موت الثقافة المصرية على أعتاب معرض القاهرة للكتاب

مع انطلاق الدورة الـ51   لمعرض القاهرة للكتاب، تتصاعد آلام المثقفين المصريين، الذين يواجهون الامتهان العقلي والجسدي على أعتاب صالات العرض بمنطقة التجمع الخامس، شرقي القاهرة، وهو ما يدفع الكثير من المثقفين والقراء وعشاق الكتاب، للعزوف عن المشاركة في المعرض، والذي تحول بفعل العقلية الأمنية القاهرة لمصيدة للمثقفين وأصحاب الرأي. وللعام الثاني على التوالي يقام المعرض، في مقره الجديد بأرض المعارض بالتجمع الخامس، في الفترة من 22 من يناير الحاليّ وحتى 4 من فبراير القادم، بمشاركة 38 دولة عربية وأجنبية، (12 دولة إفريقية، و11 دولة أوروبية و13 دولة آسيوية، ودولتين من أمريكا الشمالية). الدورة الـ51 من المعرض الذي يأتي تحت شعار “مصر إفريقيا.. ثقافة التنوع” الذي تحل فيه السنغال ضيف شرف، في سابقة هي الأولى من نوعها لدولة إفريقية تشارك كضيف شرف المعرض منذ افتتاحه، يطغى عليه البُعد السياسي الممتزج بالإطار الثقافي وهو ما تترجمه حزمة من الشواهد والفعاليات التي يتضمنها على مدار أسبوعين كاملين. وجاء اختيار السنغال في إطار الترويج لرئاسة مصر للاتحاد آلافريقي إذ اقتصرت المشاركات آلافريقية كضيف من دول شمال إفريقيا الناطقة بالعربية، جاءت مغلفة بالصبغة السياسية، تزامنا مع رئاسة مصر للاتحاد آلافريقي عام 2019، واهتمام القاهرة بضرورة الانفتاح على الثقافات آلافريقية بعد جفاء دام طويلًا أسفر عن تراجع مكانة مصر القارية. ويشارك في المعرض هذا العام 900 دار نشر من بينهم 398 دار نشر مصرية، 255 ناشرًا عربيًا، و41 تاجرًا من سور الأزبكية، و99 توكيلًا، إضافة إلى ما يقرب من 929 فعالية ثقافية وفنية، و3502 من المشاركين المصريين والعرب والأجانب، فيما تشارك بعض الدول لأول مرة. كما يستضيف المعرض في دورته الحاليّة عددًا من الشخصيات الثقافية العامة من عدد من الدول العربية وآلافريقية والأوروبية، على رأسهم ، بيروني رحيم “زيمبابوي” وخوسيه مورينو “إسبانيا” وولي كيندر “بوركينا فاسو” وهيدي جودرتيش “أمريكا” وطارق الطيب “السودان” وضياء الأسدي “العراق” وعيسى الأنصاري “الكويت” وحاتم الصكر “الإمارات” وشربل داغر “لبنان” وتركي الحمد “السعودية” ومحمد الأشعرى “المغرب”، ومحمد أخطانا “موريتانيا” وكانديس ماما “جنوب إفريقيا”، والمنصف الوهابي “تونس”، ومراد السوداني “فلسطين”. ورغم ذلك الزخم المعلن، يبدو في آلافق فرزا ثقافيا تزايد، إزاء الكثير من الكتاب والمثقفين العرب، الذين يجري استبعاد شخوصهم أو نتاجهم الثقافي والعلمي.   قلة المبيعات فيما يشتكي مشاركون من تراجع المبيعات وتضاعف الخسائر في ظل الإحجام عن الشراء لأسباب عدة على رأسها أسعار الكتب الغالية والأزمة الاقتصادية التي يشهدها الشارع المصري. وترجع أسباب ركود المبيعات لارتفاع أسعار الكتب ذاتها في ظل القفزات الجنونية في أسعار الورق والطباعة والضرائب مقارنة بالسابق، وأخرى تتعلق بالتحديات الاقتصادية التي تواجه النسبة الكبرى من الجماهير التي وقعت بين خيارين غاية في الصعوبة، إما الطعام والشراب أو الثقافة، وعليه اكتفى الكثير منهم بالحضور من باب “الفرجة” فقط والتقاط الصور والفيديوهات. ورغم التحديات التي تواجه معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي ربما تهدد مستقبله حال استمر الوضع على ما هو عليه دون مراجعة من المسؤولين عن الثقافة في مصر في ظل استحداث معارض أخرى بديلة، كالأزبكية ودرب المعز.   إقصاء فكري وشهد المعرض في دورته الحاليّة غياب بعض دور النشر التي اعتادت المشاركة طيلة السنوات الماضية، فيما تعددت مبررات الغياب، بين دوافع أمنية وأخرى سياسية، فيما جاءت الدوافع المادية في المقدمة في ظل زيادة أسعار إيجارات المساحات المخصصة لدور النشر في المعرض. ومن ضمن الممنوعين من المشاركة في المعرض في دورته الحالية، مكتبة “تنمية”، كما أن قلة المساحة في المعرض الجديد مقارنة بالقديم قلصت حجم الدور المشاركة، وهو ما انعكس على أسعار إيجار المتر الواحد، وهو ما ينطبق أيضا على “بنك المعلومات العربي” إحدى الدور المتخصصة في النشر الإلكتروني والمشاركة بانتظام في المعرض، لأنهم رفضوا المشاركة في النسخة الحاليّة من المعرض للأسعار الباهظة التي باتت عليها أماكن استئجار الإقامة داخل مركز المؤتمرات، المقر الجديد. وهو ما يؤكد أن قلة المساحة في المعرض الجديد مقارنة بالقديم قلصت حجم الدور المشاركة، وهو ما انعكس على أسعار إيجار المتر الواحد، فبعدما كان لا يتجاوز 800 جنيه قفز إلى 1200 جنيه للدار وضعف هذا الرقم لشركات الكمبيوتر والاتصالات، الأمر الذي يجعل المشاركة مغامرة مادية غير محسوبة، إذ أن الإقبال في ظل تباعد المكان لن تكون بالشكل المتوقع، هذا بخلاف تراجع حركة البيع عمومًا بسبب زيادة أسعار الكتب والمؤلفات عن السنوات السابقة، وهو ما يجعل تعويض المبلغ المنفق على الإيجارات والمصروفات الأخرى أمرًا صعبًا..     تضييق أمني على الجمهور   وبشكل مستهدف، تأتي سياسات التفتيش والتوقيف للجماهير كسياسة عامة، تنتج عنها الطوابير الممتدة على أبواب المعرض الخمسة، وقد يستغرق الدخول وقتًا طويلاً ربما يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30 دقيقة، حيث التفتيش الدقيق لحقائب السيدات على وجه الخصوص إضافة إلى الازدحام الشديد من رجال الأمن حول بوابة الدخول. وبعد الانتهاء من هذا الطابور المرهق قد يتوقع البعض أن الأمر انتهى، وبات في مقدرة المواطن أن يتجول داخل المعرض وقاعاته بأريحية نسبية كما كان الوضع في السنوات السابقة، لكن الوضع لم يكن كذلك، ففي مدخل كل قاعة يوجد طابور آخر وبوابة إلكترونية جديدة، وتفتيش ربما يكون أكثر دقة من الباب الرئيسي، وفق شهود عيان. تلك الإجراءات الأمنية المتعمدة تتسبب في إرهاق المواطنين وتضيع عليهم الكثير من الوقت فضلاً عن الإجهاد الكبير جراء الوقوف لوقت طويل.   الضغوط الأمنية   ومن ضمن التضييقات الأمنية ، ما وصفه أستاذ النقد والأدب العربي بجامعة عين شمس د. حسام عقل، من حيث عدم الالتزام بجدول الندوات، وفزع الناشرين من المشاركة بسبب السياق الأمني المحتقن، وما يمكن تسميته “عملية الردة الشاملة عن الحريات”، بل إن الأمر لم يطل الناشرين المصريين فحسب، فالقمع وصل إلى الزوار الأجانب للمعرض، حيث اعتقلت قوات الأمن في دورة المعرض في 2014، مواطنا يمنيا بتهمة التصوير في المعرض! بجانب ذلك، ما تناولته “دويتش فيله” الألمانية فالمعرض يعكس حالة الانقسام السائدة وحالة التشدد في مواجهة كل ما ينتسب للإخوان المسلمين سواء أعمال أو شخصيات، وغلبة المطبوعات التي تهاجمهم وتنال من سياساتهم وشخصياتهم وتاريخهم.   مستقبل غامض ومع مرور الوقت تحول معرض القاهرة للكتاب من محفل ثقافي ينتظره عامة الشعب قبل النخبة إلى إحدى أدوات تنفيذ الأجندة السياسية للنظام الحاكم، وهو ما قد يفقد المعرض الأكبر والأقدم في المنطقة بريقه الذي ظل على مدار عقود طويلة مضت قبلة للناشرين والمتابعين للشأن الثقافي من مختلف دول العالم.   أبعد من معرض الكتاب قهر المثقفين   وفي إطار القمع الممنهج الذي يمارسه السيسي، أعلنت إدارة سلسلة مكتبات “ألف”، مؤخرا، غلق 37 فرعًا لها بشكل رسمي، وتسريح أكثر من 250 موظفًا، بعد نحو 10 أعوام من افتتاحها، وحصار دام قرابة العامين، إثر قرار لجنة التحفظ على أموال جماعة “الإخوان” بالتحفظ على أموال “الشركة العربية الدولية للتوكيلات التجارية”…

