آفاق التقارب المصري التركي بليبيا في ضوء خلافات أبوظبي والقاهرة

    مسارات التقارب بين تركيا ومصر على الصعيد الليبي، باتت مرتبطة بسلسلة من الزيارات المتقاطعة إلى ليبيا وتركيا من قبل الأطراف التركية والليبية والمصرية مؤخرا. حيث زار وفد أمني مصري رفيع المستوى العاصمة الليبية طرابلس، في 27 ديسمبرالماضي في خطوة مفاجئة، بحثت مع المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً، إعادة العلاقات بين الجانبين، واستئناف الرحلات الجوية المتوقفة بين طرابلس والقاهرة منذ عام 2014. وضم الوفد نائب رئيس جهاز المخابرات ومسؤولين كبارا من وزارتي الخارجية والدفاع، وجاءت زيارته بعد نحو أسبوع من لقاء رئيس جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل، في بنغازي، مع كل من الجنرال خليفة حفتر ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح. ولذلك تكتسب الخطوات المصرية الراهنة أهمية بالغة على عدّة صعد. وفي السياق نفسه، نقل مسؤول مصري أن الزيارة التي أجراها وفد من بلاده إلى طرابلس مؤخرا، هدفت إلى قطع الطريق أمام تحريض من أبوظبي لـ”حفتر” على مغامرة عسكرية جديدة، بحسب “مدى مصر“. وذلك في ضوء رغبة القاهرة في التحرك لمنع المزيد من الحضور العسكري التركي في ليبيا، وهو ما قد يسمح به استمرار القتال.   دوافع مصرية وبحسب تقيرات استراتيجية، هناك خمسة أسباب رئيسة دفعت القاهرة إلى إحداث هذا التموضع الجديد: أولا، فشل الرهان على الجنرال حفتر في السيطرة على المنطقة الغربية، والقضاء على الفصائل المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين. ثانيا، الرغبة في إنجاح مسار التسوية السياسية لضمان عدم العودة مجدّداً إلى التصعيد وتجنب التدخل العسكري المباشر، لما يحمله ذلك من مخاطر الدخول في صدام مباشر مع تركيا. ثالثا، أن أي عودةٍ إلى التصعيد العسكري ستعني مزيداً من الانخراط العسكري التركي في الصراع، وهو ما لا تريده القاهرة. رابعا، اقتناع صانع القرار المصري بضرورة إيجاد مسافةٍ بين المصالح المصرية في ليبيا ضمن التحالف الداعم لحفتر والمصالح المصرية منفردة، لأن مثل هذه المسافة تُساعدها في فتح خطوط تواصلٍ مع الأطراف الليبية الأخرى والأطراف الخارجية الأخرى من خارج هذا التحالف كـتركيا. خامساً، رغبة مصر في لعب دور فعال في التسوية، بعدما تراجع دورها خلال السنوات الماضية لحساب أطراف إقليمية أخرى منها ما هو حليف كالإمارات ومنها ما هو منافس كتركيا. إلى جانب، خلافات بدت على سطح منظومة العلاقات الإماراتية المصرية مؤخرا، ورغبة أبوظبي في اقحام الجيش المصري في حرب عسكرية قي ليبيا، على عكس تقديرات مؤسسة الجيش المصري، التي تحاول أن تبني قراراتها العسكرية خارج مصر، وفق تقديراتها العسكرية  المستقلة بعيدا عن مهاترات السياسيين. وليبيا ساحة من ساحات التنافس التركي المصري في الإقليم، حيث تقف أنقرة والقاهرة على طرفي نقيض في الصراع. وقد ساهمت القطيعة المصرية التركية بعد عام 2013، وما أعقبها من استقطاب إقليمي حاد في المنطقة، في تعميق الخلافات التركية المصرية في ليبيا، وحالت دون حصول تعاون بين الجانبين، على الرغم من أن الأهداف الرئيسية لكلا البلدين في ليبيا تلتقي في إنهاء الانقسام بين الشرق والغرب، والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية. وقد أخذ التنافس بين الطرفين شكلاً صدامياً، بدلاً من أن يكون تعاوناً تنافسياً يُراعي مصالح الجانبين، ويُدير خلافاتهما بحيث لا تخرج عن السيطرة. وفي ظل عجز أيٍّ من طرفي الصراع الليبي عن حسم الصراع لصالحه، تبرز أهمية التعاون المصري التركي حلا وسطا يُمكن أن يُساهم في إنهاء الصراع، بما يراعي المصالح التركية والمصرية.   دوافع أنقرة للتقارب   فيما ترغب تركيا أن تُشكل ليبيا بوابة لإعادة استئناف العلاقات مع مصر، وتحويل التنافس معها من تنافس صدامي إلى تعاون تنافسي، بحسب الباحث الليبي محمود علوش بمقاله بـ”العربي الجديد”: “هل تتعاون مصر مع تركيا في ليبيا“… كما كان لافتاً أن الزيارة المصرية لطرابلس تزامنت مع زيارة تركية أخرى رفيعة، أجراها وزير الدفاع خلوصي أكار وقادة آخرون في الجيش. ولدى أنقرة علاقة جيّدة مع السراج ونفوذ كبير على الفصائل الرئيسية في المنطقة الغربية. ومع ذلك، لم تستخدم هذا النفوذ لعرقلة الانفتاح بين طرابلس والقاهرة، في مؤشّر على أنها لا تُعارض، من حيث المبدأ، مثل هذا الانفتاح، ما دام أنّه يصب في الأهداف الرئيسية نفسها التي تعمل عليها، وهي إعادة الاعتبار الإقليمي والدولي لشرعية حكومة الوفاق، على الرغم من أن الأخيرة لن تستمر فترة طويلة، إذا ما نجح الحوار الليبي في اختيار سلطة جديدة، فضلاً عن التأكيد على مركزية السلطة في ليبيا، ومنع تكريس الانقسام بين الشرق والغرب. بل سبق لتركيا أن دعمت اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة في جنيف في نوفمبر الماضي، وأيدت قرار حكومة الوفاق وقف العمليات العسكرية على أطراف سرت، في رغبة منها بتهيئة الأرضية لإطلاق حوار سياسي. كما أنّها لم تُبدِ اعتراضاً على زيارة وفد من طرابلس إلى القاهرة بعد نحو شهر من إبرام اتفاق جنيف. وتسعى أنقرة من خلال تسهيل دور مصري أكبر إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولاً، إبداء احترامها المصالح المصرية في ليبيا، وإقناع القاهرة بفوائد تعاونها معها، بعيداً عن انخراطها في التحالف الفرنسي الإماراتي، وتهميش الدورين الفرنسي والإماراتي اللذين يُعرقلان تسوية سياسية متوازنة، لا تُعطي الأفضلية لحفتر.  ثانياً، رغبة أنقرة في أن تُشكل ليبيا بوابة لإعادة استئناف العلاقات مع مصر، وتحويل التنافس معها من تنافس صدامي إلى تعاون تنافسي، على غرار التعاون التنافسي التركي الروسي في ليبيا وسورية وجنوب القوقاز. ثالثاً، تركيز أنقرة على تفكيك التحالف الإقليمي المُشكّل ضدّها في شرق المتوسط، وإبعاد مصر عن اليونان وقبرص، تمهيداً لإبرام اتفاقية معها لترسيم الحدود البحرية. وقد قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في 14 نوفمبر الماضي  في حوار مع قناة محلية تركية، إن بلاده مستعدة للتجاوب مع مصر، في حال أظهرت الأخيرة إرادة التحرّك بأجندة إيجابية في القضايا الإقليمية. وعلى الرغم من أن لغة المنطق والجغرافيا تفرض على مصر وتركيا التعاون في القضايا الإقليمية، ومنها ليبيا، إلّا أن عقباتٍ حالت دون حصول هذا التعاون، ويُمكن تلخيصها بثلاث رئيسية: –انخراط البلدين في استقطاب إقليمي حادّ يتجاوز الجغرافيا الليبية، ويتعلق بصراع على ثروات شرق المتوسط. –التأثير الفرنسي والإماراتي الكبير على القاهرة يضغط باتجاه عرقلة أي انفتاح مصري على تركيا. –معضلة حفتر في المشهد الليبي، إذ تراه أنقرة جزءا رئيسيا من المشكلة، ولا يُمكن أن يكون مشاركاً في الحل، فيما لا تريد القاهرة المجازفة بتأثيرها في الشرق من خلال إبعاد حفتر، لأنه المُهيمن بالفعل على المنطقة هناك. وعلى الرغم من هذه العقبات، إلا أن الديناميكية الحالية للسياستين، المصرية والتركية، في ليبيا تفيد بأن القاهرة وأنقرة باتتا تُدركان، أكثر من أي وقت مضى، أهمية تجاوز الخلافات الثنائية، والمضي في مسار التعاون في الساحة الليبية، وعزل هذا المسار عن تأثير القضايا الخلافية الأخرى، كالصراع في شرق المتوسط.   الخلافات الإماراتية المصرية ولعل العامل الأبرز في تحديد شكل ومستوى التقارب بين أنقرة والقاهرة في المرحلة الآنية أو…

