
اعادة تكليف مصطفى مدبولي تشككيل حكومة جديدة بين تحدي السيسي للشعب وتحديات مصر
تقدم رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، يوم 3 يونيو الجاري، باستقالة حكومته إلى عبد الفتاح السيسي، الذي أعاد بدوره تكليفه بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات، حسبما أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية. وتولى مدبولي الحكومة لأول مرة في 7 يونيو 2018، وشغل قبلها منصب وزير الإسكان خلال الفترة من فبراير 2014 حتى 6 يونيو 2018. وتشكلت حكومة مدبولي الحالية، بعد فوز السيسي بولايته الرئاسية الثانية في العام 2018، وشهدت تعديلات وزارية عدّة. ومع استمرار مدبولي في منصبه، يستهدف التشكيل الجديد مواصلة ما أطلق عليه “مسار الإصلاح الاقتصادي”، والتركيز على جذب استثمارات محلية وأجنبية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، بحسب بيان الرئاسة، الذي يتباعد تماما مع واقع حال المصريين ، ومع نهج نظام السيسي السلطوي، الذي فاقم أزمات المصريين السياسية والاقتصادية والاجتماعية… قوبل إعادة تكليف مدبولي بالحكومة الجديدة، برفض شعبي كبير، وسط ستغراب من تحدي النظام للشعب، في ظل بقاء مدبولي في منصبه الذي يشغله منذ نحو 6 سنوات رغم ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، ووسط حديث عن رفع مرتقب لأسعار الكهرباء والأدوية والوقود وسلع أخرى، بعد الخبز المدعم.. ويعد مدبولي، ثالث رئيس للوزراء في عهد السيسي. إذ كُلف وكان وزيرًا للإسكان في عام 2018، بتشكيل الحكومة خلفًا لحكومة شريف إسماعيل الذي تعرض لأزمة صحية لسنوات قبل وفاته عام 2023. وأُجري تعديلين على حكومة محلب؛ الأول في 19 ديسمبر 2019، والثاني في 13 أغسطس 2022. أولا:أبعاد التغيير الوزاري: ويحمل قرر التعديل الوزاري وتكليف مدبولي، العديد من الأبعاد المتعلقة بشخص مدبولي وتوقيت التغييير وأسبابه ودوافعه من قبل النظام، وأيضا ارتداداته المجتمعية على المصريين… 1-صندوق النقد كلمة السر: ومما لا شك فيه، يرتبط توقيت التغيير الوزاري، بموعد تواجد بعثة صندوق النقد الدولي في مصر منذ 21 مايو الماضي، لإتمام المراجعة الثالثة للاقتصاد المصري في إطار تمويل الصندوق البالغ 8 مليارات دولار. وقد أراد السيسي ارسال رسالة، بان هناك تغييراً ما ، يجري في مصر، واعادة هيكلة للسياسة والاقتصاد ، وفق معايير الصندوق.. وهو ما التقطه مدبولي، في أحاديثه الاعلامية مؤخرا، بتأكيده على مدار الأيام الماضية أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية في القاهرة،عن تحريك أسعار الخبز المدعم 4 أضعاف، ورفع الدعم عن الكهرباء، والمنتجات البترولية، فيما جرى الإعلان عن رفع كبير بأسعار أكثر من 200 صنف دوائي. وهو الحديث الذي جاء عقب إعلان السيسي، عن هذا التوجه الحكومي لرفع أسعار تلك السلع والخدمات المدعوم بعضها بقدر من الموازنة العامة المصرية.. وهو ما دفع مراقبين إلى القول إن هذا التكرار والتأكيد قد يكون فيه رسالة لصندوق النقد الدولي، لتمرير المراجعة الهامة والحصول على الجزء المقرر من القرض، وطلب تمويل جديد بنحو 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة التابع للصندوق، وفق تصريح سابق لمدبولي. وذلك لحل أزمة شح الدولار لدى الحكومة المصرية، ولدفع مستحقات بعض الشركات الأجنبية وخاصة شركات التنقيب عن النفط والغاز، وأيضا دفع خدمة دين فاقت الـ168 مليار دولار مع نهاية العام الماضي. وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن ذلك الحديث يعد مؤشرا على تفاقم جديد لأوضاع أكثر من 106 ملايين مصري مع القرارات الجديدة واشتراطات وتعليمات الصندوق. 