تابع القراءة

“مصر 2020” عام الرمادة على أصحاب المعاشات.. أبعاد الأزمة وآفاق الحل

تلقى ملايين المصريين من أصحاب المعاشات صدمتين مع بدء العام الجديد 2020م؛ تؤكدان أن نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي مصمم على حصارهم بمزيد من الآلام والمعاناة، في ظل انعدام أي آفاق للحل أو أمل في وضع حد لهذه المعاناة التي لم تتوقف يوما منذ انقلاب 30 يونيو 2013م والإطاحة بالمسار الديمقراطي. فحتى اليوم  لم يتم تنفيذ أحكام القضاء الدستوري والإداري الخاصة بضم العلاوات الخمسة لأصحاب المعاشات رغم أن الطاغية عبدالفتاح السيسي قام في مارس 2019  بسحب استشكال الحكومة على حكم الإدارية العليا لصالح أصحاب المعاشات وسط زفة إعلامية ضخمة تصوره باعتباره نصير الفقراء الذي ينتصر للملايين من أصحاب المعاشات؛ فمجرد تقديم الاستشكال من جانب الحكومة هو في حد ذاته مناورة والتفاف، وقرار السيسي بسحبه أثبتت الأيام أنه كان مسرحية مفتعلة لامتصاص صدمة الجماهير وغضبتها، وعدم تنفيذ الأحكام حتى اليوم برهان على أن نظام السيسي يصر على هضم حقوق أصحاب المعاشات، وليس لديه نية من الأساس لإعادة الحقوق لأصحابها بعد أن أدمن السطو واحترف أساليب الجباية وقطاع الطرق. أما الصدمة الأكبر فهي بدء العمل بقانون التأمينات والمعاشات الجديد بدءا من يناير الجاري “2020م”. على ما يترتب على ذلك من  ظلم على أصحاب المعاشات وعائلاتهم التي تصل إلى أكثر من 25 مليون مواطن يستفيدون من نظام المعاشات. «وكان وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، أصدر قراراً عام 2005 بضم أموال صناديق التأمينات الاجتماعية إلى الموازنة العامة، على أن يكون وزير المالية هو الوزير المختص بتنفيذ تشريعات التأمين الاجتماعي، بدلاً من وزير التأمينات. ونصّ القرار على صرف المعاشات من الخزانة العامة، لا من عائدات اﻷموال الاستثمارية، وهو ما مهد إلى استغلال أموال صناديق التأمينات التي قدرت بنحو 841 مليار جنيه، ، لصالح 9 ملايين و530 ألف مؤمن عليهم،  والسطو عليها  من أجل تمويل عجز الموازنة العامة للدولة». «وكشف تقرير رقابي للجهاز المركزي للمحاسبات، عن تضخم مديونية وزارة المالية لصالح أصحاب المعاشات لتصل إلى 180 مليار جنيه، نتيجة عدم سداد الوزارة التزاماتها تجاه أصحاب المعاشات والتأمينات. وذكر التقرير الذي أرسله الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، إلى رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي ورئيس حكومته وقتها شريف إسماعيل والنائب العام السابق نبيل صادق، أن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، تتحمل منفردة منذ 11 عامًا قيمة الزيادات السنوية في المعاشات، بالمخالفة لقانون التأمين الاجتماعي، والذي يلزم الخزانة العامة للدولة ممثلة في وزارة المالية بهذه الزيادات لأصحاب المعاشات»([1]).   رفض  تنفيذ حكم العلاوات الخمسة الصدمة الأولى تتعلق برفض وزارتي «التضامن والاجتماعي والمالية» بحكومة الانقلاب تحمل تكاليف صرف العلاوات الخمسة لأصحاب المعاشات، وجرى اشتباك لفظي بين ممثلي الوزارتين خلال جلسة لجنة القوى العاملة بالبرلمان يوم 12 يناير 2020، بسبب عدم رغبة كل منهما في تحمل أي من الوزارتين قيمة العلاوات الخمسة التي قضى مجلس الدولة بصرفها لأصحاب المعاشات عن الفترة من 2006 إلى 2015. وانتهى اجتماع اللجنة دون التوصل لحل، وجرى الاتفاق على إعداد مشروع قانون لتنفيذ الحكمين الصادرين لحساب أصحاب المعاشات، وتدخل النائب محمد وهب الله مؤكدا أنه أعد بالفعل مشروع قانون لتنفيذ  حكم  محكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا لصالح أصحاب المعاشات الذين قدرت وزارة التضامن عددهم بنحو 2.5 مليون مستحق، بإجمالي ثمانية مليارات جنيه. مشروع القانون يتضمن تنفيذ الحكمين بإعادة حساب معاشات المحالين للتقاعد اعتبارًا من أول يوليو 2006 وحتى الآن، وإضافة 80% من آخر خمس علاوات لم تُضم إلى الأجر الأساسي، كلٌ حسب تاريخ خروجه على المعاش، حتى علاوة القانون رقم 99 لسنة 2018. ومن المُفترض أن يُوقع على القانون خُمس أعضاء البرلمان ليتم عرضه على الجلسة العامة للبرلمان، لمناقشته والتصويت عليه.  وجوهر الخلاف بين الوزارتين يتعلق بمن يتحمل مصاريف العلاوات الخمسة والمقدرة ب،”8″ مليارات جنيه؛ حيث اشترط سامي عبدالهادى، رئيس صندوق التأمينات الاجتماعية للعاملين بالقطاعين العام والخاص وممثل وزارة التضامن، للموافقة على مشروع القانون أن ينص على تحمل خزانة الدولة (وزارة المالية) لهذه المستحقات، وليس صندوق التأمينات والمعاشات، وهو ما رفضه أسامة مصطفى، ممثل وزارة المالية في البرلمان، قائلًا إن هذه العلاوات «تركة قديمة للصندوق». ([2]) وكانت محكمة القضاء الإداري قضت في 31 مارس 2018 بأحقية صاحب المعاش في إضافة نسبة 80% من قيمة العلاوات الخاصة الخمس إلى قيمة المعاش، تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر عام 2005، وهو الحكم الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا في 22 فبراير 2019م، غير أن الحكومة رفضت تنفيذه وقدمت إشكال تنفيذ أمام محكمة الأمور المستعجلة، قبل أن يوجه رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي بسحب الإشكال وتنفيذ الحكم، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. أولا:  الحكومة تتهرب فعليا من تنفيذ حكم الدستورية العليا سنة 2005م، كما تتهرب من تنفيذ حكمي مجلس الدولة”2018″ والإدارية والعليا”2019″م؛ فمجرد الاستشكال  لا يمنع حتى من تنفيذ الحكم،  ولكنه كان  مناورة يستهدف بها نظام السيسي التهرب من تنفيذ الأحكام القضائية لأصحاب المعاشات، لكن النظام وجد في تقديم الاستشكال فضيحة من العيار الثقيل؛ فلجأ إلى حيلة أخرى أكثر مكرا ودهاء، فأمر السيسي بسحب الاستشكال وجرى تلميعه على هذا الإجراء دون أن تنفذ حكومته أحكام القضاء لأصحاب المعاشات؛ وهو برهان على أن ما فعله السيسي كان مجرد مسرحية مفتعلة لامتصاص صدمة الجماهير وغضبتها. لكنه من خلف الكواليس أوعز لحكومته بالتحايل والتلكؤ في تنفيذ الأحكام وصولا إلى التهرب منها بذرائع ومبررات تافهة وهو في ذات الوقت  يهدر مئات المليارات على مشروعات وهمية بلا جدوى ولا تسهم مطلقا في زيادة الدخل القومي كما فعل في مشروع تفريعة قناة السويس التي أهدر فيها أكثر من مائة مليار جنيه بدعوى رفع الروح المعنوية للشعب، والعاصمة الإدارية التي يهدر ولا يزال عليها مئات المليارات دون عائد يذكر. الأمر الثاني: أن انتظار مسار إعداد مشروع قانون جديد لتنفيذ هذه الأحكام هو إدخال للأزمة في ثلاجة البرلمان ودليل آخر على تهرب نظام السيسي من تنفيذ هذه الأحكام لصالح أصحاب المعاشات؛ خصوصا وأن البرلمان على وشك انتهاء دورته البرلمانية ترقبا لمسرحية انتخابية جديدة لإعادة هندسته وتشكيله من جديد تحت رعاية أمنية مطلقة بما يضمن مزيدا من السيطرة والولاء للنظام. الدليل الثالث على تهرب حكومة السيسي من تنفيذ الأحكام أن قانون التأمينات والمعاشات الجديد  الذي صدق عليه السيسي لم يتضمن آلية محددة لتنفيذ هذه الأحكام، كما لم يحدد الجهة أو الوزارة التي تقع عليها مسئولية تنفيذ هذه الأحكام؛ ولذلك تهربت وزارة التضامن الاجتماعي أمام البرلمان من تنفيذ الأحكام بهذه الذريعة وبررت موقفها بأن القانون الجديد لم يصرح  بذلك ولم يدرج مخصصات مالية لتنفيذ هذه الأحكام.([3]) قانون التأمينات والمعاشات الجديد الصدمة الثانية تتجاوز الصدمة الأولى لأنها تشمل جميع المشمولين بالمعاشات وعائلاتهم وليس مستحقي ضم العلاوات الخمسة فقط؛ وهو بدء العمل بقانون التأمينات والمعاشات الجديد(القانون رقم 148 لسنة 2019م) بدءا من 1 يناير الجاري “2020”م،  وكان الطاغية السيسي…