تابع القراءة

العلاقات الأمريكية بالإسلاميين في عهد بايدن.. قراءة تحليلية

    تأمل جماعة الإخوان المسلمين أن يكون سقوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الديمقراطي جوبايدن تدشينا لمرحلة جديدة تسهم في حدوث تغيير حقيقي بمصر والمنطقة العربية، وأن تتخلى الإدارة الأمريكية الجديدة عن النهج الذي اتسمت به إدارة ترامب اليمينية المتطرفة خلال السنوات الأربعة الماضية، من خلال دعم أنظمة الاستبداد العربي وليس فقط التغاضي عن انتهاك حقوق الإنسان بل تحريض هذه النظم على انتهاكها كيما تشاء بدعوى الحرب على ما يسمى بالإرهاب. وفي هذا الشأن أصدرت الجماعة بيانا مع ظهور مؤشرات فوز بايدن، ثمنت فيه الجماعة فوز المرشح الديمقراطي ودعت  الإدارة الأمريكية الجديدة المنتخبة إلى مراجعة سياسيات دعم ومساندة الدكتاتوريات، وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب”. وتمنت الجماعة  لـ”بايدن وللشعب الأمريكي ولشعوب العالم أجمع دوام العيش الكريم في ظل مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”. وحذرت الجماعة إدارة بايدن من أن “أي سياسات يتم فيها تجاهل الشعوب وخياراتها الحرة والاكتفاء ببناء علاقاتها مع مؤسسات الاستبداد الحاكمة، ستكون اختيارا في غير محله، ووقوفا على الجانب الخاطئ من التاريخ”.[[1]] ورغم أن السيد إبراهيم منير نائب المرشد العام للجماعة، توقع ــ في مداخلة على قناة «الجزيرة مباشر»  ــ ألا يمارس الرئيس الأمريكي المنتخب ضغوطا على رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي من أجل الإفراج عن موقوفي الجماعة معللا ذلك بأن بايدن سيحتاج إلى وقت ليرتب نفسه؛ إلا أن منير لم يستبعد حدوث تغيير في المنطقة لأسباب وعوامل اقتصادية وتفشي جائحة كورونا، إضافة إلى حاجة المنطقة الملحة للهدوء وإعادة ترتيب وقد يكون من بينها مصر وما يتعلق بملف حقوق  الإنسان. وبسؤاله عن جدوى الرهان على إدارة بايدن، مع أن الانقلاب العسكري في مصر وما تلاه من مذابح وحشية جماعية وقع في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث كان بايدن نائبا له، رجح منير ألا تكون سياسية “بايدن” مع مصر كآخر أيام وجوده كنائب للرئيس الأمريكي “باراك أوباما”. واستند منير فيما ذهب إليه إلى عدة أسباب: أولها، أن الوضع اختلف عما كان في منتصف 2013م، وهناك سنوات مضت والخارجية والإدارة الأمريكية راجعت ما يتم بمصر، ولن تكون سياسات بايدن كما مضى”. وثانيا، تأكيده أن الصورة عن الجماعة “تغيرت”، عما كانت من قبل لدى الإدارة الأمريكية، مشيرا إلى إتمام لقاءات سابقة مع مسئولين بالخارجية الأمريكية ومراكز بحث أمريكية لتوضيح ذلك. وأوضح أن الجماعة أجرت بالفعل لقاءات مع أعضاء بمجلس الشيوخ ونواب بالكونجرس، بما يكفي لتوضيح الصورة على حد تعبيره. متوقعا أن يكون هناك مزيد من التواصل بين الجماعة والإدارة الأمريكية الجديدة خلال الفترة المقبلة. وأن التقارير التي سيتطلع عليها بايدن وإدراته ستكشف أن ما وصل عن الجماعة ليس صحيحا. مطالبا الإدارة الأمريكية بأن “تعود لقيم الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب”.[[2]]     «الصفقة التاريخية» قبل الشروع في مناقشة مستقبل علاقة إدارة الرئيس جو بايدن بالحركات الإسلامية يتعين الإشارة أولا إلى ما كتبه الباحث الأمريكي، روبرت ساتلوف، قبل عقدين من الزمان والذي يشغل حاليا المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حيث وضع تأطيرا لرؤية الإدارات الأمريكية للحركات الإسلامية ضمن منظور المصالح الأمريكية. وانتهى إلى أن (المصالح) هي المعيار الرئيس في تحديد موقف واشنطن من الإسلاميين إيجابا وسلبا في هذه الدولة أو تلك. وداخل هذا الإطار الذي يحتكم  إلى معيار (المصالح) رجحت كفة الصقور أو التيار المتشدد في الأوساط الأمريكية على رؤية التيار التوافقي أو المعتدل؛ وبالتالي فإن منظور المصالح رجح كفة التحالف مع النظم العربية المستبدة في مواجهة القوى  الإسلامية المتصاعدة؛ الأمر الذي أثر بشكل سلبي على الموقف من العملية الديمقراطية؛ فكان (البعبع) الإسلامي بمثابة الفزاعة لتكريس ما وصفها خبراء أمريكيون بــ«الصفقة التاريخية» بين الولايات المتحدة والأنظمة الاستبدادية في المنطقة.[[3]] ظلت هذه المعادلة «الصفقة التاريخية» قائمة على هذا الأساس منذ ثمانينات القرن الماضي حتى وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001م، حيث اتهمت مراكز التفكير والبحث الأمريكية هذه «الصفقة التاريخية» بالمسئولية عن الأحداث، وأن الدعم الذى تحظى به النظم العربية المستبدة من جانب أمريكا هو الذي أفضى إلى نمو حالة الغضب بين الشعوب العربية والإسلامية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. هذه المراجعة أفضت إلى تولد تصورات جديدة من بينها مبادرة كولن باول (وزير الخارجية الأميركي الأسبق في عهد بوش الابن) لنشر الديمقراطية في العالم العربي، وكانت ترجمة ذلك عملياً، في عهد المحافظين الجدد، من خلال احتلال العراق، بدعوى نشر الديمقراطية، وهو المشروع الذي أُزهق في مكانه، ما أدّى إلى ركودٍ كبير في هذه المدرسة الجديدة.   تحولات الربيع العربي لكن الربيع العربي ردَّ الروح لهذه المراجعات الأمريكية ودعم الدعوات الشعبية التي تطالب بالتغيير، والتخلص من فوبيا البديل الإسلامي. وتخلت إدارة الرئيس باراك أوباما عن حلفاء عرب، على غير رغبة فريق واسع من إدارته؛ يدلل على ذلك ما كشفته تقارير الصحافة الأمريكية حول ضغوط المخضرمين في إدارة أوباما من أجل بقاء مبارك أثناء ثورة يناير وعدم الضغط عليه للتنحي، ومن مثال هؤلاء هيلاري كلينتون وجون كيري وجوبايدن الرئيس الفائز مؤخرا ضد ترامب، بينما كان مارس فريق الشباب في إدارة أوباما والذين كانوا يتمتعون بهامش من الإيمان بالديمقراطية ضغوطا على أوباما من أجل الانحياز لمطالب الشعب بالتغيير والديمقراطية، وتمكنوا من إقناعه بذلك، حتى خرج بخطابه الشهير الذي دعا فيه مبارك إلى التنحي فورا والآن؛ الأمر الذي كان له تأثير كبير ــ بلا شك ــ في الإطاحة بمبارك. وأثناء الربيع العربي الذي لم يدم طويلا، برزت نقاشات معمقة في الأوساط الأميركية بشأن العلاقة مع الإسلاميين. وقد استضافت العاصمة واشنطن مؤتمراً غير مسبوق حينها للحركات الإسلامية في 2012، بدعوةٍ من مؤسّسة كارنيجي للسلام، وتخلّل المؤتمر حوار في الخارجية الأميركية مع قيادات إسلامية، ما كان يؤشّر إلى منعطفٍ جديدٍ في العلاقة بين الطرفين. لكن مجموعة من الأحداث وقعت خلال تلك الفترة(حرب غزة 2012م وموقف الرئيس محمد مرسي الأخلاقي ورفضه للعدوان الإسرائيلي وإعلانه عن دعم غزة ــ مقتل السفير الأمريكي في ليبيا ــ تصاعد روح العداء لإسرائيل) كلها عوامل دفعت الإدارة الأمريكية إلى العودة إلى مربع التشدد تجاه الإسلاميين؛ إذ تعرضت أهم مصالح واشنطن للخطر وهي حماية أمن (إسرائيل) وضمان تفوقها على جميع البلاد العربية، وتحجيم المقاومة الفلسطينية وأي مقاومة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة؛ إذ وجدت واشنطن في تكريس الديمقراطية في مصر والبلاد العربية سبيلا لسيطرة  القوى الإسلامية على كثير من نظم الحكم؛ وبالتالي سيفضي ذلك إلى تحرير القرار الوطني في  مصر والبلاد العربية من التبعية لواشنطن، وستعود للشعوب العربية سيادتها الفعلية على بلادها، وهذا بحسب مراكز بحث إسرائيلية وأمريكية، يمثل أكبر تهديد لمصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة. وبناء على هذه الأحداث تحرك جناح المخضرمين في إدارة أوباما(زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للقاهرة في مارس 2013م وغضبه من الرئيس مرسي خير مثال)…

تابع القراءة

العالم العربي بعد عشر سنوات من “ثورات الربيع”

