مستقبل السلطة الفلسطينية بعد التطبيع الإماراتي
هناك تفسيرات عديدة تعزو أسباب رفض السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس أبومازن لاتفاق التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني إلى الخوف من الإطاحة به وبمنظومة السلطة في شكلها الحالي ضمن مخططات إعادة تصميم وهندسة المشهد الفلسطيني الذي يجري ضمن سياق محاولات تصميم المشهد الإقليمي كله بما يضمن تجذير “المشروع الصهيوني” وتكريس تفوقه بل دمجه وقيادته لتحالف إقليمي يضم عواصم تحالف الثورات المضادة (السعودية ــ الإمارات ــ مصر) تحت رعاية أمريكية خالصة. في هذا السياق، يُحذَّر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي من تداعيات اتفاق التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل” على مستقبل السلطة الفلسطينية والإسهام في إضعاف مكانة السلطة، وتعجيل انهيارها بشكل يفضي إلى انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، و”تحسين فرص حل الدولة الواحدة”. ووفقا لتقدير الموقف الذي أعده الباحثان ألون ديكل وكوبي ميخال، يؤكد على أن اتفاق التطبيع مع الإمارات يعتبر “إنجازا استراتيجيا جوهريا” لإسرائيل بسبب عوائده الاقتصادية والأمنية الناجمة عن التعاون الإقليمي، إلى جانب أن الاتفاق يؤذن بانتهاء قدرة الفلسطينيين على استخدام الفيتو على التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي. ودعا إلى توفير غطاء أميركي ومشاركة إماراتية أردنية مصرية لتوسيع إطار التعاون بالإقليم، وضم دول أخرى إلى مسار التطبيع، لا سيما البحرين في المرحلة الأولى، ثم عُمان والسعودية. ويشير التقرير إلى أن التطبيع الإماراتي يأتي في أوج الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها السلطة، ويمثل الضربة الثالثة التي تلقاها الفلسطينيون بعد إعلان خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”، والمخطط الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية.[[1]] ويعترف مركز الأبحاث الإسرائيلي أن الرفض الفلسطيني لصفقة القرن ينطلق من قناعتهم بأنها تتبنى مواقف اليمين الإسرائيلي وأن الهدف الأساسي منها هو تدشين تحالف عربي إسرائيلي أمريكي، وأن اتفاق التطبيع الإماراتي هو جزء من صفقة القرن وجزء من المخططات الأمريكية لتدشين هذا التحالف. أزمة السلطة الفلسطينية مع اتفاق التطبيع الإماراتي أنه جرى دون تنسيق مع السلطة من جهة، ويفضي إلى تهميش دورها أمام حكومات الاحتلال والحكومات الغربية من جهة أخرى، ويسقط المبادرة العربية التي تقررت في قمة بيروت سنة 2002م، والتي تتبناها السلطة كخطة عربية بديلة للمخططات الإسرائيلية والأمريكية؛ وبالتالي يؤدي التطبيع الإماراتي إلى انتهاء مرحلة كانت السلطة فيها تمارس «حق الفيتو» ضد أي عاصمة عربية تقترب من تطبيع العلاقات قبل التوصل إلى حل يقوم على انسحاب (إسرائيل) إلى حدود ما قبل 5 يونيو1967م. وتدشين دولة فلسطينية، عاصمتها القدس وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى قراهم ومدنهم المحتلة. اتفاق التطبيع الإماراتي ــ إذا ــ يفضي إلى انفراط عقد الهامش المتبقى من التماسك العربي ضد (إسرائيل)، ويمثل حالة إغواء مستمرة لبعض العواصم العربية التي ربما ترى في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني مصلحة لها؛ وبالتالي أسهم بشكل مؤثر للغاية في إضعاف موقف السلطة الفلسطينية وتهميش دورها مستقبلا؛ فاليوم بإمكان تل أبيب إقامة علاقات تطبيع مباشرة مع نظم عربية بعيدا عن القضية الفلسطينية ولم يعد حل مشكلة فلسطين شرطا لإقامة مثل هذه العلاقات؛ فحكام الإمارات سنوا سنة سيئة عليهم وزرها ووزر من عمل بها لا يقنص ذلك من أوزار الإماراتيين شيئا. سيناريو تفجير المشهد الأكثر أهمية وخطورة في تقرير مركز الأبحاث الإسرائيلي، أنه يتوقع أن تفضي التحولات الأخيرة إلى تعاظم التنافس داخل حركة “فتح” على القيادة. ولم