تابع القراءة

نتائج مؤتمر برلين ومآلات الصراع في ليبيا

هدنة هشة، اتفاق وقف إطلاق نار لم يوقع عليه حفتر، وتوصيات سياسية بلا ضمانات للتطبيق، وخروقات متواصلة ووقف تصدير النفط من أكبر حقلين بشرق ليبيا للضغط على الوسطاء الأوروبيين من قبل حفتر الذي يطالب بإعادة تشكيل مؤسسة النفط على أساس المحاصصة القبلية وليس بشكل مركزي، ووعود بضغوط سياسية على الأطراف  الأجنبية، مع إطلاق مفاوضات “5+5”  الأمنية بين الأطراف الليبية برعاية دولية. هكذا تقف الأزمة الليبية أمام اختبار تطبيق التوافقات التي انتهى إليها  مؤتمر برلين الذي عقد بألمانيا  بمشاركة 12 دولة و4 منظمات دولية..   حيث تشير التطورات الميدانية  إلى أن  نتائج المؤتمر وما اتفق عليه في برلين ، ما زال بعيدا عن التحقق، حيث يسود هدوء حذر محاور القتال جنوبي العاصمة طرابلس بين قوات حفتر وقوات حكومة الوفاق الوطني، خاصة في صلاح الدين والخلاطات وعين زارة.   وكانت قوات عملية “بركان الغضب، التابعة لحكومة الوفاق اتهمت قوات حفتر بخرق الهدنة، وقصف مواقع قوات الوفاق في محور صلاح الدين جنوب طرابلس، بجانب عملية تسلل جرى إفشالها شرقي طرابلس.   وقالت مصادر عسكرية من قوات حكومة الوفاق: إن قوات حفتر فتحت النار من عدة محاور، في خرق واضح لاتفاق وقف النار،الاثنين الماضي.   مماطلة ليبية   فيما لا تزال الأزمة الليبية تشهد تجاذباً بين إصرار طرفي النزاع على رفض التصالح وبين ضغط أوروبي باتجاه إرغامهما على وقف نهائي للقتال والحوار من أجل التوصل إلى حل توافقي يمهد الطريق لإنهاء الأزمة. وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن السراج تأكيده رفض لقاء حفتر بشكل مباشر للتفاوض حول إعادة فتح الموانئ النفطية، فيما اشترط  حفتر قبول السراج بتشكيل إدارة جديدة لمؤسسة النفط بطرابلس تقوم على مبدأ المحاصصة المناطقية في توزيع عائدات النفط وإخراج المؤسسة من شكلها الإداري المركزي في طرابلس. فيما بدأ الجانب الأوروبي في تشكيل لجنة أوروبية موحدة للإشراف على تطبيق اتفاق برلين الذي يقضي في أولى خطواته بوقف القتال نهائيا في جنوب طرابلس ومحيطها. وقال دبلوماسي ليبي رفيع مقرب من حكومة الوفاق: إن “اللجنة الأوروبية على تواصل وثيق مع المبعوث الأممي، وتسرع من حركتها خشية انهيار الهدنة الحالية الهشة بين القوتين”، كاشفا النقاب عن أن الاجتماع الأول بين اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 سينعقد بعد الخميس المقبل، بمشاركة أممية وأوروبية لوضع آليات وقف نهائي لإطلاق النار. حيث لا تتوافر ثقة المجتمع الدولي في رغبة حفتر بوقف القتال بدليل الخروقات المتكررة للهدنة، حيث يدرك حفتر أن إيقاف حربه وهو على تخوم طرابلس، وعلى بعد كيلومترات قليلة منها يعني نهاية حلمه وانهيار مشروعه العسكري في حكم البلاد.   حيث ذهب حفتر لبرلين وهو يعرف جيدا أنه لن يحصل على شيء، ولذلك افتعل أزمة النفط ليفاوض بها المشاركين في القمة من أجل حصد أكبر قدر من المكاسب لصالحه، لكنها ورقة فشلت. بينما يقلل خبراء ليبيون من الآلية التي يمكن أن تفرزها اجتماعات لجنة 5 + 5، حيث يقول الخبير الأمني الليبي، الصيد عبد الحفيط، أنها لجنة شكلية، فأصحاب القرار فيها هم الأوروبيون، مشيراً أن وزير الخارجية الألماني أكد أن الاتحاد الأوروبي سيشارك في وضع تلك الآلية وأنه سيراقب وقف القتال النهائي. وهو ما يؤكد أن العالم قرر تجاوز الفاعلين المحليين الحاليين إلى مرحلة أخرى، فاللجنة العسكرية تعني بشكل واضح تجاوز حفتر وقادة قوات الحكومة، فلن يُترك الخيار لحفتر والسراج بتحديد نقاط التماس مثلا والمعسكرات التي ستعود إليها قوات الطرفين من خلال عودة لجانهما للاستشارة معهما.   مما يعني أن خططا جاهزة ستنفذها، ما دام حفتر لا يرغب في وقف القتال وما دام السراج لا يريد حوارا قبل عودته لمواقعه الأصلية.       توصيات المؤتمر   واستمر المؤتمر أكثر من 4 ساعات، أعقبه مؤتمر صحفي مشترك للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.   ودعا المؤتمر في بيانه الختامي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وأن الحوار الليبي الليبي وحده الكفيل بإنهاء الصراع وفرض السلام.   كما دعا البيان الأطراف الليبية وداعميها لإنهاء الأنشطة العسكرية مع بدء وقف إطلاق النار، والوقف الشامل والدائم لكل الأعمال العدائية، كما دعا الأممَ المتحدة إلى تشكيل لجان تقنية لضبط ومراقبة تطبيق وقف إطلاق النار في ليبيا.   وحث المجتمعون جميع الأطراف الليبية على إنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات حرة وشاملة ونزيهة، وإنشاء مجلس رئاسي فاعل، وتشكيل حكومة موحدة وشاملة وفعالة معتمدة من مجلس النواب. كما شدد بيان برلين على محاسبة كل منتهكي القانون الدولي.   ومن جانب آخر أكد المشاركون في المؤتمر التزامهم بعدم التدخل في النزاع المسلح والشؤون الداخلية لليبيا، داعين إلى إنشاء لجنة مراقبة دولية لمواصلة التنسيق بين كل الأطراف.   ورغم أن مؤتمر برلين جاء بعد تصعيد ميداني خطير في ليبيا، إلا أن نتائج مؤتمر برلين الذي كانت طموحات كبيرة معقودة عليه، جاءت محدودة، حيث وصفت المستشارة الألمانية ميركل نتائج المؤتمر بأنها تمثل بداية سياسية جديدة، ودفعة من أجل دعم جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في المؤتمر الصحافي: إن المجتمعين اتفقوا على تشكيل لجنة عسكرية تدرس آليات مراقبة وقف إطلاق النار، وسيجري بعد أيام تعيين أعضائها من الطرفين الليبيين المتقاتليْن، ويقصد قوات حكومة الوفاق الوطني وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وكشف غوتيريش أنه ستجرى أيضا مشاورات من أجل العودة إلى مسار العملية السياسية في ليبيا، والالتزام الكامل بحماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني. بينما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي شاركت بلاده في مؤتمر برلين، بعد غضب كبير من هروب خليفة حفتر من موسكو ، قبل التوقيع على  اتفاق وقف إطلاق النار بإيعاز من الإمارات ومصر، فقال: إن طرفي النزاع في ليبيا لم ينجحا في بدء «حوار جدي» خلال المؤتمر الدولي الذي عقد الأحد في برلين. وصرح لافروف للصحافيين في مطار برلين «كان المؤتمر مفيدا جدا (…) لكن من الواضح أننا لم ننجح حتى الآن في إطلاق حوار جدي ودائم» بين رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج وخليفة حفتر. وقال لافروف: إن قمة برلين حول ليبيا اتفقت على تشكيل لجنة دولية لمراقبة وقف إطلاق النار.   وقال لافروف للصحافيين: «الوثيقة تطالب بضرورة حل الأزمة الليبية بواسطة الليبيين أنفسهم بدون تدخل خارجي». وأضاف «طرفا الصراع في ليبيا حققا تقدما بسيطا عن الاجتماع الذي جرى في موسكو في 13 يناير. اتفقا على أن يشارك كل طرف بخمسة ممثلين في لجنة عسكرية يتم تشكيلها بموجب مبادرة للأمم المتحدة”. وظهر في المؤتمر أن فكرة إرسال قوات دولية لمراقبة إطلاق النار في ليبيا صارت أكثر تبلورا، مع ترحيب رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، بالمقترح، وإعراب إيطاليا وألمانيا  عن استعدادهما لإرسال قوات أوروبية لدعم السلام في البلاد، شرط الالتزام…

تابع القراءة

مصر بين الدعم العيني والنقدي.. قراءة في المزايا والمخاوف

تتجه حكومة الطاغية عبدالفتاح السيسي خلال الشهور المقبلة نحو تحويل منظومة الدعم من العيني (السلع)  إلى النقدي المشروط (المال) وسط تخوفات شعبية مشروعة وترقب واسع من المواطنين والخبراء والمختصين؛ ذلك أن تجارب المصريين مع نظام الانقلاب منذ منتصف 2013م حتى اليوم  تجعل المواطنين مترقبين خشية أن تفضي الخطوة المقبلة إلى تفريغ معنى الدعم من مضمونة في ظل تزايد معدلات الفقر إلى “32.5%” بحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء “حكومي” بينما  ترتفع النسبة كثيرا وفق تقديرات البنك الدولي لتصل إلى حوالي “60%”  ما يعني أن هناك 60 مليون مصري إما فقراء أو تحت مستوى الفقر “الفقر المدقع”. الخطوة تأتي ترجمة لمطالب صندوق النقد والبنك الدوليين، وتمثل بندا من بنود اتفاق قرض الـ12 مليار دولار لحكومة السيسي في نوفمبر 2016م التي أفضت إلى تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود وجميع السلع إلى مستويات مفزعة وغير مسبوقة. وكان البنك الدولي قد منح حكومة السيسي مليوني دولار أواخر 2013م في أعقاب الانقلاب بشهور من أجل عمل دراسة  حول تحويل منظومة الدعم من العيني إلى النقدي. ثمة شبه إجماع بين الخبراء والمختصين أن الدعم النقدي المشروط  أفضل حالا من الدعم العيني؛ لاعتبارات  تتعلق بحجم الفساد الواسع الذي يرتع في جميع مؤسسات الحكم في مصر وعلى رأسها وزارة التموين التي تحصل على  نسبة كبيرة من مخصصات الدعم السنوي في الموازنة العامة للدولة، وسط تخوفات مشروعة من أن تفضي الخطوة إلى إلغاء تدريجي للدعم في ظل توجهات حكومة السيسي لنفض يديها من الالتزامات الدستورية الاجتماعية لرعاية الفقراء والمهمشين، وكذلك تآكل قيمة العملة المحلية “الجنيه” أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية مع الوضع في الاعتبار أن مصر تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية ما يعني أن هبوط العملة كما حدث في أعقاب تعويم الجنيه نوفمبر 2016م سوف يفضي آليا إلى تفريغ الدعم من مضمونة لتبقي الجنيهات المخصصة للفقراء غير كافية لتحقيق أدني مستويات الستر والحاجات الأساسية من الطعام. وكان مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب، قد التقى وزيري التموين والمالية وعددا من مسئولي الجهات المعنية (الخميس 9 يناير2020)  للتباحث حول مساعي الحكومة المضي قدما في خططها للتحول إلى الدعم النقدي، وقال وزير التموين إن هناك مقترح لتطبيقها تجريبيا بإحدى المحافظات. وأجرت وزارة التموين في يونيو2019م محادثات مع وزارة المالية وأصحاب المخابز ولجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب وعدد من الجهات الأخرى، بشأن خطتها المستهدفة لتحويل دعم الخبز من عيني إلى نقدي. وأحالت وزارة التضامن الاجتماعي خلال يوليو الماضي مشروع قانون الدعم النقدي الموحد إلى مجلس النواب. ويدمج مشروع القانون الجديد جميع برامج الدعم الحالية في برنامج “تكافل وكرامة”، كما ينص على تفعيل بند المشروطية للحصول على الدعم. ويلزم مشروع القانون الحكومة بمراجعة المستفيدين من الدعم كل 3 سنوات، واستبعاد الأسر غير المستحقة بعد انتهاء تلك الفترة. ويأتي تفعيل مشروع القانون على رأس قائمة أعمال وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج. وفي أواخر ديسمبر 2019، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين  القباج، في مؤتمر صحفي الانتهاء من مشروع القانون الجديد الخاص بتوحيد جميع برامج الدعم. ومنذ بدء العام الجديد 2020، نشرت جميع صحف ومواقع النظام وفضائياته  تقارير عن مزايا الدعم النقدي، وذلك لتهيئة المجتمع للقبول بهذه التحولات الجوهرية في منظومة الدعم. وفي منظومة الدعم العيني المطبقة حاليا يحصل كل مواطن على سلع تموينية بخمسين جنيها، زائد خبز مدعم عبارة عن خمسة أرغفة لكل فرد يوميا، بما يساوى تسعين جنيها أى أن كل مواطن مستحق الدعم، يحصل على سلع تموينية وخبز بحوالى ١٤٠ جنيها.  وتغري الحكومة المواطنين بقبول التحول إلى الدعم النقدي عبر  ترويج شائعات (حتى الآن) حول زيادة حصة المواطن من ١٤٠ جنيها، إلى ٢٠٠ جنيه، وهو ما يثير شكوك المواطنين؛ ذلك أن توجهات وسياسات الحكومة هي الأخذ لا العطاء ونهب حقوق المواطنين لا حمايتهم. وتقوم فكرة “الدعم النقدي المشروط”  على  وضع مبلغ مالي في البطاقة التموينية يساوي بحسب مخصصات عدد الأفراد بها وتصبح مثل «الكريديت كارت» يشترى بها السلع الغذائية المدعمة من أي مكان، ولا يمكنه أن يشترى بها أي سلع أخرى مثل السجائر مثلا. ويبلغ إجمالي عدد البطاقات للمستفيدين من منظومة الخبز الجديدة 22.5 مليون بطاقة بإجمالي 64 مليون مستفيد، فضلا عن 73 مليون مستفيد من صرف الخبز المدعم بإجمالي دعم مالي يقدر بـ89 مليار جنيها، منها 53.1 مليار جنيه لدعم الخبز – 35.90 مليار جنيه لدعم السلع التموينية.   مخصصات الدعم في الموازنة ويشكل بند الدعم أحد بنود الإنفاق الثمانية بالموازنة المصرية، ويستحوذ على نسبة 17 في المئة من إجمالي الإنفاق في العام المالي الحالي 2019/2020، ويحتل المركز الثالث في القيمة، بعد بندى فوائد الديون وأقساط القروض من حيث القيمة، بنحو 328 مليار جنيه، أي أكبر من بندي الأجور والاستثمارات.  وتبلغ مخصصات الدعم في موازنة العام الحالي”328″ مليارا وهو ما توظفه الحكومة على أنه دليل على اهتمامها بالطبقات الفقيرة؛  إلا أن استعراض تفاصيل توزيع ذلك الدعم يبين صغر حجم استفادة الطبقات الفقيرة من تلك المبالغ، وحصول الأغنياء على نصيب كبير منها، إلى جانب الفئات المميزة بالجهاز الحكومي. وتمثل مخصصات سلع البطاقات التموينية 11% فقط بقيمة “36 مليارا” لنحو 63.2 مليون مواطن. من بينهم شرائح عالية الدخل، وعلى الجانب الآخر هناك شرائح فقيرة ليست مقيدة على البطاقات التموينية. وهناك 47 مليارا مخصصات لدعم الخبز لنحو 71 مليون مواطن. وبخلاف دعم السلع التموينية والخبز، نجد مجالات عديدة استفادت من مخصصات الدعم، منها المنتجات البترولية والكهرباء والمواصلات والمُصدرين والتأمين الصحي والإسكان والثقافة والرياضة والأوقاف والإنتاج الحربي والمساعدات للدول الأخرى. وبحسب دراسة للخبير الاقتصادي ممدوح الولي، فإن الخطير في توزيع مخصصات الدعم أن هناك 32.2 مليار جنيه في شكل احتياطيات يتم الصرف منها خلال العام المالي على الجهات المختلفة، ولا يتم الإفصاح عن الجهات التي حصلت على تلك المبالغ، في ظل برلمان صوري افتقد أداء دوره الرقابي على الحكومة في ظل اختيار أعضائه من قبل الأجهزة السيادية، وكذلك مناخ كبت الحريات المانع للدور الرقابي للإعلام.   مزايا الدعم النقدي أولا، يفضل كثير من الخبراء والمختصين الدعم النقدي على العيني لاعتبارات كثيرة، إذ يمتاز بالقدرة على الحد من تسرب الدعم وتوصيله إلى مستحقيه بصورة أفضل، ولعل هذه النقطة الأهم، بالإضافة إلى ذلك أن الدعم النقدي تكلفة توزيعه أقل بكثير، فلا يحتاج إلى آلاف الموظفين كالدعم العيني. ووفقا لإحصائيات سابقة فإن 25% من الدعم بشكل عام لا يصل لمستحقيه وحجم التسريب في الدعم يتعدي الـ15 مليار جنيه سنويا، وأن الأغنياء والقادرين يحصلون علي نحو 40% من دعم السلع وأن نسبة الفقد في الخبز تصل لنحو 30%. ثانيا، كما يمتاز الدعم النقدي  بأنه يضمن مقدارًا أقل من الهدر والفساد، بالإضافة إلى أنه وسيلة مثالية لتقليل الاستهلاك حيث إن الفرد لن يشتري سوى ما يحتاج إليه، حيث…

