هل تلجأ السلطة الفلسطينية وحماس إلى تفعيل أدواتهما لمواجهة صفقة القرن؟
التاريخ: 8 فبراير 2020 بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبجواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الثلاثاء 28 يناير 2020، عن الشق السياسي لخطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط، والمعروفة إعلاميًّا بـ “صفقة القرن”. ثار الحديث عن الأدوات الفعالة التي تملكها كل من السلطة الفلسطينية وحماس لمواجهة تلك الصفقة، وتمثلت تلك الأدوات بصورة أساسية في وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل من قبل السلطة، ولجوء حماس إلى التصعيد العسكري ضد إسرائيل في قطاع غزة، وأخيرًا، وليس آخرًا، اتجاه الطرفين نحو تحقيق المصالحة. فهل يتجه الطرفان نحو تفعيل تلك الأدوات لمواجهة الصفقة؟ هل تنفذ السلطة الفسطينية تهديدها بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل؟: كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية “12”، في 29 يناير 2020، أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعث برسالة شخصية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد فيها أن الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعني أن إسرائيل والولايات المتحدة قد ألغتا اتفاقية أوسلو. وقالت المعلقة السياسية للقناة دانا فايس، إن عباس شدد في الرسالة التي سلمها وفد فلسطيني إلى وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون، لينقلها إلى نتنياهو، على أن السلطة ترى نفسها “غير ملزمة بتنفيذ كل التزاماتها في اتفاقية أوسلو، وضمن ذلك التعاون الأمني مع إسرائيل”. وأضاف عباس في رسالته: “يحق لنا أن نقوم بتحطيم القواعد تمامًا كما تفعلون، من خلال الإجراءات الأحادية الجانب”. وحسب فايس، فإن عباس شدد في رسالته على أنه معنيٌّ بنقل هذه الرسائل الواضحة لنتنياهو، قبل أن يقوم بإبلاغ اجتماع الجامعة العربية بها يوم السبت المقبل (1 فبراير)[1]. وفي كلمته خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في 1 فبراير الجاري (2020) بالقاهرة، فقد أعلن عباس عن رفض الفلسطينيين لـ “صفقة القرن، ورفض بقاء الولايات المتحدة وسيطًا وحيدًا لأي عملية سلام مستقبلية”. وذكر أنه أبلغ رسميًّا الأمريكيين والإسرائيليين، بقطع كافة أشكال التنسيق الأمني معهما، معلنًا انطلاق المواجهة السلمية لاسترداد الحقوق الفلسطينية. إلا أن أغلب التحليلات التي تناولت تلك التهديدات أكدت على أنه لن يتم تنفيذها، وذلك لمجموعة من الأسباب، منها: 1- أن عباس سبق وأن هدد بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل عدة مرات، كما أن المجلسين المركزي لمنظمة التحرير والوطني اتخذا العديد من القرارات بهذا الشأن عام 2015 بقطع العلاقات مع إسرائيل، وفي 2017 بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة، ولم يتم تنفيذ أي منها[2]. 2- أن لغة عباس أصبحت أقل حدة، فقد أشار أبو مازن، خلال ترؤسه اجتماعًا للحكومة الفلسطينية في مدينة رام الله، الاثنين (3 فبراير 2020) إلى أنه أبقى قناة واحدة للتنسيق مع الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض، مؤكدًا أنها لن تقطع، ومن ضمنها العلاقات الأمنية. وعن العلاقة مع الجانب الإسرائيلي قال الرئيس الفلسطيني: “كذلك مع إسرائيل، لا يوجد الآن أي علاقة إلا الأغراض التي يبيعوننا إياها ونشتريها منهم، والتنسيق الأمني، ونحن نرفض هذا التنسيق إذا استمروا في هذا الخط”[3]. 