  حسن نافعة  – العربي الجديد تحلّ في هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على بدء “ثورات الربيع العربي”، ففي 17 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2010، أقدم شابٌّ تونسي، اسمه محمد البوعزيزي، على إضرام النار في جسده، احتجاجاً على سوء معاملة السلطات التونسية له. وعلى الرغم مما عرف عن أجهزة الأمن التونسية من غلظةٍ في التعامل مع المواطنين إبّان فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي، إلا أن الحدّة التي اتسم بها رد فعل البوعزيزي على ما لحق به من إهانة شكلت، في حدّ ذاتها، دليلاً على أن الإحساس بالقهر عند عموم التونسيين وصل إلى درجةٍ لا تُحتمل، وهو ما يفسّر ضخامة المظاهرات الشعبية التي اندلعت إثر هذا الحادث النادر، والمؤلم في الوقت نفسه، والتي راح نطاقها يتسع، إلى أن شملت معظم المدن التونسية، وانتهت بفرار بن علي إلى السعودية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011. لو توقف ما جرى في تونس آنذاك عند حدود هذا البلد العربي الصغير، لكنّا إزاء ظاهرة محلية الطابع، تخص المجتمع والنظام السياسي التونسيين وحدهما. ولأن ما جرى راح يتكرّر، ويعيد إنتاج نفسه بصور وأشكال مختلفة في بلدان عربية أخرى، فقد بدا واضحاً أننا إزاء ظاهرة إقليمية أوسع، تخص العالم العربي دون سواه من دول جواره. وما هي إلا أيام قليلة، حتى كانت الشرارة التي أشعلها البوعزيزي في تونس قد انتقلت إلى مصر، ومنها إلى ليبيا واليمن والبحرين وسورية، بل وبدت في ذلك قابلةً للتمدّد والانتقال إلى العالم العربي كله. وما إن حل شهر مارس/ آذار من عام 2011، حتى بدا العالم العربي كأنه بركان يغلي، إذ راحت حممه المتفجرة تتطاير في كل الاتجاهات. ولأن مارس هو شهر الربيع، لم يكن مستغرباً أن تطلق وسائل الإعلام الغربية على ما يجري اسم ثورات أو انتفاضات “الربيع العربي”، فقد كانت حناجر الجماهير العربية المحتشدة في معظم الميادين العربية تصرخ مطالبةً بالخبز والحرية والكرامة الإنسانية، وكأنها مفردات أغنيةٍ قرّرت شعوب الأمة كلها أن تلحنها وتنشدها في وقت واحد، من دون سابق تنسيق أو إنذار. وحين بدأت رؤوس أنظمة الاستبداد والفساد في هذه المنطقة المهمة من العالم تتساقط، الواحد تلو الآخر. تصور كثيرون أن فجراً جديداً قد بدأ يبزغ، حاملاُ معه أملاُ في غدٍ أفضل تسوده الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ولكن سرعان ما تبدّد هذا الأمل وبدا كأنه مجرّد سراب. موجاتٍ تلو أخرى من القتل والتدمير والنزوح والهجرات والتشرّد والبؤس اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على “ثورة الياسمين” التونسية، وما أعقبها من ثورات “ربيع” لم يكتمل، يبدو مشهد العالم العربي أكثر بؤساً مما كان عليه في ديسمبر من عام 2010، في مختلف المجالات وعلى المستويات كافة: على الصعيدين، السياسي والأمني: تمكّنت قوى الثورة المضادة في الداخل، بمساعدة قوى خارجية عربية وأجنبية، من الإمساك بزمام الأمور، محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وتمكّنت من تحقيق نتائج ونجاحاتٍ تباينت من حالةٍ إلى أخرى، ففي حالاتٍ قليلةٍ نجحت هذه الثورات المضادّة في التمكين لنظم حكم بديلة، بدت، في البداية، متماسكةً وأكثر قابليةً لتحقيق الاستقرار. ولكن سرعان ما تبيّن أنها بطش واستبداد وربما أكثر فساداً مما كانت عليه النظم القديمة، لكنها، في حالاتٍ أخرى كثيرة، لم تنجح إلا في بثّ تفجير النعرات القبلية والطائفية والمذهبية والعرقية، وفي إشعال الحروب الأهلية التي سرعان ما تحوّلت إلى حروبٍ بالوكالة لحساب قوى خارجية، بل وفتحت الباب أحياناً أمام تدخلاتٍ عسكريةٍ خارجيةٍ نجحت إما في تثبيت نظم الحكم التي ثارت عليها شعوبها، أو في بثّ مزيد من الفوضى وعوامل التفكّك والتفتيت والانهيار. تحوّل العالم العربي، خلال السنوات العشر السابقة، إلى ساحة مستباحة للتدخلات الخارجية وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي: شهد العالم العربي، طوال السنوات العشر الماضية، موجاتٍ تلو أخرى من القتل والتدمير والنزوح والهجرات والتشرّد والبؤس. أما الدول النفطية الغنية التي نجت من ثورات الربيع العربي، فقد تم استنزاف ثرواتها ومواردها، إما في صفقات سلاح ضخمة، أو في دفع الإتاوات في مقابل تقديم الحماية لعروشها المهدّدة، أو في تمويل الثورات المضادة نفسها. ثم جاءت جائحة كورونا وما تبعها من انخفاض أسعار النفط لتزيد الطين بلة. وقد انعكس ذلك كله على المواطن العربي في كل مكان، في صورة ارتفاع نسب البطالة وتدهور مستويات المعيشة وازدياد معدلات الجريمة المنظمة، بل وفي سقوط طبقات اجتماعية بأسرها تحت خط الفقر. وعلى الصعيد الثقافي والفكري: انغمست النخب الفكرية والسياسية التي كانت قد نجحت في تفجير ثورات “الربيع” في حملاتٍ لتبادل الاتهامات، حيث راح كل طرفٍ يلقي بمسؤولية الفشل على الطرف الآخر، المتهم بالعمالة أو بالكفر والإلحاد أو بخيانة العروبة والإسلام. لذا ظلّت هذه النخب، في معظمها، متقوقعة داخل خنادق فكرية، وعازفة عن إجراء مراجعاتٍ حقيقيةٍ لمواقفها السياسية والفكرية السابقة، تساعدها على استخلاص الدروس المستفادة من الأخطاء المرتكبة. وعلى الصعيد الاستراتيجي: تحوّل العالم العربي، خلال السنوات العشر السابقة، إلى ساحة مستباحة للتدخلات الخارجية، فالقواعد العسكرية الأميركية ما تزال تنتشر في كل مكان في العالم العربي، على الرغم من كل ما يقال عن انسحاب القوات الأميركية وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط. وتمكّنت روسيا من بناء قواعد عسكرية في سورية ومن زيادة نفوذها في ليبيا. بل تحول العالم العربي كله إلى منطقة نفوذٍ تتنافس عليها دول الإقليم غير العربية، إذ أصبح لإيران وجود عسكري ونفوذ سياسي في كل من سورية ولبنان والعراق واليمن، وأصبح لتركيا وجود عسكري ونفوذ سياسي في سورية وليبيا والعراق. أما إسرائيل فلم تكتف بالإبقاء على معظم الضفة الغربية محتلة، وعلى قطاع غزة محاصراً، أو بضم الجولان السوري، وإنما راحت تمد نفوذها السياسي إلى الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بالإضافة إلى نفوذها القديم في مصر والأردن، وتسعى إلى قيادة أكبر عدد من الدول العربية لمواجهة إيران ومحور المقاومة. بعد عشر سنوات على “ثورة الياسمين” التونسية، وما أعقبها من ثورات “ربيع” لم يكتمل، يبدو مشهد العالم العربي أكثر بؤساً الحقيقة الواضحة للعيان أن وضع العالم العربي أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه عشية انطلاق ثورات “الربيع”. ولذا من الطبيعي أن تثور تساؤلات عديدة، ليس فقط بشأن الأسباب التي أوصلت العالم العربي إلى هذه الحالة البائسة، وما إذا كانت “ثورات الربيع العربي” هي التي تسببت فيها، وإنما أيضاً حول المستقبل وما إذا كانت طموحات هذا العالم وأحلامه في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية قد انتهت وطويت صفحتها إلى الأبد. ويستدعي هذا الحال مجموعة ملاحظات وخواطر يمكن تلخيصها وطرحها على النحو التالي: الملاحظة الأولى: تتعلق بطبيعة المجتمعات العربية، فالاستبداد الذي يعاني منه العالم العربي ليس من النوع الطارئ أو الظرفي، وإنما هو متجذّر في بنية المجتمعات العربية نفسها، ومتغلغل في أنسجة مؤسساتها ونظمها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيستحيل القضاء عليه والانتقال إلى الحالة الديمقراطية بضربة واحدة قاصمة. ولأنني لست ممن يعتقدون أن العالم العربي…

تابع القراءة

خريطة الحركات الإسلامية في مصر بعد 7 سنوات من الانقلاب

    بنجاح «الثورة المضادة» في مصر بعد الانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي في 30 يونيو و3 يوليو 2013م، مثل ذلك تدشينا لمرحلة جديدة، سعت خلالها قوى الثورة المضادة وتحالفها الواسع الذي يضم الإمارات والسعودية ومصر إلى إعادة صياغة خريطة الحركات الإسلامية في مصر والمنطقة، فتم الاتفاق على ضرورة تشديد القبضة الأمنية  وغلق الفضاء العام، واستئصال كل ما يتعلق بالإخوان المسلمين، وذلك لاعتبارين: الأول، أن الجماعة تمثل تهديدا مباشرا لنظم الحكم المستبدة في المنطقة، وخصوصا في مصر ودول الخليج الثرية؛ لأنها تتبنى الدعوة إلى تحكيم الشريعة بشكل عصري يحقق الأهداف الكبرى في الإسلام من تكريس التوحيد ونشر العدل وخلق أجواء واسعة من الحرية والأمان، كما تتبنى خيار الديمقراطية وهو ــ أيضا ــ خيار مرفوض بشكل مطلق من جانب النظم العربية المستبدة. علاوة على ذلك، فإن هذه النظم كانت تخشى من عدوى الثورة المصرية التي أطاحت بحكم المستبد الأسبق محمد حسني مبارك، وكان للإخوان فيها دور كبير. الثاني، أن الجماعة في ذات الوقت تمثل تهديدا مباشرا للمشروع الصهيوني والمصالح الأمريكية والغربية في مصر والمنطقة عموما؛ وذلك لأن حركات المقاومة الفلسطينية (حماس ــ الجهاد)، ما قامت إلا على أفكار الإخوان المسلمين؛ كما أن للجماعة الأم في مصر وفروعها في دول العالم تاريخ حافل في مناهضة المشروع الصهيوني منذ النصف الأول من القرن العشرين؛ وبالتالي تلاقت المصالح الإسرائيلية الأمريكية مع مصالح نظم الحكم العربية المستبدة على حساب قيم الديمقراطية والعدالة والحريات بشكل عام، وعلى حساب شعوب المنطقة التي يجري حرمانها من حقها في الحرية والتمتع بنظم حكم ديمقراطية رشيدة. لم يشفع لجماعة الإخوان أنها تمثل كبرى الحركات الإسلامية التي تؤمن بالمسار السلمي في التغيير، وترى في آليات الديمقراطية والانتخابات سبيلا إلى التغيير السلمي للسلطة، وتؤمن بحق الشعوب في اختيار حكامها وعزلهم إن أساءوا وفق أدوات دستورية تستمد احترامها من التوافق الشعبي من جهة وتوافقها مع مبادئ الإسلام وأحكامه من جهة ثانية، وتتسق في ذات الوقت مع آليات الديمقراطية الحديثة التي تحظى بقبول واسع بين شعوب العالم باعتبارها أرقى النظريات السياسية التي تضمن الانتقال السلمي للسلطة بإرادة الجماهير من جهة ثالثة. مخططات استئصال الإخوان جرى وضعها من جانب مخابرات الإمارات والسعودية ومصر في أعقاب سقوط الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بعد ثورة 25 يناير 2011م مباشرة وقبل حتى فوز الإخوان بأكثرية مقاعد البرلمان وفوز مرشحها الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية بإرادة الشعب الحرة, وباركتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي توا وفي الحال بعد تقديرات موقف رأت في نجاح الثورة وسيطرة  الإسلاميين على حكم أكبر دولة عربية تهديدا كبيرا ومباشرا على الكيان الصهيوني. والبرهان على ذلك هو التسريب الصوتي لضابط كبير بأمن الدولة مع رئيس حزب الوفد السابق سيد البدوي، وهو التسريب الذي تم بثه في 2015م ويرجح أنه جرى أواخر 2011م أو خلال يناير أو فبراير 2012م على أقصى تقدير؛  وهو التسريب الذي كشف فيه الضابط الكبير الذي لم تعرف هويته حتى اليوم عن سيناريو الدولة العميقة لمواجهة ثورة يناير والشعبية الجارفة للإخوان المسلمين، وهو التسريب الذي احتوى على  تأكيد الضابط الكبير بأن الإخوان لن يحكموا البلد وأنهم سوف يتعرضون خلال السنوات المقبلة لمذابح دموية مروعة. «أنا يا سيد بقولك إن الإخوان دول هيتعمل فيهم إللي متعملش في الكام سنة اللي جايين .. هيدبحوا.. هتطلع مليشيات تدبحهم في بيوتهم .. هتخش عليهم بيوتهم تدبحهم في سرايرهم». وكشف أن هذه المليشيات المسلحة لن يعرف أحد هويتها. وأن مصر سوف تغرق في إرهاب لا يعلم أحد مصدره. «مصر بقى هتغوص في إرهاب محدش عارف مصدره». وكانت الإمارات سباقة في مخططات استئصال الإخوان وجرى اعتقال قادة جمعية الإصلاح سنة 2011م. كما جرى تصنيف الإخوان حركة إرهابية في كل من مصر والإمارات والسعودية. حصلت هذه المخططات على دعم واسع من اليمين المتطرف في أعقاب نجاح دونالد ترامب في انتخابات 2016م،  وجرى ربط هذه المخططات أيضا بضرورة حصار حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” باعتبارها تمثل أكبر تهديد للكيان الصهيوني من جهة، وباعتبارها فرعا من جماعة الإخوان المسلمين من جهة ثانية. وفي مصر جرى إعادة تشكيل خريطة الحركات الإسلامية بما يضمن هيمنة النظام العسكري على الفضاء العام الدعوي والإسلامي وتأميم الخطاب الديني بما يضمن ولاءه للنظام وتوظيفه لخدمة أجندته حتى لو كانت بالغة الشذوذ والانحراف وتتصادم مع ثوابت الإسلام وقيمه ومبادئه. وفي مرحلة لاحقة جرى تدشين مرحلة الحرب على التدين ذاته باعتباره الحاضنة لما تطلق عليه النظم “الإسلام السياسي”. وفي سبيل ملء الفراغ الهائل الذي تركه الإخوان المسلمون والذين كان لهم نشاط دعوى واجتماعي وسياسي هائل؛ عملت أجهزة النظام الأمنية على إعادة صياغة خريطة الحركات الإسلامية التي تشكلت من ثلاثة أضلاع تدين جميعا بالولاء المطلق للنظام والدفاع عن مواقفه وسياساته وحتى جرائمه.   المؤسسة الدينية الرسمية الضلع الأول، هو المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهرـ الإفتاءـ الأوقاف)، أما الأوقاف فقد سيطر عليها الأمن الوطني من الألف إلى الياء بوضع محمد مختار جمعة على رأس هذه الوزارة بعد الانقلاب مباشرة حتى اليوم فقد تغير رؤساء حكومات ووزراء لكن مختار جمعة بقي في الوزارة مدعوما بقبول واسع من جهاز الأمن الوطني الذي يرى فيه خير خادم وعميل؛ وبذلك تحولت الأوقاف إلى أداة في يد النظام، حيث جرى فصل كل خطيب وإمام يعارض النظام وسياساته وتوجهاته، وجرى إخضاع كافة الأئمة بسيف الفصل وقطع الأرزاق، كما جرى غلق أكثر من 70 ألف مسجد بدعوى أنها مساجد صغيرة لا سيطرة للحكومة عليها. كما تم فرض الخطبة  الموحدة التي تحدد الوزارة عناصرها وأفكارها كل أسبوع.  والأهم هو حماس الوزير لمنح أموال الوقف الخيري (تقدر بأكثر من ألف مليار جنيه) للطاغية عبدالفتاح السيسي يفعل به ما يشاء رغم أن ذلك يخالف الأحكام القطعية للشريعة ونصوص القانون.  وأما الإفتاء فقد تحولت إلى أداة تستخدمها السلطة سياسيا للتوقيع الأعمى على كل أحكام الإعدام بحق الرافضين للنظام دون حتى النظر في دلائل هذه الأحكام القاسية التي تفتقد إلى أدنى درجات الشفافية والنزاهة والإنصاف. كما تحولت إلى بوق ديني للنظام بهدف إضفاء مسحة شرعية دينية زائفة على مواقف النظام السياسية من خلال ما يسمى بمرصد  الفتاوى التكفيرية. أما الأزهر، فرغم مشاركة إمامه الدكتور أحمد الطيب في  مشهد انقلاب 3 يوليو 2013م، إلا أنه لا يزال يعافر من أجل إبعاد الأزهر عن التورط في مزيد من الضلال السياسي ورغم توافقه مع الخط العام للنظام الانقلابي، لكنه يعمل على بقاء مواقف الأزهر مستقلة نسبيا عن سياسات النظام ما استطاع إلى ذلك سبيلا رغم الضغوط الهائلة التي تمارس عليه. ورغم عمليات الإخضاع التي جرت للمؤسسة الدينية الرسمية خلال سنوات ما بعد الانقلاب لكن النظام حريص على مزيد من الإخضاع عبر مشروعات قوانين تستهدف تمكين النظام من كل مفاصل المؤسسة الدينية من خلال «مشروع…