تابع القراءة

اتفاق سد النهضة بواشنطن.. المؤامرة مستمرة والخيانة أيضا

بقلم: حازم عبد الرحمن مرت خمس سنوات على توقيع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي على اتفاق إعلان مبادئ في 23 مارس 2015، تنازل فيه عن حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل لصالح إثيوبيا صاحبة السوابق في بناء السدود التي تقطع المياه عن جيرانها, كما حدث في جفاف نهر شبيلي بالصومال الذي ينبع من مرتفعات الحبشة, ويجري تكراره مع مصر, وبعد مماطلات ومباحثات على مدى السنوات الخمس, أصدرت خارجية الانقلاب بيانا أقرب إلى الشكوى من التعنت الإثيوبي الذي وضع خطته على أساس كسب الوقت, بينما يجري العمل لبناء السد والانتهاء منه قبل نهاية المفاوضات, وهو ما حدث؛ فبعد خمس سنوات, أرجع البيان ( أو الشكوى) سبب تعنت إثيوبيا وتبنيها مواقف مغالى فيها إلى نيتها فرض الأمر الواقع وبسط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب وبالأخص مصر, أي أن حكومة الانقلاب لم تفهم سبب مماطلة إثيوبيا وتعنتها إلا بعد مرور خمس سنوات.. وهو أمر غير قابل للتفسير إلا تحت عنوان ( الخيانة) .                                                                                وفي واشنطن ( أمريكا شريك في بناء سد النهضة), جلس وزراء من السودان وإثيوبيا وحكومة الانقلاب في مقاعد التلاميذ أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتلقي التعليمات التي جاءت على نفس منوال المماطلات الإثيوبية السابقة, وتجاهلت المخاطر المحدقة بمصر, وجرى رسم ملامح اتفاق نهائي هلامي لا يحقق أي قدر من الاطمئنان للشعب المصري, وتتلخص في “أنه سيتم ملء سد النهضة على مراحل، وبطريقة تكيفية وتعاونية تأخذ في الاعتبار الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق والتأثير المُحتمل للتعبئة على الخزانات الموجودة في اتجاه مجرى النهر, وتعبئة خزان السد في خلال موسم الأمطار، بشكل عام من يوليو إلى أغسطس, وأن توفر مرحلة الملء الأولي لسد النهضة الإنجاز السريع لمستوى 595 مترًا فوق مستوى سطح البحر  والتوليد المبكر للكهرباء، مع توفير تدابير تخفيف مناسبة لمصر والسودان في حالة الجفاف الشديد خلال هذه المرحلة, وتنفيذ المراحل اللاحقة من ملء خزان سد النهضة، وفقًا لآلية يتم الاتفاق عليها، التي تحدد الإطلاقات بناءً على الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق وحالة السد، الذي يتناول أهداف الملء في إثيوبيا ويوفر توليد الكهرباء وتدابير التخفيف المناسبة لمصر والسودان خلال سنوات الجفاف الطويلة، أو فترات الجفاف المُمتدة, وخلال التشغيل على المدى الطويل، يعمل سد النهضة وفقًا لآلية تحدد الإطلاق وفقًا للظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق وتوفير توليد الكهرباء وتدابير التخفيف المناسبة لمصر والسودان خلال فترات طويلة من سنوات الجفاف، وأوقات الجفاف الطويل, وإنشاء آلية تنسيق فعالة وأحكام لتسوية النزاعات”.                                                             ومن المقرر أن يجتمع وزراء الدول الثلاث في واشنطن مرة أخرى يومي 28 و29 يناير الثاني، لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق. وهذا أقصى ما يمكن لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وحكومته أن يفعلوه بعد الخيانة؛ فليس هناك جديد لضمان حقوق مصر التاريخية في مياه النيل والدفاع عنها, وستبتلعها إثيوبيا وتخطط لبيعها إلى مصر أو مقايضتها بوساطة صهيونية فيما بعد؛ وذلك لأن إثيوبيا انتابتها حالة من السعار في بناء السدود دون اعتبار لمخاطر الجفاف والمجاعات والكوارث التي تترتب عليها في الدول المجاورة, كما حدث في نهر شبيلي بالصومال. *التلبس بالخيانة إن تهمة الخيانة العظمى ثابتة في حق السيسي وقيادات الانقلاب وحكوماته بالتقاعس عن حماية البلاد من خطر وجودي غير مسبوق, يهدد أمنها وسلامتها, ولا مفر من التذكير بأن استراتيجية مصر إزاء بناء السدود على نهر النيل كانت ثابتة, وهي إعلان الحرب فورا, وقصف أي مبان تحجز مياه النيل, وفي تصريح تاريخي هدد  وزير الدفاع المصري المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة بتدمير أي سدود على نهر النيل, مؤكدا أن مصر ستستخدم القوة الشاملة ضد ما يهدد حصتها من مياه نهر النيل (  https://www.youtube.com/watch?v=NAVckLEV82I ), ولم يكن تهديد أبو غزالة جديدا على السياسة المصرية تجاه أطماع إثيوبيا في الاستئثار بمياه النيل دون غيرها؛ فعندما اعتزمت إنشاء سد كبير على النيل  لتوليد الكهرباء، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بعث بخطاب إلى الإمبراطور هيلا سيلاسي، قال فيه: «نطالبكم بوقف أعمال بناء السد، لأننا نعتبره تهديدًا لحياتنا؛ مما يستدعي تحركًا مصريًا غير مسبوق»، فامتثلت إثيوبيا بعد نصيحة الرئيس الأمريكي أيزنهاور، وقللت ارتفاعه من 112 مترًا إلى 11 مترًا فقط,.                                                         وعندما عادت إلى هذه المحاولات في عهد الرئيس السادات بعثت القاهرة رسالة رسمية عبر وزير خارجيتها: «إذا قامت إثيوبيا بعمل أي شيء يعوق وصول حقنا في الماء كاملًا، فلا سبيل إلا استخدام القوة», وقد تكرر التهديد بإعلان الحرب على إثيوبيا في عهد المخلوع حسني مبارك عندما تأزمت العلاقات وشرعت إثيوبيا في استئناف خططها في الهيمنة على مياه النيل، وإقامة السدود لتوليد الكهرباء,  وهو ما قوبل بتهديد مصر بإعلان الحرب، عبر تسريبٍ صوتي منسوب لمبارك, قال فيه إنه مستعد لضرب السد بطائرة «توبوليف» – قاذفة قنابل سوفيتية تسبق سرعة الصوت – في حال أقدمت على تنفيذ تهديدها. وحسب وثيقة سربها موقع «ويكيليكس» عام 2013 جاء فيها أن مبارك طلب في أواخر حكمه من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية تستخدمها القوات الخاصة المصرية إذا أصرت إثيوبيا على بناء سد.                                                       وفي عهد الرئيس الراحل محمد مرسي قال على الهواء مهددا: “إذا نقصت قطرة واحدة من ماء النيل فإن دماءنا هي البديل”.                                                                       لذلك فإن سياسة مصر الثابتة لحماية حصتها من مياه نهر النيل كانت الخيار العسكري, الذي كان ناجحا في كل مرة يتم التلويح به فيها, لكن الحكم العسكري الذي جاء بعد انقلاب 3 يوليو 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي كان أول خروج على سياسة مصر الثابتة لحماية حقوقها في مياه النيل, وهي تستند في ذلك إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحانها 87% من مياه النيل وهو ما يقدر بـ 55 مليار متر مكعب سنويا, وبموجب هاتين الاتفاقيتين أيضا تمتلك مصر حقّ الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع, لكن إثيوبيا تجرأت اليوم لتعلن إنها ترفض الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة لتحديد حصص المياه, ولم يكن ذلك ليحدث إلا بتخطيط ورعاية صهيونية للضغط على مصر وإضعافها, وتواطؤ من قائد الانقلاب الذي وقع على وثيقة تنازل مصر عن حقها في مياه النيل, ومنع بناء أي سدود تؤثر على حصتها فيها . *جريمة استبعاد الخيار العسكري عندما بدأت إثيوبيا في بناء السد, كان يجب توجيه ضربة عسكرية سريعة تجبر أديس أبابا على التوقف عن عملية البناء, ثم يجري التفاوض بعد ذلك, لكن عبد الفتاح السيسي كان مضطرا بعد الانقلاب العسكري للبحث عن شرعية لدى “الاتحاد الإفريقي” الذي علق عضوية مصر بعد الانقلاب؛ فذهب يقدم التنازلات عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل, وظهر وهو يوقع وثيقة خيانته للشعب المصري الذي بات مهددا بكارثة خطيرة من العطش والجوع, بدأت مظاهرها تتجلى في انخفاض مستوى نهر النيل وظهور الجزر والقيعان في كثير…