3- أن اللقاءات بين الأجهزة الأمنية مستمرة ولم تتوقف، فقد كشفت قناة “كان” العبرية، عن زيارة سرية قامت بها جينا هاسبل مديرة وكالة المخابرات المركزية إلى مدينة رام الله بعد يوم واحد من إعلان تفاصيل “صفقة القرن”، واجتمعت برئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج والوزير حسين الشيخ[4]. فضلا عن إجراء مسؤولي الأمن الإسرائيلي محادثات مع كبار المسؤولين الفلسطينيين وكبار المسؤولين الأمنيين في السلطة الفلسطينية، في محاولة لطمأنتهم بعد إطلاق ترامب لصفقة القرن[5]. أكثر من ذلك، فإن رئيس المخابرات العامة الفلسطينية، ماجد فرج، يبدو أنه من الشخصيات التي عملت على إنجاح الصفقة، فهو كان مجتمعًا مع مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكية، سرًّا قبل الإعلان عن الصفقة. يذكر أن فرج خلال الأعوام الأخيرة، قام بمجموعة من المهام التي مهدت لتمرير بنود الصفقة؛ إذ نجح الرجل -الذي ينادونه بـ «الباشا»- في استئصال حركة حماس وأسلحتها، والحد من نفوذها العسكري كثيرًا في الضفة الغربية[6]. 4- استمرار الاعتقالات السياسية من قبل السلطة، واستجواب المعتقلين من أبناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والذي يعد مؤشرًا على عدم وجود نية لدى السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. 5- حالة الاستقرار الأمني في مدن الضفة الغربية المحتلة بعد إعلان ترمب لخطته للسلام، وعدم وجود مسيرات شعبية قوية ضد أماكن التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يعكس درجة التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل. 6- أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية سمحت لمسيرات بعد إطلاق صفقة القرن؛ ولكنها لم تسمح لهذه التحركات أن تأخذ مدى بعيدًا، أو تصل إلى مستوى يؤثر على الاحتلال الإسرائيلي. 7- كما حرصت الولايات المتحدة على إبقاء التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما ظهر في أنه في حين قامت واشنطن بقطع الدعم المالي عن السلطة، فإنها لم توقف الأموال عن الأجهزة الأمنية[7]. 8- أن عباس يخشى من أن تستغل حماس إطلاق صفقة القرن وما قد ينتج عنها من تسخين الشارع في الضفة الغربية؛ لاستعادة وجودها، والسيطرة مرة أخرى على الضفة؛ ولذلك فقد اتخذ أبو مازن قرارًا باستمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل[8]. 9- كما يخشى عباس من أن قطع العلاقات مع إسرائيل يؤدي إلى التسريع في عملية استبداله بغريمه المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، خاصة في ظل العديد من الأجراءات التي تشير إلى استعداد دحلان لتولي رئاسة السلطة، والتي كان آخرها، ترتيب وضع تياره المسمى الإصلاحي ضمن مساعيه لتأسيس أطره النقابية. حيث أنشأ دحلان أخيرًا مكتبًا مركزيًّا لصحافييه على غرار «المكتب الحركي لصحافيي فتح»، فيما يعمل على إنشاء مؤسسات إعلامية في قطاع غزة، مقابل منع عباس نشاطه في الضفة المحتلة. وتترافق تلك الجهود مع العمل على إعادة إحياء مؤتمر “عين السخنة” بنسخته الثانية، الذي يهدف إلى استضافة دورات ومخيمات في مصر، تركز على استهداف طاقات حقوقية وإعلامية، وتحديدًا من فئة الشباب الغزيين، مع دخول مباشر على خط الترويج لدور أكبر للقيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، الذي تحول إلى خصم آخر لعباس. وفي هذا السياق، يشتكي مسؤولون مقربون من «أبو مازن» من موقف «الرباعية العربية» (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين) التي دعم أطرافها «صفقة القرن»، وهم أنفسهم من يرون في دحلان رجل المرحلة المقبلة. ومن هنا، يُفهم جزء من الأسباب التي تجعل «فتح» مصرّة على زيارة غزة، وعودة العمل على ملف المصالحة[9]. هل تصعد حماس عسكريًّا ضد إسرائيل؟: تشترط خطة السلام الأمريكية تجريد قطاع غزة بالكامل من السلاح، قبل تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها الواردة بالخطة، وقبل إحداث أي تحسينات كبيرة لحياة السكان في القطاع. وجاء في المقترحات: “ستنفذ إسرائيل التزاماتها بحسب الاتفاق فقط في حال: سيطرة السلطة الفلسطينية أو أي هيئة وطنية أو دولية أخرى مقبولة لدى دولة إسرائيل بالكامل، ونزع سلاح حماس، والجهاد الإسلامي، وبقية المنظمات في غزة، وتكون غزة منزوعة السلاح”. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتنازل حماس أو فصائل المقاومة الموجودة في قطاع غزة عن سلاحها لأى جهة، حتى إذا كانت تلك…