تابع القراءة

المشهد السياسي.. عن الفترة من 19 ديسمبر وحتى 25 ديسمبر 2020

    المشهد المصري: في الذكرى العاشرة للثورة: دعوات لرحيل النظام ومواقف غربية تزيد القاهرة إرتباكاً. عادت الوسوم التي تدعو لرحيل السيسي تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مجدداً، وعاودت الظهور وسوم أخرى عن الثورة القادمة، وذلك مع اقتراب ذكرى ثورة يناير 2011، حيث تصدر وسم (#ارحل)، الترند المصري على تويتر بأعلى التفاعلات خلال الساعات الأخيرة، كما برز وسما (#ارحل_يا سيسي) و(#الثورة_قادمة) من جديد. وقد استعرض المشاركين في هذه الوسوم صور الفشل الناجمة عن سياسات النظام المصري، كما تحدثوا عن التردي السافر في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وعن درجات القمع والعنف الأمني غير المسبوقة[1]. في المقابل، واستعداداً لذكرى الثورة، شنت السلطات المصرية حملة اعتقالات طالت عشرات الأشخاص ووجهت إليهم تهمة، الانتماء إلى جماعة الإخوان “المحظورة” في مصر، فيما لم يصدر بيان من جماعة الإخوان يوضح عدد من تم اعتقالهم من أفرادها في الفترة الأخيرة. هذه الاعتقالات سبقتها موجة أخرى من الاعتقالات طالت عدد من النشطاء ورجال الأعمال والصحفيين خلال الأيام الماضية، ووجهت إليهم تهم الانضمام لجماعة محظورة ومنهم الدكتور حاتم عبد اللطيف، وزير النقل الأسبق، وخالد الأزهري، وزير القوي العاملة الأسبق، كما تم اعتقال رجل الأعمال محمد رجب مالك سلسلة متاجر “أولاد رجب”، كما ألقت القبض على سيد السويركي مالك سلسلة محال “التوحيد والنور”، ورجل الأعمال صفوان ثابت، مالك شركة جهينة للمنتجات الغذائية[2]. في ظل هذه التطورات، تبنَّى البرلمان الأوروبي، الجمعة 18 ديسمبر 2020، قراراً يطالب المؤسسات الأوروبية بخطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، إذ قالت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، ماري أرينا، لقد “حان الوقت لتفعيل آلية العقوبات ضد النظام المصري، بسبب انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان”، كما نشر النواب على “تويتر” بياناً موحداً؛ للمطالبة بالضغط على النظام المصري لوقف الانتهاكات، والإفراج عن المعارضين والمعتقلين[3]. وفي التوقيت ذاته تقريبا، اتهم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب الجيش المصري باستخدام الأموال الأميركية في شراء أسلحة روسية، وهو ما دفعه إلى التلويح برفض مشروع قانون الميزانية الجديد لإنعاش الاقتصاد لمواجهة جائحة كورونا، وانتقد ترامب -في مقطع مصور على تويتر- بند المساعدات الخارجية في الميزانية الجديدة البالغة 892 مليار دولار، وقال إنه يبدد أموال الأميركيين، وضرب ترامب مثالا على ذلك بالمساعدات الأميركية التي تذهب كل عام إلى مصر[4]. ولم يكن ترامب هو الوحيد في واشنطن الذي لوح إلى المساعدات الامريكية المقدمة للقاهرة، إذ كان الكونغرس قد ربط الإفراج عن أكثر من 300 مليون دولار من الأموال المرصودة لمصر بتحقيق تقدم في الإفراج عن سجناء سياسيين وحقوقيين ومن الأقليات الدينية؛ حيث نص بند في القانون على تجميد 75 مليون دولار إلى حين أن يرفع وزير الخارجية الأميركي تقريرا لإطلاع المشرعين على التقدم المحقق من قبل القاهرة في مجال الإفراج عن السجناء، دون إمكانية لتجاوز هذا الشرط، وهو اشتراط يحدث للمرة الأولى بهذا الشكل، كما ربط بند آخر الإفراج عن 225 مليون دولار من المنحة بتعزيز مبدأ سيادة القانون ودعم المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بما يشمل حماية الأقليات الدينية[5]. غير أن قانون الميزانية أتاح إمكانية إعفاء «القاهرة» من هذه الشروط أو بعضها، بقرار من وزارة الخارجية الأمريكية إذا ما كان ذلك لـ«مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة»، مع ضرورة تقديم وزارة الخارجية تقريرًا للكونجرس يشرح أسباب ذلك الإعفاء، واشترط في باقي المبلغ، 75 مليون دولار، اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات واضحة ومستمرة للإفراج عن السجناء السياسيين، وتمكين المحتجزين من الحصول على محاكمة عادلة، دون إمكانية استخدام حق الإعفاء له[6]. يبدو أن المرحلة القادمة ستكون فترة دقيقة في حياة النظام المصري، ويبدو أنه يعي ذلك، لكن في الوقت ذاته، يدرك أنه لا يملك أوراق لعب كافية تكفل له مرور آمن من التحديات القادمة؛ خاصة أنه غير مستعد لتقديم تنازلات في المجال السياسي؛ لأنه يرى أن التنازلات هي بداية السقوط، كما أنه لا يمتلك قدرات إقتصادية تسمح له بتقديم بعض المهدئات للشارع الساخط؛ جراء الركود الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا، ونتيجة أنه يندفع بكل قوة في إتجاه الانتهاء من تدشين العاصمة الإدارية، وهي مهمة لا تترك له أي مساحة لاسكات المجتمع وشراء صمته.   تصاعد ظاهرة تدوير المُعتقلين في مصر. دخلت ظاهرة تدوير المعتقلين في مصر، عبر ضمهم إلى قضايا جديدة بعد إخلاء سبيلهم، مرحلةً جديدة خلال الأسابيع الأخيرة. ولم يعد الهدف الوحيد من الظاهرة، رفع مستويات التنكيل بعدد محدود من المحبوسين، مثل النشطاء السياسيين البارزين الذين يرفض الأمن الوطني أو الاستخبارات العامة إخراجهم من السجون، حتى بعد انتفاء الأسباب القانونية لذلك، بل أصبح الهدف الرئيسي من عمليات التدوير المتتابعة، الالتفاف على الرأي العام الخارجي تحديدًا، وخداع السفارات الأجنبية المتابعة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر. ويقضي ذلك على جدِّية النظام في إبداء أي نوايا لتقليل أعداد المعتقلين والإفراج عن المحبوسين، سواءً كانوا نشطاء سياسيين أو غير منتمين لأي تيار سياسي. فبعد تظاهرات سبتمبر التي امتدت لنحو أسبوع، وبلغت ذروتها بمقتل مواطن في قرية العوامية في الأقصر، حاول النظام تقديم وجه مغاير من خلال إخلاء سبيل نحو 450 من المتهمين المحبوسين على ذمة القضيتين 1338 و1413 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، الخاصتين بأحداث تظاهرات سبتمبر 2019 التي كانت أكبر تظاهرات يشهدها حكم السيسي على مدى سبع سنوات. وأدى ذلك إلى خفض عدد المعتقلين على خلفية هذه التظاهرات إلى أقل من مائة معتقل، بعدما كان العدد أكثر من ألفين نهاية العام الماضي. لكن رغم ذلك، فقد تم تدوير أكثر من مائتي معتقل ممن أُخلي سبيلهم، فنُقلوا إلى قضايا جديدة تدور أحداثها داخل السجون وفقًا لتحريات الأمن الوطني، والتي تدَّعي أن هؤلاء المعتقلين كانوا يعقدون اجتماعات تنظيمية داخل السجن ويتفقون على أنشطة إجرامية ترمي إلى قلب نظام الحكم. وتُمثِّل هذه الاتهامات التي تدور وقائعها داخل السجن، ظاهرة جديدة متصاعدة في تحريات الأمن الوطني وتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا. حيث كانت في البداية محصورة في السياسيين والنشطاء المعروفين، أو الذين يتخذ النظام موقفًا عدائيًا وخاصًا منهم، مثل عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد القصاص وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وحتى شادي أبو زيد ومحمد عادل وشريف الروبي. فكان يتم افتعال قضايا بمثل تلك الاتهامات لهم، ليضمن النظام بقاءهم في السجون لأطول فترة ممكنة. لكن تعميم تلك الاتهامات بوقائع غير منطقية على معظم المتهمين في القضايا ذات البعد السياسي، ينذر باستمرار حبس الآلاف من المواطنين غير المؤدلجين، والذين لا تساندهم منظمات حقوقية كبيرة داخل أو خارج مصر، إلى أجل غير مسمى. ويُعد السبب الوحيد للإبقاء على هذه الأعداد الضخمة من المعتقلين، لا سيما في قضية أحداث سبتمبر 2019، هو إصرار النظام على توجيه رسالة إرهاب وتخويف للمحيط الاجتماعي للمعتقلين والامتدادات الاجتماعية لجماعة الإخوان المسلمين والنشطاء اليساريين، في الوقت الذي يتاجر فيه بتسريب أنباء إخلاء السبيل على نحو يدعي به قرب…