تابع القراءة

«الجامية المدخلية»  سلفيون في خدمة الأنظمة  لتحريف الإسلام ووأد الربيع العربي

في عام 2010 كتب سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) مقالة بصحيفة «الحياة» دافع فيها عن الدعوة الوهابية التي تأسست عليها الدولة السعودية الثالثة، لكنّ الأخطر أنه اعتبر الوهابية تمثل وحدها دون غيرها «العودة إلى الأصول الصحيحة للعقيدة الإسلامية الصافية التي هي أساسها ومنطلقها»، وفي هجومٍ صريح على منتقدي الوهابية، اعتبر سلمان بن عبدالعزيز أنّ الذين يُطالبون بإصلاحها يخالفون «مضامين الدعوة التي نادى بها القرآن الكريم والسنة النبوية»، وهو ما يفتح الباب علانية لتكفير كل المعارضين. وعلى هذا الأساس وجد التيار الجامي (السلفية المدخلية) المعروف بولائه المطلق للسلطة والأسرة السعودية،  مزيدا من الأرض الخصبة للتمدد داخل المملكة برعاية أجهزتها المخابراتية والأمنية، ومن ثم الانتشار في ربوع الدول العربية، وتكفير كافة القوى والحركات الإسلامية التي يعتبرها  «ضالة ومبتدعة»، وفيما كانت ممالك الخليج الثريّة تهتز بقوةٍ خوفًا من سقوط «الخلافة الحاكمة» إثر ثورات الربيع العربي عام 2011، تكفّل التيار الجامي المدخلي بإطلاق الفتاوى التي  حرمت المظاهرات، وبررت اعتقال المتظاهرين السلميين واعتبرت الداعين إلى ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة المستبدة “خوارج” العصر ودعت الحكام إلى قتلهم والقضاء عليهم. ومرت السنوات، وتولى سلمان بن عبدالعزيز في يناير 2015م عرش المملكة؛ وإذا بالرجل الذي اعتبر المطالبين بإصلاح الوهابية مخالفين للإسلام ذاته، تجري في عهده ردة على  ما نادت به الوهابية، وبرعاية مباشرة من نجله وولي عهده محمد بن سلمان،  ولأول مرة في تاريخ بلاد الحرمين يتم الانقلاب على صبغتها الدينية رغم تحفظاتنا عليها ، وفتحت مئات المراقص ويدوي الغناء الفاحش في أرجاء المملكة بخلاف العري والباليه، واستبدل ولي العهد محمد بن سلمان بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة الترفيه التي فتحت لها  خزائن المملكة تنثرها على الممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات من جميع أنحاء العالم بخلاف لاعبي المصارعة، وتبنى نظام العاهل السعودي خلع المرأة برقعها وراحت تكشف عورتها في ظل حملة إعلامية ضخمة مصحوبة بأكبر موجة قمع بحق العلماء والدعاة الربانيين من رجال الصحوة الإسلامية. أمام هذا التناقض وتلك الرد على مبادئ الوهابية، كان موقف “الجامية المدخلية” مدهشا غاية الإدهاش؛ إذ راحوا يبررون هذا الشذوذ وتلك الانحرافات، وبنفس الحماسة التي دافعوا بها عن الوهابية، راحوا يبررون هذه الردة عن الوهابية ويعتبرون من يعارض هذه التوجهات الجديدة للسلطة التي تخالف صميم الإسلام من “خوارج العصر” داعين إلى الطاعة المطلقة للحكام حتى لو كانوا ظالمين فاسقين؛ فانكشفوا مبرهنين على أن ولاءهم المطلق للأنظمة لا للإسلام، وأنهم يدورون مع السلطة حيث دارت؛ فإذا نادت بالوهابية كانوا وهابيين، وإذا نادت بغيرها كانوا أول المؤمنين بما تدعو له السلطة وأول المدافعين عن مواقفها مهما بلغت من شذوذ و انحراف.   فتاوى شاذة يقول عبدالعزيز الريس، أحد رموز المدخلية في بلاد الحرمين: «طاعة الحاكم واجبة، ولو شرب الخمر علنا  ولو خرج على التلفاز يزني لمدة نصف ساعة، لا يجب نصحه أو انتقاده علانية». هكذا أفتى “الريس”، في شهر أغسطس 2018م، والمثير للأسف أن هذه الفتوى الشاذة صدرت في ساحة المسجد النبوي الشريف الذي بات مرتعا للمداخلة تحت رعاية النظام السعودي. بعد هذه الفتوى بأيام، خرج أحد رموز المداخلة بالإمارات العربية المتحدة، “محمد بن غيت” يفتي بكلام مشابه في سياق تعليقه على حديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة». مدعيا أن «كلمة شيئا نكره، مثلا يزني يشرب الخمر، يسرق، يأكل الربا، قل ما شئت من الموبقات ما عدا الكفر، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة». وسُئل الشيخ ربيع المدخلي (زعيم المدخلية في العالم حاليا) عن حكم المظاهرات والقيام بالثورات وتربية الشباب عليها ضد الحكام الظلمة والمستبدين. فأجاب أنّها من منهج ماركس ولينين وأمثالهم، وليست من مناهج الإسلام. وفي أعقاب الانقلاب الذي قاده الطاغية عبدالفتاح السيسي في مصر منتصف 2013م، أفتى زعيم الجامية المدخلية محمد سعيد رسلان بكفر الإخوان منذ نشأتهم حتى اليوم، كما وصف الملايين من أنصارها بأنهم  خوارج مفسدون، وينبغي التعاون مع الدولة للخلاص منهم، والعمل كمخبرين للأمن وإرشاد السلطة عنهم وعن أتباعهم الذين وصفهم بـ “الجهلة الفسقة ومن الخوارج القعدة”. أما المدخلي طلعت زهران، فقد أفتى علنا بوجوب تزوير الانتخابات لمبارك كي لا يأتي الإسلاميون ولا العلمانيون للحكم فضلا عن التبليغ عن المعارضين للحاكم. وقبل مسرحية الرئاسة في مصر في مارس 2018م. وفي أعقاب إطاحة السيسي بكل منافسيه والزج بهم في السجون لأسباب سياسية، أصدر عشرات السياسيين المعارضين بيانا يدعون فيه إلى مقاطعة الانتخابات مطالبين بوقفها باعتبارها فقدت الحد الأدنى من شرعيتها. وعلى الفور تدخلت المؤسسة الدينية الرسمية وأصدرت بيانات عديدة ترفض دعوات المقاطعة وتضفي شرعية على مسرحية بائسة جعلت مصر أضحوكة العالم. لكن  فتوى زعيم الجامية المدخلية محمد سعيد رسلان، جمعت كل سمات الشذوذ والانحراف عن النصوص ومقاصد الشريعة؛ كما عكست المبالغة في نفاق الحاكم والتزلف إليه؛ حيث أفتى بتحريم الانتخابات الرئاسية؛ مطالبا بإلغائها، وأن يبقى الجنرال السيسي حاكما مدى الحياة؛  مدعيا أن «الشرع يقول: إن ولي الأمر لا ينازع في مقامه ولا في منصبه ولا ينافس عليه، وأنه إذا لم يحدث ما ينتقص من أهلية الحاكم فـ «الشرع يقول إن ولي الأمر المسلم لا ينافس على منصبه الذي بوأه الله تعالى إياه». لكن رسلان لم يوضح النصوص التي تدعم رأيه الشاذ ومدى صحتها وتأويلها وصولا إلى صحة تنزيلها على حالة السيسي الذي اغتصب الحكم بانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، ثم فرط في سيادة مصر على أرضها، وحصتها في مياه النيل  وثرواتها في البحر المتوسط وأبدى أعلى صور الموالاة للصهاينة وأعداء الأمة والإسلام. وآخر المواقف، ما قامت به مليشيات الجامية المدخلية بليبيا  في ديسمبر 2019م  حيث ساهموا في تسليم مدينة سرت لمجرم الحرب خليفة حفتر بعد أن خانوا عهدهم مع  حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وغدروا بها وبدلا من الدفاع عن المدينة ضد عدوان حفتر انحازوا له مبايعين رغم جهره بالعلمانية وارتكابه فظائع يندى لها جبين الإنسانية. فمَنْ هؤلاء؟ ومَنْ يقف وراءهم بالتمويل والدعم؟ ولمصلحة من ينشرون معتقداتهم من المحيط إلى الخليج؟ ومن السعودية إلى اليمن، ومنها إلى مصر ثم ليبيا وصولاً إلى الجزائر، وما طبيعة أصولهم الفكرية والدينية؟ وما طبيعة علاقاتهم بباقي التيارات الإسلامية والسلفية؟ وما مخاطر تنامي هذا التيار على المجتمعات الإسلامية؟ وما الدور المشبوه الذي يراد له القيام به ضد تطلعات شعوب المنطقة نحو التحرر من الاستبداد والطغيان والعمل كذراع للأنظمة في مواجهة الربيع العربي الذي يهدف إلى إقامة نظم حكم رشيدة تقوم على الحرية والعدل وحق الشعوب في اختيار حكامها وعزلهم وفق آليات دستورية قانونية رشيدة؟     “في فراش المخابرات” لا يمكن فهم أبعاد هذه الفتاوى المنحرفة والمواقف الشاذة للتيار الجامي المدخلي إلا بمعرفة النشأة…

