم حلقات الانتماء العربي الإسلامي والعلاقات الودية -بل والعائلية- التي تربط العائلتين الحاكمتين في كل من المغرب والإمارات وفي إطار المصالح المشتركة، فقد أصبحت في الوقت الراهن ملزمة بالتأقلم مع التحولات الداخلية التي أفرزتها موجة الثورات العربية منذ 2011، في هذا الإطار فإن موضوع الاستقلالية في القرار الخارجي إلى جانب الوحدة الترابية باتا يشكِّلان من المنظور الاستراتيجي أهم محددات السياسة الخارجية المغربية، إلى جانب رهان تحقيق التنمية وبناء دولة ديمقراطية. رفض سياسات الهيمنة وبداية الانقلاب لقد كان التحالف بين المغرب ودولة الإمارات تاريخيًّا قويًّا، غير أن الفترة التي شهدت تقاربًا أكبر كان ذلك نتيجة لنظرة واقعية وبراغماتية لدول عربية ذات أنظمة ملكية انزعجت بشكل أو بآخر من موجات الاحتجاجات التي انطلقت مع الثورات العربية، والتي كانت مدعومة بالمخاوف المشتركة بشأن الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها دول مجاورة في المنطقة. ومع استقرار الأوضاع في المغرب وتراجع خطر تحوُّل الوضع إلى ثورة واسعة النطاق على غرار بعض الدول العربية، ارتفع هاجس الرباط إزاء سياسات الإمارات المتشددة والعدائية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقيادة ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، التي تبيَّن أنها تسعى للهيمنة وممارسة الوصاية على علاقاتها مع المغرب، في الوقت الذي أصبح المغرب يولي اهتمامًا أكبر…