تابع القراءة

هل يتم تنفيذ قرار البرلمان الأوروبى بفرض عقوبات على مصر؟

    صوت البرلمان الأوروبي، فى 18 ديسمبر 2020 على مشروع قرار يطالب المؤسسات الأوروبية بخطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وقد صدر قرار البرلمان الأوروبي عن النظام المصري بأغلبية كبيرة حيث صوت لصالح القرار 434 من أعضاء البرلمان، واعترض عليه 49 عضواً وامتنع 202 عضواً عن التصويت.   أولاً: أهم بنود القرار الأوروبى: يمكن عرض أهم ما جاء بالقرار الصادر عن البرلمان الأوروبى فيما يلى: 1- ركز القرار بصورة رئيسية على الاعتقالات الأخيرة لقيادات وناشطي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: جاسر عبد الرازق وكريم عنًارة ومحمد بشير؛ والتى جاءت بسبب لقائهم بدبلوماسيين أوروبيين في القاهرة. ويحث البرلمان السلطات على إسقاط جميع التهم الموجهة إليهم، وإنهاء جميع أشكال المضايقة والترهيب ضدهم وضد مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومديرها بالإنابة حسام بهجت، وإلغاء أي إجراءات تقييدية، بما في ذلك حظر السفر وتجميد أصول الأموال المتخذة ضدهم وضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. كما طالب البرلمان بالإفراج الفورى وغير المشروط عن باتريك جورج زكي (الباحث المصري في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)، الذي تم تمديد حبسه 45 يوماً أخرى في 6 ديسمبر 2020. 2- ركز القرار على إلغاء قانون المنظمات غير الحكومية لعام 2019 وقانون مكافحة الإرهاب. ويدعو البرلمان السلطات المصرية من جديد إلى إغلاق القضية رقم 173/2011 (قضية التمويل الأجنبي)، ورفع جميع حالات حظر السفر وتجميد الأصول المفروضة على ما لا يقل عن 31 من المدافعين عن حقوق الإنسان وموظفي المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان في إطار القضية. 3- ركز القرار بصورة كبيرة على مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016؛ ويدعو البرلمان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى حثّ السلطات المصرية على التعاون الكامل مع السلطات القضائية الإيطالية، ووضع حد لرفضها إرسال عناوين المشتبه بهم الأربعة الذين حددهم الادعاء الإيطالي في روما عند إغلاق التحقيق، وفقاً لما يقتضيه القانون الإيطالي، من أجل إتاحة الفرصة لتوجيه اتهامات رسمية لهم في إطار محاكمة عادلة لهم في إيطاليا. 4- كرر البرلمان الأوروبي دعوته لإجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر؛ ويعتبر أن وضع حقوق الإنسان في مصر يتطلب مراجعة جادة لعمليات دعم الميزانية للمفوضية الأوروبية ويتطلب تقييد مساعدات الاتحاد الأوروبي لدعم الجهات الديمقراطية والمجتمع المدني بشكل أساسي؛ ويدعو البرلمان إلى مزيد من الشفافية بشأن جميع أشكال الدعم المالي أو التدريب الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبي لمصر؛ ويُذكِّر البرلمان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بأنه لا يجب منح جوائز للقادة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان (في إشارة لوسام جوقة الشرف الذي منحه ماكرون للسيسي). كما كرر البرلمان الأوروبي دعواته إلى وقف جميع صادرات الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة وغيرها من المعدات الأمنية إلى مصر[1].   ثانياً: ردود الفعل المصرية على القرار: على رغم أن تأثير قرار البرلمان الأوروبي على العلاقات المصرية – الأوروبية لا يبدو واضحاً إلى الآن، إلا أن الاستنفار المصري في التعامل معه عكس حالة الاضطراب لدى نظام عبد الفتاح السيسي، خاصة أن القرار يترافق مع مطالبة بعض الأصوات بفرض حظر أوروبي شامل على تصدير السلاح إلى مصر إلى حين تحسن الظروف، فضلاً عما يمكن أن يُولّده من تأثيرات سلبية في الاستثمارات الأوروبية داخل البلد[2]. وقد ظهر هذا الاستنفار المصرى فى رفض مجلس الشيوخ – الغرفة الأعلى من البرلمان – القرار، قائلا إن “استغلال ملف حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية أمر يتنافى مع المواثيق الدولية ومع سيادة مصر على أراضيها”. وشدد المجلس، في بيان، على أن جميع المتهمين الذين أشار إليهم الاتحاد الأوروبي “مدانون بارتكاب جرائم جنائية يعاقب عليها القانون المصري مثل غيره من القوانين العقابية في دول العالم، ويحاكمون بالإجراءات القانونية التي يحاكم بها غيرهم”[3]. وجاء هذا بعد اصدار مجلس النواب المصري بياناً ندد فيه بالقرار الأوروبي مطالبا البرلمان الأوروبي “بعدم تنصيب نفسه ‏وصيًا على مصر، والنأي عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة ‏أغراض سياسية أو انتخابية”. كما قال البيان المصري إنه كان يجب على البرلمان الأوروبي أن ينظر “‏نظرة موضوعية للجهود المصرية في حفظ الأمن والاستقرار ليس على المستوى ‏الداخلي فقط، وإنما على المستوى الإقليمي أيضًا، خاصة في مجالي مكافحة الإرهاب ‏والهجرة غير الشرعية في ظل ظروف إقليمية شديدة الاضطراب والتعقيد”[4]. وعلى الرغم مما تظهره تلك البيانات من رفض لقرار البرلمان الأوروبى، وما تعكسه من تعنت مصرى فى الاستجابة للمطالب الأوروبية، إلا أنه على أرض الواقع، حدث نوع من الاستجابة المصرية والفورية لهذه المطالب، والتى ظهرت فى موافقة مجلس الوزراء المصري، فى 24 ديسمبر 2020، على مشروع قرار رئيس الجمهورية، بشأن العفو عن بعض المحكوم عليهم في السجون، والإفراج عنهم قبل قضاء مدة حبسهم، بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة وثورة 25 يناير. ونقلت مواقع محلية مقربة من الأجهزة الأمنية، تصريحات عن مصادر أمنية قولها، إن قائمة الأسماء تتضمن عددا من السياسيين والصحفيين ورموز المعارضة المتهمين في قضايا تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وقد نقل موقع «القدس العربي» عن مصادره إن “السلطات المصرية تخطط للإفراج عن 5 آلاف سجين سياسي”[5].   ثالثًا: هل يتم تنفيذ قرار البرلمان الأوروبى بفرض عقوبات على مصر؟: يرى العديد من المراقبين أن البرلمان الأوروبى قد يلجأ هذه المرة إلى فرض عقوبات فعلية على مصر، لمجموعة من الأسباب منها: 1- أن البرلمان الأوروبي لم يسبق أن وجه انتقادات للنظام المصري بهذه الحدة، كما أنه طرح لأول مرة مقترحات محددة لعقاب النظام المصري والتي قد تجد استجابة عالمية واسعة[6]. 2- تزامن القرار مع الضغط الإيطالى على نظام السيسى فى قضية مقتل ريجينى، فبعد أن أعلنت النيابة العامة في مصر أواخر الشهر الماضي (نوفمبر 2020) إغلاق التحقيق مؤقتا في مقتل ريجيني، وهو القرار الذى يرجعه مراقبين لسببين أساسين: الأول يبدو أن النظام يريد حماية أحد الأشخاص المهمين من الدوائر المقرّبة من السيسى ، قيل إنه متورّط في القضية. يتعلق الأمر الثاني بالنهج الذي قطعه السيسى بأنه لن تتم محاكمة أي من الضباط إذا ما ارتكب فعلا فاضحا، وهذا مرجعه شبكة التحالفات الأمنية التي يحكم من خلالها السيسى ، ويريد الحفاظ على أفراده لحماية نظام حكمه[7]. فقد اتهمت النيابة الإيطالية أربعة من رجال الأمن المصري بالتورط في قتل وتعذيب الباحث الإيطالي، وليقوم الادعاء الإيطالي بتحريك دعوى غيابية ضد الضباط المصريين الأربعة المشتبه فيهم. ويبدو أن التحرك الإيطالى هذه المرة مختلف عن التحركات السابقة، خاصة أن حركة “النجوم الخمس”، اللاعب الأبرز في ميدان السياسة الإيطالية حالياً، هى من تتزعم الحراك الأوروبي ضد مصر، وهي التي كان يرأسها، وزير الخارجية الحالي لويجي دي مايو. ويسيطر التوتر على علاقة دي مايو الشخصية بعبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، مع توجيه نواب “النجوم الخمس” في البرلمان الأوروبي، وعلى رأسهم المقرب منه فابيو كاستالدو، انتقادات لاذعة…