تابع القراءة

تداعيات هروب حفتر من موسكو على قمة برلين الليبية

بعد أقل من 48 ساعة من هروبه من موسكو، رافضا التوقيع على اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار في ليبيا، الذي رعته تركيا وروسيا، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مشاركته في مؤتمر برلين الذي ترعاه ألمانيا يوم الأحد 19 يناير الجاري، بعد تلقيه دعوة من ألمانيا، وإعلان رئيس الحكومة الليبية فايز السراج المشاركة في المؤتمر الذي تعول عليه الدوائر السياسية لوقف الاقتتال والحرب في ليبيا، وذلك بعد أن كانت قمة برلين قد قررت في السابق استثناء الأطراف الليبية من الحضور، وهو ما تعتبره دوائر سياسية مؤشر على فرز سياسي يسعى له حفتر برعاية داعميه في أبوظبي والقاهرة ضد تركيا، لحرمانها من رعاية اتفاق سياسي في ليبيا، وحصره في أطراف أوروبية، تجمعها مصالح وأجندات في ليبيا تتماهى مع المطامع المصرية والإماراتية، وتعارض التدخل التركي واتفاقها مع حكومة السراج الليبية.   في غضون ذلك، قالت المستشارة الألمانية: إن الهدف من مؤتمر برلين هو التزام جميع الأطراف المعنية بالحظر الحالي للأسلحة، الذي ينتهك دائما بشكل صارخ، وذلك من أجل فتح الطريق أمام حل سياسي. وأضافت: إن مشاركة الرئيسين التركي والروسي في مؤتمر برلين بادرة طيبة، مضيفة أنه لا يجوز لمن يرى نزوح ملايين من الناس كما حدث في سوريا أن ينتظر تكرار الشيء ذاته في ليبيا.   واعتبرت ميركل أن استمرار دخول الأسلحة وتدخل الجهات الخارجية من شأنه أن يفاقم الأزمة في ليبيا، معتبرة أن المؤتمر ليس النهاية وإنما هو مجرد بداية لعملية سياسية تقودها الأمم المتحدة. ومن بين المشاركين في المؤتمر ممثلين للولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وتركيا وإيطاليا والإمارات والجزائر والأمم المتحدة.   أسباب هروب حفتر من موسكو والأحد الماضي، شهدت موسكو مباحثات رباعية غير مباشرة، بين الأطراف الليبية مع الجانبين الروسي والتركي، للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار. وقالت موسكو: إن الجانب الممثل لحكومة الوفاق، رئيس الحكومة فائز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وقعا على نص مسودة وقف إطلاق النار، لكن اللواء المتقاعد خليفة حفتر وعقيلة صالح طلبا مهلة قبل التوقيع، لكنهما غادرا موسكو صبيحة اليوم التالي دون التوقيع، على طريقة ما كان يفعله القذافي مع قادة العالم، فقد ترك ليونيد بريجنيف ينتظره أكثر من ساعة احتجاجا على عدم دعم الاتحاد السوفيتي الصريح للعرب ضد إسرائيل!! وهو ما أثار استغراب الأطراف السياسية، وفسرت هروب حفتر من موسكو دون توقيع الاتفاق، بأنه استجابة لأوامر إماراتية مصرية، حيث قال رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري: إن السفارة الإماراتية في موسكو، دفعت بقوة لعرقلة وقف إطلاق النار في البلاد. وقال المشري في كلمة متلفزة: إن “أطرافا خليجية كانت حاضرة في مفاوضات وقف إطلاق النار بالعاصمة موسكو، ضمن وفد حفتر، من بينهم القائم بأعمال سفارة الإمارات لدى روسيا، الذي كان أحد أسباب عرقلة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا”. من جهته، كشف رئيس أركان الجيش الليبي السابق، اللواء يوسف المنقوش، أن حفتر رفض توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تنفيذًا لطلب من الإمارات ومصر، مشيرا في تصريح للأناضول إلى أن اجتماعات موسكو أظهرت أن حفتر ليس مستقلًا من جهة القدرة على اتخاذ القرار، فضلًا عن عدم امتلاكه القدرة على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار؛ لأن قراره مرتهن لطرف خارجي. وهو الأمر الذي أغضب الوسيط التركي، الذي هدد بأن تركيا سترد على أي خروقات من قبل حفتر لوقف إطلاق النار، المعلن يوم 12 يناير، وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قال: “إن مساعينا مستمرة لوقف إطلاق النار في ليبيا، ولا يمكننا أن نقول إن الأمل مفقود تماما. ” وأضاف في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام التركية، بالعاصمة أنقرة: “إن ادعاءات انتهاء وقف إطلاق النار في ليبيا، لا تعكس الوقائع الميدانية”، وذلك ردا على تصريحات أطلقها رئيس مجلس برلمان طبرق عقيلة صالح، مساء الثلاثاء، أعلن خلالها “انهيار وقف إطلاق النار في طرابلس واستمرار القتال. ” فيما رأى مراقبون أن حفتر استفاد من الهدنة الهشة، بتعديل أوضاع قواته حول طرابلس في محور صلاح الدين وزوارة، حيث نقل مدرعات إماراتية وقوات مجرورة نحو محاور طرابلس الجنوبية. من جانبه، قال رئيس أركان الجيش الليبي السابق، يوسف المنقوش: إن حفتر رفض توقيع اتفاق وقف إطلاق النار تنفيذًا لـ”طلب من الإمارات ومصر”، مرجحًا أن يواجه مسار برلين “صعوبات”؛ لإصرار هذا “المحور” على استمرار الخيار العسكري.   هدنة هشة وكان قد أعلن وقف إطلاق النار يوم الأحد 12 يناير الجاري بين قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا وقوات اللواء خليفة حفتر على أساس مبادرة تركية روسية، غير أن اشتباكات متقطعة وقعت بين الجانبين لاحقا. وفسر البعض انسحاب حفتر من موسكو، بأن داعميه الذين حققوا انتصارات قرب طرابلس، يتمترس بالواقع الميداني القريب من تحقيق انتصار حاسم بالسيطرة على طرابلس، حال دون تحقيقه الدعم العسكري التركي السريع لطرابلس الأسبوع الماضي. ويرى المحلل السياسي وأستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج مسين بواشنطن، محمد الشرقاوي، سببين رئيسيين في هذه الخطوة، كما قال في حواره مع DW عربية: “السبب الأول يكمن في اقتراب الموقف الروسي من الموقف التركي أكثر فأكثر وهو ما بعثر حسابات الجنرال حفتر، الذي لم يكن يتوقع هذا القرب بين موسكو وأنقرة في الخطة الجديدة. خاصة وأن روسيا منذ ظهور الجنرال حفتر عقب انتخابات 2014 كانت تدعم ضمنياً صعود نجم هذا الجنرال وأيضاً اقتناعه بأن ما سيحصل عليه من هذا الاتفاق ليس في مستوى توقعات الجيش الليبي ومجلس النواب في طبرق الذي يدعمه منذ انتخابات صيف 2014”.   مضيفا: إن حفتر لا يريد أن يلتزم أيضاً خشية من ردود فعل بعض العواصم التي تؤيده وحتى لا يظهر بأنه يتصرف من دون العودة إلى من يعتبرون داعميه الأساسيين في التوسع باتجاه طرابلس.   ومن وجهة نظر عسكرية أخرى، يرى البروفيسور أندرياس ديتمان، من المعهد الجغرافي في جامعة غيسن، أن الجنرال حفتر، الذي أبدى موافقته على اتفاق الهدنة في البداية، كان سيخسر في حالة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، لأن تركيا كانت ستنقل المزيد من الإمدادات نحو طرابلس. وأن التوصل إلى وقف إطلاق النار في ليبيا كان سيكون في صالح تركيا التي كانت ستستغله بشكل أساسي لنقل الإمدادات إلى طرابلس. وقال: “الاتفاق لم يكن ليساعد حفتر، وإنما معارضيه”.     تداعيات فشل مفاوضات موسكو   ويرى بعض المحللين أن عدم توقيع حفتر على اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو يؤكد أن تأثير الدول الأخرى على اللواء المتقاعد أكبر من تأثير روسيا، إلا أن هذا الرأي يبدو بعيدا عن الواقع، بل هناك مؤشرات تشير إلى أن بوتين يلعب على الحبلين، ويسعى إلى أنقاذ حفتر وحمايته، ليستخدم هذه الورقة فيما بعد لتوسيع نفوذ روسيا في ليبيا.   كما أن هروب حفتر من التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار يؤكد أن اللواء…

تابع القراءة

انقلاب 30 يونيو  وإدارة الدولة .. قراءة تحليلية في ضوء نظرية “صناعة العدو”

بعد أن  اغتصب الطاغية عبدالفتاح السيسي الحكم عبر انقلاب عسكري مكتمل الأركان في 3 يوليو 2013م على المسار الديمقراطي لثورة يناير الذي لم يستمر سوى عامين ونصف العام،  مدعوما من السعودية والإمارات والكيان الصهيوني؛ اعتمد النظام لبناء سلطوية جديدة أكثر قمعا وطغيانا على ثلاث آليات: الأولى، هي الاستغراق في صناعة العدو الداخلي والخارجي وتوظيف الخطاب السياسي والإعلامي وجميع مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية والدينية لنسج الأكاذيب حول هذا العدو “الوهمي” (الإرهاب ـ داعش ــ الإخوان ــ تركيا ــ  قطر ــ المؤامرة الكونية ــ  الزيادة السكانية ـ منظمات المجتمع المدني ــ وصولا إلى الأحزاب المعارضة للسيسي والتي شاركت في الانقلاب بناء على تقديرات موقف غير دقيقة لم تعتمد على معلومات دقيقة  أو استنتاجات صحيحة). فصناعة العدو تتم عبر مراحل عديدة تتمثل في وجود أيديولوجيا (فكر معتدل أو متطرف يتم تشويهه أو تضخيمه والمبالغة فيه وشيطنته وشيطنة أصحابه) ثم وضع استراتيجية محددة وخطاب شيطنة تبريرا للقمع والفتك به، وثالثا، توجيه صناع الرأي من الإعلاميين والمثقفين لشيطنة هذه الإيديولوجيا وأصحابها، وأخيرا، تحديد آليات توظيف القوة والعنف لشرعنة القتل والإبادة الوحشية. الثانية، التخويف المستمر من  أكذوبة “هدم الدولة” والفوضى وحكم ما يسمى “بالإرهاب” والإلحاح على الخلط العمد بين مفهومي الدولة والنظام والتلاعب بهذه المفاهيم لتكريس حالة من اللاوعي تضع الرئيس ومؤسسات الحكم موضع الدولة والوطن بحيث  تصير المعارضة للنظام معارضة للدولة ذاتها وخيانة للوطن. الثالثة، هي توظيف الآليتين الأولى والثاني للتغطية على أكبر جريمة بحق الوطن والشعب تتعلق بتبرير جريمة الانقلاب وما تلاه من مذابح وذلك عبر التوسع في سياسات القمع والبطش دون توقف وبشكل وحشي وغير مسبوق استهدف جميع الذين شاركوا في ثورة 25 يناير 2011م، بدءا من الإسلاميين  فالألتراس (أهلاوي  ــ وايت نايتس وغيرها) وصولا إلى الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب التي تعارض النظام من داخل منظومته السياسية والقانونية؛ في سياق ما تسمى بالحرب الوقائية لإجهاض أي خصم محتمل  أو حراك سياسي وشعبي جديد كما جرى في يناير».   أنماط الدعاية والحملات السوداء وفق آليات عمل الدعاية، فهناك (3) أنماط من أساليب الإقناع، تشمل أساليب عقلية وعاطفية وأساليب التخويف: 1)  الأول يعتمد على الحقائق والأدلة المنطقية والشواهد والإحصائيات مثل مستوى الدخل ومعدلات النمو وجودة الخدمات. 2)  الثاني، يخاطب المشاعر عبر رفع الشعارات الرنانة التي تكون في غالبها خالية من المضمون. 3)  الثالث، فيعتمد على إشاعة الخوف وتهديد الأمن والسلامة، وشن حملات الدعاية السوداء لشيطنة طرف أو جهة لتبرير قتله وإبادته أو على  الأقل تبرير الانتهاكات والمظالم بحقه واعتباره فعلا مشروعا. لا تستطيع الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية في بلاد العرب والمسلمين وغيرها أن تحيا بلا عدو تبتكره، تؤجل بحجته أي مطالبة باحترام الحقوق أو تحقيق نمو اقتصادي أو مكافحة الفساد؛  فصناعة العدو وإشاعة الخوف في قلوب الجماهير: سر استمرارية أنظمتنا العربية؛ فتحشد وسائل الإعلام، في النظم الاستبدادية قواها من أجل التضخيم من الأخطار والتهديدات وحجم المؤامرات التي يحيكها الأعداء سواء كانت حقيقية أو مزيفة، من أجل إشاعة الخوف والهلع في قلوب الجماهير. «صناعة العدو في النظم الاستبدادية لا تتم عفوياً، وإنما تستند إلى أسس ونظريات علمية، هدفها ترسيخ الخوف وإفقاد الجماهير الإحساس بالأمان، وفق تخطيط استراتيجي، تعمل عليه الأجهزة الأمنية والمخابراتية والآلة الإعلامية. فصناعة العدو هي صناعة خوف يمنع تطلع الشعوب إلى التغيير، ويدفعها إلى قبول قرارات وسياسات وممارسات النظام الاستبدادي مهما كانت ظالمة أو مجحفة، خشية ذلك الخطر الداهم والتهديد المجهول. “فالعدو وحده ومؤامراته الدنيئة هي المسئولة عن الفشل والأزمات التي تواجه الشعوب التي ترزح تحت نير الاستبداد، فيما تواجه النظم الحاكمة هؤلاء الأعداء وتحبط مؤامراتهم فتحافظ على مؤسسات الدولة وأمن الشعب”. تلك الرسالة التي دائماً يحاول أن يروجها الإعلام الشمولي تجد صداها لدى الجماهير الجائعة والخائفة، التي بدورها لا تستطيع مواجهة آلة البطش والقمع الجبارة فتلجأ وربما لا شعورياً ووفق ما يسمى سيكولوجياً بالحيل الدفاعية، إلى تحميل معاناتها لهؤلاء الأعداء».( )   احتياجات الأمان ومثلث “ماسلو” ووفق هرم الاحتياجات الإنسانية المتدرج الذي وضعه العالم الأمريكي الشهير ابراهام ماسلو، فإن الاحتياجات التي تحرك دوافع السلوك الإنساني تنتظم بشكل تصاعدي،  قاعدته الاحتياجات الفسيولوجية الأساسية التي تشمل المأكل والمشرب والجنس لضمان بقاء الحياة واستمرار النوع. فإذا أشبعها تطلع نحو حاجته إلى الأمن والسلامة، ليأتي بعدها بحثه عن حاجاته للعلاقات الاجتماعية ثم تقدير واحترام الذات وصولاً إلى تحقيق الذات. ووفقاً لهذا النموذج، فإن النظم الاستبدادية حريصة دائماً على أن تبقى شعوبها في أسفل هرم الاحتياجات الإنسانية، فلا تنشد سوى تحقيق ما يضمن بقاءها وأمنها، ولا تتطلع نحو الاحتياجات الأكثر رقياً والتي يمكن تفسيرها سياسياً ومجتمعياً بأنها تشمل احترام حقوق الإنسان وضمان الكرامة وصيانة مناخ الحريات والإبداع. ولعل هذا يفسر أسباب العبارة الشهيرة التي تروج لها آلة النظام الإعلامية: (مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق)”، لإقناع الجماهير بأن تتحمل فشل سلطة العسكر وقمعها وفق معادلة الأمن مع الدكتاتورية خير من الفوضى مع الديمقراطية، رغم أن هذه الفوضى التي أعقبت ثورات الربيع العربي ما كانت إلا فعلا مدبرا من المؤسسات الأمنية للدولة العميقة التي رأت في الربيع العربي تهديدا لوجودها ومصالح رعاتها الإقليميين والدوليين فكان بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013 الذي لم يكن ليحدث لولا مظاهرات  30 يونيو التي تثبت أنها كانت مدبرة ومفتعلة من جانب الجيش والمخابرات برعاية إسرائيلية إماراتية سعودية وبضوء أخضر أمريكي.   نظرية «صناعة العدو» ولتحليل السياسات التي قام عليها نظام 30 يونيو  يتوجب التعرف على أهم مكونات نظرية “صناعة العدو” والتي تلقى رواجا كبيرا في الأوساط الدولية والمخابراتية؛ ذلك أن مشهد 30 يونيو  قام على أساس “الكراهية” وشيطنة الآخر الأيديولوجي والمختلف سياسيا (الإخوان والإسلاميون) والذي يراد إبادته كهدف إقليمي دبرت له (إسرائيل والإمارات والسعودية بضوء أخضر أمريكي كما أوضح كتاب “كير كيباتريك” مدير مكتب النيويورك تايمز في القاهرة إبان الأحداث)، وقام بالتنفيذ داخليا أركان الدولة العميقة (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام)، إضافة إلى قوى علمانية متطرفة رأت في الإطاحة بالمنافس السياسي عبر انقلاب أسهل من الإطاحة به عبر صناديق الاقتراع بعد أن يئست من الفوز بثقة الشعب في كل الاستحقاقات الديمقراطية التي جرت بنزاهة غير معهودة في أعقاب ثورة 25 يناير2011م. وإن كان ذلك لا يمنع من وجود  أنصار لثورة يناير وقعوا في فخ الخداع وسوء التقدير فشاركوا في “مشهد 30 يونيو” كتفا بكتف ضباط الشرطة المتهمين بالتعذيب وفلول نظام مبارك الفسدة؛ لأهداف أخرى لم يكن من ضمنها الانقلاب وما تلاه من كوارث ومذابح وإجهاض للديمقراطية والثورة معا. ولعل أهم ما تم تأليفه في هذا المجال كتاب  «صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح؟»، للمؤلف «بيار كونيسا» والذي يتناول دور نظم الحكم وأجهزة  المخابرات في صناعة العدو باعتباره حاجة اجتماعية سياسية عليا يحقق كثيرا من الأهداف التي تتعلق بالتماسك…