يستبعد معدا التقرير أن تتحرك بعض القيادات الفتحاوية بهدف الإطاحة بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس. ولا يستثني المركز إمكانية أن تفضي هذه التطورات إلى عودة القيادي المفصول من “فتح” محمد دحلان، المدعوم إماراتياً، الذي تم طرده من صفوف الحركة، والذي تفضله أيضا إسرائيل والولايات المتحدة. ووفق توقعات المركز، فإن دحلان سيحظى بدعم مصري وسعودي، بفعل طابع العلاقة التي تربط الإمارات بهاتين الدولتين. وتوقع مركز الأبحاث الإسرائيلي أن يفضي عدم وجود توافق داخل المعسكرات المتنافسة في الساحة الفلسطينية إلى الحيلولة دون استقرار الواقع الفلسطيني، وهو ما قد يفضي في النهاية إلى انهيار السلطة الفلسطينية. وبالتالي يعزز هذا الفرض حال حدوثه من فرص تكريس حل “الدولة الواحدة” بين النهر والبحر. معنى ذلك أن حكومة الاحتلال ربما تدفع باتجاه تأزيم الصراع على السلطة بعد التخلص من أبو مازن سواء بوفاته بشكل طبيعي لكبر سنه وهو أمر متوقع، أو حتى عبر عملية اغتيال احترافية؛ بحيث تظهر كما لو أنه لقي حتفه بصورة طبيعية، وبالتالي من المتوقع أن يفضي ذلك إلى اندلاع موجات من العنف والفوضى بين أجنحة السلطة المتصارعة ومعظمهم للأسف عملاء للاحتلال، وبالطبع ستسهم حكومة الاحتلال في إشعالها عبر عملائها أو أجهزتها الأمنية والمخابراتية؛ على أن يتزامن مع هذه الفوضى دعوات فلسطينية مشبوهة إلى حكومة الاحتلال بالتدخل بشكل مباشر لوقف الصراع والقضاء على الفوضى والعنف والفلتان الأمني؛ وبالتالي تحقق حكومة الاحتلال مآربها باحتلال كل الضفة الغربية بدعوات فلسطينية على أن تبدو في صورة من يسعى لإقرار الأمن والاستقرار وإطفاء نيران العنف والفوضى والفلتان الأمني، ولا مانع بعد ذلك من إعادة تصميم وهندسة السلطة بما يتماشى تماما مع أهداف الاحتلال ومخططاته الإجرامية، وتصعيد دحلان على رأس السلطة المصممة أساسا لخدمة مشروع الاحتلال. دحلان وخلافة ًأبو مازن ويعزز من مخاوف السلطة ورئيسها وبعض قادة أجهزتها الأمنية الكبار، أنه بعيد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، احتفت الصحف العبرية بما وصفته “مستشار بن زايد السري”، محمد دحلان، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح والمستشار الخاص لولي عهد أبوظبي، معتبرة أن “الصفقة تمت بفضل دحلان، الرجل الذي يهمس في أذن حاكم الإمارات، والذي قد يتوج كخليفة لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية”. ويبدو أن كلاً من الإسرائيليين والأمريكيين يودون مكافأة دحلان على “جهوده” هذه في خدمة المشروع الإسرائيلي، بتحضيره وإعداده لزعامة السلطة الفلسطينية بعد عباس، ويتحدث موقع “i24 الإسرائيلي” عن أن عودة دحلان “ستزيد الصراع في قيادة حركة فتح على قيادة السلطة الفلسطينية”، إذ كان دحلان منافساً لحليفه السابق في فتح محمود عباس قبل أن يفر إلى المنفى، ويقول تسيفي يحزكيلي محرر الشؤون العربية في القناة 13 العبرية، في حوار مع صحيفة معاريف، إن “غضب السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس من الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات له ارتباط بمحمد دحلان”، مضيفاً أن “أحد أسباب غضب أبومازن الحقيقية من اتفاق الإمارات وإسرائيل هو خشيته أن يجهز محمد دحلان ليكون صاحب السلطة، رغم أنه شخصية لا تحظى بشعبية بين الفلسطينيين، بل ربما سيدفع ثمن صفقة أبوظبي مع تل أبيب، رغم أنه يعمل مستشاراً أمنياً للإمارات، وهذه وظيفة رائعة له، ودخلها المالي جيد”، مردفاً: “لكن بعد رحيل محمود عباس، لا أعلم ما إذا كانت أموال دحلان ستلعب دوراً حول مستقبله في السلطة، رغم أن التقييمات الاستخبارية الإسرائيلية تتحدث عن احتمالية كبيرة لسفك الدماء والعنف بين الفلسطينيين في اليوم التالي لغياب عباس، فالضفة الغربية ساخنة، فيها الكثير من الأسلحة والمصالح المتناقضة، والكثير من المسؤولين الذين يريدون هذا المنصب”.[[2]]…