تابع القراءة

قمة دول الإيقاد: الأهداف والنتائج

  تأسست مجموعة دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيقاد) في عام 1985 لمكافحة الجفاف والتصحر من دول «الصومال، وجيبوتي، وكينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، وإريتريا»، ثم توسَّعت مهامها لاحقًا لتتضمن التنمية، ويترأس رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الدورة الحالية للمنظمة الإقليمية. وانطلقت فعاليات القمة الاستثنائية الطارئة ال 38 لرؤساء دول وحكومات الإيقاد بجيبوتي مقر الهيئة، يوم الأحد 20 ديسمبر 2020. وانعقدت القمة برئاسة السودان وبحضور قادة كلٍّ من نائب رئيس جنوب السودان ربيكا دينق، واسماعيل عمر جيله رئيس جيبوتي، وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، ورئيس الصومال محمد عبدالله فرمانجو، والرئيس الكيني اهورو كنياتا، وبحضور مفوض السلم والأمن الإفريقي موسى فكي، بينما غاب عن الجلسة يوري موسيفيني رئيس اوغندا، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي الذي لطالما غاب عن جلسات الايقاد. وتنعقد القمة في أجواء يشوبها التوتر والخلاف بين دول شرق إفريقيا، وهذا ما يُكسبها أهمية أكبر، لأن ما يتمخض عنها سينعكس على عدد من الملفات والقضايا العالقة بين بلدان شرق القارة السمراء. فماذا كانت أهداف القمة؟ وما هي القضايا التي تم طرحها؟ وماذا كانت نتائجها؟ وكيف يُمكن تقييمها؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   أهداف القمة والقضايا المطروحة خلالها: افتتح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الرئيس الحالي لمنظمة الإيقاد الجلسة الافتتاحية للقمة، وأكد في البيان الافتتاحي على أهمية السعي للتسوية السلمية للنزاعات من خلال الحوار حفاظًا على السلام والاستقرار والأمن الإقليميين. وقال إن القمة تتيح الفرصة لمعالجة المسائل العاجلة، لا سيما التطورات الحالية في المنطقة. فمثلًا على المستوى الاقتصادي؛ تمت الإشارة إلى: جائحة كورونا وآثارها السلبية على حياة وسُبُل عيش شعوب المنطقة، والخطر الذي يُمثله الجراد الصحراوي، والذي ورغم انحساره في الوقت الحالي، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدًا يلوح في الأفق على دول المنطقة. هذا بالإضافة إلى ما تُظهره البيانات والتنبؤات طويلة الأجل الصادرة عن مركز رصد المناخ بالإيقاد عن كون الجفاف الشديد الذي يعقبه فيضانات واسعة النطاق تتجه -ولو كان ببطء- لتصبح القاعدة في المنطقة، وما تحمله هذه التهديدات من تأثيرات كبيرة على الوضع المستقبلي للشؤون الإنسانية والأمنية ​​والتنموية لدول الإيقاد. وعلى المستوى السياسي؛ تم التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء؛ ولكن مع السعي للتسوية السلمية للنزاعات من خلال الحوار حفاظًا على السلام والاستقرار والأمن الإقليميين. وفي هذا الإطار؛ تمت الإشارة إلى ضرورة مناقشة التطورات الأخيرة في إثيوبيا، وآخر المستجدات بشأن سير وتطور عملية السلام الجارية في جنوب السودان، والعملية الانتقالية في السودان، والانتخابات الصومالية، والصراع الصومالي- الكيني. كما تم التأكيد على حاجة الهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد) والمجتمع الدولي، لتعزيز التعاون الثنائي والمشترك بينهم.[1]   نتائج القمة: أشادت القمة بالمرحلة التي وصلها تطبيق اتفاقية السلام في جنوب السودان، بالتوافق على تعيين حكام الولايات، وأصدرت قرارها بفك حظر السفر الذي فرضته المنظمة على النائب الأول لرئيس جنوب السودان رياك مشار إبان الحرب الأهلية، وأكَّدت حقه في حرية الحركة. وكانت الإيقاد قد فرضت حظر سفر وتحرك على مشار، للحد مما أسمته قدرته على تحريض شعبه إبان الحرب الأهلية بينه وبين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، قبل أن تفلح الوساطة الإفريقية في توقيع الطرفين على اتفاق سلام، تقاسم بموجبه الرجلان السلطة، وصعد مشار لمنصب النائب الأول في جنوب السودان. كما نجحت القمة في تهدئة الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، وتوصَّلت لخطوات متقدمة للمصالحة بين البلدين، وتركت إعلان تفاصيلها لكل من البلدين. هذا ولم تتناول القمة الوضع على الحدود بين السودان وإثيوبيا ضمن أجندة أعمالها، حيث اكتفى الطرفان بإثارة الأمر في لقاء ثنائي بين رئيسي الوزراء عبد الله حمدوك وآبي أحمد، اتفقا خلاله على عودة لجنة الحدود المشتركة لاستهلال أعمالها، بوصول الطرف الإثيوبي منها للخرطوم يوم الثلاثاء 22 ديسمبر لبحث الأزمة. وقدَّم آبي أحمد للمؤتمر إحاطة بنهاية الحرب في إقليم تيجراي بشرق إثيوبيا وفقًا لحكومته، كما أكد على أولوية النظام الدستوري والاستقرار والوحدة في إثيوبيا. وجاء في البيان الختامي للقمة أن قادة دول الإيقاد أكدوا على أهمية التقدم على طريق التحول الديمقراطي الذي يشهده السودان، وتوقيع اتفاقية السلام في جوبا، ودعوا الأطراف لإكمال هياكل الحكم الانتقالي، بإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي دون مزيد من التأخير. وناشد البيان المجتمع الدولي لتسريع عملية إعفاء ديون السودان، عقب شطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بما يُمكِّنه من الحصول على ائتمان إنمائي من مؤسسات التمويل الدولية يمهد لانتعاش اقتصاده. وأشاد بدعم الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية الإيقاد للاستجابة لجائحة كوفيد-19، والتركيز على الفئات الضعيفة من السكان في المناطق العابرة للحدود والنقاط التجارية ومراكز الهجرة ومخيمات اللاجئين والمجتمعات المضيفة. ودعت الهيئة لتكاتف المجتمع الدولي لضمان التوزيع العادل المنصف في الوقت المناسب للقاح كورونا المأمون ميسور التكلفة، وعدم ترك البلدان الإفريقية تتأخر في الحصول عليه، ووجَّهت الدول المعنية بالتنمية لدعم جهود الإيقاد في التسجيل بمبادرة لقاح كورونا، لضمان المساواة في الحصول عليه، لا سيما للفئات الضعيفة.[2] كما رحبت القمة بسماح الحكومة الإثيوبية بوصول المساعدات الإنسانية.[3]   الاجتماع السوداني- الإثيوبي على هامش القمة: عقد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قمة ثنائية على هامش اجتماعات القمة الاستثنائية للهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد). وكان الهدف من القمة الثنائية هو مناقشة القضايا الثنائية بين البلدين، ومتابعة ما تم بحثه في القمة السابقة بين السودان وإثيوبيا. ووصل حمدوك إلى جيبوتي السبت 19 ديسمبر، للمشاركة في الدورة الحالية لمنظمة الإيقاد في جيبوتي، التي انعقدت يوم الأحد. ويُذكر أن 4 عسكريين سودانيين قُتلوا في مواجهات مع ميليشيات مسلحة إثيوبية، الأسبوع الماضي، على الشريط الحدودي بين البلدين، وعلى إثر الحادث، زار رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان الحدود الإثيوبية. وأعلن الجيش السوداني، أنه أرسل تعزيزات كبيرة للحدود مع إثيوبيا بعد مقتل عدد من جنوده، كما تقدَّمت الخرطوم بشكوى للاتحاد الإفريقي ومنظمة إيقاد بشأن الاعتداءات الإثيوبية. وقال الجيش السوداني، في بيان له أنه يتم التواصل مع أديس أبابا لوقف الاعتداءات من ميليشيات وقوات إثيوبية، أنه سيتصدى بقوة لأي محاولات عسكرية لاختراق حدوده، بينما أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في تعليقه على الهجوم، أن الحادث الذي شاركت فيه ميليشيا محلية على الحدود مع السودان لن يؤثر على العلاقات بين البلدين.[4]   الخُلاصة: انطلقت قمة دول الإيقاد الاستثنائية في وقت تمر به دول المنظمة بموجة من التوترات، التي قد تؤثر على مُستقبل المنطقة ككل. وفي ظل هذا الوضع قد تكون نتائج القمة هامة على المستوى الاقتصادي؛ لاسيما فيما يخص التعامل مع جائحة كوفيد- 19. إلا أنها على المستوى السياسي؛ ربما تكون غير مُؤثرة إلى حدٍّ كبير. فمن ناحية الصراع الصومالي- الكيني لا يقف عند حد الأزمة الديبلوماسية؛ وإنما يمتد لمشكلات أعمق من ذلك في ظل قرب الانتخابات الصومالية، وتورط الحكومة الكينية في…