تابع القراءة

الحكومة التونسية الجديدة ومحاولات قلب المشهد السياسي

بقلم: حازم عبد الرحمن في سابقة هي الأولى منذ عام 2011 , حجب البرلمان التونسي الثقة عن تشكيلة حكومة الحبيب الجملي، المكلف من حركة النهضة الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان البالغ 217 مقعدا, يلزم الحكومة لنيل ثقته 109 مقاعد لدى النهضة منها 54 فقط, وقد أعلنت أحزاب “قلب تونس” (38 مقعدا) و”تحيا تونس” (14 مقعدا) و”المستقبل” (9 مقاعد) و”الكتلة الديمقراطية” (41 مقعدا) و”الإصلاح الوطني” (15 مقعدا) و”الحزب الدستوري الحر” الموالي للنظام البائد والثورة المضادة (17 مقعدا)، مبكرا أنها لن تصوت لحكومة الجملي، في حين أعلنت كتلة “حركة النهضة”، و”ائتلاف الكرامة” (21 مقعدا)، أنهما ستمنحان الثقة لحكومة الجملي, وبحسب النتيجة التي أعلنها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، فقد صوت 134 نائبا على عدم منح الثقة للحكومة، مقابل موافقة 72 نائبا، فيما تحفظ 3 نواب على التصويت, وهو ما يعني أن رئيس الجمهورية قيس سعيد سيقوم بتكليف شخصية وطنية مستقلة بتشكيل الحكومة سيتم الإعلان عنها فيما بعد.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                           وبالطبع فإن حجب الثقة عن حكومة الجملي ليس عملا كارثيا, بل هو حق أعضاء البرلمان, حيال تشكيلة رئيس الحكومة المكلف الذي اختار شخصيات مستقلة عن الأحزاب؛ لكن حجب الثقة من ناحية أخرى مثل خذلانا لحركة النهضة من جانب الأحزاب المحسوبة على الثورة, ومع ذلك فإن ما جرى في البرلمان التونسي من نقاش حول الحكومة يمثل شهادة للتجربة الديمقراطية في تونس, حيث تقوم الحكومات وتسقط بآراء نواب الشعب وليس بالانقلابات، وهذا هو العنوان الأبرز للثورة التونسية، وهو تحول كبير بلا شك.                                                                                             وقد ترددت أخبار عن تدخلات إقليمية، وخصوصا مع تطورات الأوضاع الجارية في ليبيا، وأن هناك أموالا استخدمت لحجب هذه الحكومة، وهذا ليس مستبعدا في ظل بدايات انحسار موجة الثورة المضادة ومخاطر ذلك على مشاريع راعيها الأول ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد, وهو ما يعني انهيار حلم وأد الربيع العربي, الذي تمثل تونس حالة نجاحه الأولى والوحيدة حتى الآن, وفي ظل وجود أحزاب موالية لنظام زين العابدين بن علي البائد, وأخرى تطال قياداتها اتهامات موثقة بالفساد. *المشهد الحزبي يعيش الرأي العام التونسي حالة من الإحباط, بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، التي ستواجه أي حكومة مقبلة, وقد كانت حالة الإحباط سببا في تراجع شعبية كل الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية التي جرت في6 أكتوبر 2019 , فقد كانت حركة النهضة قد حصلت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 على 89 مقعدا داخل المجلس. وفي أول انتخابات تشريعية تجري بعد إقرار دستور 2014، حصلت على 69 مقعدا. ولكن على الرغم من أن “النهضة” ظل الأكبر في مجلس النواب، إلا أنه خسر 15 مقعدا بالمقارنة بنتائج انتخابات 2014؛ وشمل التراجع جميع الأحزاب التي شاركت في السلطة, وكان أداؤها غير مرض للشارع الذي يعاني أزمة اقتصادية متفاقمة, صنعت شعورا جمعيا بفشل الحكومات والأحزاب السياسية؛ ما دعا بعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية إلى رفع شعارات “مناش حزب” أي أنه لا ينتمي إلى حزب سياسي؛ بسبب ما طال الأحزاب من انتقادات لمشاركتها في حكومات ما بعد الثورة منذ 2011 وحتى الآن, وقد أسقطت الانتخابات حزب “نداء تونس” تماما, الذي أسسه الرئيس الراحل قائد السبسي, وتفكك الحزب وأصبح أثرا بعد عين, ولم يحصل حزب “تحيا تونس” الذي يتزعمه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي يوسف الشاهد إلا على 14مقعدا؛ وأعلن رئيس حزب آفاق تونس ياسين إبراهيم استقالته من رئاسة الحزب على خلفية الفشل الذريع للحزب في الانتخابات التشريعية؛ لذلك يمكن القول إن الأحزاب السياسية التونسية في امتحان صعب أمام الشعب. وأمام هذا المشهد الحزبي المتأزم كان تشكيل الحكومة التونسية تحديا تجلت مظاهره في تصريحات قيادات الأحزاب الفائزة في الانتخابات؛ وأعلنت حركة “النهضة” وضع شروط تحدد ملامح تحالفاتها المقبلة بحيث لا تشمل حزبي قلب تونس المتهم بالفساد والحزب الدستوري الحر سليل الحزب الحاكم السابق في عهد نظام بن علي, وتقوده عبير موسى المعادية للثورة التونسية, ولذلك أكد المراقبون أنه ليس أمام الأحزاب والمستقلين الذين تم انتخابهم إلا تنحية خلافاتهم جانبا، واتخاذ خطوات سريعة لتعزيز المؤسسات الديمقراطية الجديدة في تونس، وتحسين الوضع الاقتصادي، وتجديد ثقة المواطنين في قدرة البلاد على استكمال الانتقال الديمقراطي.                                                                     لكن هذا التأكيد لم يجد آذانا صاغية لدى نواب التيار الديمقراطي وحركة الشعب الذين بادروا بتشكيل كتلة برلمانية موحدة بينهما, أصبحت هي الثانية في البرلمان بـ 41 نائبا في البرلمان بعد النهضة, وقد تأكد مبكرا أن هناك صراعات في الأفق مع حركة النهضة, بعد أن كان من المتصور بحسابات الثورة والسياسة أن حركة النهضة وائتلاف الكرامة، و حزب حركة الشعب والتيار الديمقراطي يمكن أن يشكلوا الحكومة معا, لكن حركة الشعب والتيار الديمقراطي تعنتا من البداية ووضعا شروطا غاية في التنطع والتعسف؛ ما أدى إلى فشل حركة النهضة في التفاهم معهما ومع حزب “تحيا تونس”، وبالتالي عدم مشاركتهم بالحكومة الجديدة, وحجب الثقة عنها. *مكاسب وخسائر المكسب الأهم الذي حققته تونس منذ ثورتها على نظام بن علي البائد هو أنها نجحت في ترسيخ المسار الديمقراطي، على الرغم من المطبات والإخفاقات، وتفاقم الأزمتين الاجتماعية والاقتصادية، الذي يطال فئات المجتمع كافة، لكن فشل الأحزاب في التوافق على حكومة, بعد الانتخابات التشريعية ـ كما كان يحدث في السابق ـ يمثل خسارة لمبدأ الحرص على التوافق الذي كان سببا في اجتياز التجربة الديمقراطية بنجاح طوال السنوات التسع الماضية, ومن الناحية الأخرى قد يكون عدم تشكيل حركة النهضة للحكومة في مصلحتها, بعد إصرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب على رفض التعاون مع حكومة جديدة تقودها أو تكلف بها “النهضة”, حتى لو كانت غير سياسية؛ مما يعفي “النهضة” من المسئولية السياسية عن الحكومة التي ستواجه الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية, مع ما سيتبع ذلك من الهجوم عليها وعلى حكومتها, وتبقى في رئاسة البرلمان, لكن بعد ما حدث, لن يكون جانب أنصار الفساد والثورة المضادة في البرلمان مأمونا, من محاولات المشاغبة وإثارة الصخب حول رئاسة الغنوشي له, وهو ما بدت نذره في اعتصام عبير موسى والنواب المنتمين إلى حزبها تحت قبة البرلمان، وتهديدها بإيقاف أعماله، إثر مناوشات بينها وبين نائبة عن حركة النهضة, ومنها أيضا ما دعا إليه زعيم حزب قلب تونس نبيل القروي خلال لقاء صحفي مع بعض النواب من الأحزاب التي صوتت ضد الحكومة، معلناً تكوين جبهة تضم أكثر من 90 نائباً من أحزاب قلب تونس وتحيا تونس وحركة الشعب والإصلاح الوطني مع نواب مستقلين متعهداً بأن تتعاون هذه الجبهة مع رئيس الجمهورية لتحديد ملامح رئيس الحكومة القادم وأن يكون لها حزام سياسي في البرلمان, وقد بدا أن تصريحات القروي تهدف إلى قلب المشهد السياسي رأساً على عقب عبر تأسيس هذه الجبهة ما يجعل حركة النهضة في المعارضة، مقابل تحول أحزاب المعارضة إلى السلطة. إلا أن تصريحات القروي سرعان ما سقطت عبر تنصل حركة الشعب من الانضمام…