2-انتهاء دور الحكومة في تمرير القرارات الصعبة: وجاءت استقالة الحكومة، التي كان المفترض أن تستقيل منذ بريل الماضي، موعد حلف السيسي اليمين الدستورية الثالثة، بعد أن تحملت عبء تمرير أصعب القرارات التي ارادها نظام السيسي، سواء بتمرير موازنة العام الجديد، التي تفاقم العجز المالي، وخفض الدعم ومخصصات الصحة والتعليم، علاوة على القرار الأصعب، وهو رفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشا.. وقبيل ساعات من استقالته، أعلن مدبولي، عن رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا من 5 قروش، وتنفيذ القرار، مطلع يونيو الحالي.. وهو ما عده خبراء مخاطرة جريئة وقد تكون غير محسوبة خاصة أنه لم يتم تحريك سعر الخبز المدعم منذ 30 عاما، وفق تأكيد مدبولي. بل ذهب مدبولي لأبعد من ذلك، بقوله إنه سيتم مناقشة التحول من الدعم العيني إلى النقدي. ويمس ملف الخبز والدعم بشكل مباشر ملايين المصريين من الطبقات الفقيرة والمعدمة من شعب يتغلغل الفقر، والفقر المدقع في مساكنه وشوارعه وحواريه وقراه ونجوعه وعزبه وكفوره. كما تحدث مدبولي، أيضا عن أسعار الخبز والوقود والكهرباء، وقال: “يجب تحريك سعر رغيف الخبز المدعم بصورة تتناسب مع الزيادة الرهيبة في الأسعار، مشيرا إلى إمكانية زيادة أسعار المواد البترولية، وذلك برغم أن حكومته رفعت في مارس الماضي، سعر البنزين من 8 إلى 10%، والسولار بنسبة 21.2% . معلنا عن أنه طالب وزارة الكهرباء بوضع خطة لرفع الدعم عن الكهرباء بالكامل على مدى 4 سنوات…وذلك رغم أنه ملف يؤلم الكثير من المصريين خاصة مع انقطاع الكهرباء بشكل يومي، وفق خطة لتخفيف الأحمال، وتوفير الكهرباء.. وضمن الانتهاء من القرارات المؤلمة جملة واحدة، وعلى لسان المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء محمد الحمصاني، قال لفضائية “صدى البلد” المحلية، إنه “سيجري رفع الدعم عن بعض السلع بصورة كاملة”. أما وزير المالية محمد معيط، وفي اتصال بفضائية “الحدث اليوم” المحلية، فقد وجه رسالة مقلقة بقوله إن ملف الدعم “أصبح يمثل خطورة على الأمان المالي والاقتصادي للدولة”. تلك التصريحات المعبرة عن توجهات أشد ايلاما للمجتمع، جاءت مع نهاية أيام مدبولي في حكومته القديمة… ينضاف إلى ما سبق، اعلان رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية الدكتور علي عوف، أن هناك زيادة مرتقبة في أسعار 200 صنف دوائي، متوقعا زيادة أسعار 700 صنف خلال 3 أشهر قادمة، ملمحا لاحتمال رفع أسعار أدوية الأمراض المزمنة، 20%، والأمراض الحادة 30% . 3-استجابات مفتوحة من النظام لاملاءات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة تضع مصر أمام مجهول كبير: وبالتزامن مع حضور صندوق النقد للقاهرة، وإعلان الحكومة عن رفع أسعارالعديد من السلع والخدمات، عاد الحديث عن ملف الطروحات بقوة، حيث أُعلن قبل أيام عن عروض لشراء شركة “وطنية” التابعة للجيش المصري، والتي يمثل طرحها للبيع إحدى مطالب صندوق النقد الدولي، بدعوى تقليل حصة الجيش في الاقتصاد المحلي. وبعد يوم واحد من وصول بعثة صندوق النقد إلى القاهرة، وفي 22 مايو الجاري، قالت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد لـ”اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”، إن “مصر تلقت 7 عروض عالمية ومحلية للاستحواذ على أسهم “الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية” (وطنية). وإلى جانب ما تشير إليه الأنباء من قرب تنفيذ صفقة “وطنية”، فقد جرت في الأيام الماضية وبالتزامن مع وجود بعثة صندوق النقد في مصر، استحواذات واسعة في القطاع الزراعي، والصحي والطبي، ومنها استحواذ شركة “تريكويرا” الهولندية على حصة جديدة قدرها 22% في “مينا فارم” للأدوية لتصل حصتها 50%، واستحواذ شركة “بريميوم دياجنوستيكس” الإماراتية على حصة أقلية في “سيتي للتحاليل الطبية”، ورفع شركة “غولدمان ساكس إنترناشيونال” الإماراتية حصتها في شركة “مستشفى كليوباترا”. وفي القطاع الزراعي والتعليمي يسعى صندوق…