تابع القراءة

العراق وتركيا زيارة مهمة وملفات عالقة

  ذهب رئيس الوزراء العراقي الكاظمي إلى أنقرة بعدما أصدرت حكومته منذ شهرين ورقة الإصلاح البيضاء، الخاصة ببرنامجه الاقتصادي، وقد وردت الفقرة التالية: “وعلى الرغم مما يبدو من جوانب إيجابية لخفض قيمة الدينار العراقي، والتي ترتبط بقدرة الحكومة على تسديد مدفوعات الرواتب للموظفين والمتقاعدين، إلا أنه سيؤدي لاحقا إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وبالتالي يخفض من مستوياتها لغالبية السكان، نظرا لاعتماد البلد الكبير على الاستيرادات لتلبية الاستهلاك، وسيؤدي إلى تفاقم الضغوط على الاقتصاد غير المنظم، الذي تضرر بشدة من الصدمات الناجمة عن الإغلاق المصاحب لجائحة كورونا، وخفض الإنفاق الحكومي على النفقات الرأسمالية، وتقييد الإنفاق على السلع والخدمات، وغير ذلك، ولكن انخفاض سعر العملة سيؤدي إلى استرجاع تنافسية الاقتصاد العراقي تجاه شركائه التجاريين”[1]. فقد رأي كثير من محللي السياسة العراقية، أن الزيارة تنطوي على أسباب اقتصادية بالأساس من جانب العراق وسياسية من جانب انقرة، حيث يحاول الكاظمي الحصول على متنفس يساعده اقتصاديًا بعد الأضرار التي أصابت البلاد جراء فيروس الكورونا، في حين يحارب اردوغان من اجل التخلص من حزب العمال الكردستاني وجيوبه العسكرية في العراق.   حزب العمال الكردستاني على رأس أهداف اللقاء التركي العراقي: دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، العراق إلى تكثيف معركته على الأرض ضد المقاتلين الأكراد في حزب العمال الكردستاني خلال زيارة لأنقرة قام بها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي. وأعلن اردوغان، خلال مؤتمر صحفى  إلى جانب الكاظمي، اتفقنا على مواصلة المعركة ضد أعدائنا المشتركين، وشدد على أن المنطقة لن تنعم بالسلام قبل أن يتم سحق رأس الإرهاب بالكامل. وأوضح أن لا مكان أبدا لمنظمة العمال الكردستاني في مستقبل تركيا والعراق وسوريا. واضاف، قررنا مع الكاظمي مواصلة مكافحة الأعداء المشتركين المتمثلين بتنظيمات داعش وبي كا كا وغولن الإرهابية. مضيفًا، سنجري زيارة إلى العراق بمشيئة الله لعقد اجتماع المجلس الاستراتيجي التركي ـ العراقي رفيع المستوى في أقرب وقت. وأوضح أن تركيا تولي أهمية لحماية وحدة أراضي العراق وكيانه السياسي، ومستعدة لتقديم كل أشكال الدعم لعملية إعادة الإعمار، مختتمًا كلامه بأن كل الشعب العراقي أخوة لنا، ونثق بأن سياسات الحكومة العراقية التي تحتضن الجميع ستجلب الاستقرار للعراق. ولفت إلى إمكانية تحقيق هدف رفع حجم التجارة بين تركيا والعراق إلى 20 مليار دولار سنويا. وأكد على التفاهم مع الكاظمي، من أجل تقوية أرضية تعاقدية لإزالة كافة العقبات التي تقف أمام تعاون البلدين، وأن اتفاقية منع الازدواج الضريبي التي تم توقيعها اليوم “تعد مثالا يعكس هذه الحقيقة. وأعرب أردوغان عن رغبته بمشاركة بلاده العراق تجربتها المتميزة في إدارة المياه وإعادة تدويرها وتكنولوجيا الري من أجل تذليل المصاعب من أمام العراق، بعد تقديم خطة عمل بهذا الخصوص للجانب العراقي، مبينًا أن تركيا تؤكد ضرورة اعتبار قضية المياه مجالا للتعاون وليس النزاع بين البلدين. كما وقعت وزارة السياحة والثقافة التركية ووزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية مذكرة تفاهم، للتعاون الثقافي، ووقع المذكرة كل من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ونظيره العراقي فؤاد حسين.[2] من جانبه، أكد الكاظمي في المؤتمر الصحفي أن الدولتين ستعملان على تفعيل المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي، واللجان العراقية التركية المشتركة، معتبرا أن تركيا من أهم الشركاء التجاريين للعراق، وأعرب الكاظمي عن رغبة العراق بمزيد من التطور في العلاقات والشراكة الاقتصادية مع تركيا والاستثمار بشكل خاص في القطاعات التي يحتاج إليها العراق حاليا، مشيرا إلى أن أبواب العراق مفتوحة لجميع رجال الأعمال والاستثمارات التركية، الكاظمي، الذي كان يقوم بأول زيارة له لتركيا منذ توليه مهامه في مايو، رغم أن تركيا تنظر إلى علاقاتها مع العراق بأهمية كبيرة، لكن الزيارة تأخرت لأسباب سياسية. وتبدو أنها متأخرة بالمقارنة مع الزيارات الأخرى التي قام بها إلى إيران وحتى أميركا، وجولاته العربية وغيرها.[3] ويرجح أن تأخر الزيارة يتعلق بموضوعين رئيسين، الأول أن تركيا تنظر إلى الكاظمي على أنه حليف للإمارات والسعودية، وتشعر بقلق وانزعاج جراء هذا الموضوع. أما الأمر الثاني فهو موضوع إطلاق تركيا عملية المخلب شمالي العراق، وما حدث من قتل لضابط عراقي حيث شهدت العلاقة بعد ذلك نوعا من التعثر، حتى إن بغداد ألغت زيارة وزير الدفاع التركي إليها احتجاجا على ذلك، ولذا فالزيارة تذهب باتجاه حلحلة الأمور، أو إعادة العلاقة إلى مسارها. وفيما يخص الملف الأمني أكد الكاظمي أن موقف العراق واضح في إدانته أي عمل يهدد أمن تركيا أو ينطلق من الأراضي العراقية لتهديد الأمن القومي التركي. وأكد عدم السماح لأي جماعات أو منظمات خارج إطار القانون باستخدام أراضي العراق لتهديد جيرانه، وأوضح نحن نتعاون مع الجانب التركي لمواجهة هذه الجماعات سواء داعش أو أي جماعات إرهابية تهدد استقرار المنطقة.[4] وتابع قمنا مؤخرا في هذا السياق باتخاذ خطوات مهمة في منطقة سنجار وأيضا على الحدود السورية العراقية لمنع دخول هذه التنظيمات خصوصا ما حصل قبل يومين من محاولات من قبل بعض هذه المجموعات للعبور إلى إقليم كردستان. وكان هناك موقف شجاع لقواتنا في الإقليم لمنع هذه التجاوزات.   الموصل حاضرة في احاديث الغرف المغلقة: هناك ملف لم يتم التطرق له كثيرا في وسائل الإعلام والمواقع الصحفية  رغم أهميته، وهو خاص بالصراع الاقليمي بين إيران وتركيا على مدينة الموصل الاستراتيجية. فعلي المستوى الجغرافي، يحيط بمدينة الموصل خمس محافظات رئيسة، هي: دهوك من الشمال الغربي، وأربيل في الشمال الشرقي، وكركوك في الشرق، وصلاح الدين من الجنوب، ومحافظة الأنبار من الجنوب الغربي، فضلًا عن امتلاك محافظة نينوى حدودًا برية تصل إلى أكثر من 320 كلم مع الجانب السوري وممرًّا ضيقًا يقع ضمن المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان في قرية فيش خابور يوصل الموصل بتركيا مباشرةً لكنه الآن يخضع لسلطة إقليم كردستان. ولذلك فهناك صراع تركي إيراني على الموصل، يحاول أردوغان استغلال حالة العداء بين الكاظمي وطهران للفوز بهذا الصراع، حيث تقع الموصل ضمن اهتمام خارطة الانتشار الاستراتيجي الإقليمي الإيراني بشكل مباشر؛ إذ مثَّلت طريقًا ثالثًا لإيران نحو البحر المتوسط. يمتد الطريق الأول من البصرة نحو الأنبار ومن ثم إلى سوريا والبحر المتوسط ولبنان، والطريق الثاني يمتد من الحدود الشرقية في ديالى إلى بغداد ومن ثم الأنبار ليلتقي بالطريق الأول، أما الطريق الثالث؛ فقد بات يمتد من ديالى-كركوك-الموصل- تلعفر ومن ثم الرقة فحلب وصولًا إلى اللاذقية والبحر المتوسط، قاطعًا بذلك مناطق تعتقد تركيا أنها خاصة بنفوذها في العراق وسوريا لدواع تاريخية وحضارية وجغرافية في البلدين. بذلك، حققت إيران هدفًا استراتيجيًّا ليس فقط بالوصول إلى طريق إضافي للبحر المتوسط عبر الموصل، بل في مزاحمة تركيا، ومحاولة حرمانها من خيار استراتيجي.[5] تعاني تركيا من عدة جهات في صراعها مع حزب العمال الكردستاني، فرغم رغبة أنقرة في التركيز على ملفات الاقتصاد والتحالف الاستراتيجي مع العراق من بوابة الموصل، وتطويرها في محافظاتها ألاخرى، وتوفير فرص استثمار كبرى للشركات التركية في ملفات اعادة الاعمار، إلا أنها انشغلت بمواجهة تهديدات…

تابع القراءة

صعود السيسي كما ترصده ايميلات هيلاري كلينتون

  تبقى ثورة يناير، والمرحلة الانتقالية التي تلتها، والسنة التي حكمها الرئيس مرسي، في حاجة لدراسات عدة، تجمع تفاصيل الصورة، وتستكشف أبعادها، وتحاول تقديم تفسيرات مناسبة لما حدث وتطوراته، كما يجدر على المهتمين بدراسة هذه الفترة، أن يقفوا على الشهادات والمراجعات والوثائق التي تغطي هذه الفترة، لأهميتها في تكوين تصور واقعي ومنطقي عما حدث، ومن الوثائق الهامة عن هذه الفترة ما جاء في إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، في الفترة من 2011 وحتى 2013، عن تطورات هذه المرحلة في مصر، نحاول في هذه السطور أن نسلط الضوء على الصعود السريع للسيسي في تلك الفترة الهامة من تاريخ الثورة في مصر، مستفيدين مما جاء في هذه الايميلات، ونحاول تسليط الضوء على العوامل التي تقف وراء هذا الصعود.   لحظة الإعلان الدستوري المكمل: في الوثيقة التي أرسلتها شخصية أمنية أمريكية، إلى وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون، بتاريخ 26 نوفمبر 2012، بعنوان: “السياسة الداخلية المصرية بشأن استحواذ مرسي على السلطة”، وتتناول كواليس ما جرى في مؤسسة الرئاسة، بعد إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا في 22 نوفمبر 2012، وقد أثار جدلا كثيرا في أوساط المصريين آنذاك[1]. وكان الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس مرسي قد تضمن (إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل، والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار، مع اعتبار الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد نهائية ونافذة بذاتها، وغير قابلة للطعن عليها، وإقالة النائب العام المعين من قبل حسني مبارك المستشار عبد المجيد محمود، وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور ضد الحل من قبل أي جهة قضائية، وتمديد عمل الجمعية التأسيسية لعمل مشروع الدستور لمدة شهرين)[2]. وقد جاء في الوثيقة أن الرئيس المصري محمد مرسي وبعد مناقشات له، في 25 نوفمبر 2012، مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، التقى مع وفد من كبار القانونيين والقضاة في محاولة منه لشرح ملابسات قراره بإعلان صلاحيات رئاسية استثنائية، بما في ذلك الحد من سلطة القضاة في الحكم على شرعية المراسيم الرئاسية، وأن بديع كان يرى أن هذا التطور يعتبر فرصة لترسيخ سيطرة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة على المشهد السياسي في مصر، بينما كان مرسي يتوقع احتجاجاً شعبياً على قراره، لكنه تفاجأ بمستوى العنف الذي وقع، لا سيما بين المتظاهرين العلمانيين/الليبراليين وأنصار الإخوان المسلمين، وقد كان الاجتماع مع القضاة يستهدف كسب تفهمهم، إن لم يكن دعمهم، بخصوص توسيع السلطات، خفض مستوى العنف المرتبط بالاحتجاجات، حتى مع استمرار التظاهرات[3]. كما ذكرت الوثيقة، أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي، كان وزير الدفاع وقتها، قال في عصر 25 نوفمبر 2012، أن الرئيس مرسي قبل أن يعلن إعلانه الدستوري طلب من الجيش تأكيدات تثبت دعمه وعدم رفضه لهذه الخطوة، وقال السيسي لمرسي ​​إن الجيش سيدعمه وإذا لزم الأمر سيعمل على الحفاظ على النظام العام، لكنه اقترح بشدة أن يعتمد الرئيس على قوة الشرطة الوطنية للسيطرة على التظاهرات، ووافق مرسي على ذلك[4]. وبالتالي يبدو مما ورد في هذه الوثيقة، أن المؤسسة العسكرية، بقيادة السيسي في هذا التوقيت أعربت عن دعمها للرئيس مرسي بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره، رغم علمها بما سيجره الإعلان من معارضة ورفض واسع، سواء من جانب السلطة القضائية، أو من جانب الشارع السياسي، بل كشفت الوثيقة عن تعاون المؤسسة العسكرية والمخابرات العسكرية مع الرئيس مرسي في مواجهة تداعيات الإعلان الدستوري؛ حيث طالب السيسي المخابرات العسكرية بشكل سري بإبقاء بعض القضاة والقيادات العلمانية / الليبرالية الذين تم تحديد أسمائهم تحت المراقبة، لا سيما مع تطور المظاهرات العنيفة بشكل متزايد، وكانت المخابرات العسكرية تتابع أيضاً قادة حزب النور السلفي، الذين يعتقد مرسي أنهم لا يدعمون رؤيته الأكثر اعتدالًا بخصوص إقامة دولة إسلامية. هذا التأييد يسلط الضوء على أحد أسباب ثقة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان في السيسي وزير دفاعه، فالرجل ومن خلفه المؤسسة العسكرية أكدت وقوفها بجانب السلطة القائمة، في مواجهة الرفض المتوقع للإعلان الدستوري المكمل، لكن هذا التأييد المعلن من المؤسسة العسكرية يبقى مجهول الدوافع؛ فهل كان من باب إلتزام العسكريين بتأييدهم للنظام القائم، حتى لو كان من الإسلاميين، أم كان من باب تأجيج الانقسامات داخل الصف الثوري، وبين القوى الجديدة المحسوبة على الثورة، والطامحة للمشاركة في السلطة، يبقى هذا مجهولاً.   إقالة المجلس الأعلى للقوات المسلحة: بحسب الوثيقة نفسها، ففي أغسطس 2012، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، استطاع مرسي بمعاونة السيسي وقيادة جهاز المخابرات العسكرية أن يتفوق على رئيس الدولة بالإنابة المشير محمد حسين طنطاوي، وعلى رئاسة البرلمان، وعلى أعلى المستويات القيادية داخل الإخوان / حزب الحرية والعدالة (بعد القرارات التي اتخذها بإحالة طنطاوي وعنان وآخرين للتقاعد وتعيين السيسي وزيراً للدفاع). وبحسب الوثيقة أيضاً، فإن السيسي والضباط الأصغر منه سناً، والذين كانوا يسيطرون حينذاك على الجيش المصري، كانوا مستعدين لقبول محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك وأعضاء حكومته، شريطة عدم تقديم طنطاوي وغيره من كبار قادة الجيش للمحاكمة، وقد أكد لهم الرئيس مرسي أنه سيفي بالالتزامات التي قطعها على نفسه تجاه طنطاوي في أغسطس 2013، عندما تولى السيسي والضباط الأصغر سناً قيادة الجيش. ومن ثم كان هناك إيحاء دائم من المؤسسة العسكرية والسيسي بأنهم لا يناهضون حكم جماعة الإخوان، ولا يرفضون بقاء الرئيس مرسي في الحكم، ما دام الأخير يحفظ للعسكريين مكانتهم في المجتمع، فلا يقدم كبار قادة الجيش للمحاكمة، وفي حال إلتزام الرئيس بهذا الخط فإن الجيش في صف الرئيس ضد جميع مناوئيه سواء كانوا من القضاة أو كانوا من رفاق الصف الثوري السابقين. في ظل هذا التعاون الوثيق بين الرئيس والمؤسسة العسكرية في تلك الفترة، كانت علاقة الرئيس بجماعته ليست على سابق عهدها، فبحسب الوثيقة، كانت هناك خلافات بين الرئيس والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، منذ الانتخابات الرئاسية التي فاز بها مرسي وحتى الإعلان الدستوري للرئيس مرسي، حيث كان بديع يرى أن مرسي يعمل باستقلالية تامة عن قيادة جماعة الإخوان المسلمين، في حين أنه –أي الرئيس- في هذا الوقت كان في حاجة إلى دعمهم القوي، بل إن الدكتور محمد بديع أسرّ إلى مستشاريه، بأنه كان أيضاً يخشى أن يشعر مرسي بالراحة في منصبه، وألا يكون مستعداً للتخلي عن سلطاته الموسعة في منتصف عام 2013 كما وعد، وفي اعتقاد بديع، أنه إذا حدث هذا، فإن بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين سينضمون أيضاً إلى المتظاهرين العلمانيين / الليبراليين في الاحتجاجات ضد نظام مرسي. لم تقف خلافات الرئيس مع رفاقه –بحسب الوثيقة- عند هذا الحد، بل كانت هناك خلافات أيضاً بين الرئيس ومحمد سعد الكتاتني رئيس البرلمان، والذي كان يرى ضرورة أن تكون الحكومة تحت هيمنة البرلمان الذي يسيطر عليه حزب الحرية والعدالة، وأن البرلمان، وليس…