تابع القراءة

فشل تمرير حكومة الجملي بتونس..اختبار ديمقراطي أم انقلاب أبيض ؟

ما بين انقلاب أبيض يقوده تيار الثورة المضادة في تونس بدعم مالي خليجي. في أكبر انتهازية حزبية بين الأحزاب التونسية ضد حركة النهضة التونسية وحليفها تيار الكرامة، وبين تجربة كاملة واختبار صعب للديمقراطية التونسية، فشل الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان التونسي يوم 10 يناير الجاري، وتلا إسقاط حكومة الجملي إعلان نبيل القروي زعيم حزب قلب تونس الفائز بالمركز الثاني في الانتخابات التشريعية (38 مقعدا)، والمتهم بالفساد وغسيل أموال إماراتية، عن تشكيل جبهة برلمانية تضم 93 نائبا، قال: إنها ستضم كل من حزبه وحزب تحيا تونس (14 مقعدا) وكتلة الإصلاح الوطني (15 مقعدا) وكتلة المستقلين وغير المنتمين للأحزاب. وقال القروي: إن إعلان هذه المبادرة جاء بالتنسيق بين حزبه وكتل أخرى مثل حزب تحيا تونس الذي يتزعمه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي يوسف الشاهد وكتلة الإصلاح الوطني زاعما أنه يستهدف توحيد صف العائلة الوسطية المشتتة وتقديم مبادرة موحدة للرئيس التونسي بشأن تشكيل الحكومة. ومن المتوقع أن يمثل ميلاد الكتلة البرلمانية تحديا، قد يقلب موازين القوى داخل البرلمان لصالح الثورة المضادة باعتبارها ستصبح أكبر كتلة من حيث العدد، وهو ما يمثل التفافا على إرادة الشعب التونسي، وهو ما يشكل أيضا ضربة قوية لحركة النهضة باعتبار أن كتلتها وكتلة ائتلاف الكرامة الداعمة لها لا تتجاوزان 72 مقعدا.   وبحسب مراقبين، هذه التغيرات لا تصب في مصلحة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يواجه بحملة انتقادات من أحزاب الثورة المضادة، والتي تسعى لإسقاط رئاسته للبرلمان التونسي، حيث يعمل الحزب الدستوري الحر الذي يضم عناصر النظام الحاكم السابق (17 مقعدا) على جمع 73 توقيعا للنواب لتمرير عريضة لسحب الثقة من الغنوشي بهدف إقصاء ما سماه “الإسلام السياسي” من على رأس البرلمان، وهذه المعركة أصبحت بمثابة صراع وجودي لهذا الحزب، حسب قوله.   بعثرة الأوراق وخلال جلسة امتدت أكثر من عشر ساعات، يوم 10 يناير، صوَّت 134 نائباً لصالح عدم منح الثقة لحكومة الجملي المقترحة، مقابل موافقة 72 نائباً، وتحفُّظ ثلاثة نواب على التصويت، وهو ما يعني إسقاط الحكومة.في حين كان عليها الحصول على 109 أصوات على الأقل من جملة 217 نائبا، وقبل التصويت، أعلنت كل من كتلة “النهضة” (54 نائباً من 217) و”ائتلاف الكرامة” (21 نائباً)، عزمهما منح الثقة للحكومة، في حين أعربت كتل أخرى عن اعتزامها عدم منح الثقة للحكومة، وهي: “قلب تونس” (38 نائباً)، و”تحيا تونس” (14)، و”المستقبل” (9)، و”الكتلة الديمقراطية” (41)، و”الإصلاح الوطني” (15)، و”الحزب الدستوري الحر” (17). هذه الحكومة كان قد مُنح رئيسها “الجملي”، منتصف نوفمبر الماضي، تكليفاً من الرئيس سعيّد لتشكيلها بعد طرح اسمه من جانب “النهضة”، التي تصدرت نتائج الانتخابات التشريعية، في 6 أكتوبر الماضي.   أسباب فشل الجملي   ويرجع مراقبون أسباب فشل الجملي الذي اختارته حركة النهضة، لكونه مغمور سياسيا، بجانب توجهه لتشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة، وخلوها من الكفاءات ذات الانتماء السياسي جعلها لا تحظى بتأييد سياسي قوي من قبل الأحزاب الممثلة داخل البرلمان.   وضّمت الحكومة المقترحة، التي يرأسها الحبيب الجملي، 42 عضوا بين وزراء و”كتّاب دولة” (وزراء مساعدون). ومنذ قدّم الحبيب الجملي رسميا لائحة الحكومة المقترحة، شكّل العدد الكبير لأعضائها وجها لاعتراض البعض.   وواجهت حكومة الجملي أيضا انتقادا لغياب عدد مقبول من النساء ضمن القائمة التي ضمت أربع وزيرات من جملة ثمانية وعشرين وزيرا وست وزيرات مساعدات من جملة أربعة عشر وزيرا مساعدا (كاتب دولة).   وقال الحبيب الجملي حينها: إن التمثيل النسائي في حكومته، المكوّنة من اثنين وأربعين وزيرا بلغ قرابة أربعين في المئة، وهو الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات..إذ أن عدد النساء في قائمة الجملي عشر نساء أي أنه لا يتجاوز 25 %. فيما وصف نواب خطاب الجملي بالبرلمان بأنه خطاب شعبوي، وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية عدنان الحاجي: إنه لا يرتقي إلى أن يكون خطابا سياسيا. وووصفه النائب عن حركة الشعب، زهير المغزاوي، بخطاب حملة انتخابية لا يوضّح برنامج الحكومة.   بينما أشاد آخرون بما ورد في الخطاب، الذي تحدّث فيه الجملي عن نفسه أيضا وعن انحداره من “أعماق الريف التونسي”.   وقال الجملي: إنه “لأول مرّة في تاريخ تونس سيكون رئيس حكومتها ابن فلاح من أعماق الريف”.   هذه العبارة مثلما لاقت استحسانا، رأى فيها نوّاب في البرلمان ومتابعون للجلسة “شعبوية” و”لعبا على نعرات طبقية وجهوية”.   بجانب ذلك، أثارت بعض الاختيارات الوزارية جدلا برلمانيا، كوزير السياحة روني الطرابلسي، هو الوزير الوحيد الذي أبقى عليه الجملي من الحكومة السابقة. وأثار الطرابلسي جدلا منذ طرح اسمه ضمن التشكيلة الجديدة. وهذا الجدل ليس جديدا، لكنّه مستمرّ منذ انتشرت أنباء، غير مؤكدة، عن حيازة روني الطرابلسي التونسي يهودي الديانة على الجنسية الإسرائيلية. ثم زاد الجدل حين اقترح الوزير منح الإسرائيليين من أصول تونسية جوازات سفر تونسية تسهّل زيارتهم لـ”بلدهم الأم” خاصة أثناء موسم حج اليهود إلى “الغريبة” الواقعة في جزيرة جربة في الجنوب التونسي.   وزير الدفاع المقترح، القاضي عماد الدّرويش، هو أحد الوزراء الذين أثار وجود اسمهم ضمن الحكومة المقترحة لغطا كثيرا، وأثار غضب عدد من القضاة والحقوقيين، الذين يعتبرونه أحد أذرع نظام الرئيس المخلوع زين العبادين بن علي. ونشرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانا يوم الاثنين قبل الماضي تعلن فيه رفضها لتعيين الدرويش وزيرا للعدل.   مؤامرة وبجانب الأسباب السابقة، تبرز أحاديث كثيرة ومعتبرة، عن مؤامرة سياسية أدارتها أحزاب الثورة المضادة التونسية. وخلال جلسة منح الثقة، قال النائب عن حركة النهضة نور الدين البحيري، في مداخلته: إن إسقاط الحكومة المقترحة خطر في ظل “طبول الحرب التي تدقّ في ليبيا”. فيما اقترح بعض نوّاب البرلمان التصويت بالموافقة على الحكومة ومنحها فرصة للعمل ثم محاسبتها بعد فترة والبت في سحب الثقة منها أو “تثبيتها”.   وكان رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي قد وعد في وقت سابق بتعديل تشكيلة الحكومة بعد المصادقة عليها وتعهّد “بتغيير الوزراء الذين رفضهم السياسيون أو تحفظوا على وجودهم ضمن التشكيل الحكومي”.   وقال النائب عن حركة النهضة أسامة الصغير: إن كلمات بعض النوّاب الرافضة للحكومة قدّمت أسبابا “واهية” للرفض. واتهم الصغير الرافضين للحكومة بعدم المبالاة بمصالح المواطنين وبحاجتهم لإتمام المشاريع المتوقفة على تنصيب الوزراء. وبحسب الناشط السياسي التونسي محمد هدية، فإن عدم تمكن حكومة “الجملي” من نيل ثقة البرلمان التونسي، “يؤكد أن المسألة السياسية في تونس ما زالت تتسم بصراع شديد بين قوى الثورة من جهة وقوى الثورة المضادة من ناحية أخرى”. حيث امتدت  مشاورات الحبيب الجملي لما يقارب شهرين، مع مختلف القوى السياسية والمنظمات الوطنية، “ورغم أن تلك المشاورات كانت ستؤتي ثمارها بين الحين والآخر، فإنها كانت تُجهض في الثواني الأخيرة”. كما أن بعض الأحزاب وفي مقدمتها “التيار الديمقراطي” وحركة الشعب، أعلنت موافقتها على المشاركة في الحكومة، حتى إنها وصلت إلى مناقشة أدق…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022