تابع القراءة

الحرب الباردة بين أنقرة وتل أبيب.. ماذا تخفي تصريحات أردوغان حول العلاقة مع إسرائيل؟

    قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن العلاقات الاستخباراتية بين بلاده وإسرائيل لم تنقطع، وإن مشكلة أنقرة مع بعض الأشخاص الموجودين في هرم السلطة الإسرائيلية.وأوضح في تصريحات صحفية في إسطنبول، عقب أدائه صلاة الجمعة، أن سياسات إسرائيل تجاه فلسطين غير مقبولة لأنها لا تتوافق مع مفاهيم العدالة، وفق تعبيره.  وتابع: السياسة تجاه فلسطين خط أحمر بالنسبة لنا. من المستحيل أن نقبل السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين. تصرفاتهم التي تفتقر إلى الرحمة هناك غير مقبولة. وأكد أردوغان أنه لولا تلك القضية لكانت العلاقة بين بلاده والاحتلال في مكان أخر. وتوترت العلاقة بين أنقرة وتل أبيب منذ الهجوم الإسرائيلي على “أسطول الحريّة” مما تسبب بمقتل مواطنين أتراك عام 2010، وتبادل الجانبان طرد السفراء عام 2018 بسبب عدوان إسرائيلي في غزة قتلت خلاله القوات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين على الحدود مع قطاع غزة، ولكن التجارة بين الطرفين تواصلت دون انقطاع. ومضى يقول “لو لم تكن هناك قضايا على أعلى المستويات لكانت علاقاتنا مختلفة تماما.. نريد أن نصل بعلاقاتنا إلى نقطة أفضل. حالة جدل كبير حدثت بعد أنصار الربيع العربي الذي يتصدره محور تركيا وقطر والجماعات الإسلامية، في مواجهة حلفاء الثورة المضادة الذين ربطوا تصريحات أردوغان بالتطبيع العربي الذي تشهده المنطقة في الأسابيع الماضية، بقيادة الإمارات. يبحث هذا التقرير أبعاد تلك التصريحات، وأسبابها، ومآلاتها على القضية الفلسطينية، التي يعاني أهلها.   الصراع الهادئ على الغاز: في مثل تلك الأيام في العام الماضي، صادق  وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، على قرار يسمح للشركات الإسرائيلية تصدير الغاز الطبيعي من الحقول قبالة شواطئ إسرائيل إلى مصر، على أن يكون بدء التصدير بحلول يناير الماضي. ويشمل المشروع الذي أقر بموجب اتفاقية وقعها وزير الطاقة الإسرائيلي مع نظيريه القبرصي واليوناني والسفير الإيطالي في قبرص في ديسمبر 2017، مد أنبوب في أعماق البحر المتوسط بطول 1300 كيلومتر من حقلي “ليفياتان” و”تمار” الإسرائيليين شرقي المتوسط حتى جنوب اليونان. ويضاف هذا المشروع البحري إلى خط أنبوب بري بطول 600 كيلومتر باتجاه غرب اليونان، بحيث يرتبط بشبكة أنابيب قائمة وصولا إلى دول أوروبية وجنوب إيطاليا، ويتوقع أن ينقل نحو 10 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. وبالرغم من ذلك، تسعى إسرائيل التي ما زالت تلتزم الصمت للحفاظ على الهدوء لتجنب تدهور العلاقات مع أنقرة، حيث نقلت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية عن مصادر حكومية رفيعة المستوى بتل أبيب قولها “إسرائيل ليس لديها صراع مع تركيا. مشروع خط أنابيب الغاز له أهمية إستراتيجية بالنسبة لأوروبا، وهو مهم لإسرائيل أيضا، مضيفًا أنه لدينا تعاون ممتاز مع اليونان وقبرص ومصر، حول مشروع خط أنابيب الغاز، وسيكون من دواعي سرورنا إذا كانت تركيا تريد المشاركة فيها أيضا. وكان ظاهرًا أن إسرائيل ليست لديها رغبة في مواجهة مع تركيا بشأن المياه الاقتصادية لشرق البحر المتوسط، ولذلك فالمحادثات ظلت مستمرة طوال الفترة الماضية، وهو ما أكده الرئيس التركي، من عدم انقطاع الاتصالات الاستخباراتية بين أنقرة وتل أبيب. الحقيقة أن إسرائيل لم تنجذب إلى الصراع الإقليمي الناشئ في الشرق الأوسط بين تركيا واليونان ومصر وقبرص؟ ولكنه استبعد أن تتحول إسرائيل لمحور الصراع على غاز شرق المتوسط، رغم أنها ستبقى تحرك وتأجج الصراع مع تركيا من وراء الكواليس بما يتماشى مع مصالحها الإقليمية. وفي معركة صراع النفوذ والقوة المشتعلة بهدوء بين إسرائيل وتركيا في الشرق الأوسط، إنه حتى بدون الاتفاق الذي تم على ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، لا يمكن لتل أبيب مد خط أنبوب الغاز وتدشين مشروعها دون موافقة تركيا، كونها الدولة الساحلية. ناهيك أن مشروع خط الغاز تعارضه روسيا بشدة كونها تريد ضمان استمرار اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي. ويرى خبير الطاقة أن المصلحة الإسرائيلية في هذه المرحلة تقتضي عدم الانجرار إلى الصراع بين الرئيس رجب طيب أردوغان والنظام في مصر واليونان وقبرص، لافتا إلى أن الانزلاق للصراع من شأنه أن يعرض طرق التجارة البحرية الإسرائيلية للخطر، حيث تجد إسرائيل نفسها بمشكلة شائكة ومعضلة كون الغالبية العظمى من التجارة الإسرائيلية، من الداخل والخارج، تمر عبر البحر المتوسط، لذا يجب على إسرائيل أن تدرس بعناية خطواتها في هذا الصراع. المحصلة، أن ممارسات ومشاريع تركيا بالعقد الأخير تشير إلى مخطط أنقرة السيطرة والهيمنة على مياه البحر المتوسط، إلى أن اتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا يعتبر بالنسبة لتركيا وسيلة لبسط نفوذها مجددا وخطف أوراق القوة. وتدرك تل أبيب أن أنقرة تهدف للتوسع الإقليمي والبحري إلى جانب تعزيز وتعاظم البحرية التركية الأمر الذي يشكل تحديا لإسرائيل وحلفائها لسنوات قادمة.   التأثير على فلسطين: لا يخفي على أحد أن أردوغان في ذروة علاقة بلاده بتل أبيب، رفض الحصار الذي فرض على قطاع غزة، وقادت بلاده أسطولًا لدعم صمود الفلسطينين، سمي بأسطول الحرية، وأدى لمقتل عدد من الأتراك وأدى إلى حدوث أزمة سياسية بين البلدين، مازالت أثارها مستمرة حتى يومنا هذا، لذلك فدعم أنقرة للقضية الفلسطينية قائم وفي تزايد في عهد حكومة العدالة والتنمية، إلا أن تداخل المصالح وتعقد المسائل في الشرق الأوسط تجبر الجميع على العودة للمفاوضات، بل أن الحرب بين حماس وإسرائيل، لم تمنع من حدوث اتصالات بصورة مباشرة وغير مباشرة لمناقشة بعض القضايا كملفات الأسرى ووسائل تخفيف حدة الحصار. يمكن نقد تحركات أنقرة لو أدت إلى حدوث تحولًا جوهريًا في الموقف من القضية الفلسطينية، وهو ما لم يحدث، بل أن هناك عدد كبير من قادة حماس يقيمون في اسطنبول، ويتحركون بحرية، ولم يتم التفاوض بشأنهم. وفي أغسطس الماضي، اتهمت إسرائيل تركيا بمنح جوازات سفر لنحو 10 من أعضاء حركة حماس في إسطنبول، ووصفت ذلك بأنها “خطوة غير ودية للغاية” ستثيرها الحكومة مع المسؤولين الأتراك.[1] بل أن أردوغان أكد على قضية فلسطين هي الأزمة الجوهرية مع تل أبيب، وانه لولا الطريقة التي يتعامل بها الاحتلال مع الفلسطينين لكانت العلاقات بينهما في مكان أخر[2]، وربما تسهم التفاهمات بين أنقرة وتل ابيب على تخفيف حدة الحصار على غزة، وتهدئة حدة القرارات الصعبة التي اتخذت من جانب إسرائيل في فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. نستنتج مما سبق، أنه الاتصالات بين أنقرة وتل ابيب على المستوى الاستخباراتي الأعلي لم تتوقف، نظرًا لحرص الأخيرة على العلاقة مع أنقرة، بل أن تل أبيب لم تهاجم السياسة التركية في شرق المتوسط رغم تأثيرها السلبي على إسرائيل. من جهة أخرى، أعاد أردوغان قضية فلسطين في محورية الصراع مع تل أبيب، ليضيف بعدًا هامًا في معادلة التفاوضات والمحادثات بين إسرائيل وتركيا حول ملف الغاز، بحيث يتمكن المفاوض التركي من جلب بعض المكاسب للفلسطينين الذين يعانون في تلك الأيام. إن التعاطي مع التصريحات من باب الإنكار التام، سيضع صاحبه في حرج لو حدث وعادت العلاقات بصورة طبيعية، والأقرب للواقع أنها تتجه لذلك، بل الأوجب أن يتم بحيث السياق الكلي لها، والنظر إلى…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022